النسق التأويلي اللغوي عند الزمخشري في كتابه "الكشاف"


فئة :  أبحاث محكمة

النسق التأويلي اللغوي عند الزمخشري في كتابه "الكشاف"

النسق التأويلي اللغوي عند الزمخشري في كتابه "الكشاف"

خديجة اليتيم[1]

ملخص البحث:

يسعى هذا البحث إلى دراسة النسق التأويلي عند أبي القاسم الزمخشري في كتابه "الكشاف" بغية التحقق من مسألتين اثنتين: الأولى، أن النسق التأويلي عند أبي القاسم هو نسق لغوي يقوم على أساس اللغة، والثانية، أن الزمخشري اعتمد منطقا معينا في تفسيره وتأويله للقرآن الكريم، وسيتم ذلك من خلال الوقوف عند ماهية التأويل عند الزمخشري ومنطقه واتجاهاته وآلياته، وهو ما سيمكننا من استخلاص عناصر النسق التأويلي اللغوي الذي اعتمده الزمخشري ومارسه في تأويله للقرآن الكريم.

مقدمة البحث وأهميته ومنهجه:

تتناول هذه الدراسة مشكلة التأويل اللغوي عند أبي القاسم الزمخشري في كتابه: "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل"، من خلال الإجابة عن سؤالين محورين هما: هل استطاع الزمخشري فعليا التأسيس لنسق تأويلي لغوي في كتابه الكشاف؟، وإلى أي حد يمكن أن تساهم اللغة بمكوناتها وظواهرها في تأويل النص القرآني؟.

والأكيد أن هناك مجموعة من الدراسات التي تطرقت لموضوع التأويل عند الزمخشري، إلا أن ما يميز هذه الدراسة عن سابقاتها أنها تبحث في النسق الجامع الذي سار عليه الزمخشري في تأويله للقرآن الكريم، كما أنها تركز على إبراز الجانب اللغوي الذي اعتمده، دون إغفال للجوانب السياقية والتداولية التي نجدها حاضرة في تفسيره. وبذلك، فإن هذه الدراسة تسعى لأن تؤصل لكل هذه الجوانب في كتاب "الكشاف".

أما بخصوص الإضافات التي سيقدمها هذا البحث، فيمكن تقسيمها إلى نوعين:

-إضافة معرفية: وتتمثل في أن هذا البحث سيسلط الضوء على مفهوم قديم وحديث في الآن نفسه، وهو مفهوم التأويل اللغوي، حيث سيبرز لنا ملامح حضوره عند أبي القاسم الزمخشري في كتابه "الكشاف"، وهوما سيفتح آفاقا علمية كالمقارنة مثلا بين التأويل اللغوي عند الزمخشري، وبين التأويل اللغوي عند دارسين محدثين. أضف إلى ذلك أن هذه الدراسة ستمكننا من الوقوف على مجموعة من المفاهيم الحديثة التي وظفها الزمخشري في تفسيره.

- إضافة تربوية: ذلك أن هذا البحث سيوضح لنا كيفية ربط الزمخشري بين اللغة بفروعها، وبين الدلالة ليقف عند المعاني الملائمة للآيات القرآنية، وهي طريقة يمكن توظيفها في تدريس مكونات اللغة العربية في مختلف الأسلاك، حيث لن يكتفي المتعلم بحفظ القواعد اللغوية، وإنما سيربطها بالدلالة ليستخلص معاني النص الذي بين يديه.

ونظرا لطبيعة البحث، ارتأينا أن نستعين بالمنهج الوصفي والمنهج التحليلي؛ وذلك للأسباب التالية:

-  التمكن من عرض آراء الزمخشري وأوجه التأويل التي اعتمدها.

-  مناقشة المسائل المطروحة في المتن.

-  تحليل أوجه التأويل عند الزمخشري من أجل استخلاص نسقه وتجربته التأويلية.

تمهيد:

لا شكّ في أن التأصيل الإبستمولوجي للهرمينوطيقا أو علم التأويل، وتأسيسه لصرح معرفي خاص به، إنما كان دافعه الأول والأخير هو الفهم؛ فهم الوجود الإنساني، فهم المحيط المرتبط به، ثم فهم النصوص خاصة وتحليلها وضمان استمرارها؛ لأن خلود النص وبقاءه لا يكون إلا بتعدد الرؤى والقراءات في مختلف العصور، وتأتي في مقدمة هذه النصوص؛ النصوص المقدسة لما لها من قيمة نفسية ومعنوية عند الإنسان، ولذلك نزعم أنه رغم الاختلاف الموجود بين التأويليات الغربية والتأويليات العربية، إلا أن انطلاقتهما كانت واحدة، وهي فهم النص المقدس وتوضيح معانيه.

أما بالنسبة إلى النص القرآني، فقد كان موحد الفهم عند عموم المتلقين في عصر نزوله؛ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو مفسره ومؤوله، لكن أمام التحولات التي شهدها المجتمع الإسلامي وتعدد المصالح، وتغير رؤى المتلقين، وظهور علوم جديدة وإشكالات كثيرة، أصبح النص القرآني محط التأويل ومنفتحا على القراءات المتعددة، ونتيجة لذلك ظهر مفسرون ومؤولون أبدعوا في تأويل القرآني الكريم وفهمه، وبغض النظر إن كانت تلك التأويلات مبنية وفق ضوابط وقواعد علمية أم لا، إلا أن شهادات ثلة من الباحثين المتقدمين والمحدثين حول مجموعة من التفاسير العربية، والثناء على قيمتها المعرفية، تؤكد براعة هؤلاء المفسرين والمؤولين في فهم النص القرآني المقدس وبلوغ الغاية منه.

ويعد أبو القاسم الزمخشري من أشهر علماء التفسير والتأويل الذين سعوا إلى فهم آي الذكر الحكيم وإظهار معانيه ودلالاته الحقيقية المتوارية خلف المعنى الظاهر، مهتديا بعلمه الغزير ومدعوما بعقيدته الاعتزالية التي آمنت بسلطة العقل وبقدرته على الإرشاد إلى المعنى القويم والصحيح، وجمع كل ذلك في كتابه الشهير "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل"، والذي يعتبر من المصادر المهمة التي فسرت القرآن الكريم ومنحته تأويلات وقراءات في منتهى الدقة والبيان، بالاستناد إلى اللغة التي أصبحت طابعا مميزا لتأويله.

من هنا جاء موضوع دراستنا في محاولة لملامسة التجربة التأويلية لأبي القاسم الزمخشري في كتابه "الكشاف"، والبحث عن النسق الذي حكم تأويله للقرآن الكريم، والذي نفترض أنه نسق تأويلي لغوي، يقوم على آليات وضوابط لغوية، تتجاوز النظرة التقليدية التي ترى اللغة مجرد قواعد رياضية خالية من أي محتوى دلالي إلى توظيفها في خدمة النص القرآني، بل وجعلها الأساس الذي ينبني عليه الفعل التأويلي.

أولا: التأويل عند الزمخشري: ماهيته، منطقه، واتجاهاته

إن البحث في ماهية التأويل عند الزمخشري ليست غاية سهلة، بل عملية مركبة، تستوجب منا ألا نقف عند حدود مفهوم علم التأويل عنده، فذاك قد يبعدنا عن غايتنا المنشودة. كما أنه قد يوقعنا في الخلط بين المفهوم والماهية؛ لأن الأول يقتصر على تحديد التصور الذهني للمفهوم، في حين أن الماهية تتجاوز ذلك إلى إظهار شروطه واتجاهاته ودعائمه التي يقوم عليها، ومن ثمة كان لابد من أن نعضد وندعم مفهوم التأويل عند الزمخشري بعناصر أخرى نرى أنها كفيلة بتوضيح التصور الأنطولوجي لعلم التأويل عند الزمخشري وإبراز ماهيته، وهذه العناصر هي: مفهوم التأويل، منطق الزمخشري في التأويل، اتجاهات التأويل.

1- مفهوم التأويل:

إن الملفت في تفسير الكشاف أن الزمخشري، رغم كونه ضمن عنوان كتابه مفهوم التأويل، إلا أنه لم يحدد تعريفا واضحا ومباشرا لهذا العلم. ولعل ذلك يعزى إلى غلبة الجانب التطبيقي على الجانب النظري في الكتاب، غير أن ذاك لم يمنعه من أن يتناول هذا المفهوم في مواضع أخرى من أعماله، والحديث هنا عن معجمه "أساس البلاغة" الذي أورد فيه تعريفا لغويا لمفهوم التأويل، حيث يقول في مادة 'أول': "أول آل الرعية، يؤولها إيالة حسنة، وهو حسن الإيالة، وأتالها وهو مؤتال لقومه مقتال عليهم؛ أي سائس محتكم، وأول القرآن وتأوله، وهذا متأول حسن: لطيف التأويل جدا"[2]؛ معنى ذلك أن الزمخشري ربط مفهوم التأويل بالإيالة؛ أي السياسة.

وننوه هنا إلى أن الزمخشري لم يكن اللغوي الوحيد الذي عرف التأويل بالإيالة / السياسة؛ ففي نفس السياق يذهب الفيروز أبادي قائلا: "وقيل اشتقاقه من الإيالة بمعنى السياسة، تقول العرب: (ألنا وإيل علينا) أي سسنا وسيس علينا؛ أي ساسنا غيرنا"[3].

وعلى هذا يكون المؤول بحسب الزمخشري هو الذي يسوس الكلام، ويضع المعنى الموضع اللائق به والمناسب له.

وإذا كان قد ذكر مفهوم التأويل في معجمه تصريحا، فإننا نجده في تفسيره يبث معناه في إطار تأويله للآيات القرآنية، وقد حاولنا تتبع إيراد لفظة التأويل في تفسير الكشاف، وتحديدا في سورة البقرة، باعتبارها أطول سورة في القرآن، حتى تتبين لنا السياقات التي أورد فيها الزمخشري هذا المفهوم، لنتمكن من توسيع دائرة تعريفه اللغوي الذي قدمه في معجمه أساس البلاغة، وقد اتضح بعد دراستنا الإحصائية أن لفظة التأويل قد ذكرت خمس مرات في سورة البقرة، وندلل على ذلك بالجدول التالي:

سياق ورود لفظة "التأويل"

الصفحة

-   وردت لفظة تأويل في سياق الحديث عن سبب استخدام اسم الإشارة "ذلك" للمذكر، علما أن المشار إليه مؤنث، فيقول: "قلت: جاز ذلك على تأويل ما ذكر وما تقدم للاختصار".

-   وردت لفظة تأويل في إطار بيان الزمخشري أن الضمير المتصل بالفعل "اضربوه" يرجع إلى الشخص والانسان.

-   جاءت لفظة تأويل في سياق توضيح المرجع الذي تحيل عليه حرف الهاء في "ووصى بها".

-   جاءت لفظة تأويل في إطار بيان المضاف المحذوف في قوله: "ولكن البر" فأوله قائلا: "ولكن ذي البر".

-   وردت كلمة تأويل في قوله: "وأن يتم الرضاعة برفع الفعل تشبيها لأن بما لتآخيهما في التأويل".

81

 

 

82

97

 

109

 

135

بعد جردنا مجمل موارد لفظة التأويل في سورة البقرة، نستطيع أن نخلص إلى ثلاث ملاحظات مهمة بخصوص توظيف الزمخشري لهذا المفهوم:

- بما أن الزمخشري أورد كلمة "تأويل" في مرات كثيرة ومواضع عديدة من كتابه "تفسير الكشاف"، فهو يقر إذن ويعي بأن كتابه يندرج ضمن علم التأويل، وهو ما يترجمه عنوان كتابه الذي يتضمن حمولة تأويلية ظاهرة.

- لاحظنا في كل الأمثلة التي ذكرناها أن الزمخشري يورد لفظة "تأويل"، وهو يحلل جملة أو عبارة انطلاقا من بنيتها اللغوية، وهذا يؤكد لنا أن التأويل عند الزمخشري يقترن باللغة، مما يدعم صحة ما قلناه سابقا عن كون تأويله للقرآن هو تأويل لغوي محض.

- يتبين من خلال تتبعنا الدقيق لتوظيف لفظة "التأويل" في سورة البقرة، أن التأويل عند أبي القاسم الزمخشري يبحث في المعنى الضمني المحتمل للقول أو الكلام.

وإذا أضفنا المعنى اللغوي إلى جانب ما توصلنا إليه، نخلص إلى أن الزمخشري يعرف التأويل على أنه العلم الذي يهتم بدراسة المعنى المضمر في القول من خلال وضع المعنى الموضع الذي يحتمله ويليق به.

ولعل ما يؤكد لنا صحة ما توصلنا إليه هو قوله في سورة يوسف: "بتأويله ببيان ماهيته وكيفيته ... التأويل؛ أي ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات"[4]، وفي سياق آخر يقول في تأويله للآية الكريمة: "هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله"[5]، "إلا تأويله: إلا عاقبة أمره"[6]، فهنا نلاحظ أن الزمخشري أول معنى "إلا تأويله" بـ "عاقبة أمره"، فاختار للفظة "التأويل" المعنى اللائق والمحتمل لها حسب السياق الذي وردت فيه.

وعليه يمكن القول، إن الزمخشري وإن لم يصرح بتعريف واضح لمفهوم التأويل، إلا أنه قد ذكره في ثنايا تأويله للآيات القرآنية.

إن مهمة التأويل بهذا المعنى، هي البحث في الاحتمالات الممكنة للنص، واختيار المعنى المناسب واللائق له، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التأويلات والاحتمالات تتغير دائما بحسب سياق النص وجوانبه المتعددة. وهذا ما ذهب إليه دايفيد جاسبر David Jasper مستشهدا بقولة لشلايرماخر Schleiermacher يقول فيها: "إن مهمة الهرمينوطيقا تتغير باستمرار، والتفسيرات كلها تحث فقط على السعي لتحصيل رؤى جديدة وعلى الدخول في محادثات جديدة، كما لو كنا نتسلق جبلا، وحين نظن أننا وصلنا إلى القمة تدرك فقط هناك أن هنالك قمة أخرى أعلى ورائها تختبئ وراء شعورنا المؤقت بالنصر"[7].

هذه الرؤية التي قدمناها بخصوص التأويل عند الزمخشري، تضعنا أمام الخطوات الأولى وتقربنا أكثر من إشكالية البحث المتمحورة حول الكشف عن النسق التأويلي اللغوي الذي نحاه الزمخشري في تفسيره الكشاف، وهو نسق كما سيتضح يقوم على فعل تأويلي مشروط بقواعد محددة ومنفتح على آليات وطرائق مختلفة ومترابطة ومحدد بدعامات معينة من أجل فهم النص وتأويل الخطاب القرآني المقدس.

2- منطق الزمخشري في التأويل:

لاشك أن تأليف الزمخشري لكتابه "الكشاف" كان مؤسسا وفق خطة ذهنية رسمها الزمخشري قبل أن يباشر التأليف؛ ذلك أنه ما دمنا نتحدث عن وجود نسق معين نهجه أبو القاسم في تفسيره، فهذا يقودنا مباشرة إلى طرح فرضية أخرى، وهي وجود منطق محدد يحكم تفسير الكشاف بأجزائه الستة.

وحتى تتضح لنا معالم هذا المنطق، سننطلق مما ورد في مقدمة كتابه، حيث يقول: "فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام، والمتكلم وإن برز أهل الدنيا في صناعة الكلام، وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ، والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ، والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه، واللغوي وإن كان علك اللغات بقوة لحييه، لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعاني وعلم البيان"[8].

انطلاقا من هذا القول، يظهر أن الزمخشري يتحدث عن المؤهلات والشروط الواجب توفرها في المفسر لكتاب الله، وأهم هذه الشروط أن يكون المفسر متمكنا من علمين مهمين هما: علم المعاني وعلم البيان؛ معنى ذلك أن المنطق الذي بنى عليه الزمخشري تفسيره وانطلق منه في تأويلاته هو التأكيد أن علم البلاغة بفرعيه علم المعاني وعلم البيان هما الجوهر الذي لا يستقيم من دونهما تفسير القرآن والحاضن المنهجي الأول لولادة المعاني القرآنية وفهمها وتفسيرها ثم تأويلها، فقد "كان الزمخشري يعتقد أن تفسير القرآن أمر لا يدرك إلا عن طريق علمي المعاني والبيان، وأنه ما من فقيه، ولا متكلم، ولا لغوي، ولا نحوي، ولا حافظ أو واعظ، أيا كان مبلغه من العلم، يستطيع أن يتصدى لتفسير القرآن"[9] ما لم يبرع في هاذين العلمين.

لقد جعل الزمخشري من علمي المعاني والبيان الأصل في التفسير القرآني والمركز الذي تدور حوله المعاني القرآني، لذلك اشترط في المفسر أن يكون عالما وملما بهما، حتى يستطيع أن يدرك المعاني الخفية، والدلالات الغامضة، والوجوه المتعددة للخطاب القرآني. فلا غرابة إذن أن نجد عددا من الدارسين يعتبرون تفسير "الكشاف" من أهم التفاسير البيانية والبلاغية. وقد ذكر ابن خلدون في مقدمته عن فن البيان ما نصه: "وأحوج ما يكون إلى هذا الفن إلى المفسرون، وأكثر تفاسير المتقدمين غفل منه حتى ظهر جار الله الزمخشري، ووضع كتابه في التفسير وتتبع آي القرآن بإحكام هذا الفن...فانفرد بهذا الفضل عن جميع التفاسير"[10]، وشهادة ابن خلدون دليل على براعة الزمخشري وإجادته لعلم البلاغة، وكذا حرصه على توظيف علومها في ثنايا التأويل القرآني.

وبالرجوع إلى القول المتضمن في مقدمة الكشاف، يبدو واضحا أن الزمخشري يسعى للتأكيد على أمرين هما:

الأول: أنه الرجل المؤهل لمهمة تفسير القرآن وتأويله، فهو حينما يتحدث عن مؤهلات المفسر، إنما يقصد بذلك نفسه تحديدا، كونه الرجل الذي برع في علمي المعاني والبيان.

الثاني: أن تفسير القرآن وتأويله ليس متعلقا بحفظ الآثار والأخبار ومراجعة الروايات، ولا متوقفا على معرفة أسباب نزول السور والآيات، ولا حتى على معرفة أصول الفقه والدين بفروعه المتعددة، إنما السر كله يكمن في علمي المعاني والبيان؛ لأن القرآن الكريم نص مكتوب يستدعي من المفسر أو المؤول أن يتعامل مع لغته أولا، وأن يراعي التجسيد والتمثيل اللغوي للمضامين القرآنية، والزمخشري قد تبين ذلك وأقر بأن مدار الأمر كله في التأويل والتفسير هو التمكن من علمين مختصين بالقرآن هما: علم المعاني وعلم البيان.

والأمر الثاني الذي حكم منطق الزمخشري في التأويل وسار وفقه: هو التدليل على صحة نظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني؛ ذلك أن أبا القاسم كان من أشد المتأثرين بهذه النظرية، وسعى إلى توضيح فعاليتها من خلال تفسيره "الكشاف" الذي عده البعض نموذجا تطبيقيا لنظرية النظم عند الجرجاني.

لقد كان الزمخشري من أفضل المفسرين الذين طبقوا نظرية النظم تطبيقا دقيقا على النص القرآني من أوله إلى آخره، ليثبت أن إعجاز القرآن إنما هو بنظمه وبلاغته، فتناول جميع موضوعات النظم التي جاء بها الجرجاني في كتابيه "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة"، بل إنه لم يترك أسلوبا ذكره عبد القاهر الجرجاني إلا وساق عليه أمثلة من القرآن الكريم كالحذف والتقديم والتأخير وغيرها، "حتى قيل عن الزمخشري متمم لعمل الجرجاني في البلاغة"[11].

وتتبع الزمخشري لمنهج الجرجاني لم يمنعه من ابتكار مباحث بلاغية جديدة؛ فعلى سبيل المثال في تأويله للآية الكريمة: "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"[12] نجد أنه تجاوز مباحث الفصل والوصل التي أقرها الجرجاني إلى التركيز على دلالاتها العميقة؛ فنبه أولا إلى ما في "الم" من حذف ورمز إلى الغرض بألطف وجه وأرشقه، وثانيا إلى ما في تعريف كلمة "الكتاب" من فخامة وكمال، وأشار ثالثا إلى ما في تقديم "الريب" على الظرف "فيه" من نفي على وجود ريب أو شك بهذا الكتاب، ورابعا إلى ما في الحذف ووضع المصدر "هدى" موضع "هاد" من إخبار على أنه كتاب هاد للمتقين.

والإضافة الثانية التي قدمها الزمخشري وتجاوز بها الجرجاني، هي إقراره بأن القرآن معجز بنظمه وبما فيه من أخبار بالغيوب، خلافا للجرجاني الذي بين أن القرآن معجز بنظمه فقط نافيا لجوانب الإعجاز الأخرى، وما يؤكد هذا الطرح هو قوله في تأويله للآية الكريمة: "فاعلموا أنما أنزل بعلم الله"[13]، "أي أنزل ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله من نظم معجز للخلق، وأخبار بغيوب لا سبيل لهم بها"[14].

إذن فالزمخشري أضاف شيئا جديدا بين من خلاله إعجاز القرآن، فهو قد أخذ برأي الجرجاني من حيث إن القرآن معجز بنظمه، لكنه التفت أيضا إلى ما في القرآن من أسرار وغيوب لا سبيل لأحد لمعرفة كنهها.

وهكذا يتضح بما لا يدع مجالا للشك، أن شخصية الزمخشري كانت بارزة وبقوة وفارضة نفسها في مجال البحث الإعجازي في القرآن الكريم.

استنادا إلى ما تقدم، يبدو جليا أن التأويل عند الزمخشري يحكمه منطق محدد يسير في اتجاهين:

-  التأكيد أن تفسير القرآن وتأويله يستدعي من المفسر والمؤول أن يكون بارعا وملما بعلم المعاني وعلم البيان.

-  الكشف عن الإعجاز القرآني من خلال تطبيق نظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني.

3- اتجاهات التأويل عند الزمخشري:

إن المطلع على كتاب الكشاف يستطيع أن يرى بوضوح الاتجاهات العلمية المتعددة التي سلك بها الزمخشري سبيله في التفسير والتأويل، وهي كلها اتجاهات مضمومة بعضها إلى بعض، تعكس لنا من جهة ملامح شخصية الزمخشري العلمية المثقفة، وتبرز لنا من جهة أخرى سعة نسقه التأويلي الذي يتوخى دائما كشف المعاني القرآنية وحقائقها الغامضة، فهو نسق عام منفتح على اتجاهات معرفية متنوعة، وليس مقيدا باتجاه واحد، الشيء الذي يجعل منه نسقا كونيا إلى حد ما، وهذا أمر له مسوغه؛ لأن التعاطي لتفسير الكتاب المقدس وتأويله عمل يستدعي من صاحبه ألا يكتفي بعلم واحد، وإنما يجب عليه الاطلاع على كل علم والأخذ منه بما يعينه على أداء هذه المهمة.

وعموما فقد سلك الزمخشري في كشافه ستة اتجاهات معرفية كبرى، مكنته من الوقوف على خبايا النص القرآني، ونذكرها كالآتي:

v الاتجاه اللغوي

يحضر هذا الاتجاه في الفكر التأويلي عند الزمخشري بشكل واضح ومكثف، فقد وظف فيه جل العلوم العربية من لغة ونحو وصرف وصوت وبلاغة ومعجم، وهو ما جعلنا نبني فرضية مسبقة بأن النسق التأويلي عند أبي القاسم الزمخشري هو نسق لغوي بالدرجة الأولى، فكل آية يقف عندها يتأولها تأويلا لغويا.

إن استناد الزمخشري إلى هذا الاتجاه يرجع أساسا إلى كونه عالما لغويا ملما بجميع العلوم العربية. ولذلك فمن البديهي أن يجعل اللغة بفروعها المتعددة سبيله الأول في التفسير والتأويل؛ أضف إلى ذلك أن الغاية التي حركت الزمخشري لتأليف كتابه هو الكشف عن إعجاز النظم القرآني، وهذا الكشف لا يتحقق إلا بالتوجه نحو اللغة والبحث في خباياها وأسرارها.

v الاتجاه الفقهي

يعكس لنا هذا الاتجاه صورة الزمخشري الفقيه العالم بأصول الدين ومذاهبه وأحكامه. وتظهر تجليات هذا الاتجاه في أن تفسير الكشاف، إنما وضع بغرض فهم النص الديني وقضاياه الإعجازية والغيبية، وكذا توضيح ما ورد فيه من أحكام دينية وفقهية، ولذلك لا يكتفي فقط بشرح ما غمض من هذه المسائل، وإنما يستدل عليها بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضا بأقوال الأئمة الكبار أمثال الشافعي ومسلم والبخاري والترمذي وأبي حنيفة.

والذي تجدر الإشارة إليه أن الزمخشري، رغم كونه حنفي المذهب كما يقر هو نفسه بذلك، حيث يقول:

وأسند ديني واعتقادي ومذهبي               إلى حنفاء أختارهم وحنايفا

حنيفية أديانهم حنفية                 مذاهبهم لا يبتغونا الزعانفا[15]

إلا أن ذلك لم يمنعه من الاستدلال بآراء هؤلاء الأئمة المعروفين. ولسعة أفقه، نجده أحيانا يفضل حكم مذهب آخر غير مذهبه، تماما كما جاء في شرحه وتفسيره للآية الكريمة من سورة البقرة: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح"[16]، حيث أخذ بالمذهب الشافعي، ورأى أنه الأصح والأوجه من المذهب الحنيفي، يقول: "يعني إلا أن تعفوا المطلقات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر أو يعفوا الذي يلي عقد نكاحهن وهو مذهب الشافعي، وقيل هو الزوج وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملا، وهو مذهب أبي حنيفة، والأول ظاهر الصحة"[17].

وفي كثير من الأحيان، نجد الزمخشري يبدي رأيه الفقهي الخاص دون ما حاجة للاستدلال بآراء الفقهاء والعلماء؛ فعلى سبيل المثال في الآية الكريمة: "وأتموا الحج والعمرة لله"[18] يقول: "هل فيه دليل على وجوب العمرة؟، قلت: ما هو إلا أمر بإتمامهما ولا دليل في ذلك على كونهما واجبين أو تطوعيين، فقد يؤمر بإتمام الواجب والتطوع جميعا إلا أن تقول الأمر بإتمامهما أمر بأدائهما..."[19]

وفي الكشاف نماذج كثيرة، توضح هذا الاتجاه الفقهي الذي سلكه الزمخشري في تفسيره؛ ذلك أن القرآن ألفاظ ومعان وأحكام، وإذا كانت الأولى والثانية تتطلب الفطنة والحكمة لتأويلها واستنباط دلالاتها ومعانيها، فإن الثالثة تستوجب عليه الدراية والمعرفة بأصول الدين وأحكامه.

v الاتجاه الأدبي

لاشك أن الناظر في طريقة كتابة الزمخشري وتعبيره، يستطيع أن يتلمس وبجلاء أسلوبه الأدبي في الكتاب، "فهو كأديب تطالعنا شخصيته في ثنايا تفسيره، فهو إن فسر أديب ذواقة للمعنى وجماله، وللأسلوب وحلاوته، وإن فضل قراءة فضلها لجمال معناها وأسلوبها، وإن عرض للنحو عرض له عرض من يقدر الجمال معنى ولفظا"[20].

ويظهر أن حضور هذا الاتجاه كموجه تأويلي وحجاجي في الآن نفسه، إذ يستحضر من خلاله الزمخشري أبياتا شعرية وأحاديث نبوية وأمثال عربية كشواهد استدلالية وبرهانية على صحة تفسير قدمه لآية من الآيات القرآنية؛ كما ينطوي أيضا على حسّ سردي قصصي لإمتاع القارئ وشد انتباهه لمسايرة المعاني التأويلية المتضمنة في الآيات القرآنية، فنجده يقدم روايات متعددة بما يخدم تفسير الآي، فضلا عن استخدامه لأسلوب السؤال والجواب من بداية التفسير إلى نهايته.

وفي أحيان أخرى، تدفع به ثقافته الأدبية أمام بعض الآي إلى أن يستطرد استطرادات أدبية، كما في الآية الكريمة: "ويكتمون ما أتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا"[21]، فاستطرد في شرحه لهذه الآية بأن عرض لحديث نبوي شريف، وقصة هارون الرشيد مع عامله وبخل اليهود، يستدل بها على ضرورة النفقة والتمتع بنعم الله واجتناب البخل.

وهكذا يمكننا القول بعد وقوفنا على متن الزمخشري ودراسته دراسة تحليلية، إن هناك نسقا واضحا ومنطقا محددا سلكه الزمخشري في تأويله للقرآن الكريم، وهو نسق تأويلي جديد من حيث تصوره، لكنه قديم من حيث متنه وموضوعه، الأمر الذي يدفعنا إلى موقعة الكشاف بين التأويل العربي القديم الذي يجعل من القرآن الكريم مدار التأويل والتأويلية الغربية التي تجعل من اللغة منطلقها في التأويل. أضف إلى ذلك انفتاح هذا النسق على اتجاهات متعددة وعدم اقتصاره على اللغة، فتارة ينحو الاتجاه النحوي والبلاغي واللغوي وتارة أخرى الفقهي والأدبي.

ثانيا: آليات التأويل عند الزمخشري:

مما لاشك فيه أن تحصيل المعاني القرآنية وتأويلها، والوصول إلى كنهها وبواطنها عملية تتطلب من المفسر والمؤول الإحاطة بحيثيات النص المقدس من جميع جوانبه، وعدم الاقتصار على جانب أو ناحية محددة؛ لأن النص القرآني وإن كان مقدسا، فهو في عمقه لا يختلف عن النصوص الأدبية واللغوية الأخرى، "فتأويل النصوص الكتابية المقدسة يخضع لشرائط الفهم عينها التي يستقيم بها فهم أي جنس أدبي"[22]، لذلك فالنصوص كيفما كان مجال انتمائها تحتكم لقواعد وضوابط محددة، ومن ثم فإن تأويلها يبقى واحدا مع تفاوت في الأدوات والآليات المستعملة في ذلك.

لقد ظل تأويل النص القرآني فترة طويلة مثار جدل بين الدارسين والمؤولين، نظرا لما تميز به هذا النص من خصوصية وتفرد عن النصوص الأخرى، وكذا لتعدد وجوهه التأويلية، لذلك فقد كان دائما هو المحرك لدائرة التأويل عند المؤولين العرب.

واحتدام الجدال بين المفسرين والمؤولين حول فهم النص القرآني وتفسيره، تجلى أساسا في تعدد الآراء والتصورات واختلاف الأدوات والآليات المعتمدة لتحقيق هذا الغرض، فهناك من عمد في تفسيره إلى الأقوال المأثورة، وهناك من اختار النظر برأيه وعقله، جاعلا من علوم العربية سبيله إلى ذلك. ونحن حينما نتوجه صوب تفسير "الكشاف" لأبي القاسم الزمخشري نجد أنه كان حريصا على ألا يغفل أي جانب يتعلق بالنص الديني، فأوله وفق منهجية علمية تتصل بدراسة مختلف علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة، مع الأخذ بالاعتبار الجانب التداولي والسياقي للآيات والسور الحكيمة.

وقد قادتنا دراستنا التحليلية إلى حدود هذا المبحث إلى ست آليات تأويلية، وظفها الزمخشري لاحتواء معاني النص القرآني وفهم مقصوده، بعضها اصطبغ بصبغة تأويلية محضة، والبعض الآخر اصطبغ بصبغة تأويلية وحجاجية في الآن نفسه، ونذكر هذه الآليات كالتالي:

1- التأويل اللغوي:

لا يمكن لقارئ "الكشاف" إلا أن يقر بعد الانتهاء منه بأن تأويل القرآن الكريم عند أبي القاسم الزمخشري هو تأويل لغوي بشكل أساسي؛ ذلك أن الزمخشري توجه نحو تفسير النص القرآني متخذا من اللغة قاعدة رئيسة ومركزية في التأويل؛ فاللغة في نظره شيء جوهري في فهم النص الديني، لذلك فإن النفاذ لهذا النص ينبغي أن يبدأ من بنيته اللغوية أولا.

إن الشرط المنهجي الذي انطلق منه الزمخشري في ممارسته التأويلية هو الاحتكام إلى المستويات اللسانية المتعددة؛ "فالنص مبني على التعدد، ينضاف إلى ذلك طبيعة تكوينه اللساني المعقد، هذا كله يجعل النص محيلا إلى مستويات متعددة"[23]، ولذلك فإن البحث في معاني النص القرآني والكشف عن وجوهه المحتملة يقتضي النظر في هذه المستويات اللسانية (النحوية، الصرفية، البلاغية، الدلالية) التي تشكل لغة النص ولعل هذا المنحى الذي سلكه الزمخشري في تأويله يجعلنا نقر بأنه كان سابقا لعصره؛ ذلك أن ما طبقه هذا العالم اللغوي الجليل في كتابه منذ ما يزيد عن ثمانية قرون نجده قد أصبح مبحثا رئيسا ضمن مباحث التأويليات الغربية الحديثة، تحت عنوان "التأويل اللغوي" الذي "يهتم بخصائص الكاتب اللسانية المتميزة"[24].

وننوه هنا إلى أن اعتماد الزمخشري الجانب اللغوي كمرشد في ممارسته التأويلية يعزى إلى أن فرقة المعتزلة أيضا جعلوا من اللغة أداتهم في التأويل، واتكأوا تحديدا على قضية اللغة والمجاز، بغية صرف الآيات عن ظاهرها لتدعيم أصولهم العقائدية، لذا فإن "التأويل الذي يسعى المعتزلة لإنجازه ينطلق من موجهات عقائدية تؤكد عدم وجود تناقض واختلاف في بنية النص الدلالية، وإن الاختلاف الذي يبدو ظاهرا، سيؤول إلى ائتلاف بعد الاعتماد على الدعائم اللسانية"[25]، وهذا ما آمن به الزمخشري، وانعكس بوضوح كبير في كتابه "الكشاف".

والذي يهمنا هنا هو التصدي لهذه الدعائم اللسانية المبثوثة في "الكشاف" للتعريف بها وبأنواعها. ونرى أن الزمخشري اعتمد أربع دعائم لغوية هي: النحو، البلاغة، الصرف، الدلالة؛

v النـــــحو:

تعد الدلالة النحوية مصدرا مهما من مصادر توجيه التأويل لدى الزمخشري، فهي حاضرة في "الكشاف" بشكل واضح وجلي، إلى درجة أنه يمكن القول إن التأويل في كتاب "الكشاف" يكاد يكون تأويلا نحويا، حيث عمل الزمخشري من خلاله على تأول الإعراب والتراكيب النحوية لاستخراج دلالات النص القرآني، ليكون بذلك قد اشتغل على النظام النحوي ببعديه: التركيبي والمعنوي، وربط الصلة بين النحو والدلالة؛ فهو حينما يتعرض لتأويل القرآن من الوجهة الاعرابية لا ينساق وراء القواعد النحوية غافلا عن المعنى، "وإنما يجعل همه المعنى حيثما كان تقدير إعرابي، فتراه يبين الأحكام النحوية وما وراءها من فروق معنوية، فهو يعالج النحو القرآني من الناحية التي تخدم تفسير القرآن وتنسق معانيه"[26].

لقد شكل النحو عند الزمخشري دعامة أساسية ومرجعا هاما في تأسيس مذهبه في التأويل، فلم يترك موضعا يحتاج إلى علاج نحوي إلا وقد عالجه بأدق ما يكون من الأساليب، مع التركيز على المعاني من حيث التقديرات والأحكام النحوية، ونسوق في هذا الصدد مجمل ملاحظاتنا حول توظيف أبي القاسم الزمخشري للآلية النحوية في التأويل القرآني:

  • الربط بين النحو والمعنى؛ فكما أشرنا سابقا أن الزمخشري عقد الصلة بين المكون النحوي والمكون الدلالي باعتبارهما معا يشكلان معا مكونا تأويليا، ومن ذلك قوله في "الحمد لله رب العالمين": "وارتفاع الحمد بالابتداء وأصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله، على أنه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معنى الإخبار، والعدل بها عن النصب إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى واستقراره، ومنه قوله تعالى: {قالوا سلاما قال سلام}، رفع الثاني للدلالة على أن إبراهيم عليه السلام حياهم بتحية أحسن من تحيتهم، ولأن الرفع دال على معنى ثبات السلام لهم دون تجدده وحدوثه، والمعنى نحمد الله حمدا"[27].

فيظهر إذن كيف أن الزمخشري تأول رفع "الحمد" و"السلام" تأويلا نحويا، فربط بين القاعدة النحوية والقاعدة الدلالية، لتفيدا معا معنى استقرار "الحمد" و"السلام" وثباتهما.

  • تقديم أوجه اعرابية متعددة: فنرى أن الزمخشري في أحيان كثيرة لا يكتفي بوجه اعرابي واحد في الآية، وإنما يقدم أوجها متعددة وقراءات كثيرة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إلمام الزمخشري بكل الأوجه والقراءات وبراعته في النحو، وفي أحيان كثيرة نجده يقدم أوجها إعرابية كثيرة محتملة للآية، ثم يختار الوجه الذي يراه متناسبا مع معنى الآية ويتسق مع دلالتها.
  • توظيف مجموعة من الآليات البلاغية في التأويل النحوي مثل: التقديم والتأخير، الحذف، الإضمار، الفصل والوصل، الحمل على المعنى...، وهذا يعكس لنا جانبا آخر من جوانب النزعة التأويلية عند الزمخشري؛ إذ يحاول النظر إلى علاقة النحو بالبلاغة، فكثيرا ما يكون ترجيحه لإعراب معين على آخر نابعا من ذوقه الجمالي والبلاغي. فتتعدد عنده أوجه التأويل النحوي تبعا للناحية البلاغية، كما في تأويله للآية الكريمة: "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"[28]، حيث وظف فيها الحذف والتقديم والتأخير؛ فيقول بعد أن عرض لأوجه التأويل المحتملة للآية: "والذي هو أرسخ عرقا في البلاغة أن يضرب عن هذه المحال وصفحا، وأن يقال: عن قوله {الم} جملة برأسها (...)، وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة وموجب حسن النظم"[29]، فهو يقر إذن أن ترجيح الإعراب يكون بمقدار سمو المعنى وبلاغته، "لذلك شكلت النزعة التأويلية حضورا بارزا في تحليل الزمخشري لما يؤول إليه الوجه النحوي، وعلاقة ذلك بمعطيات السياق وارتباطه بالمعنى البلاغي"[30].

v البــــــــلاغة:

بما أن الكشاف يعد من التفاسير البيانية الرائدة، فهذا يعني أن الجانب البلاغي حاضر وبقوة في التفسير. أضف إلى ذلك تصريح الزمخشري في مقدمة كتابه بأن من أهم الشروط الواجب توافرها في المفسر والمؤول للقرآن الكريم الإلمام بعلمين بلاغيين: علم المعاني وعلم البيان؛ أي إنه جعل من هذين العلمين الركيزة التي ينبني على أساسها تأويل النص القرآني.

وهذا أمر بدهي بالنسبة إلى أبي القاسم الزمخشري كونه ينتمي لمذهب اعتزالي يجعل من مسألة الحقيقة والمجاز البلاغية رهان التأويل. فهم يرون (أي المعتزلة) أن القرآن الكريم معجز لتوظيفه أساليب المجاز والاستعارة والكناية، ومن ثم فالأولى في تأويله البدء بهذه الأساليب البلاغية، "هكذا يقول القاضي عبد الجبار وغيره: إن القرآن إنما أدخل في باب الإعجاز حين استعمل طريقة العرب في أسلوبه، فجاء بالكناية والاستعارة والمجاز"[31].

وهكذا نجد المعتزلة، والزمخشري خاصة قد جعل من المجاز وأضربه من أهم دلائل إعجاز القرآن الكريم، إلا أن المشكلة التي صادفت العديد من العلماء هي أن هذه الأساليب البلاغية (المجاز، الاستعارة، الكناية...) أصبحت مدعاة لاختلاف المفسرين والمؤولين حول معاني كثير من الآيات.

ومن الملاحظات التي يمكن أن نقف عليها بخصوص توظيف الزمخشري للمكون البلاغي في التأويل نذكر:

  • التعمق في ذكر الأساليب البلاغية؛ ذلك أن الزمخشري لما جعل من تفسيره كتابا في البلاغة، فإنه سعى إلى تضمينه مجموعة من الأساليب البلاغية مع التعريف بها وتحديد أنواعها وعناصرها أحيانا، فعلى سبيل المثال في سياق تأويله للآية "صم بكم عمي فهم لا يرجعون"[32]، يقول: "فإن قلت: هل يسمى ما في الآية استعارة؟، قلت: مختلف فيه، والمحققون على تسميته تشبيها بليغا لا استعارة؛ لأن المستعار له مذكور هم المنافقون، والاستعارة إنما تطلق حيث يطوي ذكر المستعار له، ويجعل الكلام خلوا عنه صالحا لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام"[33].

فيظهر من خلال القول إن الزمخشري عرف الاستعارة وحدد الفرق بينها، وبين التشبيه البليغ حتى لا يقع أي لبس أو خلط عند القارئ، وهذا أمر نجد له نماذج كثيرة في "الكشاف"، إذ كلما هم الزمخشري في تأويل آية قرآنية تتضمن صورة بيانية اغتنم الفرصة للتوسع في شرحها وبيان دلالاتها الحقيقية.

  • الربط بين المكون البلاغي والمكون الدلالي، إذ نجد الزمخشري في تحليله لأية صورة بلاغية لا يكتفي ببيان عناصرها فقط، وإنما يبحث في المعنى الباطني المتخفي وراء هذه الصور ليربطها بالمقام الذي ترد فيه، وأحيانا بمقصد المتكلم، وأثرها في تفسير المخاطب. ولابأس أن نورد هنا بعض النماذج نستدل بها على ذلك:

التشبيه:

يعد مبحث التشبيه من المباحث التي فصل الزمخشري في الحديث عنها، فذكر أنواعه وقيمته البديعة وما ينطوي عليه من معاني ودلالات. فعلى سبيل المثال تعرض للمثل الذي يكون تشبيها في قوله تعالى: "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون"[34]، بقوله: "لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل، زيادة للكشف وتثمينا للبيان، ولضرب الأمثال واستحضار العلماء للمثل والنظائر شأن ليس بالخفي في أسرار وخبيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق، حتى تريك المتخيل في صورة المتحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه شاهد..."[35]

وهذا يوضح لنا أن الزمخشري يدرس التشبيه وأضربه بالتركيز على الجانب المهم فيه، وهو تصويره للمعاني ونقله للمقاصد، لتصبح جلية مكشوفة للأذهان، ومن نماذج التشبيه التي اعتمدها الزمخشري أيضا نذكر في قوله تعالى عن جهنم: "إنما ترمي بشر كالقصر كأنه جمالات صفر"[36]، حيث يقف أمام هذا التشبيه فيوضحه ويبرز دلالته والمقصود منه، فيقول: "كالقصر؛ أي كل شرارة كالقصر من القصور في عظمها، وقيل هو الغليظ من الشجر الواحدة، قصرة نحو جمرة وجمر، جمالات، جمع جمال أو جمالة جمع جمل، شبهت بالقصور ثم بالجمال لبيان التشبيه، {كأنه جمالات صفر} فإنه بمنزلة قوله: كبيت أحمر، وعلى أن في التشبيه بالقصر، وهو الحض تشبيها من جهتين: من جهة العظم ومن جهة الطول في الهواء، وفي التشبيه بالجمالات وهو القلوس تشبيه من ثلاث جهات: من جهة العظم والطول والصفرة"[37].

فواضح كيف أن الزمخشري لم يكتف بذكر طرفي التشبيه فقط، بل شرح الصورة وحللها مبينا معانيها ومقاصدها المتمثلة في تصوير الهول والفزع والخوف الذي توحي به ضخامة القصور وعظمتها، فالله جل وعلا شبه الشرارة بالقصر ثم بالجمال فزاد التشبيه بيانا وأثرا في نفوس المخاطبين، وهذا ما كان يرمي إليه الزمخشري من خلال شرحه لهذه الآية، وهو توضيح الأثر النفسي لهذا التشبيه على المتلقين.

الاستعارة:

عرض الزمخشري للاستعارة في مواضع شتى، وذكر أضربها المتعددة، معرفا بها ومحللا إياها، وموضحا للمعاني والدلالات المتضمنة فيها، ومن هذه الأضرب نذكر: الاستعارة التصريحية: وهي التي يصرح فيها بالمشبه به مع حذف المشبه، وننوه إلا أن أبا القاسم ذكر صورا كثيرة من الاستعارة التصريحية دون أن يسميها صراحة، وإنما تفهم دلالتها في سياق حديثه وتحليله؛ لأن هدفه الأول من الكشاف ليس هو وضع القواعد لعلم البيان، وإنما البحث في أسرار التنزيل الحكيم وحسن نظمه.

ويحضر هذا النوع من الاستعارة بوضوح في الآيات التي ورد فيها لفظ "النور"، كقوله تعالى: "وأشرقت الأرض بنور ربها"[38]، فيقول الزمخشري في تأويلها: "{وأشرقت الأرض} بما يقيمه فيها من الحق والعدل، ويسمه من القسط في الحساب، ووزن الحسنات والسيئات، وينادي عليه بأنه مستعار اضافته إلى اسمه، لأنه هو الحق والعدل"[39]. والاستعارة التبعية: ونفس المنحى الذي سلكه في تأويل الآية السابقة يتبعه أيضا في تأويل الآية الكريمة من سورة فاطر "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده"[40]، لكن في سياق حديثه عن نوع آخر من الاستعارة هو الاستعارة التبعية، حيث يؤول الزمخشري "الفتح" بمعنى الإطلاق والإرسال؛ أي إن ما يطلق الله من رحمته وما يرسله لعباده من نعائم لا يمكن لأحد إمساكها، فإذا أمسكها سبحانه وتعالى عنهم فلن يستطيع أحد إرسالها لهم.

وإلى جانب هذه الصور البيانية، نجد الكناية والتمثيل والمجاز من الألوان البلاغية التي عرض لها الزمخشري في كشافه محاولا إظهار ما تنطوي عليه من دلالات ومعاني، متخذا منها جسرا لتأويل الآيات القرآنية الكريمة.

  • البحث في نظم الجملة؛ فكما يتم توظيف البلاغة في خدمة النحو، نجد الزمخشري في مواضع كثيرة يوظف النحو في خدمة البلاغة، بغية النظر في المعنى والتذوق الأدبي والبلاغي لنظام الجملة، فعلى سبيل المثال نجده في الآية الكريمة "صراط الذين أنعمت عليهم"[41]، يقول: "{صراط الذين أنعمت عليهم} بدل من الصراط المستقيم، وهو في حكم تكرير العامل، فإن قلت: ما فائدة البدل؟ وهلا قيل: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، قلت: فائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير والإشعار، بأن الطريق المستقيم بيانه وتفسيره صراط المسلمين، ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وأكده، كما تقول: هل أدلك على أفضل الناس وأكرمهم؟ فلان، فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك: هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل".[42]

فيتضح كيف أن الزمخشري في تفسيره لهذه الآية ربط الآلية النحوية (البدل) بالدلالة، ثم جعل كل ذلك في خدمة بلاغة النص القرآني وجزالته، ليوضح أن البدل فيها يقوم بوظيفة بلاغية، تتمثل في بيان هذا الصراط والتثنية عليه والإشعار بأنه الصراط الحق للمسلمين، وهذا أبلغ في نفوس المخاطبين من قول "اهدنا الصراط المستقيم الذين أنعمت عليهم" دون وضع الآية {صراط الذين أنعمت عليهم} موضع البدل.

v الصرف:

إن النزعة التأويلية عند الزمخشري دفعته إلى توظيف كل الجوانب اللغوية وإدماجها في استنباط معاني الآيات وتأويلها بما في ذلك الجانب الصرفي الذي حضر في "الكشاف" بشكل واضح وجلي، من خلال موضوعاته المتعددة كالجمع والإفراد والاشتقاق والتذكير والتأنيث والصيغ الصرفية وغيرها.

وعناية أبي القاسم بالمكون الصرفي لا يقل أهمية عن عنايته بالمكونين السابقين؛ فإذا كان المكون النحوي والمكون البلاغي يشتغلان على تأويل بنية الجملة، فإن المكون الصرفي يركز على اللفظ الواحد والدور الدلالي الذي يضطلع به داخل الجملة وفي سياق النص عامة، فهو يحفل بقيمة دلالية قابلة للتعدد المعنوي واحتمالية التأويل، ولذلك يسعى الزمخشري جاهدا في كل تأويلاته القرآنية إلى إثبات أهمية هذا المكون ودوره التأويلي، سيما وأن النص المؤول هو النص القرآني المقدس، وبالتالي فإن كل مفردة موضوعة في مكانها من الآية أو السورة القرآنية فهي لغاية محددة، ولغرض دلالي معين تنطوي عليه، بل إن الزمخشري ذهب إلى أبعد من ذلك في تصوره التأويلي لهذا المكون اللغوي فبحث في الصيغ الصرفية وما تتضمنه من دلالات ثابتة، ليصبح بذلك المكون الصرفي إلى جانب المكونات اللغوية الأخرى مكونا تأويليا يستقصي معاني النص القرآني.

