ملخص آراء يوسف الصديق حول كتابه: "هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟"


فئة :  قراءات في كتب

ملخص آراء يوسف الصديق حول كتابه: "هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟"

ملخص آراء يوسف الصديق حول كتابه:

"هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟"*

حنان برقرق

 

هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟ كتاب للمفكر التونسي يوسف الصديق، صدر عام 2005 بنسخته الفرنسية تحت عنوان: Nous n’avons jamais lu le coran وترجمه الباحث "منذر ساسي" عن دار نشر "دار محمد علي" ودار "التنوير"، يقع الكتاب في 248 صفحة.

يضم الكتاب خمسة فصول، ومقدّمة وخاتمة.

مقدّمة المؤلف: (من الصفحة 7-19)

وفيها قدّم يوسف الصديق استقراءً تاريخيا لمفهوم القراءة والتفسير، وعاد بنا لأولى المفسرين يقول: «منذ أولى التفاسير المنسوبة إلى أحد تابعي مقاتل بن سليمان منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، بقي المسلم وغيره ممن يهتم بالإسلام يستهدي طريقه في التعرف على معاني القرآن وألغازه من فضاءات استقر فيها التفسير على أرض التلاوة والترتيل لا على مفهوم القراءة الحقة بمعناها الأوفى»[1]، ليُشير أن هذا الاستقرار في التفسير بقي حبيس التلاوة لا القراءة الحقة؛ التي تعني برأيه «عملية التفكيك والتركيب المتجدد للوحدات المعنوية، ثم وصلها مع غيرها من المعاني في ذات النص مع تحديد المواقع والشخصيات والأحداث والإشارات التي احتواها هذا النص».[2] فالمؤسسة التفسيرية بحسب يوسف الصديق، جعلت من المصحف «فضاءً طقوسيًا مغلقًا، أنتج المعنى الأحادي»[3] وأحكمت سيطرتها على النص القرآني، كي لا يتسرب الفكر البشري، لكن لم ينل منها إلا «سوى العزل والانفصال عن دائرة التفكر الكوني الأعدل قسمة بين البشر»[4] فالآية ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم﴾ تُبيّن وجود «علاقة التخاطب التي تصل النبي بالله كانت تتحقق من خلال فجوة يمتنع وصولها، تفصل أبدا الكلم الموحى عن متلقيه ذي الطبيعة البشرية، وتفتح تلك الفجوة الباب أمام خطر التشوش والخلط والتسلسلات الخداعة. إنها كذلك الفجوة التي دأبت مؤسسة التفسير على رأبها»[5] ولم تلق لها بالا، حيث إن الرسول محمد، وهو يتلقى الوحي الإلهي تمكن الشيطان من النفاذ إلى الوحي، وقد منعت المؤسسة التفسيرية أية رُؤى وآراء تخالف منطقها، حيث أعدمت ابن المقفع واتهمته بالزندقة لتأليفه كتاب "رسالة في الصحابة".

وقامت دعوة "يوسف الصديق" على النظر إلى القول القرآني كفكر؛ لأن القرآن لم يجانب الفكر ولا البحث الفلسفي يقول في هذا الشأن: «لم يكن القول القرآني بمنأى عن التناول الفلسفي؛ فبعد مرور قرن على ظهور الوحي الذي استحال نصًا انطلق المتكلمون المعتزلة في مناقشة المعضلات والمفارقات التي اعتقدوا بوجودها في القرآن، وقد استخدموا كل ما كانوا يملكونه من أدوات وطرق نظرية»[6] غير أن الفكر الديني هيمن واحتل جل المساحات المعرفية، لينتهي بذلك إلى تهميش الفلسفة تهميشا نهائيًا.

وقد نبّه "يوسف الصديق" القارئ أنه وعبر كتابه هذا، لا يمثل إماما ولا مفسرا بقدر ما هو مفكر ينظر برؤية فلسفية للنص القرآني، كما ينزع عن الأئمة والفقهاء حكر فهم القرآن وتفسيره، حيث «يجدر التذكير بأنه لم ترد في الخطاب القرآني إشارة واحدة على أية مشروعية تحظى بها هذه الشخصية، كي تتولّى توجيه القراءة (...) إن الإيمان لا يشترط وجود جهة تزود المؤمنين بمعنى يترجم ما أراد الله قوله لهم».[7]

إذن، دعوة "يوسف الصديق" ملخصة في قوله: "فلنقطع أولا مع ذلك التعاطي التبسيطي مع لفظ إسلام بالقول إنه حمّال لمعنى الخضوع، وإنه ينطق بالعنف الطقوسي والدغمائية والإكراه، وإنه دين الهيمنة (...) إذ يتناسى أصحابه في ادعائهم أن كلمة مسلم تقابل في معناها قيمة الحرية الإنسانية»[8].

تصدير: ولي الأمر وأول دروسي في القراءة (من الصفحة 21-37)

وتأكيدا على منطلقه الفلسفي، وضّح "يوسف الصديق" الخلفية القادم منها، حيث ذكر الفلاسفة الغربيين المتأثر بهم أين كان «تلميذ كانجيام، وج. فال وألكييه، وبيلفال ويانكلفيتش ولاكان ناهيك عن حفاظه على زاده العربي»[9] بالإضافة إلى أفلاطون وسبينوزا وكانط وهيجل.

خطيئة قارئ القرآن الأولى: يدعونا "يوسف الصديق" إلى «أن نقرأ القرآن كأن شيئًا لم يكن...كما لو أننا اقترابنا من هذا القول، وقد أصبح سفرا مسطورا لم يحل دونه حاجز، لا يُشق أقامته آلة دوغمائية هائلة»[10] فخطيئة القارئ الأول هو سكوته وتغاضيه عن أسئلة «عَمِل الفقهاء، القدامى منهم والمحدثون على تجنب الخوض فيها إن لم يتعمدوا التغاضي عنها»[11] وعليه تأتي مساهمة "يوسف الصديق" في «الانطلاق مما اتخذه العمل من أفق فلسفي، فإنه لا يتعاطى مع الخطاب التاريخ والموروث القائم بوصفه نتاجا جاهزًا، بل كمادة تستحق المساءلة حتى تبوح بما تخفيه»[12]؛ لأن النص القرآني طرح ولما يزل يطرح أسئلة لكننا نتجاهلها مرة ونُغيبها مرات.

أسئلة يوسف الصديق: « ما الذي جعل القرآن غير قابل للقراءة إلا بواسطة رجال الدين المأذون لهم؟

ما الذي بوأ رجل الدين سلطة التعهد بقراءة ما، ثم الأمر بترديد ما وقفوا عليه؟

مَا بال هذا النص البديع يأتي إلى مسامعنا في تلاوة رتيبة، فتُستبدل طاقته بسبات شتوي في فضاءات أرشيفنا العربي الإسلامي المنخورة؟»[13]

إن الإجابة عن هذه الأسئلة تفرض «جملة من المواقف المعرفية والمنهجية والتخلي عن كل الأحكام المسبقة والمسلمات المزعومة واستقبال القول القرآني كما لو أن نعمته حلت بيننا الآن، وابتكار مسامع جديدة».[14] بعيدا عن التكرار والترتيل.

الفصل الأول: أوهام في القراءة: مقدّمة (من الصفحة 41-72)

يُرجع "يوسف الصديق" سبب تراجع القراءة والتأويل، وتقدم الترتيل والتكرار إلى عدة عوامل منها:

1-التعامل اللامنهجي واللامعرفي للأمويين (عشيرة عثمان) مع العلوم والمعارف، إذ لم يكن هناك «غير مجالين اثنين من المعرفة هما النحو وجمع التراث الشعري»[15] ولم يولوا اهتماما بباقي العلوم.

2-الأمر الذي أصدره الخليفة المأمون القاضي بقمع العلماء الذين «يأبون الأخذ بفكرة مخلوقية القرآن على غرار سائر مخلوقات العالم الآخر، وقد اجتمعت على إثر هذه الهبة الجديدة ضد العقلانية الفلسفية كل ظروف النصر الموسوعي والشرعي زمن الإمام الرابع أحمد بن حنبل»[16] ليتسبب هذا في ظهور حالة مد وجزر لفكرة مخلوقية القرآن، وانعكس ذلك على السياسة؛ مرة بتأكيد فكرة المخلوقية ومرة بإنكارها.

1.الموروث في ممارساته "قصة تحول المدعو أناستازيوس الفارسي": ذكر الجاحظ في إحدى رسائله أن: «سلمان رجل فارسي، وقد بدا شخصية غير واقعية ورجلا غير محدد بملامح، ولا يملك اسمًا غير ذلك الذي ينتسب به إلى أرض فارس، وتشير الروايات أن سلمان قد عاش عدة قرون، حتى إنه قد يكون عاصر المسيح، كان سلمان في نظر هذا الموروث يظهر طيفا غامضا وهلاميا (...) فهو من أشار على النبي بحفر خندق في معركة الأحزاب»[17] يُقرّ "يوسف الصديق" أن شخصية سلمان شخصية غامضة؛ مما استدعي تتبعه من مصادر أخرى غير عربية، تشير بعض المصادر غير عربية أن «سلمان وأنستازيوس كلا الاسمين يحملان الدلالة نفسها؛ أي من "خرج سالما بعد سقوطه" (...) ويُروى أن سلمان قد عُيّن واليا على المقاطعة السياسية، وبحلول خلافة عثمان حوّل الموروث ذلك الرمز، إلى طيف اختزل دوره في نقل الأحاديث النبوية»[18] وتم التغاضي عن دور هذا الرجل في التنبؤ بديمقراطية في المدينة.

2.التفسير في ممارساته اختفاء قبيلة: في الأساطير القديمة «ترمز إليه القدم الحَنفاء في تحديد مصير العديد من شخوص الأساطير اليونانية، وهو الشأن نفسه بالنسبة إلى القرآن فيما تعلق برمزية "القدم المعوجة"»[19] وقد بحث "يوسف الصديق" عن معاني الأحنف:

-السائر الأحنف: تعني كلمة "حنف" «لغة: الاختلال في المشية، وانطلاقا من هذه الدلالة الأولى التي بقيت تستخدم حتى مجيء القرآن (الحنيف هو المائل من خير إلى شرٍ أو من شرٍ إلى خير) وقد قيل: الحنف هو الاستقامة، وتعود هذه الكلمة بتقديرنا إلى لفظة hampÔ وجمعها hanp السريانية، وتعني أيضا "الوثني" أو حتى المنافق حسب الروايات المسيحية الأرثوذكسية».[20]

وحين نحيل هذه الكلمة السيريانية إلى أصلها اليوناني «نجد أن anipto لا تعني فقط رَبَط أو وصل بالأعلى أو علق صورًا أو تماثيل داخل معبد تحديدًا، وإنما تملك معنى تؤكده نصوص هو الوصم بالعار ذي الدلالة نفسها التي يحملها المثيل الصوتي العربي لـ "حن"؛ أي حنث ومعناه نكث يمينا على الشرف وحلف زورًا»[21] لينتهي "يوسف الصديق" أنه وفي كل السياقات التي يتضمنها القرآن يكون المرء حنيفا «لأنه مسلم خاضع لله، وساع نحوه كي يوفيَ بالدين الذي به يتحقق الإيمان ويرتبط المخلوق بالخالق»[22] إذا؛ فالحنيف هو المسلم الخاضع لله.

الطائر المعشش بمكة: يذهب "يوسف الصديق" أن الشقراق أو الأخيل هو اسم ذلك الطائر الذي استُعير كلقب لهؤلاء القوم ولشيخهم، إذ اتفق علماء الطيور واللغويون العرب على أن هذا الطائر الجميل ليس بنذير شؤم»[23] ليؤسس "يوسف الصديق" لاحقا فرضيته حول الأخايل أنهم «قوم أدركوا الزمن الذي نزل فيه القرآن ثم اختفت آثارهم كما يُغشى ضباب مشهدا على خشبة المسرح، وكأننا بهم قد أقيلوا أو تم إقصاؤهم خارج مساحة التدوين المعدة لاحتضان نصوص الموروث الديني»[24]، وهو بهذا يفترض وجود شعوب غير عربية عاصرت نزول القرآن، لكن هناك أياد أبعدتهم.

-معركة حنين والنصر المر: اعتبر "يوسف الصديق" أن «معركة حنين خاضتها جيوش النبي محمد نفسه فأدركت هوزان، وقد أشار القرآن إلى خروجها من تاريخ صار مقدسا لتؤول مجرد فرع من الفروع العديدة التي تتكون منها قبيلة بني ثقيف الأم»[25] وهكذا استمرت الأوضاع إلى أن تم تنصيب الإسلام كسلطة دينية سياسية.

مقتل الكاتب: يدعونا "يوسف الصديق" إلى ضرورة اختراق هذا «الغشاء الكثيف الذي أُحكم نسجه حول هذا الحدث علّنا نفلح في كشف ما ظل مختفيا من المشهد، وندرك حجم الغموض الذي حال دون قدرتنا على قراءة القرآن منذ البداية»[26]؛ فالقرآن برأيه تعرض لسوء تقدير وفهم.

-خفايا "اغتيال الخليفة": يقرّ "يوسف الصديق" أنه حدث خلل في حديثنا عن المشهد الأول «الذي استخدم كقناع مضلل يخفي وراءه حقيقة المشهد المتعلق بإعداد المصحف»[27]، حيث تسارعت الأحداث بين إعداد المصحف ومقتل عثمان، فلا وجود إذن لمتهم بعينه بين منكر لهذه الجريمة، وبين مبارك لها.

-تحقيق برؤى معاصرة: يرى "يوسف الصديق" أنه بقي هذا الاغتيال لغزا تغذيه سجالات؛ وقد مثّل «العمل الجريء "الفتنة الكبرى" لطه حسين تأخذ مناقشة تلك القضية طابع التحقيق، وأن القضية قد عادت اليوم لتشغل الباحثين من جديد، إذ يؤكد هشام جعيط أن الأصوليين والغلاة من المسلمين كانوا قد ظهروا، إما زمن الفتنة الكبرى أو أنهم تيارات نشأت جرّاء قراءة لطبيعة الفتنة، وقد أشار المؤرخ محمد عبد الحي شعبان إلى العلاقة التي تربط المبادرة الصادرة عن الخليفة في إيجاد نص رسمي بحادثة اغتياله، فقد عمد عثمان إلى فرض قراءة واحدة بإصدار نص رسمي وإلغاء جميع القراءات المغايرة لقد كان عمله هذا معقولا، ولكنه أثار معارضة قوية ولعلها كانت أقوى مما توقعه كأن عثمان اغتصب سلطة دينية له».[28] وبقيت الآراء تتباين حول هذه الحادثة.

الفصل الثاني: أن يُطاح بالتفسير فتحل القراءة (من الصفحة 73-114)

المخفي من القول المنزّل: يقول "يوسف الصديق" أن «النص القرآني بقي منذ مقتل عثمان وتثبيت الرسالة المحمدية في فضاء الكتاب المغلق»[29]، فلم نستطع قراءته بشكل صحيح وعقلاني.

حراسة النص المقدس: يشبه "يوسف الصديق" ما تعرض له القرآن من تشديد وحراسة، بإرث هوميروس، إذ «أن مادة أناشيد هوميروس التي كان يرددها أوائل الشعراء قد ظل على حالته الأولى محفوظا لمدة تناهز القرنين أو الثلاثة قرون في ذاكرة بني هوميروس (...) تنظم هؤلاء في شكل جماعة من المحترفين أو من الحراس المواظبين على كلام الشاعر تماما كما كانت عليه الحال مع أوائل قراء القرآن قبل إقامته وتثبيت المصحف العثماني».[30]

معركة التجميع: يتساءل "يوسف الصديق" عن سبب اختيار «حفصة وعن أي معيار اعتمد في ذلك الاختيار؟ فالكل يعلم أن هناك أرامل النبي من هن أجدر بالاحتفاظ بهذا الإرث»[31] ولماذا لم يتم اختيار واحدة أخرى من نساء النبي؟

شذرات أصلية "مربكة": بقيت عدة شذرات تثير القلق، لهذا تمّ «الاهتمام بهذه النسخة بقدر يفوق في قيمته النموذج الأصلي، بل ويبدو إتلاف الأثر الأصلي للقول المنزّل فعلا سياسيا مقصودًا»[32] فلماذا تم إقصاء الشذرات الأخرى؟

الشذرة المفقودة: يعتقد "يوسف الصديق" أنه يتوجب علينا «أن نُعيد قراءة مجموع المفردات التي أريد بها تحديد وإيضاح بنية كل خطاب يُقرأ وطبيعته»[33]؛ وذلك بالتمييز بين مختلف مفردات القرآن بعيدا عن آراء المؤسسة التفسيرية.

ما الشذرة؟: «الشذرة صيغة في القول ابتدعها الحكماء الأيونيون والميليسيون لإطلاق فكرة إلى أبعد مداءاتها، وهو خطاب يتضمن صمتا "دائم التجدد" عصيا على كل تأويل، يسبق الصوت ويجمع قوى التفجر العاصفة بالفكرة التي تداولتها الألسن».[34] إن "يوسف الصديق" يقابل الشذرة في الصيغة اليونانية بالآية في القرآن.

الآية: علامة أم أثر؟ يعرّف "يوسف الصديق" الآية بكونها «أصغر ما يمكن تعقله من الوحدات التي تشكل الخطاب المنزل».[35] أما تفسير الموروث لمعنى الآية، باعتبارها «(وهي العلامة في معناها العميق) والذي يفيد (البصمة)، أي (الأثر الدال على غياب صاحبه)»[36] ومنه يكون "يوسف الصديق" قد نبّهنا أن الآية هي الوحدة التي تشكل الخطاب.

صدى شذرة: أحالنا "يوسف الصديق" إلى المستشرق الفرنسي "جاك بيرك" الذي كتب قائلاً: إن «القرآن لا يتعارض في جوهره لا مع وحدة القول القرآني في مجمله ولا مع الاستقلالية النسبية التي وردت عليها سور كاملة أو أجزاء من سور أو مجموعة من الكلمات. إننا إذن أمام سيرورة ثنائية التحرك تتجه من الكل إلى الأجزاء ومن الأجزاء إلى الكل».[37]

المتشذر ووأده المزدوج: بنظر "يوسف الصديق" أسهبت الروايات والتفاسير في الحديث عن الدور الذي «لعبه الكتبة من معاوني عثمان في تجميع المصحف، فتناولت معايير الكفاءة والنزاهة والورع التي اعتمدت لاختيار هؤلاء الرجال (...) غير أنها لم تقل شيئا عما إذا كانت هناك رؤية شاملة اجتمع حولها هؤلاء في معالجة المادة التي بين أيديهم»[38] وقد تباينت الآراء بحسب البلاذري: «أن أصحاب الرأي الأول، ومنهم عائشة كانوا على صلة وثيقة بمحمد وأكثر قربا منه. لذلك، رأوا أن كلام الله إذا ما أودع في مستند مادي وسُلم لفعل الكتابة، فإنه يفقد قوته. أما آخرون، ومنهم عمر، فكانوا على اتصال مباشر بأهل الكتاب وبدوا على ثقة من أنه لا شيء بقادر على إتلاف الرسالة الإلهية مقتنعين ببقائها رسالة ناجعة وحية وإن سُحبت من المساحة الكتابية»[39]؛ فهل الأجدر أن نترك النسخ دون كتابتها؟ أم كان جمعها فتنة؟

قلق الكاتب: يعتقد "يوسف الصديق" أن «الموروث سعى على أن ينسينا تدريجيا أحداثًا في غاية الجلاء، كالحدث المتعلق بإشكالية تأسيس المصحف، فلم تعد كتب التفسير في ذلك العصر تتناول هذا الشأن بالذكر»[40] فبرأيه تم التغاضي عن هذه الإشكالية، وتم إسكات الباحثين حولها بشتى الطرق.

3.آلية النسخ: قدّم "يوسف الصديق" تصورا حول عملية نسخ القرآن، والذي «استخدم الفرز الضبابي برأي كل المفسرين –قُسمت من خلاله السور إلى مكية ومدنية كمعيار اعتمدته هيأة الجمع للتحقق من صدق شهادات حفظة المقاطع القرآنية بحكم معاشرتهم للنبي، ليصبح هذا المفهوم عنصرا أساسيا يحرك آلة التفسير على إثر خلط تأويلي فهمت من خلاله كلمة "نسخ" القرآنية على أنها إجراء يُمارس على فعل الكتابة»[41] فهل النسخ يبرر فعل الكتابة؟

استقرأ "يوسف الصديق" حادثة الغرانيق تاريخيا، ولاحظ أن «السهيلي: قال "إن رسول الله قرأ سورة النجم، فألقى الشيطان في أمنيته؛ أي في تلاوته عند ذكر اللات والعُزى، وإنهم لهم الغرانقة العُلى، وإن شفاعتهم لترتَجى، فطار ذلك بمكة فُسُرَّ المشركون، وقالوا: قد ذكر آلهتنا بخير، فسجد رسول الله وسجد المشركون والمسلمون»[42]، فبين من نكر هذه الحادثة وبين من أكدها، بقيت الأخبار والأحداث في جدال مستمر، ليكون وحسب "يوسف الصديق" «النسخ عبارة عن تقنية إلهية تضبط الشرع بما يتلاءم مع حدود قدرة الإنسان وضعفه أمام عزة الله وقوته فهو من برحمته وبعلمه للغيوب».[43]

القراءة والتنجيم: اعتمد "يوسف الصديق" «في قراءة مغايرة للقرآن، تشبه قراءة العالم الفلكي الذي يتجه مباشرة إلى السماء، بحثا في خارطة السماء المضيئة ليقدر عُمر ثقب أسود أو نجم لم تدركه الأبصار هذا ما ينبغي أن تكون عليه قراءة الأعمال الكبرى التي لا تفتأ تخاطبنا على الدوام»[44]؛ فالقراءة التي يسعى إليها "يوسف الصديق" تشبه قراءة الفلكي للسماء، في كل مرة يتوصل لفكرة من القرآن وتصور جديد.

4.مجاز الكتاب: إن لفظ كتاب كان حمّال لمعاني رحبة، ويقترح "يوسف الصديق" أن «كلمة "كتاب "في معناها المادي التداولي بُعد جدالي، بل تحقيري صريح في القرآن، الأمر الذي ألقى بظلاله على الخلاف الحاصل بين الخليفة عثمان الذي أعد المصحف وصحابة آخرين حول إيجاد نسخة شرعية وحيدة يحفظها التدوين، كذلك في خطاب موجه إلى اليهود الذين عاصروا النبي محمد بخصوص الكتاب الذي أُنزل على موسى (...) في المقابل عندما يورد القرآن كلمة كتاب في سياق تقريضي فالمراد به التعبير عن مشيئة إلهية أو إنسانية (...) وعن إرادة تجمع العناصر من كل على أساس الترتيب النسبي ﴿لكل أجل كتاب﴾ يدل الكتاب فيما أتينا على ذكره على معنى المسار الذي اتخذه الأجل أو الطور، وهو تلبية لرجاء وتحقيق لوعد، وإذا كانت الصلاة على المؤمنين ﴿كتابا موقوتا﴾ ... فقد اتخذ مفهوم الكتاب هنا صفة العارض المقترنة بطبيعة المتلقي، وفي الآن معًا طابع الديمومة الملازم للذات الإلهية الملهمة المتكفلة بإعطاء تأويل لذلك المفهوم يتحدد الكتاب في السياق القرآني بكونه أولا هذا العالم بوصفه "دائرة معارف" ﴿وكل شيء أحصيناه كتابا﴾»[45].

نبي بلا معجزة: يتناول "يوسف الصديق" مسألة الإعجاز، الذي لم يستطع الموروث إدراكه، يقول: «إن ما يدعوه الموروث بالإعجاز لا يعدو كونه مسمى آخر لحدود قدرتنا على الإبحار في اللغة، وعجزنا على استنفاد معينها الذي لا ينضب، ولا يمكن أن يكون تحديا عبثيا يضع الخالق في منازلة مع البشر كما لو كانوا أندادًا له»[46]، فالله لا يتحدى البشر من خلال الإعجاز، بل يدعوهم للتدبّر.

مجاز يهزأ بالعالم: «إن سورة المدثر تعد ثاني مقاطع الوحي المنزل على النبي محمد، تضمنت استخدام مشفّر، بالمجاز في القرآن»[47] فالإعجاز بحسب "يوسف الصديق" لا يوجد في الكلمات في صورتها المادية، بل في بعدها المجازي.

المحكم والمتشابه: صنّف المفسرون القرآن إلى محكم ومتشابه: «ويذهب التيار التقليدي من المفسرين إلى قراءة تبسيطية لما تضمنته خاتمة هذه الشذرة، حيث يُعتقد أنه لا أحد بقادر على تأويل ما أُنزل بمن في ذلك الراسخون في العلم»[48] وقد نحا مفسرون آخرون من أمثال «الزمخشري أن أولئك الراسخين في العلم يملكون إلى جانب ربهم القدرة على "التأويل الصحيح"»[49]؛ فالعلماء والحكماء هم سيصلون إلى فهم معاني القرآن.

موقع الرائي المتقدم: فسّر "يوسف الصديق" «الفضاء البدوي من منظور قرآني، حيث اعتبره مكانا يجتمع فيه الفساد والانحراف والمراوغة والخداع، وقد جاء القرآن، ليطرح بديلا مضادًا تمثل في فكرة الحد التي أتت في سياق أُدينت فيه روح البداوة بشدة»[50]، إذ إن البدو لا يعلمون حدود الله.

مسألة لم يسبق أن وُوجهت: يؤكد "يوسف الصديق" عجز «المفسرين عن معالجة دقيقة لمسألة المثاني»[51] وقد تباينت الآراء حولها، وعن معانيها.

موقع خاتمة النبيين: يذهب "يوسف الصديق" أن كل نبي كانت له آية لنبوته. أما الرسول محمد، فقد «استثني في ذلك وأُبلغ منذ البداية بأمر تكليفه»[52]، من خلال (القول الثقيل).

-الرقم "سبعة" أو "الكل" في المجاز: تم تفكيك رمزية الرقم سبعة «فمثّل هذا الرقم في القرآن مجازا عن "الكل المشكل للكون"، وهو الذي يبسط فعل الخلق بما يتلاءم وقدرة البشر على الإدراك والفهم»[53] ﴿هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات﴾ البقرة (الآية 29) "استُخدم هذا الرقم للدلالة على بداية الخلق.

-ما وراء حيّز التقاطع، أو ما لا يُقال: إن القرآن ووفقا لتصوّر "يوسف الصديق" «يُفصح عن أن العلماء وحدهم من يملكون القدرة على بلوغ زاوية النظر بما أوتوا من سعة قصوى في التبصر، حيث تتعدى رؤاهم»[54] رؤى الناس العاديين.

الفصل الثالث: الفطرة المؤسسة (من الصفحة 115-154)

آدام، مؤسس المتشابه: عدّد "يوسف الصديق" «أسماء الذات الإلهية في القرآن، والتي وردت على ثلاث صيغ، اختلفت باختلاف مواقعها في الخطاب، من بين ما أشرنا إليه من أنماط في التسمية هناك ثلاثة منها تُعبّر عن الذات الإلهية هي "الرب"، و"رحمان" و"الله" وهذا الاسم الأخير ليس إلا مرادفا في اللغات الأخرى God, Théos, Dieu»[55]

إعلان ظهور الإنسان: سرد "يوسف الصديق" مجريات الإعلان عن ظهور الإنسان؛ فقد «قضى الله بوصفه رب العالمين بالكشف عن مشروع رأى فيه البعض إجراء غريبا بطبعه، يقول تعالى: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾ في الوقت نفسه الذي أعلم فيه الملائكة بقضائه هذا، أعرض الرب عن الإدلاء بسر يتخطى قدرة اللغة عن تبلغيه، فظل منطويا في ثنايا الرد الإلهي الذي أُنهي به الحديث في قوله: ﴿إني أعلم مالا تعلمون﴾»[56]

-عرض المتشابه: اعتبر "يوسف الصديق" جهل الإنسان بمدلول الأمانة، جعله يقبلها دون سائر المخلوقات الأخرى، يقول تعالى: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا﴾ سورة الأحزاب (الآية 72) فلم يكن الإنسان ليرى في عرض الله، عند اختياره التعهد ((بالأمانة)) غير الجانب المطمئن، فلو كان على علم بما خفي من هذه الأمانة لما قبل».[57]

هبة الكلام: يتساءل "يوسف الصديق" عن الكلمات التي تلقاها آدم «﴿فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾ سورة البقرة (الآية 37)، وقد فسّر ابن كثير أن الكلمات هي التي تلقت آدم»[58] غير أن المفسرين لم يصلوا لأجوبة حولها.

الكائن المجبول بالنسيان: ينطلق "يوسف الصديق" من الآية «﴿خُلق الإنسان من عجل ...﴾ سورة الأنبياء (الآية 37). إنها العجلة نفسها التي دفعت بالإنسان إلى الغفول عن الجانب المخيف من العرض الإلهي، ذلك الذي وُجد بموجبه، وهي العجلة نفسها التي أدت به إلى الاعتقاد في وساوس ظالمة ما لبث أن فقد مقامه المجاور للملائكة»[59] فالنسيان جعل الإنسان يتغاضى عن عدة تساؤلات كانت يجدر بها أن تسأل.

-الإله الراوي: إن أحد ثوابت القرآن بحسب "يوسف الصديق" متمثلة في «تقنية السرد، وتكمن هذه التقنية في تجريد المبعوث الإلهي من كل ما من شأنه أن يحصره في الجانب الظاهر من ذلك المجاز الذي يتقوّم به وحده وجوده على المساحة النصية المعدة للقراءة»[60] فالسرد تقنية تفترض التموقع الحر على المساحات النصية، ولا تحصر النصوص في بعد واحد.

التدريب على المجاز: إبراهيم: استقرار إبراهيم في مكة، نتج عنه «تأسيس عقيدة التوحيد، ثم جاء القرآن ليقلب التسلسل التاريخي الذي رُتِّبت وفقه الأحداث، وليغيّر ملامح الشخصيات المألوفة والمثبتة في نصوص الكتب السماوية الأخرى».[61]

-الأسطورة تحت المراقبة: «حين تُتَخذ الأسطورة على أنها التاريخ، والحديث عن أصول الآلهة على أنه بيانات توضيحية والروايات على أنها شهادات لا يملك أحد البرهنة على صدقها، فإن ذلك يغدو تحريفا للواقع وتأسيسا للظن»[62] علينا إذن، أن نستبدل مواقع المطلق، بالنسبي ولا نترك مجالا لما هو ثابت، هي دعوة "يوسف الصديق".

-الدرس الأول: يمثّل إبراهيم بحسب "يوسف الصديق" «كقارئ لصفحة السماء المشعة بنجومها حين انطلق في مسيرة سعى خلالها إلى تمثل جديد للذات الإلهية»[63] في كل مرة كان يبحث عن الله.

-مادة يُعاد توظيفها: بفضل تجربة النبي إبراهيم الذي «انطلق فيها من رحلة هجر من خلالها علمًا عفا عنه الزمن حول الربوبية شهد الإله في القرآن تحولاً حقيقيًا فلم يعد محاطًا بالإطار الزمني إلى المجاز مع الاستمرار في البناء المفهومي الخاص بالربوبية»[64]، فأصبح مفهوم الإله لا يتعلق بحدود الرواية التوراتية.

