الهويَّة ومراجعة الميثولوجيا البيضاء: سياسات التمثيل


فئة :  مقالات

الهويَّة ومراجعة الميثولوجيا البيضاء: سياسات التمثيل

الهويَّة كلمة قبل كلّ شيء، والكلمات لا يمكنها أن تمتلك خصائص ماهويَّة ترتبط بعالم مستقل، بل نحن من نستخدمها، وبالتالي فالمعنى ينشأ داخل ألعاب اللغة. ومقاربة الهويَّة وفق مفهوم اللعبة غرضه تأسيس فهم براغماتي لها، يزيح عنها الطابع التمثيلي الذي يفهم اللغة داخل استعارة المرآة إلى استيعابها داخل استعارة الأداة. لأنَّ اللغة لا تمتلك كفاية تمثيليَّة تمكنها من نقل الواقع برمَّته بداخلها. استخدام مفهوم لعبة اللغة هدفه أيضاً التأكيد على سياقيَّة المعنى والحقيقة، نحن من نستخدم الكلمات، وكلّما تنوَّع الغرض تنوَّع الاستخدام.

التأكيد على الميزة السياقيَّة للهويَّة هو محاولة لفهمها داخل وضع ثقافي بدلاً من إنشاء مزاعم إبستيمولوجيَّة حولها، نعني بذلك أهميَّة اللغة في إنشاء الهويَّة، ودورها في تشكيل معرفتنا بأنفسنا وبالآخرين، واشتغالها كشبكة نصنّف من خلالها العالم ونصنع له معنى ثقافياً. الهويَّة موجودة داخل سرديات نظلُّ نبدعها حول أنفسنا بشكل دائم، لكي نضمن بناء شعور ثابت باستمرار سيرتنا الذاتيَّة، لا وجود لهويَّة خارج اللغة، بل إنَّ الوجود لغوي في حدّ ذاته. وبالتالي فسردياتنا حول أنفسنا تفهم داخل استخداماتنا وأغراضنا التي تتحكَّم في سيرورة سياقاتنا. أن نقول الهويَّة العربيَّة، هو أن نقول الألعاب اللغويَّة المرتبطة بهذه الهويَّة، أي مجموع السرديات التي أنشأناها حول أنفسنا في سياق معيَّن لغرض محدَّد باستعمالات مختلفة.

اللغة عرضيَّة كما يرى رورتي([1])، وبالتالي ستكون الهويَّة نتاجاً عرضياً، أي أنَّ سردياتنا لا تمتلك أصولاً كونيَّة، بمعنى أنَّ ما يربط الداخل الوجداني بالخارج الخطابي (اللغة) يعتمد على موقع مؤقت تحتله الذات لإنشاء أوصاف حولها تستثمرها لدعم مقولة من نحن. وهذه الأوصاف تتغير باستمرار كلَّما غيرنا المواقع المرتبطة بالذات، هناك دائماً استخدامات ثقافيَّة واجتماعيَّة تحدّد من نحن داخل سياق الجماعة أو التقليد، وعدم ثبات هذه الاستخدامات هو ما يؤكد خطابيَّة الهويَّة بدلاً من اعتبارها مسعى كونياً ثابتاً.

الهويَّة متعدّدة، وإذا كنا نحسُّ بأنَّنا نمتلك هويَّة واحدة متسقة منذ الولادة إلى الموت فذلك لأنَّنا لم نؤلف حول أنفسنا سوى سرد واحد. كما أنَّ غلق المعنى واعتباطيته يُعدُّ استقراراً مؤقتاً، فتكوثر وتنوع سياقات ومواقع التفاعل يمنع سهولة تماهي ذوات خاصة مع هويَّة بعينها تكون ثابتة([2]). لا يتعين علينا أن نطرح السؤال الآتي: من هو العربي؟ بل ما يهمنا هو كيف شكَّل هذا العربي الوصف الأفضل لأغراض محدَّدة. وما ننشئه من وصف مرجأ باستمرار وخاضع لمنطق التكملة والإضافة، وهو ما يفسّر انتقالنا من وصف إلى آخر، لأنَّ المعنى الذي ينتجه هذا الوصف لا يمكن أن يكون نهائياً، هو اللعبة اللغويَّة المرتبطة بما نحن عليه الآن فقط.

الهويَّة ما بعد الكولونياليَّة: أشرت سابقاً إلى أنَّ الهويَّة مجموعة من الأوصاف المشحونة وجدانياً، ولكن هل هذه الأوصاف من إنتاج الذات أم من إنتاج الآخر؟ بدأ إدوارد سعيد كتابه الاستشراق بمقولة لكارل ماركس يقول فيها: «إنَّهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم، يجب أن نقوم نحن بتمثيلهم»([3]). المسألة مرتبطة إذاً بعمليَّة تمثيليَّة، حيث تكون ذاتيَّة الآخر الاستعماري مصاغة معاً مع ذاتيَّة المستعمَر، وتمثيل الذات، كما يرى سعيد، تمَّ عبر ابتكار صورة تخيليَّة، أو إلحاق هذه الذات بالمنجز الحضاري والثقافي الأوروبيَّين([4]). هو احتلال لموقع ذات شاغر وإنشاء خطاب حولها بدلاً عنها، والخطاب -بمفهومه الفوكاوي- هو ما ينتج ويحدث ويؤسّس موضوع المعرفة، وبالتالي فالحقيقة المرتبطة بالذات المستعمرة تُعدُّ نتيجة للسلطة، أي لتأويلاتها التي أصبح يعتقد أنَّها حقيقة. إلا أنَّ الحقيقة حسب التوصيف النتشوي جيش من الاستعارات والكنايات، عبارات قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، لذلك حاول سعيد أن يناقش ما تمَّ إنتاجه من قبل الثقافة الغربيَّة فيما يتعلق بالشرق سياسياً واجتماعياً وعسكرياً وعلمياً وإيديولوجياً وأدبياً داخل مفهوم الخطاب، كما قدَّمه ميشال فوكو الذي أكَّد على: (أ) الطبيعة التأسيسيَّة للخطاب: الخطاب يؤسّس موضوع المعرفة والذوات الاجتماعيَّة. (ب) الخاصيَّة الخطابيَّة التي تميز فعل السُلطة: حيث تُعدُّ تقنياتها وممارساتها خطابيَّة. (ج) الطبيعة السياسيَّة للخطاب: فالصراع على السُلطة يتمُّ داخل الخطاب وحوله. (د) الطبيعة الخطابيَّة للتغيير الاجتماعي: تغيير الممارسات الخطابيَّة يُعدُّ عنصراً هاماً في إحداث التغيير الاجتماعي([5]).

الهويَّة ليست معطى طبيعياً خاملاً، وما يشكّل نظام الحقيقة المرتبط بهذه الهويَّة هو عبارة عن مجموعة من المقولات التي تُنتَج وتُوزَّع وتُتداول وتُنظَّم عبر نسق من الإجراءات التي تكفل اشتغال هذه العمليات، بمعنى أنَّ الهويَّة خطابيَّة، وإنتاجها يعتمد على تكرار هذه العبارات والاقتباس منها، لذلك حاول إدوارد سعيد أن يناقش الاستشراق ويحلله «كمؤسسة تعليميَّة واستعماريَّة واستعلائيَّة تعاملت مع الشرق عبر صناعة مقولات عنه ووصفه وتخويل وجهات نظر حوله»([6]). الدلالة السياسيَّة التي تميز الهويَّة هي ما تجعلنا نفهم طبيعة العلاقة بين الشرق والغرب على أنَّها علاقة سُلطة وهيمنة، وهنا سنطرح السؤال الذي طرحه إرنستو لكلو Ernisto Laclau حين تحدَّث عن الهيمنة والهويَّة ودور العالميَّة في بناء المنطق السياسي قائلاً: هل سنظل دائماً متفقين على رؤية الهيمنة كمقولة فعَّالة في وصف مزاجنا السياسي؟([7])، نعم هي كذلك، بل إنَّ الهيمنة تحدّد الفضاء الذي تتشكل من خلاله العلاقات السياسيَّة، وتضمن استمرار الاستشراق وديمومته، وتصوغ الفكرة الأوروبيَّة: الهويَّة الأوروبيَّة التي تستعلي على باقي الشعوب والثقافات غير الأوروبيَّة. وكما يرى سعيد فإنَّ هيمنة الأفكار الأوروبيَّة على الشرق وصل أحياناً إلى إنكار إمكانيَّة وجود فكرة أخرى قد تكون لها وجهات نظر تختلف عن الفكرة المهيمِنة([8]).

توليد معنى الهويَّة مسألة تتعلق بالمعرفة، المورطة بشكل مستمر في عمليات السُلطة، لذلك يجب أن نتوقف نهائياً عن وصف آثار السُلطة داخل معاني السلبيَّة والإقصاء والقمع والمنع والإخفاء والتحريف، السُلطة في الواقع فعل إنتاجي، ينتج الواقع ومجالات ومواضيع وطقوس الحقيقة، والأفراد والمعرفة قد يستفيدان من هذه الإنتاجيَّة([9]). في ظلّ هذا المنوال الفوكاوي حاول سعيد أن يدرك مسألة إحداث الشرق وابتكاره بالتركيز على تقاطعات السُلطة والمعرفة، إلا أنَّ إدراكه لهذه القضيَّة تجلَّى من خلال إنتاجه لمعرفة مضادة، نديَّة ومناقضة للمعرفة الأولى. طريقة فهم الشرق وتمثيله ليست مجرَّد إنتاج معرفة أكاديميَّة حوله، بل المسألة تُعدُّ قضيَّة ثقافيَّة/سياسيَّة. يقول سعيد: "امتزاج المعرفة بالسُلطة هو ما أدَّى إلى ابتداع الشرق بطريقة حاولت أن تطمسه وتزيله كوجود بشري، وهذه القضيَّة ليست مجرَّد معرفة أكاديميَّة وحسب، بل برأيي مسألة ثقافيَّة، لذلك سأحاول أن أوظّف اهتماماتي الإنسانويَّة والسياسيَّة لتحليل ووصف نمو وتطور الاستشراق ومتانته الدنيويَّة")[10](.

