النص القرآني من عتبات المساءلة إلى إعادة التأسيس الهرمنيوطيقي


فئة :  مقالات

النص القرآني من عتبات المساءلة إلى إعادة التأسيس الهرمنيوطيقي

النص القرآني من عتبات المساءلة إلى إعادة التأسيس الهرمنيوطيقي:

مقاربة في نظريات الاستقبال -يوسف الصديق أنموذجا-

حنان برقرق

ملخص:

شغل النص القرآني أذهان الباحثين في كل عصر، بدءًا من المفسرين الكلاسيكيين، إلى المؤوّلين الجدد، فكان مساحة غنية وثرية للتعقل والتدبر اللغوي والفلسفي. وتتجه هذه الورقة البحثية إذن، إلى مناقشة النقلة الإبستيمولوجية التي عرفها النص القرآني، وما مدى توظيف المفكر التونسي "يوسف الصديق" لآليات ومكاسب نظريات الاستقبال، حيث نجم عن هذه النقلة مد وجزر بين من يرى الاستعانة بهذه النظريات نوعا من التدنيس والهرطقة، وبين من ناصر هذا التيار الجديد. فهل توظيف ميكانيزمات نظريات الاستقبال دعوة بالضرورة لخلق قارئ مدنس؟ أم هي دعوة لتشكيل أفق قارئ متجاوز؟ استعنا بالمنهج التاريخي، والتحليلي، وقد لجأنا إلى النقد أيضا كآلية يتطلبها الموضوع. أما ما خلصنا إليه: هو أن النص القرآني نص حافل بالمعاني، ولا يمكن البتة لجمه في تصوّر واحد. نظريات الاستقبال نحتت القارئ الجريء على السؤال، ونفت عنه التلقي السلبي، وقد لفت "يوسف الصديق" انتباه القراء نحو آليات جديدة لفهم القرآن.

مقدمة

تعددت مجالات توظيف نظريات الاستقبال وتجاوزت بذلك الدراسات النقدية والأدبية، لترتبط بحقول معرفية أوسع، ولعل هذا ما جعل الفلسفة المعاصرة تستقطبها وتعتبرها امتدادا لفلسفة التأويل، والذي بدأ مع النص الديني، سواء أكان (يهوديا، مسيحيا، أم إسلاميا).

لم يكن ارتباط التأويل بالنص القرآني دُرجة هذا العصر، بل إن آثار ومصنفات الأوائل تعكس مقدار اهتمامهم بهذا الجانب، وهذا ما تجلّى في محاولات واجتهادات العديد منهم، بدءا بمحاولات المفسرين الأوائل وفرقهم، وانتهاءً برؤى المؤولين المعاصرين.

ينتمي المفكر التونسي "يوسف الصديق" Youssef Seddik (1943-)[2] إلى جيل المفكرين المعاصرين الذين قدّموا محاولات هرمنيوطيقية تستند إلى عدة مقاربات من بينها نظريات الاستقبال، وإلى مناهج البحث العلمي الذي يعود بنا إلى أنثروبولوجيا لغة النص القرآني، من هنا تأتي مساهمته في الدعوة إلى تأسيس فهوم جديدة للنص القرآني، تواكب التغير الحاصل، وعدم الاكتفاء بالتفاسير الكلاسيكية التي كانت في خضم خصوصيات علمية وسوسيوثقافية معيّنة.

أما الإشكالية التي تدور حولها رحى هذه الورقة البحثية، فتنطلق من اعتبارنا أن النص القرآني نص فُسّر وأوّل في فترات سابقة ووفقا لسياقات معينة، وقد استمرت آثار هذه التفاسير إلى اليوم، ونحتت نمطا معينا من الذهنيات، فكيف يمكن توظيف مكاسب نظريات الاستقبال في تقديم فهوم جديدة للنص القرآني، تكون بعيدة عن التكرار؟ وهل تطبيق مفاهيم نظريات الاستقبال دعوة بالضرورة لخلق قارئ مدنس؟

سنفكك هذه الإشكالية وفقا لإستراتيجية تبتدئ بالبحث عن مفهوم نظريات الاستقبال؛ (حيثيات ظهورها، وأهم روادها)، وبعدها يكون الانتقال إلى المفكر "يوسف الصديق" في توظيفه لآليات نظريات القراءة على النص القرآني؛ وذلك بالاستناد على تضافر عدة مناهج، إذ إن المنهج التاريخي يستهدف تتبع نشأة هذه النظريات، والمنهج التحليلي بغية تحليل وشرح مفاهيم نظريات الاستقبال. أما النقدي، فلمعرفة مدى تمكّن "يوسف الصديق" من توظيف آليات القراءة، وهل استطاع فعلا استحداث رؤية وفهم جديد للنص القرآني؟

إن الهدف الأساسي الذي نتوخاه هنا، هو رصد التقارب بين نظريات الاستقبال، باعتبارها نظريات نشأت في محاضن الدراسات الأدبية والنقدية من جهة، والنصوص القرآنية ذات الاستشكال الفلسفي من جهة أخرى، وبصيغة أوضح محاولة اختبار مدى توظيف مفاهيم نظريات القراءة في دراسة النص القرآني لدى نموذج هو "يوسف الصديق"، وأبعاد ذلك في خلق القارئ الجديد.

1- نظريات الاستقبال المفهوم والتأسيس

قبل مناقشة أطروحات نظريات الاستقبال وتاريخها وروادها وكذا تطبيقاتها على النص القرآني، وجب الوقوف بشكل نتساءل من خلاله ما المقصود بنظريات الاستقبال، أو كما يسميها البعض نظريات القراءة والتلقي؟ وكيف اجتمعت النظرية بوصفها «مخططا أو نسقا من الأفكار أو الأحكام التي تُراعى كتوضيح أو تفسير لمجموعة من الوقائع أو الظواهر»[3] تُقبل كتفسير لوقائع معروفة، حيث تمثل الإطار أو النموذج التفسيري، والقراءة في أبسط تعريفاتها، كونها تلك العملية التي يتمكن من خلالها القارئ «على ترجمة ما تقع عليه عيناه إلى أصوات مسموعة الحروف، والكلمات والجمل، وهنا يلتقي الجانب الإدراكي والآلي لتكون هناك قراءة بالمعنى الدقيق، وهي عملية فكرية يتفاعل معها القارئ فيفهم ما يقرأ وينقده»[4]؛ فالقراءة وبهذا المعنى تمثل تلك العملية التي يتم فيها تشكيل معنى انطلاقا من نص مكتوب.

إن نظريات الاستقبال (نظريات القراءة والتلقي) نظريات ظهرت في سبعينيات القرن الماضي، أين استطاع باحثون من جامعة «كونستانس Constance الألمانية من الوصول إلى مفهوم جديد في نظريات القراءة والتلقي، وقد تجسدت رؤيتهم بعد جهود طويلة في نظرية، أطلقوا عليها نظرية الاستقبال»[5] وقد قدّم كل منهم رؤية وتصورا حول القراءة، وانطلاقا من ذلك تنتمي نظريات القراءة والتلقي إلى مجال كبير هو نظرية الأدب[6]، والتي عرفت وعلى حد تعبير "تيري إيغلتون" تطورات «وتحولات منذ 1917، العام الذي نشر فيه الشكلاني الروسي الشاب فيكتور شكلوفسكي مقالته الرائدة ((الفن كصنعة)) ومنذئذ شهدت النظرية الأدبية تكاثرا لافتا للانتباه، وحتى معاني كلمات مثل ((الأدب))، و((القراءة))، و((النقد)) خضعت لتبدّل عميق»[7]، حيث بدأ الاهتمام بفعل القراءة، باعتباره حوارا مفتوحا مع النص يستدعي التأويل والنظر، ويخضع لشروط تتعلق بثقافة القارئ وتفاعله معه.

وقد كان سياق ظهور نظريات القراءة إثر ظهور عدة مقاربات كالكشكلانية* والبنيوية** والتفكيكية***، حيث مهّدت كل منها لتأسيس العبور من الاهتمام بالنص إلى القارئ، فقد ركّزت الشكلانية مثلا على مفهوم «الأثر الأدبي، الذي يمارس تأثيرا على مستويات اللغة الشعرية، الدلالية والصرفية والصوتية»[8] في المتلقي؛ أي ما يتركه النص على نفسية القارئ، وقد سمي ذلك الأثر بجمالية التلقي، فليست القراءة إذن مجرد عملية سلبية ذات اتجاه واحد، بل إنها تقود القارئ إلى أن يتمثل رؤية ما إلى النص يتوخى من خلالها التحرر وخلق «التجربة الجمالية؛ أي إن القراءة نشاط تحريري يفكك القيود التي تربط القارئ بمحيطه»[9]، حيث تحمل النصوص القارئ خارج حدود المكان والزمان الفعلي، إلى أماكن ومستويات أخرى.

ومما تقدّم، يمكن القول إن أطروحات الشكلانيين تأسست على مبدأ أولي؛ «هو ضرورة استقلالية الأدب من المقاربات الأخرى (النفسية، الاجتماعية...)»[10] إذ لم يعد الرجوع لحياة الكاتب أهمية في فهم النص، بل أصبحت تترك الأعمال الأدبية لحرية القارئ في تفسير وتأويل الأحداث وفقا لفهم ما.

أما البنيوية، فقد كان لها الدور البالغ في ظهور نظريات القراءة، ولعل أهم من تناول فكرة موت المؤلف البنيوي الفرنسي "رولان بارت" "Roland Barthes" (1915-1980) في كتابه "درس السيميولوجيا"، الذي سرد فيه حيثيات «محاولة خلخلة مملكة المؤلف، بدءًا بملارميه Mallarmé الذي كان أول من تنبأ بضرورة إحلال اللغة محل من كان، فاللغة هي من تتكلم وليس المؤلف»[11] وهي دعوة لإعطاء المكانة لطرف آخر يمارس اللغة، ألا وهو القارئ، إذن، فالنص وبتعبير بارت «لا ينشأ عن رصف كلمات تُولّد معنى وحيدا، بل هو فضاء متعدد الأبعاد، إنه يتألف من كتابات متعددة تنحدر من ثقافات عديدة، تتحاور فيما بينها في نقطة هي ليست المؤلف، وإنما هي القارئ»[12] لتتجسد بذلك مقولته الشهيرة: ميلاد القارئ رهين بموت المؤلف، وأن العلاقة بين القارئ والنص هي علاقة ذات اتجاهين فاعلة ومنفعلة، ولم تكن البتة ذات اتجاه واحد.

وقد كانت التفكيكية هي الأخرى «طريقة معينة لقراءة النصوص، أو بالأحرى إعادة قراءة الخطابات، حيث تقلب نظام النقد القائم على فكرة أن أي نص يمتلك نسقا لغويا أساسيا»[13] إلى فكرة تقوم على اعتبار أن النص يحوي ما لا ينطق به، مسكوتا عنه؛ أي تحطيم معنى ظاهر لتأسيس معنى متواري.

وقد انتقد "جاك دريدا" "Jacques Derrida" (1930-2004) ووفقا لهذا الطرح القراءة «الشكلانية المحايثة أو الباطنة للنص، واعتبر أن الانحباس داخل النص غير ممكن»[14]؛ لأن بنية النص في الأساس تتكون من نسق داخلي وآخر خارجي، ولا يمكن البتة فهمها إلا بتفكيكها وإعادة إحلال أجزائها وعناصرها وفقا لتصور ما. فالتفكيكية كإستراتيجية، تمكّن القارئ من الغوص والتعمق في المعنى وتعريته وخلق معان جديدة، لذلك اقترح "دريدا" استراتيجية في القراءة تقوم على التفكيك déconstruction، وهو مسعى أدى به لأن يؤسس تصورات جديدة في قراءة النصوص، تعمل على زعزعة البنى وتقويض النزعات المنادية بالمطلق، والنهائي، وإحلال النسبية في كل شيء.

وبذلك، فقد أسهمت العديد من المقاربات في ولادة نظريات الاستقبال، إلا أن الاهتمام بالقارئ لم يتبلور إلا مع أهم وأشهر علمين ألمانيين، وهما: "هانس روبرت ياوس Hans-Robert Jauss"[15] و"فولفغانغ إيزر Wolfgang Iser"[16].

2- أهم رواد نظرية القراءة:

بعدما تطرقنا لأهم المقاربات التي شكّلت نظريات الاستقبال، سنركّز في هذا العنصر على أهم روادها، خاصة وأنها نظريات كانت خلاصة تشارك عدد من الباحثين والأكاديميين المختصين من مدارس عدّة.

1-2 - هانز روبرت ياوس:

يعد "هانز روبرت ياوس" من أهم من طوروا مفاهيم جديدة في تاريخ الأدب، «ويعتبر الدرس الذي ألقاه بجامعة كونستانس تحت عنوان "تاريخ الأدب: تحدٍّ للنظرية الأدبية" L’histoire de la littérature: un défi à la théorie littéraire تحولا نموذجيا في الأبحاث الأدبية، وسرعان ما تموضعت هذه المقاربة بألمانيا تحت تسمية ((جمالية التلقي))، وبهذا تعد كتابات (فولفغانغ إيزر، وروبرت ياوس) من بين أهم الكتب المؤثرة مع نهاية الستينيات وبداية السبعينيات»[17] والتي مهدت بدورها لنظريات الاستقبال، وعليه فــ"ياوس" ينطلق ويؤسس لنظريته بدءًا من تحديده لجملة الأسباب، التي عجّلت بميلاد نظريات الاستقبال، والتي يشرحها في مقال له بعنوان "التغير في نموذج الثقافة الأدبية" ومن بين ما جاء فيها؛ «أولا: السخط العام تجاه قوانين الأدب ومناهجه التقليدية السائدة والإحساس بتهالكها، ثانيا: حالة الفوضى والاضطراب السائد في نظريات الأدب المعاصرة، ثالثا: وصول أزمة أدبية خلال فترة المد البنيوي إلى حد لا يمكن قبوله واستمراره، رابعا: ميول وتوجه عام في كتابات كثيرة نحو القارئ بوصفه العنصر المهمل»[18] هذه الأسباب وغيرها، أسهمت في نمو نظريات الاستقبال من جهة، وحاولت سد الثغرات في دراسة الأدب من جهة أخرى.

واستنادا إلى ذلك، نحت "ياوس" عدة مفاهيم لتحليل وشرح نظرية القراءة، ولعل أول ما ركّز عليه هو دور القارئ؛ فإذا كان «العمل الأدبي يتكون من الثلاثي المعروف المؤلف/العمل الأدبي/القارئ، فإن العنصر الثالث يُعد مركزا لطاقة العمل المقدّم»[19]. فالقارئ لدى "ياوس" يمثل بؤرة العمل الأدبي، كما أن قصور الدراسات التاريخية السابقة للأدب كان بإهمال مكانة القارئ، وإيلاء الاهتمام بالمؤلف والعمل الأدبي على حسابه، وهذا ما جعل هذه الدراسات تغرق في الجوانب التاريخية، التي لم تقدّم أية حقائق أدبية متوقعة.

أما المفهوم الثاني الذي استحدثه "ياوس"، فهو مفهوم أفق التوقع، والذي استعاره من فيلسوفين (إدموند هوسرل، وكارل بوبر)، إذ إن مصطلح "أفق" يرجع «إلى فينومينولوجيا هوسرل، حيث كان هوسرل يستعمل مفهوم الأفق لتحديد التجربة الآنية أو الزمنية. أما أفق التوقع، فيحتل مكانا مركزيا لدى كارل بوبر في فهمه للنظرية العلمية ولتجربة الحياة الواقعية أيضا؛ فكلاهما تنبنيان انطلاقا من "أفق توقع" معين»[20]، هذا فيما تعلق بتفكيك مفهوم "أفق التوقع" ووصله بمحاضنه الأولى، ليكون قصد "ياوس" من أفق التوقع؛ القدرة على «تعريف هذا العمل بما هو عمل فني تبعا لطبيعة تأثيره في جمهور معين، فحين يصدر عمل أدبي ما، فإن طريقة استجابته لتوقع جمهوره الأول تجاوزه أو تخييبه أو معارضته له، والتي تعتبر بالبداهة مقياسا للحكم على قيمته الجمالية»[21] حاول "ياوس" ومن خلال هذا المفهوم أن يضع النص الأدبي في أفقه التاريخي من جهة، والجمالي من جهة أخرى، فالعمل الأدبي لا يخضع لحتمية تاريخية مثلما كان الرأي السائد، بل يرتبط أساسا بآفاق التلقي المتعددة عبر التاريخ، ويرتبط بالتجربة الجمالية «والتي تشتمل على لحظتين: في اللحظة الأولى، التي تلائم كذلك المتعة الجمالية، ويحدث استسلام مباشر من الذات إلى الموضوع. أما اللحظة الثانية، تخص المتعة الجمالية، فتشمل على اتخاذ الموضوع موضوعا جماليا»[22] وقد حدد "ياوس" المقولات الأساسية للمتعة الجمالية فيما يلي:

وإذا حاولنا تبسيط أسس هذا التصور، فإن المقولة الأولى؛ أي فعل الإبداع يشير إلى «الجانب المنتج من التجربة الجمالية؛ أي المتعة التي تنجم عن استخدام المرء لقدراته الإبداعية الخاصة، أما المقولة الثانية: وهي مقولة الحس الجمالي، وهي حين تعرّف بالإدراك الحسي الجمالي، وتشير إلى جانب التلقي من التجربة الجمالية، وهو ما يقدّمه للإدراك الحسي العام، والمقولة الثالثة: هي التطهير وهي العنصر الواصل بين الفن والمتلقي»[23]، وما نستشفه من هذه المفاهيم أن نظرية التلقي لدى "ياوس" ركزت على إعادة الاعتبار إلى التجربة الجمالية لدى القارئ، بحيث كان طموحه مؤسسا على مناهضة التقليد الذي دأب عليه الدارسون للأدب من جهة، وإعادة المكانة الفعلية للتجربة الجمالية بعيدا عن الحتمية التاريخية أو الشكلانية الصرفة من جهة أخرى.

