بين أرسلان وصفوان: من جدل الاستعمار والمقاومة إلى جدل الاستبداد والثورة


فئة :  مقالات

بين أرسلان وصفوان: من جدل الاستعمار والمقاومة إلى جدل الاستبداد والثورة

مضى أكثر من ثمانين عاما، منذ أن تساءل الأمير شكيب أرسلان: "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟". يفرض منطق التطور الذي يميز التاريخ دوما أن يكون هذا السؤال نسيا منسيا في وقتنا الحاضر،لكن لا يمكن المتابع لحالة العالم العربي أن يتجاهل أن السؤال مازال قائما، يُنوّع العقل العربي في طريقة طرحه ومقاربته، دون أن يغادر دائرة الاستفهام بنفي ما ينبغي أن يكون.

ومن النماذج المعاصرة الدكتور مصطفى صفوان الذي طرح سؤال النهوض في لغة العصر السائدة في أحد كتبه الجديدة: " لماذا العرب ليسوا أحرارا؟.

عندما سأل أرسلان سؤاله ذاك سنة 1930، كان العالم العربي الإسلامي في لحظة الاستعمار، وكل شيء في العالم العربي يبعث على الجمود

في هذه المقالة ليست غايتنا المقارنة بين الكاتبين بحكم اختلاف الأزمنة والسياقات، وإن جاءت عرَضا، وإنما الاكتفاء بتحليل كلا المفكرين لأسباب تأخر العرب، واقتراحهما للخطوط العريضة للتجاوز. ونفترض أن كليهما محكوم بجدل واقعي متماثل في العمق كما سنبين. والغاية في الأخير، بيان أن سؤال النهضة لحقهُ تطور في الدرجة وليس في الطبيعة، في الصياغة والعبارة وليس في الصبغة والفكرة.

أرسلان وأسباب تأخر المسلمين:

الحقيقة أن سؤال أرسلان لم يكن من صياغته أو من طرحه أصلا، على عكس ما جرت به الأقلام، وإنما كان مبادرة من الشيخ محمد البسيوني عمران الذي يقيم جنوب شرق آسيا عبر الشيخ رشيد رضا، يقول الشيخ عمران : "أرجو من مولاي الأستاذ صاحب المنار أن يطلب من هذا الأمير الكاتب الكبير أن يتفضل عليّ بالجواب عن أسئلتي الآتية، وهي:

1) ما أسباب ما صار إليه المسلمون، (ولا سيما نحن مسلمي جاوة وملايو) من الضعف والانحطاط في الأمور الدنيوية والدينية معا، وصرنا أذلاء لا حول لنا ولا قوة...إلخ؟.

2) ما الأسباب التي ارتقى بها الأوربيون والأمريكانيون واليابانيون ارتقاء هائلا؟ وهل يمكن أن يصير المسلمون أمثالهم في هذا الارتقاء، إذا اتبعوهم في أسبابه مع المحافظة على دينهم "الإسلام" أم لا؟" [لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ شكيب أرسلان، الأطلسية للنشر، ص 19]

 انتقل أرسلان الذي كان يعيش حينئذ في أوروبا إلى المقابلة بين حالي المسلمين والإفرنج

عندما سأل أرسلان سؤاله ذاك سنة 1930، كان العالم العربي الإسلامي في لحظة الاستعمار، وكل شيء في العالم العربي يبعث على الجمود، سوى بقعة مضيئة تقع بعيدا في التاريخ في زمن نزول الوحي. لذلك، لم يتردد أرسلان بافتتاح الجواب عن السؤال بذكر أسباب ارتقاء المسلمين في الماضي، يقول : " إن أسباب الارتقاء كانت عائدة في مجملها إلى الديانة الإسلامية التي كانت قد ظهرت جديدا في الجزيرة العربية، فدان بها قبائل العرب وتحولوا بهدايتها من الفُرقة إلى الوحدة، ومن الجاهلية إلى المدنية، ومن القسوة إلى الرحمة، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الواحد الأحد، تبدلوا بأرواحهم الأولى أرواحا جديدة، صيرتهم إلى ما صاروا إليه من عز ومنعة، ومجد وعرفان وثروة، وفتحوا نصف كرة الأرض في نصف قرن (...). فالقرآن قد أنشأ إذن، العرب نشأة مستأنفة وخلقهم خلقا جديدا، وأخرجهم من جزيرتهم والسيف في إحدى اليدين والكتاب في الأخرى يفتحون ويسودون، ويتمكنون في الأرض بطولها وعرضها"[لماذا تأخر المسلمون..، أرسلان ص 23]. بعد هذا التأكيد يخلص أرسلان إلى فقدان المسلمين للسبب الذي ساد به سلفهم، يقول:" إذا فحصنا عن ذلك، وجدنا أن السبب الذي به استقام هذا الأمر قد أصبح مفقودا بلا نزاع، وإن كان بقي منه شيء، فهو كباقي الوشم في ظاهر اليد (...) فأين حالة المسلمين اليوم من هذا الوصف الذي في كتاب الله؟ (يقصد قوله تعالى: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله...الآية).وأين حالتهم من سلفهم الذين كانوا يتهافتون على الموت الأحمر لإحراز الشهادةوكثيرا ما كانوا ينشدون الموت ولا يجدونه؟" [لماذا تأخر المسلمون..، أرسلان، ص 26].

لقد كان بريق النموذج الأوربي يعمي الأبصار، وسيطرتهم العسكرية على العالم الإسلامي قائمة، ولذلك انتقل أرسلان الذي كان يعيش حينئذ في أوروبا إلى المقابلة بين حاليالمسلمين والإفرنج، " اليوم فقد المسلمون أو أكثرهم هذه الحماسة التي كانت عند آبائهم، وإنما تخلق بها أعداء الإسلام الذين لم يوصهم كتابهم بها، فتجد أجنادهم تتوارد على حياض المنايا سباقا، وتتلقى الأسنة والحراب عناقا، ولقد كان مبلغ مفاداتهم بالنفائس وتضحيتهم للنفوس في الحرب العامة فوق تصور عقول البشر، كما يعلم ذلك كل أحد؛ فالألمان فقدوا نحو مليوني قتيل، والفرنسيون فقدوا مليونا وأربعمائة ألف قتيل...إلخ وإنكلترا بذلت سبعة مليارات من الذهب، وفرنسا بذلت نحو مليارين...إلخ" [لماذا تأخر المسلمون..، أرسلان ص 26].

  يعد السؤال، مهما كان تقييمه للوضع واقتراحاته للحل، بصيغته الاستفهامية الغائية تلك، وعيا متفاعلا مع الواقع ومستجيبا لضغوطاته لم يقابَل بالإنكار والتجاهل.

لم تكن هذه المقدمات الثلاث عند أرسلان إلا تمهيدا لتعداد أسباب تأخر المسلمين، ويجملها في ستة، أولها: الجهل، وثانيها: العلم الناقص، وثالثها: فساد الأخلاق،ورابعها: الجبن والهلع، وخامسها: الجمود على القديم، وسادسها: فقدهم كل الثقة في أنفسهم. ويختم في خلاصة الجواب أن "الواجب على المسلمين- لينهضوا ويتقدمواويتعرجوا في مصاعد المجد ويترقوا كما ترقى غيرهم من الأمم- هو الجهاد بالمال والنفس الذي أمر به الله في قرآنه مرارا عديدة، وهو ما يسمونه اليوم بـ"التضحية". فلن يتم للمسلمين ولا لأمة من الأمم نجاح ولا رقي إلا بالتضحية، وربما كان الشيخ محمد بسيوني عمران أو غيره من السائلين عن رأينا في هذا الموضوع، قد ظن أنّي سأجيبه أن مفتاح الرقي هو قراءة نظريات (اينشتاين) في النسبية مثلا، أو درس أشعة (رونتجين) أو ميكروبات (باستور)...إلخ. والحقيقة أن هذه الأمور، إنما هي فروع لا أصول، وأنها نتائج لا مقدمات، وإن (التضحية) أو الجهاد بالمال والنفس هو العلم الأعلى الذي يهتف بالعلوم كلّها(...)؛ فالمسلمون يمكنهم إذا أرادوا بعث العزائم وعملوا بما حرضهم عليه كتابهم أن يبلغوا مبالغ الأوروبيين والأمريكيينواليابانيين من العلم والارتقاء، وأن يبقوا على إسلامهم كما بقي أولئك على أديانهم...إلخ" [لماذا تأخر المسلمون..، أرسلان ص 123].

في المحصلة، لا ينبغي أن نقرأ اعتراف أرسلان بـ"التأخر" في تلك المرحلة كأنه أمر سهل، ومن بادئ الرأي، أو بالأحرى تصديقه لسؤال الشيخ عمران، إذ إن الاعتراف في حد ذاته مسألة معقدة في آلياتها النفسية والتواصلية والحضارية. فضلا عن أنه اعتراف مزدوج، تأخر الذات(تأخر المسلمين) وتقدم الآخر( تقدم غيرهم). على هذا الأساس، يعد السؤال، مهما كان تقييمه للوضع واقتراحاته للحل، بصيغته الاستفهامية الغائية تلك، وعيا متفاعلا مع الواقع ومستجيبا لضغوطاته لم يقابَل بالإنكار والتجاهل.

صفوان وبُنى الاستبداد:

قبل أزيد من عشرين سنة اكتشف مصطفى صفوان، الفيلسوف اللغوي الذي يجمع بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية اليونانية والمعاصرة، وأحد أكبر مرجعيات التحليل النفسي من المدرسة اللاكانية المقيم منذ أكثر من ستين عاما في باريس، كتاب إيتيان دي لابويسيه "مقال في العبودية المختارة"، وقام بترجمته إلى العربية، تمثلت فكرة المقال في محاولة فهم كيف يمكن لرجل واحد، وهو العاهل أو السلطان، أن يخضع للعبودية ملايين الناس، يقول صفوان: "وبالطبع كان لهذه المقالة تأثير بالغ عليّ".

 إن الواحد المستبد بالحكم لا يلبث أن ينزل في النفوس منزلة الراعي للرعية، أو منزلة الأب للأبناء



يبدو، دون شك أن سؤال " لماذا العرب ليسوا أحرارا؟" ترجمة عربية لسؤال دي لابويسيه، تستحضر حالة الركود العربي المقيم منذ مطلع القرن العشرين، ثم احتدّ بعد هزيمة 1967. والسؤال في الآن نفسه تفريع من التفريعات الممكنة لاستفهام أرسلان، وتقديم لإجابة ضمنية، وكأن صفوان يقول :" تأخر العرب، لأنهم ليسوا أحرارا، وتقدم غيرهم، لأنهم أحرار". لذلك، لم يغب قط على طول متن الكتاب النموذج الغربي في تاريخه منذ اليونان وحتى عصر النهضة، ومساره في الخروج من الاستبداد إلى الحرية.

يرجع صفوان مكمن بنى الاستبداد التي تجثم على الواقع العربي إلى عاملين رئيسين:

أولا : الثقافة السياسية المؤمنة بـ" الحاكم المطلق"؛ يعرض ذلك صفوان من خلال أسلوب الحكم الذي ارتضته غالبية المجتمعات الإنسانية المنظمة في دول، يتمثل هذا الأسلوب في فرض الوحدة من خلال إيكال السيادة ليس إلى نص أو دستور، بل في المقام الأول إلى شخص. تتعدد صور هذه الحالة، ويمكن العثور عليها في كل الدول: الرأس- أي الأب والراعي- والرعايا الذين يمثلون بالتالي الأقدام، الأبناء، النساء، والخراف. تتنوع الأسماء : ملك، إمبراطور، فرعون، خليفة، أمير، رئيس، أمين عام، وهكذا دواليك، إلا أن الدلالة تظل واحدة، وهي "الدكتاتور" الذي يتحكم في كل شيء، والذي لا يتحكم فيه شيء. يمكن وصف هذا الشكل من الحكومة بالتيوقراطية (الحكم الإلهي)، لأن ضبط الدكتاتور متروك ببساطة إلى الإله...أو إلى التاريخ" [لماذا العرب ليسوا أحرارا؟ مصطفى صفوان، الطبعة الأولى، دار الساقي، بيروت، 2012، ص 102]. تتجذر هذه الفكرة في " تشبيه الوحدة بالجسم الإنساني الذي رأسه في السماء (وما السماء عند المؤمن غير الكتاب السماوي)، وقدماه على الأرض( متمثلة في الفلاحين). وفضلا عن ذلك، وحتى لو توافر قدر من الحرية العقلية الذاتية في ظل إعطاء سلطة مطلقة لكيان متعال نكون جميعا متساوين أمامه، فإن هذا القدر من الحرية العقلية سينتهي- والحال هذه- إلى عبودية حقيقية تتمثل في أسلوب حكم يخضع الجميع فيه للسلطان الحاكم، الذي تختصر معايير شرعيته وحدود سلطاته في سرد بعض خصائص مثالية من قبيل الحكمة و الفضيلة، والالتزام بالشورى،وهلم جرا، ومن دون إقامة أي نظام للرقابة و المحاسبة"[لماذا العرب ليسوا أحرارا؟ صفوان، ص 53]. إن هذه " العقيدة السياسية التي عاش عليها شعبنا آلاف السنين، والتي تجعل الغالبية العظمى من المواطنين مقيمة على طلب الواحد الذي يحكم بما أتى به القرآن، من دون أن يساورهم أقل وعي بأن هذا الحكم لن يكون أبدا إلا حُكما بالتفسير الذي تراه مصلحة السلطان(...) إن الواحد المستبد بالحكم لا يلبث أن ينزل في النفوس منزلة الراعي للرعية، أو منزلة الأب للأبناء الذين يرون فيه كل ما يتخيلونه من المعاني التي لا تتحقق إلا بها الأبوة الكاملة، وأولها معنى الذكورة المطلقة التي لا يدخلها وهن أو نقصان"[لماذا العرب ليسوا أحرارا؟ صفوان، ص 118].

  الكتابة تغدو رقابة كثيفة وغير معلنة، تلغي كل فكر لدى الرعايا

ثانيا : اللغة والكتابة، وهي متفرعة عن العامل الأول؛ فمن خلال سياسة "إقصاء اللغة الأم من المدارس، كان يحق فقط للغة تستمد وجاهتها من كونها لغة ميتة أو أجنبية أن تدرس. وهكذا ينشأ الشباب على حب هذه "اللغة النحوية" كما يسميها دانتي، وإذا تسنى لهم الكتابة، فإن أقلامهم تصبح السجن الذي يفصلهم عن مواطنيهم بقدر ما يفصلهم عن الموارد الغنية للغة الأم. وبعبارات أخرى، كما أن الفساد في ظل نظام الملك لا يمثل فعلا محظورا باعتباره فسادا، بل هو من الخصائص الطبيعية للنظام، وكما أن القمع يمثل بعدا أصيلا من ذات النظام كذلك، فإن الكتابة تغدو رقابة كثيفة وغير معلنة، تلغي كل فكر لدى الرعايا. يشيع التفكير والقول بأن العربية هي اللغة الوحيدة ذاتها، إلا أن المسافة ما بين العربية الفصحى والعربية المصرية، وما بين عربية دول الخليج وشمال إفريقيا هي المسافة ذاتها ما بين اللاتينية واللغات الرومانية- الإيطالية والإسبانية والفرنسية. فشل الاعتراف بهذه الفوارق، أو بالأحرى رفض هذا الاعتراف يساوي رفض السماح للأميين بكلام ملآن حول مستقبلهم (...) ولو طلب الآن إلى أي مستبد حالي، سواء كان ملكا، أو رئيسا، أو خليفة أو شيخا، نشر تعديلات الدستور الأمريكي، فلن تكون أية صعوبة في الحصول على موافقته (...) هو يعرف أن رعاياه لا يؤمنون بأي شيء من كل ذلك، وأنهم إن آمنوا به، فإن كلمات هذا التنقيح ستبقى عديمة الأثر، إذ ستراودهم الدهشة:"أي نوع من الرؤساء هذا الذي يقبل أن يكون موضع مساءلة ومحاكمة من قبل رعاياه". إلا أن أي طلب إلى هذا الحاكم لترويج دراسة اللغة الأم في مدارسه(...) سوف يرفض بنحو قاطع. كذلك، فإن القسم الأكبر من النخبة سيشاطره هذا الرفض، وكذلك الشعب على الأغلب، انطلاقا من الرضوخ لهذا الطابع المقدس. سوف يرفض المستبد هذا الأمر، لأنه سيشعر، حتى ولو لم يعرف ذلك بوضوح، أن قبول هذا الطلب، سوف يفتح الباب لاكتشاف قد يهدد سطوته، وهو اكتشاف يمكن أن يحول المعرفة التي لدى الشعب عن حريته المفقودة وعن رضوخه، إلى حقيقة موضوعية ماثلة أمام عينيه، تحرضه على الفعل بدلا من الاكتفاء بالتنكيت المضحك" [لماذا العرب ليسوا أحرارا، صفوان ص 36].

بُنى الاستبداد، إذن، عند صفوان تتأسس على أسيْ الثقافة السياسية واللغة والكتابة، وبينهما علاقة جدلية، فلا" يمكن للدولة/السلطة أن تترك النصوص خارج سيطرتها، إذ إن السيطرة على النصوص هي في الآن عينه السيطرة على النفوس، ذلك أن السيطرة على النصوص هي في الوقت نفسه سيطرة من خلال النصوص. وهكذا نستوعب تنوع الوسائل التي تلجأ إليها دولة ما كي تحافظ على هيمنتها: فهي لا تملك فقط حق الإجازة والرقابة، والمصادرة، والحرق، والعقوبات حين ترغبوتريد، بل هي تحارب كل تأويل للنصوص مخالف لتأويلها، سواء أكانت منزلة أم غير منزلة، وذلك من خلال تحريك معارضة علماء الدين التابعين لها، ومن خلال إفساد الصحافة والكُتاب بقدر المستطاع" [لماذا العرب ليسوا أحرارا، صفوان ص 106].

  بُنى الاستبداد عند صفوان، تتأسس على أسّيْ الثقافة السياسية واللغة والكتابة، وبينهما علاقة جدلية

انطلاقا من هذا التشخيص، يتوقع صفوان أن العرب في المستقبل المنظور غير مرشحين للتحرر، رغم أن الثورات العربية قدمت بصيص أمل على الدرب. فـ"العمل على إدخال ثقافة سياسية جديدة في نفوس مواطنينا لن يكون بالأمر الهيّن"، مع ذلك، فالأمل يظل معقودا على طبقة الشباب التي قادت الثورت العربية و"أول واجبات هذه الطبقة الجديدة هو نشر الوعي بأن القول بكون الإسلام دينا ودنيا لن يخرج أبدا عن أن يكون استغلالا للدنيا باسم الدين، ومنه كان الكفر بهما معا"، وهذا الواجب ـ حسب صفوان دائما ـ يقتضي جهدا على مستوى التعليم وسياساته. [لماذا العرب ليسوا أحرارا؟ صفوان ص 118]

إجمالا:

سبق أن أشرنا في المقدمة أن كلا من أرسلان وصفوان محكومان بجدل واقع متماثل في العمق؛ وعليه يمكن رد وعي أرسلان الذي انطلق منه سنة 1930 إلى جدل الاستعمار والمقاومة، ومن خلال هذا الجدلتناول مسألة التأخر؛ فالمخرج إذن، بالتضحية والجهاد والبذل. وعي صفوان، هو الآخر، تحكم فيه جدل من معطيات أخرى لا تختلف في العمق عن وعي أرسلان، وهو جدل الاستبدادوالثورة، بحساباتهما بديلين معادلين في الأثر والوظيفة؛ ففي إطار الدولة العربية الحديثة، حلّ الاستبداد محل الاستعمار من ناحية أولى، يقول صفوان عن مصر سنة 2012: لقد "صار الحكم العسكري المستحوذ على البلد أشبه باستعمار محلي تزيد مساوئه فداحة على الاستعمار الأجنبي". [لماذا العرب ليسوا أحرارا؟ صفوان، ص 117]. ومن ناحية أخرى، حلّت الثورة محل المقاومة بفضل" طبقة جديدة من الشبان والشابات ممن مكّنتهم وسائل الثورة الإلكترونية المعاصرة من تفجير النظام تفجيرا، لم تكن تستطيعه طبقة العمال". [لماذا العرب ليسوا أحرارا؟ صفوان، ص 117].

هكذا تجددت المقاومة ثورة في مواجهة الاستبداد الذي ورث الاستعمار، وهو ما يفسر أن سؤال النهوض العربي لم يطرأ عليه تغيير في الطبيعة؛ فالأمر لا يتعدى تبدّل فاعلينَ لأداء الأدوار نفسها على الرُكح نفسها.