ثورات الـ"فيسبوك"، مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي في التغيير


فئة :  قراءات في كتب

ثورات الـ"فيسبوك"، مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي في التغيير

ثورات الفيسبوك، مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي في التغيير

مصعب حسام الدين قتلوني، بيروت، شركة المطبوعات، الطبعة الأولى 2014، 256 صفحة


يبدو الربيع العربي وكأنه تفاعل بين الشباب والإنترنت، وقد دار نقاش طويل حول دور شبكات التواصل الاجتماعي أو الإعلام الجديد في إنجاح الربيع العربي وتفعيله، وهي على أية حال ظاهرة لم تستوعب بعد جيدا، ومازالت جديدة ومختلفة، ويمكن المجادلة في مدى صحة المقولة ومدى تأثير شبكة الإنترنت والتواصل الاجتماعي وحقيقة دورها، ولكنها تبدو مقولة صحيحة ومنطقية وتكاد تكون موضع إجماع نظريا وعمليا أن "المعلوماتية" تغير على نحو جوهري ومؤثر في القوة والموارد والعلاقات والمؤسسات...

يؤكد مصعب قتلوني في كتابه "ثورات الفيسبوك" الذي صدر مؤخرا أن شبكات التواصل الاجتماعي لعبت دورا فاعلا في الربيع العربي، وتحولت من كونها مواقع للتواصل الاجتماعي وتكوين الصداقات وتبادل الطرائف والأحاديث الجانبية إلى مواقع يستغلها مرتادوها ونشطاؤها للعمل السياسي ومناقشة ظروف عملهم وهمومهم المشتركة، وحشد الجماهير بسرعة قياسية للعمل والضغط على الحكومات والأنظمة السياسية، كما حدث في مصر وتونس وغيرهما من الأقطار.

وساهمت مواقع التواصل كما يلاحظ قتلوني في كسر حاجز الخوف، وتشكيل التفاعل بين الشعوب، وكشف العيوب والأخطاء التي وقعت فيها الأنظمة السياسية وتوثيقها بالصور الثابتة والمتحركة، وتحولت إلى مصدر لوسائل الإعلام الكبرى والفضائيات!

وبالطبع، فإن الربيع العربي كما الثورات بعامة لا تصنعها وسائل الإعلام، وإن كانت تساعد في إنجاحها أو إفشالها؛ فالثورات مرتبطة دائما بأسباب اجتماعية واقتصادية جوهرية تتعلق بموازين القوى بين الطبقات والمصالح والصراع بين الشعوب وطلائها وبين النخب والقيادات السياسية والاقتصادية المهيمنة.

وبالنظر إلى ما حدث في مصر وتونس وغيرهما من الأقطار، يمكن ملاحظة دور شبكات التواصل الاجتماعي في التعبئة والتنظيم وتقديم المعلومات ومتابعة قضايا الاعتقال والتعذيب والفساد، ويمكن الاستدلال على دورها الفاعل بما قامت به الحكومة المصرية في أثناء الاحتجاجات والمظاهرات من إيقاف أنظمة الاتصالات وخدمات الإنترنت.

وفي التقييم والملاحظات الفنية والتقنية لدور شبكات التواصل والعلاقة معها، يمكن رصد عدد كبير من الوسائل التي اتبعت في الثورة "الفيسبوكية"، إن صح التعبير؛ بمعنى أنها مهارات الثورة صارت هي المهارات التقنية المستخدمة في إدارة وتنظيم العمل على شبكات التواصل، والإحاطة الواسعة بالخدمات التي يتيحها فيسبوك لمستخدميه، وبمهاراتهم هذه استطاع الشباب أن يتفوقوا على الأنظمة السياسية ومؤسساتها الإعلامية الهائلة.

وبالطبع، يمكن النظر عند تقييم وملاحظة الثورة والاحتجاج من خلال فيسبوك إلى النتائج المبهرة المتمثلة بإقالة رئيس مصر وتونس، محمد حسني مبارك وزين العابدين بن علي، ويشير المؤلف إلى صفحات محددة في فيسبوك، كانت ذات أثر طليعي وقيادي في العمل المناهض والاحتجاجي، مثل صفحة كلنا خالد سعيد.

وفي مستقبل دور فيسبوك، يقتبس المؤلف مقولات باحثين ومفكرين يجدون في ثورة الاتصالات تكريسا للحريات وحقوق الإنسان، وأن تكنولوجيا المعلومات توفر مساحة هائلة من الحرية، وأن كل الثقافات سوف تستفيد من هذه التكنولوجيا، وأنها أفضل طريقة لتحسين السياسات والثقافة وتوسيع نطاق الديمقراطية.

وبالطبع، يمكن الاستناد إلى مبررات ومعطيات كثيرة تعزز هذه المقولة، منها قدرة شبكات التواصل على اختراق الرقابة الحكومية والحدود بين الدول والأقطار، وسهولتها وانخفاض تكاليفها، وقدرتها على أن تكون بديلا ملائما وشاملا للصحافة ووسائل الإعلام التقليدية، وينظر إليها اليوم، باعتبارها من أهم المؤثرات في الرأي العام وصناعة القرار.

وقد يكون التصاعد الهائل في عدد مستخدمي فيسبوك وشبكات التواصل الأخرى مؤشرا على الفرص والحالة المستقبلة المنظور إليها، أو التي نحاول فهمها وتقديرها، ويتوقع أن يواصل الإعلام الجديد دوره في تنظيم الحراك الاجتماعي والمدني في العالم العربي، وبخاصة بين الشباب.

فيسبوك لم يغير بطبيعة الحال الدول والمجتمعات، ولكنه أداة تغيير وتأثير فعالة في الوعي السياسي والتجمع والمواجهة والجدل والدفاع وتستخدمه جميع الأطراف، ولم يكن أداة بيد المعارضة وحدها؛ فالحكومات والأنظمة تستخدمه أيضا، ولذلك فإن المصدر الحقيقي للتغيير هو الحراك الاجتماعي ووعي المجتمعات والطبقات لأهدافها ومصالحها، وهي في ذلك تبحث عن أدوات ووسائل لتحقيق أهدافها، وكان فيسبوك وشبكات التواصل من أفضل وأهم هذه الوسائل، ومن المؤكد أنه بدون هذه الشبكة لم تكن الحركات الاجتماعية ستنجج أو أن نجاحها سوف يتأخر إلى حين تجد الوسيلة المناسبة والفعالة للتعبير والتأثير.

لقد تجاوزت مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي وسائل الإعلام التقليدية بمراحل، ولا بد أن يكون لذلك تداعيات كثيرة على الدولة والمجتمع والعلاقات والتوازنات الداخلية والقواعد والمعادلات المنظمة لها، وفي ذلك رابحون وخاسرون، فمن يربح ومن يخسر، ومن يصعد ومن يخرج من المشهد؟

ويخصص المؤلف مساحات واسعة لملاحظة ورصد دور فيسبوك وشبكات التواصل في الثورات والحراكات العربية، ويقتبيس مقولات لناشطين وباحثين، ترى أن فيسبوك كان أداة الثورة والتفكير في الدول العربية.

يلخص نديم المنصوري أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية المميزات التي جعلت فيسبوك أفضل وسيط في تحريك الثورات؛ سرعة الاتصال، والسهولة وانخفاض التكلفة، وسهولة الاستخدام، وتعدد اللغات، والحضور المتواصل، والقدرة على التعبئة، والعالمية، والخروج عن سيطرة السلطة السياسية.

ويقول الباحث الأمريكي بمركز بيركمان للإنترنت والمجتمع إن الثورة التونسية هي أول ثورات تويتر، فقد استطاعت مواقع التواصل تحريك التونسيين والإفلات من هيمنة النظام السياسي على وسائل الإعلام، وأسهمت كما يقول عادل الثابتي في فك الحصار عن الثورة واستقطاب الدعم العالمي والتواصل مع العالم، كما كان فيسبوك أداة الشباب في نشر الأخبار والمعلومات وتداولها.

في الأردن، يمكن ملاحظة عدد كبير من الصفحات والمجموعات في فيسبوك، والتي تعبر عن مجموعات وقضايا إصلاحية ومطلبية، مثل "الشعب يريد إصلاح النظام" و"محاربة الفساد والاستبداد" و"محكمة الشعب" و"شباب 24 آذار" و"الهيئة الوطنية للملكية الدستورية".

وفي المغرب، نشرت على نطاق واسع المطالب والأهداف الإصلاحية التي كانت تحرك الشباب والجماهير وتجمعهم، ويشير المؤلف بشكل خاص إلى حركة 20 فبراير، والتي اعتمدت في نحاحها وتأثيرها على فيسبوك وتويتر.

وربما كانت الثورة السورية وبخاصة في مراحلها الأولى هي الأكثر اعتمادا على شبكات التواصل وتوثيق فعالياتها من خلال يوتيوب، وذلك بسبب ظروفها الخاصة المستمدة من قسوة النظام السياسي في سورية، وعدم تساهله تجاه المعارضة.

ولكن الثورة نجحت في استخدام وسائل التواصل لتحريك الإعلام الخارجي، وكان غير المحترفين الإعلاميين هم المصدر الميداني للفضائيات الكبرى ويزودونها عبر الموبايلات والإنترنت بالأخبار والصور والمعلومات.

وفي دراسة فلسطينية، ظهر أن حوالي ثلاثة أرباع مجتمع الدراسة يملكون حسابات على فيسبوك، ويرى معظمهم أن فيسبوك يسهم في حرية التعبير، ويلاحظ المؤلف أن جميع الفصائل والمنظمات الفلسطينية أنشأت لها حسابات خاصة على فيسبوك، وكذلك الشخصيات الرسمية والسياسية.

ومن أمثلة الصفحات العاملة في الحراك الفلسطيني: "الانتفاضة مستمرة" و"الشعب يريد تحرير الأسرى" و"الشعب يريد إنهاء الاستيطان"

ويفرد المؤلف مساحة واسعة خاصة بمصر وثورتها (25 يناير) وكيف لعبت مواقع التواصل فيها دورا مؤثرا، سواء في الحشد أو تبادل المعلومات والأخبار وبثها إلى العالم، وفي التنسيق والتنظيم للعمل اليومي للثورة.

ويشير المحلل السياسي ضياء رشوان إلى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على مدى السنوات الأربع السابقة للثورة، وكيف أنها غيرت مسار الإصلاح والمعارضة في مصر وحققت في ذلك نجاحا منقطع النظير، ويقول وائل غنيم القائد الشاب الذي اشتهر في الثورة أن الإنترنت سوف تغير السياسة والانتخابات في مصر.

وتؤشر الأرقام والإحصاءات على انتشار واسع لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في مصر؛ ففي تقرير لشبكة تكنو وايرلس المتخصصة بالتسويق الإلكتروني وشبكات الهاتف المحمول أن عدد مستخدمي الإنترنت كان قبل 25 يناير حوالي 21.1 مليون شخص وارتفع بعد الثورة إلى 23.1 مليون، وارتفع عدد مستخدمي فيسبوك من 4.2 مليون قبل الثورة إلى 5.2 مليون شخص، ويقضي مستخدم الفيسبوك 1800 دقيقة شهريا بعد الثورة، وكان يقضي قبل ذلك 900 دقيقة شهريا.

وفي دراسة للباحث أحمد إبراهيم، أستاذ الإعلام بجامعة فاروق في الإسكندرية أن جمهور الطلبة الجامعيين اعتمدوا على الإنترنت في الحصول على معلومات عن ثورة 25 يناير كانون الثاني، وكانت حصة التلفزيون 10% فقط، وكانت حصة فيسبوك: 44.6% يليه يوتيوب (24.9%) ثم المواقع الإخبارية (21.1%) ثم تويتر (5.8%) ثم المنتديات (1.9%) ثم المدونات (1.7%).

وتشير دراسة أخرى إلى 31% من نشطاء فيسبوك استخدموه لرفع مستوى الوعي بشأن الحركات الشعبية، وأن 24% استخدمون لنشر الأخبار والمعلومات، في حين استخدمه 30% للتنسيق بين الناشطين وتنظيم الحراكات.

ويعرض المؤلف تجربة وائل غنيم مقتبسا من كتابه "الثورة"، والذي صدر بعد عام واحد على ثورة 25 يناير وكيف نجحت صفحة كلنا خالد سعيد على فيسبوك في الحشد والتوعية والتعبئة، وكسر حاجز الخوف، واستلهام النجاح التونسي، ونشر تجاوزات النظام السياسي على نطاق واسع، وحشد الأغاني والأشعار والصور والأعمال الإبداعية، وتشبيك الجهود، ليتحول جميع المشاركين في الصفحة إلى نشطاء يستخدمون هم أيضا الموبايل وصفحاتهم الخاصة، واستقبال الصور التي توثق لما يجري.

ويمكن اقتباس ما أجمله شريف اللبان؛ أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة عن الإنترنت وشبكات التواصل في الثورة بالأبعاد والمجالات التي نجحت فيها الثورة في استخدام فيسبوك: الحشد والتنسيق والتدريب وتشبيك الأعمال والمساهمات، وتوجيه المشاركين والمتطوعين إلى الأفكار والخطوات والأعمال الممكن أداؤها واستخدام الشعارات الإبداعية والدعابة والسخرية والفكاهة.