قراءة تحليليَّة لواقع علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في المجتمع العُماني


فئة :  مقالات

قراءة تحليليَّة لواقع علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في المجتمع العُماني

قراءة تحليليَّة لواقع علم الاجتماع والأنثروبولوجيا

في المجتمع العُماني[1]

مقدّمة:

تبيّن في الوقت الحالي، ومع تطوّر العلوم الاجتماعيّة ـ لا سيّما في المجتمعات الأوروبيّة- أنَّ التغيّر الاجتماعي يمكن أن يكون مجالاً متحكَّماً فيه، من خلال أخذ الجيل الصّاعد من الجيل السابق جوانب ثقافيّة، لتتمّ الإضافة إليها تماشياً مع المستجدّات، حيث يكون توجيه التغيّر الاجتماعي نحو وجهة محدّدة؛ أي التغيّر المخطّط له.

ويُعدّ المجتمع العُماني ديناميكيّاً؛ فقد حدثت فيه العديد من التغيّرات الاجتماعيّة، ولا سيّما في السنوات العشر الأخيرة، وأكّدت الحقيقة التي تقول: إنَّ التغيّر الاجتماعي ظاهرة اجتماعيّة جديرة بالدراسة.

وتُعدّ سلطنة عُمان دولة حديثة النشأة، إذ شكّل عام 1970م علامة فارقة في التاريخ العُماني المعاصر، حيث تقلّد السلطان قابوس الحكم، وأعلن أنَّ برنامجه هو "الاهتمام ببناء دولة عصريّة تحقق الحياة الكريمة للمواطنين"؛ ومن بين علامات التغيّر الاجتماعي نشأة أوّل جامعة في السلطنة في عام 1986م، فيما تمَّ إنشاء قسم علم الاجتماع ضمن أقسام كليّة الآداب والعلوم الاجتماعيّة بعد ذلك بسنة واحدة.

ومع وضوح هذه العلامات، ليست الكتابة حول واقع علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في عُمان بالأمر السهل؛ لأنَّ هذين العلمين يمثّلان حفلة تنكّريّة مزعجة في أيّ مجتمع، على الرغم من أنَّنا نجدهما في مجتمع ما غير فاعلين مقارنة بمجتمع آخر، بيد أنَّه يمكننا قياس حريّة الكتابة والرأي واحترام الديمقراطيّة وتفعيلها في مجتمع ما بمدى الاهتمام بهذين المجالين، وما يتّسم به المتخصّصون فيهما من حريّة في الطرح، وتناول القضايا بجرأة علميّة.

يتتبَّع هذا المقال مسار علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في سلطنة عُمان، لينتهي للإجابة عن السؤال التالي: ما هو واقع العلمين الراهن في المجتمع العُماني؟

وعليه، تتمثل أهدافنا في هذا المقال في رصد حضور علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، مع الانتباه إلى خلفيّة التغيّرات الاجتماعيّة التي شهدها المجتمع العُماني خلال السنوات العشر الأخيرة. إنَّ كشف بعض جوانب الواقع المؤسّسي لعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا سيكون من خلال التعرُّف على المراكز البحثيّة المختصّة بعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا داخل الجامعات العُمانيّة وخارجها، وكذلك من خلال معرفة مآل خرّيجي الاختصاصين في سوق العمل في المجتمع العُماني. ومن ناحية أخرى، يتناول المقال أبرز القضايا التي يتمّ تناولها في مراكز البحث العلمي المختصّة بالعلوم الاجتماعيّة.

وفي ذلك ينتهج المقال المنهج الوصفي التحليلي، حيث يقدّم معطيات كميّة وكيفيّة تهمّ النقاط السابق عرضها ويحلّلها ليبيّن دلالاتها.

أولاً: الحضور المؤسّسي لعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا في عُمان

تمّ إنشاء جامعة السلطان قابوس عام 1986م، وبدأت الدراسة في قسم علم الاجتماع مع افتتاح كليّة الآداب والعلوم الاجتماعيّة في العام الجامعي 1987م. وفي عام 2001م، أضيف تخصّص العمل الاجتماعي (الخدمة الاجتماعيّة)، فأصبح في القسم تخصّصان رئيسان، وهما: علم الاجتماع والعمل الاجتماعي. ولكن ليس لعلم الاجتماع منفرداً قسم مستقلّ أكاديميّاً، إلى جانب أنَّه لا يوجد للأنثروبولوجيا قسم أكاديمي مستقل. ولكنّنا نجد الأنثروبولوجيا مساقاً دراسيّاً ضمن الخطّة الدراسيّة لدرجة البكالوريوس في علم الاجتماع (تخصّص رئيس)؛ أي أنَّها تمثل مساقاً اختياريّاً ضمن قائمة مساقات متعدّدة.

وقد استعان قسم علم الاجتماع والعمل الاجتماعي منذ افتتاحه بمدرّسِين من دول عربيّة شقيقة، لاسيّما من مصر. ومن ضمن إجمالي عدد أعضاء الهيئة التعليميّة الحاليّة بالقسم، يبلغ عدد الأساتذة العمانيين خمسة، وكذلك هو عدد الوافدين، وتتنوّع جنسيّات الأساتذة الوافدين بين تونس ومصر ولبنان والسودان. ويتفوّق أصحاب الجنسيّة المصريّة ضمن غير العمانيين مقارنة بأصحاب الجنسيّات التونسية والسودانيّة واللبنانيّة. ونشير إلى وجود أستاذ واحد يقوم بتدريس الأنثروبولوجيا، وهو عماني الجنسيّة. ومن المثير للانتباه، أنَّ تعيين معيدين في علم الاجتماع من الطلّاب العمانيين قليل جدّاً، حيث تمّ تعيين آخر معيد في علم الاجتماع عام 2005م وكأنَّ القسم لم يكوّن، منذ اثني عشر عاماً، أكاديميّاً عمانيّاً واحداً في علم الاجتماع.

والحقيقة، أنّه كلّما وجد نقص في الهيئة التدريسيّة لعلم الاجتماع، تمّ التعاقد مع أساتذة من الدول العربيّة الشقيقة المذكورة، بصفة أستاذ منتدب أو أستاذ زائر أو بتعيين رسمي. ويمكننا أن نستدلّ بهذا المعطى على أنَّ علم الاجتماع العُماني بطيء الخطوة والإنتاج في تحقيق الهدف من وجوده؛ وهو الإعداد الأكاديمي للباحثين الاجتماعيين. ولكن يمكن لنا أن نستدلّ بالمعطى ذاته على عدّة دلالات أخرى، منها انعدام الإيمان المجتمعي بالأهميّة الكبرى للاختصاص، حيث إنَّ إشكالات المجتمع الكبرى لا يمكن مواجهتها إلّا علميّاً، إذا ما أريد التخفيف من حدّتها أو معالجتها، كما لا يمكن فهم المجتمع إلّا عبر الأدوات العلميّة الاجتماعيّة. ومن الواضح، أنَّ ثمّة صعوبة في تطبيق الفهم القائل إنَّ علوم الاجتماع بكوادرها الوطنيّة وبباحثيها من أهل البلاد يمكنها دراسة المجتمع بعمق كبير وباستفاضة، كما قد يخفي هذا السلوك حقيقة أنَّ إيجاد هامش مؤسّسي وأكاديمي لعلم الاجتماع ليس إلّا أسلوباً من أساليب تقليد الجامعات العريقة في البلدان الغربيّة من دون تفعيل حقيقي.

ثانياً: قضايا علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في البحوث والمنشورات المتخصّصة:

1. مجلة الآداب والعلوم الاجتماعيّة:

تُعدّ مجلة الآداب والعلوم الاجتماعيّة المجلة العلميّة الوحيدة التي تمثل منبراً للمشتغلين بالعلوم الاجتماعيّة في سلطنة عُمان. وقد صدر العدد الأوّل منها سنة 2007م، بينما لم يصدر العدد الثاني إلّا سنة 2011م. ويدلّ هذا التباعد بين التاريخين على العسر الكبير في تركيم الإنتاج البحثي في العلوم الاجتماعيّة في عُمان. ويوضح الجدول أدناه القضايا التي تمثل مجالات اهتمام الباحثين المحليين؛ وذلك بدءاً من العدد الصادر عام 2011م إلى العدد الأخير الصادر في 2016م.

جدول رقم 1

القضايا المطروحة من قبل الأكاديميين المحلّيين العمانيين في مجلة الآداب والعلوم الاجتماعيّة[2]

القضيّة المطروحة

مجموع الإنتاجات التي تناولتها

الإعلام

5

المرأة

2

الآثار

2

القانون والتشريعات

1

الشعر والفن والمسرح

7

الطفل

1

اللغة

3

البيئة

1

الطالب الجامعي

2

المؤسّسات الصناعيّة

1

الأستاذ الجامعي

1

الطالب المدرسي

1

الجغرافيا

1

يشمل الجدول أعلاه جميع مواضيع المقالات التي اشتغل عليها الأكاديميّون المحليّون في مختلف التخصّصات بما فيها التاريخ والمسرح والجغرافيا، ...إلخ. ويمكن من خلاله التعرّف بشكل عام على الأهميّة النسبيّة للقضايا التي تشغل حيّز اهتمام الباحثين في العلوم الاجتماعيّة عامّة. وإنَّ ما يلاحظ هو أنَّ القضايا التي يتناولها الباحثون المحليّون نمطيّة، وأنَّه لم يتمّ نشر أيّة دراسة أنثروبولوجيّة على صفحات أيّ عدد من أعداد مجلة الآداب والعلوم الاجتماعيّة.

ويدلّ هذا على أنَّ تعمّق البحوث الاجتماعيّة في قضايا المجتمع العُماني يظلّ ضعيفاً، وهو ما يجعلنا نشير إلى عدم مقاربة البحث العلمي الاجتماعي للأحداث التي تستجدّ في عُمان. وبالفعل، حصلت احتجاجات من قبل "الشعب" على الحكومة عام 2011م، وفي الوقت الحالي تعرف سلطنة عمان أزمة اقتصاديّة بسبب انخفاض أسعار النفط؛ ممّا أنتج آثاراً اجتماعيّة واقتصاديّة مسّت بنية المجتمع. بيد أنّنا لم نجد أثراً لأيّ من تلك الأحداث ضمن اهتمام الباحثين الاجتماعيين العُمانيين المحلّيين. وفي هذا السياق، نفهم أكثر مدى خطورة أمر توقف تعييين المعيدين المحلّيين في قسم علم الاجتماع بالكليّة التي ذكرنا. وقد يسمح الملاحظ لنفسه بأن يضع احتمال وجود "قوّة كبرى" تفرض هذا الواقع على علوم الاجتماع ضمن الأكاديمية العمانيّة.

2. بحوث طلبة الماجستير في علم الاجتماع[3]:

تمّ فتح برنامج الماجستير في قسم علم الاجتماع خلال السنة الجامعيّة سنة 1992/1993م. ويبيّن الجدول أدناه، بعض القضايا التي تناولها طلبة الماجستير في قسم علم الاجتماع بجامعة السلطان قابوس. ولا بدّ من الإشارة إلى صعوبة القيام بمسح شامل، حيث لا يوجد أرشيف يحصر الرسائل العلميّة ويبوّبها ويضعها على ذمّة الباحثين.

جدول رقم 2

قضايا تناولها طلبة الماجستير في علم الاجتماع (عناوين)

م

العنوان

السنة الدراسية

1

انخراط المرأة في العمل وعلاقته بتغيّر أدوارها التقليديّة (دراسة استطلاعيّة للأدوار المتغيّرة للمرأة في سلطنة عُمان)

1995م

2

التعليم الفني والتنمية الاجتماعيّة والاقتصادية في سلطنة عُمان (دراسة ميدانيّة لاتجاهات الشباب العُماني نحو التعليم الفني).

1995م

3

دور التعليم في تشكيل اتجاهات الحداثة

(دراسة ميدانيّة في المجتمع العُماني المعاصر)

1996م

4

رؤية طلاب جامعة السلطان قابوس نحو معنى العمل ونظمه دراسة ميدانيّة على عيّنة من المتوقع تخرّجهم عام 2013م

2013م

5

دور التكوينات الاجتماعيّة في دعم المرأة العمانيّة للتمثيل السياسي 1998-2011م

2013م

6

الآثار الاجتماعيّة والاقتصاديّة للمنطقة الاقتصاديّة الخاصّة بالدقم، دراسة ميدانيّة

2013م

7

دور العمل التطوّعي في تنمية رأس المال الاجتماعي في سلطنة عُمان

2014م

8

دور الجمعيّات الأهليّة في تحسين نوعيّة حياة المرأة العُمانيّة دراسة ميدانيّة للجمعيّات الأهليّة بمحافظة مسقط

2014م

على الرغم من عدم شمول الجدول لكلّ العناوين، فإنَّه يعطينا صورة دالّة. وقد راوحت القضايا البحثيّة بين العمل والمرأة والعمل التطوّعي والجمعيّات الأهليّة. وهذا الاهتمام يتقاطع مع اهتمام الباحثين في وزارة التنمية الاجتماعيّة، وكذلك مع مجالات اهتمام الأكاديميين المحلّيين الذين ينشرون بحوثهم على صفحات مجلة الآداب والعلوم الاجتماعيّة.

3. منشورات المراكز البحثيّة داخل الجامعة وخارجها:

تشير المعطيات الكميّة التي بحوزتنا التي حصلنا عليها من خلال استقصاءاتنا إلى وجود مركز بحثي واحد داخل جامعة السلطان قابوس مختص بدراسة المجتمع والإنسان، وهو يعمل تحت اسم "مركز البحوث الإنسانيّة"؛ تمّ إنشاء هذا المركز عام 2010م، ولكنّه لم يبدأ العمل فعليّاً إلّا في 2013م. وكما يلاحظ، فإنَّ تفعيل المركز كان بعد وقوع الاحتجاجات التي قام بها الشعب ضدّ سياسات الحكومة.

وللمركز منشورات غير دوريّة تصدر على صيغة دراسات ومشاريع بحثيّة يوضحها الجدول أدناه الذي يشمل مجمل المنشورات التي تمّ إنجازها منذ نشأة المركز:

جدول رقم 3

الدراسات والمشاريع البحثيّة المنجزة في مركز البحوث الإنسانيّة منذ نشأته

م

عنوان الدراسة[4]

الباحث الرئيس

1

اتجاهات المجتمع العُماني نحو بعض أنماط المهن المرغوبة للمرأة العُمانيّة: دراسة استطلاعيّة

منير كرادشة

2

أسباب ظاهرة العقم الزواجي وآثارها الاجتماعيّة والاقتصاديّة والصحيّة والنفسيّة: دراسة ميدانيّة للمجتمع العُماني.

منير كرادشة

3

اتجاهات المجتمع العُماني نحو بعض الأنماط الزواجيّة التقليديّة: دراسة استطلاعيّة

منير كرادشة

4

عوامل وأسباب وقوع الطلبة تحت الملاحظة الأكاديميّة: دراسة ميدانيّة

منير كرادشة

5

الصعوبات التي تواجه الأندية الرياضيّة بسلطنة عمان والحلول المقترحة للتغلب عليها.

ماجد البوصافي

6

Emotional intelligence in the language classroom in Oman; The missing ingredient?

رحمة المحروقيّة

7

Investigating Omani Tertiary Students pronunciation problems; possible Dialect influences.

رحمة المحروقيّة

8

Towards creating Reading Experiences/ proficiencies; A multinational perspective

رحمة المحروقيّة

9

Investigating the use of English as a Medium of instruction in Higher Education in Oman

رحمة المحروقيّة

10

Critical Thinking in Higher Education in Oman; How is it promoted in English medium specializations?

رحمة المحروقيّة

11

Measuring Vocabulary level Among Omani Tertiary- level students and its effect on their communicative Ability; A cross-sectional study.

رحمة المحروقيّة

ومن الملاحظ أنَّ باحثين اثنين أنجزا على التوالي 54 بالمئة و36 بالمئة من مجمل الدراسات. وقد يخفي هذا المعطى الكثير من الحقائق التي لا يمكن أن نتناولها كلّها، ولكنَّه يدلّ، على الأقلّ، على مركزة كبيرة في العمل وعدم توزّع الجهد البحثي على طاقات متنوّعة ومختلفة.

أمّا الجدول الآتي، فيبيّن قائمة الدراسات والمشاريع قيد الإنجاز:

جدول رقم 4

مشاريع الدراسات قيد الإنجاز في مركز البحوث الإنسانيّة

م

عنوان الدراسة

الباحث الرئيس

1

الأبعاد الاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة للمشروعات التنمويّة في منطقة الدقم.

منير كرادشة

2

معوقات البحث العلمي في مؤسّسات التعليم العالي في سلطنة عُمان والإمارات العربيّة المتحدة.

منير كرادشة

3

السبلة وأدوارها في المجتمع العماني: دراسة مطبقة على طلبة وموظفي جامعة السلطان قابوس.

رحمة المحروقيّة

4

الدوافع التنافسيّة والترويجيّة لممارسة الأنشطة الرياضيّة بسلطنة عُمان.

ماجد البوصافي

5

كتاب المختصر المفيد في البنوك الإسلاميّة: سؤال وجواب.

ناصر المعولي

6

أوضاع المسنّين والتحدّيات التي تواجههم في سلطنة عُمان.

منير كرادشة

7

العمل التطوّعي في المجتمع العُماني الواقع والتحدّيات: دراسة ميدانيّة مطبّقة على مؤسّسات العمل التطوّعي.

ميمونة الزدجاليّة

وعلى الرغم من تكرار الأسماء ذاتها، فإنّنا نلاحظ وجود أسماء أخرى تكفّلت بإجراء بحوث، ممّا يشير إلى التوجّه نحو التخفيف من المركزيّة التي لاحظناها في ما أنجز من مشاريع إلى حدّ الآن. ولكن في المجمل يتقاسم الاسمان اللّذان أشرنا إليهما أكثر من ثلاثة أرباع البحوث الجمليّة المنشور منها وما هو قيد الإنجاز. ولا بدّ من الإشارة إلى أنَّ أحدهما أردني الجنسيّة، وهذا لا يجعلنا نستنتج قلّة وجود الباحثين الأكفاء في المجتمع العماني، ولكن قد يكون من المشروع استنتاج وجود احتكار يعمل المستفيدون منه على هيئة "لوبي"، حيث لا يتقاسم حتى الربع المتبقي من العناوين إلّا ثلاثة أسماء. وتستمّر حالة الاحتكار هذه القائمة الآن، منذ خمس سنوات.

ومن ناحية أخرى، أوضح لنا الجدولان أنَّ القضايا التي يتمّ تناولها في مركز البحوث الإنسانيّة تتقاطع في بعض الجوانب مع القضايا التي يتناولها طلبة الماجستير، وكذلك مع البحوث التي تنفذها وزارة التنمية الاجتماعيّة، كما سيتبيّن لنا لاحقاً. وهذا الأمر مثير للغاية، إذ هو يعني وجود نمطيّة مفرطة، كما يعني غياباً لاختلاف التيّارات الفكريّة في العلوم الاجتماعيّة التي يتمّ إنتاجها في المجتمع العُماني وحوله، مع انعدام كلّي لقضايا الشأن العام والسّياسة.

ثالثاً: علم الاجتماع خارج المجال الأكاديمي

لا يقتصر حضور العلوم الاجتماعيّة في عُمان على المستوى الأكاديمي، إذ تتكفّل بعض المؤسّسات الأخرى بالقيام ببحوث ذات طبيعة علميّة اجتماعيّة. ومن أجل الاستدلال على ذلك بمثال بارز، نقوم الآن بإلقاء نظرة على جهود وزارة التنمية الاجتماعيّة من خلال دائرة تعمل ضمنها هي الدراسات والمؤشّرات الاجتماعيّة.[5]

إنَّ متابعة المواضيع التي تقوم بدراستها الدائرة كفيلة بأن تجعلنا نلقي بعض الضوء على مسار الدراسات والبحوث التي نفذّتها الوزارة، كما قد تمكّننا من الكشف عن المنهج العلمي التي ارتكزت عليه الدراسات. ويقدّم الجدول أدناه عدداً من الدراسات التي نفذتها الوزارة من 2008م إلى 2013م.

جدول رقم 5

دراسات نفذتها وزارة التنمية الاجتماعيّة من 2008 إلى 2013

م

موضوع الدراسة

سنة التنفيذ

1

دراسة أثر برنامج تدريبي في تنمية الذات للشابّات العُمانيّات

2008م

2

دراسة أبعاد ومقوّمات التماسك الأسري (سلطنة عُمان)

2009م

3

آثار التسوّل على الفرد والمجتمع

2011م

4

دراسة ميدانيّة حول زواج العُمانيين المستفيدين من معاشات الضمان الاجتماعي من جنسيّات عربيّة أو أجنبيّة

2011م

5

دراسة وصفيّة حول لجان التنمية الاجتماعيّة: الواقع، التحدّيات، آفاق التطوير.

2012م

6

المرأة في التشريعات العُمانيّة "أدلة توضيحيّة لمواد قانونيّة"

2012م

7

تمكين المرأة العُمانيّة والتحدّيات المجتمعيّة

2010م

8

المشاركة الاجتماعيّة للمرأة العُمانيّة واقعها وآفاقها

2011م

9

الأوضاع الاجتماعيّة للمرأة بعد الطلاق

2011م

10

الأبعاد الاجتماعيّة لتأخر سنّ الزواج في المجتمع العُماني

2012م

11

أثر عمل المرأة على أسرتها بسلطنة عُمان

2012م

12

الأبعاد الاجتماعيّة لمشاركة المرأة العُمانيّة في تنمية المجتمع العُماني

2013م

13

اتجاهات طلبة التعليم ما بعد الأساسي بسلطنة عُمان نحو حقوق المرأة.

2013م

14

الحاجات النفسيّة والاجتماعيّة للمرأة العُمانيّة العاملة.

2013م

ولكنَّ الوزارة لا تنشر كلّ الدراسات التي تقوم بها. ويمكن أن نتّخذ البحوث التي تتناول قضايا ذات علاقة بالمرأة والأسرة العُمانيتين مثالاً على بعض مواضيع الاهتمام الخاص لدى الوزارة.

جدول رقم 6

دراسات منشورة عن بحوث نفّذتها وزارة التنمية الاجتماعيّة (2014-2015م)

م

موضوع الدراسة

1

الآثار الاجتماعيّة والاقتصاديّة للعمالة الوافدة على المجتمع العُماني

2

أثر عاملات المنازل على خصائص الأسرة العُمانيّة

3

أسباب الحوادث المروريّة وآثارها على الأسرة العُمانيّة من وجهة نظر المتسبّبين

4

جنوح الأحداث في المجتمع العُماني

5

تطوّر برامج الرعاية الاجتماعيّة ودورها في تحسين مستوى معيشة أسر الضمان الاجتماعي في سلطنة عُمان

6

واقع الطلاق في المجتمع العُماني

7

أثر المستوى التعليمي والاجتماعي للأم على النمط الاستهلاكي للأسرة

ويدلّ الجدولان اللّذان يمكن أن نقرأهما في تكاملهما على أنَّ اهتمامات الوزارة ذات طابع استكشافي وعملي يبحث عن كشف بعض الحقائق التي يمكن أن تكون مساعدة على رسم سياسات محدّدة. وفي تأكيد للاهتمام الخاص بقضايا المرأة العُمانيّة، نقدم معطيات إضافيّة:

جدول رقم 7

الدراسات التي أصدرتها وزارة التنمية الاجتماعيّة بمناسبة يوم المرأة العُمانيّة (2014- 2015م)

 

موضوع الدراسة

1

دور المرأة العُمانيّة في رعاية زوجها من ذوي الإعاقة الحركيّة

2

المقارنة في المسؤوليّة الاجتماعيّة الأسريّة (الأسريّة والمهنيّة) لدى المرأة العُمانيّة في محافظة مسقط

3

دور التكوينات الاجتماعيّة في دعم المرأة للتمثيل السياسي

4

المرأة في التشريعات العُمانيّة "أدلة توضيحيّة لمواد قانونيّة"

5

واقع ممارسة العمليّات الإداريّة في المنظّمات غير الحكوميّة

6

الأبعاد التربويّة لاتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، وأثرها في وعي المرأة العمانيّة وحقوقها الإنسانيّة

7

دور الجمعيّات الأهليّة في تحسين نوعيّة حياة المرأة العُمانيّة

8

اتجاهات المجتمع العُماني حول أنماط الزواج التقليديّة

يبيّن الجدولان السابقان مباشرة، أنَّ من أكثر القضايا التي تهتمّ بها وزارة التنمية الاجتماعيّة، من خلال عمل دائرة الدراسات والمؤشّرات الاجتماعيّة على البحوث والدراسات، المرأة العُمانيّة باختلاف أوضاعها، وبما يشمل المطلّقة والعاملة والقياديّة والمتزوّجة. كما يتّضح من خلال العناوين أنَّ المنهج الأكثر استخداماً في هذه الدراسات هو المنهج الكمّي.

وعلى العموم، تُعتبر الدراسات التي تنشرها الوزارة عادة من دراسات الخبرة؛ أي تلك الدراسات التي تصمّم على قاعدة التوجّه نحو وضع إجراءات محدّدة أو خطوات عمليّة من قبيل وضع القوانين.

وفضلاً عن الدراسات التي تقوم بها الوزارة، فإنَّها تتكفّل بطباعة إنتاج باحثين منتسبين إليها.

جدول رقم 8

دراسات تبنّت الوزارة نشرها لمنتسبي وزارة التنمية الاجتماعيّة

م

موضوع الدراسة

سنة التنفيذ

 

دور الخدمة الاجتماعيّة في التعامل مع ظاهرة إدمان المخدّرات

2007م

 

دراسة ميدانية حول تعاطي وإدمان المخدّرات بين الشباب العُماني وأساليب مواجهتها

2010م

 

دراسة ميدانيّة حول تنمية مهارات التفاعل والاتصال للأشخاص المعاقين سمعيّاً

2011-2012م

ثمَّة تركيز على قضايا من نوع آخر تتعلّق أساساً بالشباب وبممارساته من جهة، وببضع فئات من ذوي الاحتياجات الخصوصيّة من جهة ثانية. ومن المهم أن نشير إلى أنَّ المنتسبين إلى الوزارة ينشرون هذه الدراسات، باعتبارها امتداداً مباشراً لعملهم، وليس نتيجة لتفرّغ بحثي محترف.

رابعاً: في الملامح الكبرى لأوضاع خرّيجي علم الاجتماع في سلطنة عُمان:

لقد بيّنت لنا المعطيات الكميّة والكيفيّة التي أتينا عليها في الفقرات السابقة أنَّ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في عُمان لم يحظيا بالقدر الكافي من الأهميّة مؤسّسيّاً ومعرفيّاً، ولم نلاحظ أنَّ الدولة العمانيّة تبذل جهداً خاصّاً في الجانب المؤسّسي الذي يمكن أن يضمن وجوداً فعليّاً وفاعلاً لعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا في المجتمع العُماني. ويمكن قول الشيء ذاته كذلك عن الجانب الثقافي، إذ لا يحتضن الواقع الثقافي العُماني هذين العِلمين بما يمكّنهما من الاضطلاع بالأدوار الخطيرة التي يمكن أن تناط بهما. ومن الواضح أنَّه لا توجد مراكز بحثيَّة ذات مرجعيّات علميّة وبحثيّة ومنهجيّة صُلبة وذات أثر اجتماعي واضح. وبدا لنا من العسير في ظلّ هذه الأوضاع نشوء تيّارات فكريّة وثقافيّة متنوّعة خارج مجال البحث في الجامعة وضمن الحدود الأكاديميّة.

وليس في القطاع الخاص، في مجالي الأعمال والتجارة، من يؤمن بأهميّة إنتاج الدراسات والبحوث العلميّة الاجتماعيّة، حيث يتمّ تحفيز تكوين مراكز بحثيّة خاصّة؛ أي غير حكوميّة. ومن الجدير بالذكر أنَّ تجارب البلدان التي توجد فيها مراكز بحثيّة مستقلّة عن العمل الحكومي تثبت أنَّه كلّما وجدت هذه المراكز متحرّرة من التبعيّة تجاه القطاع الحكومي في البحث العلمي، كان هناك إنتاج حقيقي مدفوع بتحقيق الهدف الأوّل للعلوم الاجتماعيّة، وهو فهم المجتمعات وتحليلها وتحويل المعرفة العلميّة الاجتماعيّة إلى مادّة للتفكير ومرجعيّة لوضع السياسات وخلفيّة لرسم الأهداف.

لقد أشارت البيانات التي بين أيدينا إلى وجود مركز بحثي واحد في العلوم الاجتماعيّة خارج الجامعة، ولكنّه تابع للقطاع الحكومي، وقد تبيّن لنا أنَّ حركته الإنتاجيّة بطيئة، وأنَّه يسلّط الضوء على قضايا معلّبة لا جديد فيها. ومن المؤسف أن يكون كذلك هو حال مركز البحوث الإنسانيّة الذي يوجد داخل الجامعة. وقد أثرنا الاهتمام بأنَّ الدراسات والمشاريع التي تمّ إنجازها منذ تأسيس المركز، راوحت مواضيعها بين قضايا الزواج والمرأة والطالب الجامعي، وبين البحث العلمي والتعليم باللغة الإنجليزيّة.

إزاء هذه المعطيات، وضعنا تساؤلاً مركزيّاً: أين نصيب قضايا الشأن العام من البحث العلمي الاجتماعي؟ وتتفرّع عن هذا السؤال أسئلة عدّة أخرى، منها: هل المجتمع العُماني مجتمع استاتيكي خالٍ من الحركات الاجتماعيّة والثقافيّة؟ ألم تبرز الاحتجاجات التي حدثت عام 2011 م ضرورة وضع فرضيّات تفكير وبحث علمي اجتماعي يخصّ العلاقات المتشعّبة بين كلٍّ من الشأن العام والتنمية وواقع الديمقراطيّة؟ إنَّ هذا السؤال مثلاً يعلن بوضوح أنَّنا بحاجة إلى دراسة علميّة تكون قاعدتها البرهنة، سواء أأدت إلى إثبات وجود تلك الفرضيّات أم نفيها؟ ومن بين الأسئلة الأخرى التي يمكن أن تتفرّع عن السؤال المركزي: أليس من الضروري التفكير على أساس افتراض أنَّ الأزمة الاقتصاديّة الناجمة عن انخفاض النفط وما صاحبها من سياسات اجتماعيّة منها خفض الرواتب، ووقف التوظيف، وفرض ضرائب إضافيّة، وارتفاع أسعار الوقود، سوف تفرز لا محالة ظواهر جديدة في المجتمع؟

ومن ناحية أخرى، تدلّ الكثير من المعطيات على أنّنا بصدد انتقال المجتمع العُماني على طريق مسار جديد يحتاج إلى استعداد معرفي علمي اجتماعي؟ ألم تأخذ التكنولوجيا وما صاحبها من استخدامات متنوّعة في المجتمع العُماني منها ما هو على شبكات التواصل الافتراضي كالفايسبوك والأنستغرام وسناب شات صبغة الظواهر الاجتماعيّة التي تتطلّب الدراسة العلميّة؟

إنَّ خبرة الباحثين الاجتماعيين تؤكّد أنَّه لا يمكن أن تحدث مثل هذه الأحداث من دون أن تخلّف آثاراً اجتماعيّة ومعرفيّة وقيميّة في أيّ مجتمع، مهما كانت بنيته وتقاليده وأعرافه ومؤسّساته، وهذا ما يتناقض مع كون علم الاجتماع العُماني لا وجود له أمام مثل هذه المستجدّات المجتمعيّة، ولا سيّما الأخيرة منها التي حدثت خلال السنوات العشر الأخيرة، بل هو ما يزال في مهده الأوّل، ويقوم بإعادة إنتاج قضايا تمّ استهلاكها منذ زمن بعيد.

وممّا يثير الاهتمام أيضاً قلّة عدد الباحثين الذين يشملهم المركز. وفضلاً عمّا يؤدّي إليه ذلك من احتكار جميع البحوث التي تمّ تنفيذها من قبل الأسماء نفسها، فإنَّ هذا مؤشّر على احتكار المنح الماليّة للبحث العلمي في العلوم الاجتماعيّة عامّة، وعدم فتح المجال لتطوير مؤهّلات باحثين مجيدين. وهذا ما ينقلنا إلى الحديث عن مآل مخرجات علم الاجتماع في سلطنة عُمان.

خريجو قسم علم الاجتماع، وبعد إتمام الدراسة الجامعيّة، يتوجّهون إلى سوق العمل (المدارس) في مهنة الأخصائي الاجتماعي؛ ويُعدّ هذا خطأ فادحاً في حقّ علم الاجتماع، إذ ممّا لا شكّ فيه أن هناك فروقات بين تخصّص العمل الاجتماعي الذي يُعدّ مهنة، وبين علم الاجتماع بوصفه علماً اجتماعيّاً يحتاج الاشتغال به إلى نظريّات ومناهج وعدّة مفاهيميّة مخصوصة. ويمثل الوضع سبباً من أسباب ضعف الإنتاج العلمي في علم الاجتماع وعدم فاعليّته في المجتمع، إذ إن البحث العلمي الاجتماعي لا يجدّد طاقاته، ولا يتلقّى من الجامعة موارد بشريّة تمكّنه من التوسّع والتعمّق. ويبدو هذا الأمر عسير القبول من فئة الخرّيجين الذين يجدون أنفسهم شغوفين بتخصّصهم ومخلصين لعلم الاجتماع، حيث لا يجدون الفرص التي تمهّد لهم السير على طريق الإنتاج البحثي، وإن وجدوا الفرص لذلك، فهي فرص لا يمكنهم أن يطالوها، إذ إنَّ الشروط التي يطلقها مجلس البحث العلمي من خلال المرصد الاجتماعي الذي يشرف عليه، وتطلقها كذلك جامعة السلطان قابوس، سواء من خلال عمادة البحث العلمي فيها أو من خلال مركز البحوث الإنسانيّة، شروط لا تناسب إلّا النخبويين من الأكاديميين.

فعلى سبيل المثال، نجد أنَّ الفرصة الممنوحة لإنجاز بحث علمي اجتماعي مشروطة باستيفاء الطالب شهادة اللغة الإنجليزيّة، وحيازة خبرة تمتدّ لسنوات، وهو ما يجعلنا نسأل: كيف يمكن للباحث الاجتماعي حديث التخرّج أن يملك خبرة سنوات في مجال البحث؟ وأين هي المؤسّسات التي يمكنه أن يتدرّب فيها، ليحصل على الخبرة اللّازمة من خلال عمله فيها مساعداً فاعلاً في الميدان، وحيث يتغذّى الباحث العلمي الشاب علميّاً ومنهجيّاً؟ وفي الجانب الآخر يُعدّ تملك اللغة الإنجليزيّة عائقاً كبيراً أمام هذا الباحث الشاب المتخرّج في جامعة السلطان قابوس؛ حيث يجد نفسه لا يتملك إلّا لغته المحليّة، وهو ما يعني عدم قدرته على الاطلاع على تيّارات البحث العلمي الاجتماعي العالميّة، وعدم انفتاحه على علوم الاجتماع في المجتمعات المتقدّمة ونقص درايته بالمستجدات المنهجيّة التي تحصل فيها كلّ يوم تقريباً.

يخرّج قسم علم الاجتماع بجامعة السلطان قابوس إذن مخرجات يتبعثر أغلبها في المدارس، مثلما أشرنا، يمارسون مهنة الأخصائي الاجتماعي، ويشتغل القسم الآخر من الخرّيجين في مؤسّسات حكوميّة من وزارات ودور رعاية الطفولة والأيتام والمسنّين... إلخ، حيث يضطلعون بوظيفة باحث اجتماعي. ووفقاً لنتيجة المسح الذي قمنا به في وزارة التنمية الاجتماعيّة تبيّن لنا أنَّ الباحث يقوم بتنفيذ دراسات في مواضيع معلّبة، ولا يحظى إلّا فرد واحد، من بين خريجي اثنتي عشرة دفعة على التوالي، بفرصة أن يصبح معيداً؛ أي أن تتبنّى الجامعة مشروع تطويره وتأهيله واستثماره في سبيل الإنتاج العلمي.

هذا الفرد الواحد تتبنّى الجامعة مسؤوليّة تطويره، حيث يتمّ توجيهه لإكمال دراسة الماجستير والدكتوراه في إحدى الجامعات الأوروبيّة المرموقة في العلوم الاجتماعيّة، حيث تتمّ الدراسة باللّغة الإنجليزّية، بينما نجد بقيّة الخرّيجين يسعون إلى تطوير أنفسهم بأنفسهم في صراع مرير مع عدم حذقهم للغة الإنجليزيّة، حتى ينفتحوا على العالم والثقافات الأخرى، ويطلعوا على البحوث العلميّة التي تصدر بها بشكل دوري، مع العلم أنَّ التسجيل في إحدى الجامعات المرموقة في العلوم الاجتماعيّة يشترط شهادة اللغة بمستوى ستة أو ستة ونصف، وهذا شرط صعب أمام من لا تمثل اللّغة الإنجليزيّة لغتهم الأم، وتلقّوها في المدرسة وفق أسلوب تقليدي لا يجعلهم يحذقونها. إنَّ الحلّ الذي يلجأ إليه هؤلاء هو إكمال الماجستير والدكتوراه في إحدى الدول العربيّة الشقيقة، ولا يخفى على أحد أنَّها متوسطة الإنتاج والتكوين حتى لا نقول أكثر.

خامساً: التحدّيات التي تواجه علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في المجتمع العُماني:

وهي كالتالي:

-           الإكثار من المراكز البحثيّة المختصّة بتأهيل الباحث الاجتماعي؛

-           رفع القيود المفروضة على البحث العلمي الاجتماعي والحريّة الأكاديميّة؛

-           إفساح المجال للجرأة العلميّة في تناول القضايا التي تهمّ المجتمع؛

-           إيجاد قسم أكاديمي معني بدراسة الأنثروبولوجيا؛

-           رفع الجاهزيّة المؤسّسيّة والعملياتيّة الحكوميّة والخاصّة للاستفادة من علم الاجتماع والأنثروبولوجيا.

لقد اتّضح لنا بعد عمل مسح للدراسات التي نفذّها الأكاديميّون في مجلة الآداب والدراسات التي قام بها مركز البحوث الإنسانيّة منذ نشأته، والدراسات التي نفّذتها وزارة التنمية الاجتماعيّة، والدراسات التي قام بتنفيذها المرصد الاجتماعي من خلال مجلس البحث العلمي، أنَّه لا توجد دراسة علميّة عُمانيّة في الأنثروبولوجيا، في حين وجدنا تطبيق الأنثروبولوجيا في دراسة رواية "سيدات القمر" للروائيّة جوخة الحارثيّة، ورواية "سندريلات مسقط" للروائيّة هدى الجهوريّة، ورواية "الباغ" لبشرى خلفان، ورواية "ملائكة الجبل الأخضر" لعبدالله الطائي، ...إلخ. وهذا يعني أنَّه على الرغم من عدم وجود الأنثروبولوجيا تخصّصاً أكاديميّاً مستقلّا، فإنَّها تمثل مجال اهتمام للمثقفين والأدباء في المجتمع العُماني. ومن المثير للاهتمام أيضاً، قيام عدد من الباحثين الأنثروبولوجيين الأوروبيين بدراسات أنثروبولوجيّة على المجتمع العماني، على سبيل المثال Mandana Limbert؛ فقد قامت بإعداد دراسة أنثروبولوجيّة تحت عنوان In the time of Oil; piety, memory and social life in an Oman. كما قامت الباحثة الأمريكيّة المتخصّصة في الأنثروبولوجيا Dawn Chatty بإعداد بحث أنثروبولوجي في عُمان، استمرّت في دراسته أكثر من عشر سنوات بعنوان Mobile pastoralists development planning and social change in Oman كما نجد الأنثروبولوجي Fredrik Barth قام بدراسة مدينة صحار Sohar; culture and society in an Oman.

فأن تكون أنثروبولوجيا المجتمع العُماني محطّ اهتمام المثقفين والأدباء العمانيين والباحثين الأنثروبولوجيين الأجانب، هو بمثابة الحافز الذي على أساسه يمكن تطوير هذا المجال البحثي العلمي الاجتماعي في عُمان. ولكنَّ هذا الحضور الطاغي للباحثين الأجانب ليس ظاهرة صحيّة بأيّ حال من الأحوال، وهو تحدٍّ آخر من التحدّيات التي تواجه المجتمع العُماني في علاقته بالعلوم الاجتماعيّة عامةً وبعلوم الاجتماع والأنثروبولوجيا خاصّة.

خاتمة:

تثبت الوقائع والتحاليل التي كنّا بصددها أنَّ السعي نحو فتح الآفاق أمام الجرأة العلميّة في تناول قضايا المجتمع ضرورة ملحّة بالنسبة إلى عُمان، كما أنَّ إعادة النظر في مسألة تعليم طلّاب علم الاجتماع العُمانيين باللغة المحليَّة فقط ذات إلحاح كبير، إذ لا يمكن للمرء أن يواكب المستجدّات العلميّة في تخصّصه، وهو لا يجيد إلّا لغته المحليّة فقط. ويرتبط هذا الأفق بأفق تطوير علم الاجتماع العُماني بتوجيه مخرجات علوم الاجتماع في سوق العمل إلى مكانها الصحيح؛ وهو ما يقتضي إنشاء العديد من المراكز البحثيّة وإفساح المجال لنشأة تيّارات فكريّة مختلفة وتطوّرها.

إنَّ إعادة النظر في وجود تخصّص الأنثروبولوجيا، والقيام بدراسات أنثروبولوجيّة، وإنشاء مراكز بحثيّة متخصّصة للدراسات الأنثروبولوجيّة كفيل بأن يبيّن أنَّ الإيمان العملي والعلمي بعلوم الاجتماع والأنثروبولوجيا قد تحوّل إلى سياسة منهجيّة لإعادة تفعيلهما على الوجه الصحيح في خدمة المجتمع والتنمية، مع الانفتاح على فاعليّة علوم الاجتماع والأنثروبولوجيا في المجتمعات المتقدّمة.

 

المصادر:

- موقع جامعة السلطان قابوس، كليّة الآداب والعلوم الاجتماعيّة

www.squ.edu.om/squ-ar

- دليل ملخّصات علم الاجتماع، كليّة الآداب والعلوم الاجتماعيّة بجامعة السلطان قابوس.

goo.gl/WG44pt

- كتيب: مركز البحوث الإنسانيّة

www.squ.edu.om/hrc

- دليل سلسلة الدراسات والبحوث الاجتماعيّة، إعداد دائرة الدراسات والمؤشرات الاجتماعيّة 2014م.

goo.gl/Gb696W

[1]- مجلة ذوات العدد50

[2]ـ موقع جامعة السلطان قابوس ـ كليّة الآداب والعلوم الاجتماعيّة. www.squ.edu.om

[3]ـ دليل ملخّصات علم الاجتماع، كليّة الآداب والعلوم الاجتماعيّة بجامعة السلطان قابوس.

[4]ـ كتيب: مركز البحوث الإنسانيّة. www.squ.edu.om/hrc

[5]ـ دليل سلسلة الدراسات والبحوث الاجتماعيّة، إعداد دائرة الدراسات والمؤشرات الاجتماعيّة 2014م.