في إيمان بلا تملّق دنيوي ولا فضول أخروي أو الجرح المدمي للوجود والانفصال اللاّمتناهي


فئة :  قراءات في كتب

في إيمان بلا تملّق دنيوي ولا فضول أخروي  أو  الجرح المدمي للوجود والانفصال اللاّمتناهي

في إيمان بلا تملّق دنيوي ولا فضول أخروي

أو

الجرح المدمي للوجود والانفصال اللاّمتناهي

عُمَر بن بوجليدة

ملخص:

يحاول نصّ "فتحي المسكيني"، استكشاف الآثار العميقة شديدة الأثر، وهو ما يمكن أن يقودنا إلى تهجّي دلالات غامضة ومتعارضة، وهي تحيل إلى الآليات العميقة التي كانوا يوظفونها.

إنه ما دفع "المسكيني" إلى أن يعرّج على كتاب "الخوف والارتعاد" لـ "كيركغورد"، والذي في مستواه طرح "كيركغورد" سؤالا غير مسبوق حول الإيمان على خلاف كانط، وفي مثل هذا النظر من غزير الغنى ما فيه، إذ لم يعد الرّهان الفلسفي متعلقا بالبقاء في حدود مجرّد "العقل" بل أكثر من ذلك. وسيكون على الفيلسوف طرح السؤال عن الإيمان هذه المرة، باعتباره "مفارقة" قائمة على نوع غريب من الثقة في المحال أو إيمانا مستحيلا. ويحاول "المسكيني" استئناف مضاعفة سؤال، يذهب في مستواه إلى أنّ المجتمعات ما بعد الدينيّة لا تحتاج إلى الإلحاد، بل فقط إلى تحرير الإيمان من الأديان النظاميّة. ومن هنا، استبان له أن مهمّتنا الأولى، إنّما هي الإشارة إلى الإغراء الصارم لقلق الفكر والحرج الشاقّ، الذي بمقتضاه، تساءل الباحثون ما بعد المحدثين عن دلالة المسيحيّة بعد "نهاية الكنيسة"؛ أي في "عصر ما بعد الدين"، حيث يمكن انتظار "ولادة يقظة روحيّة جديدة". هكذا استطاعت مثل هذه النصوص، أن تصغي بحنين إلى إنسانيّة مجروحة، وأن تجترح محاولة في ارتسام ملامح الطريق إلى إيمان العقول والأرواح الحرّة. وإنّ هذا الاجتراح، لممّا يربك طرائق تفكيرنا وما لفّه ضباب غامض، وبهذا المعنى يستقيم "الإيمان الحرّ" كتابا، في فلسفة الدين وليس في الدين.

استهلال:

يمكن الإشارة بدءا إلى أنّ أقرب غايات هذا الكتاب، إنّما هي محاولة فهم أبعاد الجدل حول "أن نؤمن بلا حدود"[1]، وباتّخاذ الكتاب له نقطة ارتكاز عند مستوى تتموضع فيه إمكانية الإجابة حول محاولة "ارتسام ملامح الطريق إلى إيمان العقول والأرواح الحرّة"[2]، بل قل بأرض بكر وعصيّة على موروثنا الثقافي، شكّلت عنصرا إضافيا يثير الرّهبة؛ ذلك أنه ارتضى لنفسه أن يكون القول الذي يقبل القول الآخر ليكون قولا قابلا للتعديل لا قولا نهائيا. وهذا حديث وقعه في النفس فريد يتطارح إشكالات تتعلق بـ "فلسفة الدين" والتي هي بمثابة "مساءلة فلسفيّة" تحاول تحديد هذا الكبرياء القهّار، الذي يبتدئ بمعضلة ويتولّد عن حيرة، فيها من تمزيق انغلاق المعنى ما فيها. ونحن نقصد أن يكون منطلقنا في كلّ مرّة من أجل أن ندرك شروط وممكنات هذا الانتشار في امتداداته، وكيف يشكّل نافذة واسعة، تمكّن من تطوير تفكير نقدي أوسع، وسؤال الذّاكرة وتراث الأقدمين ومأتاه، ومن ثمة سيستبين، "أنّ الإيمان الحرّ هو تقنية شفاء تأويليّة من أمراض الملّة بما فيها ظاهرة الإلحاد - ما دام الإلحاد نفسه سلوك تراثي يكتفي بالثأر الميتافيزيقي من إله ميت - ذلك أنّ كلّ إلحاد لا يمكنه أن يخلو من ضغينة لاهوتيّة ضدّ نوع معيّن من المؤمنين"[3]، بل "ما هو على الأرجح سوى واحد من الأطوار الأخيرة من تطوّره، وأحد أشكاله النهائيّة واستتباعاته الصميمة"[4]. والدعوة ملحّة إلى أن نتروّى جيّدا، فجلال "النص" بمفرده هو الذي يجب مساءلته، إذ "إنه لا يمكن لأحد أن يتفلسف حقا؛ أي أن يمارس التفكير الحرّ من الضغينة وخاصّة ضد ّإله ميت، إلّا بقدر ما يستولي على فكرة الإنسانيّة في شخصه وفي مصادر ذاته العميقة"[5]، بطرق شتّى، شأنها أن تعطي أساسا بغير بداية، "وأن يتملّك علاقتها بنفسها، بكلّ ما يحمله ذلك من احتمالات بعضها أكثر رعبا من مجرد الإلحاد المنهجي للمحدثين، الذي هو في سرّه كما كشف ذلك "نيتشه" لا يتعارض مع المثل الأعلى النسكي الذي قامت عليه الأديان التقليديّة".[6]

الانعتاق من سلطة الأديان التقليديّة:

ولأنّ غرض "المسكيني" ههنا هو النظر في هذا الرّجع الذي لهذه النقلة الفلسفيّة للدّين، فإنه يحاول استئناف مضاعفة سؤال، يذهب في مستواه إلى أنّ المجتمعات ما بعد الدينيّة لا تحتاج إلى الإلحاد، "بل فقط إلى تحرير الإيمان من الأديان النظاميّة"[7]، وإنّها لطريقة خطيرة من وجهة النظر التاريخيّة، إذ نلمس فيها قصدا يختلف تماما عمّا فات من قصود، ولكأنّها تؤشّر إلى ضرورة "إعادة الإيمان إلى أصحابه الحقيقيّين، وحمايته من منطق الملّة مهما كانت رواسبها فينا"[8]. ومن هنا، استبان له أن مهمّتنا الأولى إنّما هي الإشارة إلى الإغراء الصارم لقلق الفكر والحرج الشاقّ، الذي بمقتضاه، تساءل الباحثون ما بعد المحدثين عن دلالة المسيحيّة بعد "نهاية الكنيسة"؛ أي في "عصر ما بعد الدين"، حيث يمكن انتظار "ولادة يقظة روحيّة جديدة".[9]

إنّ المسألة في جذريّتها، إنّما تتوارى خلف غمامات لفّت لحظتـ"نا"، فما تلك عنده إلا انثناءة أخرى وتمارين تنبئ عن إلماعات يحاول "المسكيني" أن يطلّ بها عن تاريخـ "نا" الذي تقلقلت مرتكزاته، وكأنّ السؤال: ماذا تكون دلالة الإسلام بعد "نهاية الملّة"؛ أي بعد انحسار مفهوم "الشريعة" بالمعنى الفقهي؟ وقد أتلفه المعنى الأساس، لقي في نفسه هوى عتيقا، وواضح أن تكون المعاودة حنينا رئيسا. وإنّها لـ "رياضة" متى دأبنا عليها، انكشف لنا أن "الإيمان الحرّ هو ذلك الذي يريد تحرير العلاقة البشريّة بفكرة الله من سلطة الأديان التقليديّة التي وقفت في شكل "الملّة" وإعادتها إلى العقل البشري بما هو كذلك"[10]. وإنّا لنستضيء بهذا "التعريف المؤقت"، ونحن نأمل أن نبيّن أنّه بإمكاننا الوقوف عند "دلالة فلسفة الدّين" بشيء من الانتباه الفاحص، بل لعلّنا نقرّ أنّ ما يبسطه هذا العمل للنظر لا يخرج عن شوابك القرابة، بل قل المطابقة الجليلة بينه والإنسانية، أن يخلص إلى صميمها ودخائلها. "ولذلك هو إيمان ليس له من معنى خارج أفق الإنسانية".[11]

إنّنا لنلفي من الإعضالات، التي تتأرجح بين المتاح والمرجوّ، ما يساورنا من أمر اختلافها ريبة غير يسيرة، والتي ينبغي أن نتولّاها بالقراءة في كلّ مرّة، ونكاد نوقن أن ليس ثمّة ما يبلغ "الأتم"؛ أي ما من شأنه أن يجعلنا نعتقد بإمكانه احتواء الرؤى، وعليه فـ "الإيمان الحرّ هو إيمان الفرادى الذين تخلّوا عن أي ّ التزام دعوي ّ تقليديّ باسم هذا الدين الرسمي أو ذاك[12]. وما لم يكن فهمنا، لما كان يتلى بطريقة مهيبة وللتوتّرات والتصوّرات والرؤى الرمزيّة التي تحتاج خيالا واسعا، فهما أحسن، فإن كلّ ذلك لن يُبَت في أمره، من جهة كونها، هي التي تخترق هذه "القناعات" وتتبدىَّ في أول أمرها تجديدا يذهب إلى أن المؤمن الحرّ- وهذا ما يستحق أن ننبهر به - "لم يعد معنيّا بأي مناظرة رسميّة مع أو حول الدين التقليدي"[13].

والرّائع ههنا أنّ "المؤمن الحرّ ليس ملحدا أو "لا دينيا"[14]، بل إنّه ليس ما استقرّ عليه الوعي الديني فسادَ حينا من الدهر، ولا هو ذاك الذي "يكره الدين المنظّم أو المؤسّسات الدينيّة أو لم يحسم أمره بعد".[15]

لقد استطاعت مثل هذه النسوج النصيّة أن تنحت كياناتها المقتدرة، وأن تصغي بحنين إلى إنسانيّة مجروحة، وأن تجترح "محاولة في ارتسام ملامح الطريق إلى إيمان العقول والأرواح الحرّة"[16]. وإنّ هذا الاجتراح، لممّا يتعتع بنيتنا الذوقيّة والفكريّة، ويربك طرائق تفكيرنا ويعيد الصفاء لمشهد فينا أصابته غشاوة من أنفسنا ولفّه ضباب غامض، وبهذا المعنى يستقيم "الإيمان الحرّ" كتابا، "في فلسفة الدين وليس في الدين"[17]، إلا أنّ التعاقب أو التوازي لم يطمس في أحدهما أو في كليهما طبيعة الإشكال الهادي، ولا البنى المخصوصة التي تهيكلت المسائل من خلالها، ولا الرّهانات الفلسفيّة التي حرّكت كلّ طور منها. ومع أنّ زخم الأطوار والمشاكل التي تم ّ الخوض فيها هائل، وأكثرها لا يزال مبهما ومتشعبا ومعتاصا على التصنيف لأنّنا أمام "ظاهرة مركّبة"[18]. فهو متى تدبّرناه "كتاب في الإيمان الحرّ".[19]

وإنّه لحريّ بنا أن نوضّح، أنّ الإيمان الحرّ، كما ألمع "المسكيني" من قبل إلى ذلك إلماعا، إنّما يقف "ما وراء الاعتقاد والكفر بالمعنى التقني الذي يضبطه اللاّهوت أو الفقه في العصور الوسطى"[20]، بل لابدّ لنا، لضمان معرفة عميقة، أن ندرك أنّ المقام منذ "ديكارت" تغيّر، إذ من اللاّفت بديا، أن الفلاسفة انتقلوا إلى أفق آخر للفهم، وإذ بـ "المسكيني"، "يحفر" فيما قد انضوى خلف موروث مصطلحي، انحدر من عند الأسلاف ("الكائن"، "العقل"، "النظر" و"العالم" ...)، فحجب الرؤية، وكادت تعمى الأبصار ولا مسلك، فيجلّي الأمور أيّما إجلاء، إلا أنّ أهمّ ما يهمّنا من هذه "الواقعة" إنما هو طرافتها المتمثلة في أن المصطلحات بقيت، لكنّ المفاهيم قد تغيّرت. ونحن ذاكرون وجها آخر، ليزيد في الحجّة ويكشف عن الدلالة، إذ يلح "المسكيني" إلحاحا، على أنّ العالم لم يعد "آية"، بل إنه صار "موضوعا"[21]. ومن ثمّة يتساءل عن الاستتباعات، وعمّ ينجم عن هذا الانتقال، من العالم / الآية إلى العالم / الموضوع.

ولهذه الأسباب وما جرى مجراها، اقتضى النظر إلى "العالم"، وقد غيّر من مفهومه، - وهو ما لا يمكن أن يكون من المغفول عنه - زحزحة العتامة، التي لم تعد تجد من مُستقرّ لها، فلم يجد "المسكيني" حرجا في تأكيد مؤشرات ورصود، بالغة الدقّة، شاهدة، أنّ الفعل الرئيس في هذا المساق، إنّما هو الكشف على أنّ "كلّ نظرة دينيّة إليه قد تغيرت"[22]. وممّن سبق إلى وضع هذه المعاني - ولمّا تزل في بدئها ناشئة - المذهوب بها مذهب هذه الواقعة الميتافيزيقية، إنما هم "مبثوثون على طريق، وعر المسالك زلق المنحدر، الطريق الواصل من كوبرنيكوس إلى كانط"[23]. وليس أدلّ على ذلك من ملاءمة وتشاكل ما ألهب توق "كانط" من نظر في ماهيّة الدين، ارتباطا بـ "برادايم الوعي"، وهو ما يمكن أن يكون إلى حيّز الوضوح أقرب منه إلى حيّز الخفاء، وهكذا فدوره كان ماهدا وميسرا، "أنّ الدين بما هو كذلك لا يمكن أن يدخل في أفق السؤال الفلسفي إلاّ بقدر ما يجد شروط إمكانه في طبيعة العقل البشري منظورا إليه ذاتا ووعيا محضا بأنفسنا"[24]. ولذلك، فليس من المفاجئ في شيء بالنسبة إلى "المسكيني" أن يكون المطلوب مع "كانط" هو إقامة هذا التساؤل الكبير والإجابة عنه: "كيف دخل الدين في طبيعة العقل البشري؟".[25] وقتذاك استبان أنه بدون تقدير هذا المقام، لا يمكننا درك أن البحث في ماهية العلاقة بين عالم الطبيعة وعالم الدين، في شكولها ومناحيها، صار، قابلا للصياغة المؤقتة الآتية وما تلاها: لحظتذاك، يطرح السؤال من فوره: "هل يوجد فاصل حقيقي بين "عالم" الطبيعة وبين عالم "الدين"[26].

وإذن فمن أوائل المَهمّات، فهم المعنى الذي حَملت بموجبه العلاقة بين الدين والعالم؟ ليجد هذا السؤال مبرّره في بعض تردّدات تصور "كانط"، وهكذا فلنا أن نستلّ من مدونته، أنه "لا يمكن للكائنات التي من جنسنا أن تقبل بصلاحيّة كونيّة للإيمان، إلاّ إذا كان مؤسّسا على "دين في حدود مجرّد العقل"[27] البشري بما هو كذلك، وهو ما من شأنه إضاءة النص إذا قُرئ ثانية، إذ يستبين "أن الدين إمكان أخلاقي أصيل يصعد في أفق أنفسنا من الداخل، وليس جهازا عقديّا أو دعويّا يُفرض من الخارج على العقول"[28]. وعبر تطواف متكرر وباهر ثني "النصوص" النوادر، يشير نصّ "المسكيني"، وهو يتشكّل في جدل عنيد معها، إلى أنّه من أراد أن يعلم سرائر ودقائق تلك الإشكاليات، فليحاول استكشاف الآثار العميقة شديدة الأثر، وهو ما يمكن أن يقودنا إلى تهجّي دلالات غامضة ومتعارضة؛ إلاّ أنّ ما يُذهل هو أنّ تلك التواليف والكتب من جهة ما، هي مجالات إعادة إنتاج متواصلة لقيم دينية متوارثة، تلفت الانتباه، إذ من عين نسيجها قُدّ فهم يفهم، فارتدت أمارات تترى، لتحيل إلى الآليات العميقة التي كانوا يوظفونها في الإدراك. وبهكذا نظر، فـتلك عناصر أساسيّة في تمثل ما لم نفلح في استيعابه من أقاصيص وسرديّات الأصل وما تجسّد في "البدايات".

وإنّه لشديد الجلاء هنا، طيّ هذا القول، بمختلف تنويعاته، ما يؤشّر إلى أنّ "كانط" قد وصل إلى أنّه "لا يمكن لأية جهة أن تكره أحدا على الخروج من عالم الطبيعة ودخول عالم الدّين عنوة"[29]، بل إلى ما هو أدق من ذلك وأكثر تحديدا؛ فقد نبّه إلى أنّه "ثمّة خطّ إنساني بعده تصبح كرامة البشر خدعة أخلاقية، من أجل ذلك يقع "الدين خارج سلطة المؤسسة السياسية طالما هو يخاطب الفضيلة وليس المواطنة".[30]

وجملة الأمر أن استشكال المعاني وغموضها، إنما الدافع إليه شيء من ضبابيّة "المقول الديني" - فيما طواه النسيان أو غاب عن الأذهان -، ومتى انجلى ذلك ارتفع اللّبس، فيكون "المواطن حرّا تماما في نمط الإيمان الذي يرضاه لسيرته الخاصّة. أمّا القوانين العموميّة، فهي قوانين مواطنة، ولا تحتمل أيّة قيمة أخلاقية".[31]

ولا يخفى على ذي بصر أنّ "الكتاب" ههنا يراجع خللا في الفهم ويعيد النظر في أقوال مضللة وأخرى ساذجة بلا أساسات ولا أرضيّة صُلبة تقف عليها، ليهيّئ إلى "أنّ ما يجازف به الإيمان الحرّ، الذي ترضى به الفلاسفة، هو أنه إيمان بلا تملّق دنيوي للمؤمن التقليدي"[32] ولكي يهدّئ ارتعابنا، ممّا أوغر صدور أصحاب الأحكام الفقهية الجاهزة، الذين اقتفوا آثار بعضهم البعض، يزيد "ولا فضول أخروي ّ ترضى عنه الفقهاء"[33]، فالأمر مداره "صناعة الآخرة في كل ثقافة توحيديّة"[34] من جهة ما هي "فضول حوّله المتفقّهون إلى آلة استبداد أخلاقي على الأبرياء، وكلّ شخص عامة هو ميتافيزيقيّا شخص بريء إلا من موته"[35]. ولأن استقراءنا فكرة "المسكيني" تسعى إلى لفت النظر إلى ما أنهج له دوما من "حرج المركّب"، يهمّنا في هذا المقام أن نشير إلى "أنّ أوّل رهان للإيمان الحرّ هو تحرير الموت من دلالته الأخروية وإعادته إلى تناهيه البشري لدى أيّ كان"[36]. وههنا موضع يُحتاج فيه وفيما تلاه من رؤى إلى النظر، فهو الذي بفضل منه يصير ما صار، راهنا جديدا ويتيقظ معه الإشكال، وبالتالي فـ"على كلّ تفكير حرّ أن يحذر من أية مؤسسة دينيّة تستعمل واقعة الموت أو فكرة الآخرة بوصفها جهازا استبداديا لابتزاز براءة الكينونة في العالم".[37]

إننا رويدا رويدا، نتلمّح المشكل العسير، : كيف يتأتّى لتقليد "فلسفة الدين" أن يمرّ من طريق آخر، ألطف ممّا ألفناه، وما أمسى عندنا مكرورا، ولا يسهو "المسكيني" عن أنّ طرافة معاملة الإيمان بوصفه مفارقة، إنّما تكمن في تنسيب العلاقة مع الأديان، فيقطع في اطمئنان بأنّ التعايش المرتضى بين المعتقدات المختلفة ليس مرتجى فحسب، "بل مطلوبا كمهمّة أخلاقية لا غنى عنها مستقبلا"[38]. ولأنه ارتقى منذ البدء مرتقى صعبا وسلك سبيلا شاقا، تشوف إلى مطمع عصي، تواتى مع ما استبان له من أنّ "أصل الإشكال هنا ليس التديّن، بل طبيعة العلاقة بين الإيمان والذّات داخل مساحة الهويّة الممكنة للبشر بما هم كائنات متناهية في الزمان"[39]. وإنّ ما يبسطه هذا الطرح للنظر لا يخرج عن "الإيمان بوصفه مشكلا "ذاتيا" محضا"[40]. وإذا تَقَرّر ذلك، فإنه يفضي إلى ما يلازمه "ليس - الإيمان - معنى عقليا يقع خارج الزمن الذي يجعل الحياة تستحق الحياة بوسائل بشرية[41]، وهو الذي بفضل منه يصير الإشكال راهنا من جديد ويتيقظ معه، فـ"ليس الإيمان غير ما تجرّبه ذات حرّة على نفسها".[42]

إنّ تخيّر هذا النّحو من النّظر، هو ما دفع "المسكيني" دفعا إلى أن يعرّج على كتاب "الخوف والارتعاد"[43] لـ "كيركغورد"، "والذي في مستواه طرح "كيركغورد" سؤالا غير مسبوق حول الإيمان على خلاف كانط"[44]، وإنه لسؤال فريد، يريد أن يطّلع على دلالة لم تكن فيه، ويشرّع لما انسدّت أمامه الآفاق. وفي مثل هذا النظر من غزير الغنى ما فيه، إذ "لم يعد الرّهان الفلسفي متعلقا بالبقاء في حدود مجرّد "العقل"، بل أكثر من ذلك"[45]. ولسنا نستطيع في هذا المستوى إلّا أن نشدّ العزم إلى هذا التصيّر، غير السؤوم ولا العجول، والذي يلامس التخوم، من جهة ما هو أفق نرتقي إليه.

لقد بات جليا شديد الجلاء أن ليس الإيمان أقرب المطلوب منّا، وإنّما هو أبعدها عنّا، وسيكون على الفيلسوف "طرح السؤال عن الإيمان هذه المرة، باعتباره "مفارقة" قائمة على نوع غريب من الثقة في المحال أو إيمانا مستحيلا"[46]. ومن أجل التعريف بهذا المُحَيّر الآسر الحاد، تثقله التواريخ، يقرّ في ضرب من التوضيح أنّ "معنى الاستحالة أنه تجربة لا يمكن فهمها".[47]

واشتغالا بالتلفّت إلى الغرض الذي هو آخذ في صوغه، يوضح "المسكيني"، "أنّ ماهيّة الإيمان تغبّرت بشكل مثير: من مشكل تأمّلي إلى تجربة ذاتيّة ذات طبقات سرديّة مختلفة، تمتدّ ممّا هو إستطيقي إلى ما هو إيتيقي إلى ما هو ديني"[48]. وما لا ينفك يردّده، في كل مرة، وهو يخوض الغوص في مقالات المفكرين، في تسآل جذري، أنّ "الإيمان الحرّ هو شكل غير دينيّ أو ما - بعد - دينيّ (إيتيقي / روحي / أدبي بالمعنى الأقصى للكلمة) من الاستئناف للطريقة الأصليّة التي تلقّى بها الناس ظهور الأنبياء"[49]، ملمّحا إلى أنّ الإجماع يكاد ينعقد على "أنّهم لم يأتوا لفرض عقائد جاهزة على عقولهم".[50]

الاحتفاء بالنفس في عصور ما بعد الملّة:

لقد بات واضحا أنّ الاشتغال على المفاهيم والاضطلاع بالصعوبات والتحديات - دون ادّعاء - من شأنه أن يضيء دروب إجابات ممكنة، ومن ثمّة فهو "اقتراح أسلوب حرّ؛ أي "شخصي" في احتمال لغز أو سرّ "الحياة داخل العالم"[51]، إذ لو أمكننا أن نبصر حقائق الأمور والدلالات، - ذلك أن قراءة واحدة لا تكفي لبلوغ المعنى- لَكُنا بمحضر كشوفات باهرة، ولتيسّر لنا دَرك "أنّ الإيمان، على خلاف الاعتقاد الوثني، هو فنّ اكتساب مساحة التعالي الموجود في صلب علاقتنا بأنفسنا، هذا التعالي الحرّ هو الكينونة في العالم بوصفها مشكلا شخصيا"[52]. تنجلي في مستواه رابطة التقليد وتنكسر العقائد الموروثة. فالإيمان الحرّ يعبّر "عن حقيقة جدّ قديمة في تجارب المقدّس عند الإبراهيميين"[53]. وإذا مددنا نظرنا صوب ما آل إليه الحال، يتضح لنا بأنه إنّما "هو مقام تأويلي وجد في فكرة الله الإبراهيمية تربة خصبة. ومن ثمّ علينا أن نميّز بدقة بين فكرة الله بمجرّدها وبين "إله الملّة" كما تمّ تكريسه في كل دين"[54]. ولأنهم بقوا أسارى نظرة ضيّقة الأفق، وخلعوا بالكلّية ربقة التفكير بفنون الظنون، تورّطوا في الافتراضات الواهية والتعميمات الضعيفة. فصادفوا "دينا" وافيا بمقصودـ "هم" غير واف بالمقصود.

غير أن المضمون العام لكلامه ذو غور أبعد من ذلك - ففكرة الملاقاة أذهلته - إذ تراءى له أن تخيّل قدامة الحوار أمرا جوهريا، فيومئ في إحدى الإشارات الحادّة والكثيفة إلى الكيفية التي يفترض بها الفلاسفة "أن الحداثة هي الأفق الذي جعل فكرة الإيمان الحرّ تبلغ درجة الاتّساق المعياري المنشود الذي يحوّلها إلى مبدأ فلسفي موجب"[55].هكذا يدرك "المسكيني" فيما يبدو برهافة بالغة، أنّ الإيمان الحرّ: "حرّ في معنى أنه حرّ من سلطة الأديان التقليديّة، وليس فقط في معنى حرية المعتقد"[56]. وعلى نحو واف يستبين أيضا أنّ الإيمان الحرّ، "نوع من العناية بالنفس في عصور ما بعد الملّة، وليس إلحادا أخلاقيا أو تنويريا أو وجوديا أو ابستمولوجيا"[57]. ويمضي ليؤكد، على نحو جميل ولافت، "إن المؤمن الحرّ أو الفيلسوف قد يقبل في حالات الرعب أن يؤمن "لغيره" مع أنه لا يؤمن "لنفسه""[58]. مع فارق حاسم، وهو ما يسهل انبجاس الجانب الأكثر إثارة للإعجاب، وهو أنه "مستعد دوما لأن يدافع عن مصادر ذاته دون أن يؤمن بها، أن يقبل الوقوع في خطأ هووي من أجل الذين ينتمي إليهم، ولكن دون أن يصدّقهم".[59]

وليس لدينا أي داع للزعم أنّ هذه القراءة لا تستحضر كيف ستغدو ذكرى الحدث الأول ذكرى لا تُمحى؛ ذلك أنّ ما ارتسم بين ثناياها منذ البدء، يُعد التشكيل الفعّال، لما اجتذب الانتباه، إذ تعطي انطباع الغوص في الزمن الغابر غوصا يستحضر في آن قدم المشكل، ويدعو إلى البحث ضمن عين قدامته عن بنيته المتناقضة، ومثل ذلك في أعطاف الكتاب كثير، لا أحب أن أقفك على جميعه، فانظر إليه وهو يقول في بعض تسطيراته، فـ"التصوف هو مطبوع على نحو مخصوص بتسامح ديني قوي ّ ومن ثمّ هو يتحرّك على مسافة بعيدة من كل مظاهر التعصّب. ومن هنا هو يصبح وسيطا حاسما بين الإسلام، وبين سائر أشكال الإيمان، بل حتىّ بينه وبين الحداثة التعدّدية"[60]. وتلك ذاكرة جماعيّة يحرص "النصّ" ألاّ يمحوها، وألا تذهب طي النسيان، وإن اندثرت قوة الناس ومصيرهم التاريخي، ما دام "الإيمان الحر هو ضرب ما - بعد - حديث من التصوّف الحر، التصوف بعد نهاية الأديان التقليديّة وخروج المؤمنين عامّة من أفق الملل. الإيمان الحر بلا حدود، لكنه لا يجدّف على أحد"[61]، بل "هو يفرّق بصرامة بين جرح مشاعر مؤمن صادق، وبين التمرّد على سلطة لاهوتية أو مؤسسة دينية"[62]. وإنّها لكانت مهمة شاقة إذ تُعدّ مدعاة للقلق المستمر "فالمؤمن الحرّ متمرّد لكنّه لا يعوّل على أيّة كراهيّة من أجل إثبات حريته".[63]

والحقّ أن هذا التردد الذي استأنف "المسكيني" الاشتغال عليه والاضطلاع به واستصلاحه كمهمة، وقد أفضى إلى ما أفضى، إنّما هو مسار ذَهب ذاَهبُون - شَفّ لهم الحجَاب - في مستواه قبلا، إلى أن الإيمان ليس "زمانية"، قَحلاَء، إنّما هو سليل محاولة إنصات وإصغاء، لهموم الكائن، وتلك لحظة لا تسع غير تمنّي الفوز بها باقتدار، وإرخاء سمع لأنين الذوات، جَراء مخاضات عسيرة دفينة، وما يزيده أفول الضوء استصعابا.

لهذا كلّه تجده حريصا كلّ الحرص على إمعان النظر في المدهش والمريع، الذي من شأنه أن ينبئنا أن "إبراهيم"، "يرسم في ذاكرتنا تجربة الشعور بالإثم والإحساس بقلق لا يرحم"[64]. وقد كان أعظم الناس جميعا، "عظيما بطاقته التي لم تكن لها من قوّة غير الضعف، وعظيما بالحكمة التي لم يكن لها من سرّ سوى الجنون، وعظيما بالأمل الذي لم يكن له من شكل سوى الحماقة وعظيما بالمحبّة التي كانت كراهيّة لنفسه"[65]. وإنّ المعنى الذي أراده، إجبارا للكلام على قول أشياء - فيما أقدر - وأشار إليه اقتفاء لأثر، "كيركغورد"، "إنّ الإيمان هو الذي دفع إبراهيم إلى ترك موطن آبائه، وأن يصير غريبا في أرض موعودة. كان ترك شيئا هو عقله الأرضيّ وأخذ شيئا آخر هو الإيمان"[66]. إنّه عنف الانفصال اللامتناهي "حيث إنّ المؤمن إذا أراد أن يتوجّه نحو الله، يكون عليه أن يبرهن عن انفصاله التام".[67]

ولو تعمّقنا هذه الإيماءات تعمق الحُذَّاق، لألفينا فيها ما ينبئ بأن تجربة الإيمان، إنّما هي تجربة قلق مرعبة، وهذا الأصل هو الذي سيكون علينا تحديدا مساءلته، إذ يتحيّر المرء في هذا الذي يتطلّب قرارات بوساطة المحال، غير أنّها في المقابل تجربة بشريّة بحتة، إلاّ أنّه لا تعريف له لأنّه لا شيء أظهر منه وأجلى، ما دامت منبثقة من زمانيّتهم. ويهمّنا في هذا المقام، أن نشير إلى أنّ إيمان "إبراهيم"، إنّما كان مفارقة: فـ "لكي ينال رضى ربّه عليه أن يهجر شعبه، وأن يضحّي بابنه إسحاق، ويجعل من إسماعيل منفيا يتيما"[68]، عليه أن يذبح، ابنه، مرضاة لإلهه. ويبدو أن هذا التوجّه، يجد سندا أكثر صلابة في "تقاليد" تبوّئ للنّسب مكانا عظيما، يتعلّق بالإنجاب التذكاريّ للمؤسّس، وما اقتضاه الأمر من لجوء إلى الفداء، ضمن لـ "الآتي"، موقعا لا يمكن له منه إلاّ أن يكون علامة المطلق، المليء بالأسرار، تتلاشى تحت ضوء صحراء الذّاكرة، خلال الأفق اللاّنهائي للملابسات.

لهذه الاعتبارات وغيرها، ما لبث "كيركغورد" يؤكّد ضرورة أن "نتعلّم الارتعاب من المفارقة"[69] التي ينطوي عليها الإيمان، وألاّ نحصره في سياسة الذنب. فحين ننعم النظر، يتجلّى بحسب "كيركغورد" على أنحاء شتى التضاد أو وجه المفارقة التي "تجعل جريمة ما فعلا مقدّسا ومرضيا لله"[70]. ونتتبّع هذا "التأويل" وقد ظلّ قائما على امتداد العديد من الصفحات، وهو يثبت أنّ تجربة الديني لا تخضع لا إلى العقلاني ولا إلى الأخلاقي. إنّها من جنس الخارق المربك والمرعب، فـ"الإيمان يبدأ حيث ينتهي العقل".[71]

في هذا المستوى، وقد استتب لـ"المسكيني" التحليل وظفر بالمعنى الأدق، طفق يؤكد أنّ ما يقصده "كيركغورد"، "أنّنا لا نفكّر في الإيمان لأسباب فلسفيّة أو لأغراض نسقيّة، بل إنّ "جوّا عائليا" مخصوصا هو الذي يقود أرواحا معيّنة نحو الشعور بالحاجة الحادّة إلى طرح مسائل الإيمان"[72]. ولا يخفى على حصيف أنّ التأكيد السابق، إنّما يسدّ مسدّ الإجابة، فـ "هذا الجو العائلي، هو سرديّ دوما، وليس مفهوميّا[73]. إذ الأمر عظيم والخطب جسيم، وتلك ذخيرة من الرموز لا تنفذ يكلّمنا بها الربّ.

