تشكل جسد الليبرالية الكلاسيكية (تقاطع الفردية والذاتية مع أحداث تاريخية في سياق الحداثة)


فئة :  أبحاث محكمة

تشكل جسد الليبرالية الكلاسيكية  (تقاطع الفردية والذاتية مع أحداث تاريخية في سياق الحداثة)

تشكل جسد الليبرالية الكلاسيكية[1]

(تقاطع الفردية والذاتية مع أحداث تاريخية في سياق الحداثة)

أولاً- تمهيد

إذا كان ثمة نواة صلبة تدور في فلكها تجليات الليبرالية المختلفة، فلا ريب أن هذه النواة هي مفهوم الفردية، وإذا كانت محمولاتها تسمها بسمات مختلفة عبر سيرورة تطورها، فإن الفردية تبقى الجوهر الذي لا يمكن لليبرالية أن تكون ما هي من دونه. وإن هذا الجوهر، إنما يتجلى في صورته الأوضح في الليبرالية الكلاسيكية التي تتمحور حول الفرد: حريته واستقلاليته وحقوقه الأساسية الأخرى، وهي الرؤية التي لا تربط هذه الحقوق بقيم جماعية، ولا بغايات سوى كونها حقوقاً مقصودة لذاتها، ولكن هذا التمحور حول الفرد لا يعني أن الليبرالية لا تعنى بالمجتمع، ويمكن سرد قائمة من المنظرين الليبراليين المؤسسين الذين حملوا المجتمع على محمل الجد من توكفيل (1859) إلى مل (1873) إلى غرين (1882) إلى ديوي (1952)؛ فهم على الأقل تحدثوا عن مجتمع لا يعيق اختيار الفرد لمسيرة حياته بحرية، ولا يفرض عليه سلطة قسرية رغماً عنه؛ فهو مجتمع يمنح الأفراد قوة الجماعة برمتها؛ لكي يصبحوا أقدر على الدفاع عن ممتلكاتهم وأنفسهم.

فالمجتمع المليء بالليبراليين؛ مجتمع متخم بالجمعيات التطوعية التي تسهل للأفراد التعبير عن ذواتهم وأفكارهم بحرية، ولكن شكل هذا المجتمع شكل غير محدد المعالم بصرامة؛ لأنه مجتمع مؤسس على حريات الأفراد وحقوقهم. ولهذا، فإن شكله يتبدل بحسب ظروف الاجتماع التي تحيط بهؤلاء الأفراد[2].

ولا يعني التمحور حول الفرد أيضاً أن الليبرالية ليست نظرية في الدولة؛ فثمة ملامح ثابتة للدولة الليبرالية في قلبها ملمح حكم القانون، وأنها دولة تستخدم أقل قدر من الإكراه في تعاملها مع مواطنيها، وملمح الالتزام بحكومة دستورية.

ولكن مثار الجدل بخصوص نظرية الليبرالية في الدولة هو علاقتها بالديمقراطية؛ فبينما رأى البعض مثل توكفيل ومل أن الديمقراطية ينبغي ألا تكون دكتاتورية أغلبية، وأن هذه الأغلبية يجب أن تكبح، لكي لا تتحول إلى أغلبية مستبدة بقيود مثل شرعية الحقوق الثابتة، اعتقد آخرون أن الحكومة الديمقراطية إذا لم تكن ليبرالية، فهي لن تكون حكومة ديمقراطية أبداً، وأن تقييد سلطة الأغلبية عن طريق شرعة الحقوق ليس انتهاكاً لحق هذه الأغلبية، إذا ما ميزنا بين سلطة الأغلبية وقوتها، وبهذا التمييز يصبح تقييد سلطتها ليس تقييداً، وإنما هو توضيح لحدود هذه السلطة. وقد اضطر أصحاب هذا الرأي إلى ربط الليبرالية بالديمقراطية ربطاً لا ينفصم؛ لأن المرء لا يجوز أن يحكم من دون منحه حق التصويت، ومن دون مشاركته في القرارات التي يتأثر بها وإلا نزع منه حقه في المساواة والحرية. والمهم أن الحكومة الليبرالية حكومة محدودة مقيدة بحق الاختيار وحق التعبير وحق الخصوصية وغيرها من الحقوق[3]. ومن الواضح أن نقطة الارتكاز في النظرة الليبرالية للمجتمع وفي النظرية الليبرالية للدولة هو الفرد.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

[1] - البحث مقتطف من كتاب "في الليبيرالية" مناف الحمد، مؤسسة مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع، 2023

[2]- Ibid., pp. 37 - 38

[3]- Ibid., pp. 38 - 40