ثقافة التريند بين الأداة والتَّأثير


فئة :  مقالات

ثقافة التريند بين الأداة والتَّأثير

ثقافة التريند بين الأداة والتَّأثير[1]

محمد سيد ريان

باحث مصري

تتمثَّل الأسباب الرَّئيسة لاستخدام الوسائط الاجتماعيَّة الإلكترونيَّة بما يلي :

- أسباب اقتصاديَّة: تتمثَّل في سهولة الاتِّصال بشبكة الإنترنت بأقلِّ تكلفة وخصوصاً بالنِّسبة إلى الطَّبقات الفقيرة والمتوسِّطة.

- أسباب سياسيَّة: تتمثَّل في تواجد معظم السِّياسيِّين والأحزاب وكيانات المجتمع المدنيِّ افتراضيَّاً على الإنترنت ومواقع التَّواصل الاجتماعيِّ على وجه الخصوص.

- أسباب اجتماعيَّة: تتمثَّل في تزايد الطَّلب الاجتماعيِّ على استخدام شبكة الإنترنت في التَّعليم الإلكترونيِّ والبحث عن المعلومات والحصول على السِّلَع.

- أسباب جغرافيَّة: تتمثَّل في سهولة التَّواصل بين الأشخاص والمؤسَّسات برغم الحواجز المكانيَّة والجغرافيَّة وتجاوز صعوبات التَّواصل الحقيقيِّ عبر الطُّرق والنَّقل والمواصلات.

ويمكن أن نضيف على ذلك أسباب ثقافيَّة مهمَّة، وهي الرَّغبة في الحصول على ثقافة عامَّة سهلة وسريعة عن القضايا الَّتي تشغل النَّاس في حياتهم اليوميَّة، وتحقيق قدر من اللَّباقة الاجتماعيَّة المرتبطة بشخصيَّة المثقَّف الواعي بالأفكار والأحداث الجارية.

تشير كلمة تريند trend إلى الموضوعات والقضايا الرَّائجة ومؤشِّرات الاهتمامات المشتركة الَّتي يتناولها مستخدمو التَّطبيقات الاجتماعيَّة، وغالباً ما ينشغل الجمهور بمثل تلك القضايا والموضوعات ويتحدَّثون عنها في منشوراتهم، ويشاركونها مع أصدقائهم بصورة كبيرة.

ولعلَّ فكرة الثَّقافة الرائجة تعدُّ أحد أبرز ملامح الجيل زد (generation z) وهو الجيل الذي يلي جيل الألفية، ويتكون عموماً من مواليد مابعد سنة 2000، ويتميز هذا الجيل بالاستخدام الكبير للوسائط التكنولوجية والشّبكات الاجتماعيَّة، والسخرية من كل الأنماط الحياتية السابقة عليه، ويتصرف بسلوكيات عالمية متشابهة في أغلب الأحيان، وقدرته على التغيير والتحديث أعلى بكثير من الأجيال السابقة.

وقد تمَّ استخدام كلمة تريند في مجالات أُخرى أسبق كثيراً من السوشيال ميديا، فمثلاً في المجال الاقتصاديِّ وعالَم الأسواق الماليَّة تشير إلى اتِّجاهات السُّوق وحركة الأسهم صعوداً وهبوطاً، والَّتي يتمُّ بناءً عليها استخلاص النَّتائج واتِّخاذ القرارات.

ويرتبط التريند بموضوع آخَر وهو الهاش تاج hash tag هو رمز # مضافاً إليه الكلمات الَّتي هي محور الموضوع أو القضيَّة، ويستخدم في المنصَّات الاجتماعيَّة لتصنيف الموضوعات والأحداث الجارية، فيسهل علينا متابعة الأشخاص الَّذين لديهم نفس اهتماماتنا، ويمكن تقسيم الهاش تاج إلى:

1- خاصٍّ بأحداث مهمَّة أو مصيريَّة.

2- خاصٍّ بكيانات أو مؤسَّسات.

3- خاصٍّ بمجموعات أو حركات.

4- خاصٍّ بأشخاص.

ولا تستخدم أيَّ مسافات في الهاشتاجات، وإن كنت بحاجة إلى استخدام أكثر من كلمة واحدة؛ فما عليك سوى وضع ( ـ ) بين الكلمات.

وتؤدِّي زيادة مستخدمي الهاشتاج إلى زيادة الاهتمام بقضيَّة معيَّنة أو شحن الجماهير مع أو ضدَّ شخص معيَّن.

ويمكن التَّعرُّف على تلك المؤشِّرات عبر العديد من المنصَّات الإلكترونيَّة، فمثلاً لو كان المقصود هو معرفة مؤشِّرات البحث عن موضوع معيَّن؛ يمكن ذلك من خلال مؤشِّرات جوجل google trends بصورة لحظيَّة.

أمَّا إذا كان المقصود هو معرفة معدَّل المنشورات حول موضوع معيَّن؛ فيمكن أن يتمَّ ذلك من خلال كلِّ موقع مثل تويتر وغيره.

ويساعد الهاشتاج على الوصول للمنشورات العامَّة الَّتي تتناول الموضوع بمجرَّد الضَّغط على الرَّمز، وهي بذلك تُسهِّل عمليَّة البحث كثيراً.

وقد لوحظ في الفترة الأخيرة شيوع ثقافة التريند -كما أُسمِّيها- فكلَّ صباح جديد نُفاجَأ بأنَّ أغلب المستخدمين على مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ يستهلكون كلَّ وقتهم في تلك الموضوعات المحدَّدة مسبقاً من خلال شخصيَّات مؤثِّرة أو أحداث طارئة أو قضايا تناسب اهتماماتهم من الموضوعات الموجودة على ساحة النِّقاش.

ويرتبط بذلك أيضاً في الآونة الأخيرة انتشار فنِّ الكوميكس، وهو أحد فنون الصُّورة، ويتمثَّل في مجموعه صور تحكي أحداثاً من خلال حوار مكتوب للشَّخصيَّات، وقد عُرِفَ فنُّ الكوميكس منذ فترة طويلة من خلال قصص الأطفال، ويظهر في مجلات ميكي وتان تان وغيرها، وهناك مجلَّة mad الأمريكيَّة، وهي من أشهر المجلَّات للكوميكس منذ فترة طويلة.

ونظراً لسهولة توصيل الرِّسالة الإعلاميَّة والثَّقافيَّة من خلال الكوميكس، فقد شهد تطوُّراً كبيراً في المشهد الثَّقافيِّ المصريِّ والعربيِّ.

ويجب الأخذ في الاعتبار أنَّ أغلب التَّفسيرات لأحداث كثيرة متداولة تظهر في تقديم قصَّة ملفَّقَة تبدو مغرية ومثيرة للنَّاس، وعادةً ما يُسارع النَّاس إلى تبنِّي تلك المرويَّات الكاذبة والأخبار المزيَّفة كحلٍّ سريع يحميهم من عناء البحث عن الحقيقة وتقصِّي الحقائق.

وفي تلك الأحيان، وفي تلك البيئة الجاهزة لتلقِّي أيِّ خبر أو كذبة سهلة تخدع الكثيرين؛ تظهر الإشاعات كظاهرة أساسيَّة ومسيطرة على عقول وأفكار النَّاس، والأخطر من ذلك هو جهل النَّاس بطبيعة الأمور الَّتي يتحدَّثون عنها، فيبدو الأمر كما لو أنَّ مُدرِّساً ساذجاً يسرح في الخيال بعقول مجموعة تلاميذ بنهاية مفتوحة نحو المجهول والمخيف؛ ليضمن هدوءهم وانتظامهم في الفصل.

ففي عصر تسيطر عليه تكنولوجيا المعلومات ومواقع التَّواصل الاجتماعيِّ والفضائيَّات؛ تبدو المشكلة أكبر بكثير، فكثير من التِّقنيات الَّتي تنتشر على شبكة المعلومات الدُّوليَّة (الإنترنت) لا زالت بعيدة المنال عن أغلبيَّة النَّاس العاديِّين، ويعدُّ الجهل التِّكنولوجيُّ والأُمِّيَّة المعلوماتيَّة أخطر ما يواجهه الشَّعب، ويساعد في تضليله وتوجيهه نحو نظريَّات المؤامرة الدُّوليَّة.

ولأنَّ أغلب المستخدمين الموجودين على شبكة الإنترنت لا يلجؤون لمصادر تحقُّق من المعلومات في أغلب الأحيان، والتي غالباً ماتكون في صورة تصميمات مُصوَّرة حافلة بالبيانات، ما أدَّى لبزوغ نجم ثقافة البيانات من خلال الأنفوجرافيك، وهو من أكثر أنواع الصُّور الرَّقميَّة انتشاراً على شبكة الإنترنت، وخاصَّةً مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ لِمَا فيها من جاذبيَّة وتوصيل أكبر قدر من المعلومات بصورة سلسلة وواضحة للجمهور.

انفوجرافيك؛ كلمة مكوَّنة مقطعين، وهما: information معلومات وgraphic رسم أو تصوير، وبذلك يصبح الأنفوجرافيك هو فنّ تحويل البيانات والمعلومات والمفاهيم المعقَّدة إلى تصميم به صور ورسوم يمكن فهمها بسهولة ووضوح باستخدام الأدوات الرَّقميَّة والبرامج المتخصِّصة في معالجة الصُّور والرُّسوم بالكمبيوتر.

ويتميز هذا الأسلوب بعرض المعلومات المعقَّدة والصَّعبة بطريقة سلسة وسهلة وواضحة مدعومة بصور ورسوم بيانيَّة للقارئ.

وينقسم الأنفواجرافيك إلى نوعين، ولكلِّ نوع منهما خصائص وبرامج لتنفيذه:

- النَّوع الأوَّل: الأنفوجرافيك الثَّابت، وهو عبارة عن تصميم ثابت، إمَّا أن يطبع ويوزَّع أو يُنشر على صفحات الإنترنت كالشَّبكات الاجتماعيَّة والمدوَّنات، وغيرها من الوسائط الإلكترونيَّة.

- النَّوع الثَّاني: الأنفوجرافيك المتحرِّك، وهوعبارة عن تصميم البيانات والمعلومات بشكل متحرِّك كامل، حيث يتطلَّب إبداعاً وحركات أكثر بما يوضح الموضوع محلَّ الاختيار بصورة شائقة وسَلِسَة ومؤثِّرة.

وهناك العديد من الأدوات لتصميم رسم أو تصوير معلوماتيٍّ ناجح أبرزها:

- برامج الأوفيس: (وورد - إكسيل - باور بوينت).

- برامج الأدوبي: (فوتوشوب - اليستريتور - إن ديزاين).

- مواقع متخصِّصة توفِّر مصادر ونماذج جاهزة وقابلة للتَّعديل.

وكذلك يمكن عمل صور باستخدام الموارد المتاحة بالسَّحابيَّات مثل google drive وغيره من جهات التَّخزين الضَّخمة.

ومن الممكن الاعتماد على أدوات ونماذج جاهزة والتَّعديل فيها بما يتناسب مع الموضوع؛ فهناك مواقع عديدة توفِّر تصميم الأنفوجرافيك للمصمِّمين والإعلاميِّين والمدوِّنين بمنتهى السُّهولة؛ وذلك عبر اختيار شكل معيَّن، ثمَّ التَّعديل فيه ليخرج الشَّكل النِّهائيُّ بأفضل صورة ممكنة.

ومن أهمِّ عوامل نجاح الأنفوجرافيك: جدِّيَّة الموضوع، وسهولة العرض، ودقَّة المعلومات، وجاذبيَّة التَّصميم. وتظهر براعة المُصمِّم في توظيف تلك العناصر لخدمة الصُّورة النِّهائيَّة من النَّاحية الجماليَّة والفكريَّة وتوصيل الرِّسالة المناسبة.

ويعدُّ الانفوجرافيك (الصور المعلوماتية) من الأدوات الَّتي تستخدم بكثرة مع الأخبار الرائجة، وعلى الرَّغم من وجود إيجابيَّات تتوفَّر عند التَّعرُّف على التريند اليوميِّ أهمُّها: تبادل الأخبار والمحتوى المعرفيِّ بين أكبر عدد ممكن من النَّاس، والتَّعارف والتَّواصل الاجتماعيُّ، وتغيير سلوك النَّاس من مجرَّد القراءة فقط إلى الإسهام في المحتوى وتبادل الخبرات.

لكنَّنا هنا نناقش مخاطر ثقافة التريند نظراً لأنَّها في أحيان كثيرة تحتوي على العديد من السَّلبيَّات، أبرزها:

1- القذف والطَّعن: ويشير إلى نشر أكاذيب للإساءة لسمعة شخص أو مجموعة أو مؤسَّسة.

2- إثارة الخوف والهلع: وهو أن يقوم شخص بنشر بيانات عن حدوث أخطار محتملة ولكن بتهويل زائد؛ ما يؤثِّر على نفسيَّة النَّاس.

3- الشَّتيمة والسَّبُّ الصَّريح: ويقصد بها الكلمات الخارجة والبذيئة الَّتي يؤدِّي مجرَّد لفظها إلى إساءة للطَّرف الآخَر.

4- التَّحريض العلنيُّ: ويعني الحشد والسَّعي ضدَّ الأشخاص والأفكار والمؤسَّسات.

5- الجنس: ويتمثَّل في التَّركيز على نشر المقاطع الإباحيَّة وخصوصاً للأطفال والشَّباب؛ ما يوجب التَّدخُّل والتَّحكُّم فيها.

وهنا لا بُدَّ أن نشير إلى ملمح مهمٍّ من ملامح ثقافة التريند وهو (الصُّور المسيئة)، ويقصد بها «الصُّورة الَّتي تحمل بياناً سلبيَّاً لك أو عنك، ويؤدِّي ذلك إلى ضرر مادِّيٍّ ومعنويٍّ يقصد به (شخص - جماعة - معتقد دينيٌّ أو فكريٌّ أو سياسيٌّ)».

وللإساءة أنواع عديدة:

1- الإساءة لشخصيَّة:

يقصد بها نشر صورة تتضمَّن فعلاً يُسيء لوضع مسؤول أو شخصيَّة عامَّة أو سياسيٍّ كبير، وفي بعض الأحيان شخصيَّة عاديَّة، وقد تكون الصُّورة حقيقيَّة تتضمَّن تصرُّفاً غير مقبول أو غير مُتعارف عليه في العلاقات العامَّة وقواعد البروتوكول والإتيكيت؛ وقد تكون الصُّورة رسماً ساخراً أو صورة مُركَّبة تتضمَّن تهكُّماً على الشَّخصيَّة بما يضعها في موقف حرج أمام جمهور متابعيه ومعجبيه ومؤيِّديه.

2- الإساءة لفئة أو مجتمع:

يقصد بها نشر صورة تتضمَّن الإساءة لفئة بعينها، وقد ينتج ذلك عن خلاف فكريٍّ أو سياسيٍّ.

3- الإساءة لمعتقدٍ دينيٍّ أو فكريٍّ أو سياسيٍّ:

يقصد بها نشر صور تتضمَّن تهكُّماً على أديان، أو أفكار جمعيَّة مؤثِّرة في الجماهير، أو معتقدات سياسيَّة لدول بعينها، وتعدُّ أكثر أنواع الإساءة إثارة للمشكلات والغضب الشَّعبيِّ العارم.

يجب الانتباه للمخاطر الَّتي أنتجتها مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ الَّتي تمَّ تركها لسنوات طويلة بدون دعوات للإصلاح الفكريِّ، لتصبح بمثابة قنوات إنتاج لإرهابيِّين بهذه البشاعة والفظاعة.

لقد أصبحت ثقافة الصُّورة مسيطرة على العقول حتَّى في القتل والتَّدمير؛ ليصبح مذاعاً على الهواء مباشرة دون أدنى مشاعر أو أحاسيس إنسانيَّة.

لقد أصبح القاتل في العصر الرَّقميِّ يسمع موسيقى على الإنترنت، ويقوم بالدِّعاية لصفحته وقناته على «يوتيوب» أثناء عمليَّة القتل بحثاً عن ضغطات الإعجاب والتَّعليقات الكثيرة والأرباح من المتابعة في مشهد يدعو للأسى والحيرة في آن واحد من نتيجة ذلك على مصير الجنس البشريِّ.

لم تعد الفيروسات والدِّيدان المتطفِّلة الموجودة ببرامج الكمبيوتر تُدمِّر الأجهزة فقط، ولكنَّنا الآن نواجه فيروسات التَّطرُّف والإرهاب الرَّقميِّ نحو كلِّ ما هو إنسانيٌّ.

الخطير في الأمر أنَّه ليس من ضمن المؤشِّرات العامَّة في مصر أو التريندات أيُّ موضوع ثقافيٍّ أو فكريٍّ، فمثلاً في عام 2020 قامت جوجل بإحصائيَّة لأبرز المؤشِّرات الَّتي شغلت جمهور المستخدمين وكانت النَّتيجة كارثيَّة!

الصِّراع بين تيَّار الحياة وتيَّار الوعي على المنصَّات الإلكترونيَّة

نعيش يوميَّاً في ظلال ثقافة التريند الَّتي تستنزف طاقة أغلب النَّاس في قضايا خلافيَّة تافهة ومُملَّة وغير مُجدية، وغالباً ما تكون مُضيِّعة للوقت والجهد والفكر.

ويرتبط بهذا الأمر الحديث عن آليَّات وأدوات للخروج من هذا الأمر، ودور الثَّقافة والفكر الجادِّ في الوعي بالقضايا والأولويَّات.

ولعلَّ ذلك يثير قضيَّة مهمَّة، وهي الصِّراع بين تيَّار الحياة «الأمور الاعتياديَّة والطَّارئة»، وتيَّار الوعي «الفكر والثَّقافة»؛ فالشَّباب الَّذي يقضي أغلب وقته والشَّاشات أمامه، وبين يديه، وخلفه؛ يبدو كأحد المسجونين في تيَّار الحياة الَّذي غالباً ما يسير بسرعة شديدة، ودون منطق أو تفكير، وغالباً ما يندفع في قرارات أو يتأثَّر بأفكار جاهزة مُعدَّة مُسبقاً لاستهلاكها وقتَ الحاجة للشَّحن، والاندفاع باتِّجاه غير محسوب العواقب، وعادةً مع الوقت يتحوَّل لمُدمن لتلك الأمور -أخبار أو مقاطع فيديو أو صور مجتزأة- ليصبح حكمه على كافَّة أمور حياته من هذا المنطلق، ويتميَّز هذا الحُكم بسمات عديدة أبرزها:

1- سرعة الرَّدِّ: وتظهر في كتابة تعليقات، أو حُكم سريع، أو مشاركة لخبر ما قد يكون غير صحيح، أو عبر منصَّات إلكترونيَّة غير موثَّقة، أو أشخاص مزيَّفين.

2- فقدان الصُّورة الكاملة للأمور: ويظهر ذلك من خلال الحُكم على موقف بسيط أو مجتزأ من سياقه، والتَّعوُّد على أنَّ هذا يكفي ولا نحتاج للاستيضاح أو الاستبصار، وعادةً ما يلجأ إلى سياسة اللَّونَين (أبيض أو أسود) دون مراعاة أنَّ المواقف قد تكون لها أبعاد أو زوايا أُخرى للرُّؤية، أو ترسُّبات قديمة كان الموقف الظَّاهر نهايتها أو استكمالاً لها.

3- انعدام التَّفكير المستقبليِّ: ويظهر ذلك في الحكم القاطع والارتباط بالحاضر دون معرفة الأبعاد السَّابقة أو التَّالية المترتِّبة على الأمور، ولعلَّ تلك السِّمة بالذَّات تأتي من منطلق الرَّاحة من إجهاد العقل أو إرهاق الجسد، وعدم تحمُّل أيِّ أعباء مترتِّبة على الرَّأي، ومن ثمَّ إخلاء المسؤوليَّة، وانتهاء الأمر بسرعة دون مجهود أو عناء.

وفي المقابل يأتي تيَّار «الوعي» وهو يظهر نتيجة للتَّدهور الثَّقافيِّ الكبير على مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ، ويسعى لإيجاد حلول لكثير من الإشكاليَّات الَّتي غالباً ما يلجأ التَّيَّار السَّابق لحلِّها سريعاً دون تفكير؛ ما يؤدِّي لعواقب خطيرة.

ويستند تيَّار الوعي إلى وجود نخبة واعية بالمخاطر والنَّتائج على المنصَّات الإلكترونيَّة، وكذلك تحقيق الشَّعبيَّة المطلوبة على تلك المواقع، فوجود وعي منتشر لا فائدة منه، وكذلك وجود وعي موجَّه أو مزيَّف مسألة خطيرة، وتؤثِّر على اتِّجاهات الناس، وربَّما تحدث انتكاسات نتيجة ذلك.

ويتَّسم هذا التَّيَّار بسمات بارزة ومهمَّة:

1- البحث والتَّدقيق: وهي أبرز السِّمات الخاصَّة بالوعي من خلال الرُّجوع للمصادر والمراجع سواء المتاحة ورقيَّاً أو إلكترونيَّاً؛ للتَّأكُّد من معلومة أو فكرة أو رأي، ويساعد ذلك كثيراً في تصحيح الصُّور الشَّائعة للأمور والأحداث.

2- الموضوعيَّة: ويقصد بها البُعد عن التَّحيُّز والانحيازات بأنواعها؛ سواءٌ ثقافيَّة أو اجتماعيَّة أو سياسيَّة... إلخ.

3- الشَّفافية: ويقصد بها الصِّدق في البيانات، ومقاومة الفساد المعلوماتيِّ الَّذي يؤدِّي غالباً لفساد فكريٍّ وإداريٍّ.

4- النَّقد البنَّاء: ويقصد به دراسة الأمور بأسلوب علميٍّ سعياً للخروج بحلول ممكنة، وتفادي الأخطاء مستقبليَّاً.

5- التَّفكير المستقبليُّ: وهي نقطة مهمَّة من خلال معرفة أنَّ المستقبل هو الحلقة الأساسيَّة للإصلاح وليس الماضي، فالتَّفكير في المستقبل يساعد على تنمية مهارات التَّخطيط والتَّفكير العلميِّ.

ومن الضَّروريِّ تشجيع أصحاب المبادرات الشَّبابيَّة في هذا الشَّأن؛ نظراً لوجود طاقات كبيرة لديهم، ورغبتهم في التَّغيير وتحقيق مستقبل أفضل.

وتعدّ المبادرات الشَّبابيَّة إحدى أبرز الظَّواهر الإلكترونيَّة الإيجابيَّة المنتشرة على مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ، ويرجع ذلك لِمَا تتميَّز به تلك المواقع من تواجد كثيف للشَّباب المتحمِّسين الَّذين يمتلكون الكثير من الأفكار والتَّطلُّعات لتغيير المجتمع لصورة أفضل، وتتنوَّع تلك المبادرات ما بين اقتصاديَّة وسياسيَّة واجتماعيَّة وثقافيَّة، ولكنَّها تتَّفق جميعاً في أنَّ وسيلة التَّغيير هي استخدام أدوات الإعلام الجديد في إحداث التَّأثير المطلوب.

ويمكن تعريف المبادرة بأنَّها: فكرة جديدة أو رؤية مختلفة لشخص ما لمواجهة أسلوب أو طريقة أو مشكلة أو قصور في أحد مناحي الحياة، ويُعبَّر عنها في صورة حملة إلكترونيَّة، وعلى الرَّغم من أنَّ الحملة بمجرَّد اشتراك النَّاس فيها أصبحت الفكرة مشاعاً والإضافات متاحة والكلُّ مشارك في صياغة مبادئ وتوجُّهات الحملة؛ إلَّا أنَّ الشَّخص صاحب الفكرة أو المبادرة يظلُّ هو المُعبِّر الرَّئيس عنها، وهو الرَّئيس الشَّرفيُّ لها.

ويمكن من خلال مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ والمدوَّنات والمنتديات الشَّبابيَّة رصد عدد كبير من المبادرات والأفكار الجديدة الَّتي تدعو إلى ممارسات إيجابيَّة وثوريَّة ضدَّ أنظمة فاسدة في الكيانات السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثَّقافية الفكريَّة.

ولعلَّ أبرز المحاور الَّتي تنشأ خلالها المبادرات الشَّبابيَّة في المجتمعات هي: تحسين مستوى المعيشة والخدمات الرَّئيسة للمجتمع، وتعديل الأنماط الحياتيَّة السَّلبيَّة، والأخلاقيَّات الفاسدة، والدَّعوة لمقاطعة ونبذ السِّياسات القمعيَّة ضدَّ الأشخاص والجماعات، وتنسيق الجهود لعمل جبهة ضدَّ الظُّلم المجتمعيِّ للكفاءات والمبتكِرين، والدَّعوة لسلوكيَّات إيجابيَّة تقوم على تشجيع الإبداع والأفكار الجديدة.

وتعد مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ بما توفِّره من إمكانيَّات وسيلةً مهمَّة من أهمِّ وسائل الدَّعوة مبادرات شبابيَّة على الإنترنت. وتعدُّ مميِّزات مثل إنشاء الصَّفحات، أو إرسال الرَّسائل، أو إضافة مقاطع صوت أو فيديو ذات أهمِّيَّة كبيرة لأصحاب الأفكار الجديدة الَّذين يقومون باستغلال كافَّة الفرص من أجل كسب المزيد من المعجبين والمشجِّعين للفكرة أو الحلِّ الجديد والمُبتَكر.

وينبغي هنا أن نُنبِّه إلى أهمِّيَّة استفادة علماء المجتمع وأساتذة الإعلام والباحثين في مجال الرَّأي العامِّ من المبادرات الشَّبابيَّة، واستغلال وتنمية أفكارهم خصوصاً في مجال الثَّقافة والخدمات والتَّربية المدنيَّة، وفي المقابل يجب على الأجيال السَّابقة أن تعمل على إرشادهم، وتزويدهم بالخبرات والمعرفة اللَّازمة للنَّجاح.

[1] - مقتطف من كتاب ما بعد الكورونا، لمحمد سيد ريان، الصادر عن مؤسسة مؤمنون للتوزيع والنشر.