موسى تحول وارتقاء: مثلت شخصية النبي موسى «النبي الذي حمل رسالة وقد ذُكر في سورة البقرة عن النبي موسى أنه قدم إلى قومه يحمل رسالة غريبة مفادها أن الله يأمرهم بذبح بقرة بغية الكشف عن هوية أحد القتلة، وما لبثت شخصية موسى التي نالت قدرا كبيرا من الذكر والتمجيد أن ذبلت خلال مشهد ورد بسورة الكهف ما انفك يراوغ أهل التفسير الإسلامي، واتضح أن هذا الرجل كان يفوق النبي موسى حكمة، غيّر الموروث التفسيري وجه هذا الرجل، فاُبتذل دوره وناله عبث الخرافة حين سُمي بالخضر»[65] إذا استهجن "يوسف الصديق" تفاسير الأوائل وعدم قدرتهم على تحديد شخصية الخضر.

موسى عبري هو أم مصري؟ ذُكر موسى في مناسبات متعددة في القرآن، حيث «خصصه القول المنزل بصفتي القوي الأمين، يلتقي موسى بأحد العبّاد الذين (أتاهم الله حكمة وعلما) لم يكن هذا الرجل بالنبي ولا بالرسول ولكنه شخص جاء ليُعلّم موسى صناعة الاستنباط التي لم يألفها الأنبياء، تتطابق هذه المشاهدات التي مر بها موسى بأخرى وردت في سيرة الإسكندر التي نُسبت إلى كاليستينس المؤرخ وصديق الملك».[66]

من سليمان إلى عيسى الطريق إلى أقصى حدود المجاز: حدد الخطاب القرآني تجربة الملك سليمان، «بين مستويين مكانيين؛ أولهما يسجل حدثا على سطح التراب، حيث أبدت إحدى ملكات النمل خشيتها من أن "يحطمها" وثانيهما يُشكله تحد جلبته الأجواء حين قدم طائر الهدهد المكلل بالتاج كسليمان، ليؤكد "إحاطته بعلم لم يكن سليمان نفسه ليحيط به، أوعز سليمان إلى أن يصنع شبيها مطابقا لذلك العرش لتأتي الملكة بعدها وتبدي دهشة تتخللها بعض السخرية ﴿فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو...﴾ سورة النمل (الآية 42)، وبدا القصص القرآني يناوره بواسطة بعض الحيل، بل وانتزعه من هويته ليجعل منه ظلا لذات الشخصية اليونانية الشهيرة الأخرى. في سورة ((ص)) "أمر سليمان بأن تُجلب إليه ﴿الصافات الجياد﴾ "وهي طائفة من الخيول الفاخرة" وكذلك فعل الإسكندر حين أحضر جميع الخيول التي كان يركبها فرسانه وأمر بذبحها»[67] إذا، حاول "يوسف الصديق" إقامة مقاربة تاريخية بين الأساطير اليونانية والقصص القرآني، من خلال تطابق الأحداث التاريخية بينهما.

ترجمة الإله الفينيقي: قاد البحث المصطلحي "يوسف الصديق" إلى القول إن «كلمة ((بعل)) القادمة من السنسكريتية تحت لفظ (pala) هي مترادفة تماما مع كلمة ((رب)) العربية، ففي نصوص ما يسمى بالعهد القديم يُذكر أن لبعل أنبياء Nébieh Habaal وبيت Beth Habaal قبل أن يتحول هذا الاسم في الديانة اليهودية إلى ((رب الشياطين)). أما الطريقة التي تعامل بها القرآن مع هذا الإله، فلا شيء يُفترض أن تستند إليه سوى ذلك ((اللصق)) المجازي الذي يُعد من الصور الأكثر ورودا في القصص القرآني: نبي معاد لبعل، إله الفينيقيين الأكبر»[68].

-وجوه الطور الإلهي الجديد الثلاثة إبراهيم مجددا، زكريا، مريم: في سورة مريم التي «بدأت بحديث جرى بين الرب ورجل عجوز لم يُنجب ذرية، يلي هذا الحوار الأول حديث قصير صدر عن ((روح الله)) الذي تمثل لمريم، حيث استمر في الحديث الإله الرب، رب الـــ"كن" المجموعة الثالثة تنطلق بجدال احتدم بين إبراهيم وأبيه، وبدأت سورة مريم بدعاء موجّه حصرا إلى رب موسى الذي نزل من عليائه ليهب العجوز زكريا غلاما زكيا، واختتمت بخطاب شديد اللهجة تكررت فيه كلمة الرحمان على إيقاع متسارع»[69] هي تلك مختصر ملامح سورة مريم حسب "يوسف الصديق".

قراءة في مفهوم الإله الرحمن: تعود تسمية الرحمن حسب "يوسف الصديق" إلى عهود «موغلة في القدم، فهو تحديدا إله كنعاني عربي منذ الرابع عشر قبل الميلاد كلمة الرحمة التي اشتق منها لفظ الرحمان كصيغة مبالغة لا تعرف الجمع، لا تستخدم هاتين الآيتين الفعل نفسه (فعل وهب) للدلالة على منح الحياة عن طريق الإنجاب، ليتكرر ذلك الاستخدام في سورة مريم حيث وُهبت عيسى، وهي هبة تمت دون وساطة بشرية أي من رحمة الله»[70]؛ فالإله كتب على نفسه الرحمة وتعهد على نفسه بأن يكون رحيما.

عيسى: أو المجاز الذي حفظ فكرة الله: «تُرجمت هذه الفطرة أو إن شئت تجسدت في هيئة شخص بعينه فعلى إثر ولادة عيسى قفز المولود من رحم لغة البشر ليرتقي إلى الجوار الإلهي»[71] هي إذا بداية حلول فكرة الله في الكون.

المسيح الذي كان حلّ بيننا: حدد "يوسف الصديق" أصل كلمة المسيح فذكر أنها لا تعني كما ذهب في ذلك «اللغويون العرب الخاضعون للمؤسسة التفسيرية القائلين بصلة الكلمة بفعل "مسح" مستندين إلى أن عيسى كان يُشفي المرضى بمجرد المسح على أجسادهم، وسعت فرضيات لغوية أخرى لتربط الكلمة بجذرها في لفظ ساح الذي يفيد السفر».[72]

عيسى ودخوله في دائرة المجاز: دافع القرآن عن «ميلاد عيسى كمعجزة، مؤكدا الحدث في وجه يهود ظلوا يكذبونه، وفُرض صمت مطبق على حيثيات الجدال الحاد حول طبيعة عيسى، إن كانت إلهية أم آدمية أم مختلطة، لم تفدنا وثيقة واحدة من وثائق هذه التفاسير مثلا بأن أحد هذه التيارات القائلة بالطبيعة الواحدة، وانحاز الخطاب القرآني لأسباب استراتيجية واضحة لتلك المسيحية التي أرادها الإسلام»[73] وهنا يُبرر "يوسف الصديق" هذا الانحياز، يقول: «عندما عجزت المؤسسة التفسيرية السنية على ((القراءة)) في الخطاب القرآني، وحين لم تقو كذلك على قراءة العصر الذي حلّ فيه هذا الخطاب نفسه كقارئ وحاكم لتلك الحقبة ألقت بنفسها في غياهب سكنتها أشباح الأساطير والثقافات الشعبية السائدة»[74] فلم تتمكن المؤسسة التفسيرية من الإجابة عن الإشكاليات التي ارتبطت بعيسى، والخضر...

الله قصة اسم: من بين أسماء الآلهة العربية القديمة كان اسم «الله يحتل المكانة العُليا، فهو الإله الذي يملك هوية لا يدركها غير فعل التفكر، بعيدا عن كل أشكال التجسيد والتمثيل، يرى البعض أن كلمة الله مشتقة من تأليه، لجذر و.ل.ه»[75]

كتاب ((اللا)) السماوي: يؤكد "يوسف الصديق" أنه وبعد البحث الأنثروبولوجي الذي قام به، عثر على «"قول الرسول في حديثه مع أبي ذر الغفاري "في أن عدد الأحرف تسعة وعشرون حرفا»[76] وبالتالي عدد الحروف العربية 29 وليس 28

الفصل الرابع: منسيات (من الصفحة 155-192)

يذهب "يوسف الصديق" إلى القول إن هناك «نسيان مزدوج هو ذلك النسيان الذي جعل العرب أولا يتجاهلون أو ينكرون العديد من أشكال الشراكة التي ربطت العقل اليوناني بثقافة عرب ما قبل الإسلام، نسيان آخر ذلك الذي نرى فيه جهلا وتنكرا في الغرب لمختلف العلاقات القديمة بين اليونان والعرب»[77] فهناك علاقات جمعت العرب باليونان تعدت البعد الاقتصادي، إلى المجال الثقافي والديني واللغوي أيضا.

لغة غفلت عن كتابها: يتساءل "يوسف الصديق" عن مصير الكلمات الغريبة التي حوتها لغة القرآن، والتي يؤكد أن مستخدميها «لم يمروا بمواجهات حضارية وثقافية وتجارية ودينية أمكنها أن تحمل كلِما»[78] فكيف نبرر ذلك؟

اللغة الخفية المنفتحة: يرجع بنا "يوسف الصديق" إلى اشتقاق كلمة «لغة من "لغو" المشتق من فعل "لغو/لغا" وهو المرادف برأينا لكلمة آلوغيا Alogia اليونانية، ولم يكن بالإمكان فسح المجال أمام تصوّر يجمع صراحة كلمة ((لغة)) العربية بنظيرها اليوناني (Logos))) إلا في نهاية القرن التاسع عشر، كان ذلك مع الموسوعي اللبناني بطرس البستاني، إذ جاء في قاموسه ما يلي: "لا يستبعد احتمال انحدار كلمة لغة من اليونانية لوغوس التي تعني الكلام».[79]

الخط المفقود: يستفسر "يوسف الصديق عن انعدام الكتابة لحظة نزول الوحي، يقول: «كيف لنا أن نُفسّر اندثار الكتابة عشية نزول القرآن؟ بل لماذا بقيت عملية الحفظ الشفهي متفوقة لمدة طويلة بعد ظهور الكتابة من جديد؟»[80].

الموروث في مواجهة الأسطورة: تأتي كلمة الأساطير حسب "يوسف الصديق" من «كلمة "سطر" والأساطير (وهي الواردة دائما بصيغة الجمع) وقد أتت كلمة أساطير في سياق جدالي اتخذت فيه دلالة ذلك الخطاب الذي قد ينافس القول الإلهي الحق إذا لم يخضع لرقابته؛ ذلك أن الإدانة الظرفية التي استهدفت القصص المخطوط لم تكن غير خطة دفاعية تنفي شبهة الأسطرة عن القرآن الذي يقسم مع ذلك بالقلم».[81]

القول القرآني والبعد اليوناني: يفرّق "يوسف الصديق" بين «تسمية "الإغريق" و"اليونان" فاسم "يونان" لا تُطلق إلا عند الإشارة إلى تاريخها القديم في المعرفة والفلسفة والقانون في المقابل فإننا نحدد بالنسبة ((الرومية)) السكان وكل المؤسسات السياسية والعسكرية، وقد درج ذلك الاستعمال في القرآن نفسه»[82].

يونان: أرض ما لإنسان ما: يتحدث اليعقوبي عن اليونانيين «وما يُميّز هذه الروح الإغريقية اليونانية من آفاق قد يصلها بالروح الإسلامية، حيث كان لعالم القدسية الهيلينية وللثقافة اليونانية جذور متأصلة ومترامية في المحيط الذي شهد نشوء القول القرآني وانتشاره»[83] وبالتالي هناك تقارب ثقافي وتاريخي بين العرب والقرآن.

الموروث المضلل: يدعونا "يوسف الصديق إلى قراءة سورة العنكبوت قراءة جدية بعيدا عن مغالطات الموروث، يقول: «حينما نقرأ سورة العنكبوت تنفتح أمامنا مساحة تأويلية هامة تبعد عما ذهب إليه الموروث بتبرير مغالط يسوّغ تسمية السورة باسم هذه الدابة الصغيرة، وليست تلك الآية التي ذكرت هذا الحيوان الصغير غير مثل، أو صورة مجازية ينبغي فك رموزها، وقد انفرد الموروث في الإسهاب في ذكر ذلك الغار المسمى تحديدًا بغار حراء، غير أنه لا شيء فيما تضمنه القرآن يحيلنا إلى هذه الرواية»[84].

من تراهم هؤلاء الصابئة: يذهب "يوسف الصديق" إلى القول أن كلمة صابئة، تشتق من «الفعل سيبو sebÔ اليوناني الذي يعني الإجلال، الإعجاب، التشريف، الخشية من الآلهة، وامتدت الدلالة لتشمل فكرة العشق بين البشر وصارت تفيد الفناء في الهوى، فتحولت إلى معنى الصبابة التي قد تؤدي بحياة صاحبها».[85]

هرمس –توت: في طريقنا إلى مكة: ينبغي أن نشير هنا إلى أن «الموروث قد حاول دون الوصول إلى إقناعنا، بربط تسمية الطاغوت بما يطلق عامة على الأوثان والأصنام والمجسدات الشيطانية، لكننا إن اعتمدنا على الفرضية التي تجعل من طاغوت توت-هرمس نفسه أما الجبت: فيُحيلنا بلا تردد إلى ((جب)) Geb أو كرونوس اليوناني والد أوزيريس الذي منح توت أرضا ليحكم البشر فيها»[86].

الرجس وأفول المقدّس: تناول "يوسف الصديق" في هذا العنصر بعض المقاربات اللغوية للمفردات القرآنية واشتقاقها في اللغة اليونانية:

الكلمة العربية

أصلها اليوناني

النساسة/ الناسة

كنوسوس knossos

طيبة

((تيب)) thèbes

كوثر

كاثروس"Katharos

أبابيل

أبوبولي Apobolê/ أبوبوليوس apoboleus

سجّيل

سيجالو Sigalô

مسومة

سيمانتريس sémantris

النجس

أنّجس"Enagès

السورة التي تَبُت في الطاهر والمدن: ويرى "يوسف الصديق" وفي قراءة مخالفة لسورة الأحزاب أنها «وضّحت الحدود الجديدة التي تفصل المقدس عن المدنس عبر موقع وسط يمثله بيت الله، ثم علاقة الرجال بالنساء وصلة هؤلاء كلهم بالله وفق عقد يقيم احترام الأسماء والأنساب، وينظم الأدوار في الحياة الجنسية، وقد حدد القرآن موقع الأمة في هذا المكان الوسط عندما اصطفاها اصطفاء أخلاقيا»[87].

الفصل الخامس لنقرأ... (من الصفحة 193-234)

يوسف أو الوجه الآخر من أوديب: هناك تماثل بحسب "يوسف الصديق" بين "يوسف النبي"، و"أوديب"، ويظهر ذلك على عدة مستويات: «على مستوى الرؤية، الجبل (بالنسبة لأوديب، والجب بالنسبة ليوسف)، البصر (عودة البصر لوالد يوسف، وفقدان أوديب لبصره)، خروج أوديب الملاحق باللعنة من مدينة كان قد فقدها صغيرًا، بينما خرج يوسف من أسره داخل عالم البداوة نحو المدينة».[88]

رهبة نبي: «تضمنت سورة التوبة نقدا لاذعا للأعراب وقيمهم، وقد سعى النبي محمد إلى إزالة جميع مظاهر الوثنية من بينها الطواف بالصفا والمروة.»[89] وهذا ما يبرر ارتباط الإسلام بالجانب الطقوسي في الديانات السابقة عليه.

سورة النجم الثقب الأسود: يعتقد "يوسف الصديق" أن الموروث سعى إلى إخفاء حادثة الغرانيق، والتي كان مشهدها كالتالي: «وقف النبي رفقة تلك الفئة القليلة من أتباعه قبالة جمع من المشركين دعاهم ليستمعوا إلى بعض ما أُنزل إليه من الوحي (...) لم يرد في هذه المقدّمة التي استهل بها المفسرون "حادثة الغرانيق" ما يدعوا إلى الغرابة، إذ أورد القرآن في العديد من المواضع التي تضمنتها شذرات التنزيل الأولى تأكيدا على وقوع الحادثة»[90] فما سر الإشارة إلى الغرانيق دون غيرها من الطيور؟، ويعود "يوسف الصديق" لكلمة "غرنوق" ويعرفها بقوله هي من «غُرنوق أو غِرنوق جذر رباعي لكونها تعريب للفظة غيرانوس اليونانية التي تعني ببساطة ((غرنوق))».[91]

بين جزيرة ديلوس ومكة: يعقد "يوسف الصديق" مقارنة بين هاتين المنطقتين ليحدد التشابه بينهما: حيث «طُهرت ديلوس تماما كما طُهر جوار البيت الحرام، في مرة أولى قام الحاكم بيزيستراتوس بإخلاء هذه الجزيرة من الغرباء، وكذلك فعل بنو خزاعة مع قوم جرهم حين أخرجوهم من أرض الحرم، ثم عادت ديلوس لتُطهر من جديد مع انضوائها تحت سيادة أثينا، وهو الإجراء الذي حدث بمكة »[92]، إن هذا التقاطع ليس من قبيل الصدف، بل يعكس التأثر الحاصل والتجاذب الثقافي بين المنطقتين.

قريش والإغريق: يرى "يوسف الصديق" أن «التحوّل السياسي الذي عرفته قريش عشية البعثة المحمدية يصوّره نموذج طاعن في القدم في أرض اليونان»[93]، ولما كان الاحتكاك بين قريش والإغريق قويا؛ شمل اللغة والعادات، فإن المؤسسة الدينية عملت على تحريف كل ما يثبت صلة قريش بالإغريق، والدليل على ذلك كلمة "الغرانيق" وكلمة "أنفال" ذات الأصل اليوناني والمشتقة من لفظة: نيفاليو (Néphalieuô) التي تعني القربان»[94].

الله وحلوله في المدينة قراءة في سورة النور:

الوهم في وضعه النظري الجديد: يذهب "يوسف الصديق" إلى القول إن الفيلسوف الألماني "إمانويل كانط" لم يكن مطلعا كفاية على الإسلام في تحريمه للتصوير والنحت؛ لأنه لم يعد «الفعل الشيطاني يتسلل بين العبد وربه من خلال الرؤية الحسية، بل عبر التصور الذهني أو النظر»[95]، وأن هذا التحريم هو مجرد اجتهاد سني.

مفهوم المحاكاة القرآني: إن لفظ ((زُخرف)) حسب "يوسف الصديق" «غريبة عن لغة عرب ما قبل الإسلام، وقد أُخذ هذا اللفظ من معجمه الإغريقي في كلمة (زوغرافيو) Zographeô التي تعني (رسم طبقا لنموذج حي وطبيعي)، ومنها أيضا (زوغرافوس) Zographos أي (من يرسم الأحياء)، استخدمت هذه اللفظة الإغريقية التي ظلت ممنوعة من كل أشكال التصريف في أربع مرات، مرتين لتدل على معنى الزينة (سورة الإسراء الآية 93، وسورة الزخرف، الآية 35)، ومرة لوصف الترف (أخذت زخرفها وازينت) سورة يونس (الآية 24)، ثم جاءت أخيرا في سياق يتلاءم مع تحليلنا للتعبير عن اللغة التي يتواصل بها أولئك الذين يحملون خطابا مخادعا ﴿وكذلك جعلا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول﴾ سورة الأنعام (الآية 112) تلك هي المخادعة الشريرة نفسها التي تسللت إلى أمنية الرجل الصالح" في هيأة صورة ((مرسومة))، وهي التي تعرضت لها محاورة فيلابس حين استُخدم في ذات النص الإغريقي لفظ زوغرافيو Zographeô للتعبير عنها" محاورة أفلاطون فيليبوس: "سقراط: وهل ما نسميه أمنية هي الخطابات التي يوجهها كل امرئ لنفسه؟ بروتاغوراس: أجل، سقراط: هي كذلك زخارف تُرسم فينا».[96]

إله يستشفه العقل: تعد سورة النور بحسب "يوسف الصديق" «إحدى أواخر وحدات القول المنزل على محمد، وهي وحدها من بين السور الطوال، في خلوّها من أي اسم آخر غير اسم ((الله)) من بين الأسماء الثلاثة التي تضمنت أيضا لفظي ((الرب)) و((رحمان))، ثم أنها الوحيدة التي استهلت بالتأكيد على أنها سورة في قوله: ﴿سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون﴾ سورة النور (الآية1)، في هذه السورة تقطع الألوهية مسافة لتنتهي بالعودة بطبيعتها النورانية فتلج مساكن الناس جيئة وذهابا عبر الفضاءات البيت فالمدينة فالكون، وتشتمل سورة النور على عمل في النحت، شبيه بذلك الذي يمارسه الحرفي على الحجر العتيق، المركز على كلم ينشر الخطاب كما في نظام يوزع الأشعة الضوئية بإحكام ويتدرج بظلال باهتة هنا وكثيفة»[97] غير أن أهل التفسير لم يولوا لهذا النص سوى قيمة شعائرية وتربوية مختزلة ((بأحكام الستر والعفاف))[98] هذا ما جعل هذه السورة تفقد ألقها وأبعادها الروحية.

بنية مخروطية مزدوجة: الله عين العالم: يعتقد "يوسف الصديق" أن الله عين على هذا العالم، ومبرره في ذلك تفسيره لسورة النور، حيث وضّح أن نور الله يخترق كل شيء؛ يقول: «نوره لا ينبثق من أي جانب –شرقيا كان أم غربيا –ولا تدركه الأبصار، ويبدأ بالتنبيه إلى الجماعات ويكشف أولاً عن فئة مجهولة وخفية هي فئة من يزعمون الإيمان، وما إن تُسلّط عليهم الإضاءة الإلهية حتى ينكشف من في قلوبهم مرض ومن ارتابوا ومن يخافون الله (...) ينتشر الضوء بعدها على فئة مجهولة أخرى من الذين آمنوا، يواصل الضوء في تقدمه، ليخترق البيوت من جديد»[99] فنور الله يجوب العالم بكبره، وحتى القلوب.

الزوج والأرض: يمثل الله الزارع «في القرآن، يحكم الله العالم ويضبطه، ويدبر الله الأرض ويسيرها ويخصبها تماما كما يفعل الإله الصانع Démiurge الذي يستشفه العقل، وهو الحال مع الله في القرآن، وكما تتمثله وتصفه محاورة طيماوس أو الجمهورية لصاحبها أفلاطون. ونلاحظ تطابق كلمة الحرث مع لفظة harotos الإغريقية، وقد تضمنت كلمة حرث دلالات الملكيّة والثروة والذرية والجنس، بل وحتى معرفة النصوص، إذ يقال: ((هذا هو القرآن فاحرثوه))، في سياق الحياة الزوجية، جاءت قراءة النص القرآني التبسيطية والفقه من بعدها، لتحيل معنى الآية في ﴿نساؤكم حرث لكم﴾ سورة البقرة (الآية 223)، وتقيم هذه الصيغة القرآنية الدليل القاطع على حضور الفكر الهلليني، وقد يؤيد طرحنا نص جان بيار فرنان الذي يقول: "يبدو الزواج في نظر اليونانيين كالحرث harotos فالمرأة هي خط المحراث harathéra والرجل حارثا harothes» إذا، ينبّهنا "يوسف الصديق" مرة أخرى إلى التقارب الإيتيمولوجي بين اليونانية والعربية، والذي لم يتفطن له علماء اللغة العرب سابقا.

منعطف سورة الكهف: يخلص "يوسف الصديق" في هذا العنصر إلى استخلاص نتائج هذه الدراسة:

  • كانت هذه الدراسة كمحاولة لتفكيك نص مقدس، ظلت مؤسسة التفسير تعاود تركيبه باستمرار على فراغ تاريخي.
  • قد تكون سورة الكهف الدافع الذي حمل كبار أعلام الفقه والتفسير على اتخاذ أكثر المواقف المتعسفة للنأي بكل قارئ عن فهم المادة المعروضة أمامه "فقد اقتصرت مواقفهم على الإعجاب بهذا النص".
  • اجتمعت في هذه المساحة النصية المسماة بسورة الكهف ثلاث قصص لا تبدو على ترابط في مضامينها المتجاورة أولها: قصة أهل الكهف التي لم يكن ليفهمها أحد من المفسرين إلا كمجرد رواية عن فتية عبدوا الله فأيدهم بآية منه وأنقذهم من ظلم ملك جبار في مدينة يسكنها قوم مشركون.
  • كل مسعى في تثبيت القول إن من يسميه القرآن بذي القرنين هو نفسه الإسكندر المقدوني، يُجابه برفض عنيف.
  • لا بد لتلك القراءة الأخرى التي رأينا ضرورة في قيامها وتسليطها على القول المنزّل، أن تقطع مع ((هستيريا)) الشروح والتبريرات الطريفة التي استولت على التفسير حال جعله مؤسسة كهنوتية خُصت وحدها بقراءة القرآن مع بداية القرن الثالث الهجري[100].

الخاتمة: (من الصفحة 235-244)

النثر الأسير: في الأخير تساءل "يوسف الصديق" عن السر في أن يُقال في لغة العرب القدامى منهم والمعاصرين عن «الوحدة الشعرية "بيتٌ"؟ ولماذا القول بالقصيدة أو قصد؛ أي غاية يُراد بلوغها، فإن لبيت معنى المسكن أيضا، ويقال عن الوحدة العروضية وتد نسبة لوتد الخيمة وعن حرف القافية روي وفيه معنى السقاية بالماء»[101] كل ذلك يرمز لحياة العرب قديما، ليبقى النثر بيتا مكينا لا يسكنه غير ناثر أوحد هو الله، وعليه صار لزاما على العربي المسلم، إذا أراد الحفاظ على ذلك البيت ألا يتعدى الحدود المرسومة له، وألا يبرح مساحة الشعر الشيطانية في صحراء تلتهم الآثار»[102] وهنا ينتهي قول "يوسف الصديق" فالشعر مقابل للنثر، ومساحة لا يسكنها إلا الله.

* يوسف الصديق: ولد يوسف الصديق في توزر من بلاد الجريد التونسية سنة 1943م. فيلسوف كاتب ومفكّر ومتخصص في الانثروبولوجيا الأديان. درس ودرّس في جامعة السربون بباريس، صدر له عديد المنشورات من آخرها: "هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟" عن داري التنوير ومحمد علي، ويصدر له عن دار محمد علي/تونس وعن L’Aube/فرنسا "تونس بعد ثلاث سنوات ...الثورة المنقوصة «. انظر: يوسف الصديق، الآخر والآخرون في القرآن، ط2 (تونس: دار التنوير للطباعة والنشر، 2015) الصفحة الرابعة (الغلاف).

[1] يوسف الصديق، هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟، ط2 (لبنان: دار التنوير للطباعة والنشر، 2015) ص 7

[2] المصدر نفسه، ص 7

[3] المصدر نفسه، ص 8

[4] المصدر نفسه، ص 9

[5] المصدر نفسه، ص 10

[6] المصدر نفسه، ص 15

[7] المصدر نفسه، ص 18

[8] المصدر نفسه، ص 18

[9] المصدر نفسه، ص 22

[10] المصدر نفسه، ص 25

[11] المصدر نفسه، ص 28

[12] المصدر نفسه، ص 28

[13] المصدر نفسه، ص 33

[14] المصدر نفسه، ص ص 33-34

[15] المصدر نفسه، ص 41

[16] المصدر نفسه، ص ص 42-43

[17] المصدر نفسه، ص 47

[18] المصدر نفسه، ص,49

[19] المصدر نفسه، ص 51

[20] المصدر نفسه، ص ص 52، 51

[21] المصدر نفسه، ص 52

[22] المصدر نفسه، ص 53

[23] المصدر نفسه، ص 55

[24] المصدر نفسه، ص 57

[25] المصدر نفسه، ص ص57، 58

[26] المصدر نفسه، ص 65

[27] المصدر نفسه، ص 65

[28] المصدر نفسه، ص 69-71

[29] المصدر نفسه، ص 75

[30] المصدر نفسه، ص 76

[31] المصدر نفسه، ص 80

[32] المصدر نفسه، ص 82

[33] المصدر نفسه، ص 84

[34] المصدر نفسه، ص 84

[35] المصدر نفسه، ص 85

[36] المصدر نفسه، ص ص 85، 86

[37] المصدر نفسه، ص 87

[38] المصدر نفسه، ص 88

[39] المصدر نفسه، ص 90

[40] المصدر نفسه، ص 92

[41] المصدر نفسه، ص 93

[42] المصدر نفسه، ص 95

[43] المصدر نفسه، ص 96

[44] المصدر نفسه، ص 98

[45] المصدر نفسه، ص 103

[46] المصدر نفسه، ص 104

[47] المصدر نفسه، ص 105

[48] المصدر نفسه، ص 106

[49] المصدر نفسه، ص 106

[50] المصدر نفسه، ص 108

[51] المصدر نفسه، ص 110

[52] المصدر نفسه، ص 111

[53] المصدر نفسه، 112

[54] المصدر نفسه، 115

[55] المصدر نفسه، ص 117

[56] المصدر نفسه، ص,118

[57] المصدر نفسه، ص 119

[58] المصدر نفسه، ص 120

[59] المصدر نفسه، ص ص 120، 121

[60] المصدر نفسه، ص 122، 121

[61] المصدر نفسه، ص ص 124، 125

[62] المصدر نفسه، ص 125

[63] المصدر نفسه، ص 126

[64] المصدر نفسه، ص 127

[65] المصدر نفسه، ص ص 129، 128

[66] المصدر نفسه، ص 131

[67] المصدر نفسه، ص 135، 137

[68] المصدر نفسه، ص 138

[69] المصدر نفسه، ص 139

[70] المصدر نفسه، ص 141

[71] المصدر نفسه، ص 144

[72] المصدر نفسه، ص 144، 145

[73] المصدر نفسه، ص 148

[74] المصدر نفسه، ص 148، 149

[75] المصدر نفسه، ص 150

[76] المصدر نفسه، 152، 154

[77] المصدر نفسه، ص 157

[78] المصدر نفسه، ص 158

[79] المصدر نفسه، ص ص 160، 161

[80] المصدر نفسه، ص 162

[81] المصدر نفسه، ص 163

[82] المصدر نفسه، ص 165

[83] المصدر نفسه، ص ص 167، 168

[84] المصدر نفسه، ص 170

[85] المصدر نفسه، ص 174

[86] المصدر نفسه، ص 176، 178

[87] المصدر نفسه، ص 192

[88] المصدر نفسه، ص 193-198

[89] المصدر نفسه، ص 200-202

[90] المصدر نفسه، ص 204

[91] المصدر نفسه، ص 209

[92] المصدر نفسه، ص 210

[93] المصدر نفسه، ص 212

[94] المصدر نفسه، ص 213

[95] المصدر نفسه، ص 218

[96] المصدر نفسه، ص 219

[97] المصدر نفسه، ص 220

[98] المصدر نفسه، ص 221

[99] المصدر نفسه، ص 221-226

[100] المصدر نفسه، ص 228-234

[101] المصدر نفسه، ص 235

[102] المصدر نفسه، ص 235-244