ما كان في الإشارة لبس من أنّ الأمر لا يتعلّق بـ "إبراهيم" تاريخي، وإنّما هو "شخصية سرديّة تدعو إلى التفكير"[74]. وهذه غاية عظيمة، وأنت إذا تمعنت هذا الذي ذهب إليه استدللت على جموح رغبته في التمرّد على ما تغلغل فيه الهلاك وفتح واسع الآفاق للنوازل والمستجدات. وقد عوّل على ما يقترحه "كيركغورد" من مقام جديد، للقاء مع إبراهيم، "إنه مقام غير لاهوتي تماما، فهو لا يحتاج إلى أيّة معرفة دينية جاهزة بلا رجعة"[75]. وهنا خَرَّج "المسكيني" التخاريج الحسان، إذ استبان له أنّ ما نحتاج إليه منذئذ، "كي نلاقي سردية إبراهيم، هو إنسانيتنا"[76]. هكذا سيتعين علينا في كلّ مرّة، أنّ نساير ونواكب تطلّعات، الإيماني / الإنساني، وجميل قصده ومرتجاه، وأن ننتبه إلى "إنسانيّة" ونبوءة، فينا غافية. ما دام "الإيمان ليس شيئا نتعلّمه، بل هو المعّلم نفسه".[77]

بهكذا استبصار، ندرك "أنّ التّمرين الرائع الذي نظّمه "كيركغورد" في كتابه (الخوف والارتعاد) ليس له موضوع ديني جاهز"[78]، بل إنّما هو ما منه يمكن الظفر بـ "الطريقة الاستثنائيّة التي تدفع الفرد في نمط وجوده الخاصّ إلى الانتقال من نطاق ما هو إيتيقي (حيث يتحوّل كلّ مجتمع إلى وثن لنفسه) إلى أفق ما هو دين، حيث يصبح الله ممكنا"[79]. ويبدو أنّه بات من الخليق بنا أن ننتبه إلى طرافة وبعد غور هذا الطرح، إذ إنّ اللّقاء المناسب مع قصّة "إبراهيم"، لا يأمن مداخله، الدين بل الشعر، من جهة ما هو عنوان ثراء بلا قاع، فـ"الله يخلق والشاعر يتغنّى بذلك الخلق"[80]. ومهما كان الطّموح الذي يفصح عنه "كيركغورد"، فإنّه لا يتعلّق بإعادة توجيه فحسب، بل بإعادة انتظام ما فاضت به النفس من أذواق وأحوال وما نطق به اللّسان من عبارات وأقوال.

وحتى يبلغ المعنى منتهاه، يذهب "المسكيني" إلى أنّ "إبراهيم لم يكن بطلا تراجيديا"[81]. وبأسلوب متميز فريد ونسيج من الألفاظ دقيق يصوغ معاني وإيحاءات تؤشر إلى أنّ "بطولته لم تعد معركة أفقيّة حول هذا العالم، ومن ثمّ هي معركة مستحيلة أو حول نوع من المستحيل"[82]. في فرار إلى معنى مزعوم لا ينكشف أبدا، ولكنّه ينجلي في بعض الأحايين انجلاء بيّنا، "ومن ثمّ هي تقاس بأمر يتجاوز أيّ انفعال بشري حول الممكن"[83]. وبالتّالي، فهي إغواءات ومجازفات "ولذلك هو لا يرى مقياس آخر للتجربة إلا "الرجاء". والمجال الوحيد لأي إيمان هو الرجاء"[84]. وهكذا يمّحي الخيط الرفيع الذي ربط ما كنا نعتقد فيه بهذا الذي يذهب إليه "كيركغورد" من أنّ "قصّة إبراهيم"، إنّما هي "معركة مع الله بوسائل بشريّة"[85]. إنّه في هذا المستوى بالذّات، إنّما يظهر لنا وجه إقدام "المسكيني" على تأكيد كان به مفتونا افتتانا شديدا، متشوّفا إليه منذ البدء، مفاده أنّها- قصّة إبراهيم - إنّما هي "معركة روحيّة علينا أن نقرأها قصيدة من نوع عال".[86]

وإذا نظرت إلى ما ينبّهنا إليه "كيركغورد"، تبينت أنّ "المؤلف هنا أقلّ الناس ادّعاء لصفة الفيلسوف، بل هو شاعرية وأناقة، كاتب هاو"[87]. فلا يفارق هذا الأسلوب إلاّ استثناء، "لا يكتب نسقا ولا وعودا بالنسق، ولا شبهة في أن ميل أولئك الفلاسفة على العموم، إنّما هو منصرف في النظر إلى الحياة الدنيا، فـ"الكتابة عنده ترف" ما أفاض عليه من فيوضه الروحانيّة، فجمع من أسرار الحكمة وحلاوة البيان" ما فتئ يزداد حسنا وبيانا بقدر ما يقلّ عدد الناس الذين يشترون أو يقرؤون "إنتاجاته"[88]. والذي لا شكّ فيه، "أن المقصود هنا هو عدم التشبّه بهيغل في التفكير"[89] - وهو ظرفا لانتقاصه إياه - فالدلائل متوافرة أنّه يكتفي "بوعد متواضع حول التفكير"[90]. "ولكن هل كان من الضروريّ على من يستعدّ لخوض تفكير حقيقيّ حول الإيمان أن ينتحر فلسفيا"[91]. السؤال الأبين الذي يسوقه "المسكيني" دون أن يستوقفه كثيرا؛ لأنّه استَبدَه جوابه على الفور، عندما أقرّ أنّ من يطّلع على البُغية في عمقها يلاحظ "أن أصل حاجة البشر إلى الدين لا يكمن في أيّ نوع من العبودية"[92]. ومن ثمّة ارتأى، ليوازن بين كلّ "القيود"، أنّ الأمر إنّما يتجلّى "في قدرتهم الرائعة على الحرّية، وبالتحديد حرّية المصير، حرّية اقتراح غاية نهاية لوجودهم على الأرض، تليق بعقولهم"[93]. وهكذا، فإنه قد ابتدع مسارا، هدى إليه وألحّ في "إعطاء قيمة أو معنى لسيرتهم الخاصة في تدبير أنفسهم".[94]

فلا عجب أنّه، لولا هذه المقتضيات لما كان علينا أن نستنتج أنّه "بقدر ما يخلو الدين من الحرّية هو يتقهقر من حيث لا يدري إلى براثن "الوثنيّة"[95]، "حيث يتمّ الاستغناء في آخر المطاف ليس فقط عن "العقل"[96]، بل عن "المعرفة بالكتاب المقدس ذاتها"[97]، فلا نستبينها. وإنّه في هذا السياق الذي استحدثه "كانط" وبلغ فيه مبلغا بعيدا يطرح السؤال: كيف نرجع إلى الدين الأصيل قدرته على الحرية؟ كيف يمكن "إحياء الروح الدينية المحضة"؟ ولقد أصبح لحظتئذ "المشكل" الذي اقتضته حالنا الراهنة، والذي اعتزم "المسكيني" النهوض إليه قبلا، والذي هو موضع النظر، منذ أول الأمر، مستساغا، فـوحدة "الإيمان الحر "له "قيمة خلقية محضة"؛ وذلك لأنّه "لا يمكن أن يغتصب منّا بوساطة أيّ ضرب من التهديد"[98]. "إنّ الفضيلة قبل التقوى والتقوى ليست بدلا من الفضيلة؛ لأنّ القداسة لا معنى لها إذا كانت شيئا غريبا عن طبيعتنا نضطر إلى الخضوع له، بل إنّ التطلّع إلى القداسة ينمّ عن شجاعة ما. ولذلك وحده الكبرياء يمكن أن يكون مقاما مناسبا للإيمان الحر".[99]

وبتأثير من هذا الإيقاع والفهم، هائل اللطف، يتوضح أنّ الإيمان كان "مهمّة موكلة للحياة بأكملها"[100]، إذ تغالبنا المفاجآت ويقهرنا إيقاعها المتتالي في كلّ مرّة؛ لأنّنا مصابون بالعمى، ونحن نعيش على اعتقاد مفاده أنّنا نعرف، في حين أنّنا لا نعرف، لأنّنا ببساطة، نختزل الإيمان والحياة، في مجموعة من الأنماط والمقولات والمناهج، التي نحاول تطبيقها، وتلك سرديات - تعمل "السلطة" عامّة، و"سلطة النّصوص" خاصّة، بأشكالها وتجلّياتها على إرساء دعائمها ودوامها - نتوارثها، فتتحنط، وتضيع الرّهانات في التقنيّات والآليّات.

وهذا ما استطاعت وباقتدار كشفه وتعريته تلك "الملحمة" النصوصيّة التي أتاحت إطلالات ومنحت ومضات، بل قل إيماءات وإشارات ولطافات رمز، حاولت "الذهاب في أبعد من الإيمان" يبدو، بحسب "كيركغورد"، خطوة لا تعرف مقصدها. إنّها تشبه الخروج من المفهوم التقليدي للحياة نفسها. "وكلّ من يريد أن يبدأ اليوم في التفكير في الإيمان عليه أن ينطلق من هذا المشهد"[101]. وإنه ليتوجّب علينا لفهم ذلك، أن نفهم جيّد الفهم ما "تأكد اليوم في أفق الثقافة الغربيّة في طورها ما بعد العلماني"[102]، وأن نعثر على الأسباب القويّة جدّا، والتي تؤسّس إلى "أنّ الإيمان مشكل شخصي"[103]. ابّانئذ يصرف "المسكيني" همّه لوضع ما تأسّس موضع السؤال "لكن ّ المؤمن الحرّ يعرف أنّه لا معنى لما هو شخصيّ دون أن تعيش في مجتمع يكرّس مقولة الفرد. وتاريخ الملّة يشهد أنه يمكن أن تكون "شخصا"(مناطا للتكليف) دون أن تكون "فردا"(تتمتع بموقف وجودي أو اجتماعي حرّ). وفي ثقافة جماعوية قد يصبح ما هو شخصي تهمة خطيرة".[104]

إنّ هذا الإقرار لهو أمر ذو دلالة كثيفة، ووجه الدلالة هو "فهمنا آخر المطاف أنّ المؤمن ليس عليه أن يكون متديّنا بالضرورة"[105]. وهذا الإيضاح لا يأتلف مع ما ظنناه دوما، إلا قليلا، من جهة ما هو لم يستمسك بالمألوف أبدا، وتلك لحظات مستثناة، حيث "أصبح كلّ تديّن فجأة مجرّد فضول ثقافي لتأمين جرعة هووية لنوع من الناس"[106]. قائما مقاما "ربما لا يكشف عن ملامحه بالقوّة القصوى إلّا في حالة "المهاجرين" الذين يواصلون "حياتهم"؛ أي انتماءهم إلى أنفسهم العميقة، في مجتمع غربي".[107]

وإنّنا بفضل إنارة هذا الجهد الذي يرمي بجذوره في "تجارب تاريخيّة" عميقة، مستقاة من نسوج نصيّة مالت إلى استبصار شروط وممكنات المحصّلات القديمة ذات الصلة، نستبين كيف أنّ الدين كان "دوما نوعا من الهجرة"[108]، وغير بعيد أن يكون "فنّ تعليق العلاقة الجاهزة أو الوثنية مع "العالم" في معنى "الأمّة" التي نولد في نطاقها"[109]. لقد عمد المسكيني إلى الاستدلال بآراء بعض الأساطين من أعمقهم "إلحادا" إلى أشدهم "تدينا" على أنّ "تنصيب الملّة في أفق المؤمنين قد حرمهم من ذلك الترف الميتافيزيقي الأصليّ وفرض عليهم أمّة "توفيقيّة"؛ وتلك كانت إحدى النتائج الباهرة للزمن القديم وذلك هو النهج الذي يجب أن يسلك، والمسلّمة التي عليها يتأسسّ. ولذلك، فإنّ الإيمان متى أراد أن يكون حرّا "لا يفعل سوى استعادة حقّه الميتافيزيقي في الانتماء إلى مصادر ذاته دون وصاية من أحد ولا أية جهة"[110].

ولعلّه في أصل كلّ هذه المعاني، يظلّ البصر والعقل والفؤاد، فتلك القراءات، أغفلت الجانب الجوهري، ولم تتمثل الحضور القوي لصورة "إبراهيم"، لما بدا لهم الأمر صعبا يستعصي على الفهم تطلعوا مبهوتين يدرؤون الخيبة بالكلام.

كذلك وقف "كيركغورد" أمام تلك الصورة "مضطربا فاقدا ثقته في عقله الرهيف"[111] وهذا مسار طويل لا يزال يتبوأ موقعا هامشيا. فـ "من الواضح أن قرّاء التراث ليسوا جاهزين بعد للإيمان الحر"[112]، ولا يستثني "المسكيني" منهم أحدا. وعلى هذا المبدأ، درج هو نفسه ولعله استعاض به دوما عن كلّ تلك المواقف الحمقاء، فـ"سواء كانت قراءات تراث تحمل توقيع الملّة (من نوع الغزاليين الجدد)، أو توقيع الحداثة فهي لا تزال موقفا هوويا. نعني تحبس أسئلتها وأجوبتها في نطاق مدوّنة مغلقة على نفسها تبدو غير معنية بما وقع للإنسانيّة طول الأزمنة الجديدة. ومن ثمّ، يخيّم عليها لاهوت ما مهما كان متنكرا".[113]

ولا ينحجب مقصود "المسكيني" لو تأملنا، وهو يستقصي القول في الأدلة الدالة على ضرورة "أن نأخذ مفهوم الإيمان الحرّ بوصفه ورشة تأويليّة وليس عقيدة جاهزة"[114]؛ ذلك أنّك إذا نظرت إلى كلّ ثقافة، لوجدت أنّها لا تخلو من عناصر مركوز فيها الإيمان الحرّ، ولكنها مهجورة، إذ "يوجد تراث سرّي وأسلاف صامتون لفكرة الإيمان الحرّ"[115]. انحفرت في أعماق أنفسنا القديمة، وإن انبرت على نحو جانبي، فقد انطبع بها حضورنا، تلك التي كان يمكن أن يكون بها ضربا من "العقل" المبثوث في ثنايا الإدراك، ولكنها لم تستأنف "كان ثمة دوما عناصر إيمان حر، يمكننا ويجدر بنا أن نقتبس منها، وأن نتملّكها من الداخل"[116].

خاتمة:

ولأنّ "المسكيني" يحاول أن ينظر في ما لـ"الإيمان" من متانة وتغلغل وثراء وتعالق بمقتضيات التبدّل والنماء، وما كنا ظننا إلا أشدّ منه إيغالا في البعثرة وإمعانا في التورية، اعتزم دوما معاطاة الإيمان من جهة ما هو مقولات، تستلزم كل واحدة منهما الأخرى، "ولكن من أجل ذات "ما بعد دينيّة" عانت من العصر الكولونيالي لكنّها مفتوحة على تأويليّة المستقبل"[117]. وفي هذا الاستدراك الأخير وما فيه من احتذار وجيه، ما يضطرنا أنّ نفكّر بواسطة الأضداد.

 

المصادر والمراجع:

*- فتحي المسكيني، الإيمان الحر، أو ما بعد الملّة، مباحث في فلسفة الدين، مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2018، (518 صفحة).

- فريدريتش نيتشه، جنيالوجيا الأخلاق، ترجمة فتحي المسكيني، دار سيناترا، تونس 2010

- إمانويل كانط، إيمانويل، الدين في حدود مجرد العقل، ترجمة فتحي المسكيني، دار جداول، بيروت2012

- عبد الكبير الخطيبي، النقد المزدوج، منشورات الجمل، بيروت، ط1، 2009

- Cf. Diana Butler Bass, Christianity After Religion, The End of Church and the Birth of a New Spiritual Awakening, New York, Harper One, 2012

- Søren Kierkegaard, Crainte et Tremblement, Lyrique - dialectique sur Johannes de Silentio. Traduit du Danois par P- H Tisseau. Introduction de Jean Waht. Aubier - Montaigne. Paris , 1952

- Ettore Rocca , "If Abraham is not a human Being", in Kierkegaard Studies Yearbook (2002) Volume 2002

[1] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، أو ما بعد الملّة، مباحث في فلسفة الدين، مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2018، ص9. (518 صفحة).

[2] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص9

[3] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص23

[4] انظر، نيتشه، جنيالوجيا الأخلاق، ترجمة فتحي المسكيني، دار سيناترا، تونس 2010، المقالة الثالثة الفقرة 27

[5] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص23

[6] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص23

[7] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص 10

[8] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص 10

[9] Cf. Diana Butler Bass, Christianity After Religion, The End of Church and the Birth of a New Spiritual Awakening, New York, Harper One, 2012.

[10] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص 9

[11] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص 9

[12] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص 10

[13] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص10

[14] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص10

[15] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص10

[16] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص9

[17] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص9

[18] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص55

[19] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص9

[20] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص10

[21] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص89

[22] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص89

[23] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص90

[24] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص90

[25] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص90

[26] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص90

[27] انظر، كانط، إيمانويل، الدين في حدود مجرد العقل، ترجمة فتحي المسكيني، دار جداول، بيروت2012، ص56 وما بعدها.

[28] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص90

[29] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص125

[30] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص125

[31] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص125

[32] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص11

[33] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص11

[34] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص11

[35] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص11

[36] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص11

[37] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص11

[38] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص156

[39] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص157

[40] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص157

[41] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص157

[42] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص157

[43] Søren Kierkegaard, Crainte et Tremblement, Lyrique – dialectique sur Johannes de Silentio. Traduit du Danois par P- H Tisseau. Introduction de Jean Waht. Aubier – Montaigne. Paris, 1952

[44] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص156

[45] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص156

[46] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص156

[47] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص156

[48] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص156

[49] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص11

[50] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص11

[51] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص11

[52] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص22

[53] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص22

[54] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص22

[55] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص11

[56] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص12

[57] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص19

[58] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص17

[59] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص17

[60] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص18

[61] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص18

[62] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص18/19

[63] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص19

[64] انظر، عبدالكبير الخطيبي، النقد المزدوج، منشورات الجمل، بيروت، ط1، 2009، ص140

[65] Søren Kierkegaard, Crainte et Tremblement, Lyrique – dialectique sur Johannes de Silentio. Op. Cit. P18

[66] Søren Kierkegaard, Crainte et Tremblement, Lyrique – dialectique sur Johannes de Silentio. Op. Cit. P18.

[67] انظر، عبدالكبير الخطيبي، (مرجع مذكور) ص140

[68] انظر، عبدالكبير الخطيبي، (المرجع نفسه)، ص140

[69] Søren Kierkegaard, Crainte et Tremblement, Lyrique – dialectique sur Johannes de Silentio. Op. Cit. P 79.

[70] Søren Kierkegaard, Crainte et Tremblement, Lyrique – dialectique sur Johannes de Silentio. Op. Cit. P81.

[71] Søren Kierkegaard, Crainte et Tremblement, Lyrique – dialectique sur Johannes de Silentio. Op. Cit. P81.

[72] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص158

[73] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص158

[74] Ettore Rocca, "If Abraham is not a human Being", in Kierkegaard Studies Yearbook (2002) Volume 2002. Pp 247 - 258

[75] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص160

[76] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص160

[77] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص161

[78] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص161

[79] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص161

[80] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص161

[81] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص163

[82] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص163

[83] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص163

[84] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص164

[85] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص164

[86] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص164

[87] Søren Kierkegaard, Crainte et Tremblement, Lyrique – dialectique sur Johannes de Silentio. Op. Cit. P5.

[88] Søren Kierkegaard, Crainte et Tremblement, Lyrique – dialectique sur Johannes de Silentio. Op. Cit. P5.

[89] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص158

[90] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص158

[91] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص158

[92] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص129

[93] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص129

[94] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص129

[95].179. VI، انظر، كانط، إيمانويل، الدين في حدود مجرد العقل، ترجمة فتحي المسكيني، دار جداول، بيروت 2012

[96] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص153

[97]، 180 VI، انظر، م، نفسه

[98] انظر، م، نفسه

[99] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص153

[100] Søren Kierkegaard, Crainte et Tremblement, Lyrique – dialectique sur Johannes de Silentio. Op. Cit. P4.

[101] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص157

[102] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص20

[103] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص20

[104] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص20

[105] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص21

[106] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص21

[107] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص21

[108] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص21

[109] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص21

[110] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص21

[111] انظر، عبدالكبير الخطيبي، (مرجع مذكور)، ص139

[112] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص22

[113] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص23

[114] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص22

[115] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص22

[116] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص22

[117] انظر، فتحي المسكيني، الإيمان الحر، نفسه ص22