2-2 - فولفغانغ إيزر:

تأثر "إيزر" بكتابات "ياوس" بحكم انتمائهما لجامعة واحدة واشتراكهما في التوجه العلمي نفسه، غير أن رؤيته لنظريات القراءة اختلفت، ولعل اختلافها هذا تجلى على مستوى المفاهيم التي استحدثها، في البداية اهتم "إيزر" «بشرط التفاعل بين القارئ والنص؛ وذلك بالاستفادة من أبحاث علم النفس الاجتماعي لتوضيح أفكاره، حيث يُنظر إلى النصوص لا كبنيات تُقدّم المعنى الجاهز للقارئ»[24]، بل في كونها مساحات لخلق معان محتملة، تتحين باستمرار، وتتجدد، وعليه فالنص وبحسب "إيزر" تفاعل قائم «بين بنيته ومتلقيه؛ فالنص لا يُقدّم إلا مظاهر خطاطية يُنتج من خلاله الموضوع الجمالي، وله قطبان؛ قطب فني وقطب جمالي، الأول هو نص المؤلف، والثاني هو التحقق الذي ينجزه القارئ».[25] وبذلك فالنصوص عبارة عن بنيات غير منتهية المعنى. إنها حدث دينامي، إذ ليس للنص معنى حقيقيا ولا وجود لسلطة المؤلف عليه، والقارئ هو من يضفي هذه المعاني للنصوص.

يولي "إيزر" الاهتمام بالقارئ من خلال عملية إنتاج المعنى Productivité du Sens؛ «فعلى عكس التأويل الكلاسيكي، والذي حاول توضيح معاني المتوارية في النصوص، ارتأى "إيزر" أن المعنى نتيجة لتفاعل بين النص والقارئ، على اعتباره أثرا لتجربة، وليست موضوعا منتهيا»[26]. إن الأمر المهم هو الصورة الذهنية التي يكوّنها القارئ حول النص؛ فالغاية ليست إنتاج المعاني فقط، بل وأيضا القدرة التأثيرية للنصوص على القراء.

أما المفهوم الثاني لـــ"إيزر" فهو "القارئ الضمني" Lecteur Implicite «وهو نموذج متعال، يسمح بشرح كيفية إنتاج النص التخييلي ويعين دور القارئ المفترض في النص، ويسجل سيرورة تحول البنيات النصية بالرجوع إلى أفعال التمثلات في مجموع خبرات القارئ»[27]، ليتضح لنا أن مفهوم القارئ الضمني يمثّل بنية نصيّة تتطلع لحضور القارئ؛ فالنص لا يمكن إدراكه دفعة واحدة، بل عبر سيرورات ومراحل متتابعة للقراءة، حيث يترك الكاتب فراغات في النص، تمكن من أن ينفذ القارئ من خلالها، وبهذا يتجسد ما وصفه "إيزر" بــــ «وجهة النظر الجوالة التي تسمح للقارئ بأن يجول عبر النص، ويكتشف تعددية المنظورات المترابطة، التي تتغير كلما حدث تنقل من منظور لآخر، وهذا يُنشئ شبكة من الروابط الممكنة، وهي وسيلة من وسائل وصف الطريقة التي يكون بها القارئ حاضرا في النص»[28] وتخضع النصوص إلى تأويلاته الذاتية وتتحسن باستمرار، بفضل إبداعه العميق للنصوص، ومستوى قدراته التأويلية، إذ من خلال تجربتنا مع قراءة النص يُتاح لنا صياغة تجربة جديدة تُضاف إلى خبراتنا.

ويمكن تمثيل أهم مفاهيم "إيزر" واختصارها كما يلي:

3- يوسف الصديق ومقولات نظريات الاستقبال

يعد المفكر التونسي "يوسف الصديق" من بين المفكرين المعاصرين الذين حاولوا مساءلة القرآن وتفكيك بنيته، وتجاوز التفاسير المقامة حوله؛ فالقرآن وبحسبه مسألة تتعدى ذلك الارتباط العاطفي والانفعال الوجداني والتعلق والإعجاب، بل إنه يمثّل جوهر فلسفة الفعل والممارسة، وآن الأوان لكيلا نعيد فقط الاعتبار للعقل على حساب الإيمان الخالص، بل لغربلة ما نؤمن به، وبين ما نفذ عبر إيديولوجيات غيّرت مستويات الفهم.

إن هاجسه الكبير وانشغاله ظل متمركزا وبقوة، حول ضرورة إعادة قراءة القرآن، باعتباره يمثل جوهر وكنه الثقافة الإسلامية، وتراثا لم يفك الغشاء المتمركز حوله بعد. كما تمثّل محاولته حلقة مكملة لاجتهادات المفكرين السابقين عليه؛ فلا جدال أن علوما قد عنت بالقرآن فهما وتفسيرا منذ نزوله وإلى الآن، غير أن الاجتهاد العقلي والفلسفي كان مُبعدا ومستهجنا أحيانا بحجة تعارض العقل والنقل، إلاّ أنّ هناك محاولات للتفلسف حول القرآن ظهرت سابقا مع الفارابي، وابن سينا، وأخرى أخذت طابعها الفرق والمذاهب كالمعتزلة، والأشاعرة ومن حذا حذوهما، لتأتي مساهمات القراءات الحداثية للقرآن، والتي تفرعت إلى صنفين، صنف قاده مفكرو العالم الغربي ومستشرقوه، وآخر تزعمه المفكرون العرب والمسلمون.

إن سعينا هنا يقع بمثل ما ذهب إليه توصيف "جاك بيرك" حول إعادة قراءة القرآن، والتي تُمثّل تلك الخطوة التي من خلالها يتم «تجديد واستنباط وتوسيع دائرة الاستنتاج وتوليد دلائل وتجنيد نتاج اللغة والاجتماع والمنطق والإناسة والصوت والبلاغة والتركيب والآثار للحصول على مفاهيم لمنظومة إنسانية واعية هادفة»[29]، ولتحقيق فهم جديد يواكب عصرنا، وينأى بنا عن الأساطير والخرافات التي أحكمت نسيج بنية النص القرآني.

ينطلق "يوسف الصديق" من تقديم تعريف جديد للقراءة، فيعرّفها بقوله: «إنها عملية التفكيك والتركيب المتجدد للوحدات المعنوية، ثم وصلها مع غيرها من المعاني في ذات النص مع تحديد المواقع والشخصيات والأحداث والإشارات التي احتواها هذا النص»[30]. إن القراءة بهذا المعنى، تتطلب تضافرا لعدة مهارات، بدءا بالقدرة على التحليل[31] والتفكيك والربط؛ أي ألا نعزل النص عن سياقاته الأولى (أسباب النزول) وما استجد علينا؛ وأن نؤسس فهمنا للقرآن بربطه بمنجزات العلوم والمعارف من جهة، وبالنظر إلى التغيرات الاجتماعية من جهة أخرى، فبرأيه المؤسسة التفسيرية جعلت القرآن «فضاء طقوسيا مغلقا، أنتج المعنى الأحادي، ولم ينل منها سوى العزل والانفصال عن دائرة التفكر الكوني الأعدل قسمة بين البشر»[32]، فلماذا لا نزاوج بين اجتهادات المفسرين من أمثال "الرازي، والزمخشري، والقشيري، والطبري"، «وإسهامات إبداعات تشومسكي، وألتوسير، ورولان بارت، علينا (...) أن نستفيد من هذه العلوم الجديدة المتعاملة مع النص، وعلينا أيضا أن نهتم بعلم الفلك وعلم الرياضيات، فما يمنعنا أن نهتم بالنص القرآني والنصوص الدينية عموما، ونعيد النظر الجدي فيها لنخصبها من جديد»[33] ونجعل منها نصوصا تقترح إجابات جديدة لعالم جديد. إننا نرى في القرآن تجددا للمعاني والدلالات في كل مرة، وأن الاكتفاء بما قيل في قرون سابقة، لهو إعدام للنص دون سابق إنذار.

إن الدعوة لإعادة قراءة القرآن لم تنبعث من فراغ، بل إن الهوة السحيقة بين الواقع ومستجداته وثبات الفهوم واستقرارها في زمن بعيد غير هذا، كلّ ذلك جعل إعادة القراءة واقتراح تفاسير جديدة ضرورة ملحّة، لإعادة التوازن بين نص كُتب له أن يكون صالحا لكل زمان ومكان، وبين عالم متجدد ومتغيّر.

إن الدراسات المعاصرة للقرآن وبحسب "أبو القاسم حاج حمد" يمكنها أن تقترح قراءات عديدة «فالقراءة السوسيولوجية تهدف لاكتشاف المكونات الاجتماعية والعقلية المتموضعة في ذلك الزمان التاريخي. إنها محاولات يرفضها المتدينون، إلا أنها تحمل إجابات مهمة لا عن أصل النص القرآني، ولكن عن نمط تلك الثقافة التاريخية التي تناولت معانيه بالتفسير والتأويل تبعا لمناهجها المعرفية»[34] فمناهج هذه الدراسات تساعدنا في معرفة المضامين الفكرية والذهنية التي حكمت تلك العقليات، حيث نميّز بين القرآن وآياته المحكمة، والتفاسير والفهوم التي دارت في فلكه.

3-1 - توظيف مقولات هانز روبرت ياوس

تتأسس نظرية "ياوس" حول القراءة، في إعادة الاعتبار للقارئ «أو الجمهور؛ فالمتلقي ليس مجرد عنصر سلبي، بل إنه يُنمي بدوره طاقة فعالة، ولا يمكن أن نتصور حياة العمل الأدبي عبر التاريخ دون علاقته بالمتلقين».[35] فالقارئ من يصنع الفهم، ويخلق التأويلات، ويضيء النص بمعان جديدة ومتعددة، وقد أدرج "ياوس" ذلك تحت مسمى "التجربة الجمالية"، تكمن الأهمية الإبستيمولوجية لنظريته في كونه أول من اهتم بالبعد التاريخي حول القارئ الناقد، وقد حاول التوفيق بين الشكلانية الروسية التي أهملت دور التاريخ، والدراسات الاجتماعية التي تجاهلت النص، حيث استخدم "ياوس" «مفهوم أفق التوقع؛ لوصف المعايير التي يعتمدها القراء في تقييم أي عمل أدبي في أية فترة كانت. إن مقولة "أفق التوقع" تمكننا من معرفة أصالة العمل الأدبي، وطريقة نقده وتقييمه في لحظة ما بدءًا من مرحلة ظهوره، وانتهاءً بفترات أكثر حداثة ومعاصرة، ولكنها لا تحدد معنى نهائيا وأوحد له»[36]. إذن، فجمالية التلقي تتيح إدراك العمل الأدبي وتشكله، وكذا معرفة طبيعة الحكم حوله، وسياقه، وبفضلها نتخلص من سلبية القارئ ليكون عنصرا فاعلا، ولا يكون ذلك إلا من خلال إعطائه أدوارا جديدة ووظائف «كالتكوين السابق للسلوكيات، وإبداع المعيار، وأخيرا إبطال المعيار»[37]، ولعل أهم هذه الوظائف هي القدرة على تجاوز التقييم السابق وإحلال رؤى وتصورات تواكب العصر الموجودة فيه، إذ إن مبتغاها التجديد والتجاوز لا الركون والاستكانة.

وفي السياق ذاته، يذهب "يوسف الصديق" إلى القول: «إن النص القرآني تاريخ ينطبق عليه التطوّر، ويمكن أن ينطبق عليه ما ينطبق على أي كتاب آخر يحمل من القيم الكونية ما يؤهله إلى أن يكون إنسانيا، إن التطوّر هو في ذاتي أنا وفي ذاتك أنت، في تفاعلها مع هذا النص، إنه في كل حقبة زمنية أو تاريخية أرى في المصحف قراءة أخرى»[38]. إن القرآن وفقا لهذا المفهوم، مساحة نصية أزلية وسرمدية، ما هو متطور ومتغيّر فهمنا له، فالتطوّر متوقع من القارئ، إذ إن فهمنا للقرآن في بداياته الأولى، ليس نفسه ونحن في عصر يختلف كلية، ومنه وجب تجاوز ذلك التعاطي البسيط في قراءتنا وفهمنا للقرآن، وهنا تتحقق دعوة "ياوس" في مفهوم الخبرة الجمالية وأفق التوقع.

طبّق يوسف الصديق آلية جديدة في القراءة، حيث أبطل معيار التفاسير الأولى، واعتبر «النص القرآني نصا يندفع باتجاهنا، ويحمل لنا معان ودلالات تضعنا خارج قانون إمكانية القول والإدراك بطريقة مختلفة وبعيدا عن اللغة الأصلية (للناطقين باللغة العربية)»[39]؛ أي إن قراءة القرآن باللغة غير التي أنزل بها أي (لغة قريش)، تمكننا من صنع واستحداث دلالات كبرى، وفك رموز وشفرات قد لا يتمكن أهل اللغة الأولى من التوصل إليها، على اعتبار أن القرآن رسالة للعالمين يحوي كلمات غير عربية، وهذا ما حدا به لأن يقرأ السور والآيات بطريقة جديدة وظّف فيها كافة آليات البحث والحفر الأنثروبولوجي للكلمات والدلالات، حيث اقترح ربط بعض الكلمات القرآنية بأصول يونانية، وحاول مقارنة قصص القرآن بأساطير رويت قديما.

من أمثلتها: صابئة ومعناها لدى "السجستاني" «الخروج من دين إلى دين»[40]، وكلمة "أنفال" والتي تعني «الغنائم، وهي الزيادة على الفرض»[41]، في حين اقترح "يوسف الصديق" أن كلمة "الصابئة" أصلها «Sebô سيبو وتعني الإجلال والخشية من الآلهة تحديدا، وتعني الصبابة الفناء في الهوى». أما كلمة "أنفال" فأصلها «Néphalieuô نيفاليو وتعني القربان للآلهة»[42]. إن "الصابئة"، وهم من يعتنقون دينا جديدا بمعنى الخروج من دين لآخر، والفعل اليوناني "سيبو" يعني الفناء؛ فأن تخرج من دين بعد إيمان تام واعتناق خالص وتعتنق آخر كأن تطلب الفناء عند باب هذا الدين، مما يتأسس عليه أن معرفة الكلمات الأعجمية في القرآن لن يجعلنا نحيد على الفهم، بل يقدم لنا آفاقا كبرى لمراجعة تراثنا من جهة، وبناء الاتصال مع باقي الحضارات من جهة أخرى، كما أن كلمة "الأنفال"، تعني الزيادة وهي المعنى نفسه للفعل اليوناني الذي يدل على تقديم القربان للآلهة، وهذا للدلالة على اقتراب المعاني العربية مع مقابلها اليوناني، «فالعرب عرفوا اليونان وهناك مدن شاهدة على ذلك، لذا علينا أن نستوعب أن هذه المسافات أنتجت حضارات وآثارا ومأثورات، وأشعارا حتى معجم القرآن يدل على الانفتاح على الآخر، فكلمات مثل زخرف، سجيل، وكوثر ومسومة كلمات من أصل يوناني دخلت الفضاء العربي بفعل هذا التفاعل»[43] إن المعاني والدلالات الكبرى التي نستخرجها كل مرة عند قراءة القرآن، تؤكد التشارك الحضاري، وعالمية القرآن، كما تعد هذه الإستراتيجيات في التأصيل الإيتيمولوجي، من بين المنافذ الجديدة للبحث عن معان متجاوزة للقراءات السابقة، وتوسيع مجال وآفاق الفهم، لاستحداث أفق التوقع لفترات لاحقة.

3-2 - توظيف مقولات فولفغانغ إيزر:

إن القارئ المتفحص لأفكار "يوسف الصديق"، سيجد دعواه مبثوثة في كافة كتبه ونصوصه، والتي تعلي من شأن القارئ وتُحفّز دوره، وتنزع من الأئمة والفقهاء حكر فهم القرآن، يقول: «يجدر التذكير بأنه لم ترد في الخطاب القرآني إشارة واحدة على أية مشروعية تحظى بها هذه الشخصية كي تتولى توجيه القراءة (...) إن الإيمان لا يشترط وجود جهة تزود المؤمنين بمعنى يترجم ما أراد الله قوله لهم»[44] إن غياب هذه الجهة يسمح ومن دون شك ولا تأويلات مفترضة باختراق النصوص القرآنية وفهمها فهما مرتبطا بالسياقات الزماكنية التي يوجد فيها القرّاء، ومنه «التموقع الحر والاعتقاد في إبطال الوساطة الكهنوتية وإزاحتها من مساحة الإسلام»[45]، فعندما نجرؤ على اختراق النص القرآني بفهمنا نحن وبمعطيات عصرنا، وألا نفسح مجالا للآخرين برسم معاني القرآن وأن نقف في مواجهة لطبيعة السلفيين والخطاب الأصولي المؤمن بالقراءة والتفسير الواحد، والمعارض لكافة التصورات.

إنّ عملية الاعتقاد الديني تنبني على مفهوم واحد هو مفهوم الحرية بشكل عام «وأن التحرر من الصنمية والخداع والاجتهاد الفردي الذي يحوّل الكثير من النصوص والخطابات إلى عملية خداع عبر ميول اعتقادية منحرفة وجافة، تكبح كل أشكال الوعي الأصولي الصحيح لتفرض التعصب، إذا لابد في هذا الاعتقاد الديني أن يواكب التطوّر»[46]، فلطالما حاولت الاجتهادات الكلاسيكية والتفاسير التقليدية جعل النص القرآني نصا منغلقا على نفسه، يفسر ويشرح ذاته بذاته، وقد اعتبر "غوستاف لوبون" Gustave Le Bon «أن الاحتياج إلى التفسير، كالاحتياج إلى الاعتقاد يلازم الإنسان، وقد ساعد في تكوين الآلهة، كما يساعد على ظهور القليل من الآراء، وأبسط الأجوبة تكفيه، وهذه السهولة هي مصدر كثير من الأغلاط»[47] وعندما يستمر رأي وتفسير معيّن ويتمكن من النفوس، يصعب بل يستحيل تغييره، ومن يسعى لذلك فهو عدو؛ وهذا ما أسهم لا في الحفاظ على سمة القرآن سورا وآيات، وقدسيتها وخصوصيتها التي تستغرق الزمان بأبعاده المختلفة، بقدر ما شوّهتها وجعلتها تعادي أي قراءة وتصور آخر، وبالتالي ركنها إلى فترة ماضية وبعد واحد.

إن القارئ الضمني كما تم التعريف به سابقا، هو قارئ يجمع سيرورات القراءات وخبراته السابقة، حيث يعمل في كل قراءة جديدة على إضافة رؤية وتصوّر معيّن، ما يسميه "إيزر" بسد فراغات وفجوات ما كان سابقا ونحن هنا نعيد تقييم القراءات السابقة أي (التفاسير الأولى) لا أن نضيف إلى القرآن شيئا، كما أن قراءتنا للقرآن في فترة ما، وإعادة قراءته في فترة أخرى بعد تكوين معيّن، ومقاربات مختلفة لا يقدّم لنا النتيجة نفسها.

وسنقدّم مثالا على ذلك كما يلي؛ ففي تفسير آيات من سورة الكهف في قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾[48]، مقارنين بين ما قدّمه "الزمخشري"، وما اقترحه "يوسف الصديق":

تفسير الزمخشري 

قراءة المفكر يوسف الصديق

يقول الزمخشري، أن المداد هو اسم ما تمد به الدواة من الحبر، وما يمد به السراج من السليط، ويقال السماد مداد الأرض، والمعنى لو كتبت كلمات وعلم الله وحكمته وكان البحر مدادا لها لنفد البحر. دون أن تنفد كلمات الله وعلمه.[49]

(التفسير كلمة بكلمة).

يذهب "يوسف الصديق" حول هذه الآية أن الموروث ويقصد به التفاسير الكلاسيكية لم تستطع اقتراح تفاسير لجأت إلى تحديد قراءة واحدة لنسخة المصحف المفردة، وإلى غلق المنافذ نحو أية قراءة ممكنة، وبالتالي أن تفسير القرآن وفهمه لا طائل من ورائه[50].

على اعتبار أن علم الله لن نحيط به مهما فسرنا.

قدّم "الزمخشري" تفسيرا مرادفا مساويا بالكلمات والمعاني لما تم ذكره في الآية [109 من سورة الكهف]، حيث شرح كلمة المداد وقاربها لغويا، واستمد بذلك تفسيره بأن علم الله وحكمته لا يمكن أن يُحاط بها (وهذا أمر مفروغ منه)، لو حاولنا جعل البحر كمداد لها، وعليه فالتفاسير المقامة لا تصل إلى فهم قول الله الصريح ولا يمكن أن تحده، والنتيجة الحتمية الإبقاء على معنى واحد والامتثال للترتيل لا القراءة الحقة والفهم.

في حين كانت قراءة "يوسف الصديق" تنطلق أولا من موضع نقدي للتفاسير الكلاسيكية، ومن ثمة تأسيس لفكرة مفادها أن «القرآن لا يُسأل عما لم يقله، لكن القارئ الباحث مجبر على السؤال وعلى تدبّر المنطوق والمسكوت عنه وإلا انغلق على التلاوة فقط»[51] وهو الخطأ الذي وقع فيه المفسرون السابقون.

ويمكن إجمال خطوات نظريات الاستقبال فيما يلي:        

1- القراءة سيرورة ديناميكية؛ لا تكتفي بالفكرة الواحدة أو القراءة الواحدة (النص ينتج معان كثيرة)

2- القارئ؛ مجبر على السؤال والبحث وفقا لمعطيات عصره هو (مفهوم القارئ الضمني صانع الدلالات والتصورات)

3- النص؛ بنيات مفتوحة لا تنجلي مرة واحدة، بل مع مرور الزمن (وجهة النظر الجوالة)

إن مبررات "يوسف الصديق" مؤسسة على اعتبار أن «أصالة القول القرآني ليس مجرد تحد غير مجدٍ لقدرات البشر وضعها الله، وليس لاختبارنا كمنافسين له، هذا التحدي يُبقي التفسير في دائرة مغلقة؛ لأنه يُفهم كتحد شكلي من غير المجدي الوصول إليه، وكذا خوفا من الوقوع في الخطيئة والكفر»[52]، إن القرآن نص مفتوح، ويمكننا استخراج ما لا نهاية من الدلالات والمعاني، خاصة وأن اللغة العربية تمتاز بالترادف، فالإبقاء على المعنى الأحادي وفرضه لا يوصلنا إلى فهوم جديدة، ويحصرنا في فترة تاريخية محددة، ويلجم بذلك العقول ويترك المجال لتسرب الدجل والكفر، وقد دعا "طه جابر العلواني" المزاوجة بين قراءتين هما قراءة الوحي وقراءة الكون؛ وأن القراءة الأولى تمثل «قراءة في الوحي النازل إلى النبيين، والثانية تمثل علم الكون أو المعارف الطبيعة، وأن إهمال القراءة الثانية في الكون والطبيعة المسخّرة؛ أي إهمال الوجود والكون فإنه يؤدي إلى نفور من الدنيا، ويشلّ طاقات الإنسان، ويعطّل فكره»[53]، إنّ العقل المعاصر عقل موسوعي يحاول تأسيس فهم يستغرق منهجيات عديدة، كالتحليل، والتفكيك والنقد، والتفسير كل ذلك للبعد عن المعنى اللاهوتي الواحد، والارتقاء بفهم لا يتعارض مع العقل ولا المنطق ولا الإيمان.

4- القارئ الجديد قارئ متجاوز، أم مُدنّس؟

لا وجود لقراءة واحدة، وشاملة إذ يمكن فهم النص ورصد معانيه بطرائق مختلفة، فالنصوص وعلى اختلافها فلسفية كانت أم أدبية أو حتى دينية تحتاج لقراءات متعددة لبلوغ فهوم ورؤى مختلفة، لا تدعي واحدة دون الأخرى سيطرتها وإحكامها على المعاني النهائية، يقول في هذا الشأن "بول أرمسترونغ" إن الغاية من كل قراءة وتأويل «ليس محاولة لبلوغ شيء ما، بالأحرى هو فعل إبداع لا حدود لإمكاناته، إذ إن إنكار سلطة النص يقوي قدرتنا على خلق المعنى»[54] الذي ينشأ ويتكوثر بفعل التأويل؛ فالمعاني موجودة في النص تحتاج فقط لمن يحررها، أو بدقة أكثر لمن يبعثها من جديد.

وعندما نفتح هامشا للتأويل، نجد أن القراءات المعاصرة التي أقيمت ولازالت تقام حول النص القرآني، لم تجانب هذا المنطق القاضي بمصادرة كل فهم يدعي الأحقية، وإغلاق دورة نسج المعاني وخلق التأويلات، بل إننا نرى وعلى ساحتنا الفكرية قراءات واجتهادات مهمة (كمحاولات محمد أركون، ونصر حامد أبي زيد، محمد شحرور، يوسف الصديق، سعيد ناشيد، وهالة الوردي...وغيرهم)، كلّها تصب في تحيين فهمنا للنص القرآني بالارتداد لزماننا وواقعنا، فــ »الإنسان المعاصر مستحيل أن يرى نفسه في مرآة القرن السادس أو القرن السابع حين نزلت الآيات، فهل يقبل عاقل تعاليم التي تُقنن الرق مثلا؟ !»[55]، ستكون الإجابة بالسلب، لم تعد السياقات الثقافية والفكرية والعلمية نفسها أيام التفاسير الأولى، ومنه كان لزاما علينا، إما أن نواكب التغيرات ونجدد عقولنا، وإما أن نبقى نكرر ما قد قيل لمجتمعات ليست هي مجتمعاتنا الآن.

نحن أمام معادلة صعبة تنطلق عادة من مقدّمات تلعب على وتر حساس هو الإيمان الساذج، لتحيك في الخفاء إيديولوجيا كبيرة، حيث ما إن يسعى أي مفكّر بتركيب عبارة "إعادة قراءة القرآن" إلا ويصبح محل اتهام عقدي، فينحرف النقاش عما قاله للتشكيك بشخصه، فلم يترك مجال لا للفقهاء ولا للعلماء ولا للمستشرقين لكي يشتغلوا على النص القرآني بآليات جديدة تنهل من مختلف العلوم، فقد «جوبه الإصلاحيون وأدانوهم دون رجعة إما بالاحتقار وإما بالاتهام المجحف وإما بالعنف حسب الظروف، وذلك بالقدح في مشروعية الأداة المنهجية التي استعملوها أي ذلك العقل النقدي الذي غذّته العلوم الإنسانية، اعتبارا أن هذه الأداة المهربة إلى العالم الإسلامي»[56] تحمل في طياتها سم وفجاجة العقل الأوروبي اللعين، فهل هو نكران لنكران ومصادرة لأجل المصادرة؟ أم نكران لإعلاء سوء الفهم، وترك مجتمعات إسلامية تتخبط بين مطرقة إفرازات المابعد حداثية وسندان قراءات القرون الأولى !!

إن العقل الذي نادى به ديكارت قديما، وأقر أنه أعدل الأشياء قسمة وتوزعا بين الناس، علينا إعادة تفعيله داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وتسخيره لوجهته الصحيحة، وإعادة تنشيطه فقد غُيّب لقرون طويلة لم نجن منها إلا الانحسار عن دائرة الفاعلية الإنسانية، فقد «استغلت الأحزاب الدينية الدين لبناء وعي زائف يستهدف ديمومة الفقر، والتخلف، فأن تكون مسلما حقيقيا يعني أن تكون فقيرا، الفقر رأس مال رمزي للدين»[57] ففي كثير من الحالات تمكن رجال الساسة وأرباب المال من استغلال الدين. ولعل من أوقد ذلك سوء فهمنا للقرآن وللحياة، لم نستطع التخلص بذلك من تلك الازدواجية المرضية التي أحكمت قبضتها علينا وصارت نموذج المسلم، الذي يمارس كافة التناقضات مرة واحدة.

في الحقيقة، لا نملك التعويذة التي بفضلها سننتقل من القارئ الساذج إلى القارئ الناضج، لكننا سنكتفي بالقول إن القارئ الجديد، ونقصد "قارئ القرآن ومؤوله" لا يمكن بدءا وسم محاولته بالخطإ أو الصحة، ولا وضعه -كقارئ- في الجنة أو النار، علينا أن نتعلم ونقتنع أن القارئ هو عنصر أساسي لفهم النص يقدّم تصوراته عنه ويستخرج فهما معيّنا، انطلاقا من اعتبارات محددة، تسعى لاستفزاز هذا النص، الذي هو «بمثابة آلة كسولة تفرض على القارئ عملا مشاركا مجهدا لملء فضاءات المسكوت عنه»[58] دون أن يقدم هذا الأخير الحكم والتقييم النهائي، فالقارئ المعاصر ينبذ التكرار، يسعى بقوة للفهم، وليس غرضه التدنيس كما أوهمنا من لا دليل لهم، لأن في القرآن دعوة صريحة للتدبر، وقد تحدى أقواما قبلنا وهو محفوظ بأمر الله، يقول تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[59]، إذن، فعل القراءة ليس دعوة لتبديل قول الله المنزّل، بل تغيير لفهمنا وتصحيح لسلوكياتنا، وملاحقة للتغيرات الحاصلة ومواكبتها.

وبعيدا عن التصنيف الجزافي الذي ينظر بعين الثنائيات، يمكن تقييم محاولة "يوسف الصديق" باعتبارها محاولة تندرج ضمن الدراسات الحداثية للقرآن، والتي تفترض تقديم تصورات عقلانية للنص القرآني، بعيدا عن هالات التقديس والتمجيد، فقد آن الأوان وبتعبير "القصيمي" أن «نقفز فوق الأرض وفوق سكانها، ونرتفع فوق جاذبيتها ونصبح سادة وقادة وسعداء وأقوياء وأنبياء يتخاطبون مع السماء، فإن كل شيء فينا حينئذ لا بد أن يصاب بالتغير»[60]، إن أخلاقنا وتفاسيرنا وحتى بنيتنا المورفولوجية بحسب -القصيمي-، سائرة للتغير، وعليه لا يمكنها الثبات على حال مهما كان الأمر، وما كان سائدا طيلة فترات بدعوى الإيمان والورع والتقوى، صار علينا إزالة غشاوته، فلا نقبل بالنماذج الجاهزة والأسئلة التي تتضمن إجاباتها من تراث لم يستطع أن يسيطر على ذاته، وتغلغل إليه الفكر الأسطوري المؤدلج المكتوب بيد الأقوى، فأنى له بالقوة أن يسيطر على عقل عالمنا اليوم؟

إن التمسك بالقراءة الواحدة، والتي وقف "يوسف الصديق" في وجهها، ونند بها لم تنل من النص القرآني فحسب، بل كونت وصهرت ذهنيات خامدة، لا مفكّرة، تسلل إليها الوهن وبدل من أن تبني حضارة قوية وواعية وناضجة، هدّمت وجعلت من العالم الإسلامي بؤرة الشر، ونهاية مصب الكوارث والحروب والتخلف والدجل، عالم يركن إلى التراث ويتغني بالأمجاد ويحن إلى الماضي، كأني به يسعى لأن يستعيد «العقلية السحرية، التي تتحقق رغباتها بموجب ممارسة بعض الطقوس والتلاوات، لتصبح أحلام اليقظة تتسم بها الشعوب التي تعيش مراحل طفولة العقلية البدائية»[61] فهل من المعقول أن نعيش الحاضر بعيون الماضي؟ وهل من الفطنة أن نؤسس الفهم على ما قبل الفهم، أو بصيغة أخرى؛ هل ننتظر من الأعمى أن يهدينا إلى الطريق، إذا فقد ضللنا، لقول "بشار بن برد":

أعمى يقود بصيرا لا أبا لكم \ قد ضل من كانت العميان تهديه.

كذلك الأمر بالنسبة إلى ما نقرأه ونرتله صباح مساء، فبدل من أن نقيمه على الوعي ونؤسس ما نحفظه على أرضية الفعل، جعلنا منه تعاويذ تقال لطرد الأرواح الشريرة، والشياطين، وسبيلا لتبرير السلوكيات، ومرادفا للموت لا الحياة، ومجالا للحزن لا الفرح، ومقياسا نصنّف بحسبه العالم، والبشر، وكل شيء.

5- الخاتمة:

على ضوء ما تقدّم، يمكن الخروج بالنتائج التالية:

أوّلا: إن نظريات القراءة من بين النظريات المعاصرة التي استطاعت خلق هوة بين فترة كلاسيكية كان التركيز كله على المؤلف والنص، ومرحلة جديدة قلب فيها رواد هذه النظريات الاهتمام نحو القارئ، باعتباره عنصرا هُمّش كثيرا، علينا إعادته للمركز لأداء أدواره ومهامه، في تحريك علامات النص.

ثانيا: كانت استراتيجيات رواد نظريات القراءة تختلف كلّ بحسب اهتماماته، ومقولاته بين "ياوس" الذي ركّز على "أفق التوقع"، و"إيزر" الذي اهتم أكثر شيء "بالقارئ الضمني" الذي يسد فراغات النص، ويحرك الثابت بديناميكية "و "وجهة النظر الجوالة".

ثالثا: حاول "يوسف الصديق" تطبيق مقولات نظريات القراءة على النص القرآني، وانتهى إلى اعتبارات عدة: كأن التفاسير الأولى لا تناسب عالمنا اليوم، وهي تفاسير احتكمت لخصوصيات سوسيوثقافية معيّنة، وغطاء إيديولوجي محدد، علينا أن نتجاوزه.

وقد لفت انتباهنا نحو ارتباط النص القرآني بالحضارة اليونانية، وهي دعوة صريحة للقراءة الإيتيمولوجية والتثاقف الحضاري، إضافة إلى أنه قدّم تصوراته من القرآن، واعتبره أزليا وأن فهمنا له هو المتغيّر، وعلينا أن نستعين بمكاسب العلوم الأخرى (فلسفة، وتاريخ، وأنثروبولوجيا، ولسانيات...) لفهم القرآن لأننا لحد اللحظة لم نخرج من دائرة الترتيل، والحفظ.

 

قائمة المراجع باللغة العربية

- القرآن: رواية ورش عن نافع

  1. الإدريسي، رشيد، (2010)، سيمياء التأويل الحريري بين العبارة والإشارة، ط1. القاهرة: دار رؤية.
  2. أرمسترونغ، بول، (2009)، القراءات المتصارعة التنوع والمصداقية في التأويل، ط1. بيروت: دار الكتاب الجديدة المتحدة.
  3. إيخنباوم، بوريس، (1982)، نظرية المنهج الشكلي نصوص الشكلانيين الروس، ط1. بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية.
  4. إيرليخ، فكتور، (2000)، الشكلانية الروسية، ط1. بيروت: المركز الثقافي العربي.
  5. إيزر، فولفغانغ، فعل القراءة نظرية جمالية التجاوب (في الأدب)، الرباط: منشورات مكتبة المناهل.
  6. إيغلتون، تيري، (1995)، نظرية الأدب، دمشق: منشورات وزارة الثقافة.
  7. بارط، رولان، (1993)، درس السيميولوجيا، ط3. الرباط: دار توبقال للنشر.
  8. بلعربي، بهية، (2013)، الانسجام النصي في التعبير الكتابي دراسة في اللسانيات النصية، ط1. الجزائر: دار التنوير.
  9. بيرك، جاك، (2005)، إعادة قراءة القرآن، ط2. دمشق: مركز الإنماء الحضاري.
  10. بينيت، طوني، غوسبيرغ لورانس، موريس، ميغان، (2010)، مفاتيح اصطلاحية جديدة معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، ط1. بيروت: المنظمة العربية للترجمة.
  11. جاكسون، ليونارد، (2008)، بؤس البنيوية الأدب والنظرية البنيوية، ط2. دمشق: دار الفرقد.
  12. حاج حمد، أبو القاسم، (2011)، القرآن والمتغيرات الاجتماعية والتاريخية، ط1. بيروت: دار الساقي.
  13. حسين، محمود، (2015)، ما لم يقله القرآن، ط1. تونس: دار محمد علي.
  14. دريدا، جاك، (2000)، الكتابة والاختلاف، ط2. الرباط: دار توبقال.
  15. رويل، نيكولاس، (2014)، ألوان من التفكيكية دليل المستخدم، ط1. القاهرة: المركز القومي للترجمة.
  16. الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود عمر الخوارزمي، (2009)، تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ط3. بيروت: دار المعرفة.
  17. السجستاني، عزيز أبي بكر محمد، (1963)، غريب القرآن، القاهرة: مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده.
  18. سحلول، حسن مصطفى، (2001)، نظريات القراءة والتأويل الأدبي وقضاياها، دمشق: منشورات إتحاد الكتاب العرب.
  19. سعيد، جلال الدين، (2004)، معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية، تونس: دار الجنوب للنشر.
  20. شاهين، شاكر، (2014)، الاستبداد الرمزي الدين والدولة في التأويل السيميائي، ط1. الجزائر: منشورات الإختلاف.
  21. شرفي، عبد الكريم، (2007)، من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة، ط1. بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون.
  22. الصديق، يوسف، (2015)، الآخر والآخرون في القرآن، ط2. تونس: دار التنوير للطباعة والنشر.
  23. الصديق، يوسف، (2013)، هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟، ط1. تونس: دار محمد علي.
  24. عبد الواحد، محمود عباس، (1996)، قراءة النص وجماليات التلقي بين المذاهب الغربية الحديثة وتراثنا النقدي دراسة مقارنة، ط1. القاهرة: دار الفكر.
  25. عبود، حنا، (1999)، النظرية الأدبية الحديثة والنقد الأسطوري، دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب.
  26. العلواني، طه جابر، (2006)، الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الكون، ط1. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية.
  27. القصيمي، عبد الله، (2001)، يكذبون كي يروا الإله جميلا، ط2. القاهرة: دار الكتاب العربي.
  28. قطوس، بسام، (1998)، استراتيجيات القراءة التأصيل والإجراء النقدي، ط1. عمان: مؤسسة حمادة.
  29. القمني، سيد، (2005)، أهل الدين والديمقراطية، ط1. القاهرة: دار مصر المحروسة.
  30. لوبون، غوستاف، (2012)، الآراء والمعتقدات، القاهرة: مؤسسة هنداوي.
  31. المبخوت، شكري، (2019)، تاريخ التكفير في تونس تكفير أبناء بورقيبة، ط1. تونس: مسكيلياني للنشر والتوزيع.
  32. مبروك، مراد عبد الرحمن، (2002)، آليات المنهج الشكلي في نقد الرواية العربية المعاصرة (التحفيز نموذجا تطبيقيا)، مصر: دار الوفاء.
  33. محمد، حسين عبد الناصر، (2002)، نظرية التلقي بين ياوس وإيزر، القاهرة: دار النهضة العربية.
  34. مناف، علاء هاشم، (2011)، أبستيمولوجيا النص بين التأويل والتأصيل في المنظومتين الفكريتين لنصر حامد أبو زيد ومحمد أركون، ط1. بيروت: دار التنوير.
  35. هولب، روبرت، (2000)، نظرية التلقي مقدمة نقدية، ط1. المكتبة الأكاديمية.
  36. ياوس، هانس روبيرت، (2016)، جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي، ط1. الجزائر: منشورات الاختلاف.

قائمة المراجع الأجنبية

  1. Kalinowski, I, (1997), "Hans-Robert Jauss et l’esthétique de la réception". Revue germanique internationale [En ligne]. Retrieved 4 30, 2019, from URL http://journals.openedition.org/rgi/649 ; DOI: 10.4000/rgi.64
  2. Lacheny, M, (2018), Jauss (Hans Robert), le publictionnaire, dictionnaire encyclopédique et critique des publics. Paris: publictionnaire huma-num.fr.
  3. Seddik, Y, (2016), Le Coran, Autre lecture, Autre Traduction. Europe: L’aube.
  4. Seddik, Y, (2005), Qui Sont Les Barbares ? Itinéraire d’un penseur d’islam. Paris: Editions de l’Aube.
  5. Selden, R, Widdowson, P, & Brooker, P, (2005), A Reader’s Guide To Contemporary Literary Theory , 5Th ed. Britain: British Library Cataloguing in publication data.
  6. Shanghai, Y, S, (2013), "Theory and Practice in Language Studies". Review of Wolfgang Iser and his reception theory , shanghai university, 3 (6), 982-986.

Wolfgang, I, (1985), L’acte de lecture théorie de l’effet esthétique, Bruxelles: Pierre Mardaga editeur.

[1]- باحثة جزائرية

[2] يوسف الصديق: ولد يوسف الصديق في توزر من بلاد الجريد التونسية سنة 1943م. فيلسوف كاتب ومفكّر ومتخصص في أنثروبولوجيا الأديان. درس ودرّس في جامعة السوربون بباريس، صدر له عديد المنشورات، كان آخرها: "هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟" عن داري التنوير ومحمد علي، ويصدر له عن دار محمد علي/تونس وعن L’Aube/فرنسا "تونس بعد ثلاث سنوات ...الثورة المنقوصة ". وبعد ما تخرج من الجامعة التونسية درس اللغة الفرنسية ثم الفلسفة في المعاهد التونسية في أواسط السبعينيات، وانتقل سنة 1988 إلى فرنسا، وظل مقيما فيها لفترة طويلة. انظر: الصديق، يوسف، (2015)، الآخر والآخرون في القرآن، ط2. تونس: دار التنوير للطباعة والنشر، صفحة الغلاف، المبخوت، شكري، (2019)، تاريخ التكفير في تونس تكفير أبناء بورقيبة، ط1. تونس: مسكيلياني للنشر والتوزيع، ص.9

[3] بينيت، طوني، غوسبيرغ لورانس، موريس، ميغان، (2010)، مفاتيح اصطلاحية جديدة معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، ط1. بيروت: المنظمة العربية للترجمة، ص. 692

[4] بلعربي، بهية، (2013)، الانسجام النصي في التعبير الكتابي دراسة في اللسانيات النصية، ط1. الجزائر: دار التنوير. ص.34

[5] عبد الواحد، محمود عباس، (1996)، قراءة النص وجماليات التلقي بين المذاهب الغربية الحديثة وتراثنا النقدي دراسة مقارنة، ط1. القاهرة: دار الفكر. ص.7

[6] نظرية الأدب: مصطلح النظرية الأدبية جديد كل الجدة، والنظرية الأدبية الحديثة هي من صنع المفكرين، من صنع كونت وهيجل، ونيتشه وشوبنهاور وماركس وفرويد وأدلر ويونغ وريتشارد أمبسون، وشومسكي وبارت، وليفي شتراوس، بل وأيضا من صنع كثير من الأنثروبولوجيين من أمثال فريزر وتايلر ومالينوفسكي، وهناك أدباء من أسهموا في النظرية الأدبية الحديثة. انظر: عبود، حنا، (1999)، النظرية الأدبية الحديثة والنقد الأسطوري، دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب. ص.25

[7] إيغلتون، تيري، (1995)، نظرية الأدب، دمشق: منشورات وزارة الثقافة. ص.7

* الشكلانية: كلمة وُضعت للدلالة على تيار النقد الأدبي الذي توطد في روسيا بين سنة 1915، وسنة 1930، وضعها خصومه استنقاصا له واحتقارا، والمذهب الشكلاني هو مصدر اللسانيات البنيوية، على أن المنهج الشكلي لم ينتج عن نظام "منهجي" خاص، ولكن عن جهود لخلق علم مستقل وملموس، فليس المهم لدى الشكلانيين تشكيل منهج للدراسات الأدبية، بقدر اهتمامهم بتشكيل منهج للأدب يكون موضوعا للدراسة. انظر: مبروك، مراد عبد الرحمن، (2002)، آليات المنهج الشكلي في نقد الرواية العربية المعاصرة (التحفيز نموذجا تطبيقيا)، مصر: دار الوفاء. ص.11

** البنيوية: تُعنى في معناها الواسع بدراسة ظواهر مختلفة كالمجتمعات، والعقول، واللغات، والآداب، والأساطير، فتنظر إلى كل ظاهرة من هذه الظواهر بوصفها نظاما تاما، أو كلا مترابطا، فتدرسها من حيث نسق ترابطها الداخلي، والنموذج البنيوي للغة هو الذي وضعته الألسنية، حيث درسوا اللغة بذاتها ولذاتها. بغية اكتشاف بنيتها الداخلية. انظر: جاكسون، ليونارد، (2008)، بؤس البنيوية الأدب والنظرية البنيوية، ط2. دمشق: دار الفرقد. ص47

*** التفكيكية: يعرفها دريدا بكونها ليست نظرية ولا فلسفة، وهي ليست مدرسة ولا منهجا، وهي نهج للتحليل النقدي ينطبق بصفة خاصة على النصوص الأدبية، وهي استراتيجية للتحليل النقدي، تتجه نحو كشف الافتراضات الغيبية والتناقضات الداخلية المسلم بها في لغة الفلسفة والأدب. رويل، نيكولاس، (2014)، ألوان من التفكيكية دليل المستخدم، ط1. القاهرة: المركز القومي للترجمة. ص 9، 11، 22

[8] إيرليخ، فكتور، (2000)، الشكلانية الروسية، ط1. بيروت: المركز الثقافي العربي. ص60، 72

[9] سحلول، حسن مصطفى، (2001)، نظريات القراءة والتأويل الأدبي وقضاياها، دمشق: منشورات إتحاد الكتاب العرب. ص ص89، 90

[10] إيخنباوم، بوريس، (1982)، نظرية المنهج الشكلي نصوص الشكلانيين الروس، ط1. بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية. ص16، 19

[11] بارت، رولان، (1993)، درس السيميولوجيا، ط3. الرباط: دار توبقال للنشر. ص ص82، 83

[12] المرجع نفسه، ص85، 87

[13] قطوس، بسام، (1998)، استراتيجيات القراءة التأصيل والإجراء النقدي، ط1. عمان: مؤسسة حمادة. ص19

[14] دريدا، جاك، (2000)، الكتابة والاختلاف، ط2. الرباط: دار توبقال. ص51

[15] هانس روبرت ياوسHans-Robert Jauss: (1921-1997) روائي ومنظر أدبي ألماني، يعد أحد الممثلين الرئيسيين لمدرسة كونستانس، (الاسم الذي ارتبط بجامعة كونستانس المؤسسة في أواخر الستينيات) ويرتبط أيضا بمجموعة من الأسماء (كفولف غانغ إيزر، راينر وارنينغ)، ويرتبط أيضا بمفهوم: القطيعة التي أحدثها مع جماليات التلقي القديمة، بإحداثه تغيرا في براديغماتها، بموضعته للقارئ في قلب النظرية الأدبية انظر:

Kalinowski, I, (1997), "Hans-Robert Jauss et l’esthétique de la réception". Revue germanique internationale [En ligne]. Retrieved 4 30, 2019, from URL http://journals.openedition.org/rgi/649 ; DOI: 10.4000/rgi.64, P8

[16] فولفغانغ إيزر: إزداد فولفغانغ إيزر(Wolfgang Iser) سنة 1926 بألمانيا، درس اللغة الإنجليزية والفلسفة واللغة الألمانية، اشتغل بالتدريس في عدة جامعات داخل ألمانيا وخارجها، وهو عضو بأكاديمية ((هيدلبورغ)) للفنون والعلوم، وبالجمعية الأنجليزية للأدب المقارن، وبالأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، ورئيس اللجنة المخططة لجامعة كونستنانس، له عدة مؤلفات أهمها: القارئ الضمني، فعل القراءة، التوقع، التخييلي والخيالي. انظر:

إيزر، فولفغانغ، فعل القراءة نظرية جمالية التجاوب (في الأدب)، الرباط: منشورات مكتبة المناهل. ص9

[17]Lacheny, M, (2018), Jauss (Hans Robert), le publictionnaire, dictionnaire encyclopédique et critique des publics. Paris: publictionnaire huma-num.fr .p2

[18] محمد، حسين عبد الناصر، (2002)، نظرية التلقي بين ياوس وإيزر، القاهرة: دار النهضة العربية. ص4، 5

[19] المرجع نفسه، ص12

[20] شرفي، عبد الكريم، (2007)، من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة، ط1. بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون. ص163

[21] ياوس، هانس روبيرت، (2016)، جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي، ط1. الجزائر: منشورات الاختلاف. ص59

[22] هولب، روبرت، (2000)، نظرية التلقي مقدمة نقدية، ط1. المكتبة الأكاديمية. ص.124، 125

[23] المرجع نفسه، ص.129

[24] إيزر، فولفغانغ، المرجع السابق، ص.6، 7

[25] المرجع نفسه، ص.12

[26] Shanghai, Y, S, (2013), "Theory and Practice in Language Studies". Review of Wolfgang Iser and his reception theory , shanghai university, 3 (6), 982-986. P.2

[27] Wolfgang, I, (1985), L’acte de lecture théorie de l’effet esthétique, Bruxelles: Pierre Mardaga editeur. P.76

[28] إيزر، فولفغانغ، المرجع السابق، ص.69

[29] بيرك، جاك، (2005)، إعادة قراءة القرآن، ط2. دمشق: مركز الإنماء الحضاري. ص.7

[30] الصديق، يوسف، (2013)، هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟، ط1. تونس: دار محمد علي. ص.7

[31] التحليل يقابله التركيب الذي يتمثل بناء الكل بالاعتماد على العناصر التي ميّز بينها التحليل، وفي العودة من البسيط إلى المركب، ويمكن أن يكون التركيب أن يكون فكريا (في بناء النظريات مثلا)، وعقليا (كالاستنتاجات التأليفية في الرياضيات أو تجريبيا كالعلوم التجريبية). سعيد، جلال الدين، (2004)، معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية، تونس: دار الجنوب للنشر. ص.98

[32] الصديق، يوسف، هل قرأنا القرآن، أم على قلوب أقفالها؟ ص.9

[33] الصديق، يوسف، الآخر والآخرون في القرآن، ص.66، 67

[34] حاج حمد، أبو القاسم، (2011)، القرآن والمتغيرات الاجتماعية والتاريخية، ط1. بيروت: دار الساقي. ص.48

[35] شرفي، عبد الكريم، المرجع السابق، ص.161

[36] Selden, R, Widdowson, P, & Brooker, P, (2005), A Reader’s Guide To Contemporary Literary Theory, 5Th ed. Britain: British Library Cataloguing in publication data. P.50, 51

[37] ياوس، هانس روبيرت، ص.146

[38] الصديق، يوسف، الآخر والآخرون في القرآن، ص.17

[39] Seddik, Y, (2005), Qui Sont Les Barbares ? Itinéraire d’un penseur d’islam. Paris: Editions de l’Aube. P.29

[40] السجستاني، عزيز أبي بكر محمد، (1963)، غريب القرآن، القاهرة: مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده. ص.124

[41] المرجع نفسه، ص.َ12

[42] الصديق، يوسف، هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟، ص.174ـ213

[43] الصديق، يوسف، الآخر والآخرون في القرآن، ص.96

[44] الصديق، يوسف، هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟، ص.18

[45] المصدر نفسه، ص.18

[46] مناف، علاء هاشم، (2011)، أبستيمولوجيا النص بين التأويل والتأصيل في المنظومتين الفكريتين لنصر حامد أبو زيد ومحمد أركون، ط1. بيروت: دار التنوير. ص.104، 105

[47] لوبون، غوستاف، (2012)، الآراء والمعتقدات، القاهرة: مؤسسة هنداوي. ص.111

[48]سورة الكهف، الآية [109]

[49] الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود عمر الخوارزمي، (2009)، تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ط3. بيروت: دار المعرفة. ص.631

[50] الصديق، يوسف، هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟، ص.30

[51] الصديق، يوسف، الآخر والآخرون في القرآن، ص.80

[52] Seddik, Y, (2016), Le Coran, Autre lecture, Autre Traduction. Europe: L’aube. P, 224

[53] العلواني، طه جابر، (2006)، الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الكون، ط1. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية. ص.22، 25

[54] أرمسترونغ، بول، (2009)، القراءات المتصارعة التنوع والمصداقية في التأويل، ط1. بيروت: دار الكتاب الجديدة المتحدة. ص.45

[55] الصديق، يوسف، الآخر والآخرون في القرآن، ص.58

[56] حسين، محمود، (2015)، ما لم يقله القرآن، ط1. تونس: دار محمد علي. ص.53

 

[57] شاهين، شاكر، (2014)، الاستبداد الرمزي الدين والدولة في التأويل السيميائي، ط1. الجزائر: منشورات الإختلاف. ص.183

[58] الإدريسي، رشيد، (2010)، سيمياء التأويل الحريري بين العبارة والإشارة، ط1. القاهرة: دار رؤية. ص.88

[59] سورة الحجر، [الآية 9]

[60] القصيمي، عبد الله، (2001)، يكذبون كي يروا الإله جميلا، ط2. القاهرة: دار الكتاب العربي. ص.9

[61] القمني، سيد، (2005)، أهل الدين والديمقراطية، ط1. القاهرة: دار مصر المحروسة. ص ص.59، 60