حوار مع الدكتورة زينب معادي: المرأة المغربية وإكراهات الواقع


فئة :  حوارات

حوار مع الدكتورة زينب معادي: المرأة المغربية وإكراهات الواقع

في ظل التحولات العربية اليوم، كيف نفهم واقع المرأة العربية علميا وحقوقيا؟ ما هي جهود الحركة الحقوقية في الدفاع عن حقوق النساء وكرامتهن؟ كيف تؤثر الثقافة وخصوصا الدينية منها في تحديد أدوار ومكانات النساء داخل المجتمع العربي؟ ما هي التحديات التي تواجه دول ما بعد الربيع تجاه المرأة على شتى الأصعدة التشريعية والسياسية والاقتصادية والتنموية؟ هذه الأسئلة وغيرها نطرحها على الدكتورة زينب معادي، وهي أستاذة علم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، حصلت على شهادة الإجازة في شعبة الفلسفة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1971، أيضا سنة 1977 حصلت على شهادة الدروس المعمقة في النظريات الاجتماعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سنة 1986 حصلت على ديبلوم الدراسات العليا في جامعة محمد الخامس، ثم سنة 2002 حصلت على دكتوراه الدولة في علم الاجتماع، لها أيضا اهتمامات جمعوية مهمة؛ فهي عضوة مؤسسة بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان منذ سنة 1989،وشغلت بين سنة 1992 و 1994 منصب عضوة بالمجلس الوطني بنفس المنظمة ومسؤولة عن لجنة حقوق المرأة بها، ومن سنة 1995 وإلى سنة 2001 شغلت منصب عضوة بالمكتب الوطني لنفس المنظمة، و من سنة 1999 إلى 2004 كانت عضوة بمجلس الأمناء و مسؤولة عن لجنة حقوق المرأة بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان، وفي سنة 1995 أسست مركز الاستماع والإرشاد للنساء ضحايا العنف بالدار البيضاء، ومنذ سنة 2003 وإلى اليوم فهي عضو بالمكتب المحلي للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء، كما عملت منذ 1986 أستاذة لمادة الفقه والتاريخ التشريع وعلم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني بابن مسيك بالدار البيضاء، لها مجموعة من الكتب والإصدارات من بينها "الأسرة المغربية بين الخطاب الشرعي والخطاب الشعبي"، "صورة المرأة في القانون المغربي"، " المرأة بين الثقافي والقدسي"، وأسهمت أيضا بعدة أبحاث مع منظمات دولية، مثل جنسية أبناء المرأة، ومقالات مثل "إدراك الجسد لدى المرأة القروية"، "البناء الثقافي للجسد الأنثوي"، "مكانة المرأة في مؤسسة الأسرة"، "واقع النساء في المغرب" إلى غيرها من الدراسات، ومن أشهرها الكتاب الذي توجت به مسيرتها المعنون "بالجسد الأنثوي وحلم التنمية."

دكتورة، لنبدأ بتجربتك الحقوقية، ولا يمكن بطبيعة الحال فصل الجانب الحقوقي عن الجانب العلمي في مسيرتك، كيف تقدمين اهتمامك بقضية المرأة منذ 30 سنة تقريبا، بهذا المزج بين ما هو حقوقي وما هو علمي؟

زينب معادي: في الواقع المزج بين الجانب الحقوقي والجانب العلمي بشكل أساسي، السوسيولوجيا، حيث كان سببا في غنى تجربتي في تناول قضية المرأة، لأنه في الحقيقة هناك الدافع الذاتي لأية امرأة في أن تتحدث عن وضعها لأية مناضلة في جمعية نسائية، لأن تتحدث عن وضع النساء، و لكن عندما تغني هذا التناول بتناول حقوقي، عندما تغنيه بدراسة فاحصة للواقع، وعندما تغنيه كذلك بتأمل في النصوص الدينية المقدسة، فأظن أن هذا بالنسبة لي منحني زاوية ونافدة مترعة، لتناول واقع النساء وواقع المجتمع المغربي.

يونس الوكيلي: اهتمامك منذ 30 سنة إلى الآن، بالانخراط في الحركة النسائية بالمغرب، ووضعت يدك مبكرا، منذ 1986 على جانب مغيب في الحركة النسائية، وهو الجانب الديني لموضوع المرأة، هل يمكن أن توضحي لنا كيف كان هذا الاهتمام من خلال كتابك "الأسرة المغربية بين الخطاب الشرعي والخطاب الشعبي."

زينب معادي: هذا الكتاب في أصله رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، وفي نفس الوقت كان تجسيدا لهم أساسي كان يشغلني هو أن أتعرف على واقع المرأة المغربية من خلال ملفات القضايا الزوجية، لأن هذا البحث هو أصلا دراسة المحتوى ل 3000 ملف. عندما أقول دراسة المحتوى، فأنا أتحدث عن آلية معروفة في علم الاجتماع، وفي نفس الوقت وجدت نفسي أقارن دراسة المحتوى لهذه الملفات بدراسة النصوص التي تحكم هذه الملفات التي هي المدونة السابقة في المغرب بدراسة الأساس الذي ارتكزت عليه هذه المدونة الذي هو الفقه الإسلامي، آنذاك كان الأساس هو الفقه المالكي؛ فالتعرف على واقع الملفات كان اكتشافا أدهشني وآلمني أحيانا، أن أعرف ماذا تعيشه الأسرة المغربية، وأن أعرف كذلك كيف تعالج مشاكل الأسرة المغربية؛ بمعنى أن المشاكل كانت مشاكل القرن العشرين بما عرفته الأسرة من تغيرات في الحجم، في البنية، بما عرفه المجتمع المغربي على مستوى التصورات والنص، إذ كان يرتكز أساسا على تصورات فقهية قديمة، حيث وأنت تدرس الملف وتدرس الحكم تصدم، ما علاقة هذا بهذا؟ هذا جعلني أصل إلى نتيجة أن التعامل مع قضايا الأسرة ووضعية النساء بشكل خاص، ينتج أن المجتمع يعيش السكيزوفرينيا؛ أي هناك واقع وهناك نص قانوني يحكم هذا الواقع، وهو بعيد عن هذا الواقع، وأظن أن هذا الكتاب، وأقولها بكل تواضع، قد ألهم الحركة النسائية بالإضافة لعدة عوامل أخرى للمطالبة بتغيير المدونة، حيث كنت أتكلم في هذا الكتاب على الأحكام التي يصدرها القاضي، مثلا بالنسبة لمقادير النفقة، وأورد في نهاية الكتاب أثمنة المواد الغذائية التي كانت آنذاك، وكان شيئا يظهر ما هو المقدار الذي حكم به القاضي، بالنسبة للنفقة لأم عندها ثلاثة أبناء وتكلفة المعيشة، و بالتالي النظر إلى الواقع والنظر إلى النص القانوني الذي يحكم هذا الواقع لم يكن من الممكن إلا أن يؤدي إلى أن هذا النص بعيد عن الواقع إلى حد بعيد جدا.

يونس الوكيلي: عندما نقول النص القانوني، وباعتبارنا في مجتمع إسلامي، يعني أن هذا النص القانوني مؤسس على نصوص شرعية دينية، ومن هنا كان انتقالك نحو هذه النصوص، وبالتالي فنحن أمام نصوص شرعية، أقصد بها القرآن وما صح من السنة، وفي نفس الوقت هناك فقه حاف بهذه النصوص؛ بمعنى هل المشكل الذي وصفته بالانفصام هو لأنه اعتمدنا عن النصوص المقدسة في حد ذاتها أو لأننا اعتمدنا على ما فسرت به تلك النصوص المقدسة، وأشير إلى كتابك الأسرة المغربية بين الخطاب الشرعي و الخطاب الشعبي، عندما قلت بأن مالك ليس مالكا في كثير من الأحيان، بمعنى أنه أحيانا وكأنه أنتج فقها لعصره و ليس لعصر آخر، كيف ترين هذه المفارقة؟

زينب معادي: عندما قلت بأن مالك ليس بمالكي، مستعيرة تعبير ماركس ليس ماركسيست وقالها ماركس عن نفسه، وربما لو كان سئل مالك كان يمكن أن يقول هذا عن نفسه إنه ليس بمالكي. ما معنى أنه ليس بمالكي؟ مالك لم يقدم لنا نصا دوغمائيا، ولكن المتصفح لكتاب مالك الموطأ يجد عند مالك، وهذا يمكن أن نلاحظه، حتى عند الشافعي الذي استنبط أحكاما في منطقة معينة اجتهد واستخرج أحكاما أخرى في مناطق أخرى، لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان كما يقول الفقهاء؛ فمالك في كتابه الموطأ عندما يتحدث عن قضية ما، دائما نجده يختم، وهذا هو الأمر الذي نحن عليه، لا يقول هكذا يجب تكون الأمور في كل مكان وزمان، ولكن هو يرتبط بالزمان، بالمدينة؛ بمعنى أنه كفقيه وباجتهاداته، وعندما لا يكون الأمر قطعيا، ونحن نعلم أن المتمكن من الدراسات الفقهية لابد أن يميز بين نص قطعي، عندما يتعلق الأمر بالقرآن؛ نص قطعي؛ ونص ظني، وعندما يتعلق الأمر بالحديث بنص قطعي في الدلالة وكذلك قطعي في السند. فحالة الفقه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده، كانت حالة فقه يغلي بالجديد، يواجه الجديد يجتهد، ماذا قال ابن العباس عندما سأله الرسول: "ماذا ستفعل؟ " قال له: "سأعتمد على القرآن ثم السنة " قال: «أجتهد فلا آلو"؛ أي أنه أمام الجديد سيجتهد. قال: "الحمد لله الذي وفق رسول الله إلى ما يرضي الله ورسوله .إذن، الاجتهاد كان لحمة أساسية بالنسبة للفقه الإسلامي؛ بمعنى الارتباط بالجديد، عندما وضعت مدونة الأحوال الشخصية سنة 1957 وأول توجيه وجه به الملك الراحل الحسن الثاني هذه اللجنة، قال لهم الفقه يتعقل ولا ينقل، ولكن اللجنة التي وضعت نصوص المدونة السابقة لم يرتبطوا بهذا التوجيه، بل اعتمدوا على أحكام تلائم عصور التقليد وليس العصور الزاهرة؛ بمعنى كنا أمام نص متخارج مع الزمن، أول هو نص لا يتمتع بحيوية الاجتهاد الفقهي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة وكذلك هو نص لم يستطع مواكبة تغيرات المجتمع المغربي من 1957 إلى الآن، ما الذي حدث خلال هذه الفترة؟ نعرف أن النظام الاقتصادي الذي كان يعاش في المغرب والدول العربية هو نظام إقطاعي أو بنيات ما قبل الرأسمالية، لأنه هناك نقاش هل هي إقطاعية أم نستخدم فقط الاسم العام بنيات ما قبل الرأسمالية؛ فارتباط المغرب والدول العربية بالمستثمر الأجنبي كان معناه أنه ارتبط بنظام اقتصادي جديد هو نظام الرأسمالية، وهذا الارتباط لا يعاش فقط على مستوى الاقتصاد، بل سيعاش أيضا على مستوى البنيات الاجتماعية وعلى مستوى البنيات الفكرية، وبالتالي إن نظرنا إلى ما عاشته الأسرة المغربية في الخمسينيات وقت صياغة النص، نجد أن هناك تغيرات كبيرة جدا، الأسرة تتجه نحو الأسرة النووية بدل الأسرة الممتدة، المرأة تتجه نحو سوق الشغل وعدد مهم من التغيرات في الأدوار وفي المكانات، تغيرات في الدور الذي يجب أن تقوم به المرأة، المرأة تتجه نحو التعليم، وهنا أريد أن أوضح أن المرأة اتجهت إلى العمل قبل أن تتجه نحو التعليم، لأن الحاجة دفعت النساء للعمل، كانت هناك إشكاليات اقتصادية كبيرة، إذن كانت هناك تغيرات جديدة تعاش في المجتمع المغربي على المستوى الاقتصادي، على المستوى الاجتماعي، على المستوى الأسري بشكل خاص، على المستوى العلاقة بين الجنسين، على المستوى بين الأجيال؛ أي على المستوى العلاقات أفقيا وعموديا، النص لم يكن في مستوى هذه التغيرات، النص القانوني إذا لم يحكم انطلاقا من استيعابه هذه التغيرات، فسيكون نصا غريبا جدا، من ضمن أهم الأشياء فعلا التي كانت، سأذكر مثالا على ذلك أنه عدد كبير من المشاكل التي كانت تعيشها النساء في تلك الفترة، أنا أتكلم عن النساء اللواتي يتقاضين، فلا تجد النص الذي يستوعب الإشكال فينصحها المحامي بطلب النفقة؛ بمعنى وأنا أقرأ المقال، عرض المشكل يتعلق بمشاكل متعددة والمطلب هو النفقة.

يونس الوكيلي: تتحدثين الآن عن النصوص التي حصلت عليها من المحكمة؟

زينب معادي: أنا أتحدث عن 3000 ملف من المحكمة التي درستها، لأن كل ملف من المحكمة فيه المقال والوثائق الخاصة بهذا المقال، يمكن لمن يقرأ هذا المقال بدون أن يستوعب التغيرات التي تعاش، هي تعرض مشاكل والمطلب أحيانا بعيد عن المشاكل، لأن ما عرضته من مشاكل لم يجد النص الذي يستوعبه، إذن لكي تقبل الدعوة على مستوى المضمون، حيث إن هناك قضايا ترفض لعدم وجود النص الذي يحكمها، ترفض شكلا أو مضمونا، فلهذا كان هناك نوع من التناقض بين ما عاشه المجتمع المغربي، بين ما عاشته الأسرة المغربية على مستوى الواقع والنص الذي سيحكم هذه الإشكالات، طبعا لا يمكن أن نتحدث عن أسرة بدون تناقضات،لا يمكن أن نتحدث عن مجتمع بدون تناقضات، ولكن يجب أن يكون النص في مستوى هذه التناقضات وإلا سينعكس هذا سلبا على المجتمع.

يونس الوكيلي: هذه الدعوة إلى الاجتهاد في النص تعترض بأن الحركات النسائية عندما تحمل هذه الدعوة، فهي إما تكون مرتبطة بجهات خارجية في التمويل والأجندة إلى غير ذلك، وهذا يؤثر على المطالب العادلة لهذه الحركة، وتبدو في الخطاب الشعبي للناس العاديين أن هؤلاء الحاملين لمشروع الدفاع عن حقوق المرأة منفصلون عن المجتمع، هم نخبة منعزلة في الأعلى، لماذا لم تستطع الحركة النسائية الالتحام بالمرأة البسيطة، العادية وإقناعها بمشاريعها؟

زينب معادي: في الواقع لا يمكن لأحد أن ينكر أن الاجتهاد ضروري وإلا سيصبح الفقه عبارة عن اجتهادات ميتة، وإلا ونحن الآن في القرن 21 سنعيش باجتهادات تتعلق بزمان غير زماننا، وأفداد الفقهاء كانوا يؤكدون على ضرورة الاجتهاد؛ فمثلا يمكن أن نأخذ أقوال القرافي الذي يقول: " إن استمرار الأحكام التي مردها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهل في الدين " هذه لم تقلها الحركات النسائية، بل قالها فقهاء أفداد، بل "كل ما هو من الشريعة يتبع العوائد بتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة ا لمتجددة"، هذا كتاب الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، ويمكن أن نأتي بعشرات النصوص في هذا المجال. الاجتهاد إذن، ضرورة ولا أقول الاجتهاد في النصوص القطعية والأحكام القطعية في القرآن قليلة جدا والأحكام الظنية هي الأكثر منها، لأنه لم يكن من الممكن أن تحسم النصوص المقدسة في كل القضايا، لأن القضايا تتجدد فما ارتبط به النص القطعي هو الأسس والمبادئ الأساسية والقيم التي تحكم المجتمع، لكن الجديد جميع الفقهاء أكدوا على ضرورة مراعاته واعتباره. إذن، الاهتمام بالاجتهاد وحديثي عنه في العديد من الكتب لم يكن شيئا بعيدا عن الدين، بل كان انطلاقا من اطلاعي على النصوص الدينية سواءا النصوص القرآنية أو النصوص الحديثية، وهذا ما جعلني أهتم بهذا المجال وأظن أنكم ذكرتم في مجال عملي، أنني درست هذه المادة الفقه وتاريخ التشريع؛ بمعنى أن اهتمامي بقضية المرأة جاء، لأنني أحس أنه من الضروري أن أتعرف على الفقه، بل أنني كنت أقول اقتبست نصا من القانونيين عندما يقولون :" لا يعذر أحد بجهله للقانون " و أنا أقول: " لا يعذر أحد لجهله الفقه " من يجهل الفقه لا ينبغي أن يتحدث عن القضايا التي تعاش في الواقع، ولا ينبغي أن يتحدث عن الإسلام. أرجع إلى النقطة التي قلتها بأن الحركة النسائية أحيانا تنعت بأنها تستورد القضايا وتبتعد عن الواقع المعيش للنساء المغربيات أو للنساء العربيات، يمكن أن نتحدث عن بعض القضايا التي لا ينبغي أن تطرح الآن، ولا ينبغي أن تطرح في مجتمع ما مغربي، مصري مثلا، ولكن هناك قضايا ينبغي أن تطرح وبحدة وتتطلب التجديد وتتطلب الاجتهاد، أنا بالنسبة لي ما هو أساسي هو أننا ينبغي أن ننصت إلى المجتمع، تكويني في علم الاجتماع دفعني إلى قناعة مهمة جدا، هي الإنصات.

يونس الوكيلي: سنأتي دكتورة إلى هذه النقطة المنهجية في الاشتغال، ولكن قبل ذلك، سأعطيك مثالا، يقال: إن الحركة الحقوقية النسائية تدافع عن التساوي في الإرث بين الرجال والنساء؛ بمعنى أن هذه المسألة الآن هي معضلة دينية بين قوسين، وتمارس حيفا على المرأة حسب الحركات النسائية، يعني هل فعلا هناك مشكل مثلا في الإرث؟ هل هو تكريس للتمييز واللامساواة بين الرجل والمرأة؟

زينب معادي: في الواقع هذا يوصل إلى موضوع المساواة، وما معنى المساواة؟ المساواة لا تتناقض مع أساس الشريعة، يقول الله تعالى في سورة الحجرات: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم "؛ لم يقل إن النساء أكرم من الرجال أو الرجال أكرم من النساء، مبدأ المساواة فقط ينبغي أن نحسن استعماله وأن نحسن تأصيله، لا يتعلق الأمر فقط بالإرث، بل الموضوع كان من بداية الحركة الحقوقية والحركة النسائية، أولا كان هناك إشكال في التحدث عن التعدد، ومن كان يتحدث عن التعدد ينبغي أن يتم تقييده، كان يواجه بأنه يريد أن يدخل في المجتمعات الإسلامية ما ليس إسلامي، ربما منذ بداية عهد السلفيين الأوائل، مثل علال الفاسي الذي طرح هذا الموضوع وتمت مناقشته، وهنا أحيل على سلفيين، مثل الطنطاوي، علال الفاسي بالمغرب، الذين تحدثوا عن عدة قضايا كانت تثير إشكالا في فترة ما. موضوع الولاية كذلك، كان من الموضوعات التي تمت مقاومتها مع أن هناك مذهبا حنفيا، وهو مذهب إسلامي كان يسمح للمرأة أن تزوج نفسها، موضوع الولاية، أسال مدادا كثيرا في المجتمع المغربي والمجتمع العربي، الآن هو متجاوز بمعنى القضايا التي تطرح ربما لابد من الابتعاد من النظرة الانفعالية والنظر إليها نظرة رزينة من منطلق مصلحة المجتمع، إذا لم يكن الأمر يتعلق بنص قطعي، " أينما كانت المصلحة فتم شرع الله " كما يقول القرافي. فبالنسبة للإرث، لا ينبغي أن نخطئ ونقول بأن الإرث فيه تمييز دائما، لا، يمكن أن نتحدث عن حالات، بالطبع هذا الموضوع لوحده يلزمه اهتمام خاص، أحيانا ترث المرأة أكثر من الرجل، لا يوجد تمييز مطلق في الإرث، تمييز مطلق عندما يريدون أن يؤسسوا للتمييز، هنا أشير إلى وضع النساء في العالم العربي هو وضع صعب جدا، لأن المعارضة لا ترتكز فقط على الدين، بل ترتكز كذلك على السياسة، وترتكز كذلك على الترسبات الثقافية الموجودة، فلهذا المقاومة صعبة شيئا ما، لكن مع التغيرات ومع الإلحاح ومع الضغط يمكن أن تتغير، أظن أن أهم ما يثير حول موضوع الإرث هو التعصيب، إذا سايرتم مطالبة الجمعيات النسائية، وربما حتى الجمعيات الحقوقية بالمساواة في الإرث لا تتحدث بشكل أساسي عن الآية التي تقول: " و للذكر مثل حض الأنثيين "، بل يتعلق الأمر بما يثير إشكالات صعبة ألا وهو التعصيب، لأن الآن الأسرة المغربية أصبحت أسرة نووية، وكل الإرث العائلي الآن يسهم فيه الزوجان معا، ولكن الاجتهاد الفقهي، جعل التعصيب يرتبط أساسا بالذكور من الأسرة، وهو يتحدث عن الأسرة الممتدة وبالتالي هناك قضاة أطلعونا على قضايا حرمت الأسر من بيوتها، لأنه مثلا توفي الأب أو توفيت الأم وكان هناك اضطرار لإفراغ البيت لكي يباع ويقسم على من له الحق في الإرث حسب الاجتهاد الفقهي. أحيانا يكون من الصعب الخروج من البيت، لأنه لكي تخرج من بيتك والانتقال لبيت آخر في انتظار أن يباع؛ بمعنى تصور أن بيت العائلة سيقسم، لا يقسم على أفراد العائلة، ولكن ربما يأتي أشخاص من أسر أخرى نووية هي أسرة العم ويقاسمون مثلا لو لديك بنات، سيقاسمون البنات في الإرث، وهذا شيء يمكن أن يخلق عدم استقرار، فهذا موضوع يستحق أن يدرس دراسة بعيدة عن الضغوطات الثقافية، وبعيدا عن الأحكام المسبقة، وانطلاقا من تغيرات الأسرة الآن. هو في ا لواقع الآن ماذا يحدث؟ صحيح أن هذه أحكام موجودة في القانون ولكن ما الذي يحدث؟ أحيانا الآباء قبل وفاتهم يتحايلون على القانون، لأن القانون لم يعد يساير واقع الأسرة المغربية، وبالتالي أعتبر أن ما هو قطعي لا مجال للمساس به، ولكن ما ليس قطعيا وما ليس نصا أصليا، ينبغي أن يتم الاجتهاد من طرف فقهاء عندهم تكوين ليس فقط تكوين تقليدي فقط، وإنما فقهاء عندهم تكوين في العلوم الإنسانية كذلك ويعرفون فعلا ضغوط الواقع، الاجتهاد شيء أساسي جدا.

يونس الوكيلي: في هذه النقطة بالضبط، كثيرا ما يتهم هذا الفقه عبر التاريخ، والذي نعتمد عليه في الاجتهاد، حيث يصبح في نهاية المطاف اجتهادا انتقائيا، لدينا تراث فيه السيء والحسن، دعنا ننتقي منه الحسن، ولكن لماذا لا نتوجه رأسا إلى هذه النصوص الأساسية، ويتم الاجتهاد في ما بها حتى نتفادى اللمسة الذكورية في هذا الفقه، نحن نعرف أن المرأة كانت مغيبة تماما في إنتاج هذا الفقه، ربما النساء الفقيهات كن معدودات على الأصابع، أنا أقول ما يقال على لسان كثير من النساء اللواتي يطالبن بالاجتهاد في هذا المجال، لماذا لا يتم التوجه رأسا إلى هذه النصوص؟ لماذا الشافعي أو المالكي أو الحنبلي أو ...؟

زينب معادي: أصلا المصدر الأول في التشريع هو القرآن، المصدر الثاني هو السنة الصحيحة. طبعا من حيث النص ومن حيث الإسناد، هذه هي الأسس التي لا يمكن أن تتجاوز، وما بعد ذلك يمكن أن يكون الاجتهاد، ويجب أن يكون الاجتهاد، لأن هذا ما نجده عند الفقهاء القدامى إذا كان هناك تغيرات، هناك علوم تساعد على هذا الاجتهاد وهناك أصول الفقه، ما ينبغي وضعه نصب الأعين؛ فالتوقف في نظري عند مذهب معين أو عند اجتهاد في الظني من الآيات أو الأحاديث والتشبث به، لا يمكن إلا أن يسيء للإسلام، لأن الإسلام دين يؤمن بالمساواة ويمكن أن أعطيك نصوصا متعددة في هذا المجال، يؤمن باحترام المكانة الإنسانية للنساء؛ فتراثنا جميل جدا لو تصفحناه وأراء الفقهاء المتنورين، سواء في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف الرسول من النساء شيء رائع جدا، هناك الآية القرآنية التي تقول: " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا". " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا"، فهل يمكن أن يستنتج تمييز بين الرجال والنساء، التمييز أو التفاضل هو فقط بالتقوى، لأن نأخذ الجانب الآخر، ماذا يحدث عندما تبخس المرأة في حقها، لا ننسى أن المرأة الآن نعتمد عليها في الأمن الغذائي، في الأمن الصحي، في تربية الأجيال، بقدر ما تمتعت بحقوقها بقدر ما أنشأت أجيالا، مواطنا عربيا قادرا على مواجهة التحديات، المواطن العربي الآن هو مواطن سبحان الله يواجه عددا كبيرا من التحديات هو صامد، لكن " يأكل العصا" هذا المواطن وهذه المواطنة يحتاجهما المجتمع العربي من أجل البناء وليس لكي يدمر كل واحد الآخر .

يونس الوكيلي: في موضوع ذي ارتباط، نجد الآن أن جسد المرأة أصبح موضوع نقاش ذي أبعاد متعددة، أعطيك مثالا في قضية الحريات الخاصة، أن بعض النساء يرين أن الإجهاض من الحريات الفردية التي ترتبط بأجسادهن، هل يمكن أن نعتبر الإجهاض مسألة فردية داخلة في حرية تصرف المرأة في جسدها، وبالتالي لماذا هذا النقاش وحديث الفقهاء حول التحريم إلى غير ذلك؟ ما وجهة نظرك في هذا القضية؟

زينب معادي: أنت الآن تتكلم عن القضايا المطروحة الآن داخل الجمعيات النسائية، هناك بعض القضايا التي ينبغي أن نتأملها، لهذا قلت في البداية إنه لابد من الإنصات للمجتمع، هل المرأة العربية الآن هذا هو همها الأساسي؟ يمكن أن نجد لها قضايا أخرى تتمنى لو طرحت مثلا، عندما طرح موضوع الإجهاض سألت مجموعة من نساء الأسر الموظفات أي مشكل أساسي تعشنه الآن؟ فقلن لي بدون استثناء: أن المشكل الأساسي هو كيف أوفق بين العمل خارج البيت وبين العمل داخل البيت وتربية الأبناء، هذه القضايا كان يمكن أن تتناول بشكل يساعد، لأننا نعرف أن المرأة التي تشتغل، فهي تشتغل وفق مفاهيم رأسمالية؛ بمعنى أن المرأة التي تعمل تعيش تناقضا؛ فهي تعيش وفق وثيرة في العمل، مثلا لو كنت أشتغل في هذا المكان ودخلت صباحا، فأنا سأخضع لنفس التوقيت الذي يخضع له زميلي الرجل؛ بمعنى أني سأخضع لنفس الترتيب وكأنني ليس لدي بيت ولن أشتغل في البيت، أولا هذه العملية ينبغي أن يعاد فيها النظر، فعندما تريد المرأة أن تشتغل، ينبغي أن نكيف هذا الاشتغال و قانون الاشتغال مع وضعيتها فهي مستقبلا ستكون ربة بيت ومستقبلا ستكون أما، و إلا سوف تعيش التناقض الذي أتحدث عنه دائما، عندما تشتغل كأنها لا تشتغل في البيت، وعندما تدخل البيت كأنها لا تشتغل خارج البيت، إذن، أنا كنت أتمنى لو طرحت مسألة تقسيم العمل داخل الأسرة في النقاش، لو طرحت لتغيرت المعايير التي تخضع لها المرأة العاملة، لو طرحت مسألة الأمن والعنف الذي تتعرض له النساء مثلا في الشارع؛ أي أنك لو أنصت للمرأة العربية ما الذي تعيشه أكثر، فستجد أن الإجهاض يأتي ربما في المرتبة 20 أو 30 من اهتماماتها.

يونس الوكيلي: ولكن هناك بعض النساء في المرتبة الأولى؟

زينب معادي: في حالة إذا ما طرح هذا الموضوع بالنسبة لمن سيطرح؟ يمكن أن يطرح في حالة وجود مشكل صحي؛ فطبعا يمكن أن يجيز الأطباء لإجهاض إذا كان سيكون به مساس بحياة المرأة، وهذا طبعا الفقهاء لا يعارضونه، فيما إذا كان هناك اغتصاب، فيما إذا كان هناك زنى المحارم، هذه مسألة ينبغي أن تدرس. الإجهاض فقط رغبة في الإجهاض فهذا من الناحية الطبية ستجد أن هناك أطباء سيقولون لك ربما أن هذا سيحرم النساء مستقبلا من الحمل، إذن المسألة علميا يمكن أن توضح هكذا، فحتى النقاش الدائر في الموضوع هو نقاش يتسم بقليل من العنف، الفقيه ينبغي أن يعطي تبريرات، أصلا في الحقيقة الفقه ليس شيئا بعيدا عن الواقع، كل ما هو ممنوع فهو مضر بالأسرة ومضر بالمجتمع، وكل ما هو مباح فهو صالحه " أينما كانت المصلحة فتم شرع الله"، إذن لماذا يمنع الإجهاض؟ إذن لابد أن يكون هناك نقاش بارد وليس نقاش ملتهب بين من يشهر الدين كسلاح ومن يشهر قضايا لا علاقة لها بالمجتمع المغربي كسلاح. أنا هكذا أرى الأمور وأرى دائما أن الإنصات للمشاكل الحقيقية، ينبغي أن يكون فيه تأن، ولهذا أعتبر أن هناك دورا كبيرا، يمكن أن يلعبه البحث العلمي في توجيه القضايا التي تتكلم عنها الجمعيات النسائية، ثم يمكن أن أقول لك إن الجمعيات النسائية ليست هي المعبر عن مصلحة النساء فقط، هناك عدد كبير من النساء لا يعرفن بوجود الجمعيات النسائية، لأنها لم تصل إلى حياتهن أو لم تصل إلى عمق المشاكل التي يعشنها، في حين لا ننكر أن هناك عددا من الجمعيات تخدم مصلحة النساء، في الواقع هناك في المجتمع المدني، أنا كنت في اللجنة التي تحدثت معك عنها، عدد كبير في الجمعيات، حيث يمكن القول إن هناك فيضين في الجمعيات، هناك الجمعيات الجادة فعلا، والتي لها تاريخ وتخدم المجتمع وتخدم مصلحة النساء، وهناك الجمعيات التي لا تتمتع بنفس المكانة وبنفس العمق في التجربة.

يونس الوكيلي: أريد أن تتحدثي عن البحث العلمي وأهميته في ترشيد الحركة الحقوقية النسائية، أريد أن ألتفت معك قليلا إلى أطروحتك المتميزة التي صدرت فيما بعد " الجسد الأنثوي وحلم التنمية " حقيقة شعرت بلذة خاصة في قراءة هذا الكتاب، وحتى عندما كنت طالبا وحتى عند الذين درسوه استمتعوا به بشكل كبير، وكان مدخله مدخلا إبداعيا بامتياز، بمعنى أنك تطرحين أن متمثلات المرأة حول جسدها في حد ذاتها عائق أمام التنمية، لو تشرحين لنا بعض من هذه الأطروحة التي بنيت عليها كتابك؟

زينب معادي: الملاحظة الأساسية التي انطلقت منها هي أننا نعيش تصورا مغلوطا عن التنمية، في البداية مفهوم التنمية كان يلح على الجانب الاقتصادي، ثم تبين في ما بعد ليس على مستوى المغرب، وإنما على مستوى العالم وخصوصا مع العشرية النسائية من 1975 إلى 1985 هو أن المشاريع الاقتصادية للتنمية استفادت منها بعض المؤسسات أو استفاد منها بعض الرجال، لكن المرأة زادتها قهرا على قهر، فأردت أن أنصت للنساء في منطقة من المغرب، كيف تتحدث المرأة عما يمكن أن يؤثر في وضعيتها، عما يمكن أن ينقلها من وضعية إلى وضعية أخرى؟ ذهبت إلى منطقة قروية، فاكتشفت أن هناك تصورات عن المرأة انطلاقا من جسدها، مثلا ترتيب قيمة النساء على إيقاع الهرمونات في جسدها، وهذا طبعا يتناقض مع مفهوم المواطنة، فمثلا في المرحلة التي تحيض فيها المرأة هذه المرحلة تعتبر منتجة، ولكن عندما تصل إلى مرحلة انقطاع الطمث التي تسمى بشكل خاطئ أنها مرحلة اليأس تصنف على أنها كأنثى، مثلا التعبيرات التي تقال عنها " تشقفات " التي هي معناها باللغة العربية أنها أصبحت خردة، ولكن الغريب والتناقض هو أنها في هذه المرحلة تكتسب ميزات، يمكن أن تقوم بمهام لم يكن ممكنا أن تقوم بها من قبل، يمكن أن تصبح حكما داخل الأسرة، يمكن أن تنجز مهام لم يكن يسمح لها بإنجازها عندما كانت في المرحلة العادية، فلاحظت بأن إيقاع المكانة يرتبط بإيقاع الهرمونات في جسدها، و لا تتأسس مكانتها على كونها مواطنة منتجة اقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي فمفهوم التنمية أو كونها ستسهم في التنمية، يصبح ملتبسا، وبالنسبة لي كان من الضروري أن أتحدث عن تغيير صورتها عن الجسد، عن الفرح، عن إيقاعات مثلا أتحدث الآن عن السوق كمكان اقتصادي يتم فيه التبادل، ويمكن أن تملك فيه المرأة مثلا لا أقول القدرة، وإنما ترتبط بالموارد الاقتصادية، السوق في البادية ممنوع على النساء مادامت لازالت شابة وهناك أقوال كثيرة، الزوج لا يمكن له أن يصطحب معه زوجته إلى السوق، تصبح هذه سبة في نظره، إذن، المكان الذي تتم فيه العمليات الاقتصادية لا تذهب إليه المرأة. متى يمكن للمرأة أن تذهب إلى هذا المكان؟ هو عندما تشيخ وذلك بشكل نادر، وبالتالي كيف يمكن أن تسهم في تنمية اقتصادية؟ كيف يمكن أن تسهم في عملية اقتصادية؟ فإذن، كان هناك ضرورة للكشف عن عدد كبير من المفاهيم الخاطئة عن مكانة النساء من خلال الحديث مع النساء خلال مراحل حياتهن، مثلا من الأشياء التي أثارتني هو أن المرأة لا يمكن أن تتحدث عن الراحة إلا إذا ادعت أنها مريضة، وبالنسبة للزوج ينبغي أن تشتغل باستمرار، وطبعا جسد يشتغل باستمرار في البادية هو جسد لا يتمتع بحقوقه، لأن المشتغلة باستمرار في الجهاز الإحصائي ماذا يسمي هذه المرأة القروية؟ يسميها غير منتجة، إذن، إذا بحثت عن المفاهيم في الجهاز الإحصائي، ستجد أن النشيط هو الذي عنده من سن معينة إلى سن معينة أو الذي عنده عمل رسمي، عمل يلاحظ. أما النشيط باعتبار شغل المرأة في المناطق القروية، فيعتبر عملا داخليا، عملا منزليا، في حين أن عمل المرأة في المناطق القروية عمل منزلي يمتد خارج المنزل، إذن هي تشتغل باستمرار وكأنها لا تشتغل، كيف يمكن أن تكون هناك تنمية؟ خصوصا إذا منحنا التنمية مفهوم البعد البشري التنمية البشرية أي إنسان يعيش يشتغل يفرح يتمتع بحقوقه، أين هي المرأة القروية من هذه الصورة؟ وبلا شك لاحظتم في الكتاب أنها تشتغل باستمرار وكأنها لا تشتغل، لأن ما تقوم به يسمى في إطار العمل المنزلي، والتي تشتغل في العمل المنزلي من خلال الجهاز الإحصائي ماذا تسمى؟ تسمى ربة بيت. نسبة النشيطين لا تدخل فيها المرأة ربة البيت. أنا أخذت مثالا للعمل المنزلي بالقرية، لأنه فعلا شاق جدا، هناك نساء ذكرن أنهن يشتغلن من الفجر ولا تحس بنفسها إلا وهي ترمي بنفسها في الليل للنوم، بمعنى تشتغل عدد ساعات بدون حدود ولكنها لا تشتغل، هي ليست مصنفة ضمن النشيطين؛ فهذه التصورات عن الشغل عن العمل عن الجسد الذي لا يستريح إلا إذا كان في حالة مرض، ومع ذلك إذا كانت في حالة مرض يمكن أن نتحدث عن تغيير هذه المرأة واستبدالها بامرأة أخرى تكون أكثر نشاطا. لهذا هناك نساء يخفين آلمهن و يخفين مرضهن خوفا من أن تصنفن في عداد غير المجديات، وهناك تناقضات فعلا صعبة جدا في المناطق القروية.

يونس الوكيلي: نختم بسؤال في ظل الربيع العربي اليوم والتحولات وبروز المرأة بشكل كبير في مجال العمل ومشاركتها بجانب الرجل في الثورات وفي التغييرات أو إصلاحات مجموعة من الدول العربية اليوم، ما هي أهم تحديات المرأة العربية حاليا؟

زينب معادي: أنا أولا لا أسميه ربيعا عربيا هذه ملاحظة أولية، ما زلت لا أعرف إن كان ربيعا عربيا أم شيئا آخر، ثانيا في ظل الزمن العربي أستخدم عبارة زمن عربي، في ظل التناقضات التي تعاش الآن عندما أقول لا أعتبره زمنا عربيا، انظر ما يحدث في سوريا، هل هذا ربيع؟ الشوارع تسير دماءا، هل ما يحدث الآن في ليبيا ربيع؟ والذي جرى في العراق هل هو ربيع؟ أبيد الشعب، أين هي ثروات العراق؟ من يستفيد منها؟ ولهذا لا أعتبره ربيعا مع الأسف الشديد، الزمن العربي الملتبس المليء بالتناقضات، في الواقع نحن في حاجة إلى مواطنين ومواطنات رجال ونساء أقوياء، كيف؟ صعب جدا أن يتحقق هذا الطلب، لأنه عندما تتحدث الآن عن المواطن العربي، فأنت تتحدث عن نسبة تعليم غير كافية، تتحدث عن عمل مستوى البطالة المرتفع، الآن الدول الأوروبية تشاركنا هذا المستوى، لكن بالنسبة للمرأة هناك خصوصية في الارتباط بالعمل هو أن المرأة عندما تشتغل في الأشغال الأقل مردودية والأكثر تعبا، فإذا المواطن العربي أولا والمواطنة العربية ضعف ما هو يحتاج إليه المواطن العربي، نحتاج إلى طاقة وهي موجودة؛ المواطن العربي لا يقهر المواطن العربي، سيكون قويا ومن ضعفه، ومن مشاكله سيستمد القوة وسيستمر، نحتاج إلى مواطن واع بحقوقه، نحتاج إلى مواطن لا ينخدع، الشعارات المفبركة، لأن هناك خلف بعض الشعارات قوة ليس من مصلحتها أن تكون، هناك تضامن بالعالم العربي، ولكن مع ذلك هناك تضامن، المجتمع العربي مجتمع صعب المراس ولنتفاءل، أنا لا أتشاءم، لنتفاءل.

يونس الوكيلي: بهذا النفس التفاؤلي، نشكر الدكتورة زينب المعادي على هذا الحوار الشيق في قضايا المرأة، وإلى لقاء آخر إن شاء الله ضمن حواراتنا في مؤسسة مؤمنون بلا حدود.