قراءة في كتاب "الإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة" للمفكّر محمد أركون


فئة :  قراءات في كتب

قراءة في كتاب "الإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة" للمفكّر محمد أركون

قراءة في كتاب "الإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة" للمفكّر محمد أركون

صدر كتاب "الإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة" للمفكر الجزائري محمد أركون[1] عن دار الساقي بلندن ترجمة هاشم صالح ومساهمته[2]، وهو ينقسم إلى مقدمتين وثلاثة أقسام وخاتمة، والأقسام هي:

1.أركون- بولكستاين

2.حوار مع محمد أركون بقلم هاشم صالح

3.الترجمة ومستقبل الفكر العربيّ

مقدمة الطبعة العربيّة/ المقدمة:

هذا الكتاب ينتمي إلى كتب المراجعات في فكر محمد أركون؛ فالإسلام وأوروبا والغرب هي مصطلحات يرى محمد أركون أنّها تعرّضت إلى التوظيف الإيديولوجيّ بطريقة مُبالغ فيها. لهذا السبب وجد أنّه لا بدّ من إعادة التفكير فيها ومراجعة صورتها التاريخية أو الواقعيّة لتحلّ محلّ الصورة الأيديولوجية الطاغية، وفي سبيل ذلك يشترط أركون إعادة تفكيك هذه الصورة من جديد والنظر إليها من خلال منظور نقدي يضمن تعريتها من ألبستها الأيديولوجية السميكة وفحصها من خلال زوايا جديدة، لتقديم صورة أخرى مُخالفة للصورة السائدة عن الإسلام وأوروبا والغرب.

ويستتبع هذا ضرورة مراجعة تصوّرات كل من المسلمين والغربيين لبعضهم بعضاً. يعترف أركون أنّ الصورة النمطيّة المُتبادلة بين الإسلام وأوروبا هي صورة غير صحيحة على الإطلاق. يُضاف إلى ذلك، أن الكثير من الأحكام بينهما غائمة ومشوشة إلى حد بعيد، لذلك لا يُمكن البقاء إلى ما لا نهاية تحت رحمة التصور الأيديولوجي الذي يتحكم بالجميع. ويقول أركون بأنه كان شخصياً منذ زمن بعيد مهموماً بهذه المسألة وراغباً في لعب دور الوسيط الفكري بين الجهتين، لكي يجلُو هذا الضباب أو الغموض أو سوء التفاهم الذي يرين على الطرفين بسبب التوترات والصراعات السياسية التي لا تهدأ[3]. وقد وضع هذا العمل دائماً نصب عينيه وشكّل بغيته وأمنيته بصفته أستاذاً جامعياً وباحثاً في مجال الفكر الإسلامي.

من جهة أخرى، دعا محمد أركون إلى إحياء الفكر النقدي على الصعيد الفكر الإسلاميهذا الفكر المقموع في المجتمعات العربية والإسلامية، لذلك لا بدّ من وجهة نظره من إعادة كتابة التاريخ وإعادة النظر في كلّ الأفكار والمعتقدات السابقة.وقد ركّز أساسا على مصطلحين جوهريين حسب رأيه، هما "الزحزحة" و"التجاوز" قاصدا بهما زحزحة كل المفاهيم القديمة الموروثة إن من جهة الإسلام أو من جهة الغرب الأوروبيّ ثم بعد ذلك تجاوزها، حتىّ لا يظلّ طرف منهما أسير لهذه المفاهيم المتوارثة.

وقد وضع محمد أركون مصطلح "الحدث الإسلامي" مكان "الإسلام"، لأنّ مصطلح الإسلام عنده صار قديماً وموروثاً قاصدا بذلك جملة من الأهداف أهمها:

* تمهيد الطريق لوضع الإسلام ضمن دائرة التاريخ أو ما يسميه التاريخية بدل أن يبقى خارج التاريخ وفوق الزمان والمكان.

* تنقية الإسلام من كلّ التراكمات والإضافات والإسقاطات التي ألحقت به على مدار تاريخه الطويل. فقد تشكّلت في الإسلام فرق عدّة منها السنة والشيعة والخوارج وكل فرقة من الفرق تحتكر الإسلام لصالحها، وتعتبر أنها تمتلك وحدها الإسلام الصحيح. وعملية الاحتكار هذه ابتدأت مع الأمويين ثم انتقلت إلى العباسيين وصولاً إلى العثمانيين.

ومن ثم يميز محمد أركون بعد ذلك بين مُصطلحيّ "الحدث القرآني" و"الحدث الإسلامي" فهناك حسب رأيه مسافة شاسعة بين المصطلحين. فالظاهرة الإسلامية أتت بعد الظاهرة القرآنية ولكنها ليست متأتية عنها بالكامل كما يظنّ المسلمون. وعليه، يرى أركون أنّه لكي نفهم هذه المرحلة جيّدا، لا سيما عملية الانتقال من الحدث القرآني إلى الحدث الإسلاميّ يجب أن نحسن توظيف المناهج الاجتماعية والمناهج التاريخية والمناهج الألسنية.

ويحمل محمد أركون على دراسات المستشرقين الأوروبيين عدم فهمها لحقائق المجتمعات الإسلامية، وذلك لأن دراسات هؤلاء تفتقر للمعايير السوسيولوجية والاقتصادية في تفسير ظاهرة التطرّف في العالم الإسلاميّ، مؤكّدا أنّ الأمر عائد إلى تخلّف منهجي وإبستيمولوجي.

وعلى الرغم من أنّ الوقائع التي يراها الغرب تدفع إلى إلصاق تهمة التطرف بالإسلام، لا سيما أعمال العنف التي تُرتكب باسم الإسلام في مصر والجزائر وغيرهما من الدول العربيّة، فإنّ أركون يدعو إلى عدم اتّهام الإسلام دينا، إذ ليست المشكلة في الدين وإنما المشكلة في من يتخفّون وراء عباءة الدين كي يبرروا أفعالهم وجرائمهم. ويوجّه أركون رسالة إلى الغربيين مفادها أنّ البعد الثقافي والحضاري مُتجذّر في الإسلام، وهو:"إن نام في سباته الآن، فإنه لا بد أن يعود ويستيقظ يوماً".[4]

من الذي شوّه الإسلام إذن؟ يرى أركون أنّ جزءا مهمّا من هذه الصورة المشوّهة مردّه إلى وسائل الإعلام الغربية التي لعبت دورا مهمّا في تشويه صورة الإسلام في الغرب وتقديمه في صورة نمطيّة مؤسفة.

أمّا من جهة نظر الإسلام إلى الآخر، فيرى محمد أركون أنّ تغيير المصطلح القرآني "أهل الكتاب" إلى المصطلح الأرحب "مجتمعات الكتاب" بات ضروريّا اليوم، فلا بدّ ألا يقف حكمنا على الآخر على الناحية اللاهوتية فقط،بل ينبغي أن يتجاوزه إلى الناحية تاريخية وأنثروبولوجية وبذلك تكون الدراسة أشمل وأدقّ، إذ يضم مجتمع الكتاب كل أديان الكتاب بما فيها الإسلام. ويعتبر المفكّر الجزائريّ أن استخدام هذا المصطلح يُتيح لنا دراسة الوحي الموجود في الأديان الثلاثة من ناحية لغوية ألسنيةعلى أساس أنه مكتوب بأحرف بشرية، فهو بذلك قابل للتأويل والتفسير وتنطبق عليه قوانين التفسير نفسها التي تنطبق على النصوص الأخرى.

رهانات المعنى وإرادات الهيمنة:

من القضايا التي يطرحها محمد أركون في كتابه مشكلة المعنى أو ما يصطلح على تسميته رهانات المعنى؛ فهو يرى أن كل فئة دينية أو فكرية- من علماء لاهوت وغيرهم- تدّعي لنفسها امتلاك المعنى الصحيح وتحاول فرضه على الناس العاديين بالقوة لا سيما إذا تعلّق الأمر بالمسائل الدينية اللاهوتية، وهذا ما يسميه بالأدلجة وهو يقول في ذلك: "نقصد بالأيديولوجيا هنا تلك الإرادة التعسفية لفئة ما أو حتىّ لقائد ما في نشر معناه أو قيمه لكي تشمل الجميع أو تسيطر على الجميع".[5]

وحاصل ذلك أنّ أركون يرى أنّ النصوص التأسيسيّة الكبرى؛ أي التوراة والإنجيل والقرآن تفسّر عبر المراحل المتلاحقة بتفسيرات مختلفة فكل جهة تفسّر النص الديني بتفسير يتناسب مع أفكارها وأهوائها ورغباتها. ويعطي مثالاً على ذلك قضيّة التعامل مع القرآن الكريم وتفسير مسألة الجهاد في عصرنا الراهن وما يقبع خلفها من خلفيات سياسية. يقول في ذلك:"لا أحد يفكرّ في موضعة القرآن ضمن سياقه التاريخي الأصلي في القرن السابع الميلادي، وهكذا انتقلنا من الإسلام التنزيهي المتعالي؛ أي الإسلام كدين إلى الإسلام المؤدلج بشكل كامل تقريبا ولكن عمليّات الأسطرة والتقديس والأدلجة(أي أدلجة الدين) ليست حكرا على المُجتمعات الإسلاميّة".[6]

ونتيجة لذلك يدعو محمد أركون إلى توظيف المنهج النقدي عند التعامل مع النصوص المقدّسة، لأنّ هذا المنهج كفيل بإنزال النصّ من حالته المُتعالية "الفوق تاريخية".

أ- أركون /برلكستاين:

لقد توفّرت فرصة لعب دور الوسيط الفكري بين الإسلام والغرب لمحمد أركون، باعتباره أستاذا زائرا في جامعة أمستردام من خلال حوار جمع بينه وبين رجل السياسة "فريتزبرلكستاين(BolkesteinFrits) زعيم الحزب الليبرالي الهولندي، حيث أثار نقاشهما المُوجّه عن الإسلام وعلاقاته بالغرب وضع المصطلحات الثلاثة التي يدور في فلكها هذا الكتاب، وهي الإسلام وأوروبا والغرب ووضعها في دائرة التحاور مع الآخر.

وقد عمد أركون من خلال إجاباته عن الأسئلة المطروحة من قبل برلكستاين إلى إخراج هذه المصطلحات من إطار التوظيف الإيديولوجيّ في محاولة منه لتقديم تصوّر مُقنع للغربيين عن الإسلام قوامه قراءة تاريخيّة واقعيّة بعيداً عن العصبيات الزائلة وبعيدا عن الفرضيات الإيديولوجيّة التي أساءت إلى الإسلام والمسلمين. ما من شكّ أنّ هذا الحوار كان فرصة ثمينة للتقارب بين الفكر الإسلاميّ والفكر الغربيّ من خلال أيقونتين بارزتين؛ أوّلهما في الفكر التنويري الممثّل للفكر الإسلامي المعاصر؛ أي محمد أركون والثاني رمز الحزب الليبرالي الهولندي فريتزبرلكستاين.

وقد حمي الحوار بين الرجلين حول قضايا الإسلام من جهة وحول علاقته بالغرب من جهة ثانية، فناقشا إشكاليات دقيقة مُختلفة منها العلمنة والحرية والديمقراطية والتعددية السياسية، وغير ذلك من المواضيع المعاصرة. واللافت أنّ أسئلة السياسيّ الهولندي بولكستاين، ارتكزت أساسا حول المقارنة بين الإسلام والغرب الليبرالي المُتحضّر وقد استفهم بدقّة ووضوح عن قضيّة رأى أنّها مركزيّة في فهم الفكر الإسلاميّ، وهي لماذا حصل التراجع الفكري والعلمي في الحضارة الإسلامية منذ العصر الكلاسيكي مروراً بما يسمى المرحلة القروسطيّة- أو مرحلة الازدهار العلمي- ووصولا إلى حدود المرحلة الراهنة؟ في حين تطوّرت أوروبا والغرب عموماً.

إنّ ما يشدّ إلى حوار أركون ورئيس الحزب الليبرالي الهولندي هو سعة ثقافة "بولكستاين"ومعرفته بالإسلام،وذلك من خلال طبيعة الأسئلة التي وجّهها لمحمد أركون إذ أنّ أسئلته المُوجّهة تبرز حنكته وذكاءه وبعضها أحرج أركون ودفعه إلى عدم الإدلاء بالإجابة المباشرة، مثلما نلحظ ذلك في الأسئلة السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة.

ففي السؤال السابع والثامن عن قصّة مجيء النبي إبراهيم إلى مكة المكرّمة الواردة في القرآن الكريم، وهل من الضروري على المسلم أن يعتقد فيها مع أن الدراسات التاريخية الحديثة تنفي حدوث ذلك وبعضها ينفي حتى وجود النبي إبراهيم لم يستطع بولكستاين أن يأخذ جواباً مباشراً وصريحا من أركون،لذلك كرّر عليه السؤال مرة أخرى سائلاً إياه عن اعتقاده الشخصي في المسألة طالبا منه أن يجيبه بنعم أو لا، وهو ما دفع أركون إلى الإحالة على ما سمّاه الفكر الثنوي للزعيم الهولنديّ ورفضه المنطق التعدّدي. وقد استغلّ أركون هذه النقطة لينبّه إلى تجذّر العلاقة الخلافيّة بين المسلمين وغيرهم من الأوروبيين والغربيين وليكشف أيضا عن قضيّة الآخر وطبيعة التعامل معه؛ فالمسلم في الدول العربية والإسلامية ينظر إلى الغرب نظرة عدائيّة مُقرّا في نفسه أنّ الغربيّ هو العدو الأوحد الذي وجبت مواجهته. وفي مقابل ذلك، ينظر الطرف الآخر للإسلام على أنه خطر على الغرب وأوروبا ويُوجّه دائرة الاتّهام إلى الحركات الإسلامية الأصولية كما ينعتها مُعتبرا إياها حركات إرهابية خطيرة يجب قمعها.

يلفت محمد أركون الانتباه إلى وجوب تغيير هذه النظرة السلبيّة وإعادة التفكير في مُصطلحات الإسلام/ أوروبا/ والغرب على أن تكون نظرتنا الجديدة لها نظرة نقدية وذلك كي نقدّم صورة أفضل عن الإسلام من جهة وعن الغرب من جهة أخرى مادام التصوّر السائد المُتبادل عن الإسلام والغرب ليس تصوراً موضوعياً، بل هو محكوم بالتراكمات الأيديولوجية لدى الطرفين.

وفي ردّه على بولكستاين حول ضرورة وُجود العلمنة في الإسلام حلّا ممكنا يميز محمد أركون بين العلمانية والعلمانوية أو بين ما يُسميه العلمانية المنفتحة وبين العلمانية المُنغلقة؛فالعلمانية التي يبحث عنها أركون هي العلمانيّة التي تنفتح على كل الثقافات والأديان والاتجاهات، وتقف منها موقفاً واحداً هو موقف الوسط. ويقول أركون عن العلمنة المنفتحة أنها:"تصبح بالمعنى الواسع والمنفتح للكلمة موقفاً حراً للروح أمام مشكلة المعرفة."[7] ولذلك، فهو ينتقد نظرة الغرب التحقيريّة للإسلامالتي مازال العرب يعاني منها إلى يوم الناس هذا، وهي النظرة التي يُسميها بالنظرة العلمانوية لا النظرة العلمانية.

وفي سؤال آخر حول إمكانية الإصلاح في الجانب الإسلامي،يرى "أركون" أنّ الإصلاح في المنظور اللاهوتي الديني هو مشروع أساسي يهدف إلى إصلاح الإنسان وتهذيبه، وذلك من أجل نيل مرضاة الله. وهنا يتحدث عن فكرة المهدوية، أو فكرة المُخلّص الموجودة في الأديان الثلاثة الكبرى، ويرى أنها ماانفكّت تلازم الإنسان حتىّ أصبح أكثر إيماناً وانتظاراً للمعجزة. ويرى أن جميع الأنبياء الذين تعاقبوا على التاريخأتوا من أجل أنهم مُصلحون،ويقول:"[8]

ويؤكّد أركون أنّ حركة الإصلاح التي ظهرت في القرن التاسع عشر مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وغيرهما من المصلحين أثّرت تأثيرا مهمّا في المثقّفين العرب، كما يلاحظ أنّ حركة الإصلاح هذه هي جواب المثقفين المسلمين على صدمة الحضارة وذلك إثر عمليات الإصلاح والتقدم التي حصلت في الغرب، لذلك يدعو "أركون" إلى زحزحة المشروعية الإسلامية وتفكيكها من الداخل من أجل وضع كونيّ بديل ويقول:"لا يمكن للمشروعية أن تكون حقيقية أو عادلة إلا إذا كانت نتاج العقل الحر؛ أي المستقل عن كل ولاء أو خضوع لهيئة أخرى تتجاوزه".[9] ويرى أنّ تأسيس مشروعية جديدة يستدعي إسقاط كل المشروعيات السابقة وحذفها مُلاحظاأنّ النظام الإسلامي لم ينتج حتى الآن أي بديل أو تعويض للمشروعيات السابقة، وهو لذلك يعتقد في ضرورة نقد العقل الإسلامي أكثر من أي وقت ويقول عن"نقد العقل الإسلامي":"إنه يفرض نفسه كمراجعة بطولية للماضي والحاضر على السواء".[10]

ب- محمد أركون / هاشم صالح:

خصّص المترجم هاشم صالح قسما في هذا الكتاب لمحاورة محمد أركون حول ما جاء في حواره مع الزعيم الهولاندي بولكستاين، لا سيما حول الإشكاليات التي ظلّت عالقة وتحتاج إلى شروح وتوضيحات مختلفة من المفكّر الجزائري محمد أركون. وقد اختارهاشم صالح هذا الأسلوب، ليواصل به الأسلوب الأصليّ في الكتاب، وهو الحوارات وليعوّض به طريقة الشروحات والهوامش. وقد ركّز هاشم صالح على انتقاد محمد أركون للمستشرقين والمراقبين الغربيين لعدم فهمهم لحقائق المجتمعات العربيّة الإسلاميّة ولانغلاقهم الإبستيمولوجي ونظرتهم الاستعلائيّة الموروثة منذ القرن التاسع عشر، وهو ما دعمه أركون مؤكّدا أنّ الأمر عائد في بعض جوانبه:"إلى تخلّف منهجيّ وإبستمولوجيّ." وجبت مُعالجته عن طريق" الإسلاميات التطبيقيّة بمعنى تطبيق منهجيات العلوم الإنسانيّة ومصطلحاتها على دراسة الإسلام عبر مراحل تاريخه الطويل".[11]

وقد دقّق أركون مسألة التفرقة بين اتّهام الدين الإسلامي ومسألة اتّهام الأوضاع والظروف التي يحياها المجتمع العربيّ الإسلاميّ معتبرا أنّ الخلل كامن في فهم الأوروبيين للمجتمعات الإسلاميّة، وهو فهم يشوبه الكثير من الجهل والخلط لذلك:"ينبغي علينا أن نلفت انتباه الأوروبيين إلى البعد الثقافي والفكريّ العميق، لأنّ هذا البعد موجود في تاريخ الإسلام والمجتمعات العربيّة والإسلاميّة."[12]

وقد وقف محمد أركون من برنارد لويس(Bernard Lewis) الذي اعتمده بولكستان مرجعيّة ضخمة عن الإسلام موقفا نقديّا، لأنّه منهجيّا لا يزال من أبناء القرن التاسع عشر على حدّ قوله؛ فهو لا يطرح على المجتمعات الإسلاميّة تلك الأسئلة التي يطرحها علم الاجتماع التاريخيّ، وهو ما يعني ضمنا أنّه من أتباع التاريخ الراوي الوصفيّ السرديّ. ويشير أركون إلى أنّ هذا المنهج هو الطاغي على الدراسات الاستشراقيّة الكلاسيكيّة،رغم أنّ بعض شباب الاستشراق بدأ في طرح أسئلة جديدة، مثل المستشرق الأمريكيّ وأستاذ جامعة كولومبيا ريتشارد بوليتش (Richard Bullich).

يعرّج أركون بعد ذلك على مسألة خلق القرآن عند المعتزلة، وكيف تمّ وأد مشروعها بأثر من السلطة السياسيّة التي أباحت دماءهم وطاردتهم. مؤكّدا أنّ فرضيّة المعتزلة عن اللغة البشريّة المستعملة في القرآن كانت مهمّة، لأنّها قالت بأنّ:"القرآن متجسّد في لغة بشريّة وحروف عربيّة. وبالتالي فينبغي أن نستخدم كلّ مصادر فقه اللغة العربيّة وإدراك أسرارها البيانيّة من أجل فهمه وتفسيره والتوصّل إلى المقاصد الإلهيّة المعبّرعنها في نصّ قيل بلغة بشريّة. وإذن، فإنّ نظريّة خلق القرآن لها انعكاسات مباشرة على تفسير القرآن أو ما ندعوه الآن في علم الأديان بالتأويل L’herméneutique)". [13)]

الترجمة ومستقبل الفكر العربيّ:

هو مقال للباحث والمترجم هاشم صالح قدّم بمناسبة ندوة عن الترجمة بتاريخ 12-15 آب 1992. وفيه يتناول قضيّة الترجمة وضرورتها لنهضة الأمّة العربيّة مقترحا حلولا عمليّة لمعالجة النقص في الترجمة العربيّة من خلال مشروع شبيه بحركة الترجمة في العصر الكلاسيكي التي ترجم فيها العرب نصوص اليونان فلسفةً وعلوما وطبّا على أن تشمل هذه الترجمة أقساما رئيسة ثلاثة هي:

-ترجمة الثورة اللاهوتيّة.

-ترجمة الثورة الإبستيمولوجيّة.

-ترجمة انطلاقة الفلسفة والعلوم الإنسانيّة.


[1]- محمد أركون (ت 14 سبتمبر2010)مفكر وباحث أكاديمي ومؤرخ جزائري راحل.

ولد عام 1928في بلدة تاوريرت ميمونآث يني الأمازيغية بالجزائر، وانتقل مع عائلته إلى بلدة عين الأربعاء من ولاية عين تموشنت،حيث درس دراسته الابتدائية بها. ثم واصل دراسته الثانوية في وهران لدى الآباء البيض،يذكر أركون أنه نشأ في عائلة فقيرة، وكان والده يملك متجراً صغيراً في قرية اسمها (عين الأربعاء) شرق وهران، فاضطر ابنه محمد أن ينتقل مع أبيه، وممّا يرويه أركون أنّ هذه القرية التي انتقل إليها كانت قرية غنية بالمستوطنين الفرنسيين، وأنه عاش فيها "صدمة ثقافية"، ولما انتقل إلى هناك درس في مدرسة الآباء البيض التبشيرية. ثم درس الأدب العربي والقانون والفلسفة والجغرافيا بجامعة الجزائر ثم بتدخل من المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون (Louis Massignon) قام بإعداد التبريز في اللغة والآداب العربية في جامعة السوربون في باريس.ثم اهتم بفكر المؤرخ والفيلسوف ابن مسكويه الذي كان موضوع أطروحته.فارق الحياة في 14 سبتمبر 2010م عن عمر ناهز 82 عاما بعد معاناة مع المرض في العاصمة الفرنسية ودفن بالمغرب.

من أهمّ أعماله:

-الفكر العربي

-الإسلام: أصالة وممارسة

-تاريخية الفكر العربي الإسلامي أو "نقد العقل الإسلامي"

-الفكر الإسلامي: قراءة علمية

-الإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة.

-نزعة الأنسنة في الفكر العربي

-قضايا في نقد العقل الديني. كيف نفهم الإسلام اليوم؟

-الفكر الأصولي واستحالة التأصيل. نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي

لمزيد من التوسّع انظر:

http://ar.wikipedia.org/wiki/محمد أركون

[2]- محمد أركون: الإسلام أوروبا الغرب رهانات المعنى وإرادات الهيمنة، نشر دار الساقي، لندن، ط2، 2001

[3]- يرى أركون أنّ عليه القيام بدور الوسيط بين الطرفين الإسلام من جهة والغرب وأوروبا من جهة أخرى، وهو يقول في مقدمة الكتاب العربية " النظرة العدائية متبادلة من كلي الطرفين، ولذا فإن الحاجة أصبحت ملحة لمراجعة الأمور نقدياً وتصحيح المنظورات واستكشاف الآفاق المحتملة ". (الكتاب ص13)

[4]- محمد أركون: الإسلام أوروبا الغرب رهانات المعنى وإرادات الهيمنة، سبق ذكره، ص22-23

[5]- نفسه، ص24

[6]- نفسه، ص27

[7]- نفسه، ص44

[8]- نفسه، ص56

[9]- نفسه، ص 61

[10]- نفسه، ص112

[11]- نفسه، ص178

[12]- نفسه، ص179

[13]- نفسه، ص188