تثوير القرآن وتفجير معانيه


فئة :  أبحاث محكمة

تثوير القرآن وتفجير معانيه

ملخص:

تسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن الدلالة الدينامية الإنتاجية والتوليدية اللانهائية التي تتضمنها أفعال القراءة والفهم في النص الثقافي العربي القديم، تلك الدلالة التي تثبت أن النص والقارئ لا يُعْقَل أحدهما دون الآخر، فهما يتحددان من بنيتهما القصدية ووضعيتهما التضايفية، وليس من أعيانهما المجردة والمعزولة، فكلاهما في هذه البنية والوضعية طالب ومطلوب، وقاصد ومقصود وقارئ ومقروء، يتبادلان الأدوار ويتفاعلان ويتعاونان على بناء الفهم وإحداث الأثر المسمى معنى، ومن ثمة فإن طلب المعنى والحقيقة هو سيرورة مُسَرَّحة في الزمان، ومفتوحة على كل احتمال وإمكان، لتعدد التضايفات بين النصوص وقرائها المختلفين في قوابلهم واستعداداتهم وأنفاسهم وأوقاتهم وأزمنتهم، وهذه التضايفات هي ما ندعوه في التجربة القرائية باندماج الآفاق، والذي بدونه لا يتعين أو يتحقق حدث الفهم، وإليه الإشارة في قول الصوفي ابن عربي عن التضايفات والتعلقات: "مَن أرَدْتَ الوصول إليه لمْ تصل إليه إلا به وبك، بك من حيث طلبك، وبه لأنه موضع قصدك"، ففي البنية القصدية والوضعية التضايفية، يظهر المعنى المطلوب بوصفه أثرا عن حركة تحريرية تخارجية مزدوجة بين النص والقارئ.

لهذا لم تَعتبر الدراسة سؤال القراءة والفهم سؤالا في المنهج والطريقة والقواعد والأبنية والضوابط والتقنيات (لأن سؤال المنهج والآلة في القراءة خاصية خارجانية عن حدث القراءة والفهم)، بل سؤالا في الوجود القرائي نفسه المنسي في هذه الحدود والخطاطات والرسوم، فعلى قدر ما أظهرته مناهج القراءة وتقنيات الفهم من قدرة مدهشة على الوساطة بين القراء والنصوص، وحماية المعنى "المُراد" من الاندثار والضياع والهدر، وحراسة الفهم "المُستقِر" من سوء الفهم، بقدر ما أخفته من رغبة في سدانة وحجابة النصوص، ومن إرادة التحكم في حدث الفهم والقراءة، أي من نزوع قوي نحو الوصاية على العلاقة المباشرة الحية بين النص والقارئ، الأمر الذي ينتهي بالتجربة التحريرية للقراءة والفهم والمفتوحة على الاختلاف وعلى التحول وعلى المجهول، إلى التواري خلف القيود الثقيلة لضوابط القراءة المنهجية والمذهبية، ولقواعد الفهم الصحيح والسليم، ولمرجعيات المعرفة النمطية والنموذجية، التي تحولت جميعها من جسور مفتوحة وقنوات عابرة، إلى سدود وحواجز للمنع والحجب.

وإذ تشتغل الدراسة على تفكيك هذا الإرث الثقيل المانع من الفهم والقراءة المتجددين، والحاجب للنصوص وللقراء معا، فإنها تنجز ذلك لحساب النص والقارئ معا، منظورا إليهما في تَناصِّهِما وتَقارُئِهِما وتَشارُحِهِما، انطلاقا من إعادة استئناف الحوار الذي افتتحه التراث في قضايا العلم والفهم، والتنزيل والتأويل، والرواية والدراية، والنقل والإبداع، والتحجير والتفجير، ووفق شروطنا التاريخية وأفقنا الحاضر، إذ أحكام الوقت جارية على الفهم، لأن القابلية والاستعداد هي حسب الأوقات والأزمنة، فاندرجت الصيرورة الزمنية في تشكيل الفهم والمعنى، "والحكم للوقت لأنه لا يُعطي إلا بحسب القابل، فالقبول وقته، حتى يجري الأمور على الحكمة". الحُكم للوقت هو ما نحن فيه هنا والآن، والوقت يعطي النصوص التراثية حقائقها فينا، من أفق قابلية العصر واستعداده لاستيعاب أفضل لندائها في التركيب اللغوي لتجربتنا الموسعة عن العالَم، وهذه التجربة تكشف عن الفهم المزدوج والمتبادل بين النص والقارئ (تفاهمهما)، كما تكشف عن التعديل المستمر والتوسيع المتواصل لبنى الإلقاء والتلقي غير المحصورة في زمان دون غيره أو المقصورة على جيل دون جيل.

ولأن القراءة مندرجة في مسار تكوين النص وتوليده الدائم، والفهم مشروع حوار متواصل لا ينقطع، واللغة مسكن الوجود وفيها تتقرر لعبة التكوين والتوليد، فإن الدراسة آثرت خوض هذه اللعبة اللغوية بكل الجدية اللازمة، منصتة للحوار الدائر بين التباسات اللغة وعتمة الوجود.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا