في جرأة الفلسفة وعن سخرية الفيلسوف


فئة :  أبحاث محكمة

في جرأة الفلسفة وعن سخرية الفيلسوف

في جرأة الفلسفة وعن سخرية الفيلسوف:

عبد الرحمن بدوي وحيوية السيرة الفلسفية


ملخّص البحث:

غالبًا ما (يخفي الفيلسوف شخصيّة غريبة ويستبطنها) خلف سعيه الدؤوب نحو إقامة صرح الحكمة، فلا يسمح لأحد بالبحث في أبعاد تلك الشخصية، بل ويحاول قدر ما تسعفه لغته وأعماله أن يدسها وراء ما يكتب، وبين سطور ما يخطه، فيطمس معالمها، ويتخفى غالبًا خلف نصوصه التي يقذف بها بشكل متتال إلينا، ليبقى سراً غنوصيًّا أمامنا محتميًا وراء الأبطال الذين صنعهم إلهامه المخاتل في سياقات نسق حكمته المنشودة. مستثمرًا أسماء وشخوصاً ما، لنعتقد نحن قراؤه المهتمون به، والمغرمون بمقارباته وأساليب تحاليله المتحايلة، ونجزم في قرارة أنفسنا أنّه في حقيقته هو مجرد كائن وهمي هلامي لا جدوى من الإمساك به، بل ولا فائدة مرجوة أصلاً من اللحاق به والكشف عن شخصه غير المفصح به لنا، ولا حتى القبض عليه. ليترسخ لدينا الاكتفاء بنصوصه ولا شيء غيرها، نتوقف عند ما تطرحه من أفكار تبعدنا عنه، وتقربنا من نصه، بدعوى أنّ النص هو الحقيقة التي تمثل شخصه، وتقترب منه، غير أنّه انطباع مضنٍ، لا نصمد أمامه، ولا نود أن نصدقه ككل مرة، سعيًا منا للبحث عن الفوارق التي تطبع حقيقة شخصية الفيلسوف الحقيقية، والتي نكشف بها لنا عن سيمياء الأهواء لديه، وعن انتحالات النفس وإحالاتها وإيحاءاتها، وتعلن لنا عن نزواته ونزوعاته العدائية "البسيكوباتية"، ولمَ لا المتطرفة التي تحكمه من غضب جنوني من الآخرين، وكآبة مخيفة منهم تخفي كآبة من نفسه ذاتها، المعبِرَيْنِ عن هوسٍ ما يسكنه ويتساكن معه، بشكل قد يفقده اتزانه واعتداله الحِكْمي في لحظات مهمة من حياته ومواقفه وموافقاته التي تدل في بعضها على اعتلال سيكولوجياه.

شخصية بدوي تشكل ذاك الوجه الغمس والخبيء عن تدقيقاتنا في تعاملنا المباشر مع هذا الرجل المُؤَسسة، إذ أنّه طوال حياته كان يرمي لنا بنصوصه نصًّا تلو الآخر دون أن يترك لنا الفرصة لنهتم بالجانب الآخر منه، وهو جانب شخصه، وحياته الشخصية في مقابل جانبه الذي نعرفه جيدًا، وخبرناه جيدًا وهو الذي تمثله أعماله وتجاربه الفكرية، لتتهرمس سيرته أكثر على صفحات نصوصه، ولينفلت هو من بين أيدينا أكثر فأكثر، فالرجل فُرض عليه أو فَرَضَ على نفسه أن يعيش وحيدًا ومنفيًّا في عالمه، لا تستهويه غير روحه المتعالية وأبحاثه المتوثبة نحو غزو أراض بالغة الجِدة، في نرجسية واستعلاء منه غير مفهومين، جعلا منه شخصًا متعسر الفهم على الآخرين، ونفسية متوثَّبة تخفي أخرى متوترة ومتبرمة من كل ما يحيط بها، تعيش انعزالها وتَوَحُدها عن عالمها المحيط بها، في عزلة نفسية جعلته يمجد ذاته قبل موته دون أن ينتظر من يخلد اسمه ويحتفي بذكراه ممن سيأتي بعده، فأرخ لنفسه مع فلاسفة العرب القدامى في موسوعته الفلسفية ضمن مادة "بدوي"، في أبهى تعبير عن هذا الجانب النفسي المُتأبي والمتكبر على الاعتراف بالأقران أو انتظار يد التكرم من أحد، وفي تعبير عن غربة المواقف وعجائبية أطوار صاحبها، غرابة المواقف وعجائبية الأطوار هذه هي موضوع هذا البحث الذي يحاول رصد جوانب من شخصية بدوي النفسية التوحدية، والحادة المزاج، والمتقلبة الطبع من خلال سيرته وسياقات تآليفه، بالكشف من خلالها عن درجة الاحتقان لديه من عالمه ومن أطر (ومشروطيات) هذا العالم الذي ينتمي إليه ويحاول أن يعلن الاكتفاء بنفسه دونه، والانكفاء بها عنه، وذلك في استقامة عقل حر ومندفع نحو غاياته القصوى، ولكن بتشنجات نفسية في الطريق، في مثال للعبقرية وهي تمتزج بالهوس والهواجس ممن يحيطون بنا.

  للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا