في ماهية النبي والرسول في النصوص المقدّسة: العهد القديم والعهد الجديد أنموذجان


فئة :  مقالات

في ماهية النبي والرسول في النصوص المقدّسة: العهد القديم والعهد الجديد أنموذجان

إنّ عنوان مقالنا يستبطن في ثناياه إقرارا بوجود فروق بين النبي والرسول في الكتاب المقدّس بعهديه، وهو تصوّر نسعى إلى إبراز تجلّياته ودلالاته من خلال الوقوف على أهمّ وجوه الاتفاق والاختلاف بين النبي والرسول في كلّ عهد من العهدين المشار إليهما.

أ- النبي والرسول في العهد القديم:

لقد أحصينا المواضع الّتي حضر فيها اسم "النبي" في العهد القديم؛ فكانت النتائج على النحو الآتي: يرد ذكر عبارة "نبيّ" في أكثر من مئة وستين موضعا، ثمانية مواضع منها جاءت في مظانّ أسفار "التّوراة". أمّا البقيّة، فقد وردت في الأسفار التّاريخيّة أو أسفار الأنبياء على النّحوالآتي:

السّفر

عدد المرّات

السّفر

عدد المرّات

التّكوين

1

المجموع 8

نحميا

3

الخروج

2

المزامير

1

العدد

2

إرميا

35

التّثنيّة

3

حزقيال

6

القضاة

3

هوشع

4
1

صموئيل

6

عاموس

3
2

صموئيل

4

ميخا

1
1

ملوك

18

حبقوق

2
2

ملوك

17

صفنيا

1
1

أخبار

4

حجّي

2
2

أخبار

17

زكريا

4

عزرا

3

ملاخي

1

جدول بالمواضع الّتي ذكرت فيها عبارة "نبيّ" في العهد القديم

إنّ قراءة خاطفة لهذا الجدول، تكشف لنا أنّ أغلب المواضع وردت في أسفار تاريخيّة، مثل سفري الملوك وسفري أخبار الأيّام أو ضمن أسفار الأنبياء، وكأنّنا بمفهوم النّبوّة في الثّقافة اليهوديّة، لم يصبح مفهوما دينيّا واضح المعالم إلاّ لحظة تقاطعه مع السّياسة، ممّا يدفعنا إلى التّساؤل عن طبيعة النّبوّة في ظلّ سلطان السّياسية وأهلها، والسّؤال عن وجه التّقارب والتّباين بين نبوّة الآباء ونبوءات أنبياء المملكة؟

أنبياء العهد القديم:

إنّ العهد القديم، يخبرنا بأنّ النشاط النبوي قد عرف ذروته في الفترات السياسية الحرجة؛ فكان عمل الأنبياء شديد التعلّق بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للجماعة والدولة اليهودية، ولنا أنْ نوزّعهم وفق الأماكن الّتي مارسوا فيها أنشطتهم النّبويّة، أو بالنّظر إلى القرون الّتي ظهروا فيها، أو بالنّظر إلى علاقتهم بحدث السّبي، أو بالنّظر إلى الإمبراطوريّات الّتي عاشوا في ظلّها، ونختزل هذه التّصنيفات في جداول على النّحو الآتي:

أنبياء ظهروا في إسرائيل

أنبياء ظهروا في يهوذا

أنبياء ظهروا في آدوم

أنبياء ظهروا في نبنوى/ آشور

أنبياء ظهروا في بابل

النبي عاموس، النبي هوشع

النبي إشعياء، النبي ميخا، النبي حجّي

النبي زكريا، النبي يوئيل، النبي ملاخي

النبي عوبيديا

النبي يونان، النبي ناحوم

النبي صفنيا، النبي إرميا، النبي حبقوق

النبي دانيال، النبي حزقيال

توزيع الأنبياء حسب الأماكن

أنبياء ظهروا في القرن الثّامن قبل الميلاد

أنبياء ظهروا في القرن السّابع قبل الميلاد

أنبياء ظهروا في القرن السّادس قبل الميلاد

أنبياء ظهروا في القرن الخامس قبل الميلاد

النبي عاموس 760

النبي هوشع 750

النبي إشعياء 734

النبي ميخا 730

النبي يونان 785

النبي ناحوم 560

النبي صفنيا 630

النبي إرميا 620

النبي حبقوق 610

النبي عوبيديا 570

النبي دانيال 600

النبي حزقيال 570

النبي حجي 520

النبي زكريا 520

النبي يوئيل 450

النبي ملاخي 430

توزيع الأنبياء حسب القرون

أنبياء ظهروا قبل السّبي

أنبياء ظهروا أثناء السّبي

أنبياء ظهروا بعد السّبي

النبي حيقوق، النبي إرميا، النبي صفنيا، النبي عوبيديا، النبي ميخا،

النبي إشعياء، النبي هوشع، النبي عاموس، النبي يونان، النبي ناحوم

النبي دانيال، النبي حزقيال

النبي حجّي، النبي زكريا، النبي يوئيل، النبي ملاخي

علاقة الأنبياء بالسّبي

أنبياء ظهروا في عهد الإمبراطورية الآشوريّة

أنبياء ظهروا في عهد الإمبراطورية البابليّة

أنبياء ظهروا في عهد الإمبراطورية الفارسيّة

النبي يونان حوالي 785 ـ 745 ق. م

النبي ناحوم حوالي 633 ق. م

النبي هوشع حوالي 750 ـ 722 ق. م

النبي عاموس حوالي 760 ق م

النبي ميخا حوالي 730 ـ 701 ق. م

النبي إشعياء حوالي 734 ـ 680 ق. م

النبي صفنيا حوالي 630 ق. م

النبي إرميا حوالي 620 ـ 586 ق. م

النبي حبقوق حوالي 605 ق. م

النبي دانيال حوالي 605 ـ 537 ق. م

النبي حزقيال حوالي 593 ـ 570 ق. م

النبي حجّي حوالي 520 ق. م

النبي زكريا حوالي 520 ـ 518 ق. م

النبي يوئيل حوالي 450 ق. م

النبي ملاخي حوالي 430 ق. م

النبي عوبيديا حوالي 450 ق. م [1]

توزيع الأنبياء حسب الإمبراطوريّات

ونحن إذ عدّدنا المعايير في تصنيفنا للأنبياء، فإن كلّ معيار يختزل عناصر مُؤثّرة في كلّ نبوّة، في مستوى مضمونها أو في مستوى أحداثها أو صلة أصحابها بالنّظم السّياسيّة القائمة آنذاك، بل إنّ الكثير من النّبوءات قد تأثّرت بالفضاء الّذي نشأت فيه، مثل نبوءات أنبياء العودة من السّبي الّذين استلهموا من الفكر الفارسيّ مقولاتهم المتعلّقة بالآخرة.

وما يلفت الانتباه في هذا المجال أمران؛ أوّلهما تزامن عدد من الأنبياء في فترات معيّنة وتشابه محتويات رسائلهم. أمّا الأمر الثّاني، فيتمثّل في أنّنا قد وجدنا في "العهد القديم" ذكرا للعديد من الأسماء المسبوقة بصفة نبيّ دون أنْ نعثر لها على قصّة.

ونحن إذا ما تأملنا قصص الأنبياء من زاوية الأحداث العجيبة والغريبة، وجدناهم ينقسمون إلى ثلاث زمر؛ أنبياء الزمرة الأولى ورد ذكرهم في العهد القديم بإيجاز، وتكاد تخلو قصصهم من أحداث مفارقة، إذ اكتفى واضعو أسفار العهد القديم بذكر أسمائهم دون أنْ يشيروا من قريب أو بعيد إلى الأدوار الّتي نهضوا بها في صلب مجتمعاتهم، وبسبب ذلك أعرضنا عن الوقوف على هؤلاء الأنبياء.[2] أمّا أنبياء الزّمرة الثّانيّة، فقد ذكر العهد القديم نتفا من حياتهم بشكل موجز، وممّا يلاحظ في تلك المشاهد احتواؤها على حدث أو حدثين عجيبين دون أنْ يسرد الرواة قصص هؤلاء الأنبياء، بل وجدنا في بعض الأحيان ذكرا لحدث ما دون أنْ يذكر اسم النبي الذي أُجريت على يده تلك الأحداث، إذ يقتصر الرواة بذكر عبارة " نبي" للإحالة على الفاعل. في حين نال أنبياء الزمرة الثالثة اهتماما واضحا، فنُسبت إليهم أحداث عجيبة، اتصلت بجميع مراحل حياتهم في أغلب الأحيان، من ذلك أنّ بعضهم قد خُصّ بسفر مستقلّ يحمل اسمه شأن كلّ من النّبي صموئيل.[3]والنّبيّ دانيال. وخُصّ البعض الآخر بإصحاحات كثيرة في السفر الواحد أو في العديد منها (إبراهيم، يعقوب، يوسف، ...).

ب- النبي والرسول في العهد الجديد:

ذُكر اسم النّبيّ في "العهد الجديد" في عشرين آية، وقد جاء الاسم في صيغة الجمع "الأنبياء" في أغلب الآيات، وقد ارتبط الاسم بأنبياء بني إسرائيل في أغلب الأحيان.

وما يلفت الانتباه، أنّ العهد الجديد وسم أطرافا عديدة بالنبوّة، إذ نعت بهذه الصفة المسيح[4] والأتباع المخلصين له،[5] وكذلك الشأن بالنسبة إلى مكذّبي أتباعه (التلاميذ)؛ ففي رسائل الرسل - مثلما هو الأمر في العهد القديم - حديث عن الأنبياء الكذّابين. وفي ما يتصل بهذه المسألة نشير إلى أنّ العهد الجديد - لا سيما رسائل الرسل- لم يميّز بين اسم الرسول واسم النبي، وهو ما يتجلى في نعت يسوع.[5] ويوحنّا المعمدان[7] وتلاميذ يسوع[8] وبولس[9] وبطرس.[10] والأنبياءُ المُتفوّقون/ الكذّابون.[11] بالصفتين.

وقد لاحظ بعض الباحثين المختصّين في الدراسات المقارنة "أنّ ثمّة تداخلا بين أسماء ثلاثة، هي"النّبيّ" و"الرّسول" و"المُعلّم"؛ فالنّبيّ هو الرّسول (متّى 9/1-11 ويوحنّا 28/3) والرّسول هو المُعلّم (يوحنّا 26/3-28) [وهو ما يدل على] أنّ الاسمين "النّبيّ" و"الرّسول" قد تمّ استخدامهما في الفترة الأولى للدّلالة على شيء واحد، على أنّ اسم الرّسول قد تعلّق بالتّلاميذ بصورة خاصة في مرحلة لاحقة من تاريخ التّجربة الدّينيّة المسيحيّة".[12]

إنّ اعتبار العهد الجديد النبي والرسول شخصا واحدا، لا يلغي بعض الفروق التي تفصل بين النبي والرسول، وقد خصص باروخ سبينوزا (ت 1677 م) للبحث في الفروق القائمة بين الطرفين فصلا من كتابه"رسالة في اللاّهوت والسّياسة"، استطاع فيه تبيّن أهم الفروق استنادا إلى الرّسول بولس، فإذا بالنبي يتلقى الوحي من الله ويكلّف بإبلاغه للناس. أمّا الرسول فإنّه يتلقى الإلهام Inspiration من ذاته أو من الروح القدس، وهو إلى جانب ذلك غير مكلّف بالتبليغ.[13] فإذا بالرسول التلميذ في النصوص الإنجيليّة لا صلة له بالنبي المحتفى به في النصوص التوراتية - لا سيما أسفار الأنبياء -.

إنّ الكتاب المقدس بعهديه، قدّم تصورات عديدة لماهية النبي والرسول ودورهما، وقد قادنا النظر في التطورات التاريخية إلى القول إنّ الحدود بين النبي والرسول تضيق وتتسع من نص إلى آخر؛ ففي العهد القديم بدا الفرق بين الرجلين شبه واضح؛ فالنبي هو المطالب بإحداث تغيير اجتماعي وأخلاقي وديني في حياة الجماعة. أمّا الرسول، فهو كلّ من نهض بدور المبلّغ دون أنْ تكون لديه رغبة في تغيير الواقع السائد في عصره - بالضرورة -، في حين كان الفرق بينهما في "العهد الجديد" غير واضح، لا سيما في مرحلة ما بعد صلب المسيح؛ فبالرغم من محاولات البعض التمييز بين الطرفين بالقول إنّ النبي من تلقى الوحي. أمّا الرسول، فهو الملهم، فإنّ ذلك لا يقدّم الشيء الكثير بالنظر إلى أنّ الإلهام لا يقلّ شأنا - في التصور الإنجيلي المسيحي - عن الوحي.


[1]- نشير في هذا المجال إلى اختلاف تاريخ نبوته في هذا الجدول عما أثبتناه في الجدول السابق، ويعود الأمر في ذلك إلى اختلاف دارسي العهد القديم والنصوص الدينية اليهودية في تحديد زمن نبوته بدقّة.

[2]- هؤلاء الأنبياء هم: يوثام "يهوه نام"(حوالي 760 ـ 746 ق.م) (راجع بطرس، عبد الملك، قاموس الكتاب المقدّس، دار الثقافة، القاهرة مصر، ط 1، (د ت)، ص 1105) وعُوديد وأليعازَر بن داود وهومن مريشة، وعزريا وهوابن عوديد، وياهوبن حناني الّذي ثار على يعشا (909 – 886 ق م). وحناني - حننيا وبَلْعَامْ ابن بعور وميخا بن يَمْـلَةَ: Micaiah son of Imlah يعدو وآساف.

[3]- تعدّ نبوة صموئيل اللحظة المفصليّة بين النّبوّة في شكلها الرّعويّ والنّبوّة في شكلها الحضريّ

Solomon (Jana):les Prophètes de L'Ancien Testament, traduction Carl Gustav, 2ém Ed, Bordas, Paris, 1999, P 237

Thiol lier (Marguerite -Marie):Dictionnaire des religions, Larousse, Paris, 1985, p124

[4]- نشير إلى أنّ المسيح نعت أيضا بالسيد و بالمعلّم راجع إنجيل يوحنّا 2/3 و 19/4 و 14/6 و 40/7 و 1/9-17 و 28/11 وإنجيل مرقس 21/11

[5]- راجع رسالة إلى تيطس 12/1 وأعمال الرّسل 27/11-28 و 1/13-8 و 11/20، ومن بين هؤلاء التّلاميذ نذكر برنابا وسمعان وأغابوس.

[6]- راجع إنجيل لوقا 18/4 وإنجيل يوحنّا 5/16 و 8/17

[7]- راجع إنجيل متّى 9/11-11 وإنجيل يوحنّا 28/3

[8]- راجع إنجيل متّى 5/10

[9]- راجع رسالة إلى مؤمني روما 1/1

[10]- راجع الرسالة الأولى لبطرس1/1

[11]- راجع الرسالة الثانية إلى مؤمني كورنثوس 5/11، إنجيل يوحنّا 22/2

[12]- راجع إدريس ، محمّد يوسف، النّبوّة والنّظم المعرفيّة فـي النصوص المقدّسة (الكتاب المقدّس أنموذجا): قراءةٌ في سلطة الواقع السياسي والاجتماعي، العـــ 10/9 ـددان من مجلة آداب القيروان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، ص ص 137

[13]- في ما يتصل بالنقائص التي انطوى عليها موقف باروخ اسبينوز ، راجع إدريس ، محمّد يوسف، المرجع المذكور أعلاه ص ص 138- 139

قائمة المصادر والمراجع:

- إدريس، محمّد يوسف، النّبوّة والنّظم المعرفيّة فـي النصوص المقدّسة (الكتاب المقدّس أنموذجا): قراءةٌ في سلطة الواقع السياسي والاجتماعي، العـــ 10/09 ــددان من مجلة آداب القيروان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، 2012-2013

- بطرس عبد الملك، قاموس الكتاب المقدّس، دار الثقافة، القاهرة مصر، ط1،(د ت)

- العهد الجديد، المؤسسة العالمية للكتاب المقدّس، لندن أنجلترا.

- العهد القديم، المؤسسة العالمية للكتاب المقدّس، لندن أنجلترا.

- Solomon (Jana): les Prophètes de L'Ancien Testament, traduction Carl Gustav, 2ém Ed, Bordas, Paris ,1999.

- Thiol lier (Marguerite -Marie): Dictionnaire des religions, Larousse, Paris, 1985