المسألة الثقافيَّة مسألة سياسيَّة بالدرجة الأولى كما يرى هال([11])، والقناعة الإدوارديَّة لم تتحاشَ هذا الجانب، واهتمام سعيد بأثر السلطة على المعرفة هو ما أسَّس اعتقاده بأنَّ النشاط الفكري والثقافي يجب أن يدعم العالم الاجتماعي، وأن يساهم في تحسين الظرف الإنساني. مقدّمته لكتابه الاستشراق سعت لرفض التمييز بين "معرفة خالصة ومعرفة سياسيَّة"([12]) انطلاقاً من أنَّه لا يمكن لأيّ دارس أو كاتب يحترم ذاته أن يتجنَّب الانخراط في واقعه وظرفه المعيشي. المعرفة يجب أن تحدث نوعاً من لفت الانتباه للتوزيع غير العادل للسلطة داخل العالم، وكما أنَّها كانت ممؤسسة لخدمة الاستعلائيَّة الأوروبيَّة وتعميق نفوذها وهيمنتها على الشرق، فإنَّها ستكون بالمثل: إعادة لتوصيفه وتفكيكه والنظر إليه كحالة مقروءة وممثلة.

المبدأ الأساسي في إنتاج الاستعلائيَّة الغربيَّة هو التمثيل، لذلك سيحاول سعيد من خلال تحليله للنصوص الاستشراقيَّة أن يقرّر حقيقة مفادها أنَّ هذا "التمثيل مجرَّد تمثيلات وليس صوراً معطاة بشكل طبيعي عن الشرق"([13]). وما يتداول عادة على أنَّه حقيقة داخل ثقافة ما هو مجرَّد تمثيل. الاستشراق يشتغل كنوع من المفردات النهائيَّة([14])، بتعبير رورتي، التي تُستعمل تبريراً للفوقيَّة الغربيَّة ومعتقداتها، يشرعن معجميَّة واحدة ذات نزعة خصاميَّة تحاول أن تستبعد بشكل واعٍ مفردات أخرى حول الشرق، ولأنَّ الشرق مصدر للرغبة، فمهمَّة التمثيل هي "إشباع الحاجات الثقافيَّة والمهنيَّة والوطنيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة لمرحلة ما"([15]). يمكننا هنا أن نستفيد من تعليق لـ"هومي بهابها" حول هذه النقطة -التي طرحها سعيد- عندما أحال على مفهوم الجهاز أو dispositif وهو مفهوم ما بعد بنيوي يرتبط بميشال فوكو يؤكد فيه على أنَّ العلاقة بين المعرفة والسلطة داخل الجهاز تكون دائماً علاقة استراتيجيَّة تستجيب لحاجة ملحَّة في مرحلة تاريخيَّة معيَّنة([16]). التمثيل قد يكون نوعاً من المهانة المغرية للمعرفة، وإذا ادَّعى بأنَّه يخبرنا بالحقيقة فبإمكانه أيضاً أن يزوّر الحقيقة ويشوّهها ويسيء التمثيل Mis-representation، وإن كان سعيد قد صرَّح بأنَّه لا يحاول من خلال تحليله للممارسة الثقافيَّة كنظام أتاح فرصة الحديث عن الشرق أن يكشف عن سوء تمثيل مسَّ جوهر الشرق([17]). على أيَّة حال كما قال دوستوفسكي: "إذا كانت الحقيقة غير موجودة في التمثيل، فإنَّ قدراً من الصور الزائفة أو الاصطناع سيصبح أمراً مسموحاً به". وإذا قمنا بخلخلة صلابة التمثيل المزعومة، إلى أقصى حدٍّ ممكن، فإنَّ الحقيقة ستكون حالة مقروءة وممثلة، ولا يمكنها بعد ذلك أن تتحصَّن عن أيّ تفحص نقدي أو داخل أيَّة لغة معيَّنة. الوعي بالحقيقة يستلزم وعياً بسرد الحقيقة، الذي قد ينطوي على تشويه وتحريف، فحقيقة الحقيقة تظلُّ باستمرار أمراً يمكن أن يقال من جديد، ولكنَّنا سنتساءل كما تساءل نقاد ما بعد الحداثة: هل يجوز لنا أن نمثل الحقيقة كيفما شئنا؟ وهل قول الحقيقة هو صناعة للحقيقة أم عثور عليها؟ هي كما قال رورتي شيء نصنعه بدلاً من العثور عليه، أو هي كما قال دريدا شيء يستحيل الوصول إليه، أو نسبيَّة كما ترى الدراسات الثقافيَّة التي لطالما أبدت نوعاً من المقت الهستيري للتمثيل السنني التقليدي([18]).

الهويَّة تفرض مجموعة من الأسئلة حول كيفيَّة توظيف التاريخ واللغة والثقافة كمصادر السيرورة بدلاً من الصيرورة، ما يهمنا كما يرى هال([19]) ليس صياغة أسئلة حول من نكون؟ ومن أين أتينا؟ بل كيف مُثِّلْنَا وأصبحنا على ما نحن عليه الآن، وكيف سيؤثر هذا في تمثيلنا نحن لأنفسنا؟ وما نحتاجه "ليس نظريَّة حول الذات، بل نظريَّة حول الممارسات الخطابيَّة"، هذا لا يعني حسب هال أن نلغي الذات، بل أن نعيد تصوُّرها من جديد: إعادة مفصلتها مع الممارسات الخطابيَّة التي تطرح مسألة الهويَّة، وفهم عمليات التذويت المرتبطة بهذه الممارسات التي تمارس سياسات الإقصاء تتمُّ من خلال التماهي Identification حيث يرى أنَّ "المقاربة الخطابيَّة لهذا المفهوم تجعله ذا طبيعة إنتاجيَّة، عمليَّة غير مكتملة، جارية باستمرار...، التماهي ظرفي، إنَّه يقيم داخل العرضيَّة، لا يلغي الاختلاف، والاندماج الكلّي الذي يفترضه ما هو في الواقع سوى وهم الاندماج (فرويد يتحدث دائماً عن التماهي في علاقته باستهلاك الآخر)"([20]). الاستعانة بالمنظور النفسي للتدليل على عمليات بناء الهويَّة هدفه الإشارة إلى مستودعات جديدة للمعنى قد تكون مناسبة في تحليل مسألة الهويَّة والتأمل والتأثير فيها، وتوظيف مفهوم الهويَّة بهذا الاستخدام "يخرجها من التوظيف الجوهري لها - الهويَّة كجوهر - إلى استخدامها استخداماً موقعياً واستراتيجياً، ويعاكس ما يشير إليه مسارها السيميائي"([21])، لتصبح الهويَّة تماهياً ينطوي على استثمار وجداني في الأوصاف الخطابيَّة المرتبطة بنا وبالآخرين، ليست فعلاً فردياً، وإنَّما فعل جماعي عبر الخطابات والممارسات والمواقع المختلفة وحتى العداءات والاستعمار، كما رأى سعيد، يعني التماهي تماهياً مع ما هو تجاري وتواصلي وديني وعسكري وثقافي([22]).

استخدم هومي بهابها Homi K. Bhabha مقولات التحليل النفساني كأدوات لقراءة الصور النمطيَّة بوصفها فيتشاً، دون إقحام هذه القراءة في إطار معياري يكتفي بإدراكها على أنَّها معرفة جاهزة أو مسبقة قد تكون إيجابيَّة أو سلبيَّة، فلكي نفهم "إنتاجيَّة السلطة الكولونياليَّة من المهم أن نبني نظام حقيقتها، لا أن نخضع تمثيلاتها لأحكام معياريَّة"([23]). الصور النمطيَّة بوصفها تمثيلاً للآخريَّة تتطلب منَّا العمل على فهم سيرورة التذويت التي جعلها الخطاب القائم على التنميط ممكنة ومعقولة، وإزاحتها وزحزحتها كسيرورة -تمَّ من خلالها تهميش أشكال الآخريَّة العرقيَّة/الثقافيَّة/التاريخيَّة- لن يكون ممكناً إلا "بالانخراط في فعاليتها: في ذخيرة مواقع السلطة والمقاومة، الهيمنة والتبعيَّة التي تبني الذات المتماهية استعمارياً (ذات المستعمِر والمستعمَر على حد سواء)"([24]).

يستند بهابها في قراءته للصور النمطيَّة العرقيَّة داخل الخطاب الكولونيالي على مفهوم "الازدواجيَّة" Ambivalence، وهو مفهوم ينتمي إلى التحليل النفسي، ويشير إلى تعايش دافعين أو شعورين متناقضين، ويؤكد كلٌّ من لابلونش وبونتاليس في كتابهما: لغة التحليل النفسي، على أنَّ الازدواجيَّة يجب أن تدرك داخل مسمَّيات الحالات المتصاعدة للصراع "التي تؤسّس تضاداً غير جدلي، تكون من خلاله الذات عاجزة عن التجاوز، لأنَّها تقول نعم ولا في الوقت نفسه"([25]). الازدواجيَّة تمثل ركناً أساسياً في الصورة النمطيَّة، وسلطتها هي ما يعطي للتنميط الكولونيالي رواجه، ووظيفتها من أهمّ الاستراتيجيات الخطابيَّة والنفسيَّة لدى السلطة القائمة على التفرقة والتمييز، وجهة نظرٍ يرى بهابها أنَّها أغفلت وغيبت، حيث يقول: "غياب هذه النظرة لها تاريخها المرتبط بالذريعة السياسيَّة. فإدراك الصورة النمطيَّة على أنَّها صيغة من صيغ ازدواجيَّة المعرفة والسُلطة يتطلب استجابة نظريَّة وسياسيَّة للأنماط الحتميَّة والوظيفيَّة في إدراك العلاقة بين الخطاب والسياسة. وتحليل الازدواجيَّة يستجوب المواقف الدوغمائيَّة والأخلاقيَّة المرتبطة بالقمع والتمييز"([26]). المسألة المطروحة هنا من قبل بهابها سواء ضمن الأشكال النقديَّة الخطابيَّة أو السوسيو-ثقافية تنتقل من الاهتمام بعمليات اللَّاوعي (التماهيات والرغبات كحالة نموذجيَّة) المرتبطة بالذوات المضمَّنة في بعضها بعضاً إلى قضيَّة التَّضمُّن المتبادل لكلٍّ من المستعمِر والمستعمَر، والمقاربة الثنائيَّة التي يطبّقها بهابها هنا هي مزج للسجلات ما بعد البنيويَّة بسجلات التحليل النفسي، بطريقة تمكّن من فحص الاقتصاد السياسي للخطاب والاقتصاد الشعوري للهويَّات. يقول: "بناء الذات الكولونياليَّة عبر الخطاب، وممارسة السلطة الكولونياليَّة من خلال الخطاب يحتاج إلى تمفصل أشكال من الاختلاف العرقي والجنسي، ومثل هذا التمفصل يُعدُّ حاسماً إذا أدرك أنَّ الجسد دائماً وبصورة متزامنة (إن لم تكن متصارعة) مدرج في اقتصاد اللذة والرغبة واقتصاد الخطاب والهيمنة والسُّلطة"([27]).

الازدواجيَّة مقولة تحليليَّة فعَّالة لبناء نظريَّة داخل الخطاب الكولونيالي، خطاب كما رأى فانون([28]) يميزه ظرف مانوي يفهم الأشياء داخل مسميات الخير والشر أو النديَّة، يفكّر داخل الأسود والأبيض، إنَّه ظرف لن يتيح أبداً إمكانيَّة الاندماج بين طرفين متضادَّين. وبوصفه سُلطة فغايته تأويل المستعمَرين داخل أنماط منحطَّة، أو كآخريَّة قابلة للمعرفة وواضحة في الوقت نفسه، يستخدم منظومة تمثيليَّة أو نظام حقيقة تحافظ فيه العقلانيَّة الغربيَّة على حدود المعنى. هذا الخطاب كما يرى بهابها يفرض نوعاً من التهديد لتغايره وازدواجيته، وهي ملاحظة أفادها من إدوارد سعيد الذي كان يشير بصورة متواصلة إلى الاستقطاب والانقسام القائم في مركز الخطاب الاستشراقي، "فهو من جهة موضوع معرفة، واكتشاف، وممارسة، ومن جهة أخرى، موضع صور، وأحلام، وفونتازم، وأساطير، وهواجس، وحاجيات (...)، سعيد يضفي على هذا النوع من التفكير هيئة مشابهة لهيئة عمل الحلم، حيث يميز بين إيجابيَّة لا واعية يدعوها الاستشراق الكامن، وبين معارف وآراء عن الشرق يدعوها الاستشراق الظاهر"([29]).

مقاربة الخطاب عبر المفهوم الفرويدي عمل الحلم Dream-work محاولة لتقويض الخطاب كنمط تمثيلي، فإحدى العمليات المهمَّة التي تُعدُّ نتيجة لعمل الحلم هي التحريف أو التشويه أو التحوير([30]) Distortion، وحيث يتمُّ تحول الأفكار الكامنة إلى شكل ظاهر تكون من خلاله هذه الأفكار صعبة التمييز، ولا يتمُّ نقلها فقط -كما كانت- داخل شيفرة أخرى، بل تحرَّف أيضاً داخل نمط يكون فيه التأويل هو الجهد الوحيد في بنائها. وإذا كان عمل الحلم هو ما يشكّل جوهر الحلم وليس المحتوى الكامن، فإنَّ عمل الخطاب الكولونيالي هو ما يشكّل جوهر هذا الخطاب وليس المحتوى الكامن له، أي أنَّ هذا الخطاب بوصفه جهازاً من أجهزة السُلطة "يدير معرفة الاختلافات العرقيَّة/الثقافيَّة/التاريخيَّة وإنكارها، وظيفته الاستراتيجيَّة المهيمنة تتمثل في خلق فضاء لشعوب خاضعة عبر إنتاج معارف تمارس من خلالها المراقبة وأشكال معقدة من اللذة والتنغيص. ويسعى إلى إضفاء شرعيَّة على استراتيجياته عبر إنتاج معارف بالمستعمِر والمستعمَر قائمة على الصور النمطيَّة التي تقوّم بشكل متناقض"([31]).

مقاربة الذوات المشكّلة للخطاب الكولونيالي تمَّ أيضاً بالاعتماد على سجّلات التحليل النفسي من خلال مفهوم انشطار الذات([32]) The splitting of Ego، وهو مصطلح استُخدم من قبل فرويد للدلالة على اشتغال ظاهرة معيَّنة داخل الفيتشيَّة والهوس: حيث يتعايش موقفان شعوريان فيما يتعلق بالواقع الخارجي (أو الحقيقة)، الأوَّل منهما يراعي هذا الواقع ويأخذه بعين الاعتبار، بينما الثاني ينكره ويستبدله بإنتاج الرغبة. هذان الموقفان يسيران جنباً إلى جنب دون أن يؤثّر أحدهما في الآخر. بالعودة إلى بهابها تكون هذه الحكاية الفرويديَّة التي تدور حول الفيتشيَّة والإنكار شغالة ضمن خطاب السُلطة الكولونياليَّة، وعليه سينخرط مباشرة في "قراءة الصور النمطيَّة تبعاً لمعطيات الفيتشيَّة، فإنتاج أسطورة الأصل التاريخي المتمثلة في النقاء العرقي والتفوُّق الثقافي يكون في علاقته بالصور النمطيَّة الكولونياليَّة التي تعمل على استنظام القناعات والذوات المنشطرة التي تشكّل الخطاب الكولونيالي نتيجة لسيرورة الإنكار التي تميزها"([33]).

الاستنظام أو التطبيع أداة فعَّالة تستعين بها السُّلطة في تأسيس المعيار، أو ما يعتقد أنَّه طبيعي، ويحدّد ويهيكل المعنى داخل الفضاء الكولونيالي، وتوزيع الذوات داخل هذا الفضاء يكون وفقاً لمعيار وظيفته التنظيميَّة بالدرجة الأولى، عموماً فالاستنظام مكوّن أساسي من مكوّنات السُّلطة الحيويَّة Bio-power كما يرى فوكو "سُلطة ترى أنَّ ترؤُّس الحياة وتوليّها يحتاج إلى آليات تستمرُّ دوماً في عمليتي التنظيم والتصويب. (...) ومثل هذه السُلطة تصف، تقوّم، تقيس، وتقرُّ تراتبيَّة أو هرميَّة معيَّنة. (...) أثرها إحداث توزيعات حول المعيار")[34](. على هذا النحو يعمل مشهد الفيتشيَّة كاستنظام للاختلاف والاضطراب تبعاً لمعطيات الموضوع الفيتش، في هذه الحالة الفيتيشية Fetishism اكتشف فرويد وجود موقفين متناقضين داخل الذات في علاقتهما بحقيقة الخصاء. من ناحية أولى، إنكار الفيتشيين لحقيقة إدراكهم: حقيقة عدم رؤيتهم لقضيب في الأعضاء التناسليَّة النسويَّة، وهذا الإنكار يعبّر عنه بتشكيل الفيتش، ومن ناحية أخرى، هم يدركون حقيقة أنَّ المرأة ليس لها قضيب. وهذا ما يُسمَّى بانشطار الذات، فالموقف الأول موجَّه نحو الواقع عبر إنكاره، والثاني باتجاه الغريزة، وهو ما يؤدي إلى تشكيل أعراض عصابيَّة (كالأعراض الرهابيَّة مثلاً)([35]). ما يؤدي مشاهد الرهاب والرغبة داخل النصوص الكولونياليَّة هي الصورة النمطيَّة التي تترجح بين التأكيد الفرويدي على التماثل: كلُّ البشر يملكون قضيباً، وبين الرهاب الذي يصاحب النقص والاختلاف، بعبارة أخرى وبكلام بهابها: كلُّ البشر لهم نفس البشرة/العرق/الثقافة، ليس للبعض نفس البشرة/العرق/ الثقافة. بالتالي فالصُّورة النمطيَّة بوصفها رهاباً وفيتشاً، هي ما يهدّد انغلاق معنى الذات الكولونياليَّة القائمة على العرق ولون البشرة والثقافة، ويفتح الطريق للفونتازم الكولونيالي حيث تكون الذات الكولونياليَّة هي البطلة([36]).

في كتابه: الموضوع السامي للأيديولوجيا. تحدَّث زيزاك S. Žižek عن الفونتازم كدعامة للواقع أو الحقيقة([37])، هذا لا يعني -كما قال- أن نفهم الحياة داخل معنى الحلم، أو أنَّ ما ندعوه بالواقع هو مجرَّد وهم، بل القصد من هذه الثيمة اللاكانيَّة وجود نواة صلبة، راسخة وقارَّة في علاقة الذات بالعالم لا يمكن مقاربتها عبر الواقعيَّة الساذجة، بل الوضع الوحيد الذي يمكننا من توصيف نواة هذا الواقعي هو بالأحرى الحلم، وفيما يتعلق بتعارض الخيال والواقع "فإنَّ الفونتازم ليس مجرَّد جانب من جوانب الخيال، بل هو بالأحرى جزء من هذا الخيال الذي يمكننا من الولوج إلى الواقع، وهو الإطار الذي يضمن وصولنا إليه، ويحدث ويولد معنى هذا الواقع في حدّ ذاته"([38]). الفونتازم بإمكانه تفسير كثير من التناقضات داخل الخطاب الكولونيالي، وحتى المفاعيل السياسيَّة لهذا الخطاب هي نتاج لتمفصل ما هو تاريخي وما هو فونتازم، وإذا كان الفونتازم يحكم ما يعتقده هذا الخطاب أنَّه حقيقة، فإنَّ الحقيقة في حدّ ذاتها أثر للفونتازم "الذي يزول مباشرة عند مجابهته للفهم اليقظ للواقع"([39]). وإذا قبلنا فكرة أنَّ الخطاب الكولونيالي ذو بنية فونتازميَّة (الأصل النقي، الاستعلائيَّة، النسل المنحط، ...)، فإنَّ أيَّة قناعة مشكّلة داخل عقلانيَّة معيَّنة لن تغير شيئاً، لأنَّ أيَّ ولوج للحقيقة أو إحداث لها يتمُّ دائماً عبر الفونتازم.

الفونتازم نوع من سوء التمثيل أو الوعي الزائف، هو الشكل اللامعقول الذي يتيح ضرباً من ضروب الهويَّة المأسورة الثابتة، هو ما يعوق اشتغال الاختلاف العرقي والثقافي. ما الذي نحتاجه كي نزيل هذه التعمية أو هذا التغليف للواقع؟ كيف يمكننا تجاوز هذا البناء الباثولوجي للخطاب الكولونيالي؟ ثمَّ كيف يمكننا بعد ذلك أن نتفادى هذه الاستراتيجيات الاستنظاميَّة، التي لا ترتبط بالفونتازم وحده، بل كذلك بالصورة النمطيَّة كصيغة من صيغ التمثيل؟ ربَّما سيكون ذلك عبر الوعي السياسي بالفونتازم أو بأيّ نمط معيَّن من أنماط التمثيل الكولونياليَّة، فانخراط بهابها في الخطاب الكولونيالي وفي مثل هذه الكتابات يحرّكه التزام سياسي يحاول الكشف عن أنماط تمثيل الآخريَّة، ولأنَّ سلطة الخطاب الكولونيالي وما بعد الكولونيالي تُعدُّ تدخلاً نظرياً وثقافياً في العالم، فإنَّ أنجيلا ماكروبي([40]) ترى أنَّ انخراط بهابها في سياسات ما بعد البنيويَّة وما بعد الكولونياليَّة يهدف إلى تأسيس جماعة تتقاسم فكرة لا يقينيَّة المعنى المرتبطة بهذا الخطاب، وإذا كانت كتاباته تسجيلات للازدواجيَّة والاستجابات النفسيَّة المعقدة، فإنَّها لا تخلو أيضاً من المعنى السياسي.

ليس هناك سوى الكلمات، والواقع في حدّ ذاته مجرَّد كلمات، وإذا أقررنا بعرضيَّة اللغة فإنَّنا سنتخفَّف بعد ذلك من الحضور الميتافيزيقي للمعنى، وأن نجابه ما أنشأه الآخرون من مزاعم إبستيمولوجيَّة حولنا، يكون عبر رؤية الحقيقة كبناء ثقافي غير محايد. صالح فقط داخل سياقات جماعة معيَّنة في فضاء وزمان محدَّدين. والاهتمام بمسائل التمثيل يصرف انتباهنا عن الحقائق المطلقة، لا وجود لحقائق خارج اللغة، كما أنَّنا في ظلِّ غياب اللغة لا يمكننا النطق بأيَّة حقيقة.

 

قائمة المصادر والمراجع:

  1. Barker, Chris. (2004) the Sage Dictionary of Cultural Studies. London: Sage Publication.
  2. Bhabha, Homi k. (1994) the Location of Culture. London and NewYork: Routledge.
  3. Butler, Judith. Laclau, Ernisto. And Zizek, Slavoj. (2000) Contengency, Hegemony, Universality: contemporary dialogues on the left. London and New York: Verso.
  4. Fairclough, Norman. (1992) Discourse and social change. Cambridge: Polity Press.
  5. Fanon, F. (1986) Black skin, white masks. London: Pluto.
  6. Faucoult, Michel (1979). Discipline and Punish: The Birth of the Prison. Allan Sheridan (Trans) New York: Vintage.
  7. Hall, Stuart.(2008) Identités et Culture: politiques des cultural studies, trad. Par Cristopher Jaquet., Paris: éditions Amsterdam.
  8. Laplanche, J. & Pontalis, J.B. (1973). The language of psychoanalysis. London: The Hogarth Press and the Institute of Psychoanalysis.
  9. McRobbie, Angela. (2005) the Uses of Cultural Studies. London and Thousand Oaks: Sage
  10. Michel, Foucault. (1984) What Is Enlightenment? In Rabinow, Paul. (ed). The Foucault Reader. Pantheon Books: New York.
  11. Rorty, Richard. (1989) Contingency, Irony and Solidarity. Cambridge: Cambridge University Press.
  12. Said, Edward (1979) Orientalism. New York: Random House.
  13. Taylor, Victor E and Winquist, Charles E. (2011) Encyclopedia of Postmodernism. London and New York: Routledge.
  14. Voegelin, Eric. (July 1940) The Growth of the Race Ideea. Review of Politics.
  15. Žižek, slavoj. (1989) the Sublime Object of Ideology. London and New York: Verso.
  16. Žižek, slavoj. (1992) is it possible to traverse the fantasy in cyberspace? In E. Wright & E. Wright (Eds.), the Žižek reader. Blackwell: London.

([1])  Rorty, Richard. (1989) Contingency, Irony and Solidarity. Cambridge: Cambridge University Press. p.3.

([2]) Barker, Chris. (2004) the Sage Dictionary of Cultural Studies. London: Sage Publication. p.93.

([3]) Said, Edward (1979) Orientalism. New York: Random House. p. Xii.

([4]) Ibid. p.2.

([5]) Fairclough, Norman. (1992) Discourse and social change. Cambridge: Polity Press. pp.55-56.

([6]) Said (1979), p.3.

([7]) Butler, Judith. Laclau, Ernisto. And Zizek, Slavoj. (2000) Contengency, Hegemony, Universality: contemporary dialogues on the left. London and New York: Verso. p.44.

([8]) Said (1979), p.7.

([9]) Faucoult, Michel (1979). Discipline and Punish: The Birth of the Prison. Allan Sheridan (Trans) New York: Vintage. p.194.

([10]) Said (1979), p.27.

([11]) Hall, Stuart. (2008) Identités et Culture: politiques des cultural studies, trad. Par Cristopher Jaquet., Paris: éditions Amsterdam. p.3.

(12] ) Said (1979), p.9.

)[13] ( Said (1979), p.21.

([14]) Rorty (1989), p.73.

([15]) Said (1979), p.273.

([16]) Bhabha, Homi k. (1994) the Location of Culture. London and NewYork: Routledge. p.74.

([17]) Ibid. p.72.

([18])Taylor, Victor E and Winquist, Charles E. (2011) Encyclopedia of Postmodernism. London and New York: Routledge. p.340.

([19]) Hall (2008), p.271.

([20]) Ibid. p.269.

([21]) Ibid, p.270.

([22]) Said (1979), p.100.

([23]) Bhabha, (1994), p.67.

([24]) Ibid. p.67.

([25]) Laplanche, J. & Pontalis, J.B. (1973). The language of psychoanalysis. London: The Hogarth Press and the Institute of Psychoanalysis. p.28.

([26]) Bhabha (1994), pp.66-67.

([27]) Ibid. p.67.

([28]) Fanon, F. (1986) Black skin, white masks. London: Pluto.

([29]) Bhabha (1994), p.71.

([30]) Laplanche, J. & Pontalis, J.B. (1973), p.124.

([31]) Bhabha (1994), p.70.

([32]) Laplanche & Pontalis (1973), p.427.

([33]) Bhabha (1994), p.74.

([34]) Michel, Foucault. (1984) What Is Enlightenment? In Rabinow, Paul. (ed). The Foucault Reader. Pantheon Books: New York. p.20.

([35]) Laplanche & Pontalis (1973), p.429.

([36]) Bhabha (1994), pp.86-87.

([37]) Žižek, slavoj. (1989) the Sublime Object of Ideology. London and New York: Verso. p.47.

([38]) Žižek, slavoj. (1992) is it possible to traverse the fantasy in cyberspace? In E. Wright & E. Wright (Eds.), the Žižek reader (pp.102-124). Blackwell: London.

([39]) Laplanche & Pontalis (1973) p.315.

([40]) McRobbie, Angela. (2005) the Uses of Cultural Studies. London and Thousand Oaks: Sage.p.102.