تجديد الفكر الإسلامي المعاصر في إندونيسيا


فئة :  مقالات

تجديد الفكر الإسلامي المعاصر في إندونيسيا

تجديد الفكر الإسلامي المعاصر في إندونيسيا

بالاعتماد على نور خالص مجيد[1]

المنصف بن عبد الجليل[2]

حدود المسألة:

لعلّ أهمّ ما يظهر من الكتاب الجماعي، الذي أشرف على نشره الباحث الهولندي مارتن فان برونسن (التطوّرات المعاصرة في الإسلام الإندونيسي)[3] سنة (2013)، أربعة آراء جديرة بالمناقشة:

يتمثّل الرأي الأوّل في أنّ الإسلام الإندونيسي ظاهرة تتجاوز الحدّ الدينيّ الصرف، لتمازج الشأن السياسي، والحزبي، والحركي، والمعرفي، والثقافي، فضلاً عن التنظّيم الاجتماعي، والتشكّل الاقتصادي. والحاصل من هذا، أنّ الإسلام في إندونيسيا معنيّ بكلّ التقلّبات التي يشهدها المجتمع، إلى حدّ أنّه لا تثبّته المقالات مهما كانت وجاهتها، حتّى تأتي تأويلات أخرى سدّاً للحاجة، وبلوغاً للأرب السياسي وغيره.

ويهمّ الرأي الثاني كثرة الجمعيّات، والمؤسّسات، والأحزاب، والحركات، والمنظّمات، والهيئات، والمدارس التي تدّعي تمثيل الإسلام. وقد عدّ ناشر الكتاب (123) مؤسّسةً تشتمل على كلّ الأنشطة التي ذكرنا، بما فيها النشاط الطبّي. ويدلّ مثل هذا العدد على تفرّع الظاهرة الإسلاميّة في شرايين المجتمع، واحتلالها ضمن النقاش الدائر موضعاً حيويّاً ومهمّاً، وهو ما ينزّلها حتماً ضمن مسار تاريخيّ يصنعه المجتمع الإندونيسي بما يحقّق توازنه، وحسن انتظامه.

ويعني الرأي الثالث تأثّر الظاهرة الإسلاميّة في إندونيسيا بعلاقاتها مع المراكز النشيطة في العالم، ولاسيما منها مراكز الوهّابيّة في شبه الجزيرة العربيّة؛ كما يشير الرأي الثالث في الكتاب إلى العوامل العرقيّة التي تطبع الفكر الإسلامي الإندونيسي، في اتّجاه منه، بالطابع الأصولي المحصّن لمثل الجسم العربيّ هناك من الاندثار وفقدان السيادة، وهو ما يظهر في مثل سولو من جزيرة جاوة. وكذلك الشأن في أتشيه (Aceh)، وجنوب سولواسي (South Sulawesi)، حيث تطبّق الشريعة فعلاً، ولا يلتفت إلى القوانين النافذة في بقيّة الجزر الإندونيسيّة.

أمّا الجانب الرابع، فيتعلّق بمقالة مركزيّة في الكتاب، ومضمونها، من خلال استقراء ميدانيّ ودراسة للأدبيّات الفكريّة الصادرة عن المثقّفين والمفكّرين والعلماء على حدّ سواء، أنّ الرؤية الإسلاميّة في الأفق الإندونيسي تنزع نحو المحافظة والأصوليّة، كما يظهر في تزايد عدد المؤيّدين لتطبيق الشريعة، والفتاوى في منع التعدّديّة، وحريّة الأقلّيات، وما إلى ذلك من الشؤون الحيويّة في تشكّل الحياة المدنيّة. ويرمي الكتاب إلى تفسير ذلك النزوع من الواقع الإندونيسي ذاته.

إنّ هذه الجوانب الأربعة، التي وصفها الكتاب، تجلي، من زاوية أخرى، زاوية الفكر التجديدي في إندونيسيا، جهد كوكبة من المفكّرين الذين انكبّوا على دراسة التاريخ الإسلامي، وتأوّلوا القرآن والحديث، وقلّبوا الفقه والمدوّنات الأصوليّة، ونظروا في العقائد، والتصوّف، والفلسفة بما أغنى طرق النظر عندهم، وقاسوا ذلك المتن الواسع بما علموه من فلسفة الحداثة، وتاريخها في آفاقها الأصليّة؛ وأنشأوا مقالات في الحداثة والإسلام بما يناسب روح المجتمع الإندونيسي وثقافته. وكان نور خالص مجيد (1939-2005) من أبرز أولئك المجدّدين، بل أسّس، بعد انتشار أفكاره واكتسابه وجاهة علميّة وفكريّة، جامعة برامدينة (Paramadina)، التي تُعَدّ اليوم من أهمّ المؤسّسات التعليميّة، التي تُعنَى بتحديث الفكر الديني والمساهمة في تنمية القيم المدنيّة من أجل مجتمع إندونيسيّ تعدّدي وحداثي.

نهتمّ، في هذا البحث الوجيز، بمقالة نور خالص مجيد في الحداثة وتوابعها في تأويل النصّ القرآني والتاريخ الإسلامي. وغايتنا أن نرسم مدخلاً إلى اتّجاه ما يسمّى في الأفق الإندونيسي «الإسلام الليبيرالي» (Liberal Islam)، الذي أسّسه نور خالص مجيد نفسه، ويخلفه في إشاعته اليوم لطفي الشوكاني (Luthfi Assyaukanie)، وأولي الأبشار عبد الله (Ulil Abshar Abdalla)، اللذان أسّسا ما يسمّى اليوم اصطلاحاً «شبكة الإسلام الليبرالي» (Jarigan Islam Liberal, JIL). ويُعدّ الإسلام الليبرالي من أهمّ المساهمات في تجديد الفكر الإسلامي المعاصر في إندونيسيا، بل يرى فيه البعض، مثل آن كول (Ann Kull)، الأستاذة في جامعة لوند السويديّة، تأويلاً جديداً للتاريخ الإسلامي (والقرآن) في الأفق الإندونيسي. ويسعى استقراؤنا فكر نور خالص مجيد إلى لفت النظر إلى ثلاثة مكوّنات دقيقة لا يفهم ذاك الفكر إلا بها؛ يتمثّل المكوّن الأوّل في أنّ سيرة الرجل العلميّة قد طبعتها شخصيّة فضل الرحمن ورؤيته، بعد أن استقرّ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وبرهن ذلك الانطباع على تقيّد مقالة نور خالص مجيد في الحداثة بالحدود التي سيّجت مقالة فضل الرحمن نفسه. ويدور المكوّن الثاني على محدوديّة مقالة نور خالص مجيد في الحداثة؛ لأنّه نحا فيها منحى توفيقيّاً من أجل أن يعالج قضايا مجتمعه بما لا يراجع المسلّمات الدينيّة. والحاصل، في نظرنا، أنّ مقالة نور خالص مجيد حملت في ذاتها بذرة تهافتها، ويُعدّ ذلك سبباً من أسباب انتكاس الجهد التحديثي، وعودة الأصوليّة الدينيّة إلى شدّتها. ونعني بالمكوّن الثالث أنّ نور خالص مجيد قد صاغ مثالاً آخر للمسألة التأويليّة لا تتمثّل طرافته في بناء نظريّة تأويليّة جديدة، بل تتّضح جدّته المثيرة في نوع التطبيقات الفقهيّة والتشريعيّة، بما يضمن استمرار التعدّديّة الدينيّة والإثنيّة والثقافيّة في إندونيسيا، ويرسّخ البعد الإنساني والكوني في القيم الإسلاميّة، وهو ما يحوّل مقالة الحداثة على لسانه وتطبيقاتها ذات أفق تمجيدي وحجاجي.

في أوائل الأفكار: نور خالص مجيد واستبطان البانشسيلا

يشير مَن ترجم لنور خالص مجيد إلى علاقة الرجل بآدم مالك (1917-1984) النائب الثالث للرئيس سوهارتو. ويبدو أنّ نور خالص مجيد قد اقتفى أثر مالك في اعتباره البانشسيلا وصحيفة المدينة التي أنشأها النبي في المدينة وثيقتين متماثلتين في الروح. وارتأى مالك أنّ الصحيفة تسمح بالمساكنة الآمنة والسلميّة بين المسلمين وغيرهم من أهل الديانات الأخرى. وكذا ظنّت البانشسيلا ذات المبادئ الخمسة، وهي: (1) الإيمان بإله واحد؛ (2) إنسانيّة عادلة ومتحضّرة؛ (3) وحدة إندونيسيا؛ (4) نظام ديمقراطي بالحكمة التي تضمنها الشورى والتمثيل؛ (5) العدالة الاجتماعيّة لكلّ الشعب الإندونيسي. ويبدو أنّ نور خالص مجيد قد بقي وفياً لهذه النظرة إلى حين تأسيسه جامعة برامدينة (Paramadina) وترجمتها من أجل مجتمع كمجتمع المدينة، ظنّاً أنّ مجتمع المدينة مكفولة حريّته الدينيّة، ومضمونة تعدّديّته؛ ومحميّة حقوقه على أساس المساواة في الحقوق الإنسانيّة والواجبات اللازمة. ويبدو أنّ نور خالص مجيد قد ذهب مذهبين في تأوّل المسألة الدينيّة في الصحيفة والتاريخ البالغ زمن الحاضر: أوّلهما أنّ الأديان الإبراهيميّة تنهل من مشكاة واحدة، وأنّ بينها جوانب متماثلة وأخرى مختلفة، استجابة لعصورها، وأوضاع مجتمعاتها؛ مثلما أنّ بينها استمراراً؛ والثاني أنّ الإيمان بإله واحد لا يعني حتماً إله المسلمين. ومن ثمّ قال نور خالص مجيد بالتعدّد في شأن الألوهيّة، تماماً كما قال بالتعدّد في الفكر والسياسة والمجتمع. ولكن ماذا عن البوذيّة والهندوسيّة وأتباع الديانات الصينيّة؟ يرى مجيد أنّ لها ما يمكن اعتباره شبهة كتاب (هكذا) وفيه عقائد أساسيّة عن وحدانيّة الإله. كما يقرّ أنّ أصحاب هذه الديانات قد حادوا عن التوحيد الصحيح، كما حاد اليهود والنصارى بتغييرهم ما بأيديهم من الكتب، أخذاً بما جاء في القرآن من أمر التحريف؛ ولكنّ الحاصل، في نظر نور خالص مجيد، أن نتوخّى نظرة احتوائيّة (Inclusive) لا إقصائيّة، لأنّه لا يوجد فرق جوهريّ بين رسالات الديانات الكبرى في العالم[4].

ولئن كنّا لا نعترض مبدئيّاً على النظرة الاحتوائيّة إلى الأديان، فإنّنا لا نقبل ذلك دون تأسيس لما يشرّع لتلك النظرة أصلاً. ومعناه أنّه لا تُقبل تلك النظرة إذا اشترطنا في صحّة العقائد ما يقوله القرآن؛ عندها سيكون التفكير لاهوتيّاً إيمانيّاً، وفي ذلك ضيم يدخل على العقائد المخالفة؛ بل يوجد من العقائد والأديان القديمة ما لا إيمان فيه بإله واحد؛ فكيف السبيل إلى مساكنة هؤلاء واعتبارهم من الأمّة الإنسانيّة المكفولة حقوقها بالشروط الإنسانيّة قبل غيرها؟ لا يبدو الرأي عند نور خالص مجيد مبنيّاً على أساس متين. أمّا تأويله البانشسيلا إحياء لصحيفة المدينة أو الدستور الذي وضعة النبيّ فور هجرته إلى المدينة، ففيه اختزال تاريخيّ وثقافيّ واجتماعيّ لا يسمح البتّة باعتماد مبدأ التعدّد الدينيّ مطلقاً دون قيود ناظمة. ولو كان الأمر على ما ارتأى نور خالص مجيد ما كان للنبيّ أن يحمل مخالفيه على الهجرة عن المدينة. إنّ هذه الأفكار الأولى، التي أعلنها نور خالص مجيد، ستجد صدى في محيط مثل إندونيسيا، وستلقى معارضة شديدة من العلماء السلفيين هنالك. ولكنّ حاجة المجتمع إلى مبدأ التعدّد الديني والعرقي والسياسي، ثقافةً تيسّر وحدة الشعب بتنوّعه وتعدّد رؤاه، ستمهّد الطريق لتلك الأفكار. ويبدو أنّ المحاضرة، التي ألقاها في الثاني من شهر كانون الثاني/ يناير سنة (1970) في جاكرتا، بمناسبة عيد الفطر، وأطلق فيها عبارته المشهورة: «نعم للإسلام، لا للأحزاب الإسلاميّة»، قد رشّحت الرجل ليكون أحد التحديثيين الجدد (Neo-modernist) كما وصفه أحد الباحثين المعاصرين[5] أخذاً برأي فضل الرحمن الباكستاني في «التحديثيين الجدد» من المسلمين؛ وفضل الرحمن كان هو نفسه أستاذ نور خالص مجيد عند التحاقه بجامعة شيكاغو للدراسة والبحث. كان على نور خالص مجيد أن يعاين مجتمعه متعدّد الأديان، وكان عليه أن يعتبر الإسلام العربيّ الذي وفد عن طريق التجارة إلى إندونيسيا، واستقرّت جماعات منه بمواطن داخليّة كان فيها أديان وضعيّة، وعقائد مسيحيّة، فضلاً عن البوذيّة وأديان صينيّة؛ وكان على هذه الأديان أن تقبل بعضها بعضاً، دون تناحر. وكذا التوابع في المناكح، والمواريث، وتنظيم العمل، والتدبير السياسي، والتنظيم الاجتماعي، والتفكير أصلاً. ولو كان كلّ ذلك يتمّ بالدين، ويُساس بالشرع، لاختلّ ما به وحدة الشعب الإندونيسي وصلابة لحمته. لذلك كان تأويل نور خالص مجيد مسألة الصحيفة، ووحدة الألوهيّة، واختلاف الرسل مناسبة للأزمان، سبيلاً إلى ترتيب ما بين الفكر الديني ومقتضيات التطوّر الاجتماعي والنهضة الفكريّة. وهنا بالذات ستطرح إشكاليّة الحداثة في رؤية نور خالص مجيد. ولكن في كلّ ما أبنّا حمل فكر نور خالص مجيد بذرتين لا تستقيم بهما الحداثة فلسفةً وجوديّةً يتحوّل فيها الدين من عقيدة ملزمة وحقيقة مطلقة وكينونة فوق التاريخ إلى ظاهرة لا تفهم خارج المقام والسياق والصيرورة. تتمثّل بذرتا التهافت في المنزع القياسي التبريري كقياس البانشسيلا على دستور المدينة، أو ما يسمّى الصحيفة، من ناحية؛ واعتبار العقائد الدينيّة كلّها أمراً واحداً، يجمعها أمر التوحيد. ومثل هذا التنميط أبعد ما يكون عن فهم الظواهر الدينيّة المنسجمة بخصوصياتها داخل الأنظمة الاجتماعيّة والثقافيّة، فضلاً عن الرؤى الفكريّة والقيم الأخلاقيّة. ونرى أنّ اعتبار الأديان أمراً واحداً يرجّح مرجعيّة الإيمان على مرجعيّة اللاإيمان، وفي ذلك حرج مركّب: يتمثّل الأول في القول في كلّ دين ما لا يقوله أصحابه؛ ويتّصل الثاني بالتمييز بين الناس على أساس ديني وتفضيل المتديّن على من ليس متدّيّناً، وفي ذلك سبب انزياح المواطنة عن مواضعها.

مقالة نور خالص مجيد في الحداثة:

تتنزّل مقالة نور خالص مجيد في الحداثة في سياق فكريّ دقيق هو النظر في مواقف المسلمين من الرهانات التي تطرحها فلسفة الحداثة، وهي ظاهرة -وإن نشأت في سياق تاريخي أوربيّ أُجمِل في ما اصطلح عليه بعصر الأنوار- فتحت عصراً جديداً غيّر حياة الناس وتفكيرهم وروابط الاتصال بينهم تماماً كما وسّع المعرفة، وبنى أصولها على غير ما درج في السنن المعلومة والنظريّات المستقرّة، وشمل ذلك كلّه الدين أو الظاهرة الدينيّة، وأضحى المعلوم بالضرورة غير بديهيّ، ولا ممّا تقبله العقول. ويُعدّ رأي نور خالص مجيد أحد تلك المواقف التي أبداها المسلمون من الحداثة ورهاناتها.

وقبل أن يحدّد نور خالص مجيد مفهوم الحداثة، يركّز على التحديث بصفته إجراء عمليّاً يشتمل على مقوّمات الاجتماع، ويرمي إلى تنمية الموارد، وتجويد الحياة، وتحقيق الرخاء، والحدّ من الآفات. ولئن أشار كثيراً إلى التحديث التقني والتكنولوجي خاصّةً، فإنّه سرعان ما نبّه إلى ما ينجرّ عن التحديث من تغيّر بنيوي في رؤى الناس، وطرق تفكيرهم، ونظرتهم إلى القيم التي كانوا يحتكمون إليها. ولا شكّ في أنّ الشأن الديني ليس بمنأى عن هذا كلّه. وقد رأى من الوجاهة أن يصل بين التحديث والعقلانيّة، من ناحية، وبينه وبين العلمانيّة (Secularization)، من ناحية ثانية، وبين التحديث والانتصار للرؤية الغربية (Westernization)، من ناحية ثالثة. ومجمل الرأي عنده أنّ التحديث لا يحمل حتماً دلالة غربيّة، وليس هو، من ثمّ، شكلاً آخر من أشكال الاستعمار، ولا استنباتاً لنظام حياة غربيّ[6]؛ وليس هو بالحافز على العلمانيّة باعتبارها إلغاء للدين وأثره في المجتمع؛ ولا التحديث بملغٍ قيم الإسلام التي نادى بها؛ والتحديث يتوسّل حتماً بالمنزع العقلاني، وهو نظرة في ما تعالج به الحقيقة وتثبت إلى حين اندراسها بما يقوم مقامها، ويعتاض به عنها لتبدّل الفهم، وتغيّر المنطلقات. والعقلانيّة تنكر التفكير الغيبي الذي يرسّخه الدين، ويردّ كلّ اتّجاه إلى قبول الأساطير التي يضعّفها العقل، وتكذّبها مقدّماته[7]. وهنا، يقف التحديث والدين وجهاً لوجه باعتبارهما متنازعين في ما تثبت به الحقيقة، وشروط دوامها فضلاً عن إطلاقها. والحلّ هو تحديث الفكر الديني، وتأويل النصوص التي يستند إليها، ومنها، فيما ما يخصّ المسلمين عموماً، والإندونيسيين خصوصاً، النصّ القرآني، وما يتبعه من تاريخ المسلمين. ومعنى هذا أنّ نور خالص مجيد يَعدّ التحديث ومرجعه النظريّ أمراً لازماً لا فكاك للمسلمين منه، وهو لهذا لم يذهب مذهب العلماء في إنكار العلوم الجديدة، ولا الالتحاق بالمدارس الأجنبيّة، ولا ارتداء الملابس الغربيّة؛ لأنّ مثل هذا الاحتماء من النافذ متهافت أصلاً ومرتدّ بصاحبه إلى موات.

يستخلص نور خالص مجيد حقيقتين في نظره: أولاهما أنّ الحداثة ظاهرة كونيّة وشاملة لا تترك شاردة ولا واردة من حياة الناس، ولا بدّ، من ثَمّ، من قبولها والمساهمة فيها؛ والثانية أنّ الحداثة الإسلاميّة (Islamic Modernity) أمر ممكن، وهو الرهان الذي على المسلمين اليوم أن يواجهوه بأن يتوخّوا فهماً عقلانيّاً للظواهر، وأن يقبلوا مرّة أخرى أن العلمانيّة الحيّة ليست إعلاناً لزوال الإيمان، وبطلان الدين، لأنّ الحركات الدينيّة تكاثرت حيث الإقبال على التحديث، وإنّما الأرجح أن تفهم العلمانيّة على أنّها تحوّل الظاهرة الدينيّة في المجتمعات الحديثة، من حيث الأدوار والوظائف والدلالة.

تقتضي الحقيقة الأولى (كونيّة الحداثة) أن نشير إلى تباين الرؤية الدينيّة والرؤية الحداثيّة، ولعلّ أهمّ ما يبين ذلك التنافر مرجع الحقيقة في المنظورين، وديمومتها، وكيفيّة تفسيرها، فضلاً عن موقع البشري والتاريخي ووظيفتهما فيهما. ولا سبيل إلى التوفيق إلّا إذا اقتفينا أثر نور خالص مجيد في اعتبار الله هو الموجود الأوحد الذي تلازمه صفة الحداثة دائماً لأنّه الحقيقة المطلقة[8]، وأنّ الحداثة تحتوي في ذاتها على القدرة على التناسب مع حقائق نسبيّة من أجل الوصول إلى تلك الحقيقة المطلقة[9]. واعتبار الله موجوداً كونيّاً يردّ نور خالص مجيد إلى تأويل الإسلام ديناً كونيّاً؛ أي ديناً جامعاً لكلّ الأديان، الكتابيّة وغير الكتابيّة على حدّ سواء. وهو ما سنعود إليه لاحقاً في حديثنا عن التعدّديّة في تأويل نور خالص مجيد. والحاصل، في الحقيقة الأولى، أنّ كونيّة الحداثة، بشروطها التي استقامت بها رؤيتها، قد ألجأت نور خالص مجيد إلى تأويل العلمانيّة، والعقلانيّة، وأصول المعرفة حتّى يمكن الحديث عن نظريّة في الحداثة الإسلاميّة، وتلك موضوع الحقيقة الثانية.

بِمَ تكون حداثة إسلاميّة في نظر نور خالص مجيد؟ ولِمَ سمّاها تسمية ماهويّة فلم ينسبها مثلاً إلى المسلمين؟

تدور آراء مجيد على مبدأين، يتمثّل أوّلهما في أسلمة المعرفة، وهو ما عبّر عنه العطّاس بـ«تخليص المعرفة من الرؤية الغربيّة» (De-westernization). وقد ساير نور خالص مجيد ما اقترحه اسماعيل الفاروقي في مشروع «أسلمة المعرفة»، وأُحدِثت له مؤسّسة برمّتها في فرجينيا تسمّى اليوم «المعهد العالمي للفكر الإسلامي» (Institute of International Islamic Thought, IIIT).. أمّا المبدأ الثاني، فيتمثّل في وضع منهجيّة جديدة لفهم القرآن والحديث النبويّ.

ولعلّ أهمّ ما استحدثه نور خالص مجيد هو تلك المنهجيّة التي يمكن وسمها بالمنهجيّة التاريخيّة التأويليّة، وإن سمّتها سيتي فاطمة، في أطروحتها عن نور خالص مجيد، بالمنهجيّة السياقيّة (Contextual Approach)[10].

يشير نور خالص مجيد إلى أنّ المفسّرين القدامى، وكذلك المجدّدون، لم يتجاوزوا شروط التفسير القديمة، ولم يخرجوا عن الآثار التي حجبت كليّة النص القرآني وشموليّته، وكان، من ثمّ، همّهم جزئيّاً أو يكاد. ولفت النظر إلى تدبّر القرآن في كليّته، وكذلك في سياقه التاريخي، ولا بدّ من أن يُعنَى بأسباب النزول، أو شأن النزول، أو مناسبات النزول، وسمّاها «مفهوماً أو خبراً أو نظريّة تفسّر قصد الشارع في ذاك المحلّ والمقام، والوقت، والمسألة». ويُستقرأ من ذلك كلّه ما هو خاصّ بالسياق والمقام، وما هو مبدأ كونيّ متجاوز إنسانيّ. وييسر ذلك فهم مقصد الرسالة أصلاً، والقيم المتصلة به، ويبنى على ذلك تعميم المبدأ الكوني، وتطبيقه على الأوضاع الراهنة. وهكذا تكون المزاوجة في تأويل القرآن والحديث بين الانطلاق من اللحظة الراهنة بعلوم العصر، ومعارفه الحديثة لفهم غائيّة الرسالة، ودلالة الأحكام في المسائل المعاصرة للنبيّ. ويُستصفَى من ذلك ما هو خاصّ وما هو عام كونيّ من المبادئ، فيُترك الخاصّ لخصوصيّته، ويُعمّم العام لكونيّته، وبذلك يُفهم القرآن والحديث في كليّتيهما وشمولهما، من ناحية، وفي سياقهما التاريخي والكونيّ، من ناحية أخرى.

تتنزّل هذه المنهجيّة في إطار أوسع يمثّل وجهاً من وجوه الطرافة في تأويل نور خالص مجيد، وهو اعتباره النصّ القرآني نصّاً تاريخيّاً، تماماً كما حذّر من تقديس التاريخ الإسلامي والنزوع به عن النقد، مستنداً في ذلك إلى عبارة محمد أركون الشهيرة «أسطرة التاريخ الإسلامي».

كما تتشكّل هذه المنهجيّة بمبدأ آخر هو «المحافظة على القديم الصالح، والأخذ بالجديد الأصلح»، وبذلك كان توفيقه بين مصلحي جمعية المحمّديّة ونهضة العلماء.

تتضمّن مقالة نور خالص مجيد في الحداثة بذرتين أخريين من بذرات التهافت. نعني بالأولى إقراره، على وجه التسليم الديني والاعتقاد الإيماني، بأنّ الله هو الموجود الأوحد المطلق الذي تلازمه صفة الحداثة أبداً. وفي هذا نسفٌ لما تتقوّم به الحداثة أصلاً. والله ليس مبدأً وحسب، بل الأهمّ من المبدئيّة توابعها الفكريّة، والتشريعيّة، والأخلاقيّة، والعمرانيّة تماماً. وتتعلّق البذرة الثانية بالتأويل القياسي بين الحاضر والماضي، والتسليم بوجود قيم كونيّة، ترجمت بشتّى الصيغ النظريّة، من بينها «مقاصد الشريعة». والحال أنّ تلك المنهجيّة القياسيّة إنّما كانت حيلة من حيل الإحيائيين حتّى يمنح التفسير الديني الظواهرَ والأشياءَ حياةً بعد اندثار أصحابه، وزوال عهده، وتبدّل الأزمان بما لا يشابه ما مضى. ولفساد هذه المنهجيّة أصلاً كان فشل الإصلاحيّة في عهودها الزاهرة بدءاً بأواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وكذا الأمر في شأن المقالة السلفيّة والإحيائيّة على وجه سواء. وإنّما الحداثة قطيعة معرفيّة ومنعطف في التفكير لا يتقوّم إلّا على أصول غير السابقة؛ لأنّه تقويض لها، أو لا يكون.

رؤية نور خالص مجيد بين الدعوة إلى التعدّديّة وتوحيد الأمّة الإندونيسية:

ما من شكٍّ في أنّ أهمّ ما يشدّ النظر في رؤية نور خالص مجيد هو الآفاق التطبيقيّة والمسائل العمليّة، التي تترجمها تأويلات الآيات القرآنيّة إلى مقالات، أو إقرارات، أو ما يشبه الآراء ذات المنزع الإفتائي، وإن لم يُرِد صاحبها الإفتاء أصلاً. وكما تصدّى فضل الرحمن لتأويل القرآن في مسائل الشورى، والزكاة، والربا، والإرث، والأخلاق، والعبوديّة والرقّ، والحريّة، والمساواة بين المرأة والرجل، لم يكن المجتمع الإندونيسي المعاصر بمنأى عن طرح هذه المسائل، وما يقتضي ذلك من مراجعة الآيات القرآنيّة في سياقها المستنبط من الأخبار، وتأويلها بما يسمح استقراء الحلول. ويمكن أن نعرض مثالين يوجّهان إلى الوقوف على مسألة التأويل والحداثة الفكريّة، آفاقها ومحدوديّتها عند نور خالص مجيد. يخصّ المثال الأوّل الزواج بين أهل الأديان المختلفة، ونعني، على وجه الدقّة، زواج المسلمة بغير المسلم؛ وهي مسألة ذات توابع تبلغ غاية التعدّديّة في المجتمع الإندونيسي المعاصر. أمّا المثال الثاني، فيتّصل بالتدبير السياسي المحق للعلمانيّة، استناداً إلى مقالة نور خالص مجيد التي أسلفنا، وهي: «نعم للإسلام لا للأحزاب الإسلاميّة».

إنّ الدين عند الله الإسلام:

خصّصت سيتي فاطمة جزءاً من الفصل الثالث من أطروحتها لتأويل نور خالص مجيد للآية "إنّ الدين عند الله الإسلام" [آل عمران: 3/19][11]. وقد أوردت عن وجاهة ثلاثةَ آراء فصّلها المفكّر الإندونيسي تفصيلاً أضحى يُعرف به، ويُثنى عليه بسببه، إيماناً من الباحثين في الفكر الديني الإندونيسي المعاصر بأنّ الرجل من المدافعين عن مبدأ التعدّديّة (Pluralism)، يتمثّل الرأي الأوّل في أنّ تأويل الإسلام هو الخضوع لله خالق كلّ شيء، وأنّ الديانات كلّها متساوية في ذلك، نعني الديانات الأصيلة، التي لم يُصبها أيّ تغيير أو تحريف (كذا). وتنبّه فاطمة إلى تأثّر نور خالص مجيد بتأويل أو تفسير عبد الله يوسف للآية ذاتها؛ بل قدّمت شاهداً مفيداً على ذلك[12]. ويتمثّل الرأي الثاني في أنّ المقصود بأهل الكتاب لا يخصّ أمم الوحي، وأنباء الكتب المقدّسة المنزلة عليهم، وإنّما يتشمل أيضاً على مَن لهم شبهة كتاب (كذا)، وهم أهل البوذيّة، والهندوسيّة، والشنتو، والتاويّة، والزردشتيّة، والكونفوشيوسيّة، ويبدو أنّ الجامع بين هذه الديانات -إن كانت أصيلة- أنّها كلّها توحيديّة، حسب تأويل مجيد، كما تقرّ فاطمة[13]. ويتعلّق الرأي الثالث بمخالفة شقٍّ من العلماء الإندونيسيين مذهب نور خالص مجيد، وعدِّهم إطلاق الإسلام على كلّ الديانات الكتابيّة وغيرها رأياً لا وجاهة فيه بصريح الآيات القرآنيّة والحديث دون إغفال الفقه. ومن أولئك عبد القادر الجيلاني (Abdul Qadir Djaelani)، وديدين حفيظ الدين (Didin Hafidhuddin)، وغيرهما[14]. ولئن كنّا لا نذهب مذهب علماء إندونيسيا في الردّ على نور خالص مجيد، فإنّنا لا نرى أيضاً تأويلاً طريفاً يمكن قبوله، وإنّما غاية نور خالص مجيد أن يجد مخرجاً من الإحراج الذي سبّبته الآية المذكورة. والصريح أنّ تاريخ الأديان كلّها، ما كان منها كتابيّاً، وما كان غير كتابيّ، لم يقبل مثل هذا التعميم، ولا ذوبان أيّ دين في غيره، فضلاً عن ذوبانه في الإسلام باعتباره إبداء الطاعة والذلّة لله وحسب؛ تماماً كما لم يقبل الإسلام باعتباره «الدين الخاتم» أن يتّحد بغيره من الأديان، والانصهار فيه. وهذا التأويل الاحتوائيّ من نور خالص مجيد ليس إلّا «حيلة تأويليّة» لقبول المختلف في حظيرة الإسلام، فيتسنّى بذلك حسم المسائل الاجتماعيّة، والأخلاقيّة، والسياسيّة، والدينيّة، فيكتسب التفكير الإسلامي على لسانه جوهراً إنسانيّاً. والواقع التاريخي الشاهد على فهم الناس أديانهم يدلّ بما لا شكّ فيه على تشبّث كلّ أهل ديانة بديانتهم؛ بل على تشبّث أهل كلّ عقيدة ومذهب بعقيدتهم ومذهبهم. ويبدو لنا هذا التأويل، الذى استصفاه نور خالص مجيد من التراث التفسيري، تأويلاً انتقائيّاً غايته التوفيق بين متطلّبات الأوضاع الراهنة في إندونيسيا، والصرامة الفقهيّة التي رسّخها أهل الفقه والعقائد. ويرتدّ ذاك التأويل الانتقائي -وإن استحدثه القدامى- إلى نزعة تمجيديّة تمنح الإسلام درجة فوق الأديان الأخرى، وهو ما لا يقبله أحد من غير المسلمين. وتُعدّ مقالة نور خالص مجيد في التحريف في غير محلّها؛ لأنّها التزام بنظرة القرآن إلى الكتب السماويّة التي بأيدي أتباعها اليوم، دون تمحيص تاريخيّ، ولا نقد مؤسّس على فقه اللغة، واللسان، والنقائش الأثريّة. وعلى كلّ، لا يعترف اليهود والنصارى البتّة بالتحريف الموجّه إلى نصوصهم في القرآن، ولا هم بالعاجزين عن اتّهام القرآن بالتهمة نفسها. ولو عُرضت المسألة الإسلاميّة، دلالةً وتطبيقاً، في أفق تأويليّ تاريخيّ يكشف تبدّل الأوضاع المجتمعيّة عموماً، وتغيّر القيم، وتهافت العمل بالأحكام الفقهيّة الناشئة في ما مضى من العصور، وانتظام الظاهرة الإسلاميّة في محضن جديد وذهنيّة حداثيّة، لكانت المقالات التأويليّة مجدية، ولظهر انتفاع بها. أمّا الحرص على مجاراة السلفيّة، واستنطاق النصوص بما يناسب المطالب المعاصرة، واستيحاء الغابر بغير منطقه وروحه، لاستنباته حيث لم ينشأ أصلاً، فذاك كمن يستبقي ميّتاً في بيته تألّفاً لأهله، وتوسّلاً إلى المنافع من ورائه، فلا يكون له في الواقع سوى نتانة الجثّة، واقتتال الناس، كلّ يريد ما ينفعه.

نعم للإسلام لا للأحزاب الإسلاميّة:

هذا الشعار، الذي أعلنه نور خالص مجيد في إحدى خطبه المهمّة، ذو دلالتين: تتمثّل الأولى في الفصل ما بين السياسة والدين، والثانية في ضمان التعدّد والوحدة في الوقت نفسه، وهو تماماً ما تريد البانشسيلا ترسيخه، كما أسلفنا. نعني بالدلالة الأولى ذهاب نور خالص مجيد إلى أنّه لا يحقّ لأيّ حزب في إندونيسيا أن يدّعي استحواذه على الإسلام، وأنّ الإسلام ثقافة وحضارة يعني الأفق الإندونيسي برمّته. أمّا أن ينتصب حزب من الأحزاب بمرجعيّة إسلاميّة فذاك من باب الاحتكار، واستعمال الدين؛ بل قصره على الحزبيّة السياسيّة. والمفهوم الظاهر من هذه المقالة المهمّة، التي أنشأها نور خالص مجيد، أنّ الدين لا يقبل التوظيف السياسي الضيّق. وفي ذلك تكمن فكرة العلمانيّة عنده. ولكنّ الفحص الدقيق يكشف غير ذلك. يرى نور خالص مجيد أنّ العلمانيّة فرع ملازم للتحديث، وهي صيغة من الصيغ التي تتجلّى فيها عقلانيّة الناس في تفهّم الأشياء وتفسيرها. ومن ثمّ تصبح العلمانيّة عنده أحد المسالك في تحرير الفكر بالعقلنة، ولا سيّما ذاك الفكر الذي كبّله التفسير القديم للأشياء، وأفسدته القيم التقليديّة، التي صبغته بالتفكير الأسطوري أو السحري. ويرتدّ نور خالص مجيد إلى الفترة التأسيسيّة التي ظهر فيها الإسلام ليتحدّث عن عقلنة القرآن ومباشرة الظواهر الجاهليّة مباشرة عقليّة؛ بل يسّر بذلك الأسلوب في النظر، والفهم، والتدبّر، تحرير الفكر والمجتمع، وتلافي ما عرفته الجاهليّة من سائر ألوان الفساد والظلم، وانخرام العدل والمساواة.

أمّا الدلالة الثانية، فتعني اعتبار الإسلام المشتركَ الثقافي والحضاري، وهو، من ثمّ، عنصر جامع وموحّد دون إلغاء تنوّع الأديان والعقائد في إندونيسيا. والطريف، في هذه النظرة، أن يحدّ موقف المسلمين من أهل العقائد الأخرى؛ والطريف أيضاً أن تقدّر مسألة الأكثريّة والأقليّة ضمن توازن الحقوق والواجبات، التي تضمنها مسألة خارجة عن الاعتبار الديني أصلاً، وهي مسألة المواطنة المنصوصة بفلسفة البانشسيلا، ورؤية الدستور الإندونيسي، وإن كانت البانشسيلا تنصّ، في أوّل مبادئها الخمسة، على التوحيد ذي المنزع الديني والعقدي. هل يعدّ الهندوسي والبراهماني في إندونيسيا ذمّيّاً، مثلاً؟

كيف يكون، إذن، انسجام بين مقالة نور خالص مجيد «نعم للإسلام لا للأحزاب الإسلاميّة»، ومفهوم العلمانية باعتبارها عقلانيّة، ونهوض القرآن بتحرير المجتمع والفكر من وضعهما الجاهلي، فاعتبار الإسلام مشتركاً ثقافيّاً وحضارياً لا يجوز احتكاره ولا تسييسه؟ يفترض رأي نور خالص مجيد أنّ العلمانيّة لا تعني انقطاع الظاهرة الدينيّة وعدم تأثيرها في حياة الناس، وإنّما هي مستمرّة، للحاجة إليها، بشرط أن تتغيّر وظائفها حسب المحاضن الجديدة؛ والعلمانيّة أساساً عقلانيّة الناس في تفهّم الأشياء والظواهر، وما دام الدين قادراً على توفير ذاك النزوع، فإنّه أيضاً قادر على تحرير الفكر من كلّ تقليديّة بائسة وغير مناسبة للظرف والمقام؛ تماماً كما حرّر القرآن الجاهليين ممّا كان يمنع ترقّيهم. وإنّما غاب ذاك النزوع إلى التحرّر لما طرأ على متأوّلي القرآن من تقليديّة وابتعاد عن اللحظة التأسيسيّة الأولى؛ أي رسالة القرآن «الأصليّة». والظاهر من هذا الرأي أنّ نور خالص مجيد يقتفي تماماً رأي فضل الرحمن في نظرته إلى الجاهليّة وقيمها، وعقلانيّة النظرة التوحيديّة التي تضمّنها القرآن، واعتبار الفقهاء، والمتكلّمين، والمحدّثين، والمتصوّفة، هم الذين حادوا بالإسلام التاريخي عن معياريّته الأولى. لذا ظهر البون الشاسع بين الرسالة في أصليّتها، والرسالة كما طبّقها المسلمون، وقنّنتها أجيال العلماء على مرّ القرون.

والحاصل ممّا سبق في تأويل نور خالص مجيد للآية (19) من سورة آل عمران (3)، وفصله بين الإسلام والحزبيّة السياسيّة؛ لأنّ الإسلام هو المشترك بين عموم الناس ثقافةً وحضارةً، أنّ الرجل قد اجتهد في التأسيس لوحدة المجتمع الإندونيسي وتعدّديّته في الوقت نفسه. وتُعَدّ مسألة المناكح والمواريث من أهمّ التوابع لذلك التأسيس، كما اكتسب مفهوم المواطنة المضمونة بالبانشسيلا ملمحاً مدنيّاً لم تقوّضه ممازجة الإسلام حياة الناس ورؤاهم، وحياتهم أوسع من الأديان ولا شكّ، تماماً كتاريخهم، ولغاتهم، وأعراقهم، وتقاليدهم، وتشريعاتهم، وكل ما تواضعوا عليه في تنظيم أحوالهم. وعلى الرغم من هذا الجهد في التوفيق بين مفهوم البانشسيلا، الدستور الإندونيسي المثير لإعجاب المتخصصين في العلوم السياسيّة والممارسين على حدّ سواء، والعلمانيّة، باعتبارها عقلانيّة يمارسها القرآن وأتباعه (كذا)، والحداثة بصفتها رؤية لا تلغي حضور الدين في الشأن العام (كذا)، لم يضمن نور خالص مجيد بما تأوّل ما تتقوّم به الحداثة، ولاسيما ممازجة الدين للشأن العام، وتشكيله هويّة الناس، واعتبار التوحيد رؤية عقلانيّة إلى الكون؛ بل النفاذ من ذلك كلّه إلى تبنّي خطاب القرآن وحججه عن الجاهليّة، وحضارتها. والحال أنّ ما اكتُشف من الآثار من أمثال قرية الفاو وغيره ليدلّ على أنّ الجاهليّة فضاء ثقافيّ وحضاريّ لا يرقى الشكّ اليوم إلى عمقه وغناه وجودته، التي قد لا تُضاهى في بعض الجوانب، كالجوانب الفنيّة والهندسيّة.

مصادر نور خالص مجيد:

فضل الرحمن ومنهجيّة الحركة المزدوجة:

لا يخفي نور خالص مجيد تأثّره الواضح، إن في العبارة أو في التصوّر، بالمفكّر الباكستاني فضل الرحمن (1919-1988). ويعود هذا التأثّر إلى كونه حصّل عنه العلم في شيكاغو، وزار فضل الرحمن إندونيسيا في السبعينيّات، ويبدو أنّه أوّل من تحدّث في إندونيسيا عن «الحداثيين الجدد» (Neo-Modernists) وعن منهجيّته المتمثّلة في «الحركة المزدوجة». ولئن تابع نور خالص مجيد أستاذه في مقدّماته، وتصوّره لحداثة من داخل الثقافة الإسلاميّة؛ ولئن تشبّث أيضاً بمنهجيّة تاريخيّة نقديّة، فإنّه لم يكن عنده ذاك الاطّلاع الواسع على المدوّنة التفسيريّة، ولا صرامة التحليل الفيلولوجي، الذي يظهر في مثل مؤلّفات فضل الرحمن، عن الإسلام، أو كبرى الموضوعات في القرآن، أو الإسلام والحداثة... إلخ. ويهمّنا في هذا المقام أن نشير إلى أربعة آراء نعتقد أنّها طبعت منهجيّة نور خالص مجيد وأفكاره بشيء من الضيق والمحدوديّة، ما جعلها عاجزة عن تحقيق التجديد المنشود؛ بل التحديث المأمول. يتمثّل الرأي الأوّل في تصوّر إسلام معياريّ هو جوهر الرسالة القرآنيّة، وأنّ كلّ ما جرى في التاريخ من تطبيق لتلك الرسالة وتقعيد إنّما كان مجانباً لقصد الرسالة. وهذا الافتراض يوقع في ماهويّة إسلاميّة تناقض نظرة الحداثة إلى سائر الظواهر، وتقديرها خاصّة للواقع الديني باعتباره تجربة وممارسة. ويتعلّق الرأي الثاني بالجانب الكوني في الإسلام، وهو كذلك لأنّه (في نظر الحداثيين الجدد) جانب إنسانيّ بامتياز، والواقع أنّ القيم الكونيّة كاعتبار الدين عند الله الإسلام؛ أي الطاعة والامتثال، والأديان في ذلك سواء، أو المساواة بين الجنسين، أو الأصل في الإنسان الحريّة... إلخ؛ إنّما هي جزء من النزعة الحجاجيّة، التي ترمي إلى الدفاع عن القرآن والإسلام معاً. ويتعلّق الرأي الثالث بأنّ التوحيد هو الناظم لرؤية العالم، وفيه عقلانيّة الفهم والتدبّر؛ وهو موقف لاهوتي - إيماني، سرعان ما يتهاوى بمجرّد أن يكون لغير المؤمن، ولغير الموحّد حقّ في المواطنة وتوابعها. والحداثة بلا مواطنة كفاقدة ما تقوم عليه. ويدور الرأي الرابع على مسألة الأخلاق، وهي إن ارتبطت حتماً بالدين، بطلت إنسانيّة الإنسان، إلاّ أن يكون متديّناً أصلاً، وذلك فاسد بالمشاهدة والنظر. وإنّما الأخلاق شأن عقليّ، قد يمتن بالدين، وقد يفسد، ولا سيما إن تسبّب الدين في إقامة الحروب، وشرّع الاقتتال والاغتصاب، ومنع الحريات، وما إلى ذلك من الشؤون.

إسماعيل الفاروقي وأسلمة المعرفة:

يُعدّ إسماعيل راجي الفاروقي (1986-1921) أوّل من ابتكر مفهوم "إسلاميّة المعرفة"، وصاغ نظريّة تمثّلت في الوصل بين المعرفة والرؤية التوحيديّة. وطفق الجيل من بعده يبحث عن تنزيل فنون المعرفة في أفق الرؤية التوحيديّة، فتحدّثوا عن علوم إنسانيّة إسلاميّة، واقتصاد إسلامي، وعلوم سياسيّة إسلاميّة، وماليّة إسلاميّة، وما إلى ذلك من سائر العلوم الصحيحة وغيرها. وكان من مآثره أن تأسّس المعهد العالمي للفكر الإسلامي في هرندن، فرجينيا. ولا يهمّنا في هذا السياق عدول الجيل بعد الفاروقي عن نظريّة الأسلمة إلى تديين المعرفة، وضبطها بالرؤية التوحيديّة، وما ظنّ من الأخلاق الإسلاميّة الصميمة. ونرى أن نشير إلى أهميّة المعبر الذي مثّله فضل الرحمن لنقل أسلمة المعرفة من الولايات المتحدة حيث نشأت إلى أفكار الحداثيين الجدد في البلاد الإسلاميّة، ومنهم نور خالص مجيد. كتب فضل الرحمن كتابه الشهير (الإسلام والحداثة) (Islam and Modernity)، وأفرد فيه فصلاً لأسلمة التربية والمعرفة التي تتولّى المدارس والمعاهد تدريسها. وإنّما كانت غايته أن تبلور المعارف كلّها الرؤية التوحيديّة في بعديها التاريخي – النقديّ، والحضاري – الإنساني. ولكنّ المزالق كانت دقيقة، لسهولة الانخراط في استتباعات الإيديولوجيا بدلاً من تدريس الصرامة العلميّة، والتفكير النقديّ في موضوعات قد تكون أحياناً من البديهيات أو حتّى المعتبرة مقدّسة.

في أفق الأسلمة، واقتفاءً لأثر فضل الرحمن، نزّل نور خالص مجيد نظرة إلى الحداثة، وتحدّث، في أكثر من مقام ومقال، عن الحداثة الإسلاميّة (Islamic Modernism)، يعني التحديث من داخل الإرث الثقافي والحضاري الإسلامي. وهو تحديث لا يلغي أثر الدين وحضوره في حياة المؤمنين، ولا ينفصل عن الرؤية التوحيديّة الجامعة، وكأنّ الرجل لا يعوّل في هذا على غير الرؤية السنّيّة؛ أمّا الشيعيّة والخارجيّة والصوفيّة، وما تلاها من الرؤى المعاصرة كالرؤية البهائيّة، فلا أثر لها. وتبلغ هذه «الرؤية من الداخل» أقصاها عند التنصيص بصريح اللفظ على عقلانيّة النظرة التوحيديّة في تفهّم الكون، والنظرة إلى منزلة الإنسان؛ وهو ما شرحه فضل الرحمن، في الفصل الأوّل من كتابه (الإسلام والحداثة)، بعمق لا مثيل له حتّى تيسّر له لاحقاً اعتبار الحداثة الغربيّة إلحاديّة، ولذلك متهافتة. إنّ غرس الحداثة في منابت إسلاميّة يقتضى أن تكون رؤيتها، ووسائلها النظريّة، وتطبيقاتها من جنس التربة؛ أي من جنس الهويّة، والسنن الجارية، وطبيعة التحصيل المعرفيّ، والانتظام الاجتماعي والسياسي، وما إلى ذلك. ولسنا نجد وجاهة في كلّ هذا؛ لأنّ غائيّة التحديث هي تماماً تغيير نمط التفكير، وتحوير السنن، وإنتاج رؤى أخرى بغرض كشف ما لم يوجد. أمّا الاستنبات، فهو تسييج وضبط وإفراغ للحداثة من جوهرها النقدي الصميم. كذلك تبقى أسلمة الحداثة شبه الممكن المحال. وفي آراء نور خالص مجيد شاهد لافت على ذلك، وهو مضمون المدرسة التي أسّسها وسمّاها (Paramedina)؛ أي المدينة، يعني مدرسة تدرّس الإسلام الحقّ وتنشئ المجتمع الإسلامي الصميم، وهو المجتمع النبويّ في المدينة. وقد بيّنا سابقاً القياس الذي أجراه نور خالص مجيد بين صحيفة المدينة والبانشسيلا. وهذه آراء تخرج من مشكاة واحدة هي استحضار الأصل ليكون نموذج الحاضر، وكأنّ التاريخ يعزل لحين، حتى يبعث الماضي بغير روحه وفي غير منبته.

استنتاجات أوّليّة:

تطرّقنا في مقالنا إلى إشكاليّة التجديد في الفكر الإسلامي المعاصر في إندونيسيا؛ وقد عوّلنا في استقرائنا على أحد المفكّرين والمثقّفين البارزين، ممّن عُدّوا اليوم أحد أعلام الحداثيين الجدد بتلك المواطن غير العربيّة. ووصلنا بما لا التباس فيه بين تأويل الإرث الديني (اللاهوتي، والتفسيري، والفقهي) وإشكاليّة التحديث، بما هي تجديد بمرجعيّة الحداثة، لا الإصلاح. وأمكن أن نتابع أفكار مجيد منذ البواكير إلى التأثّر بمفكّرين معاصرين من داخل إندونيسيا وخارجها. ووقفنا على ما يعنى بـ«التحديث من الداخل» (Modernizing-from-within)، إلى حدّ الحداثة المنشودة إسلاميّة أو لا تكون. وقد وقفنا على بذور التهافت في آراء نور خالص مجيد: في تعريفه الحداثة، ونظرته إلى الظاهرة الدينيّة، وتحقيقه شأن العلمانيّة، وختمه بإسلاميّة الحداثة ائتساء بمن قالوا بـ«إسلاميّة المعرفة»، كإسماعيل راجي الفاروقي، وفضل الرحمن من بعده. ويسع بعد هذا الاستقراء أن نختم بأربعة استنتاجات مهمّة مازلنا نعدّها في عداد الاستنتاجات الأوّليّة.

إنّ عودة الفكر الديني المعاصر في إندونيسيا إلى سابق عهده من التشدّد والأصوليّة تعود إلى ما بيّنه مؤلّفو الكتاب الجماعي، الذي أشرنا إليه في بداية المقال، ولكن تعود أيضاً إلى اشتمال الفكر التحديثي الإندونيسي على بذرة تهافته. ولو صاغ نور خالص مجيد فهمه للحداثة وتطبيقاته على غير نموذج الإصلاحيين والتوفيقيين، لكان الأثر أشدّ، والتجديد أوضح، والانقطاع عن التلفيق أقرب إلى الإقناع. أمّا مهادنة الأصوليّة، والأخذ بفكرها، وإن من طرف، فإنّه يتحوّل إلى سلفيّة أشدّ تحوّطاً من التجديد والتحديث. والنفوس أعلق بما اعتادت، وأوثق بما علمت، وأكسل من أن تقاوم راسخاً. أمّا حياة الناس اليوم بمبدأ التعدّديّة، فراجع إلى عزيمة سياسيّة يُدار بها الشأن الديني، والثقافي والعرفي على حدّ سواء.

ليس في أفكار نور خالص مجيد ما يقنع غير المسلمين؛ لأنّه قال فيهم بما لا يحسبون أنفسهم من أهله. فالتوحيد شأن إشكاليّ في تصوّره، وتطبيقه، وعقلانيته المزعومة، وهل يهمّ غير المسلمين؟ وهل غير السنّة يرون أنفسهم معنيين بمقالة مجيد؟ وهلمّ جرّا. ومن الخطأ أو التأويل على غير أصل أن تقرن البانشسيلا بالصحيفة، وأن ترى الصحيفة دستوراً ينصّ على التعدّديّة. فهذه تأويلات خارج السياق التاريخي، وهو ما يبطل جدوى التفكير أصلاً فضلاً عن اقتراح مسالك للتحديث.

إنّ آراء نور خالص قد انبنت على مسلّمات ليس من أهونها اعتبار النصّ القرآني بلا تاريخ؛ أي كأنّه نصّ جامد دُوّن فور نزوله، وليس فيه ما يدلّ على تكوّن ونشوء. وتاريخ النصّ يثبت عكس ما تيقّنه نور خالص مجيد. وإنّما الجدل اليوم حول مخطوطات صنعاء القرآنيّة، وإقبال كوكبة من الباحثين التونسيين على إخراج النصّ القرآني وقراءاته من المظانّ المطبوعة والمخطوطة، ليشهدا على ضرورة البدء بالتأريخ للنصّ قبل الوثوق بتفسير الآيات. وهو ما لم يفعله نور خالص مجيد.

إنّ ما يسمّى «عربيّة القرآن» مازالت في حاجة مؤكدة إلى التحقيق والدراسة؛ ولا تؤخذ المصطلحات، ولا العبارات العلميّة من أعمال المفسّرين القدامى، ولا من المعاجم؛ لأنّها كلّها ترمي إلى الدفاع عن السنّيّة (Orthodoxie) وترسيخها، وإنّما المطلوب أن نبدأ مشروع الإتيمولوجيا العربيّة. ونلفت الانتباه، على وجه الإخبار، إلى أنّ قصيدةً قد اكتُشِفت منذ سنوات في أحد المواقع الأثريّة في جنوب اليمن، وقد أرّخت فوسّعت درايتنا بما يسمّى «العهد الجاهلي» بما يقدّر بمئتين وخمسين عاماً. وصار العهد الجاهلي يشتمل على أربعة قرون قبل الإسلام، لا مئة وخمسين عاماً كما اشتُهِر. وفي القصيدة أربعة جوانب لا يعرفها الناس قبل هذا الكشف الأثري؛ أوّلها: أنّ في مقدّمتها تنصيصاً على أنّ القصيدة تُقدّم إلى الإله كهلان قرباناً. ونقف لأوّل مرّة على وظيفة من وظائف الشعر قبل الإسلام، وهي تقديم الشعر قرباناً للآلهة، وهو ما يمكن توجيهنا إلى إعادة تأويل المعلّقات والمختارات وما ماثلها في الجودة. والجانب الثاني أنّ القصيدة مخمّس؛ وظنّ الدارسون أنّ التوشيح والتخميس هما ممّا ظهر وانتشر في الأندلس، وليس الأمر كذلك؛ ويقتضي هذا الكشف مراجعة تاريخ العروض، وما يتبع. والجانب الثالث أنّ في القصيدة إشارة إلى مساندة الملائكة المقاتلين، وهو مقطع يذكّر تماماً بالقصّ القرآني في الغرض، وهو ما يدلّ أيضاً على تجذّر القرآن في جانب المنظومة الإلهيّة في حضارة جنوب الجزيرة العربية؛ ومن قال غير ذلك من المؤرّخين والمستشرقين إنّما يخرج النصّ عن سياقه، وذهنيّة معاصريه. والجانب الرابع، عربيّة ما قبل القرآن. وهذا الجانب هو المهمّ في مجال البحث قبل الانطلاق في التأويل.

لئن لم يترجم جلّ ما كتب نور خالص مجيد عن الباهاسا الإندونيسيّة، فإنّ آراءه قد وجدت طريقها إلى كلّ أفق عن طريق الدراسات العامّة والمتخصّصة. وقد التمسنا أثراً واضحاً لكلّ من آراء فضل الرحمن ونور خالص مجيد في أعمال الباحثين التونسيين المعاصرين، من أمثال: محمد الطالبي وعبد المجيد الشرفي خاصّة. ومثّل كتاب الثاني (الإسلام بين الرسالة والتاريخ) الدليل على عمق التواصل بين الباحثين في العدوتين الغربيّة والشرقيّة من العالم الإسلامي، وإن تناءت الديار. ولكنّ المقالة عن التحديث عند أيّ منهم لم تتجاوز حدّ الإصلاحيّة التوفيقيّة، وليس التوفيق إلّا مسكّناً يزيل الألم ويطيل العلّة.

[1]- مجلة تأويليات العدد1

[2]- جامعة سوسة – تونس.

[3]- Martin Van Bruinessen (ed.), Contemporary Developments in Indonesian Islam, Institute of Southeast Asian Studies, Singapore, 2013

[4]- Ann Kull, Modern Interpretation of Islamic History in the Indonesian Context. The case of Nurcholish Majid, p. 5

[5]- On the concept “Neo-Modernism” that was initially proposed by Fazlur-Rahman, then taken up by a group of Indonesian intellectuals who have been in contact or Fazlur Rahman’s disciplines, see Fazlur Rahman, Muslim modernism in Indo-Pakistan sub-Continent”, in. SOAS, 21 (1958), p. 98-99; also Navin Ghulam Haider Ali, Fazlur Rahman: A Muslim Modernist, unpublished PhD Thesis, Pakistan Study Center, University of Karachi, 2014, p. 103, footnote 28. Concerning the appropriation of the concept by Indonesian intellectuals including Nurcholish Majid, see Greg Barton, “The International Context of the emergence of Islamic Neo-Modernism in Indonesia”, in M.C. Ricklefs (ed), Islam in the Indonesian Social context, Melbourne: CSEAS, Monash University, 1991, p.75; Siti Fathimah, Modernism and the Contextualization of Islamic Doctrines: The Reform of Indonesian Islam Proposed by Nurcholish Majid, unpublished MA Thesis, Institute of Islamic Studies, McGill University, Montreal, Canada, 1999, p. 95-105

[6]- See Siti Fathimah, op. cit, Chapter Two, Section 1, p. 59-72

[7]- See Siti Fathemah, op. cit, Chapter Two, Section 2, p. 73-79

[8]- Majid, Islam, Kemodernan dan Keindonesiaan, p. 174

[9]- Ibid.

[10]- Siti Fathimah, op. cit, Chapter Three, p. 95-134

[11]- Ibid, p. 123

[12]- Ibid, p. 123-4

[13]- Ibid, p. 126

[14]- See Ibid, p. 129-30; See also: http: //www.4shared.com/web/preview/pdf/W-URxH7t, p. 38. However, Abdullah Yusuf ‘Ali has relied on Tabari’s exegesis, see his Tafsir, edited by A. Madkur, 4th ed. Cairo, 1430/ 2009, Vol. III, p. 1721