الدّلالات الرَّمزيَّة لهجرة الأنبياء في النّصوص المقدَّسة


فئة :  مقالات

الدّلالات الرَّمزيَّة لهجرة الأنبياء في النّصوص المقدَّسة

الدّلالات الرَّمزيَّة لهجرة الأنبياء في النّصوص المقدَّسة[1]:

النّبيّ إبراهيــم في العهد القديم والقرآن الكريم أنموذجاً

محمَّد يوسف إدريس

يُعدُّ الرَّحيل من أهمّ الثوابت البنيويَّة المميزة لقصص الأنبياء والرسل في الكتب المقدَّسة للأديان التوحيديَّة؛ إذ نكاد لا نعثر على نبيّ لم يهاجر ديار قومه، ولم يُفرض عليه الرَّحيل طلباً للأمن أو لنشر دعوة رفضها القوم.

وبهذا المعنى، كان الرَّحيل الاسم الآخر للنبوَّة، فبه تكون، وبه تتحوَّل من حيّز العدم إلى حيّز الوجود، والأمثلة على ذلك عديدة لا تُعدُّ ولا تُحصى، ولعلَّ ذلك ما يدفع إلى تخيُّر قصَّة النَّبي إبراهيم أنموذجاً نستجلي من خلالها الدلالات الرمزيَّة المصاحبة للرَّحيل.

وللاختيار أسباب كثيرة؛ منها أنَّ إبراهيم يُعدُّ، وفقاً للرّواية التَّوراتيَّة والرّواية القرآنيَّة، من أهمّ الأنبياء؛ ففي التوراة كان الجدّ الأوَّل الذي تنحدر منه جماعة إسرائيل، وهو ما يفسّر الاحتفاء المتزايد به في أسفار عديدة أهمُّها «سفر التكوين»؛ ففي هذا السفر تشمل الأحداث فترات مهمَّة من حياة إبراهيم، بدءاً من إقامته في أور، وصولاً إلى فترة استقراره في كنعان.

ونحن إذا ما أحصينا المواضع، التي ذُكر فيها اسم إبراهيم في «العهد القديم»[2]، ألفيناها كثيرة؛ إذ يرد اسمه في تسعة عشر سفراً؛ أيْ نصف أسفار «العهد القديم»[3]. وعلى الرغم من تعدُّد المواضع واختلاف عددها من سفر إلى آخر، فإنَّها أدَّت الوظائف نفسها، فأغلبها قام على تذكير الشَّعب بالعهد الذي قطعه الرَّبُّ الإله لإبراهيم، والمُتمثّل في وعده بامتلاك نسله أرض كنعان[4]. أو هي تؤكّد أنَّ بناء موسى للنَّواة الأولى للجماعة اليهوديَّة بخروجه من مصر إلى أرض كنعان هو تحقيق للوعد الإلهي لإبراهيم[5]. على أنَّ إبراهيم نهض، في مواضع قليلة جدَّاً، بدور الوسيط الذي بسببه ينجو الشَّعب من العقاب الإلهيّ[6].

ويُعدُّ إبراهيم في «العهد القديم» الأب الرُّوحي مجازاً وحقيقة بالنّسبة إلى الجماعة اليهوديَّة، وأبرز المواضع ما ورد في «سفر التَّكوين»، الذي تناول بالدرس أهمَّ مراحل حياة إبراهيم؛ إذ طفق السّفر يخبرنا عن نشأة إبراهيم في أرض شنعار/ العراق[7]، ووفق الرّواية التَّوراتيَّة تلقَّى إبراهيم في حرَّان أوَّل وعد إلهيّ بأنْ يخرج من صلبه شعب قويّ، وبأنَّ هذا الشَّعب يُورّثه اللّه أرض كنعان. وقد جعلت الرّواية التَّوراتيَّة إبراهيم ينتقل من أور الكلدانيَّة إلى كنعان لشراء مقبرة له؛ إذ ضاقت الأرض به، ولم يجد في كلدان قبراً يُسجَّى فيه جسده.

خرج إبراهيم من كلدان كي يشتري قبراً يطوي فيه ماضيه، ويُؤسّس عهداً جديداً في أرض جديدة، لا يعرف فيها أحداً ولا أحد فيها يعرفه، واترُكْ ما قد يُقال لك من أنَّه خرج يبحث عن الكلأ والمرعى، فتلك رواية مخادعة؛ ذلك أنَّ إبراهيم قد ترك الكلأ في بلاد الرَّافدين ومضى إلى القحط والجفاف (مقارنة بأرض الرافدين)، ترك الماء والخضرة وراءه، وجاء ليعيش وأهله في الخيام حياة البدو الرُّعاة، وينتقل من مكان إلى آخر في أعقاب قبائل العموريين وغيرهم من الأقوام السَّاميَّة التي هاجرت في تلك العصور من بلاد الرَّافدين وجزيرة العرب إلى سورية وفلسطين[8].

على أنَّ أهمَّ الأحداث، التي عاشها إبراهيم، قد وقعت في بلاد مصر وأرض كنعان؛ إذ قرَّر «تارح» أبو إبراهيم الرَّحيل إلى أرض كنعان[9] تنفيذاً لأوامر الرَّبّ الإله. وقد اصطحب معه ابنه إبراهيم، وسارة زوجة ابنه، ولوطاً ابن ابنه هاران، إلا أنَّ ما يذكره الكتاب المقدَّس من استقرار تارح في حاران[10] يثير أسئلة كثيرة عن أسباب تغيير تارح وجهته؛ ذلك أنَّ الرّحلة إلى أرض كنعان لم تتحقّق إلا مع إبراهيم بعد موت أبيه في حاران.

لقد احتوى سفر التَّكوين على إشارات عديدة من شأنها أنْ تساعدنا في معرفة الأسباب الحقيقيَّة التي حادت بإبراهيم عن الرَّحيل إلى أرض كنعان؛ إذ بدا تارح وابنه إبراهيم ولوط رعاة لا همَّ لهم إلا توفير المرعى لمواشيهم، ولم يكن الاستقرار بهذه الأرض أو تلك يعني لهم الكثير.

وهو أمر مألوف بالنّسبة إلى الرُّعاة البدو الرُّحَّل، ولكن ما يلفت الانتباه أنَّ تارح وإبراهيم قد غادرا أرض الرَّافدين حيث الكلأ والمرعى إلى أرض كنعان أرض الجدب والقحط (مقارنة بأرض الرَّافدين). ومن شأن ذلك أنْ يدفعنا إلى القول إنَّ إبراهيم اضطرَّ إلى مغادرة قومه وداره خوفاً من حاكم مستبدٍّ أو خطر محدق.

تأمَّل عدد الرَّاحلين تجد أنَّ الرَّحيل تمَّ على عجل، وما استقرارهم بأرض حرَّان إلا مرحلة باتّجاه النَّجاة بالنَّفس. نفر من الغرباء يتجوَّلون بين مدن بلاد كنعان وتخومها، نزر قليل من العباد هدَّهم الرَّحيل يبحثون عن مأوى، أمر لا يثير ريبة، ولا يبعث في نفوس ساكني تلك الرُّبوع خوفاً.

جاء الوعد الإلهيُّ مبشّراً بالأمن والطمأنينة بعد الشَّقاء والكدّ، فإذا الرَّحيل رحيلان: رحلة باتّجاه المجهول، ورحلة في أعماق النّفس البشريَّة، الأولى يخوضها إبراهيم الإنسان بحثاً عن رغد العيش. أمَّا الثّانية، فيعيشها إبراهيم النّبيّ[11] ليُثبِتَ لله ثقة نبيّه به، والرّحلتان تتقاطعان في نقطة واحدة هي أنَّ الرَّبَّ الإله هو من يصنع التَّاريخ ويسطّره، بيد أنَّنا متى تأمَّلنا ما وراء السطور ألفينا إبراهيم الإنسان أشدَّ تأثيراً في الأحداث من إبراهيم النّبيّ. فالرَّبُّ ما انفكَّ يطلب من إبراهيم مرَّة تلو الأخرى أنِ «اذهب إلى كنعان»، فيأبى إبراهيم الذَّهاب. طوَّح إبراهيم في الأرض شرقاً وغرباً، وما لقيت دعوة الرَّبّ لها صدى في نفس إبراهيم الإنسان. دخل إبراهيم أرض كنعان فأقام فيها بعض يوم أو أشهراً...، ثمَّ قصد مصر[12]، وفي مصر كسب الذَّهب والفضَّة[13]. جاء مصر راعياً فقيراً طريداً (أغلب الظّنّ)[14]، وخرج منها غنيَّاً، وللغنى آياته ومقتضياته، فوفرة المال والعبيد والمواشي تتطلّب أرضاً خصبة ذات زرع وخضرة، ومصر كذلك، بيد أنَّ يد الهكسوس شديدة، وإبراهيم وحيد يخشى على نفسه وعلى زوجه ساره، فكان الخروج من مصر أمراً لا خيار فيه لإبراهيم.

وما يلفت الانتباه، في ما يتعلّق بصلة إبراهيم بمصر، أنَّ دخوله إليها كان أمراً محفوفاً بالغموض، في حين أنَّ خروجه منها إلى أرض كنعان له ما يفسّره، فهي أقرب الأراضي إلى مصر، ولا شيء بعدها إلا الصَّحراء والقحط والموت، وفي بلاد كنعان كانت الرحلة طويلة، وكانت التنقلات كثيرة، تكشف عن التعب الذي لقيه إبراهيم وآله في تلك البلاد، فيكاد لا يترك مدينة حتى يعود إليها، (بئر سبع، بيت إيل، مريا، حبرون)، وذلك على النحو الذي تكشف عنه الخريطة الآتية:

تنقلات إبراهيم وفق ما ورد في «سفر التّكوين»[15]

خرج إبراهيم وزوجه ساره ومعهما لوط، كلٌّ اجتهد وأصاب ما أراد. خرج إبراهيم وزوجه يحملان قناطير من الذّهب والفضَّة، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى لوط، فـ«ضاقت بهما الأرض»[16]، فأيُّ أرض لها أنْ تُقِلَّ هذا الحشد من الخدم والعبيد؟ وأيّة خضرة لها أنْ تملأ بطون المواشي ولا تفنى؟

إذاً افترق إبراهيم ولوط، فقرَّر الثّاني الذَّهاب إلى دائرة الأردن شرقاً[17]، ظنَّاً منه أنَّه قد ظفر بأفضل بقعة، ففيها الماء وفير وفيها الكلأ كثير، أمَّا إبراهيم فبقي في أرض كنعان، وكان لا بدَّ له من أنْ يبقى كي يتمَّ الوعد، ويتحوَّل الحلم إلى حقيقة.

كسب لوط المراعي، وخسر القداسة التي تتَّصل بالأرض، فإذا العهدُ خاصٌّ بإبراهيم دون غيره[18]. وقد اتَّخذ الله من الختان أمارة دالة على العهد الذي قطعه لإبراهيم وآله[19]، على أنَّ الختان لم يكن علامة من علامات التفضيل، فهذا إسماعيل قد خُتن شأن أبيه وأخيه إسحاق، ولكنَّه لم ينل القبول من لدن الرَّبّ الإله[20]؛ لأنَّه وحش البراري الذي تمتزج في عروقه دماء العهد ودماء المصريين (هاجر).

لقد تزوَّج إبراهيم هاجر حبَّاً في الولد، فلمَّا جاءت البشرى سارة، كان الولد المحبوب ابن سارة، فإذا القصَّةُ تطرح إسماعيل خارجاً، ومن قبل قد لفظت لوطاً.

هاجر الاسم والصفة هي الرحيل، هي الاسم الدالّ على عدم الثبات، وابنها جزء منها، فيه منها ما فيه، هي الإشارة إلى مرحلة من حياة إبراهيم جاء الأوان لتجاوزها. فإبراهيم ترك الرحيل والهجرة (هاجر وابنها) وخيّر الاستقرار والبقاء، ولأنَّ منطق القصَّة في «العهد القديم» يفرض الإبقاء على بطل وحيد يحمل على عاتقيه عبء الجماعة، وفي المقابل تكون جماعة يهوه الشَّعب الوحيد، ولا ننسى أنَّ قصّة التَّكوين منذ البداية كانت فعلاً مفرداً يوم أقدم آدم على الجرم المشهود.

وفي هذا الإطار، جاءت القصَّة بلوط وإسماعيل كي تنسج صورة البطل، خرج الأوَّل كي يقيم الحجَّة على اتّصاف إبراهيم بالقداسة وحده دون شريك، وجاءت القصَّة بإسماعيل وأخرجته كي تثبت أمرين: أوَّلهما تفرُّد إسحاق بوراثة تركة إبراهيم. أمَّا الثَّاني، فهو ضرورة الحرص على صفاء العرق اليهوديّ.

الرحيل ولا شيء غيره يكشف عن ماهيَّة الاختيار؛ ذلك أنَّ قصَّة إبراهيم وآله في «العهد القديم» قامت على قاعدتين متوازيتين؛ وهما الخطر وتجاوزه من جهة، والحرص على الانعزال من جهة أخرى، ففي المستوى الأوَّل نجد إبراهيم يتنقل من مدينة إلى أخرى من مدن كنعان، فبعد أنْ باركه ملك شاليم وكاهنها ملكي صادق نجده يُضطرّ في «جرار» إلى زعم أنَّ «سارة» أخته.

وقد تدخلت الإرادة الإلهيَّة كي تمنع أبيمالك الملك من الدُّخول على سارة، وقد مثَّل هذا الحدث مفصل القصَّة، فإلى جانب ما حظي به إبراهيم من أموال وعطايا من قبل الملك أبيمالك، ظفر بملكيَّة حقل عفرون[21]، وفي ذلك اليوم تحقَّق الجزء الأوَّل من العهد الذي أقرَّه الرَّبُّ الإله؛ إذ اشترى إبراهيم حقلاً ليدفن فيه أهله، فإذا هو يُثبّت قدمه في البلاد.

أدخل هذا الحدث القصَّة منعرجاً حاسماً؛ إذ حظي إبراهيم بالانتماء إلى أرض كنعان، وبموت سارة أوشكت قصَّة جماعة إسرائيل أنْ تصل إلى خاتمة فصلها الأوَّل الذي عنوانه «وعد إبراهيم».

ذلك بعض ما ورد في رحلة الرَّاعي إبراهيم، التي لم تخلُ مرحلة من مراحلها من أحداث عجيبة دارت في فلك الرحيل بين الفضاءات المتباعدة (حرَّان، التَّرحال من كلدان إلى مصر، بلاد كنعان).

إبراهيم ـ الله

يُعدُّ تجلّي الله لإبراهيم ووعده له بأنَّه سيمنحه أرض كنعان أهمَّ أحداث الرّحلات الإبراهيميَّة؛ ففي الإصحاح الثّاني عشر من سفر التَّكوين: «قَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: اِذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ التِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ»[22].

إنَّ الطّريف في الأمر أنَّ «العهد القديم» لا يشير، من قريب أو بعيد، إلى الحالة النَّفسيَّة التي كان عليها إبراهيم، بالإضافة إلى ذلك لا تقدّم لنا موقفاً واضحاً لإبراهيم من مُكلّمه، فلئن أظهر إبراهيم تقديساً للإله من خلال السُّجود والتَّضرُّع[23] فإنَّ ممعن النظر في الإصحاحات المُخصَّصة لقصَّة إبراهيم في سفر التّكوين، لن يجد موقفاً واضحاً لإبراهيم من الدَّعوة الإلهيًّة قبولاً أو رفضاً.

ظهر الرَّبُّ لإبراهيم مراراً، في شكيم من بلاد كنعان وغيرها من الفضاءات[24]، والحقيقة أنَّ أشكال تجلّي الرَّبّ لإبراهيم قد تنوَّعت فكانت عن طريق الرُّؤيا حيناً[25]، وكان التجلّي حقيقة أحياناً أخرى[26]... إلخ، وفي بعض الأحيان لم تحدَّد بدقَّة طريقة اتّصال الرَّبّ بإبراهيم؛ إذ يمكن حمل الأمر على كلا الوجهين السَّابقين.

ولعلَّ تدقيق النَّظر في الأحداث المُتعلّقة بتجلّي الله لإبراهيم يكشف أنَّها وقعت في جميع الفضاءات (باستثناء مصر) من جهة، وهي تخضع لبنية واحدة، وتكاد تتعلّق بمسألة واحدة، (الوعد، النَّسل ...)[27] من جهة أخرى.

وقد قدَّمت هذه الأحداث صورة الإله المحبّ لإبراهيم، فهو المحظيّ دون غيره بالتَّبجيل، وفي هذا المجال يُخبرنا «سفر التكوين» بتضرُّعات إبراهيم لقوم لوط وقبول الله تلك التّضرُّعات. وقد حرص واضع السّفر إلى جانب ذلك على تأكيد قدرة الله على معرفة ما تضمر النّفوس، وما تفعل في السّرّ، وذلك لمَّا ضحكت سارة من وراء حجاب، ولا نعلم إنْ هي ضحكت بملء الفم، أم إنَّها ضحكت في سرّها؟

إبراهيم - سارة

أينما حلَّ إبراهيم كانت سارة مطمح ملوك الأرض وساداتها، ففي مصر استبدَّ حبُّ سارة بفرعونها، فطلب مجامعتها وكاد يفعل، لولا أنْ تجلّى له الله قائلاً: «رُدَّ امْرَأَةَ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ فَيُصَلِّيَ لأَجْلِكَ فَتَحْيَا»[28]، وهذا الأمر يقع مرَّة أخرى مع ملك جرار (جنوب شرق غزَّة) أبيمالك.

ولا غرابة أنْ يتعلّق قلب رجل بحسن امرأة، فللجمال سحره وفتنته التي تسلب العقول، بيد أنَّ ما يجعلنا نَعدُّ هذا الأمر من قبيل الأحداث المُتخيَّلة أنَّ سارة، التي من أجلها تُراق الدّماء، امرأة عجوز بلغت من السّنّ عتيَّاً، فهي في الخامسة والسّتين[29]. فإذا المُتخيّلُ ينتج عن تقابل المُتضادَّين، التّقدُّم في السّنّ من ناحية، وزعم أنَّ سارة كانت على جانب كبير من الجمال من ناحية أخرى.

فهما أمران لا يجتمعان بأيّ شكل من الأشكال، وإنَّما هو العجيب يفعل فعله، ففرعون وأبيمالك يريان في العجوز صبيَّة ذات دلٍّ وخفر، لا يضاهيها في الحسن فتيات العشرين من بنات مصر أو كنعان.

ويقدّم النَّصُّ التَّوراتيّ إبراهيم واعياً بحسن سارة[30] (كيف لا وهو الزَّوج؟)، وبما سيسببه جمالها من اضطهاد له، قد يصل حدَّ القتل. ومن أجل ذلك عمد إلى القول إنَّها أخته[31]. ففي التَّكوين (20/9) يسأل أبيمالك إبراهيم عن الأسباب التي دفعته إلى إخفاء حقيقة صلته بسارة، فيجيب إبراهيم قائلاً: «إِنِّي قُلْتُ: لَيْسَ في هَذَا الْمَوْضِعِ خَوْفُ اللهِ الْبَتَّةَ فَيَقْتُلُونَنِي لأَجْلِ امْرَأَتِي»[32].

إنَّ السُّؤال الذي يُطرح في هذا المجال: لماذا يقدم إبراهيم على قومٍ يعلم منذ البدء أنَّهم قادرون على إيذائه والفتك به وهتك عرضه؟ أَهو الطّمع والرَّغبة في كسب المال، أم هو القحط[33]هدَّ أوصاله فبات لا خيار له؛ إمَّا الموت في الأرض القاحلة، وإما المجازفة وتلمُّس أسباب السَّلامة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؟

وفي هذا السياق، يبدو التساؤل عن أسباب الرَّحيل ودواعيه مسألة في غاية الأهميَّة: أَكان الرَّحيل ضرورة اقتضاها واقع الحياة (الجدب، ...) أم إنَّ للرَّحيل أسباباً تتَّصل بمطامح شخصيَّة؟ ألا يكون الرَّحيل شرطاً من شروط الاصطفاء الإلهي، وذلك بالنظر إلى ما ينطوي عليه الانتقال من فضاء إلى آخر من دلالات على المعاناة والشقاء.

هجرة إبراهيم في «القرآن الكريم»

ورد اسم النّبيّ إبراهيم في «القرآن الكريم» في خمسة وثلاثين موضعاً توزَّعت على ثلاث وعشرين سورة[34].

ويعود ذلك الاهتمام إلى ما يحظى به النَّبي إبراهيم من منزلة مهمَّة في الإسلام، فهو يمثّل مهد الأنبياء، فمنه تبدأ النّبوَّة، وهو أمر أثّر بشكل واضح في مضامين الآيات المُتعلّقة بإبراهيم، فأغلب المواضع تؤكّد صلة النَّبي محمَّد بالنَّبي إبراهيم[35]؛ فلئن صوَّر «العهد القديم» إبراهيم أباً للجماعة اليهوديَّة، فإنَّ «القرآن الكريم» قد جعل منه أصل الإسلام[36]، فهو وابنه إسماعيل من شيَّدا البيت العتيق[37]، بل إنَّ تاريخ الإسلام والمسلمين بدأ يوم ظهر إبراهيم، فهو من سمَّاهم المسلمين[38].

لم يمثّل النّبيّ إبراهيم في «القرآن الكريم» الجدَّ الذي يأخذ عنه الأحفاد النّبوَّة؛ بل كان المثال الأكمل الذي يقتدي به الأنبياء؛ ذلك أنَّ إبراهيم قد وَاجه قومه المشركين، فوجدناه يتعمَّد تحطيم الأصنام[39]، ذاك شأن محمَّد مع قومه يوم دخل مكَّة فاتحاً.

إنَّ صورة إبراهيم المُواجه للأصنام صورة خاصَّة بالنَّصّ القرآني، فلئن حضرت في «العهد القديم» حضوراً سريعاً، فإنَّ «القرآن الكريم» ركَّز على هذا الجانب وتوسَّع فيه؛ لأنَّه يعكس هواجس محمَّد، وما يعترضه من عراقيل ومحن في سبيل دعوته إلى نبذ الشّرك وتحطيم الأصنام، فقد عبد قوم إبراهيم الأصنام وعبد قوم محمَّد الأصنام أيضاً، ترك إبراهيم قومه، وترك محمَّد قومه.

وقد حطّم إبراهيم الأصنام ثمَّ غادر الدّيار. أمَّا محمَّد فلم يتمكَّن من ذلك، وفي ذلك إنباء بالآتي؛ لا بدَّ لمحمَّد من الرُّجوع؛ لأنَّه ما حطّم الأصنام وما كسَّر الأوثان. على أنَّ الرّهان الأكبر الذي يدعو إليه «القرآن الكريم» أنْ يكون محمَّد وإبراهيم على قدم واحدة، فهما المؤسّسان الحقيقيان للدَّعوة الإسلاميَّة، وبين السَّطر والآخر تعبق رائحة تفوُّق محمَّد على إبراهيم خليل اللّه، فلئن لم يستطع إبراهيم نشر دعوته بين قومه فنشرها بين الغرباء، فإنَّ محمَّداً نشر الدَّعوة بين الغرباء والأهل.

أحداث هجرة إبراهيم وواقع الدَّعوة المحمَّديَّة

إنَّ حضور إبراهيم في «القرآن الكريم» قد تجلّى في ثلاثة أشكال هي:

1. أنْ يتمَّ ذكر اسمه دون توسُّع أو تحليل، أو أنْ تكون غاية النَّصّ إنارة جوانب من حياة هذا النَّبيّ أو ذاك بإلقاء الضَّوء على صلته بالنَّبيّ إبراهيم[40].

2. تناول صفات النَّبيّ إبراهيم، فهو الحنيف[41]، وهو من المصطفين[42] الشَّاكرين[43].

3. أنْ يتمَّ ذكر بعض تفاصيل أحداث مرَّ بها النَّبيّ إبراهيم، والملاحظ في هذا المضمار أنَّ الأحداث التي يذكرها «القرآن الكريم» تقتصر على مراحل معيَّنة من فترات النّبوَّة، وإذا ما قارنا ذلك بما ورد في «العهد القديم» وجدنا سفر التَّكوين يتناول جميع المراحل بدقّة.

وقد ركّز «القرآن الكريم»، في ما يتعلّق بالشَّكل الثَّالث، على أمرين هما: تجربة الإيمان التي عاشها إبراهيم من جهة، وكيفيَّة اتّصاله بالله من جهة أخرى.

ولا تفوتنا في هذا السياق الإشارة إلى أنَّ شخصيَّة إبراهيم في «القرآن الكريم» شخصيَّة فريدة تميَّزت من سائر القوم برغبة جامحة في بلوغ أصل الأشياء، وذاك ما جعل من الرَّحيل وهجر الأقارب ضرورة، وشكلاً من أشكال الوعي بأنَّ المعرفة الحقيقيَّة تقوم أساساً على ترك المألوف والتفكير في قدرته على الإلمام بهواجس الإنسان.

وبهذا المعنى، تكون الهجرة الرَّحيل محاولة لتجديد الذات وإعادة فهم ما يحيط بها من معتقدات وتقاليد تكلّست حتى غدت مقيّدة للإنسان. ونحن إذا ما تأمَّلنا مليَّاً صورة إبراهيم في النصّ القرآني ألفيناه ميَّالاً إلى إعمال العقل، كثير الحيرة والشّكّ، فلئن آمن وصدَّق، فإنَّ نفسه تأبى التَّسليم بسهولة: (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[44].

لم يبيّن «القرآن الكريم» كيف تمَّ التّواصل بين الله وإبراهيم، أَكلّمه تكليماً أم ألهمه أم أرسل إليه ملكاً؟ زدْ على ذلك أنَّ النَّصَّ القرآنيَّ لا يخبرنا إنْ تمَّ إحياء الطّير أم لا؟ نقول ذلك، ونحن لا نعلم إنْ كان إبراهيم قد جعل «عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ [الطّير] جُزْءًا»، أم اكتفى بالخطاب الإلهيّ.

وإذا ما صحَّ لدينا أنَّ إبراهيم عمد إلى التَّجربة كي يُقوّي بها إيمانه، فإنَّ بعث الحياة في العظام من أفعال الآخرة، وذلك ما يدفعنا إلى القول إنَّ إبراهيم أراد أنْ يعرف الفرق بين الله والآلهة التي يظلُّ قومه عليها عاكفين، ولا حجَّة أدمغ من إحياء الموتى، وبهذا المعنى ينقلب المُتخيَّل في طرفة عين إلى بنية منطقيَّة عقليَّة لا تقبل الشَّكّ.[45]

الهجرة/الرَّحيل هجرة إلى الغيب وإلى المجهول لإدراك معنى الموجود، فلا معنى للحياة إنْ هي انتهت إلى العدم، ولا معنى لآلهة لا تعد بحياة لا تنتهي. هجر إبراهيم واقعه المعيش ومعتقدات قومه وآلهتهم، واتَّخذ له من الغيب عالماً يعيش فيه.

آمن إبراهيم لمَّا رأى آيات ربّه، وترسَّخت قدم الإيمان فيه، فلمَّا أدرك الحقيقة قام يدعو قومه باللّين أوَّل الأمر وبالشّدّة والعنف آخره، دعا إلى نبذ آلهة الحجارة. وقد اتَّخذ إلهاً غير مرئيّ بدلاً منها، خيَّره قومه بين الموت حرقاً والعودة إلى دين آبائه، قوم يرفضون الهجرة ويرفضون الرَّحيل ويطلبون الاستقرار والجمود والسكون، قوم لا رغبة عندهم في المغامرة واقتحام المجهول. فهذا أبوه وقد (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا»[46]، فرفض، وذاك حال محمَّد مع قريش يوم قالوا له «خذ ما شئت يا محمَّد وعدْ إلى ملّة الآباء».

رفض إبراهيم فأعدُّوا له النَّار جحيماً كانت أم ناراً تتلظّى لا فرق؛ ظاهر النَّصّ يقول إنَّهم أرادوا بحرقه الانتقام لآلهة الحجر، ولكنَّ الحقيقة أنَّهم أرادوا حماية أعرافهم بإرجاع إبراهيم إلى دين الآباء، قالوا له عدْ يا إبراهيم، لتحتل لنفسك وتنجو؛ النَّار/الموت أمامك، وآلهة الحجر وراءك، فأين النَّجاة وأين المفرّ؟ وكذلك فعلت قريش، نكَّلت بمحمَّد يوم أخرجه قومه من مكَّة إلى شعابها، وزادوا في أذيَّته يوم ألّبوا[47]عليه قبائل العرب، فأساؤوا إليه. ولكنَّهم جاؤوه ذات يوم يقولون: يا محمَّد خذ ما شئت وعدْ إلى ديننا، وإنْ لم ترضَ فالسَّيف بيننا، وكان السَّيف، ومن قبل كانت النَّار مع إبراهيم.

الإيمان حيرة وشكّ يا قريش، ولكنَّ الشّكّ إذا ما طال بات كفراً وجحوداً، أَفَلاَ ينظر الإنسان إلى قوم إبراهيم يجادلون نبيَّ الله في فجاجة؟ فـ(قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)، فردَّ نمرود ملكهم: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[48].

حوار طريف يختزل تجربة الإيمان، البارحة طلب إبراهيم من الله أنْ يريه كيف يبعث في الطّير الميّت الحياة، فلمَّا قال نمرود أنا أحيي لم يشكّ إبراهيم؛ لأنَّه وجد في الله ما يطلب من برد اليقين، فتراه يضرب الحجَّة تلو الأخرى كي يفحم نمرود، فلمَّا عجز نمرود «أمر [... بإلقاء إبراهيم] فأُلقي في النّار»[49].

ألقوه في الجحيم، وقد (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)[50]. فإذا هو جالس أو واقف فيها لا يلحقه أذاها؛ بل لعلَّ حرَّها لفح وجوه القوم، ولم ينل منه.

إنَّ القوم بفِعلهم ذلك كانوا يضيّعون الفرصة على أنفسهم، فقد رأوا النَّار تلتهب وإبراهيم لا يطوله لهيبها، «كيف بردت النَّار وهي نار؟ [...] نزع الله عنها طبعها الذي طبعها عليه من الحرّ والإحراق [...]، ويجوز أنْ يدفع بقدرته عن جسم إبراهيم -عليه السَّلام- أذى حرّها»[51]. رأى القوم إبراهيم وسط النَّار هادئاً ثابتاً لا يتزعزع إيمانه، ومع ذلك لم يؤمنوا.

لقد كانوا بذلك من «الْأَخْسَرِينَ»، وكذلك قريش جاءها محمَّد بالمُتخيّل ليلة «الإسراء والمعراج»، فما آمن له إلا رهط من المستضعفين.

ظاهر النَّصّ يقول، إنَّ إبراهيم قد نجا من نار القوم، أمَّا جوهر النَّصّ فيُخبرنا بأنَّه قد نجا من نار العقاب الإلهي الذي كان سيحلّ به لو لم يكن من الصَّابرين المؤمنين الصَّادقين.

الإيمان محنة يا محمَّد، الإيمان تجربة قاسية، فهذا إبراهيم حاربه قومه وعاداه أقرب أهله إليه؛ إذ قام أبوه يهدّده بالحرق وسوء العذاب وبالطرد إنْ لم يعد إلى دين الآباء، وضاقت بإبراهيم الأرض فهجر قومه، وخرج من مرابع الصّبا، ولم يرافقه إلا النَّزر القليل، امرأته ولوط[52]. وخرج محمَّد من مكَّة مكسور الخاطر طريداً، ولم يصحبه إلا القليل من أبناء قومه، فكانت قريش كقوم إبراهيم ظنّت أنَّها قد طهَّرت أرضها من فساد رجل جاء يقلب الأمور رأساً على عقب، ولعلّها صلّت لآلهة البيت لتساعدها على تجاوز المحنة، ولكنَّ القوم بصنيعهم ذلك قد فرَّطوا في أمر جلل تحسدهم عليه سائر القرى.

فلئن لم يذكر «العهد القديم» أنَّ قوم إبراهيم عمدوا إلى حرقه، واكتفى بالإشارة إلى حيرة إبراهيم من ممارسات قومه، فإنَّ «القرآن الكريم» جمع بين نصوص شتَّى، لعلَّ أهمَّها ما ذكره «العهد القديم» من محاولة البابليين حرق دانيال ونجاته منها، ولا يخفى على أحد ما للنَّار في بلاد بابل من منزلة، فالنَّبي دانيال وأصحابه الغرباء الذين قدَّمهم البابليون قرباناً لآلهتهم، ليطّهَّروا من رجس إله غريب جاء به بنو إسرائيل، أضحى مصيرهم حجَّة تؤكد صدقهم، وتثبت انتماء إله دانيال إلى أرض بابل، وغربة إله النَّار عن سهولها ومدنها. أمّا في «القرآن الكريم»، فإنَّ النَّار لم تنل من النَّبي إبراهيم؛ إذ كيف لها أنْ تنال منه، وهي نار الشّرك التي لا تستطيع فعل أيّ شيء؟ فلو هلك إبراهيم لهلك محمَّد، ولضاع الإيمان بالإله الواحد القادر على كلّ شيء.

وفعلا النار والهجرة من هذه الزاوية متماثلان متداخلان، فمثلما النار محو للقديم وفرصة لنشأة الجديد، ومثلما هي طهر، تكون الرحلة هجراً للقديم وطلباً للجديد، وفرصة لإعادة بناء الذات في فلك علاقة تواصل مع الآخر فهماً للذات وتأصيلاً للكيان.

 

قائمة المصادر والمراجع المعتمدة في البحث:

ـ الحاجي، البشير، ملاحظات أوليَّة حول سيرة إبراهيم في المتخيّل الديني اليهودي والإسلامي، دراسات في الفكر الإسلامي المعاصر، العـ 20ــدد، طهران - إيران، ربيع 2008.

ـ الرَّازي، فخر الدّين، تفسير الفخر الرَّازي المشتهر بالتَّفسير الكبير ومفاتيح الغيب، قدَّم له الشَّيخ خليل الميس، دار الفكر، بيروت - لبنان، ط1، 1990

ـ رضا، محمَّد، محمَّد، المكتبة العصريَّة، صيدا- لبنان، 2007

ـ عبد الباقي، محمَّد فؤاد، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (دون مكان)، ط3، 1992

ـ الزَّمخشري، جار الله محمود بن عمر، الكشَّاف عن حقائق غوامض التَّنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التَّأويل، تحقيق وتصحيح علي محمَّد معوَّض وعادل أحمد عبد الموجود، مكتبة العبيكان، الرّياض- السعوديَّة، ط1، 1998

ـ العهد القديم، دار الكتاب المقدَّس، القاهرة - مصر، ط2، 1999

ـ القرطبي، محمَّد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن والمبيّن لما تضمَّنه من السنَّة وآي الفرقان، تحقيق عبد الله عبد المحسن التركي، دار الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 2006

ـ المسيري، عبد الوهَّاب، موسوعة اليهود واليهوديَّة والصّهيونيَّة (الموسوعة الموجزة)، دار الشّروق، القاهرة- مصر، ط1، 2003

ـ مصحف المدينة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشَّريف، المملكة العربيَّة السّعوديَّة، (د. ت)، رواية حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي عن عاصم بن أبي النجود الكوفي.

ـ موسكاتي، سبتينو، الحضارات الساميَّة القديمة، ترجمة وتعليق السَّيد يعقوب بكر، الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب، 1977

ـ الموقع الرَّسمي للكنيسة الإنجيليَّة بالإسكندريَّة مصر.

- Le Talmud de Jérusalem traduction par Moïse Schwab, édition, G.P. Maisonneuve et La rose, Paris 1992

- Solomon, Jana, les Prophètes de L›Ancien Testament, traduction Carl Gustav, 2ém Ed, Bordas, Paris 1999

[1]- يتفكرون 11

[2]- «أبرام» بالعبريَّة تعني «الأب الرفيع» أو «الأب المتكرم». وتفيد كلمة «أبو رهام» فتعني «أبو الجمهور» (سفر التكوين 17/5). وترجّح الدراسات اليهوديَّة المعاصرة أنَّ إبراهيم قد ظهر نحو عام 1850 ق.م، على أنَّ بعض المؤرخين يرون أنَّه عاش بعد ذلك التاريخ، وأنَّه دخل مصر في عهد الأسرتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة (في القرنين السادس عشر والخامس عشر قبل الميلاد؛ أي في عصر الهكسوس). وأنَّ موطنه الأصلي مدينة حرَّان في مملكة ميتاني الحورانيَّة. وفي بعض الروايات نشأ إبراهيم في أور الكلدانيَّة. ويُقال كذلك إنّه وُلد في أور، ثم انتقلت أسرته إلى حرَّان، وقد اختُلف في تحديد المكان الذي نشأ فيه، ففي المصادر الكهنوتيَّة مدينة أور، وهي حرَّان في المصادر التاريخيَّة اليهوديَّة. ويُعَدُّ ظهور إبراهيم بداية فترة الآباء في تاريخ اليهوديَّة. راجع في ذلك: المسيري، عبد الوهّاب (ت 2009م)، موسوعة اليهود واليهوديَّة والصّهيونيَّة (الموسوعة الموجزة)، دار الشّروق، القاهرة - مصر، ط1، 2003، ج4، ص 104

[3] - راجع: الحاجي، البشير، ملاحظات أوليَّة حول سيرة إبراهيم في المتخيل الدّيني اليهودي والإسلامي، دراسات في الفكر الإسلامي المعاصر، العــ 20ـــدد، ربيع 2008، طهران- إيران، ص 120 - 123

[4] ـ انظر: العهد القديم: سفر الخروج 2/24، وسفر اللاويين 26/42، وسفر العدد 32/11، وسفر الأخبار الأول 16/16، وسفر التّثنيّة 1/8 و6/10 و9/5... إلخ.

[5] ـ العهد القديم: سفر الخروج 3/15-16 و4/5 و6/3 و6/8 و33/1، وسفر التّثنيّة 29/13 و30/20 و34/4.

[6] ـ العهد القديم: سفر التّثنيّة 9/27. سفر الأخبار الثاني 29/18. وفي «تلمود القدس» يجلس إبراهيم على أبواب جهنم ليحمي أيّ يهودي خُتن.

voir Le Talmud de Jérusalem traduction par Moïse Schwab, édition, G.P. Maisonneuve et La rose, Paris, 1992, vol 4, ch 2, P 89.

[7] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 10/10-11.

[8] - Jana Solomon; les Prophètes de L›Ancien Testament, traduction Carl Gustav, 2ém Ed, Bordas, Paris, 1999. P. 173

[9] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 11/31-32

[10] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 11/31

[11] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 20/7

[12] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 12 /8-10

[13] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 13/2

[14] ـ تَذكُر النّقوش الكتابيّة، التي عُثر عليها في بابل، أسماء تشبه اسم إبراهيم كانت شائعة في صيغ مثل: إبراموه، وإبمرام، وإبراما. زد على ذلك ما ورد في نصوص مدينة ماري من أسماء عموريَّة معروفة، مثل: يعقوب، وإسحاق، وإسماعيل، ويوسف، وبنيامين، وهم من ذرية إبراهيم.

Solomon (Jana); les Prophètes de L'Ancien Testament, op. cit, p. 85

[15] ـ المصدر: الموقع الرَّسمي للكنيسة الإنجيليَّة في الإسكندريَّة مصر.

[16] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 13 /6

[17] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 13/11

[18] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 13/14-15

[19] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 17/13

[20]ـ يشير موسكاتي (سبتينو) (الحضارات الساميَّة القديمة، ترجمة وتعليق السّيّد يعقوب بكر، الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب، 1977، ص121) إلى أنَّ الختان كان منتشراً بين سكّان المنطقة مثل الكنعانيين وغيرهم من الأمم، وهو ما يدعو إلى التَّساؤل: «هل كان الختان بالنسبة إلى إبراهيم يمثّل عهداً يبرمه مع اللّه، أم كان رغبة في الانضمام إلى جماعة تلك المنطقة باتّخاذ عاداتهم عادات له ولأهله»؟

[21] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 23/17-18

[22] ـ العهد القديم، سفر التّكوين 12/1-3

[23] ـ العهد القديم، سفر التّكوين 17/1

[24] ـ مثال ذلك مصر.

[25] ـ العهد القديم، سفر التّكوين 15 /1

[26] ـ العهد القديم، سفر التّكوين 15/1 و17/1

[27] ـ العهد القديم، سفر التّكوين 17/1 و17/16

[28] ـ العهد القديم: سفر التكوين 20/7

[29] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 17/16-17

[30] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 12/11-12

[31] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 12/13 و18 و20/11

[32] ـ العهد القديم: سفر التكوين 20/11

[33] ـ العهد القديم: سفر التّكوين 12/10

[34] ـ عبد الباقي، محمَّد فؤاد، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (دون مكان)، ط3، 1992، مادة (إبراهيم).

[35] ـ القرآن الكريم: سورة النّساء 4/163، وسورة النّحل 16/119-122

[36] ـ القرآن الكريم: سورة البقرة 2/ 128، وسورة الأنعام 6/163

[37] ـ القرآن الكريم: سورة البقرة 2/127

[38] ـ القرآن الكريم: سورة البقرة 2/ 129

[39] ـ القرآن الكريم: سورة الأنبياء 21/ 57

[40] ـ القرآن الكريم: سورة الأعلى 87/ 19، وسورة يوسف 12/6، وسورة الأحزاب 33/7

[41] ـ القرآن الكريم: سورة آل عمران 3/ 95

[42] ـ القرآن الكريم: سورة آل عمران 3/33، وسورة إبراهيم 14/ 34-42، وسورة النّحل 16 /119-122، وسورة ص 38/ 45، وسورة النّجم 53/ 37، وسورة مريم 19/ 40-50 و58

[43] ـ القرآن الكريم: سورة النّحل 16/121

[44] ـ القرآن الكريم: سورة البقرة 2/ 260

[45] ـ يشير فخر الدين الرَّازي (ت 606 هـ) (تفسير الفخر الرَّازي المشتهر بالتَّفسير الكبير ومفاتيح الغيب، قدّم له الشَّيخ خليل الميس، دار الفكر، بيروت - لبنان، ط1، 1990. ج 4، ص 309) إلى أنَّ طلب إبراهيم لا يدلّ على شكّ. أمَّا جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري (ت538 هـ) (الكشّاف عن حقائق غوامض التّنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التّأويل، تحقيق وتصحيح علي محمَّد معوّض وعادل أحمد عبد الموجود، مكتبة العبيكان، الرّياض - السعوديَّة، ط1، ج1، ص ص 492 - 493) فقد ذهب إلى اعتبار أنَّه طلب ذلك «ليزداد سكوناً وطمأنينة»، وكأنَّ طلب الطمأنينة لا يدلُّ على شكّ.

[46] ـ القرآن الكريم: سورة مريم 19/ 46

[47] ـ رضا، محمَّد، محمَّد، المكتبة العصريَّة، صيدا- لبنان، 2007، ص 122

[48] ـ القرآن الكريم: سورة البقرة 2/258

[49] ـ القرطبي، أبو عبد اللّه (ت 671 هـ)، الجامع لأحكام القرآن والمبيّن لما تضمَّنه من السنَّة وآي الفرقان، تحقيق عبد الله عبد المحسن التركي، دار الرسالة، بيروت- لبنان، ط1، 2006، ج 4، ص 299

[50] ـ القرآن الكريم: سورة الأنبياء 21/ 68 - 70

[51] ـ الزَّمخشري، جار الله محمود بن عمر، الكشَّاف عن حقائق غوامض التّنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التّأويل، مرجع سابق، ج 4، ص 155

[52] ـ لا يشير القرآن إلى سارة إن كانت معه عند الخروج أم لا، وإنَّما يذكر خروج لوط معه، انظر: القرآن الكريم: سورة الأنبياء 21/ 51-70