"زمن الصّحوة، الحركات الإسلاميّة المعاصرة في السّعوديّة" لستيفان لاكروا


فئة :  قراءات في كتب

"زمن الصّحوة، الحركات الإسلاميّة المعاصرة في السّعوديّة" لستيفان لاكروا

"زمن الصّحوة، الحركات الإسلاميّة المعاصرة في السّعوديّة" لستيفان لاكروا:

من الموضوعيّة العلميّة إلى التّبرير النّاعم

عفاف مطيراوي([1])

 

نحاول في هذا العمل النّظر في كتاب كان قد صدر باللّغة الفرنسيّة تحت عنوان: "les Islamistes saoudites une insurrection manquée" لصاحبه ستيفان لاكروا (Stéphane Lacroix) سنة 2010، (Paris, Presses Universitaires de France) ليقع تعريبه سنة 2012 في طبعة أولى، تحت إشراف عبد الحقّ الزّموري في مؤسّسة الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر (بيروت). ولاكروا هو مفكّر فرنسيّ مهتمّ بالحركات الإسلاميّة، وهو أستاذ علوم سياسيّة في معهد العلوم السياسيّة (Sciences Po) في باريس، وهو أستاذ زائر في جامعة ستانفورد سابقا (Stanford University). بحث في أطروحة الماجستير في ثورة اليمن 1948، وأمّا أطروحة الدكتوراه، فهي البحث الّذي نحن بصدد مقاربته. وكان اسم الرسالة: "الإسلاميّون السّعوديّون...تمرّد فاشل"، وقد نشرت بالفرنسيّة سنة 2010، وتُرجمت إلى اللغة الإنجليزيّة تحت عنوان: "صحوة الإسلام ... مناورات المعارضة الدّينيّة في السّعوديّة المعاصرة". ويمكن الإشارة إلى أنّ الكاتب شارك في كتاب بعنوان: "حتّى لا يعود جهيمان، حفريّات أيديولوجيّة وملاحق وثائقيّة نادرة"، وهو يتنزّل ضمن هذا السياق نفسه من البحث. ويُعدّ هذا الكتاب الّذي نحن بصدده من الحجم الكبير نسبيّا (384 صفحة).

يتكوّن هذا الكتاب من سبعة فصول متفاوتة الحجم. وقد فُرّع كلّ فصل إلى جملة من الأقسام والعناصر. أمّا الفصل الأوّل، فكان بعنوان: "حركة إسلاميّة في مجتمع منقسم"، وقد فرّعه الباحث إلى أربعة أقسام. وأمّا الفصل الثّاني، فقد وسمه بـ "نشوء حركة الصحوة في المملكة العربيّة السّعوديّة"، وتناول فيه الكاتب ستّة عناصر. وأمّا بالنّسبة إلى الفصل الثالث، فقد عنونه بـ "مقاومة نفوذ الصحوة"، وفرّعه إلى سبعة أقسام. وبالنسبة إلى الفصل الرّابع، فقد وسمه بـ "تضحية بجيل"، مقسّما إيّاه إلى خمسة عناصر. وأمّا الفصل الخامس، فقد بحث فيه في "منطق الانتفاضة"، مفرّعا إيّاه إلى سبعة أقسام. وفي ما يتعلّق بالفصل السادس، فقد حاول فيه الباحث "تشريح الإخفاق". وقد فرّع هذا الفصل إلى أربعة عناصر. وأمّا الفصل السابع والأخير، فقد وسمه بـ "الإسلاميّون بعد المعركة" مفرّعا إيّاه إلى ستّة أقسام. هذا فضلا عن "ملاحظات حول المصادر" صدّر بها الكاتب كتابه هذا، وخاتمة أوردها تحت عنوان: "الدّروس المستفادة من "الانتفاضة"". إضافة إلى تسجيل لمختلف المراجع الّتي وقع الاستناد إليها في آخر الكتاب. ويستند هذا الكتاب في أساسه إلى بحث ميدانيّ أجراه الكاتب في المملكة العربيّة السعوديّة وفي الكويت والبحرين والإمارات العربيّة المتّحدة ومصر والأردن وبريطانيا العظمى من سنة 2003 إلى سنة 2007.

يرى لاكروا أنّ المجال الإسلاميّ السّعوديّ لم يحظ إلاّ بقليل من الدّراسات الّتي اعتمدت بدورها على مصادر ثانويّة. ممّا جعل هذا المجال ميدانا لم يُكتشف بعْدُ لدى الصّحفيّين والباحثين[2]. وفي هذا السّياق، يمكن فهم سبب تصدّي لاكروا لهذا المجال بالدّرس. ويُراهن الكاتب في هذا الكتاب على "الغوص في التّاريخ السّياسيّ والاجتماعيّ الحديث لبلد غير معروف بما يكفي"[3]، فضلا عن تحليله "للنّزعة الإسلاميّة السّعوديّة"[4]. ينطلق الكاتب في الفصل الأوّل من كتابه هذا من أطروحة، مفادها ما للمملكة العربيّة السّعوديّة من تأثير دينيّ مهمّ، ساهم في ظهور الحركات الإسلاميّة وانتشارها في الشّرق الأوسط[5]. ويبدو أنّ المملكة أضحت منذ القرن الثامن عشر تصدّر إسلاما رجعيّا نمطيّا لم يطرأ عليه أيّ تغيير، "حين انتعش من جديد على يد داعية من قلب الجزيرة العربيّة هو الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب"[6]. ولذلك، كان الرّهان الأوّل في المملكة أن يستعيد الإسلام تنوّعه وتعدّده المتميّز بهما ككلّ الظواهر الاجتماعيّة[7]. ورغم ما يبدو من تعدّد في الحركات الإسلاميّة إلاّ أنّ لاكروا لن يركّز بحثه إلاّ على ما يسمّى بـ" انتفاضة الصحوة"، مبرّره في ذلك أنّ "هذا الحدث أكثر نقاط التّركيز ملاءمة لدراسة الحركة الإسلاميّة السّعوديّة؛ لأنّه كان أوّل أداة تعبويّة إسلاميّة في تاريخ البلاد بهذا الحجم، ولأنّه مثّل ذروة ولحظة حقيقيّة ونقطة انطلاق تأسيسيّة في الوقت نفسه"[8]. وتكمن أهميّة هذه اللّحظة حسب لاكروا في كونها ساهمت في تفعيل أفكار وهياكل كانت قد تبلورت منذ بداية الخمسينيات في بيئة "إسلاميّة حركيّة "، حين استقرّ على الأراضي السعوديّة منفيّون من الحركة الإخوانيّة المصريّة. "انتفاضة الصحوة" إذن هي حركة لها جذورها، لذا سيحاول لاكروا تأصيلا لهذه الانتفاضة أن يبدأ بكتابة تاريخ الحركة الإسلاميّة في المملكة العربيّة السّعوديّة، وهو تاريخ "لم يكتب من قبل"[9]. وقد أتاح هذا الحدث (انتفاضة الصحوة) الفرصة لاختبار مدى قدرة الحركة الإسلاميّة في المملكة على تعبئة الجماهير.

ولكلّ ذلك سيحاول لاكروا، في مؤلّفه هذا، أن يشرح ما يسمّى بانتفاضة الصحوة لمحاولة فهم التّغيّرات الّتي شهدتها الحركة الإسلاميّة السّعوديّة في مستهلّ القرن الحادي والعشرين.

المقاربة المتداولة في هذا الشأن، والّتي لا ينكرها لاكروا هي ما كان لحرب الخليج من أهميّة في إشعال فتيل الصحوة السعوديّة في المملكة؛ ذلك أنّه لمّا غزا صدّام حسين الكويت (1990)، استعان النّظام السّعوديّ بقوات أجنبيّة أمريكيّة أساسا لحماية أراضيه من هجوم عراقيّ محتمل، ممّا ساهم في بروز حملة معارضة كبيرة للأسرة الحاكمة رافضة لوجود تعزيزات غير مسلمة على أرض الحرميْن. وسُميّت الحركة الّتي أشرفت على هذه الحملة حركة الصحوة الإسلاميّة أو الصحوة اختصارا. وقد نجحت هذه الحركة إلى حدّ كبير في استقطاب عشرات الآلاف من الشباب باعتماد الخطب الحماسيّة الرافضة للوجود الأمريكيّ. والطريف في الأمر تحوّل تلك التحرّكات الاجتماعيّة العفويّة إلى حملة منظّمة يسوسها بعض المثقّفين والنخب الدّينيّة. وتكمن أهميّتها أساسا في أنّها، ولأوّل مرّة في تاريخ النّظام السّعوديّ، ساهمت في إرباكه وزعزعته، بعد أن كان ذلك النّظام إلى ذلك الحين منيعا أمام مثل هذه الحركات والتّحرّكات الّتي دعت إلى إدخال إصلاحات جذريّة على النّظام السّعوديّ. وقد تواصلت هذه الاضطرابات إلى حدود 1994، بيد أنّ المملكة اعتقلت الآلاف من أنصار المعارضة، ونجحت في إخمادها.

لاشكّ في أنّ للوجود العسكريّ الأمريكيّ دورا في إيقاظ مشاعر الغضب لدى الجماهير المسلمة، أحسنت الحركة الاحتجاجيّة استغلالها، إلاّ أنّ لاكروا يرى أنّ الأبحاث تثبت "وجود نواة بدائيّة لحركة احتجاجيّة سابقة على نشوب حرب الخليج"[10]، وبذلك تكون هذه الحرب هي "المحفّز على التّعبئة لا القوّة الّتي أطلقتها"[11]. ويعضد لاكروا فكرته هذه برأي يؤمن به المدافعون عن نظريّة الحركات الاجتماعيّة؛ مفادها أنّ التّعبئة عمل استراتيجيّ لا يمكن أن ينجح فيها إلاّ من يمتلك كمّا هائلا من الموارد الماديّة والمعنويّة. ولا يمكن بحال من الأحوال إرجاع عصيان الشّعوب إلى التوتّرات والإحباطات فقط.

يعود لاكروا في نفس هذا السياق من بحثه، إلى التأريخ لميلاد المملكة العربيّة السّعوديّة وتطوّرها. فيكشف أنّ اللّحظة التّأسيسيّة كانت سنة 1744 حين وقع ميثاق بين السّياسة والدّين، أو بين السلالة الحاكمة وقتئذ وبين الدّعوة الدّينيّة الوهابيّة. ويقتضي هذا الميثاق أن يلتزم رجل السياسة محمد بن سعود بتطبيق الإسلام كما يراه محمد بن عبد الوهاب. ممّا أكسب سلطة ابن سعود الشرعيّة. وبذلك نشأت دولة في قلب نجد وسط الجزيرة العربيّة هي الدولة السّعوديّة الأولى. ومن الواضح أنّ هذه الدولة أضحت منذ ذلك الحين تسيّرها سلطتان: سياسيّة متمثّلة في سلالة محمد بن سعود، وأخرى دينيّة سليلة محمّد بن عبد الوهاب. و"شيئا فشيئا تبلور كيانان منفصلان تماما: "المجال الدّينيّ" و" المجال السيّاسيّ "، واحتكرت كلّ من النّخبتين مجالها الخاصّ "[12]. وبذلك، استفادت السلطة السيّاسيّة من هذه الشرعيّة الدّينيّة الّتي ساهمت في حفظ النّظام السّياسيّ من أي نزاع أو اهتزاز أو تهديد. لكنّ الأمر لم يدُم على هذه الحال، حيث إنّ السلطة السيّاسيّة رأت في سبعينيات القرن العشرين أنّها في حاجة إلى "مصدر "تحديثيّ" للشرعيّة على غرار النّظم العلمانيّة المجاورة في مصر أو العراق أو سوريا"[13].

ويُرجع لاكروا سبب بحث النّظام السيّاسيّ عن الشرعيّة التّحديثيّة هو بحثه عن سُبل الرُقيّ بمقام المملكة بين الدّول، ولاسيّما منها الغربيّة فضلا عن أنّه بمثابة الردّ الرّمزيّ على الدول ""التّقدّميّة" الإقليميّة الّتي سارعت إلى ذكر المملكة العربيّة السعوديّة في عداد النّظم "الرّجعيّة" و "لمتخلّفة""[14]. وبذلك، ظهرت إلى الوجود برعاية الأسرة المالكة فئة جديدة أضْحت تُنافس المجال الدّينيّ الفضاء هي فئة المثقّفين. لينضاف مجال ثان هو المجال الثّقافيّ الذي سيسهم في الإنتاج الفكريّ إلى جانب المجال الدّينيّ. ولذلك، لا غرابة أن تظهر بعد 1953 في المملكة منظّمات تدّعي إخلاصها للفكر القوميّ أو اليسار العربيّ. ولأنّ هذه المنظّمات لعبت دور المعارضة وساهمت في محاولات انقلابيّة، فقد تصدّت لها السلطة وقامت بقمعها واعتقلت في سنوات 1955 و1962 و1969العديد من الناشطين، وألقت بهم في غياهب السجون، بل وفي ستّينيات القرن العشرين قام النّظام بعمليّات تطهير في الصحافة وفي الجامعات. وبذلك، نجحت المملكة العربيّة السّعوديّة في السّبعينيات من القرن العشرين في إضعاف المعارضة اليساريّة والقوميّة.

يرى لاكروا، وهو يدرس الحركات الاجتماعيّة في المجتمع السعوديّ أنّ النظام نجح في الحفاظ على السّلم الاجتماعيّ إلى حدود الثّمانينيات من القرن العشرين بفضل تقسيمه لفضاء الإنتاج الفكريّ، ما جعل من الصعوبة بمكان النّجاح في توسيع نطاق محاولات التّعبئة الجماهيريّة. وآية ذلك على سبيل المثال، فشل المُفتي محمد بن إبراهيم ما بين 1953 و1969 في محاولاته للتّعبئة ضدّ سياسة التّحديث الّتي كانت تنتهجها السلطات السياسيّة. ولذلك، سيجعل علماء الصحوة من هذا الشيخ بعد موته أنموذجا لهم. المجال الدّينيّ كان في عزلة ويفتقر إلى الوسائل المؤسساتيّة والتّنظيميّة، ممّا جعله عاجزا عن فرض آرائه على المجتمع. غير أنّ هذا الوضع سيتغيّر منذ ثمانينيات القرن العشرين على يد حركة الصحوة الّتي تحدّت الطابع المجزّأ لميدان السلطة[15]؛ ذلك أنّ مثقّفيها وعلماءها استفادوا من أخطاء الماضي وتجارب السابقين، فوحّدوا القوى، وجمعوا الموارد، وصار بمقدورهم تعبئة الجماهير. هذا فضلا عمّا كان للغزو العراقيّ للكويت والتّواجد العسكريّ الأمريكيّ على الأراضيّ السعوديّة من أثر بليغ في تجييش المشاعر وتوطيدها، بيد أنّ هذا النّجاح "التعبويّ" كان مؤقّتا؛ ذلك أنّ الحركة "افتقرت إلى هياكل تعبويّة متينة يمكن الاعتماد عليها لمواصلة الاحتجاجات"[16]. وهذا ما يفسّر حسب لاكروا نجاح السلطة في القضاء على الاحتجاجات في سبتمبر 1994 دون عناء يُذكر.

نجمل أهمّ ما ورد في الفصل الأوّل من هذا الكتاب، فنقول إنّ ميلاد المملكة العربيّة السعوديّة نفسها كان نتيجة اتّفاق بين السّلطة الدّينيّة ممثّلة في الوهابيّة (محمّد بن عبد الوهّاب)، وبين السّلطة السيّاسيّة ممثّلة في سلالة آل سعود (محمّد بن سعود) على أن يحترم كلٍّ مجاله ولا يتجاوزه ولا يتدخّل في مجال الآخر، ولذلك نجح النّظام في فرض النّظام والسّلم الاجتماعييْن، رغم بعض التّحرّكات الاجتماعيّة والدّينيّة الّتي باءت جميعها بالفشل بسبب العجز عن التعبئة الذّي ساهم تجزئة المجال في إفشاله. ولئن نجحت "انتفاضة الصحوة" إلى حدّ ما في القدرة على التّعبئة، إلاّ أنّه سرعان ما أُجْهِضَت لنفس الأسباب سابقة الذكر.

وسيخصّص لاكروا الفصل الثّاني للحديث عن نشوء حركة الصّحوة في المملكة العربيّة السّعوديّة. فما هي أهمّ مراحل تشكّل هذه الحركة؟ وكيف تطوّرت؟ وإلى ما آلت إليه؟

يرى لاكروا أنّ حقبتيْ الستّينيات والسّبعينيات من القرن العشرين شهدتا نشوء حركة اجتماعيّة دينيّة مارست شكلا عصريّا من النّشاط الإسلاميّ هي حركة الصّحوة الإسلاميّة أو الصّحوة اختصارا. وقد استطاعت هذه الحركة التّأثير في جيل كامل من الشّباب السّعوديّ[17]. وفي نفس هذا السّياق من البحث، يعود لاكروا إلى حركة إسلاميّة هي من أهمّ الحركات ليبرز دورها في المملكة العربيّة السّعوديّة وعلاقتها بالصّحوة. هذه الحركة هي حركة الإخوان المسلمين الّتي نشأت في مصر (1928) على يد حسن البنّا. هذه الحركة الّتي ستهاجر لاجئة إلى بعض دول الخليج، ولاسيّما المملكة العربيّة السّعوديّة، بعد ما لاقته من إجراءات قمعيّة على يد جمال عبد النّاصر سنة 1954. حسب لاكروا، فضلا عن الكثير من إخوان سوريا الّذين سيهاجرون بدورهم إلى المملكة العربيّة السعوديّة سنة 1958، بعد تأسيس الجمهوريّة العربيّة المتّحدة بين مصر وسوريا خوفا من عبد النّاصر. وسنة 1970 وبعد موت عبد النّاصر وتقلّد السادات الحكم، سيفرج عن أغلب المساجين من الإخوان الّذين اختاروا الهجرة إلى المملكة العربيّة السعوديّة، ولكن هذه المرّة لأسباب اقتصاديّة لا سياسيّة.

ومنذ أواسط السّتّينيات والسّبعينيات من القرن العشرين، ازداد حضور الإخوان ونفوذهم في المملكة العربيّة السّعوديّة، وأفادوا أيّما إفادة من البرنامج التّحديثيّ في المجال التّعليميّ؛ ذلك أنّ عددا كبيرا منهم كان من خريّجي الجامعات. فكانوا أفضل المرشّحين لهذه المهمّة. ولذلك لا غرابة أن يقع اختيار مكّة لعقد أوّل اجتماعاتها سنة 1973 لإعادة تشكيل مجلس الشورى في الحركة، بعد ما لحقها من قمع في الخمسينيات والستّينيات من القرن العشرين. وتُعدّ هذه الخطوة من أهمّ الخطوات؛ لأنّها ستمهّد الطريق أمام تأسيس تنظيم دوليّ سيُمْسي وجوده رسميّا سنة 1982. ومنذ ذلك الحين، سيُضحي هذا "التّيّار" الإخوانيّ منافسا شرسا للتيّار الوّهابيّ ينازعه المكانة والفضاء والسّلطة؛ لأنّه يحمل تصوّرا شموليّا للإسلام أكثر منه.

نشأت الصحوة نتيجة تقاطع/ تمازج بين مدرستيْن مختلفتيْن: المدرسة الوهّابيّة ومدرسة الإخوان المسلمين. ومن أهمّ نقاط الاختلاف بين الإيديولوجيتين كما يبدو وكما أشار إلى ذلك صاحب كتاب "زمن الصّحوة "، ما يلي تبيانه في الجدول الآتي:

المدرسة الإخوانيّة

المدرسة الوهّابيّة

- هي مدرسة سياسيّة بالأساس.

- تقوم على مناهضة الغرب الإمبرياليّ (حسن البنّا).

- تقوم على مناهضة "الأنظمة الكافرة" في الشرق الأوسط (سيّد قطب).

- هي مدرسة دينيّة بالأساس.

- تقوم على محاربة البدع، وهي المحدثات الّتي أدخلت على عقيدة السلف الصالح.

- لم يكن الغرب أو السلطات السيّاسيّة العدوّ الرئيسيّ للمدرسة الوهّابيّة، ولكن بعض الفرق المناوئة لها مثل الشّيعة والمتصوّفة.

من الّذين ساهموا مساهمة فعّالة في إيديولوجيا الصحوة، كما عدّدهم لاكروا، يمكن الإشارة إلى من لقّب بـ "شيخ الصّحوة" وهو محمّد قطب (أخ سيّد قطب) الّذي كان له دور بارز في تطوّر الحركة التّنظيريّ. إضافة إلى من وُسِم بـ "رائد الصحوة"، وهو عبد الرّحمان الدّوسريّ الّذي كان من أوّل المشجّعين على الانتقال من الوضع التّنظيريّ إلى الوضع العمليّ. وقد كان لهذا الرّجل دور مهمّ في تهيئة بنية خصبة لانتشار حركة الصّحوة، حيث كان يتنقّل في مختلف أرجاء المملكة مندّدا بالخطر "الماسونيّ"، محاولا تقريب وجهات النظر بين الوهابيّة التّي ترى في بعض الطوائف الإسلاميّة أعداء لها وجب محاربتهم، وبين الإخوان الّذين يرون في العلمانيّين والشّيوعيّين وما شابههم أعداء لهم. وقد نجح إلى حدّ بعيد في التّأثير في المجال الدّينيّ السّعوديّ. كما ساهمت مؤلّفات محمّد أحمد الراشد في التأثير في طرائق عمل الحركة. وهذا الرّجل كسابقه حاول المزْج بين الثّقافة الدّينيّة الوهّابيّة والثّقافة السيّاسيّة للإخوان المسلمين. ولا غرابة أن يكون من الّذين أيّدوا النّشاط السرّي للحركة، وكان له كتابان مهمّان أصبحا جزءا من المكتبة الأساسيّة للصّحوة: كتاب "المنطلق" وكتاب "المسار". وهذا الكتاب كما يرى لاكروا هو بحث حقيقيّ في النّشاط السيّاسيّ الإسلاميّ. هذا وقد كان لمجلّة "المجتمع" الكويتيّة الأثر البالغ في بدايات الصّحوة السّعوديّة. وهذه المجلّة تصدر عن جمعيّة الإصلاح الاجتماعيّ، وهي فرع الإخوان في الكويت منذ 1969. وتكمن خطورة هذه المجلّة أنّها ساهمت في التطوّر الفكريّ للصّحوة وتسييس المجال الدّينيّ السعوديّ.

يبدو أنّ الصّحوة، وكما ألحّ على ذلك محمّد قطب، تقوم على علاقة تكافئيّة لا صداميّة بين الجناح الوهّابيّ والجناح الإخوانيّ، تأخذ من هذا وذاك. وفي نفس هذا السّياق، حاول محمّد قطب إدماج الفكريْن الوهّابيّ والقطبيّ (أفكار سيّد قطب)، مُخفيا كلّ ما لا يمكن أن يتواءم والبنية السّياسيّة والدّينيّة للمملكة العربيّة السّعوديّة. ومن الّذين كان لهم الأثر المهمّ في حركة الصّحوة، نذكر إضافة إلى من سبق محمّد بن سعيد القحطاني (تلميذ محمّد قطب). وذلك أساسا من خلال كتابه "الولاء والبراء في الإسلام" (1984). وقد كان لهذا الرجل الأثر الخطير في فكر الجهاديّين الجُدد في أواخر التّسعينيات، على سبيل المثال، حيث تبنوّا مفهوم الولاء والبراء باعتباره سلاحا مُوجّها نحو الغرب وحضارته، فضلا عن المسلمين المُبتدعين، بل وتوسّعوا فيه.

يعتقد الصحويّون أنّ الإسلام نظام شامل، لذلك لاغرابة أنّهم غزوا الحياة اليوميّة في أدقّ تفاصيلها، ومارسوا سلوكيات حياتيّة يوميّة ميّزتهم عن غيرهم شملت الأزياء واللّباس والحديث والسلوك. فبنوا لأنفسهم هويّة تَمِيزُهم عن بقيّة مكوّنات المجتمع. والطريف أنّه لم يكن لهذه الحركة أعداء حقيقيّون. "فقد برزت أساسا كحركة "ثوّار بلا قضيّة"".[18]

استطاعت حركة الصحوة في سبعينيات القرن العشرين أن تجد السّياق الملائم لنموّها وانتشارها بشكل كبير في المجتمع السعوديّ. ومردّ ذلك أساسا، حسب لاكروا ما وفّرته لها من المؤسّسة الدّينيّة الرّسميّة من موارد مهمّة، أقْدَرَتها على الانتشار في الفضاء الاجتماعيّ دون عراقيل، ولا سيّما أنّه كان لهذه الحركة قاعدة مهمّة في النّظام التّعليميّ حسم الأمر لصالحها.

و بعد أن تتبّع لاكروا في الفصل الثّاني مسيرة نشوء حركة الصّحوة وتطوّرها في المجتمع السعوديّ وانتشارها، نجده في الفصل الثالث يبحث في حركات "مقاومة نفوذ الصّحوة".

ذكر مؤلّف كتاب "زمن الصّحوة" في هذا الشّأن ما سمّاه بالثّورة الألبانيّة، نسبة إلى محمّد ناصر الدّين الألبانيّ، فضلا عن تلامذته الّذين وُسِمُوا بأهل الحديث، والّذين سعوا إلى القطيعة المزدوجة مع المؤسّسة الدّينيّة التّقليديّة الوهّابيّة ومع الصحوة في آن معا. إضافة إلى ما يُسمّى بالجماعة السلفيّة المُحتسبة، وهي سليلة أهل الحديث، حيث إنّ ستّة منهم ساهموا في تأسيس هذه الحركة؛ ومنهم جهيمان العتيبي. وما أدراك منْ جهيمان العتيبي، هذا الّذي سيطر على هذه الجماعة السّلفيّة المحتسبة، وسيّس خطابها، وعارض النّظام السّعوديّ بشراسة. وهذه الحركة وإن وُجدت من الستّينيات إلاّ أنّها لم تستطع التّوسّع والانتشار إلاّ في بداية الثّمانينيات. وأهمّ الأحداث الّتي ارتبطت بجهيمان هي دخوله المسجد الحرام في 20 نوفمبر سنة 1979 وإعلانه القحطانيّ المهديّ المنتظر. ممّا حدا بالسلطة السّعوديّة إلى محاصرة المسجد لأسبوعيْن والنّجاح في استعادة السيطرة عليه بمساعدة لوجستيّة فرنسيّة. وقُتِل في هذه المواجهة القحطانيّ وأُعْدم ثلاثة وستّون من المتمرّدين، إضافة إلى موجة من الإيقافات وأحكام السجن في كلّ من له علاقة بالجماعة السلفيّة المُحتسبة، ليقع بذلك تفكيك هذه الحركة بالكامل تقريبا في المملكة العربيّة السّعوديّة.

إلاّ أنّ تأثير هذه الحركة لم يمت، بل سيتوسّع فكرها ويُمْسي أكثر عنفا وعدائيّة للنّظام أساسا. برز هذا الفكر على يد أبي محمّد المقدسيّ صاحب كتاب "ملّة إبراهيم"، حيث حاول هذا الرّجل المزْج بين أهمّ أفكار الجماعة السلفيّة المُحتسبة من جهة، والأفكار القطبيّة من جهة أخرى؛ بيْد أنّ المقدسيّ لم يتردّد مثل جهيمان في تكفير "هؤلاء الحكّام الّذين لا يحكمون بما أنزل الله"[19]. وأظهر هذا الرّجل عداء لا محدودا لنظام آل سعود، حتّى إنّه ألّف كتابا بعنوان "الكواشف الجليّة في كفر الدولة السّعوديّة". وبذلك نجح في التأثير في عدّة رفضيّين كانوا إلى ذلك الحين يرفضون التّكفير، فأعادوا دراسة الفكر الوهّابيّ الإقصائيّ الّذي كان مُهملا قبل ذلك؛ لأنّه يُعدّ "حنبليّا" ليتحوّل منذئذ سلاحا مُصوّبا إلى السّلطة السيّاسيّة والمؤسّسة الدّينيّة.

الطريف في الأمر، إضافة إلى ما سبق، أنّ حركة الصّحوة ستستفيد من الوضع الإقليميّ العامّ، ضمن ما سُميّ بـ"الحرب الإسلاميّة الباردة" بين طهران والرّياض منذ تأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة الخمينيّة سنة 1979؛ ذلك أنّ الصحويّين كانوا الوحيدين القادرين على مواجهة الخطاب الخمينيّ بخطاب فكريّ مضادّ، وهو نفس الدّور الّذي أدّاه خطاب الإخوان المسلمين ضدّ خطاب عبد النّاصر. وبذلك أصبح النّظام السّعوديّ في حاجة لدعم التيّار الصّحويّ. ونتيجة ذلك، هيمنت الصّحوة على مؤسّسات الدولة السّعوديّة، ولاسيّما أنّ النّظام بات منذ أحداث 1979 يرتاب من كلّ جماعة دينيّة غير رسميّة. ومن أهمّ الخطوات الّتي اتّخذتها السلطة في هذا الشّأن بداية من منتصف الثّمانينيات هو القضاء على المعاملة المتميّزة الّتي كانت تحظى بها حركة إخوان بُريدة (آخر معاقل الوهّابيّة الإقصائيّة).

بيد أنّ حركة الصّحوة ستجد معارضة من تيّار جهاديّ إسلاميّ حركيّ جديد ذي ميولات أمميّة وُلد في السّعوديّة إبّان الاجتياح السّوفياتيّ لأفغانستان سنة 1979.وبذلك، ستكون منذئذ الصّحويّة رديف "الوطنيّة" في مواجهة "الأمميّة" الجهاديّة. فحركة الصّحوة ترى أنّ التّوحيد وتطهير العقيدة قبل الجهاد. ولئن ساندت المقاومة الأفغانيّة فإنّها لم تتورّط في ذلك ميدانيّا. ولكلّ ذلك، ستبقى حركة الصّحوة ولاسيّما بعد 1979 القوّة الرئيسة في صلب الحركة الإسلاميّة السّعوديّة. هذه أهمّ ملاحظة ساقها لاكروا في نهاية الفصل الثّالث من كتابه هذا، لينتقل إلى الفصل الرّابع الّذي عنونه بـ "تضحية بجيل"، ليدرس في مستهلّه "المنافسات الصحويّة في السيطرة على الفضاء الاجتماعيّ".

أقرّ لاكروا في هذا الفصل، بنجاح الصّحوة المطّرد في السّيطرة على المجاليْن الدّينيّ والتّربويّ. وآية ذلك ما لُوحظ في الثّمانينيات من حضور مُتعاظم لهذه الحركة في مُجمل حقول الفضاء الاجتماعيّ. هذا فضلا عن نموّ ما يسمّى بـ "جيل الصّحوة" الّذي ترعرع وتربّى على يد النّظام التّعليميّ السّعوديّ الّذي أشرف عليه الإخوان المسلمون في السّتّينيات. فضلا عن بروز فئة اجتماعيّة جديدة في الثّمانينيات هي ما سُمِيّ بـ"علماء الصّحوة". وتكمن أهميّة هذه الحركة في مرورها بعد سنوات إلى المعارضة المكشوفة للنّظام. وستسعى منذ ذلك الحين، إلى التّعبئة الدّينيّة والثّقافيّة يتوافق فيها العلماء مع الشّباب (جيل الصّحوة)، ليعبّروا عن سُخطهم وتنديدهم بنظام اجتماعيّ جائر.

هذا ما سيكشف عنه الفصل الخامس الّذي بيّن فيه لاكروا أنّ حركة الصّحوة ستعتمد سياسة التّدرّج في مواجهة السّلطة، حيث إنّها في البدء حملّت العلمانيّين مسؤوليّة الجور الاجتماعيّ مُتهمّة إيّاهم بالتآمر والمؤامرات الغامضة للاستيلاء على الدولة، إلاّ أنّها سرعان ما ستفصح عن مهاجمتها للنّظام السّعوديّ، ليصبح هو عدوّها الأساسيّ.

لعبت حرب الخليج حسب الكاتب، الدور التّحفيزيّ لانتفاضة الصّحوة. ولذلك ستنشأ مفاهيم من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح كشعارات للانخراط في الاحتجاج الصّحويّ الآخذ في التّشكّل. إلاّ أنّ هذه الاحتجاجات الصّحويّة ستعرف التباسات ستتوّج بالإخفاق، وهو ما درسه لاكروا في الفصل السّادس، حيث إنّ السلطة السّعوديّة ستنتهج سياسة القمع والإكراه والضّغوطات والاعتقالات والأحكام بالإعدام وضبط المؤسّسات لتُفشل الاحتجاجات الصّحويّة؛ إلاّ أنّ كاتبنا يرى أنّ الصّعود القويّ للحركات المُضادّة للصّحوة من قبيل الجاميّين كان له الأثر المهمّ في قمع الاحتجاجات الصّحويّة بمساعدة السّلطة السّياسيّة. فما سُميّ بالتيّار "الجاميّ" (نسبة إلى الشيخ محمّد أمان الجاميّ) فرض نفسه في المجال الدّينيّ السّعوديّ غداة غزو العراق للكويت كمدافع على العائلة المالكة من جهة، وكناقد شرس للاحتجاجات الصّحويّة المعارضة للنّظام من جهة ثانية. ومن أهمّ ما ميّز الخطاب الجاميّ حسب لاكروا هو الاعتراض العنيف من جهة على الصّحوة، والولاء الحادّ للعائلة المالكة السّعوديّة من جهة ثانية[20]. ومن الطريف في الخطاب الجاميّ، هو أنّه خطاب يرى في طاعة أولي الأمر واجبا مطلقا. ولذلك، لا غرابة أن يُسمّى هذا التيّار بـ"حزب الولاة"، غير أنّ التيّار الجاميّ سرعان ما سيعرف بدءا من السنتيْن 1993 و1994 ضعفا وانحسارا بسبب ما عرفه من انشقاقات داخله، جعل صراعه مع الصّحوة في مرتبة ثانويّة. وإضافة إلى الجاميّة، ستدعم السّلطة بعد 1994 بهدف تضليل الصّحوة "صوفيّة" الحجاز، فضلا عن تحالفها مع المعارضة الشيعيّة الشيرازيّة الّتي كانت في المهجر. ورغم اعتراف لاكروا بنجاح الحملة الجاميّة في إضعاف الصّحوة واحتجاجاتها، إلاّ أنّه يرى أنّ هناك أسبابا داخليّة ساهمت في فشلها، وأهمّها فقدانها لهياكل بنيويّة تعبويّة.

أمّا في الفصل السّابع والأخير من هذا الكتاب، فقد بحث الكاتب في ما سمّاه "الإسلاميّين بعد المعركة"، ليعلن عن نهاية "انتفاضة الصحوة" سنة 1995. ويفسّر أسباب فشلها بعجزها عن خلق تعبئة حقيقيّة، ممّا جعلها تواجه منافسة شرسة من منافسيْها التّاريخيّين داخل المجال الدّينيّ، فضلا عن سحقها بفعل قمع السلطة لها. كلّ ذلك جعل الصّحوة في أواخر التّسعينيات تتشظّى إلى ثلاثة كيانات متنافسة، بل متناحرة هي: أتباع "الصحوة الجديدة" الّتي دعت إلى التّخلّي عن النّظام السّياسيّ. و"الليبيرو - إسلاميّون" الّذين دعوا إلى إصلاح جذريّ للنّظام السيّاسيّ مقرون بمراجعة الخطاب الدّينيّ. و"الجهاديّون الجدد" الّذين فضلا عن مواجهة السّلطة الحاكمة، دعوا إلى شنّ حرب شاملة ضد الولايات المتّحدة الأمريكيّة ودعم تنظيم القاعدة. إذن ومنذ أواخر التّسعينيات ستعرف الحركة الإسلاميّة السّعوديّة انقساما بين التيّارات الثلاثة سابقة الذكر. يتشاركون الصراع على تِرْكة الصّحوة.

يختم لاكروا كتابه بخاتمة جعلها تحت عنوان: "الدروس المستفادة من "الانتفاضة"" مُجملا أنّ فكر الصّحوة هو مزيج بين الفكر الإخوانيّ والمذهب الوهّابيّ. كما نعت الشّباب الصّحويّ بالمتمرّدين من دون قضيّة. كما رأى أنّ هذه الحركة في أصل نشوئها هي حركة مستورة لم تولد من رحم القضايا المحليّة. كما يعتقد الكاتب أنّ فشل هذه الحركة هو مجرّد خفوت وقتيّ قد ينبئ بـ "انتفاضة إسلاميّة" جديدة على المدى المتوسّط[21].

ما يمكن ملاحظته ونحن نقارب هذا الكتاب ذا النّفس التّفسيريّ التّبريريّ لحركة الصّحوة، وكأنّنا بالكاتب يبحث عن شرعيّة لهذه الحركة مُغفلا ما حفل به تاريخها من عنف "مقدّس" على أساس الدّين يُقصي كلّ مكوّنات المجتمع الأخرى، رافضا كلّ محاولات التّحديث. مُوحيا بأنّ هذه الحركة هي حركة- ضحيّة تعرّضت للقمع، وأنّ احتجاجاتها كانت نتيجة الحيْف الاجتماعيّ، فضلا عمّا لعبه التّواجد العسكريّ الأمريكيّ على أرض الحرميْن من خدش لمشاعرها المُسلمة ولهويّتها المُداسة.

ولنا أن نتساءل في هذا الشّأن: هل يوجد حقّا اختلاف في وجهات النّظر جذريّة أو عميقة بين السّلطة السّعوديّة السلطة الدّينيّة بالأساس، وبين حركة الصّحوة كحركة دينيّة أساسا؟ وفي هذا الإطار، لا يفوتنا أن نلاحظ أنّ الكاتب حاول باعتماد المقاربة السوسيولوجيّة مستفيدا من أطروحات بيير بورديو حول الحقول والتّنافس الاجتماعيّ أن يدرس "انتفاضة الصّحوة" كحركة اجتماعيّة اقتصاديّة سياسيّة مُسقطا جانبا على قدر كبير من الأهميّة، وهو أنّ الصّحوة حركة دينيّة روحيّة بالأساس، تقف دون أيّ حراك قد يُسهم في تغيير المجتمع السّعوديّ أو تحديثه، ثمّ هل يمكن لنا القول بانتفاضة في ظلّ سلم اجتماعيّ ورفاه اقتصاديّ واستقرار سياسيّ يرى في توارث الحكم طاعة لأولي الأمر الّذين طاعتهم من طاعة الإله؟

في اعتقادنا، ليست الصّحوة ثورة أو انتفاضة اجتماعيّة أو اقتصاديّة أو سياسيّة. وإنّما هي انتفاضة دينيّة ترْهب التّحديث وتُشْفق من اللّيبراليّة الاجتماعيّة الّتي بدأت تغزو المجتمع السّعوديّ، ولكنّها ليبراليّة كما يسّميها لاكروا نفسه على الطريقة السّعوديّة، ليبراليّة محليّة شكليّة لا تمسّ بجوهر المجتمع السّعوديّ المحافظ حدّ النّخاع و"الحدّاثيّ" حتّى الرّفاه الجشع. لذلك، نستغرب قول الكاتب بانتفاضة الصّحوة كحركة دعت إلى إصلاحات جذريّة، ثمّ إلى أيّ حدّ يمكن القول بوجود برنامج تحديثيّ في المجال التّعليميّ ساهم الإخوان المسلمون القادمون من بقيّة الدول العربيّة في تأسيسه وتكريسه؟ ونحن ندرك المصادر الّتي يستند إليها هذا التيّار في أفكاره وطروحاته، وهي أبعد ما يكون عن التّحديث أو التّفكير أو التّعليم، بل هو تلقين يقوم على تكفير كلّ مختلف لا يقول بمسلّماتهم وأطروحاتهم.

ثمة نقطة أخرى نراها مهمّة، هي هل أنّ الصّحوة السّعوديّة كانت سليلة تيّار الإخوان المسلمين، وهو التّيّار الإسلاميّ السيّاسيّ بامتياز، أم إنّها تطوّر ضروريّ للسلفية الوهابية نتج عن اصطدامه بضغوطات التحديث؟ وهل هي أمّ التيّار الجهاديّ الأممّي العنيف، أم إنّها لاحق به تجاوب معه بحكم تناسب الفكر؟

ولئن كان للصّحوة السّعوديّة خصوصيّاتها المحليّة في كونها لم تخرج تماما من جلباب الحركة الإسلاميّة السّعوديّة الرّسميّة، فإنّها تبرز مظاهر تشابه مؤكدة بسائر التيارات الإسلاميّة.

إجمالا، حاول الكاتب في بحثه هذا أن يستفيد من مقاربات علم الاجتماع وآلياته، ليدرس الحركات الإسلاميّة السّعوديّة، منها حركة الصّحوة أساسا، وقد بذل في سبيل ذلك جهدا جبّارا لشحّ الدّراسات والأبحاث الّتي تناولت هذا الموضوع، إلاّ أنّه وكما يقول عبد الله الغذّامي "اشتغل بعضلاته لا بعقله".

[1] باحثة تونسيّة، أستاذة تعليم ثانويّ متحصّلة على الماجستير في اللغة العربيّة وآدابها وحضارتها، اختصاص حضارة عن بحث بعنوان: مقاربات نسائيّة تونسيّة لقضيّة المرأة في مطلع القرن الحادي والعشرين (2007) ومتحصّلة على شهادة الدكتوراه في اللغة العربيّة وآدابها اختصاص حضارة عن بحث بعنوان: الزمن المقدّس في المتخيّل الإسلاميّ قديما (2016)

[2]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 11

[3]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 12

[4]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 12

[5]- ستيفان لاكروا، زمن الصّحوة، الحركات الإسلاميّة المعاصرة في السعوديّة، ص 11

[6]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 11

[7]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 11

[8]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 13

[9]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 14

[10]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص16

[11]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص16

[12]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 20

[13]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 27

[14]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 27

[15]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 42

[16]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 53

[17]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 56

[18]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 86

[19]- لاكروا، زمن الصّحوة، ص 137

[20]- لاكروا، زمن الصحوة، ص 287

[21]- لاكروا، زمن الصحوة، ص 363