"السلطان عبد الحميد الثاني وسياسة الوحدة الإسلامية"


فئة :  قراءات في كتب

"السلطان عبد الحميد الثاني وسياسة الوحدة الإسلامية"

عرض كتاب:

"السلطان عبد الحميد الثاني وسياسة الوحدة الإسلامية"


كتاب "السلطان عبد الحميد الثاني وسياسة الوحدة الإسلامية" لمؤلفه التركي الكردي الأستاذ إحسان ثريا صرما من المؤلفات الصادرة حديثًا. وقد أُلِّف أصلاً بالتركية وترجمه إلى اللغة العربية كمال أحمد خوجة، وقد اعتنى بنشره تحسين إبراهيم الدوسكي، وظهرت طبعته الأولى هذا العام، أقصد 2014م، بمطبعة هاوار بكردستان العراق بدهوك.

والأستاذ إحسان مؤلف الكتاب من مواليد قضاء برواري "خسخير" التابع لولاية سيرت التركية عام 1944، وقد تخرج في كلية الإلهيات عام 1966، وتخصص بالتاريخ الإسلامي، وحصل على الدكتوراه من فرنسا عام 1973. وعمل بعد رجوعه إلى تركيا في التدريس الجامعي في عدة جامعات تركية أستاذًا للتاريخ الإسلامي، كما اشتغل بالتدريس في جامعات النمسا، وشارك في مؤتمرات كثيرة حول التاريخ الإسلامي والأدب الكردي في كردستان وتركيا والبلدان العربية والأوروبية، وله أكثر من ثلاثين كتابًا طبع بعضها عدة مرات، وترجم بعضها إلى عدة لغات.

ويشتمل هذا الكتاب الخاص بالسلطان عبد الحميد على مقدمة وثلاثة عشر فصلاً وخاتمة مخصصة لنتائج البحث والتقييم. ويبرر الكاتب قيامه بهذا البحث بطغيان النزعة العاطفية على البحوث التي درست السلطان عبد الحميد الثاني سواء أكان ذلك قدحًا أم مدحًا، ورغبته في مقاربة موضوعية لنقطة دقيقة محددة وهي سياسة الوحدة الإسلامية لدى هذا السلطان، وهو ما يعني أن الكاتب سيطرق موضوعًا مجهول الجوانب، حسب تصريحه، لدى كثير من الباحثين الأتراك، وهو السياسة الخارجية للدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد.

تطرق الكاتب في الفصل الأول المعنون بـ"السلطان عبد الحميد الثاني ومدحت باشا" إلى تولي السلطان عبد الحميد الثاني سلطان الدولة الإسلامية ابتداءً من عام 1876، وإلى الصعوبات التي واجهته سواء أكانت اقتصادية موروثة عن سلفه أم سياسية ترتبت على الحرب العثمانية الروسية خلال الفترة ما بين 1877 و1878، وهي حرب خاضها السلطان عبد الحميد مرغمًا مدفوعًا إليها برغبة الصدر الأعظم مدحت باشا وبإيعاز من انجلترا. وبعد هذه الحرب عزل السلطان مدحت باشا ونفاه إلى مكان بعيد وأنهى العمل بالدستور الذي اقتبسه مدحت باشا من الدستور البلجيكي وصادق عليه السلطان سنة 1876. ومن المواد التي تضمنها ذلك الدستور: "على تركيا التي أخذت لها مكانًا في الوحدة الأوروبية أن تتشبه بدول أوروبا وأن تطبق أصولها وتراعي نظمها الدستورية، وإننا نعلن عن قبولنا لشكل الحكومة في هذه الدول مع الأخذ بعين الاعتبار الأحكام الشرعية والعرفية."1

ولا يترك الكاتب الفرصة تمر دون أن يربط الماضي بالحاضر، فالتاريخ لا يدرس لمجرد الدراسة، وإنما يدرس لأخذ العبرة وبيان أوجه اتصاله بالحاضر أو انفصاله عنه، لذلك يقول: "عندما يقرأ المرء السطور السابقة يدرك بشكل واضح مدى إصرار البعض على الانضمام إلى مجموعة الدول الأوروبية في وقتنا الحاضر، وما يقدمه هؤلاء من تنازلات من أجل هذه الغاية."2

وفي الفصل الثاني المعنون بـ "حركة تركيا الفتاة" بيّن الكاتب أن هذه الحركة ظهرت بتوجيه من الغرب لمحاربة سياسة السلطان عبد الحميد المحافظة ولتقليد الغرب في كل شيء، واعتبر أن الهدف الأول لهذه الحركة هو إبعاد السلطان عبد الحميد عن سدة الحكم، وهدم الدولة العثمانية وتأسيس دولة حديثة على أنقاضها، وتحكيم الفلسفة الغربية في هذه الدولة الجديدة. ويعرض الكاتب ما تضمنته إحدى الوثائق من إقرار أحد رؤوس حركة تركيا الفتاة بأن الثورة الفرنسية كانت مثالاً لهم يحتذونه، فقد ألهمتهم معارضة استبداد السلطان والتمسك بالحرية والعدل والمساواة. وقد ذكر الكاتب أسماء أبرز قواد حركة تركيا الفتاة اعتمادًا على وثائق حصل عليها من أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية بباريس.

كما أثار الكاتب مسألة خلافية تتمثل في أهداف حركة تركيا الفتاة، فقد اعتبر أن هذه الحركة طالبت في الظاهر بالإصلاحات المقتبسة من الغرب لمصلحة الدولة العثمانية وسلامتها، بينما كانت الحقيقة خلاف ذلك، ذلك أن هذه الإصلاحات التي لم تتوقف الدول الغربية عن المطالبة بها، ولم تكن إلا لضمان حقوق وامتيازات الأقليات اليهودية والنصرانية في المجتمع العثماني.

وفي الفصل الثالث المعنون بـ "تيار الوحدة العربية" ألمع الكاتب إلى ظهور حركة قومية تنادي بالوحدة العربية وتعادي السلطان عبد الحميد، يطلق عليها حركة "العربية الفتاة"، وكان أغلب أعضائها من النصارى المقيمين في أوروبا والمقلدين للغرب. ويركّز الكاتب على الانتماء الديني المسيحي لأفراد هذه الحركة وعلى أن هدفهم الحقيقي هو تأكيد التفوق النصراني وليس توحيد العرب تحت راية العروبة. ولا يعدّ هذا الموقف غريبًا عن كاتب تركي يرى بين رواد هذه الحركة نجيب عازوري (1881-1916) مؤلف كتاب "يقظة الأمة العربية في الأناضول"، وهو أول من دعا صراحة إلى قيام دولة عربية مستقلة تقوم على أنقاض الدولة العثمانية التي توشك على الانهيار. وتفهم معاداة الكاتب لهذا التيار من خلال إيمانه بأن ما يجمع العرب والمسلمين هو الإسلام، لذلك فالمطلوب هو الوحدة الإسلامية لا العربية.

وبناءً على هذا كان الفصل الرابع مخصصًا لإصلاح التعليم الديني من أجل الوحدة الإسلامية وعلاقة محمد عبده بالسلطان عبد الحميد، فقد اعتبر أنّ هذا الإصلاح يمكن أن يحلّ أكثر المشاكل التي تعاني منها الدول الإسلامية التي يحكمها، لذلك لم يكتفِ باستشارة علماء استانبول بل استأنس بآراء كثير من علماء الأقطار الإسلامية الأخرى، وكان من بينهم العالم المصري محمد عبده. ويصرّح الكاتب أنّ العلاقة بين السلطان عبد الحميد ومحمد عبده لم تكن معروفة إلاّ بشكل محدود، لكنها أخذت أبعادًا جديدة بعد اطلاعه على وثائق الأرشيف، فأدّت إلى تغيير في المفاهيم التي كانت سائدة قبل ذلك. فمحمد عبده الذي صوره الكثيرون، حسب الكاتب، بأنه من معارضي السلطان عبد الحميد أثبت من خلال رسائله التي بعثها بخط يده بأنه موالٍ مخلص لخليفة المسلمين في اسطنبول.

وقد اقتنع السلطان بمشروع عبده فأصدر أوامره بتشكيل لجان يرأسها شيخ الإسلام تتولى إصلاح التعليم الديني. وعلم عبده بهذا الخبر عن طريق جريدة الطريق، فاتصل بالسلطان عبد الحميد وعرض عليه خدماته عن طريق شيخ الإسلام، وفي هذا الموضوع كتب شيخ الإسلام بعض الرسائل التي وجد الكاتب ترجمتها العثمانية في أرشيف رئاسة الوزراء.

أمّا الفصل الرابع الموسوم بـ"إصلاح التعليم الديني من أجل الوحدة الإسلامية وعلاقة محمد عبده بالسلطان عبد الحميد" فقد أكّد فيه الكاتب على أنّ موقف العلماء العرب من سياسة الوحدة الإسلامية التي انتهجها السلطان عبد الحميد لم يكن موقفًا سلبيًا، فمنهم من شاركه في هذه الفكرة، ومنهم من دعم سياسته دعمًا مباشرًا. ولضمان الاستمرارية لهذه السياسة اتخذ السلطان بعض التدابير الجذرية على غرار مشروع إصلاح التعليم الديني.

وتطرق الكاتب إحسان ثريا صرما في الفصل الخامس العنون بـ"آراء محمد عبده حول إصلاح التعليم الديني" إلى لائحة أعدّها محمد عبده تتضمن أسباب إصلاح التعليم الديني ومقترحات هذا الإصلاح، وأحد هذه الأسباب المحافظة على الدولة العثمانية باعتبارها حافظة لسلطان الدين في نظره. ومن أهم مقترحات عبده الاهتمام بالجانب الأخلاقي القيمي بالتوازي مع العلوم التقليدية والدعوة إلى تعليم المقاصد ضمن أصول الفقه لذلك رأى أن أفضل كتاب يفيد هذا المقصد كتاب "الموافقات" للشاطبي المطبوع في تونس. وفي تعليم فن الحديث دعا عبده إلى أن يؤخذ منه ما كان مفسرًا للقرآن مبينًا له مع اطّراح ما يخالف نصه من الأحاديث الضعيفة. ويرى عبده أن التعليم الديني إن تم إصلاحه بالأساليب المتطورة ستسري الحياة من جديد في الأمة العثمانية، وهو ما يؤدي إلى توحيد جميع المسلمين تحت راية الدولة العثمانية.

وفي فصل "سياسة الوحدة الإسلامية" يقرر الكاتب أن السلطان عبد الحميد كان يرى أن الأمل الوحيد في خلاص الدولة العثمانية يكمن في وحدة المسلمين، فقام بنشاطات سياسية دينية على طريقته الخاصة، كان مقصده من هذه السياسة الجديدة توثيق الصلة بينه وبين كافة المسلمين من خارج الأناضول ليقفوا صفًا واحدًا في مواجهة الاستعمار العالمي معتمدًا في ذلك على صفة الخلافة التي كان يحملها، ولذلك سميت هذه السياسة بسياسة الوحدة الإسلامية التي أعادت للخلافة، حسب الكاتب، طابع العالمية بعد أن كانت مجردة من ثقلها السياسي أعوامًا طويلة. وهكذا يرى الكاتب أن السلطان عبد الحميد استطاع إنشاء علاقات مع المسلمين في البلاد الخاضعة لحكم الدول الغربية وحقق نجاحًا، ولو معنويًا، بربطهم بمركز الخلافة، وأضحى له ممثلون في جميع القبائل، بما فيهم البدو الذين كانوا أشد الناس تمردًا على النظام.

وفي الفصل الموسوم بـ "نشاطات الوحدة الإسلامية في شمالي إفريقيا" ذكر الكاتب أن أتباع السلطان عبد الحميد من طريقة "الشاذلية المدنية" هم الذين يقومون بالدعوة إلى الوحدة الإسلامية في شمال افريقيا.

وعدّ الكاتب في فصل "تطبيق سياسة الوحدة الإسلامية في الصين" هذا الموضوع، أقصد سياسة الوحدة الإسلامية في الصين، مهمشًا في الدراسات رغم أهميته، وذكر أن الوثائق المتوفرة لديه تدل على أن علاقة السلطان عبد الحميد بالصين بدأت بعد الحركات الثورية التي قامت طيلة القرن التاسع عشر الميلادي، ففي عام 1899 ثار مسلمو الصين ضد دول الاستعمار الغربي في الصين واشترك في هذه الثورة الصينيون من غير المسلمين، وصار المستعمرون يشعرون بالقلق على مستقبلهم. وتدل الوثائق أيضًا على أن الإمبراطور الألماني "غليوم الثاني" اتصل بالسلطان عبد الحميد وتمنّى عليه أن يعمل على تهدئة المسلمين الثائرين في الصين ضد الأوروبيين. وكان رده إيجابيًا وبدأ اتصالاته بمسلمي الصين، وأهم الوفود التي توجهت إلى الصين لتحقيق هذا الهدف الوفد الذي رأسه أنور باشا سنة 1901م.

وجماع القول إن صاحب هذا الكتاب يسعى في كامل فصوله إلى الدفاع عن السلطان عبد الحميد، لذلك كانت خاتمته التقييمية تركز على هذا المعنى، من ذلك مثلاً اعتباره لقب السلطان الأحمر الذي كان يطلق على السلطان عبد الحميد ما هو إلا من ابتداع الأرمن واليهود، وتصريحه أن إزاحة السلطان عبد الحميد عن الحكم كان نتيجة تعاون رجال حركة تركيا الفتاة مع اليهود والأرمن بعد أن وجدوا الدعم القوي من الغرب. وواضح أن ما دفع الكاتب إلى هذا الموقف خلفيته الدينية التي جعلته يصغر نقاط ضعف سياسة السلطان عبد الحميد ليسلط الضوء في مقابل ذلك على سياسة الوحدة الإسلامية التي انتهجها السلطان عبد الحميد لبسط نفوذ الخلافة العثمانية على جميع المسلمين، ولتحكيم الإسلام في الدولة، وهذا ما تجلى في السنة الأولى من حكم السلطان في رسالة بعثها إلى وزيره محمد رشدي باشا قال فيها: "المشاكل التي تواجهها دولتنا اليوم كثيرة ومتعددة، ومهما تعددت تلك المشاكل وأيًا كان مصدرها فإن سببها واحد، وهو عدم تطبيق الأحكام الإسلامية التي تشكل أساس دولتنا تطبيقًا صحيحًا. 15 أيلول 1876م".


1 Gilles Doy, le sultan rouge, Paris, 1936, pp 51-54

2 إحسان ثريا صرما، السلطان عبد الحميد الثاني وسياسة الوحدة الإسلامية، ص 9