العدالة من منظور فلسفة عصر التنوير


فئة :  أبحاث محكمة

العدالة من منظور فلسفة عصر التنوير

العدالة من منظور فلسفة عصر التنوير

ملخص الدراسة:

تشكل العدالة مطلبا إنسانيا، فبدونها لا يستقيم الحديث عن حقوق للأفراد، لعل ذلك هو ما دفع فلاسفة عصر التنوير إلى اعتبارها الفضيلة الأولى والغاية القصوى للدولة ومؤسساتها. إذا كانت العدالة هي ما يجعل الحق ممكنا، فإن العدالة هي معيار للحكم على طريقة عمل المؤسسات وعلاقات الأفراد بعضهم ببعض. لعل ذلك هو ما يفسر اهتمام فلاسفة عصر التنوير بوضع نظرية في العدالة، منذ توماس هوبز، الذي ربط العدالة بالقوانين المدنية، وبضرورة وجود سلطة ملزمة مرورا بجان جاك روسو الذي اعتبر الإحساس بالعدالة أمرا متجذرا في الإنسان؛ إذ هي بالنسبة إليه إحساس سابق حتى على وجود القوانين، ومن ثمة، فإن حمايتها تعدّ الغاية الأولى للعقد الاجتماعي وصولا لإيمانويل كانط وفريدريك هيغل.

لقد أسس إيمانويل كانط نظريته على أسبقية الحق، واعتقد أن العدالة ليست سوى القوانين التي تضمن التوافق بين حرية الفرد وحرية الآخرين وفقا لناموس شامل للحرية، موجها نقدا لاذعا للمذهب النفعي كما مثله جيريمي بنتام وجون ستيورات ميل. في حين رأى هيغل أن العدالة تتأسس على نوع من الوعي بالذات، وهي التي تنقل الحق من مستواه الذاتي إلى مستواه العيني المحقق.

على سبيل التوطئـــة:

شكلت العدالة أحد أهم المواضيع التي اشتغلت عليها الفلسفة السياسية والأخلاقية، ولعل مرد ذلك، يكمن في أن هذا المفهوم بالذات، يأخذ أبعادا متعددة؛ منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو أخلاقي. إن العدالة تشكل النقيض المباشر لمفهوم الظلم؛ فالعادل من الناحية الأخلاقية يشمل كل السلوكيات التي تنسجم مع ما تقتضيه الفضيلة من استقامة. وترتبط العدالة من الناحية الاقتصادية، بالتوزيع العادل للخيرات والمنافع المادية، بينما تشير من الناحية القانونية إلى كل فعل لا يتعارض مع القوانين الملزمة.

صحيح أن دلالة العدالة تختلف من فيلسوف لآخر؛ فالعدالة كما يفهمها أرسطو ليست هي العدالة وفق فهم هوبز، كما أن العدالة حسب روسو تختلف عن العدالة عند إيمانويل كانط أو هيغل. ومع ذلك، لا يمكن أن ننفي أن العدالة تظل مطلبا إنسانيا لكل المجتمعات عبر العصور؛ فهي الغاية من الاجتماع البشري، خاصة وأن الطبيعة إذ منحت الناس قوى، فقد جعلتها غير متكافئة، ومن ثمة فالعدالة هي الفكرة العقلية - بلغة هيغل- التي تجعل من قيام مجتمع واتحاد بين الأفراد أمرا ممكنا.

سوف نحاول في هذه الورقة البحثية، أن نسلط الضوء على فكرة العدالة كما فهمها فلاسفة عصر التنوير، وقد آثرنا الاشتغال على أربعة فلاسفة؛ وهم توماس هوبز وجان جاك روسو، وإيمانويل كانط وفريديك هيغل. إننا لا نزعم من خلال هذه الورقة أننا أحطنا بمفهوم العدالة في عصر التنوير من مختلف الجوانب؛ ذلك لأن كل فيلسوف يستحق بحثا مستقلا، كما أن هناك فلاسفة ساهموا بتقديم تصورات حول العدالة نذكر منهم على سبيل المثال، فلاسفة الأنسكلوبيديا وعلى رأسهم ديدرو ودلامبير وهلفسيوس ودولباخ أو حتى بعض الاشتراكيين الطوباويين من أمثال جان مسلييه وبيير جوزيف برودون.

وتحاول هذه الورقة الإجابة عن مجموعة من التساؤلات، منها: كيف تتحدد العدالة في الأنساق الفلسفية الكبرى للقرنين السابع عشر والثامن عشر؟ وما الذي يجعل العدالة من الأهمية، حيث شكلت محور اهتمام فلاسفة عصر التنوير؟ وما المعايير التي بمقتضاها نقول إن هذا المجتمع عادل وأن الآخر ليس كذلك؟

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا