سوسيولوجيا: الخطر الفرنسي


فئة :  ترجمات

سوسيولوجيا: الخطر الفرنسي

سوسيولوجيا: الخطر الفرنسي[1]

تقديم

في مقال نقدي لكتاب "الخطر السوسيولوجي" لصاحبيه Gérald Bronner وEtienne Géhin الصادر سنة 2017 عن دار النشر PUF، يشير STÉPHANE DUFOIX إلى أن النقاشات التي دارت حول الكتاب، أخلفت الموعد مع ما يتهدد حقيقة تخصص السوسيولوجيا: فمن خلال تجاهلها لما يقع في الخارج، تتعامى السوسيولوجيا الفرنسية عن رؤية القليل من الصدى الذي تثيره.

وهذه مضامين النص مترجما:

إن المشاعر المثارة في وسائل الإعلام وداخل بعض أقسام السوسيولوجيا الجامعية منذ بضعة أسابيع نتيجة نشر كتاب "الخطر السوسيولوجي" لصاحبيه Etienne Géhin وGérald Bronne، هي ظاهرة مفاجئة للغاية من منظور أن هناك رهانات أكثر أهمية ظلت على هامش هذا السجال الحاصل. في أحيان معينة، ينبغي الغوص في العالم الحميمي للنصوص لرؤية الفضاء الذي تنتشر فيه. بغض النظر عن الهجمات التي تستهدف الهيمنة الراهنة للمقاربات البنائية والحتمية - علاوة على أن صاحبي الكتاب يماثلان بين المقاربتين -، فالخطر القادم هو بشكل أقل مما هو موضوع استنكار داخل الكتاب بالمقارنة مع ما لا يقوله هذا الأخير بشكل صريح والذي يشكل في النهاية عارضا حقيقيا داخله.

إن التصريح بأزمة السوسيولوجيا أو استنكار الأخطار التي تهددها، ليس بشيء جديد على الإطلاق. فباستثناء بعض النصوص المشيدة بطريقة صلبة من قبيل كتاب "الأزمة القادمة للسوسيولوجيا الغربية" الذي نشره Alvin W. Gouldne عام 1970، فإن هذه التحذيرات لا تشتغل غالبا إلا من خلال أسلوب خطابي واضح سعيا الى نزع المصداقية عن هذه المقاربة أو عن هذا المنهج المنافس. في المقابل، يبدو هنا كتاب Gérald Bronner وEtienne Géhin وكذلك ردود الفعل النقدية التي أوردها، عبارة عن أعراض ينبغي دراستها أكثر منها اعتراضات حقيقية ومبنينة تخترق التخصص في مجموعه، هناك فعلا خطر تواجهه السوسيولوجيا الفرنسية منذ أمد طويل: إنه خطر العجز الشبه الكلي عن الاهتمام بوجود سوسيولوجيات غير غربية، وبالتالي عجزها عن إدراك خصوصيتها بطريقة أخرى غير ادعاء عالمية مزعومة.

إن عنوان الكتاب وكذلك مقدمته، يوحيان أنه يعالج السوسيولوجيا بشكل عام، يعالج وظيفتها ومستقبلها الذي يستوجب التوضيح على ضوء مستجدات العلوم العصبية. من خلال الانفتاح على هذين المثالين، أحدهما ياباني والآخر سويسري، اللذان يفترضان وجود مشاريع سياسية لاستئصال العلوم الإنسانية والاجتماعية من أي وجود بمبرر أنه ليست لها فائدة اجتماعية تذكر، يظهر أن الكتاب يترجم نيته في أن يجعل من موضوعه هو السوسيولوجيا على الصعيد الدولي؛ إلا أنه وبداية من الصفحة الثالثة، تتغير لهجة الكتاب وتتجه نحو تحليلات لسوسيولوجيا بيير بورديو التي تم الحكم عليها بأنها تحليلات ذات نزعة حتمية (حتموية)، ولكن أيضا بالنسبة إلى التحليلات التي تندرج في سياقها أي في سياق سوسيولوجيا بيير بورديو. إن مجموع مرافعات الكتاب تماثل بين السوسيولوجيا في فرنسا والسوسيولوجيا عموما. كما أن الأعمال المرجعية الموظفة من طرف المؤلفين تكشف هي أيضا عن هذا الأمر. فمن أصل حوالي ثلاثين عالم اجتماع تحضر أسماؤهم في البيبليوغرافية، الأغلبية العظمى منهم هم فرنسيون(24)، والآخرين يتوزعون بين الولايات المتحدة الامريكية (2)، بريطانيا العظمى (1)، ألمانيا (1)، إيطاليا (1) والنرويج (1). فالسوسيولوجيا في دلالتها العامة، هي في الواقع غربية، بل وفرنكو- فرنسية. إن السعي إلى فرنسة ما هو كوني يصطدم مع ذلك بحقيقة أن السوسيولوجيا الفرنسية ليست معروفة بشكل كبير على المستوى الدولي - اللهم بعض الاستثناءات الفردية -، بل أيضا وإذا أخذنا بعين الاعتبار حضورها الضعيف على صفحات المجلات الناطقة بالإنجليزية، فهي منتشرة بشكل أقل: من أصل 3046 مجلة أحصتها قاعدة أولريش la base Ulrich خلال بداية سنوات 2000، منها فقط 6% من تصدر باللغة الفرنسية.

إن السوسيولوجيا الفرنسية تعاني في معظم الأحيان من مشكلة مزدوجة على مستوى الرؤية. إنها قصيرة النظر وعاجزة عن الالتقاط الجيد لما يقع بعيدا عنها، لكنها أيضا تعاني من مركزية مفرطة، غير قادرة على ضبط تأثير ممارساتها والأهمية النسبية لأعمالها على مستوى أوسع. علاوة على أن هذه الإعاقة المزدوجة ليست وراثية إطلاقا: إنها تندرج داخل تاريخ خاص، فرنسي لكن أيضا تاريخ أوروبي بشكل كبير وشمال أمريكي خلال القرن العشرين، إن الأمر يتعلق بتاريخ من الهيمنة والنزعة الكونية، بنزعة علموية وتمركز على الذات، حيث إن السوسيولوجيا الممارسة في أمريكا اللاتينية، إفريقيا، آسيا، الشرق الأوسط أو أوروبا الوسطى والشرقية، لا تستحق بتاتا أي اهتمام اللهم أن تصلح في توفير العتاد الإمبيريقي لمنظري المركز. مع ذلك...من الذي يدري أن معهدا للعلوم الاجتماعية كان قائما بفنزويلا سنة 1877؛ أي حوالي إحدى عشر سنة قبل زمن دروس في علم الاجتماع التي كان يلقيها إميل دوركهايم داخل كلية الآداب ببوردو؟ هل يعرف أي طالب أن أول شهادة دكتوراه في السوسيولوجيا قد تم منحها في الهند عام 1938؛ أي عشرون سنة قبل إحداث نفس الشهادة داخل فر نسا؟ ما هو عدد الدلائل التي تتحدث عن تاريخ السوسيولوجيا أو عن تاريخ الأفكار السوسيولوجية، والتي يقرأ فيها المرء أنه في سنة 1947 كانت الصين تضم 143 مدرسا للسوسيولوجيا في مقابل أربعة كراسي رسمية فقط في فرنسا خلال نفس التاريخ؟ من يتذكر اليوم أن الطاهر بن جلون دعا خلال شهر غشت 1974 على صفحات "لوموند ديبلوماتيك"، إلى "إزالة الاستعمار عن السوسيولوجيا في البلدان المغاربية"؟

إذا كان السجال الحالي ظاهرة عارضة، ولا يقول الشيء الكثير عن حقيقة وتنوع هذا التخصص في فرسا، فالمفروض في هذا السجال أن يدفعنا نحو محاربة مشاكلنا على مستوى الرؤية وعقليتنا التي غالبا ما تكون متخفية في وضعية التعالي المفرط والشعور بالتفوق. على الأقل منذ ثلاثة عقود، ساد النقاش حول مسألة إزالة الاستعمار عن السوسيولوجيا والاهتمام بالسوسيولوجيات المسماة "سوسيولوجيا الجنوب"، داخل كبريات المجلات من الطراز الأول، في ندوات عالمية وداخل عدد متنامي من المؤلفات والمقالات الفكرية. فالسوسيولوجيا الفرنسية غائبة تقريبا عن هذه النقاشات، عبر التجاهل أحيانا، ومن حين لآخر من خلال عجز لغوي، وغالبا من خلال اللامبالاة، لكن أيضا من خلال شكل من الاحتقار إزاء كل ما يصنع في أمكنة أخرى، بعيدا عن بلد العلم السوسيولوجي الفرنسي. هنا يكمن الخطر، وهو خطر العمى، التمركز على الذات وغياب الوضوح عن وضعيتنا الذاتية.

فمتى يتم إرساء تعليم التاريخ العالمي للسوسيولوجيا بشكل منظم؟ ومتى تراعي الدروس الإجبارية للنظرية أو للابستيمولوجيا السوسيولوجية، الخاصية "الموضعية" لإنتاج المفاهيم؟ ومتى يحصل أن تخصص ندوات لقراءة الأعمال السوسيولوجية المنتجة خارج حدود العالم الغربي؟. إن الحجة التي تقول باستحالة شحن الطلبة بعلماء اجتماع قادمين من بعيد بينما الضرورة تقتضي تكوينهم حول التحقيق في ميادين قريبة أو حول معرفة علماء اجتماع فرنسيين باعتبارها أولوية، هي حجة لا تستقيم طالما أن معظم التعلمات المرتبطة بالتقليد السوسيولوجي، بالأفكار السوسيولوجية أو بتاريخ التخصص، لا تحدد مسألة أن محتوياتها هي في الواقع محتويات السوسيولوجيا الغربية أو الفرنسية.

في جميع الأحوال، إن الأمر لا يتعلق بالتنكر لأهمية تكوين طلبة السوسيولوجيا - أو بشكل أوسع طلبة العلوم الاجتماعية - حول التقليد الوطني، بل في الواقع لا بد من فتح أعينهم بشكل أرحب على الواقع العالمي لهذا التخصص قصد تمكينهم من فهم أفضل لأوجه التشابه والاختلاف التي تميز الأشكال الاجتماعية. بعد مرور واحد وعشرين سنة على التقرير الذي صاغه Immanuel Wallerstein حول انفتاح العلوم الاجتماعية، يجب على السوسيولوجيا الفرنسية الآن وأكثر من أي وقت مضى، أن تنخرط في هذا الأفق وتبدأ من ذاتها.

[1] Libération Mercredi 29 Novembre 2017