حوار مع عز الدين الخطابي عن الفلسفة والترجمة


فئة :  حوارات

حوار مع عز الدين الخطابي عن الفلسفة والترجمة

مرحبًا بكم دكتور الخطابي على منبر مؤسسة مؤمنون بلا حدود

يوسف بن عدي: لعل فاتحة أي حوار فكري وأكاديمي ومبتدأه إنّما مدخله هو سؤال الذات. فمن يكون الأستاذ عز الدين الخطابي وما مشواره العلمي والفلسفي؟

عز الدين الخطابي: عزالدين الخطابي: أستاذ باحث بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس (شعبة الفلسفة) ومنسق مسلك ماستر الفلسفة والتربية، حاصل على الدكتوراه في الإثنولوجيا من جامعة نيس بفرنسا سنة 1990. رئيس سابق للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة (فرع فاس) في الفترة ما بين 1996 و2001.عضو باتحاد كتاب المغرب وبهيئة تحرير مجلات: عالم التربية، وليلي، ودفاتر التربية والتكوين.

أحرزت على جائزة المغرب للكتاب (فرع الترجمة) سنة 2011، مناصفة عن ترجمته لكتاب غيوم سيبرتان بلان الموسوم بالفلسفة السياسية في القرنين التاسع عشر والعشرين (الصادر عن المنظمة العربية للترجمة، بيروت).

أصدرت العديد من المؤلفات في مجالات التربية والفلسفة والاجتماع، أذكر من بينها: سوسيولوجيا التقليد والحداثة بالمجتمع المغربي (2001)، مسارات الدرس الفلسفي بالمغرب (2002)، أسئلة الحداثة ورهاناتها (2009). كما ترجمت عدة أعمال لمفكرين وفلاسفة وإثنوغرافيين غربيين (دريدا، دولوز، لفيناس، هابرماس، مولييراس الخ..) أذكر من ضمنها: عن الحق في الفلسفة لجاك دريدا (2010)، المغرب المجهول لأوغست مولييراس (اكتشاف الريف سنة 2007، اكتشاف جبالة سنة 2013)، السياسة المقارنة لبرتراند بادي وغي هيرمت (2013)، المعلم الجاهل لجاك رانسيير (2014).

يوسف بن عدي: إنّ تجربتكم الكبيرة والرائدة في تدريس الفلسفة بالمدرسة العليا للأساتذة ودربتكم في ممارسة ديداكتيك الفلسفة أتاح لكم فرصة التوقف عند جملة من الاختلالات والنجاحات للقول الفلسفي. كيف يمكنكم رسم صورة عن هذا القول؟

عز الدين الخطابي: ما دام الأمر يتعلق بديداكتيك الفلسفة فإنّني سأركز في جوابي على تقييم ما يعرف بالخطاب الفلسفي المدرسي والجامعي وعلى إبراز رهانات تدريس الفلسفة بالمؤسسة التعليمية (الثانوية والجامعية). فقد أظهرت أبحاث مغربية عديدة حول تجربة هذا التدريس، أنّ الخطاب الفلسفي المؤسساتي يعاني فعلاً من عدة اختلالات، تتمثل في التعامل الانتقائي مع الأفكار والمعارف والأعلام والمذاهب وعدم الإعلان عن الانتماء الفكري لمذهب من المذاهب، وفي وجود حلقات مفقودة بين الاختيارات البيداغوجية والديداكتيكية ومحتويات البرامج ومضامين الكتب المدرسية؛ وفي طموح نظام التربية والتكوين الرامي إلى تكوين مواطن متشبع بروح الحوار وقبول الاختلاف والوعي بواجباته وحقوقه، وغياب رؤية تربوية ومشروع بيداغوجي واضحين يسمحان لدرس الفلسفة مثلاً، بأن يكون دعامة لمثل هذه المرتكزات.

وقد سبق أن أكدنا في عمل لنا حول مسارات الدرس الفلسفي بالمغرب، أنّ رهانات الدرس الفلسفي غير منفصلة عن رهانات إصلاح النظام التربوي وإصلاح المجتمع بشكل عام. فلا يمكن اختزال مشكلات الخطاب الفلسفي المدرسي والجامعي، في ما هو بيداغوجي فقط، لأنّ هذه المشكلات ترتبط بأسئلة الفلسفة ذاتها، بما هي نقد وتفكيك للبديهيات وللأحكام المسبقة، كما ترتبط بأسئلة المجتمع ورهاناته، أي بأسئلة الحداثة والتقدم والديمقراطية والاختلاف والتسامح إلخ...

يوسف بن عدي: وبناء على ما تفضلتم به، فهل يعني هذا أنّ الخطاب الفلسفي (ولواحقه الاجتماعية والسيكولوجية...) مازال يعاني من عوائق هائلة. فما مشخصاتها على وجه الأغلب؟

عز الدين الخطابي: إنّ السياق العام الذي يندرج فيه انفتاح الدرس الفلسفي على المستجدات البيداغوجية والديداكتيكية، هو سياق إصلاح نظام التربية والتكوين المقترن بمشروع التنمية الاجتماعية. وفي هذا الإطار، يمكن اعتبار الأفق المستقبلي للتربية وللمجتمع، وطيد الصلة بالأفق المستقبلي للفلسفة ولتدريسها.

فهناك بكل تأكيد مفارقات / عوائق تطبع حضور الخطاب الفلسفي في فضائنا الثقافي والتربوي. وكما هو معلوم، فقد اعتبرت الفلسفة منذ مدة طويلة، فكرًا دخيلاً على ثقافتنا، وهو الأمر الذي يفسر تباين الخطابات والمواقف حول ضرورة الفلسفة أو عدم جدواها، وحول الدفاع عنها أو مناهضتها، وحول ارتباطها بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أو اعتبارها غير ذات نفع على المستوى العملي.

وفي اعتقادنا، فإنّ تعدد هذه الخطابات وتباينها، يعتبر عنصرًا إيجابيًّا لأّنه يدل على أنّ قضية الفلسفة غير منفصلة عن قضية الإصلاح التربوي والاجتماعي عمومًا؛ فالفلسفة مقترنة بحرية التفكير وما ينتج عنها من حريات تهم ما هو مجتمعي ويومي. وبعبارة أخرى، فإنّ هذه الحرية هي شرط أساسي لقيام ثقافة الاختلاف والاعتراف باعتبارها خطوة في المسار الديمقراطي للمجتمع.

لذلك، نعتبر أنّ رهان الفلسفة هو رهان المجتمع، وهو يتمثل في ثلاث مسائل أساسية، وهي العقلانية والحداثة والديمقراطية. فالرهان على العقلانية معناه استبدال العلاقات القائمة على الاعتباطية والعنف بعلاقات قائمة على مبادئ النقد مع استبعاد كل التصورات التي تضفي هالة القداسة على الأشخاص والمواقف. والرهان على الحداثة معناه تعزيز مفاهيم التقدم والعقلنة والإبداع والتأكيد على أهمية الإنسان وعلى فاعليته. أما الرهان على الديمقراطية فمعناه الإقرار بالحق في الاختلاف وتدبيره عبر تعميق الحوار بين الآراء المختلفة والتجارب المتعددة، ومعناه أيضًا نبذ العنف والإقصاء من جهة، والاعتراف بتعدد المواقف والرؤى وتباينها من جهة أخرى.

يوسف بن عدي: لاشك أنّ اهتمامكم بالترجمة لا يقل أهمية عن انشغالكم بقضايا الحداثة والتحديث. فإلى أيّ مدى يمكن تبرير هذا الاختيار أو القدر الأنطولوجي كما يقول هايدغر في مكتوباتكم ومؤلفاتكم؟

عز الدين الخطابي: كانت الترجمة وما زالت أداة للتفاعل بين اللغات والثقافات، ومن هنا تجلت أهميتها في عصرنا الذي يحمل شعار حوار الثقافات والحضارات. فالترجمة حوارية في جوهرها، وهي مناهضة لكل أشكال التمركز، سواء كانت عرقية أو لسانية أو ثقافية. وبمقتضى ذلك، فهي تقر بتعدد الآراء وتنوعها واختلافها وبإمكانية تلاقحها. وهذا يعني إمكانية خلقها لمناخ التفاهم والحوار، في إطار ما دعاه مفكرون، مثل دريدا وريكور، بالضيافة واستقبال الغريب (نصًّا ولغةً وثقافةً) بحفاوة داخل مقام لغة المترجم.

لذلك تعتبر الترجمة محركًا لصيرورة فكرية ولغوية، تتحقق عبرها دينامية على مستوى الإنتاج والتبادل الثقافيين. وهي في المقام الأول تأويل لمضامين النص المترجم وصياغتها بطريقة أخرى، لهذا فهي تصب في مجرى الإبداع الفكري الذي لا يمكن أن يتبلور بدون انفتاح على ثقافة الآخر وعلى إنجازاته الفكرية. من جانب آخر، فإنّ اهتمامنا بالترجمة بوصفها ممارسة وقضية فكرية، لا ينفصل عن اهتمامنا بقضايا الحداثة والتحديث. ويرجع هذا الارتباط إلى أمرين أساسيين:

- أولهما، أنّ الترجمة هي علاقة بين الذات والآخر (وهو الغرب في المقام الأول)؛ فعبرها يتم اكتشاف لغة هذا الآخر وثقافته وتوسيع أفق الحوار الثقافي والحضاري معه.

- ثانيهما، أنّ الحداثة والتحديث في سياقنا الثقافي العربي والإسلامي، يندرجان في إطار الحوار المذكور مع هذا الآخر المتمثل في الغرب بالأساس. فمن جهة، لا يمكن "استنساخ" النموذج الغربي للحداثة، لأنّ الدينامية الداخلية لمجتمعاتنا (المتجلية في الحضور المتأخر للتحديث وفي بنية التقليد، وخصوًصا في إشكالية التعايش أو الصراع بين البنيتين) تستدعي منظوًرا آخر للحداثة، يأخذ القيم الداخلية الأصيلة بعين الاعتبار، عاملاً أساسيًّا للانفتاح على القيم الحداثية. وهذه هي المثاقفة الديناميكية القائمة على الاعتراف المتبادل بين الثقافات المختلفة والتي تجعل من الترجمة أداة أساسية لتحقيق هذا الاعتراف المتبادل.

يوسف بن عدي: هل وقف المتفلسفة اليوم وأهل النظر والفكر عند قلق العبارة؟ ثم لماذا يجزع الكثير من الباحثين حينما يجدون لنص هايدغر أو ليفناس أو نيتشه..ترجمات مختلفة! أليس من الأجود القول إنّ تعدد الترجمات لنص واحد هو إغناء للساحة الفكرية والترجمية أم العكس هو الصحيح؟

عز الدين الخطابي: سيظل قلق العبارة قائمًا على الدوام ما دامت هناك ترجمة. لماذا؟ لأنّ فعل الترجمة هو تأويل بالأساس، وهو يقترن بالفهم الذي يقتضي إدراك معاني النص الأصلي، عبر تفكيك رموزه ونقل دلالتها إلى لغة أخرى. وكل تأويل يتضمن نوعًا من العنف الممارس على النص المترجم، كما يقول هايدجر؛ وهو عنف ضروري لأنّ استخلاص المعنى يستدعي مواجهة بين المترجم بوصفه ذاتًا وبين مؤلف النص من حيث هو آخر. وتبرز المشكلة هنا، عندما يسعى المترجم إلى التعامل مع مؤلف النص الأصلي وكأنّه ذاته الأخرى، حيث يبحث لديه عما يرغب في كتابته بنفسه (نستحضر هنا حكاية ابن المقفع مع كتاب كليلة ودمنة). وهو ما لخصه واحد من أبرز المنظرين في مجال الترجمة وهو جورج اشتاينر، في عبارة شهيرة مفادها أنّ بعض المترجمين نضبت عندهم ملكة الإبداع؛ ولهذا السبب توقف بعض الكتاب عن الترجمة لأنّهم اختنقوا من كثرة استنشاقهم لهواء النص الغريب. وللإشارة، فإنّ مفكرين بارزين مثل ليفناس ودريدا وريكور، مارسوا الترجمة في بداية مسارهم الثقافي؛ والشيء المثير هو أنّ هؤلاء الثلاثة ترجموا، دون اتفاق مسبق! نصوصًا لهوسرل. فهل ينطبق عليهم حكم اشتاينر؟

وإذن، فإنّ قلق العبارة قد يكون حافزًا لمزيد من التأويل والإبداع في مجال الترجمة، كما قد يكون عاملاً لسوء الفهم ولشعور المترجم بضعفه أمام قوة النص الأصلي. وأنا أتفق مع الفكرة التي تعتبر أنّ تعدد ترجمات النص نفسه، هو إغناء للساحة الفكرية والترجمية. فعمل الترجمة يتحدد في نقل المعنى من فضاء ثقافي معين إلى فضاء ثقافي آخر، أي في قول الشيء نفسه بصيغة أخرى. لذلك، لا بد أن تتغير الصيغ والعبارات أثناء عملية النقل المذكورة؛ وهو ما يؤدي إلى شحن النص الأصلي وتجديده و"تشبيبه" حسب تعبير غوته.

وكما هو معلوم، فإنّ النصوص العالمية الكبرى، في مختلف المجالات، عرفت أكثر من ترجمة داخل اللغة نفسها، مما زاد من شهرتها وأدى إلى تضاعف الإقبال عليها.

يوسف بن عدي: ماهي أهم مخطوطاتكم الفكرية والترجمية...؟

عز الدين الخطابي: هناك مشاريع عديدة، منها ما سيصدر في الأشهر القليلة المقبلة من هذه السنة، ومنها ما هو في طور الإنجاز.

- بخصوص الأعمال التي ستصدر قريبًا:

* تأملات في السينما - تأليف - (منشورات اتحاد كتاب المغرب)؛

* سياسات في السلطة والتواصل والترجمة والتربية - تأليف - (دار أفريقيا الشرق)؛

* دينامية التقليد والحداثة - تأليف - (دار أفريقيا الشرق)؛

* تجليات الذاتية في العمل الصحفي - ترجمة - (المنظمة العربية للترجمة).

- بخصوص المشاريع قيد الإنجاز:

* جان بول أوفري، نيوتن أو انتصار الخيمياء - ترجمة - (مشروع كلمة للترجمة)؛

* كاترين كوليو تيلين، نزع السحر عن الدولة، من هيجل إلى ماكس فيبر - ترجمة - (لم يتم بعد تحديد دار النشر).