ومن النقاط المهمة التي يمكن ملاحظتها حول توظيف الزمخشري للجانب الصرفي في تأويله للقرآن الكريم، نجد:

  • ربط العلاقة بين الصيغة الصرفية والمعنى، وهي الغاية الأساسية التي وظف لأجلها المكون الصرفي، فهو لم يرغب في دراسة هذه الصيغ والظواهر الصرفية دراسة شكلية مجردة من المعنى، بل عمل على إظهار بعدها المعنوي الدلالي، ومدى مساهمتها في تقديم احتمالات وتأويلات متعددة للنص القرآني، ومن أمثلة ذلك وقوفه عند صيغ المبالغة وبيان دلالاتها، بالإضافة إلى تأكيده على القاعدة التي وضعها علماء العربية وهي أن كل زيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى؛ إذ افتتح تفسيره "الكشاف" بهذه القاعدة، وهو يتحدث عن البسملة، حيث يقول: "وفي {الرحمان} من المبالغة ما ليس في {الرحيم}، ويقولون: إن الزيادة في البناء لزيادة في المعنى"[43]، فنلاحظ هذه الصلة التي يقيمها الزمخشري بين المبنى والمعنى وما تحيل عليه هذه الزيادة من دلالات وأغراض بلاغية.
  • الرجوع إلى أصل الكلمة المشتقة؛ إذ كثيرا ما نجد أبا القاسم في تأويله يعود بالكلمة إلى استعمالها الأول متفوقا على أحد كبار المفسرين المتأثر بهم وهو الطبري في تفسيره "جامع البيان". وفي هذا الصدد، ينوه الدكتور صالح السامرائي باستعمال أبي القاسم هذه الطريقة في التعامل مع المفردات القرآنية، قائلا: "وفي الكشاف في قوله {إنما نحن مستهزؤون}: الاستهزاء؛ السخرية والاستخفاف، وأصل الباب الخفة من الهزء وهو القتل السريع (..) فهو يرجع إلى الاستعمال الأول للكلمة، في حين نرى الطبري مثلا، يكتفي في نحو ذلك بالمعنى العام المتداول، فيقول في الآية نفسها: أجمع أهل التأويل على خلاف بينهم، على أن معنى قوله: {إنما نحن مستهزؤون}: إنما نحن ساخرون"[44]، وهذه قد تكون إحدى السمات المميزة لكتاب "الكشاف." فالزمخشري رغم تأثره الشديد بالطبري إلا أنه يقول برأيه ولا يذهب إلى التقليد.

v الدلالــــة:

إن استثمار الزمخشري للجانب الدلالي لا يكاد يخفى على المتمعن والمتأمل في تفسير "الكشاف"؛ فهو متضمن في الكتاب من بدايته إلى نهايته، سواء من خلال إدماجه ضمن المكونات الثلاثة {النحو، البلاغة، الصرف}، فكما رأينا أن الدلالة متصلة بهذه العناصر، إلى حد أنه يستحيل الفصل بينها وبين الدلالة، وكل دراسة تضع حاجزا بين اللغة والدلالة تظل دراسة ناقصة، أو من خلال توظيف بعض الأساليب؛ كأسلوب التعريف، البحث في الحقل الدلالي للمفردة في علاقتها بمفردات أخرى تجمع بينها إما علاقة ترادف أو تضاد أو قرابة دلالية، فضلا عن الوقوف عند أصل الكلمة.

وعموما، فأهم ما يمكن أن يلاحظ بخصوص هذا المكون وتوظيفه في تفسير "الكشاف" نجد:

  • إدماج الدلالة في المكونات اللغوية، فكما أوضحنا سابقا، فقد راهن صاحب "الكشاف" على اللغة في قراءته التأويلية، فلم يترك عنصرا لغويا إلا وأدمجه في تأويلاته، ولم يبق على أسلوب من أساليب اللغة إلا ووظفه في خدمة التأويل الذي يرتضيه للآية القرآنية، وهذا أمر له مسوغه؛ لأن التأويل اللغوي أو استعمال اللغة في فهم النصوص وتحليلها وتأويلها هو تأويل موضوعي؛ أي إنه ينطلق من اللغة لفهم اللغة، وهذا يجعل من تأويل الزمخشري تأويلا يتسم بالمصداقية في نظر التلقي، لأن ينبني على قواعد لغوية موضوعية يحتكم إليها المؤول لفهم النص القرآني، وليس مجرد تأويل عشوائي لا أساس له.
  • استثمار السياق في تحديد الدلالة، ذلك أننا نجد الزمخشري في مواضع كثيرة ينتقل مما هو لغوي إلا ما هو غير لغوي في تحديد الدلالة، فيعرض أحيانا للسياق والمقام الذي قيلت فيه الآية، ويتطرق أحيانا أخرى لأسباب نزول الآيات والسور، يقينا منه بأن الدلالة هي نتاج اللغة أولا بشكل رئيسي، وهي أيضا نتاج السياق التداولي بشكل ثانوي، وهذا يوضح لنا أن الحديث عن مسألة السياق والدلالة إنما هو عربي المنشأ، وإن لم يكن كذلك من حيث التنظير والمصطلح الذي عليه الدرس اللغوي الحديث.

وهكذا يكون الزمخشري قد أرسى تأويله اللغوي للقرآن على أربعة مستويات لسانية كبرى: المستوى النحوي أو التركيبي، المستوي البلاغي، المستوى الصرفي، المستوى الدلالي؛ حيث تتضافر هذه المستويات فيما بينها مساهمة في فهم النص القرآني، واستنباط دلالته وتأويله بشكل حسن وصحيح.

2- التأويل التداولي:

كما أشرنا سابقا، فإن الزمخشري في تفسيره وتأويله للقرآن الكريم يستعين بما هو لغوي، وهو الأساس من نحو وصرف وبلاغة ودلالة ومعجم، وما هو غير لغوي؛ أي السياق التداولي أو السياق المقامي، ليجمع بذلك في تأويله بين السياق اللغوي والسياق غير اللغوي، وهو "مجموعة من العناصر المكونة للحدث الكلامي، وتشكل هذه العناصر التكوين الثقافي للمشاركين في هذا الحدث، والظروف الاجتماعية المحيطة به، والأثر الذي يتركه على المشاركين فيه"[45].

وقد وجه الزمخشري عنايته لدلالة السياق منذ بدئ تأليفه، فقد رأى أن اللغة بما هي نشاط تواصلي واستعمال فردي، فإنه يتم في سياق ومقام محددين، ومن ثم فهو يقر بأنه لا يمكن فهم دلالة بعض الآيات القرآنية من غير الإحاطة بظروف إنتاجها السياسية والاجتماعية والدينية، وأحيانا حيزها الزماني والمكاني وهو حيز مقامي أساسا. وسنعالج قضية التأويل التداولي عند الزمخشري انطلاقا من ثلاثة عناصر:

-  ذكر مناسبة الآية:

هذه المسألة كانت معروفة عند المفسرين العرب بعلم المناسبات وهي مرتبطة بدلالة السياق؛ إذ في كثير من الأحيان يكون تحديد مناسبة الآية هو الموصل إلى فهم المعنى. وبالتالي، التمكن من تقديم تأويل مناسب لها. وقد استند الزمخشري على هذه الآلية في مواضع متعددة كما في سورة الفيل؛ إذ نجد أن أول ما استهل به تأويله لهذه الآية هو ذكر السياق الاجتماعي والمناسبة التي نزلت فيها السورة، وفي مثال آخر يأتي بمناسبة نزول الآية القرآنية، كما في قوله عز وجل: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى"[46]، حيث يقول: "ونهى النفس الأمارة بالسوء عن الهوى المردي وهو اتباع الشهوات، وقيل: الآيتان نزلتا في أبي عزير بن عمير ومصعب بن عمير، وقد قتل مصعب أخاه أبا عزير يوم أحد"[47].

-  مراعاة أفق الانتظار:

يندرج هذا المفهوم ضمن الاستراتيجية التخاطبية أو الاقتضائية، فهو ينطلق من معارف متداولة ومشتركة بين المخاطب والمؤول، فأصحاب الزمخشري ومؤيدوه خاصة من مذهبه سيتعاملون مع تأويله بناء على افتراض مسبق هو أن تركيز أبا القاسم في تفسيره سينصب تحديدا على التأصيل لمنطق أصوله الخمسة التي يقوم عليها المذهب الاعتزالي، والزمخشري بدوره سيراعي أفق انتظار أصحابه، ونرى أن هذا الأمر أضفى مسؤولية مضاعفة على عمل الزمخشري؛ لأنه من جهة ينبغي عليه الكشف عن الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم، والتدقيق والتركيز في هذه التفسيرات والتأويلات، حتى لا يجد معارضوه فرصة لانتقاده، ومن جهة أخرى يجب عليه مراعاة أفق انتظار أصحابه ومؤيديه من المذهب الاعتزالي، من خلال تأييده لأصول عقيدته، وهذا كله جعله يضرب بقوة في خطابه التأويلي بحثا عن آليات ووسائل شتى لبيان إعجاز القرآن، وكذا تمرير مبادئ مذهبه وتأكيدها ونشرها بين معاصريه ومن يأتي من بعده.

-  تكريس مبدأ التعاون:

يعتبر مبدأ التعاون من المفاهيم الأساسية في المقاربة التداولية، ومفاده "أن على أطراف التخاطب أن تتعاون فيما بينها لتحصيل المطلوب"[48]، فالمشاركة بين أطراف الحوار تعتبر إحدى الشروط المهمة للتفاعل الحواري، ونجد أن الزمخشري في كتابه يسعى إلى تمتين الصلة بينه وبين مخاطبه، فنرى أنه يقدم دائما الأدلة والحجة لإقناعه بالتأويلات التي يختارها، كما أنه لا يجبره على قبول هذه التأويلات مُكْرَها، وكل ذلك في سبيل تحقيق مبدأ التشارك والتعاون.

ولعل من أهم مظاهر تكريس هذا المبدأ اعتماده أسلوب السؤال والجواب، فنجده يفترض سائلا، وهذا السائل في الواقع هو الزمخشري، يسأل ويجيب في الآن نفسه، فيقول: فإن قلت: قلت، وعلى هذا الأسلوب بني كتاب "الكشاف" كاملا، فيصبح بذلك كلا من المتكلم والمخاطب (السائل) مشاركا في فهم الآيات القرآنية وتأويلها.

3- تأويل التجسيم:

أشرنا سابقا إلى أن من أوائل أهداف الزمخشري في كتابه "الكشاف" الانتصار لمذهب المعتزلة والاستدلال له، والاستشهاد عليه بآيات من القرآن الكريم؛ ذلك أن الزمخشري توجه إلى القرآن بالمنطق الفكري الاعتزالي المسبق، فأراد للآيات أن تشهد بما يقوله المعتزلة، ولذلك كان يصرف الآيات عن ظاهرها ويقوم بتأويلها، وينحرف بها إلى المعنى الذي يريد وفق مقتضيات هذه العقيدة.

ومن الصفات التي نفاها الزمخشري عن الذات الإلهية وأول معناها، الصفات الجسمية تنزيها لله تعالى عن مشابهته لمخلوقاته، وامتثالا لقوله تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"[49]، فالله جل وعلا لا يشبهه أحد من مخلوقاته، ولا ينبغي لأحد من مخلوقاته التشبه به، ولذلك فكل صفة جسمانية وردت مقترنة بذاته ينبغي نفيها وعدم إثباتها، ومن هذه الصفات: الاستواء، الوجه، اليد، العين، الرؤية، المكر، الاستهزاء، الغضب، الإتيان والمجيء، الحياء...، وسنعمل في هذا السياق على بيان كيفية تعامل أبي القاسم الزمخشري مع هذه الصفات المناقضة لمذهبه، وبتعبير أدق كيف تأولها الزمخشري وصرفها عن ظاهرها؟، ونظرا لضيق المقام إذ لا يتسع لذكرها جميعا سنقتصر على الصفات التالية: الاستواء ـ الوجه ـ المكر.

  • الاستواء: وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على أن الله تعالى مستو على عرشه، وهذا ينافي مبادئ المعتزلة؛ لأن الاستواء يفرض وجود جسم يتخذ وضعية معينة للجلوس والاستواء، الشيء الذي رفضه الزمخشري قطعيا، فقال في تأويل الآية: "الرحمان على العرش استوى"[50]، "لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك جعلوه كناية عن الملك، فقالوا: استوى فلان على العرش، يريدون ملك، وإن لم يقعد على السرير البتة"[51]، فيظهر أن أبا القاسم رفض المعنى الظاهر الذي تشير إليه الآية، لذا أول الاستواء بالمُلْك عن طريق إخراجها مخرج الكناية.
  • الوجه: جاء في القرآن الكريم آيات تشير إلى أن لله تعالى وجها، وهذا مناف أيضا لأصول المعتزلة، لذلك ذهب الزمخشري في تأويله للآية: "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"[52]، إلى القول: "وجه ربك ذاته، والوجه يعبر به عن الجملة والذات"[53]، وهنا أيضا نجده يؤول هذه الآية التي يفهم من ظاهرها أن لله وجها بمعنى الذات؛ أي ذات الله تعالى، وبنفس الطريقة يتعامل مع كل آية تشير إلى جوارح الله.
  • المكر: إلى جانب ذلك فقد نفى الزمخشري صفة المكر؛ لأنها تدل أولا على معنى قبيح لا يوصف به الخالق، ولأنها تحيل ثانيا على حالته النفسية، لذلك كان لابد للزمخشري من صرف كل آية تصف الخالق بهذه الأوصاف المتعالي عنها، فتأول قوله تعالى: "ومكروا مكرا ومكرنا مكرا، وهم لا يشعرون"[54]، بقوله: "ومكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة"[55].

وعموما، فإن "الكشاف" يزخر بهذه التأويلات التي يصرف من خلالها الزمخشري الآيات التي تجسم الله تعالى عن ظاهرها ثم يؤولها بما يناسب مقامها وسياقها في النص القرآني، وكل ذلك يدخل تحت أصل واحد هو أصل التوحيد الذي ينفي عن الذات الإلهية أي تجسيم أو تشبيه.

4- التأويل بالاستدلال العقل:

لقد عد العقل مبدأ مركزيا في المذهب الاعتزالي وفي تأويلاتهم للقرآن الكريم، حيث اعتدوا به وانحازوا إليه، وجعلوه الأصل في فهم النص القرآني، فالله فرق بين مخلوقاته بالعقل، وحرم كل ما يذهب العقل، وأكد على ضرورة الحفاظ عليه، لذلك فالعقل عند المعتزلة أشبه ما يكون "بنار إلهية لطيفة أو هو نور إلهي"[56] بتعبير محمد عابد الجابري.

لقد انطلق المعتزلة في فهمهم وتأويلهم للقرآن الكريم من قاعدة مشهورة، وهي: "أن الحسن ما حسنه العقل، والقبيح ما قبحه العقل"[57]. لذلك قدموا العقل على النقل أو المأثور*، وجعلوا "الدليل الشرعي فرعا على الدليل العقلي"[58]؛ فما وافق من المأثور ما استنبطوه بعقولهم أخذوا به، وإن خالفه ردوا المأثور وأخذوا بحكم العقل، وطبقوا ذلك في تأويلهم للقرآن الكريم، فاستدلوا بالآيات التي يطابق ظاهرها معتقداتهم للتأكيد على صحة مذهبهم. أما الآيات التي عارضتهم فإنهم أولوها باعتماد معارفهم اللغوية والعقلية. يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي في معرض كلامه عن حجية السنة النبوية: "فإن كان موافقا لحجج العقول قبل واعتقد موجبه، لا لمكانه بل للحجة العقلية، وإن لم يكن موافقا لها، فإن الواجب أن يرد ويحكم بأن النبي لم يقله، وإن قاله فإنما قاله على طريق الحكاية عن غيره، هذا إذا لم يحتمل التأويل إلا بتعسف، أما إذا احتمله فالواجب أن يتأول"[59]. والذي يمكن استنتاجه من كل ذلك أن فهم النص الديني وتأويله عند عامة المعتزلة والزمخشري في مقدمتهم يستند إلى أداتين متكاملتين هما: اللغة التي تمثل الجانب الموضوعي، والعقل الذي يمثل الجانب الفكري والمنطقي.

أما إذا اتجهنا صوب أبي القاسم الزمخشري، فنجد أنه لم يخرج عما أقره أصحابه من المعتزلة، إذ نراه يؤكد على أهمية ومزية العقل في فهم الأمور الدينية والشرعية وتحديدها والبرهنة عليها في كتابه "الكشاف" وفي مواضع أخرى، إذ يقول في كتابه "أطواق الذهب في المواضع والخطب": "امش في دينك تحت راية السلطان {يقصد بالسلطان العقل والحجة والبرهان}، ولا تقنع بالرواية عن فلان عن فلان، فما الأسد المحتجب عن عرينه {قفصه أو غابته} أعز من الرجل المحتج على قرينه {الآتي بالحجة والبرهان على خصمه}"[60].

يتضح من هذا القول، أن الزمخشري كسائر المعتزلة يوجب اتباع الدليل العقلي، حيث يضعه في المقام الأول ويقدمه على الروايات والأقوال المأثورة، فالعقل هو مصدر المعرفة وهو الذي يتحقق من دلالات النص، ويحدد الاحتمالات والوجوه التأويلية المناسبة. وفي كتاب "الكشاف" يظهر تمسك الزمخشري بالدليل العقلي في تأويلاته بشكل جلي في معظم السور والآيات القرآنية، وفي سياقات ومواضع متعددة، نذكر منها ما يلي:

- البحث في نسق الآية وتآلف معاني ألفاظها. فمثلا في تأويله للآية: "وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون، وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون"[61]، يتساءل عن سبب اقتران لفظة {يعملون} بالنجوم، ولفظة {يفقهون} بإنشاء الخلق، فيجيب عن ذلك مستندا إلى الدليل العقلي، مبينا أنه لما كان إنشاء المخلوقات يحتاج دقة وتدبرا وفقها في هذه الأمور كان من اللازم ذكر لفظة {يفقهون} مقترنة بإنشاء الخلق لتناسبها وتضافرها مع المعنى المقصود. فيقول في اجابته عن السؤال: "قلت: كان إنشاء الانس من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف وأدق صنعة وتدبيرا، فكان ذكر الفقه الذي هو استعمال فطنة وتدقيق نظر مطابقا له"[62].

-     تدعيم أصول المعتزلة بالحجة العقلية، ومن ذلك ما جاء في تأويله لقوله تعالى: "وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا"[63]، يقول: "فإن قلت: كيف جاز أن يريدهم الضلال ويدعو الله بزيادته. قلت: المراد بالضلال أن يخذلوا ويمنعوا الألطاف لتصميمهم على الكفر ووقوع اليأس من إيمانهم، وذلك حسن جميل، يجوز الدعاء به، بل لا يحسن الدعاء بخلافه"[64]، فيتضح استناد الزمخشري إلى القرينة العقلية في تأويله للآية، فالتصميم والإصرار على الكفر، وعدم الإيمان جعلهم ينصفون بالخذل مع منعهم من الإلطاف، وبذلك يصبح معنى الآية موافقا لمذهبه الذي يقر بأن الله لا يفعل القبيح والشر لعباده.

-     يستدل بالدليل العقلي للإقرار بأن النظر العقلي إلى آيْ الذكر الحكيم مدخل للتأويل الصحيح. وهذا ما يظهر في الآية الكريمة: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب"[65]، حيث يقول في تأويلها: "ليتدبروا على الأصل، ولتدبروا على الخطاب، وتدبر الآيات التفكر فيها والتأمل الذي يؤدي إلى معرفة ما يدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة والمعاني الحسنة"[66].

والكشاف من بدايته إلى نهايته يزخر بهذه الاستدلالات العقلية، فهو _أي العقل_ عند الزمخشري ذو مرتبة عالية يأتي مباشرة بعد القرآن الكريم؛ لأن به نتدبر المعاني القرآنية، وبه نستنبط الشرائع الإسلامية، يقول: "وهو الذي يحتاج إليه {القرآن الكريم} في الدين؛ لأنه القانون الذي تستند إليه السنة والإجماع والقياس بعد أدلة العقل"[67].

مجمل القول، إن الزمخشري اعتمد آليات متعددة في التأويل، واستند على وسائل تتأرجح بين اللغوي والسياقي والعقلي في تقديم الاحتمال والتأويل الأنسب للآية القرآنية. إلا أن الملاحظة التي ينبغي التأكيد عليها بعدما استهلينا الحديث عن الآليات التأويلية بالتأويل اللغوي، وختمناها بالتأويل العقلي أن الزمخشري لا يخرج عما وضعه سابقوه من المعتزلة، فتأويله أيضا للقرآن الكريم ينحصر بين اللغة والعقل، يقول في هذا الصدد الدكتور عبد الفتاح الخالدي: "استخدم الزمخشري هويته العقلية في هذا التأويل والصرف والتحريف، حيث كان يتقن ذلك اتقانا عجيبا، ويوظف ثقافته البيانية والبلاغية والنحوية واللغوية لهذه الغاية"[68]. وشهادته هاته تبين بوضوح أن التأويل عند أبي القاسم الزمخشري للقرآن الكريم انحصر بين التأويل اللغوي والتأويل العقلي.

خلاصة:

هدفت دراستنا هاته إلى محاولة تقصي النسق التأويلي اللغوي عند الزمخشري، من خلال الكشف عن ماهية علم التأويل عند أبي القاسم ومنطقه في التأويل واتجاهاته، بالإضافة إلى الآليات التأويلية الموظفة، وهذا كله ساهم في تسليط الضوء على جزء مهم من النسق التأويلي المنفتح على مجالات وقضايا متعددة، بل وكما رأينا سابقا أنه نسق يتقاطع مع مباحث لسانية وتداولية حديثة.

والذي ينبغي التأكيد عليه، أن النسق التأويلي عند أبي القاسم الزمخشري هو نسق يسير بلا شك وفق منطق محدد مكنه من تحقيق مجموعة من الأهداف في الآن نفسه {إظهار البلاغة القرآنية، الانتصار للمذهب الاعتزالي، تبكيت حجج خصومه، شد انتباه القارئ واقناعه}.

 

قائمة المصادر والمراجع

  • ابن خلدون، مقدمة ج3، تح المستشرق الفرنسي ا.م. كاترمير، لبنان، مكتبة، (د ت).
  • أبو القاسم الزمخشري، أساس البلاغة، تح محمد باسل عيون السود، ج1و2، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، 1998م، ط1
  • أبو القاسم الزمخشري، أطواق الذهب في المواعظ والخطب، المقالة 37، تح أحمد عبد التواب عوض، القاهرة، دار الفضيلة، (د ت).
  • أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، خرجه خليل مأمون شيحا، لبنان، بيروت، دار المعرفة، 2009م، ط.3
  • بول ريكور، أبحاث التأويل، من النص إلى الفعل، تر محمد برادة، حسان بورقية، القاهرة، عين للدراسات والأبحاث الإنسانية والاجتماعية، 2001م، ط1
  • حسان الباهي، الحوار ومنهجية التفكير النقدي، المغرب، افريقيا الشرق، 2013م، ط2
  • خالدية محمود البياع، التكامل بين النحو والصرف والبلاغة في التفسير القرآني (الزمخشري نموذجا)، بيروت، دار الكتب العلمية، 2019م.
  • دايفيد جاسبر David Jasper، مقدمة في الهرمينوطيقا، تر وجيه قانصو، الجزائر، منشورات الاختلاف، ط1، 2007م.
  • رودولف بولطمان، مشكلة التأويليات، تر المفيد محمد، مؤمنون بال حدود، قسم الفلسفة والعلوم الإنسانية، 3 يناير 2018م.
  • صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن، بيروت، دار العلم للملايين، 1977م، ط.10
  • صلاح عبد الفتاح الخالدي، تعريف الدارسين بمناهج المفسرين، دمشق، دار القلم، 2008م، ط3
  • عبد الجبار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة، تح عبد الكريم عثمان، القاهرة، مكتبة وهبة، 1996م، ط3
  • عبد الكريم محمد حسن جبل، في علم الدلالة: دراسة تطبيقية في شرح المفضليات للأنباري، مصر، دار المعرفة الجامعية، 1997م.
  • فاضل صالح السامرائي، الدراسات النحوية والبلاغية عند الزمخشري، بغداد، دار الندين، 1971م.
  • الفيروز أبادي، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، ج1، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، (د ت).
  • مازن المبارك، الموجز في تاريخ البلاغة، دار الفكر، (د ت).
  • مبروك عبد العزيز عبد الله، التأويل عند المعتزلة: مصادره، أدواته، وسائله، قضاياه، (د توثيق).
  • محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، نقد العقل العربي1، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2009م، ط10.
  • مصطفى الصاوي الجويني، منهج الزمخشري في تفسير القرآن الكريم وبيان إعجازه، مصر، دار المعارف، ط2 (د ت).
  • نصر حامد أبو زيد، الاتجاه العقلي في التفسير، المغرب، المركز الثقافي العربي، 1996م، ط3
  • هيثم سرحان، استراتيجية التأويل الدلالي عند المعتزلة، الامارات، نادي تراث، 2012م، ط1

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

_______________________________________________________________

[1]- باحثة مغربية

[2] - أبو القاسم الزمخشري، أساس البلاغة، تح محمد باسل عيون السود، ج1و2، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، 1998م، ط1، ص 39

[3] - الفيروز أبادي، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، ج1، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، (د ت)، ص 80

[4] - أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، خرجه خليل مأمون شيحا، لبنان، بيروت، دار المعرفة، 2009م، ط3 ص 515

[5] - سورة الأعراف، الآية 53

[6] - نفسه، ص 365

[7]- دايفيد جاسبر David Jasper، مقدمة في الهرمينوطيقا، تر وجيه قانصو، الجزائر، منشورات الاختلاف، ط1، 2007م، ص 120

[8] - المرجع نفسه، ص 23

[9] - مازن المبارك، الموجز في تاريخ البلاغة، دار الفكر، (د ت)، ص 106

[10] - ابن خلدون، مقدمة ج3، تح المستشرق الفرنسي ا.م. كاترمير، لبنان، مكتبة، (د ت)، ص 294

[11] - راجع: مازن المبارك، الموجز في تاريخ البلاغة، مرجع مذكور، ص 107

[12] - سورة البقرة، الآيتان 1و2

[13] - سورة هود، الآية 14

[14] - راجع: أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، مصدر مذكور، ص 479

[15]- مصطفى الصاوي الجويني، منهج الزمخشري في تفسير القرآن الكريم وبيان إعجازه، مصر، دار المعارف، ط2، (د ت)، ص 179، نقلا عن ديوان الأدب، ورقة 78

[16] - سورة البقرة، الآية 237

[17] - راجع: أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، مصدر مذكور، ص 139، (بتصرف)

[18] - سورة البقرة، الآية 196

[19] - المصدر نفسه، ص 118

[20] - راجع: مصطفى الصاوي الجويني، منهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه، مرجع مذكور، ص 184

[21] - سورة البقرة، الآية 37

[22] - رودولف بولطمان، مشكلة التأويليات، تر المفيد محمد، مؤمنون بلا حدود، قسم الفلسفة والعلوم الإنسانية، 3 يناير 2018م، ص 19

[23] - هيثم سرحان، استراتيجية التأويل الدلالي عند المعتزلة، الامارات، نادي تراث، 2012م، ط1، ص 86

[24]- بول ريكور، أبحاث التأويل، من النص إلى الفعل، تر محمد برادة، حسان بورقية، القاهرة، عين للدراسات والأبحاث الإنسانية والاجتماعية، 2001م، ط1، ص 61

[25] - راجع: هيثم سرحان، استراتيجية التأويل الدلالي عند المعتزلة، مرجع مذكور، ص 80

[26] - راجع: مصطفى الصاوي الجويني، منهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه، مرجع مذكور، ص 167

[27] - راجع: أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، مصدر مذكور، ص 27

[28] - سورة البقرة، الآيتان 1و2

[29] - المصدر نفسه، ص 37

[30]- خالدية محمود البياع، التكامل بين النحو والصرف والبلاغة في التفسير القرآني (الزمخشري نموذجا)، بيروت، دار الكتب العلمية، 2019م ص 99

[31] - مبروك عبد العزيز عبد الله، التأويل عند المعتزلة: مصادره، أدواته، وسائله، قضاياه، (د توثيق)، ص 196

[32] - سورة البقرة، الآية 18

[33] - راجع: أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، مصدر مذكور، ص 52

[34] - سورة البقرة، الآية 37

[35] - المصدر نفسه، ص 50-51

[36] - سورة المرسلات، الآيتان 32و33

[37] - المصدر نفسه، ص 1170 (بتصرف)

[38] - سورة الزمر، الآية 69

[39] - المصدر نفسه، ص 948

[40] - سورة فاطر، الآية 2

[41] - سورة الفاتحة، الآية 7

[42] - المصدر نفسه، ص 29 (بتصرف)

[43] - المصدر نفسه، ص 26

[44] - فاضل صالح السامرائي، الدراسات النحوية والبلاغية عند الزمخشري، بغداد، دار الندين، 1971م، ص 297 (بتصرف)

[45] - عبد الكريم محمد حسن جبل، في علم الدلالة: دراسة تطبيقية في شرح المفضليات للأنباري، مصر، دار المعرفة الجامعية، 1997م، ص 22

[46] - سورة النازعات، الآيتان 40 و41

[47] - راجع: أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، مصدر مذكور، ص 1178 (بتصرف)

[48] - حسان الباهي، الحوار ومنهجية التفكير النقدي، المغرب، افريقيا الشرق، 2013م، ط2، ص 126

[49] - سورة الشورى، الآية 11

[50] - سورة طه، الآية 5

[51] - المرجع نفسه، ص533

[52] - سورة الرحمان، الآية 27

[53] - المرجع نفسه، ص 1071

[54] - سورة النمل، الآية 50

[55] - المرجع نفسه، ص 786

[56] - محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، نقد العقل العربي1، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2009م، ط10، ص 18

[57] - صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن، بيروت، دار العلم للملايين، 1977م، ط10، ص 294

* التفسير المأثور: هو التفسير الذي يعتمد في تفسير القرآن على القرآن نفسه والسنة وأقوال الصحابة والتابعين.

[58] - نصر حامد أبو زيد، الاتجاه العقلي في التفسير، المغرب، المركز الثقافي العربي، 1996م، ط3، ص 59

[59] - عبد الجبار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة، تح عبد الكريم عثمان، القاهرة، مكتبة وهبة، 1996م، ط3، ص 770

[60] - أبو القاسم الزمخشري، أطواق الذهب في المواعظ والخطب، المقالة 37، تح أحمد عبد التواب عوض، القاهرة، دار الفضيلة، (د ت)، ص 110

[61] - سورة الأنعام، الآيتان 97 و98

[62] - راجع: أبو القاسم الزمخشري، الكشاف، مصدر مذكور، ص 339

[63] - سورة نوح، الآية 24

[64] - المصدر نفسه، ص 1144

[65] - سورة ص، الآية 29

[66] - المصدر نفسه، ص 925

[67] - المصدر نفسه، ص 533

[68] - صلاح عبد الفتاح الخالدي، تعريف الدارسين بمناهج المفسرين، دمشق، دار القلم، 2008م، ط3، ص555