ما وراء الاعتقاد والانتقاد عند ابن عربي: وجهة نظر عرفانية حوارية


فئة :  أبحاث محكمة

ما وراء الاعتقاد والانتقاد عند ابن عربي: وجهة نظر عرفانية حوارية

الملخص:

على الرغم من أن الاعتقاد في الله، مفتوح على الاختلاف الجذري والأصيل في نشأته الروحية والمعرفية، ومعروض في الدين على الاختيار الإنساني، وعلى الحوار البدئي الذي افتتح به الوجود، إلا أن أصحاب العقائد في الله، إثباتًا ونفيًا، أبوا إلا أن يحولوا المعتقدات من حقل التجربة الروحية والحوار المعرفي، إلى حقل السلطة الجبرية على الله وعلى الناس، وذلك بإخراجهم الاعتقاد من الدوائر المفتوحة للحريات والحقوق والاختيارات الفردية، إلى الدائرة المغلقة لمؤسسات الوصاية والرقابة والعقاب، والتي أقامت الاعتقاد على قواعد الإكراه الديني، والإلزام الاجتماعي، والهيمنة الإيديولوجية، والسيطرة السياسية.

هذا الانقلاب في الاعتقاد من الدين الإلهي المفتوح والمعروض، إلى التدين الاجتماعي المغلق والمفروض، فرض على الدين عمومًا أن يصبح جزءًا من مكونات الهوية الاجتماعية، وأن يتشكل وفق خصائص الاجتماع البشري، وأن ينغمر في المخاصمات والمنازعات والصدامات التي ضيقت فسحته الجذرية وسِعَتِه الأصيلة للجميع، وأن يصير موضوعه هو إله المُعْتَقَد؛ أي الإله المَحَلِّي الضيق الذي تمسكه قبضة الهويات، وتأسره قيود المعتقدات.

إن هذه الفسحة الدينية المنسية في أصول الاعتقاد في الله مطلقًا، نفيًا وإثباتًا، التي وراء طور الاعتقاد والانتقاد، هي ما يروم هذا البحث تحريره، على مشرب العرفان الإسلامي عند الصوفي ابن عربي، في مسعاه إلى تسريح الحق من قيود المعتقدات، وافتكاكه من أسر سدنة المعابد، بتفكيك هذا الصَّوفي وثوقيات الاعتقاد والانتقاد معًا، واختراقه للتسييجات والأبنية العقدية الضيقة الحاجرة، والحاجبة للحقّ المطلَق وراء القيود المعقودة على صوره المختلفة، وأوجهه الكثيرة التي عُرف فيها، ولا تمسكه أو تحيط به أو يقع في قبضتها، وإلا لم يكن عزيزًا ومنيعًا وواسعًا.

لقد كشفت التجربة العرفانية في تجلياتها الإسلامية عن وحدة الأضداد في البنية الحوارية للإيمان، والتي هي على صورة البنية الحوارية البدئية والأصيلة للأسماء الإلهية الجامعة بين الأضداد، وبها يُرحم الناس من ضيق المعتقدات وقيودها على الحق وعلى الخلق؛ إذ إن كلًّا من الإيمان والإلحاد، أو الاعتقاد والانتقاد، موضوعهم الشؤون الإلهية المختلِفة والمختلَف فيها، وهي موضوع معرفة وتجربة واختبار وبلوى، لا علاقة لها بأية وصاية بشرية، فهذه الشؤون الإلهية، على أصلها، بمعزل عن أية إرادة للهيمنة تُفْقِدُها جوهرها الاختباري والاختياري الذي هو حرية، خارج كل القبضات بما فيها قبضة الاعتقاد نفسه.

ويبدو أن فتح هذه الصفحات العرفانية المشرقة في تراث المسلمين، والتي تنادي من أعماق الوجدان الإنساني بالتسامح والحرية والحق في الاختلاف، ونبذ نزعات العنف والتطرف، ونزغات التسلط والعدوان، مناسِبٌ لوقتنا في تذكير الأوصياء على الحق، والوكلاء على الناس، وسدنة المعابد؛ بأن الإيمان والطغيان لا يجتمعان أبدًا؛ إذ إنَّ حمل الناس بالعنف والإكراه على الاعتقاد، وترتيب محاسبة دنيوية عليه، مضاد لأصول الاعتقاد والإيمان، ومناقض للتجربة الروحية القائمة أصالة على الاختلاف، والحرية، والاتساع للجميع، بما في ذلك الاتساع لمُسَمَّى الإلحاد نفسه: حيث هو اعتقاد من بين الاعتقادات القائمة والممكنة، وقول في الله من بين أقوال كثيرة متسعة للحق وجدانًا وفقدانًا.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا