تفاعل أصول الفقه مع المنطق وفق وائل حلاّق


فئة :  مقالات

تفاعل أصول الفقه مع المنطق وفق وائل حلاّق

وائل حلاّق عربي فلسطيني الأصل حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة واشنطن، ودرّس في جامعة ماكجيل بكندا، وتولى عمادة كلية الآداب التابعة لها.

وقد التحق للتدريس بمعهد الدراسات الإسلامية بجامعة مكجيل في 1985، وتحصل على الأستاذية في 1994، وأصبح منذ 2005 أستاذ الفقه الإسلامي بهذه الجامعة، وهو يدرّس حاليا بجامعة كولومبيا في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا (Department of Middle Eastern, South Asian and African studies)

لقد اخترنا دراسة عينة من مواقف وائل حلاق، تتمثل في تفاعل أصول الفقه مع المنطق لا بسبب كونه كاتبا كثير الإنتاج فحسب، وإنّما لأنّه أيضا من أهمّ المتخصصين في الدراسات الدائرة على الفكر الإسلامي في الجامعات الغربية، وتحديدا في الجامعات الواقعة بأمريكا الشمالية. وقد ألّف عشرات الكتب والمقالات التي يدرس أغلبها مسائل تتعلّق بالفقه الإسلامي وتاريخه وفلسفته وتشكّل النظام القضائي في الإسلام والنظرية السياسية الإسلامية.

لا يدرس وائل حلاّق أصول الفقه باعتباره علما ساكنا جامدا بل يتوقّف عند حركته وتطوّره وتفاعله مع واقعه بكلّ مستوياته

من الواضح أنّ وائل حلاّق لا يدرس أصول الفقه، باعتباره علما ساكنا جامدا، بل يتوقّف عند حركته وتطوّره وتفاعله مع واقعه بكلّ مستوياته، ومنها المستوى العلمي؛ لذلك اهتمّ بالمنطق اليوناني الصّوري، واعتبره من متغيّرات الخطاب الفقهي والأصولي، لأنّه دخل المشهد الأصولي الفقهي خلال القرن الخامس، لكن لماذا انتظر المنطق أكثر من قرنين ليلج ميدان الأصول؟ لا يعطينا حلاّق جوابا، لكنّه يذكر أنّ الأمر يقتضي أبحاثا معمّقة لإدراك سبب هذا التأخّر[1].

ولئن لم يهتمّ حلاّق في كتابه الدّائر أساسا على أصول الفقه بمنزلة المنطق ضمن أصول الفقه قبل القرن الخامس للهجرة، فينبغي التذكير بالموقف المشهور للشافعي، وهو يتمثّل في معاداة المنطق إلاّ أنّ هذا الموقف قد يكون في حاجة إلى مزيد السّبر والغوص، لأنّ من نقله إلينا وهو السيوطي معروف بعدائه للمنطق[2].

وعلى الرغم من أنّ كتاب الجصاص "الفصول في الأصول" لا يخبر بشكل صريح عن تأثّر صاحبه بالمنطق، فإنّ بعض الدّارسين المعاصرين سعى إلى إثبات تأثير هذا العلم في النظريّة الفقهية والأصولية للجصاص[3]. والراجح أنّ التفكير الأصولي خلال القرن الرابع للهجرة دخلته بجلاء طريقة المناطقة والفلاسفة في إيجاد معان مضبوطة للمصطلحات الخاصّة بعلم أصول الفقه أطلق عليها تارة "التعريفات" وطورا "الحدود"، وانجرّ عن ذلك ظهور مصنّفات من نوع جديد تستقلّ بعرض الحدود الخاصة بالأصول، ومن ذلك كتاب "الحدود والعقود في أصول الفقه" للمعافى النهرواني (ت. 390هـ)، وهو أحد الفقهاء على مذهب أبي جرير الطبري[4].

وبناء على هذا، يمكن أن نعتبر التشديد على دخول المنطق علم أصول الفقه خلال القرن الخامس مسألة في حاجة إلى مراجعة، لأن تأثّر الأصوليّين بطريقة علماء المنطق بدأت منذ القرن الرابع[5].

وقد أشار حلاّق إشارة سريعة جدّا إلى دور ابن حزم في هذا المجال، فذكر أنّه خطا الخطوة الأولى قبل الغزالي بنصف قرن، إلاّ أنّ عمل ابن حزم ظلّ في نظر حلاّق خارج إطار الاجتهاد الإسلامي، ويقصد بذلك أنّه ظلّ متأثّرا بالمنطق اليوناني دون غيره، وهو ما يلاحظه في كتابه "التقريب لحدّ المنطق"، وهو أوّل كتاب عرّج فيه ابن حزم على المنطق وشرح فيه المفاهيم اللاّوسطية، فعدّ بذلك القاعدة النظرية للمباحث المنطقية في كتاب ابن حزم "الإحكام في أصول الأحكام" لتضمّنه أسس الجدل ومناهج بناء الحجة والاستدلال.

ولئن كانت فتنة ابن حزم بالمنطق اليوناني نتيجة تأثره بالثقافة اليونانية، فإنها تندرج في إطار محاولته تأسيس الفقه والأصول على اليقين والقطع بدلا عن الظنّ والتخمين، وهو ما دعاه إلى نقد القياس التمثيلي المحتذى في مختلف العلوم الإسلامية، وقد تبنّى عوضا عن قياس الفقهاء القياس السلجستي المبني على مبادئ التفكير الأساسية: الذاتية وعدم التناقض والقيمة الثالثة المرفوعة[6].

وهذا القياس وما يرتبط به من تعاليم المنطق اليوناني، يعتبره ابن حزم أداة مفيدة بل ضرورية للفكر، ويمكن تطبيقه على كلّ المجالات الدنيوية والدينية[7].

وينطلق ابن حزم من أنّ أصول الأحكام أربعة؛ نصّ القرآن، ونصّ كلام الرّسول، وإجماع علماء الأمّة، ودليل من هاته لا يحتمل إلاّ وجها واحدا. والدّليل هو العقل باعتبار أنّ العمليّات الأساسية التي يقوم عليها هي عمليّات الاستنباط والاستنتاج والاستخراج المنطقية. وهكذا نجد إلى جانب النصّ والإجماع حيزا لنشاط العقل يبرز إرادة ابن حزم تأسيس الشريعة على العقل عن طريق الانتقال التدريجي من المقدّمات إلى النتائج أو اللزوم المنطقي لا الحمل الظنّي الذي يؤسّس القياس الأصولي.

وبهذا الشّكل، يمكن تمحيص الاستدلال والارتقاء به إلى مرتبة البرهان القطعي لا الظنّي ولا يضحي الدليل إضافة شرع جديد إلى الشرع، بل إضفاء للمعقولية عليه. وقد أطلق ابن حزم على القياس المنطقي اسم "الجامعة" أو "السلجموس"[8] حتّى لا يلتبس بالقياس الفقهي.

ونلاحظ في بعض المباحث الأصولية في كتاب الإحكام سعيا إلى تطبيق التمشّي المنطقي من ذلك ما ورد في مسألة حجية خبر الواحد العدل؛ فقد ذكر ابن حزم آية أولى اعتبرها برهانا وآية ثانية نصّ على أنّها لا تكون برهانا، إلاّ إذا انضمّت إلى الآية الأولى وباجتماع الآيتين صارتا مقدّمتين ولّدتا نتيجة هي قبول خبر الواحد العدل[9].

وربّما كانت خلفية تشبّث ابن حزم بالمنطق اليوناني وسعيه إلى تعريبه رغبته في دعم المنقول بالمعقول دعما يمكّن من تأسيس النتائج المتولّدة عن القياس على الدقّة والصّرامة. وباعتماد المعقول يواجه ابن حزم مواقف المتكلّمين الأشاعرة الذين أداروا ظهورهم للعلم، عندما أنكروا السببية ونفوا كلّ اطّراد في قوانين الطّبيعة معتبرين كلّ ما يجري في الطّبيعة من حوادث يرتبط بعضها ببعض على أساس ما تجري به العادة، وترتّب بينها، ومالوا إلى الاعتقاد في الخلق المستمر وفي انقسام الفعل الإنساني إلى أجزاء منفصلة لا استمرار فيها مما يجعل الإنسان يكتسب الأفعال ولا يختارها مع ما ينتج عن كلّ هذا من قول بجواز الكرامات وإنكار الطبائع. وهذا ما يفسّر تمسّك ابن حزم باستمرار الطّبيعة وخضوعها للسّببية واطّراد ظواهر العالم والقول بأنّه يسير وفق نظام محكم أساسه السّنن والطّبائع.

يعتبر حلاّق أن أبا حامد الغزالي أهمّ العلماء السنّيّين الذين حاولوا تطبيق المنطق اليوناني على مسائل الدّين والفقه

ويقف الغزالي في مقابل ابن حزم -وفق حلاّق- لأنّ إدخاله المنطق ضمن التفكير الأصولي يندرج كليا في نطاق الاجتهاد الإسلامي.

وعلى هذا الأساس، يعتبر حلاّق أن أبا حامد الغزالي أهمّ العلماء السنّيّين الذين حاولوا تطبيق المنطق اليوناني على مسائل الدّين والفقه. وقد ساهم عمله إلى جانب ما قام به ابن حزم قبله في منح المنطق شرعية الوجود في الفكر الإسلامي.

وكان الغزالي واعيا بأنّ كتاباته في المنطق تحرج أهل السنّة، لذلك لم يشأ أن يسمّي كتبه المنطقية باسم المنطق، وإنّما سمّاها بأسماء أخرى تخفي هذا الاسم الحقيقي لأنّه موضوع ذمّ واستهجان[10].

ويرجع شغف الغزالي بالمنطق إلى كثرة مطالعاته المنطقية لما كتبه ابن سينا (ت. 428هـ) بالخصوص.

ويبدو أنّ الواقع التاريخي الذي عاصره الغزالي دفعه إلى البحث عن سبيل جديد لإصلاح مظاهر الخلل والانحراف التي تفشّت في عصره في ميدان القضاء الشرعي، حيث مال القضاة إلى استغلال مناصبهم، فكان المنطق وسيلة الغزالي لتقييد طرق الاجتهاد بوضع أسس صارمة له ورفض الاستحسان، وكلّ استدلال يخرج على النسق المعياري المنطقي[11] لكن هذا لا يعني تجاوز قياس الفقهاء ذلك أن نيّته كانت إصلاح القياس الفقهي، وقد تجلّى ذلك في إصراره على اعتبار الحدّ الأوسط في القياس الأرسطي هو العلّة الفقهية.

يعدّ "المستصفى في علوم الأصول" الذي ألّفه الغزالي في مرحلة نضجه العلمي واحدا من المصنّفات الرئيسيّة في علم أصول الفقه

ويعدّ كتاب "المستصفى" للغزالي مرحلة فاصلة في تاريخ التأليف الأصولي؛ ففيه نجد للمرّة الأولى مقدّمة منطقية اعتبر الغزالي أنّها "ليست من جملة علم الأصول ولا من مقدّماته الخاصّة، بل هي مقدّمة العلوم كلّها ومن لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلا"[12].

ويعدّ "المستصفى في علوم الأصول" الذي ألّفه الغزالي في مرحلة نضجه العلمي واحدا من المصنّفات الرئيسة في علم أصول الفقه، وهو ما جعل ابن خلدون ينوّه به معتبرا أنّه من أحسن كتب المتكلّمين. ولعلّ إحكامه المنهجي وراء هذا الحكم. وقد فرغ الغزالي من كتابه المستصفى عام 503 هـ في الفترة التي درّس فيها في نيسابور؛ أي إنه من آخر ما ألّف من كتب. لذلك برز فيه تأثير دراساته الفلسفيّة المتأخّرة. وربما كان من نتائج ذلك اختصاص المستصفى بالاستهلال بمقدمة منطقيّة. وعلى خلاف ذلك، تجنّب الغزالي المباحث الكلامية واللغوية والنحوية، وانتبه إلى وجود علاقة عضوية بين مباحث علم أصول الفقه، وسعى إلى تفادي التعرّض للمسائل الفقهية[13].

وكان للمستصفى تفاعل واضح مع الواقع التاريخي، فقد أقبل عليه العلماء بالشرح والاختصار[14] وأضحى مرجعا لا غنى عنه لدارس علم أصول الفقه. من ذلك أن الرازي والآمدي والبيضاوي اعتمدوه في كتبهم الأصولية بشكل رئيس؛ إلاّ أنّ هذا لا يعني غياب النقد لهذا الكتاب داخل الفكر السنّي أو خارجه.

ولئن كان موقف الغزالي جليا بما يكفي في انتصاره للمنطق، فإنّه -حسب حلاّق- عندما يبدأ الغوص في الجزء الفقهي من مؤلفه لا يمكن العثور على أيّة إشارة إلى أيّ تحليل منطقي صوري وبقيت طريقة مقاربته للمسألة في حدود الخطاب التقليدي في مجال النظرية الفقهية[15].

ويفسّر حلاّق هذا الموقف بأنّ رغبة الغزالي لم تكن متمثّلة في تجديد الخطاب الفقهي، وإنّما في الإلحاح على أنّ المنطق ضروري لجعل الحجج الفقهية صورية وتحليلها بشكل منطقي. وبناء على هذا، لاحظ حلاّق أنّ الغزالي في كتابه "شفاء الغليل" يحلّل الحجج الفقهية بواسطة علم القياس[16]. ولئن لم يبذل الغزالي أيّ جهد في تحديد بنية المنطق الفقهي عبر المنطق الصوري وغير الصّوري، فإن الاستثناء الوحيد -حسب حلاّق- يبقى القياس، على خطى أرسطو والمنطقيين العرب، إذ يؤكّد الغزالي أنّ صلاحية القياس تقتضي تحويله إلى المقدمة الأولى من القياس المنطقي[17]. ولعلّه كان يجدر بحلاّق التوقّف عند علاقة الغزالي بأرسطو في هذه المسألة فقد تبنّى الغزالي آراء أرسطو المنطقية على الشاكلة التي وجدها عند ابن سينا، لكنّه في مقابل ذلك عزل المنطق اليوناني عن المعرفة الفلسفية اليونانية والأرسطية مرارا. يقول الغزالي في هذا السياق: "أمّا المنطقيات فلا يتعلّق شيء منها بالدّين نفيا وإثباتا، بل هي نظر في طرق الأدلّة والمقاييس"[18]. وبهذا الشكل جرّد الغزالي القالب المنطقي عن معانيه اليونانية وطبعه بالمعاني الإسلامية. ولئن نوّه بعض الباحثين بهذا الموقف[19] فإنّ بعضا آخر عدّه تشويها لمنطق أرسطو؛ لأنّه يعزله عن دلالته المضمونية؛ أي مادّته المعرفية ويحصره في جانب وحيد هو الجانب الشكلي الصرف. ويمثّل هذا الاتجاه طيب تيزيني، فهو يستند إلى موقف ابن خلدون القائل: "ثم جاء المتأخّرون فغيّروا اصطلاح المنطق ... ثم تكلّموا في القياس من حيث إنتاجه للمطالب على العموم لا بحسب المادّة، وحذفوا النظر فيه بحسب المادة وهي الكتب الخمسة: البرهان والجدل والخطابة والشعر والسفسطة، وربّما علم بعضهم باليسير منها إلماما وأغفلوها كأن لم يكن، وهي المعتمد في هذا الفن"[20].

وتوازت -في نظر حلاّق- مساهمة الغزالي في جعل الحجج الفقهية صورية وتحليلها بشكل منطقي مع مساهمته في نظرية المعرفة التي أضحت إطارا مفهوميا للمعرفة ترسّخت فيه معظم مسائل أصول الفقه. وقد اعتبر معظم الأصوليين -سيرا على خطى المنطقيين العرب منذ مطلع القرن الرابع للهجرة / العاشر للميلاد- أنّ اكتساب المعرفة من مهمّات المنطق، باعتباره الوسيلة التي يمكن من خلالها استنباط المعرفة البشرية السليمة وزيادتها. وهكذا يشكّل المنطق نظاما معرفيا؛ أي نظرية معرفة بكلّ ما في الكلمة من معنى، ويتعيّن على العقل إذن أن يعمل انطلاقا من معرفة بديهية افتراضية أو موجودة من قبل هذه الحياة وصولا إلى المفاهيم الجديدة (التصورات) بواسطة الحدود (مفردها الحدّ)[21].

ولئن سكت حلاّق عن إسهام الغزالي المخصوص في هذه المسألة، فينبغي أن نشير إلى أنّه ينطلق في بحوثه المنطقية من أنّ "البرهان والحدّ هو الآلة التي بها يقتنص سائر العلوم المطلوبة"[22] لذلك بنى مقدّمة "المستصفى" المنطقية على دعامتين، دعامة في الحدّ ودعامة في البرهان.

وقد انطوى مبحث الحدّ على موضوعين؛ أوّلهما الحدّ وثانيهما سوابق القياس، وبه تعالج مسألة الألفاظ والمعاني، وتطرق الغزالي إلى عدّة مواضيع[23] وضبط لمسائل الحدّ ستّة قوانين[24].

ولعلّ من أبرز ما يلاحظ في التمشّي المنهجي للغزالي في مباحث الحدّ منزعه التوفيقي بين اتجاه الأصوليين الذين ينصّون على التحديد اللفظي، لانطلاقهم من النصّ المحدّد المعاني واتجاه علماء المنطق الذين يشدّدون على التحديد الماهوي.

وهكذا بقي التصوّر الأرسطي والتأثّر بابن سينا حاضرين، إنّما بتحليل ومصطلحات وخلفيات إسلامية وعربية غير أنّ الغزالي تجاوز موقف المسلمين من الحدّ، وسار شوطا أبعد من حصرهم التصوّر باللفظ.

وفي الدّعامة الثانية للمقدّمة المنطقية في كتاب "المستصفى" نجد ثلاثة فنون، سوابق ولواحق ومقاصد كلّ منها يشتمل على فصول منها فصل في صورة البرهان عرّفه فيه بأنّه "عبارة عن مقدّمتين معلومتين تؤلّف تأليفا مخصوصا بشرط مخصوص، فيتولّد بينهما نتيجة"[25].

ولئن لم يتوقّف حلاّق عند تجلّي أثر البنية الثلاثية للبرهان المنطقي تطبيقيا، فإنّنا ألفينا في كتاب "المستصفى" عدّة مواضع تعضد هذا التأثّر من ذلك ما يوجد في مبحث الخبر المتواتر. يقول الغزالي: "فإن عنيتم (الخطاب موجّه إلى أتباع مذهب الكعبي المعتزلي القائل إن العلم الحاصل عن المتواتر نظري) بكونه نظريا شيئا من ذلك فنحن ننكره، وإن عنيتم به أن مجرّد قول المخبر لا يفيد العلم ما لم ينتظم في النفس مقدّمتان إحداهما: أن هؤلاء مع اختلاف أحوالهم وتباين أغراضهم ومع كثرتهم على حال لا يجمعهم على الكذب جامع، ولا يتفقون إلاّ على الصّدق، والثانية أنّهم قد اتفقوا على الإخبار عن الواقعة، فيبتني العلم بالصدق على مجموع المقدّمتين (النتيجة)"[26]. لكن هل يعني هذا التماهي بين القياس الفلسفي والقياس الفقهي؟

يجيب حلاّق بأنّ الأصوليين يختلفون عن الفلاسفة؛ فهم يعتبرون أنّ ما يدّعيه الفلاسفة قياسا ليس إلاّ استنتاجا له مقدّمتان أكيدتان في حين أنّ القياس الفقهي يضمّ مقدّمتين محتملتين وتكمن نقطة الاختلاف في نوعية المقدّمتين المعرفية، لأنّ شكل القياس وبنيته لا يختلفان عن شكل القياس الفقهي وبنيته نظرا إلى أنّ المقدّمتين تقتضيان إدراج الخاص تحت الكلي[27].

ولئن شدّد الغزالي على القياس الأرسطي بقواعده الأساسية على خلاف القياس الفقهي الذي عرفه المسلمون من دون شروط أرسطو، [28] فقد بلغت الحجّة القائلة بتساوي القياسين الفقهي والفلسفي ذروتها في كتابات تقي الدّين بن تيمية. فقد أصرّ على أنّ القياس لا يمكنه -من حيث الشكل فحسب- أن يقود إلى استنتاج أكيد فموضوع الحجة لا شكلها يحدّد صحّة الاستنتاج. وفي حال أمكن تثبيت صحّة المقدّمتين في القياس لا يكون القياس الفقهي أضعف من القياس المنطقي؛ فكلاهما يؤدّيان إلى اليقين في حال كان موضوعهما صحيحا[29].

وقد أكّد حلاق أنّه في موضوع اليقين "ينبغي التشديد على أنّه حتى من أدخلوا المقولات المنطقية اليونانية في خطابهم الخاصّ بالحدّ وببعض المواضيع الأخرى المنتقاة ظلّوا إلى حدّ بعيد أثناء صياغتهم لأصول الفقه مشغولين بثنائية معرفية هي الظنّ واليقين. وقد كان لهذه الثنائية وللتعريف التقليدي غير الأرسطي تأثير في بناء الفقه لقواعده"[30].

ومهما يكن من أمر -وفق حلاّق- فإنّ اليقين كان أمنية من أماني الفقهاء على الأقل قدر ما يتصل بأصول الفقه فلا يستطيع الفرد أن يدّعي الانتماء إلى جماعة المؤمنين، إن لم يكن متيقنا من وجود الله أو ما إن كان خلق العالم أو أرسل محمد رسولا.

ولئن لم يتطرّق حلاّق إلى الخلفيات الكامنة وراء دفاع الغزالي ومن احتذى حذوه عن المنطق، فإنّ ذلك يمكن تفسيره من خلال عدّة أسباب لعلّ منها محاولة حصر الإجماع في أهل النظر من أصحاب الأصول الذين يملكون المنهج على خلاف العوام والفقهاء. يقول الغزالي: "والصّحيح أنّ الأصولي العارف بمدارك الأحكام وكيفية تلقّيها من المفهوم والمنظوم وصيغة الأمر والنهي والعموم...أولى بالاعتداد بقوله من الفقه الحافظ للفروع بل ذو الآلة من هو متمكّن من درك الأحكام"[31].

ومن خلفيات هذا الموقف أيضا النقدي لأعداء "العقل" و"المعقول" ممثّلين في الباطنية الإسماعيلية الذين صاروا يشكّلون خطرا سياسيا يتهدّد الدّولة العباسية من الدّاخل. لذا اجتهد الغزالي في تآليفه حتى يدحض أطروحاتهم[32]؛ فالحقيقة في نظرهم مصدرها تعاليم الإمام يتلقّاها بالكشف لا بالاستدلال إلاّ أنّ أبا حامد الغزالي يسعى إلى إثبات أنّ المنطق هو ذلك القسطاس المستقيم، وأنّ بنية الاحتجاج القرآني ذاتها تؤكّد أنّ أنماط الاستدلال العقلي في المنطق الصوري صحيحة.

وقد قبل بنظرة الغزالي -حسب حلاّق- أحد الحنابلة المحافظين المتشدّدين، وهو ابن قدامة فقد اعتبر أنّ القياس المنطقي يشكّل الأساس المنهجي في كلّ علم أكان فقهيا أم عقليا. وقد استهلّ ابن قدامة كتابه "روضة الناظر وجُنّة المناظر" بمقدّمة منطقية على غرار ما فعله الغزالي، بل هل اختصار أمين لمقدمة "المستصفى". ولم يكتف فيها بمناقشة نظريات التصوّر والتصديق والحد[33] بل يحدّد أيضا أنواع القياس وشروط صحّتها والطّريقة التي ينبغي اتباعها كي تخدم الشرع. كما يعرض -وفق حلاّق- الأجزاء الثلاثة التي تؤلّف القياس المنطقي القولي فضلا عن القياسين الرابط والفاصل. ويشفعها بأمثلة فقهية لكي يشرح كيفية عملها. ويشير إلى أنّه يتعيّن على الحجج في كافّة مجالات المعرفة أن تلتزم بالقواعد القياسية، وأن صلاحية القياس الفقهي تقضي بإمكانية اختصاره بالجزء الأوّل من القياس[34]. ويستنتج حلاّق من هذه الآراء، أنّها تشهد أن ابن قدامة كان مجرد مواصل للنظرية الغزالية في مجال المنطق الصوري وعلاقته ببنية الحجج الفقهية.

يتوقّف حلاّق عند الآمدي فهو في نظره وإن لم يستهلّ كتابه في أصول الفقه بمقدّمة منطقية إلاّ أنّه حافظ على النظرة الصورية إلى العلوم الفقهية

يتوقّف حلاّق عند الآمدي، فهو في نظره وإن لم يستهلّ كتابه في أصول الفقه بمقدّمة منطقية إلاّ أنّه حافظ على النظرة الصورية إلى العلوم الفقهية مستهلاّ كتابه بالتصريح بأنّ معرفة أيّ علم تتمّ من خلال التصوّر والتصديق، وأنّه يمكن على أساسها استحضار الدّليل الذي يشهد على الاستنتاج الفقهي. فيصنّف الأدلّة ضمن ثلاثة أنواع هي العقل والوحي وما يجمع بينهما. فدليل العقل ينشئ المعرفة العقلية المعتمدة في أغلب الحالات في الكلام وغيره من المجالات العقلية. أمّا الوحي، فيستخرج من المصادر النصية الدينية، وأمّا النوع الثالث فينطوي على حجة عقلانية تستخرج مقدّمتها من الوحي[35].

وقد فضل الآمدي -على خلاف ابن قدامة والغزالي- بين العلم القياسي والقياس الفقهي معتبرا أنّ صلاحيته ملازمة لكونه قابلا للاختصار بالمقدمة الأولى من القياس. ولا يبدو في نظر حلاّق أنّ هذه النظرة إلى بنية القياس المنطقية وعلاقتها بالقياس الفلسفي تتأتى من عمليات التحليل الفقهي، بل تشكّل مسألة نظرية خالصة. وقد احتذى ابن الحاجب (ت. 646 هـ/1248م) الأصولي المالكي بالغزالي وابن قدامة في استهلال كتابه الأصولي "منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل" بمقدّمة منطقية على غرار مقدّمة الغزالي في كتابه "المستصفى". وقد ألمع حلاّق إلى موقف التفتازاني (ت. 791هـ/1388م) من ابن الحاجب، باعتباره أحد أبرز المعلّقين على أبحاثه معتبرا أنّه بدلا من معالجة المواضيع الكلامية الأساسية في قسم الكلام في ما يتعلّق بالله تعالى وبالنبوّة تطرّق إلى المنطق[36]، إلاّ أنّ حلاق لم ينتبه إلى شهادة الطوفي الخاصة بابن الحاجب فقد قال: "ولم نعلم أحدا تابع أبا حامد من المتأخّرين على إلحاق المنطق بالأصول إلا ابن الحاجب"[37]. وهذا الرأي في حاجة إلى تعديل لأنّ ابن قدامة فعل الشيء ذاته وكذلك القرافي الذي مزج في كتابه الفقهي الذخيرة بين اللغة والمنطق وعلم الأصول[38]. وسار على الطريقة ذاتها الأصفهاني الشافعي (ت. 688هـ) شارح كتاب "المحصول" للرازي، فقد ذكر في مقدّمة كتابه في أصول الفقه: "وقد وضعت مقدّمة في المنطق ملخّصة محرّرة غاية التحرير في أوّل هذا الكتاب تأسّيا بالإمام حجّة الإسلام في وضعه في أوّل المستصفى مقدّمة في المنطق"[39].

والسؤال الذي قد يشغل أذهان الباحثين قديما وحديثا هو ما الذي دفع علماء أصول الفقه من القرن الخامس للهجرة خاصة على إدخال المنطق ضمن أصول الفقه. أجاب الجرجاني (ت. 816هـ/1413م) على هذا السؤال من خلال إقراره بأن مناقشة المنطق في قسم الكلام تعود إلى أنّ الشرع نظرا إلى كونه مادّة دينية لا يمكن ترسيخها صراحة في علم هجين ومشبوه على غرار المنطق، وبما أنّ الكلام الذي يكلّل العلوم الدينية أصبح مدمجا في المنطق، فإنّه استخدم بمثابة الغطاء الذي يندرج تحته المنطق. وهذا يدلّ -في نظر الجرجاني- على الحاجة الماسة إلى المنطق في أصول الفقه[40].

والظاهر أنّ موقف حلاّق في خصوص عدد من ساروا على خطى الغزالي يحتاج إلى مراجعة، فقد ذكر أنّ الأصوليين المتحمّسين للمنطق لم يشكّلوا إلا مجموعة واحدة بين نظرائهم وأنّه "على الرغم من صعوبة إحصائهم يمكن القول إنّ الكثيرين لم يدخلوا المنطق في نظرياتهم"[41]. وباستطاعتنا تقديم جملة من المعطيات من شأنها تنسيب موقف حلاّق من ذلك أنّه فضلا عن الذين ذكروا سابقا ممّن اقتدوا بالغزالي، يمكن أن نضيف عدّة شخصيّات منهم أبو عبد الله محمد العبدري[42] (ت. 626 هـ)، فقد عرف بتأليف شرح لمستصفى الغزالي بدا فيه متأثّرا بالمنطق على غير عادة الفقهاء المتجافين عنه، لذلك قال عنه المراكشي (ت. 695 هـ) "كانت له مشاركة في فنون من العلم كالفقه وأصوله والعربية وغير ذلك وولوع بالمنطق حتى شرح كتاب "المستصفى" فما زاد على أن أرى في مسائله كيفية الإنتاج بإظهار المقدمتين في كلّ مسألة وما تنتجه وردها على ضروبها من الأشكال المنطقية على مراتبها. وقلّما تعرّض لغير هذا وما سئم منه ولا كلّ على طول الكتاب"[43].

وتعتبر شهادة ابن عرفة (ت. 803هـ) دليلا يعضد موقفنا؛ فقد ذهب إلى أنّ أكثر علماء الكلام وأصول الفقه كانوا يمزجون بحوثهم بالمنطق. يقول في أوائل مختصره في المنطق: "وبعد لما مزج أكثر متأخري علماء الأصلين (أصول الدين وأصول الفقه) بكلامهما كثيرا من القواعد المنطقية وفصولا من أحكامه التصورية والتصديقية، حتى أنّ بعض من أدركناه من أشياخ الزمان كان يلمع ببعض ألفاظ مبادئ الفن في المسائل الفقهية فيما يدعيه فيسكت بذلك عن مراجعته غير المشارك فيه سكوت الأخرس عمّا يتيقّنه ويستبصره، فأوجب ذلك المشاركة فيه علما وتعلّما واتباع الحقّ فيه ردّا وتسليما"[44]. والملاحظ أنّ ابن عرفة المالكي إمام جامع الزيتونة بتونس مثّل مرحلة مهمّة من مراحل دمج تدريس المنطق ضمن دروس الفقه المالكي بفعل امتزاج المنطق ببحوث علمي أصول الفقه والدين.

وقد غاب عن حلاّق موقف ابن عرفة، مثلما غابت عنه مواقف الأصوليين في القرن التاسع للهجرة، فإننا نلفي ابن حلول القيرواني المالكي (ت. 895هـ) يستهلّ شرحه لـ"تنقيح الفصول في الأصول" بمقدمة منطقية[45]، ونرى الكمال ابن الهمام (ت. 861هـ) الحنفي يضع مقدّمة منطقية في صدر كتابه "التحرير". ونسج ابن عبد الشكور (ت. 1119 هـ) على هذا المنوال في مسلّم الثبوت[46].

كما غاب عن حلاّق أيضا وضع المنطق في الواقع والفكر الإسلاميين؛ فعلى صعيد أصول الفقه أدرج المنطق ضمن شروط الاجتهاد. وقد نقل ذلك عن الرازي، فهو يقول في مبحث "شروط الاجتهاد" "وأمّا العلمان المقدّمان فأحدهما علم شرائط الحد والبرهان على الإطلاق"[47]. وأعلن القرافي أنّ العلم بالمنطق شرط في منصب الاجتهاد، وأنّ ما يترتّب لزوما على هذا الرأي أنّه لا يمكن أن يقال إن الاشتغال بالمنطق منهي عنه[48].

والملاحظ أن الزركشي (ت. 794هـ) نسب القول باشتراط العلم بالمنطق في المجتهد لعامة المتأخّرين معتبرا أنّ الغزالي هو المصدر المؤثّر في تكوين هذا المذهب[49].

وممّا يدلّ على منزلة المنطق في الواقع الإسلامي دخوله ضمن العلوم التي تدرّس لطلاّب العلم وإدراجه في مختلف برامج المعاهد العلمية التقليدية مثل الزيتونة والقرويين وفاس[50].

وعلى هذا الأساس، جعل أغلب العلماء المتأخّرين الاشتغال بالمنطق راجحا لا مرجوحا. يقول حلولو: "وقد اختلفت أجوبة العلماء في فتاواهم وكتبهم هل الاشتغال بعلم المنطق مرجوح أو راجع ومنهم من صرّح بحرمته، والأقرب أن الاشتغال به على طريقة المتقدّمين ممنوع إلاّ من رسخ في العلم. وأمّا على طريقة المتأخّرين، فهو راجع أعني فيما هو محتاج إليه من ذلك"[51]. وهذا الموقف الوسط شبيه بموقف طاش كبرى زاده (ت. 930 هـ) فقد دافع عن أئمّة الشافعية المشتغلين بالمنطق، إلاّ أنّ دعوته قامت على اتجاهين؛ أحدهما يتمثّل في تحريم المنطق والاشتغال به على العامة، والاتجاه الآخر ينصّ على الأخذ ببعض الأقيسة المبثوثة في الشرع والامتناع عن تلك البعيدة عن روح التشريع، وهكذا أجاز للخاصّة وأهل الرأي الاشتغال بالمنطق[52].

ومع هذا، فإنّنا نوافق قول حلاّق حين اعتبر أنّ "الكثيرين لم يدخلوا المنطق في نظرياتهم"، [53] وهو إن لم يفصّل القول في هذا الموقف، فإنّنا وجدنا في إطار أصول الفقه مثلا من يرفض إدخال المقدّمة المنطقية ضمن مباحث أصول الفقه، حتى إن كان الأمر يتعلّق بمختصر "لمستصفى" الغزالي ذاته من ذلك موقف ابن رشد (ت. 595هـ) القائل في مقدّمة كتابه الذي يلخّص فيه "المستصفى": "أبو حامد قدّم قبل ذلك مقدّمة منطقية زعم أنّه أدّاه إلى القول في ذلك نظر المتكلّمين في هذه الصناعة في أمور منطقية...ونحن فلنترك كلّ شيء على موضعه فإن من رام أن يتعلّم أشياء أكثر من واحد في وقت واحد لم يمكنه أن يتعلّم إلاّ واحدا منها"[54]. والظاهر أنّ خلفية هذا الموقف ليست معاداة المنطق، وإنّما الحرص بدافع تربوي على تجنّب طلب علمين في الآن نفسه لمشقّة الأمر يومذاك. وقد يكون ابن رشد تأثّر في موقفه هذا بما كان سائدا لدى الفلاسفة من رفض الدّمج بين علمين مختلفين[55].

وقد نسج أصولي مالكي هو الحسين بن رشيق (ت. 632 هـ) على منوال ابن رشد في حذف المقدّمة المنطقية، إلاّ أنّه يبرّر هذا الموقف أيضا بدافع تربوي يتمثّل في اجتناب إثقال كاهل متعلّم الأصول بمسائل قد لا تثير انتباهه، يقول بعد أن مدح الغزالي وكتابه "المستصفى": "إلاّ أنّه ربّما زاد بسطا يقتضي للطالب إملالا، ويوجب له إهمالا ينتج إخلالا واختلالا، فإن همم المستفيدين في هذا الزمن فاترة ورغبتهم في العناية بالعلوم قاصرة. والمقصود التوصّل إلى مقاصد العلوم بأبلغ لفظ وأدلّ منظوم. فقصدت إلى تلخيص معانيه وتحرير مقاصده ومبانيه وحذف ما يوجب الملال رغبة في تقليل حجمه وإعانة للطالب على حفظه بصغر جرمه"[56]. ولم يكن هذا السبب الوحيد لإسقاط المقدّمة المنطقية من مطلع التأليف الأصولي، فقد برزت أسباب أخرى منها جهل علم المنطق وخشية ظهور التكلّف، إن وقع القيام بتلخيصها[57] ومنها اعتبار المنطق من البدع الحادثة التي لم يعرفها الصحابة والسلف، وأنّه مدخل الفلسفة التي كانت مستهجنة[58]. وبناء على هذا، أورد ابن الصلاح (ت. 643هـ) عبارة "المستصفى" حرفيا، وهي: "هذه مقدّمة العلوم كلّها ومن لا يحيط بها فلا ثقة له بعلومه أصلا". ثمّ تكلّم عليها بالإنكار[59]. والواضح أنّ هذا الموقف لم يكن خاصّا بالفكر السنّي، فبعض الشيعة عبّروا صراحة في القرن الخامس للهجرة عن رفض دمج المباحث الكلامية والمنطقية بأصول الفقه.

يقول الشريف المرتضى في هذا السياق: "قد وجدت بعض من أفرد في الأصول كتابا قد تشرد عن أصول الفقه وأسلوبها وتخطاها كثيرا فتكلّم على حدّ العلم والنظر وكيف يولد النظر العلم... إلى غير ذلك من الكلام الذي هو محض خالص لأصول الدّين دون أصول الفقه"[60]. هكذا تخبر هذه المواقف وغيرها عن معركة طويلة بين خصوم المنطق وأنصاره يبدو أنّها "انتهت لصالح أنصار المنطق، لأنّه أداة قبل كلّ شيء وليس فيه ما يستوجب التحريم لذاته...[61] وهذا يعني أنّ الحاجة إليه كانت بالأساس منهجية فكرية عبّر عنها الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (ت. 1973م) باحتياج طلاّب العلم لصون الذّهن عن الخطإ في النظر[62]. إلاّ أنّ استثمار موقف الغزالي المنتصر للمنطق لم يقتصر على مجال الفكر والتعليم، بل طال دائرة الإصلاح الاجتماعي والحضاري فاقتباس المنطق اليوناني وأسلمته يعدّ شكلا من أشكال الأخذ من الآخر غير المسلم ودعوة إلى عدم الانغلاق على الذات. وهذا ما يجعل خير الدين باشا رائد الإصلاح والنهضة في تونس (ت. 1889م) يقول: "وإذا ساغ للسلف أخذ مثل المنطق من غير أهل ملّتهم وترجمته من لغة اليونان لما رأوه من الآلات النافعة حتى قال الغزالي: "من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه فأيّ مانع لنا اليوم من أخذ بعض المعارف التي نرى أنفسنا محتاجين إليها غاية الاحتياج في دفع المكائد وجلب الفوائد"[63].

 

قائمة المصادر والمراجع

المصادر

حلاّق، تاريخ النظريات الفقهية، ترجمة أحمد موصللي، مراجعة فهد بن عبد الرحمان الحمودي، ط1، بيروت، دار المدار الإسلامي، 2007

Shari'a: theory, practice, transformations (Cambridge, UK; New York: Cambridge University Press, 2009).

Hallaq, Logic, Formal Arguments and formalization in sunni jurisprudence, Arabica, T 37, Fasc 3, Nov, 1990.

المراجع

الأصفهاني، الكشف عن المحصول في علم الأصول، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1998

الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، القاهرة، مطبعة محمد علي صبيح.

ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1999

عبد الرحمان بدوي، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، ط4، بيروت، 1980

بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة فارس والبعلبكي، بيروت، 1968

التفتازاني، حاشية على شرح العضد الإيجي (القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية)، 1973

ابن تيمية، شرح العقيدة الأصفهانية، مصر، 1329 هـ.

محمد الحجي، مقدّمته لكتاب الذخيرة، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1994

ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، ، تحقيق لجنة من العلماء، ط2، بيروت، دار الجيل، 1987، (8 أجزاء في مجلدين).

حلولو (أحمد بن عبد الرحمان الزليطني المشهور) (ت. 898 هـ)، الضياء اللامع شرح جمع الجوامع، تحقيق عبد الكريم بن علي بن محمد النملة، ط2، الرياض، مكتبة الرشيد 1999

ابن حلول، شرح تنقيح الفصول في أصول الفقه للقرافي، تونس، 1910

ابن خلدون، المقدمة، بيروت، 1986

خير الدين باشا، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تحقيق المنصف الشنوفي، ط2، تونس، الدار التونسية للنشر، 1986

الرازي، المحصول، ط 3، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988

ابن رشد، الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى، تحقيق جمال الدين العلوي، ط1، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1994

الحسين بن رشيق، لباب المحصول في علم الأصول، تحقيق محمد غزالي عمر جانب، ط 5، دبي، الإمارات العربية المتحدة، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، 1422 هـ/2003م.

الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، تحقيق عبد القادر عبد الله العاني، ط2، الكويت، دار الصفوة للطباعة والنشر والتوزيع بالغردقة، 1992، (6 أجزاء).

السيوطي، صون المنطق والكلام عن فنّ المنطق والكلام، ط1، مصر، 1947

ابن الصلاح، فتاوى ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والفقه، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، حلب، دار الوعي، 1983

طاش كبرى زاده (أحمد بن مصطفى)، مفتاح السعادة، ط1، حيدرآباد الدكن، (د.ت.).

الطوفي، شرح مختصر الروضة، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1987، (3 مجلدات).

محمد الطاهر ابن عاشور، حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح على شرح تنقيح الفصول في الأصول، ط1، تونس، مطبعة النهضة، 1341 هـ/1922م.

رفيق العجم، المنطق عند الغزالي في أبعاده الأرسطوية وخصوصياته الإسلامية، ط1، بيروت، 1989.

ابن عرفة، المختصر في المنطق، ضمن رسالتان في المنطق، تحقيق سعد غراب، تونس، 1976

سعد غراب، ابن عرفة والمنزع العقلي، تونس 1993

الغزالي، تهافت الفلاسفة، القاهرة، 1302 هـ.

الغزالي، المستصفى، في علم الأصول، ترتيب وضبط محمد عبد السلام عبد الشافي، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1993

الغزالي، المنقذ من الضلال، بيروت، 1967

ابن فورك، كتاب الحدود في الأصول، ط1، بيروت، 1999

المراكشي، الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، تحقيق إحسان عبّاس، بيروت، دار الثقافة.

الشريف المرتضى، الذّريعة إلى أصول الشريعة، نسخة الكترونية على الموقع www.u-of-islam.net.

ابن النديم، الفهرست، سوسة، دار المعارف، (د.ت.).

سالم يفوت، وظيفة العقل في النظام البياني بين ابن حزم والغزالي، المنطق اليوناني، مجلة الوحدة، السنة 3، العددان 26 و27، نوفمبر - ديسمبر.

Robert Brunschvig: Pour ou contre la logique grecque ches les Théologiens Juristes de l’Islam: Ibn Hazm, Al Ghazàli, Ibn Taimiyya, in. Etudes d’Islamologie, Tome 1, Paris, 1976.

Shehaby, N.: «The influence of Stoic Logic on Al-Jassas’s: Theory in the cultural context of medieval learning », ed. J. E. Murdoch et E.D. Sylla, Boston, 1973

[1]- حلاّق، تاريخ النظريات الفقهية، ترجمة أحمد موصللي، مراجعة فهد بن عبد الرحمان الحمودي، ط1، بيروت، دار المدار الإسلامي، 2007 ص 186

[2]- انظر السيوطي، صون المنطق والكلام عن فنّ المنطق والكلام، ط1، مصر، 1947، ص 45

[3]- انظر Shehaby, N.: «The influence of Stoic Logic on Al-Jassas’s: Theory in the cultural context of medieval learning», ed. J. E. Murdoch et E.D. Sylla, Boston 1973

[4]- راجع ابن النديم، الفهرست، ص 329. وانظر أيضا ابن فورك، كتاب الحدود في الأصول، ط1، بيروت، 1999

[5]- انظر عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، الفكر الأصولي، دراسة تحليلية نقدية، ط2، جدّة، دار الشروق، 1984، ص 110 و121-164

[6]- انظر: سالم يفوت، وظيفة العقل في النظام البياني بين ابن حزم والغزالي، المنطق اليوناني، مجلة الوحدة، السنة 3، العددان 26 و27، نوفمبر - ديسمبر، ص 54

[7]- راجع: Robert Brunschvig: Pour ou contre la logique grecque ches les Théologiens Juristes de l’Islam: Ibn Hazm, Al Ghazàli, Ibn Taimiyya, in. Etudes d’Islamologie, Tome 1, Paris, 1976, p. 307

[8]- حافظ بهذا الاسم على الاصطلاح اليوناني «Syllogismus».

[9]- يقول ابن حزم: "ولو لم تكن إلا هذه الآية وحدها لما كان فيها ما يدلّ على قبول خبر العدل ولا على المنع من قبوله... ولكن لمّا استفاضت هذه الآية التي فيها المنع من قبول خبر الفاسق إلى الآية التي فيها قبول نذارة النافر للتفقه صارتا مقدّمتين أنتجتا قبول خبر الواحد العدل دون الفاسق بضرورة البرهان"، الإحكام في أصول الأحكام، 1/106

[10]- يمكن دعم هذه الفكرة بقول الغزالي: "الكتاب الذي سمّيناه معيار العلم الذي هو الملقّب المنطق عندهم"، تهافت الفلاسفة، القاهرة، 1302 هـ، ص 6. وانظر فصلا لجولد زيهر بعنوان "موقف أهل السنّة القدماء بإزاء علوم الأوائل"، ضمن كتاب عبد الرحمان بدوي، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، ط4، بيروت، 1980، ص 123-172

[11]- بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة فارس والبعلبكي، بيروت، 1968، ص 280

[12]- الغزالي، المستصفى، في علم الأصول، ترتيب وضبط محمد عبد السلام عبد الشافي، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1993.ص 10

[13]- يقول الغزالي: "وأمّا الأصول، فلا يتعرّض فيها لإحدى المسائل ولا على طريق ضرب المثال، بل يتعرّض فيها لأصل الكتاب والسنّة والإجماع ولشرائط صحّتها وثبوتها ثمّ لوجوه دلالتها الجملية، إما من حيث صيغتها أو مفهوم لفظها أو معقول لفظها، وهو القياس من غير أن يتعرّض فيها لمسألة خاصة؛ فبهذا تفارق أصول الفقه فروعه"، المستصفى، ص 5

[14]- يذكر من بين شرّاح "المستصفى" النسفي وقد أتمّه سنة 665 هـ وهو مخطوط بمكتبة برلين حسب بروكلمان كما يذكر شرح أبي علي حسين الفهري البلنسي (ت. 679 هـ) وشرح أحمد بن مسعود العامري الغرناطي (ت. 699 هـ) وشرح زين الدين سريجا بن محمد الملطي (ت. 788 هـ) وهو موسوم بـ"مستقصى الوصول إلى مستصفى الأصول" أمّا مختصراته فمنها مختصر ابن رشد (ت. 595 هـ) ومختصر أحمد الأزدي الأشبيلي المعروف بابن الحاج (ت. 647 هـ) وقد قام سليمان بن داود الغرناطي (ت. 832 هـ) بتأليف تعليقة على المستصفى.

[15]- حلاّق، تاريخ النظريات الفقهية، ص 187

[16]- انظر "الشفاء"، وهو مترجم في Hallaq, Logic, Formal Arguments، ص 58-338

[17]- حلاّق، المرجع المذكور، ص 187

[18]- الغزالي، المنقذ من الضلال، بيروت 1967، ص ص 81-82

[19]- راجع رفيق العجم، المنطق عند الغزالي في أبعاده الأرسطوية وخصوصياته الإسلامية، ط1، بيروت 1989، ص 311-313

[20]- ابن خلدون، المقدمة، بيروت، 1986، ص 881 - 885

[21]- حلاّق، المرجع المذكور، ص 188

[22]- الغزالي، المستصفى، ص 11

[23]- هي قوانين الحد - امتحان قوانين الحدّ - تمهيد عن دور المفردات وتأليفها - علاقة الألفاظ بالمعاني ودلالتها - علاقة المعاني في ما بينها.

[24]- قارب الغزالي في القانون الأوّل المطالب الأربعة وفائدة الحدّ في الجواب عن ماهية الشيء، وتبيان دور الحدّ أيضا في التمييز بين الأسماء وتطرق في القانون الثاني إلى الحادّ وضرورة أن يكون واعيا بالفرق بين الصفات الذاتية واللازمة العرضية ويتابع الغزالي موقفه في القانون الثالث من الحدّ وكيفية تعريفه بالمنوال نفسه الذي اتبعه في كتابه "محكّ النظر" والحال نفسها في القانون الرابع والخامس والسادس.

[25]- الغزالي، المستصفى، ص 31

[26]- المصدر نفسه، ص 31

[27]- انظر حلاق، ترجمة ابن تيمية ضمن مقال: Hallaq, «Logic of Legal Reasoning», 5-94, xxxvff

[28]- انظر رفيق العجم، المرجع المذكور، ص 179

[29]- حلاق، تاريخ النظريات، ص 189

[30]- انظر Hallaq, Sharia Theory and Preatice, p. 154

[31]- الغزالي، المستصفى، ص 144

[32]- انظر مثلا كتابه "فضائح الباطنية".

[33]- للمزيد من التفاصيل حول معالجة مؤلفات الأصوليين موضوع المنطق راجع: Hallaq, «Logical, Formal Arguments»

[34]- حلاق، تاريخ النظريات، ص 190

[35]- الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، القاهرة، مطبعة محمد علي صبيح، 1968، 1/85

[36]- راجع: التفتازاني، حاشية على شرح العضد الإيجي (القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية)، 1973، 2/283

[37]- الطوفي، شرح مختصر الروضة، 3/100

[38]- راجع محمد الحجي، مقدّمته لكتاب الذخيرة، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1994، 1/7

[39]- الأصفهاني، الكشف عن المحصول في علم الأصول، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1998، 1/125

[40]- التفتازاني، المصدر المذكور، ص ص 38-39

[41]- حلاّق، تاريخ النظريات، ص 192

[42]- هو غير العبدري، صاحب الرحلة.

[43]- المراكشي، الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، تحقيق إحسان عبّاس، بيروت، دار الثقافة 5/588

[44]- ابن عرفة، المختصر في المنطق، ضمن رسالتان في المنطق، تحقيق سعد غراب، تونس 1976، ص 59

[45]- ابن حلول، شرح تنقيح الفصول في أصول الفقه للقرافي، تونس 1910، ص 5-14

[46]- ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1999، 1/106

[47]- الرازي، المحصول، ط 3، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988، 2/498

[48]- راجع موقفه في كتابه "نفائس الأصول في شرح المحصول"، 9/4017

[49]- راجع كتابه "البحر المحيط في أصول الفقه"، 6/201-202

[50]- سعد غراب، ابن عرفة والمنزع العقلي، تونس 1993، ص 17

[51]- حلولو، الضياء اللامع شرح جمع الجوامع، 3/277

[52]- انظر كتابه "مفتاح السعادة ومصباح السيادة"، الهند، حيدر آباد الدكن، 2/21

[53]- حلاق، تاريخ النظريات، ص 192

[54]- ابن رشد، الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى، تحقيق جمال الدين العلوي، ط1، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1994، ص 37

[55]- يقول البطليوسي (ت. 521 هـ): "وقد قال أهل الفلسفة، يجب حمل كلّ صناعة على القوانين المتعارف عليها بين أهلها. وكانوا يرون أنّ إدخال صناعة في أخرى، إنّما يكون لجهل المتكلّم أو لقصد المغالطة والاستراحة بالانتقال من صناعة إلى أخرى عند ضيق الكلام عليهم"، السيوطي، صون المنطق والكلام، بيروت، دار الكتب العلمية، 2007، ص 126

[56]- الحسين بن رشيق، لباب المحصول في علم الأصول، تحقيق محمد غزالي عمر جانب، ط 5، دبي، الإمارات العربية المتحدة، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، 1422 هـ/2003م، 3/188

[57]- انظر مثلا قول الطوفي: "فتركي لاختصارها في جملة الكتاب كان لأمور أحدها ما صحّ عنه (ابن قدامة) من رجوعه، والثاني أن النسخة التي اختصرت منها لم تكن المقدّمة فيها، والثالث وهو المعوّل عليه أنّي لا أحقّق ذلك العلم... فلو اختصرتها لظهر بيان التكليف عليها من الجهتين، فلا يتحقق الانتفاع بها للطالب ويقطع عليه الوقت. فمن أراد ذلك العلم فعليه بأخذه من مضانه من شيوخه وكتبه"، شرح مختصر الروضة، 1/100-101

[58]- يقول ابن الصلاح: "وأمّا المنطق، فهو مدخل الفلسفة ومدخل الشر شر وليس الاشتغال بتعليمه وتعلّمه مما أباحه الشارع ولا استباحه أحد من الصحابة والتابعين والأئمّة المجتهدين" فتاوى ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والفقه، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، حلب، دار الوعي، 1983، ص 71

[59]- انظر ابن تيمية، شرح العقيدة الأصفهانية، مصر 1329 هـ، ص 115

[60]- الشريف المرتضى، الذّريعة إلى أصول الشريعة، نسخة الكترونية على الموقع ((www.u-of-islam.net 2/3

[61]- سعد غراب، ابن عرفة والمنزع العقلي، المرجع المذكور، ص 17

[62]- يقول محمد الطاهر ابن عاشور: "وأمّا الكلام، فلأنّ علم الكلام اسم للعمل الجامع لتحقيق مدارك العلوم النظرية بوجه لا يخالف الأصول الشرعية، فهو قد أودع مسائل المنطق والفلسفة بعد تجريدها مما يجادل في الدّين. فلمّا كان للأصول فضل احتياج إلى قواعد من هذين العلمين وكان علم الأصول ومنازع الاجتهاد تشغل جلّ وقت المشتغل بها لزمهم أن يكفوا طلاب علمهم مؤونة ما يحتاجون إليه من هذين العلمين لصون الذهن عن الخطإ في النظر"، حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح على شرح تنقيح الفصول في الأصول، ط1، تونس، مطبعة النهضة، 1341 هـ/1922م، 1/5

[63]- خير الدين باشا، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تحقيق المنصف الشنوفي، ط2، تونس، الدار التونسية للنشر، 1986، ص 91