مواطنات ثم سبايا ثم ناجيات : الجسد الأيزيدي


فئة :  مقالات

مواطنات ثم سبايا ثم ناجيات :  الجسد الأيزيدي

مواطنات ثم سبايا ثم ناجيات[1]:

الجسد الأيزيدي[2]

الجسد الأيزيدي: هل هو مختلف؟

لن ندعي البراءة ونبالغ في إظهار الفزع من الكيفية التي تُنتهك بها أجساد النساء في الحروب الأهلية والصراعات الطائفية أو الحدودية أو العرقية؛ فقد حدث كل هذا من قبل في كوسوفو وكشمير وجنوب السودان وأنحاء شتى من القارة الأفريقية. وفي هذا السياق، لابد أن نتذكر "نساء الراحة" في الحرب العالمية الثانية، حيث كان الجسد النسائي يُغتصب وينتهك ويُباع من أجل كسر الإرادة الوطنية عبر امتلاك جسد المرأة، وذلك على أساس أن جسد المرأة يُماثل جسد الوطن، وشرفها هو من شرف الوطن، مما يُحول السيطرة على جسدها إلى سيطرة على إرادة الوطن، إذ إنها في النهاية جزء من ملكية رجال الوطن، وتابع لهم. وقد اشتبكت النظرية النسوية كثيرا مع هذه الرؤية، إلا أن الأمر الذي لا نختلف عليه هو سقوط النساء ضحية للعنف المتبادل بين طرفي حرب أو نزاع لم يشاركن في تأجيجها. كما أن ميدان الحرب يُعد الفضاء الذي يظهر فيه حدة عدم التوازن بين علاقات الجندر، فإذا النساء كن يُعتبرن جزءا من ملكية الرجال في أوقات السلم، فسوف يتم اعتبارهن كذلك في أوقات الحرب[3].

لكن القرن الحادي والعشرين لم يأت بحروب ونزاعات مماثلة، وإن كانت هكذا شكليا، إذ إن جوهر الصراع يبدو لي مختلفا؛ فهو صراع وُلد من رحم خطاب يميني جذري، يسعي إلى تأسيس سلطة السماء على الأرض، سلطة الدين، لكنه ليس الدين الذي نستخدمه لنستعين على الحياة وليمر يومنا في سلام، بل هو خطاب يقوم على أساس الترويع والترهيب (راجع كتاب أبو بكر الناجي "الدولة المتوحشة"[4]) وهو خطاب سلطوي دموي نتج عن تضافر عدة عوامل- لا مكان لذكرها الآن- لكن الأساس أنه بالغ في وحشيته فيما يتعلق بالآخر المختلف: أي الأغيار الذين يتغير اسمهم طبقا للمكان، فهم أحيانا الكفار أو الصليبيون أو الوثنيون. خطاب تعتمد قوته على ثلاث ركائز: امتلاك السلاح والدين والنساء، والأهم أنه لا يعتمد على عرق بعينه في تشكيل أفراده، بل هو يرحب بكل الأعراق طالما اعتنقت مبادئ الآلة الوحشية. ومن البداية، ظهر الاسم صادما: تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، ومع الوقت تحول إلى "تنظيم الدولة الإسلامية" لانتشاره في العالم العربي وأوروبا. هو تنظيم كالأممية؛ إذ ينهل قوته من سيولة الحدود وحركة الأفكار ورأس المال. أممية لها نفس سمات الشركات العابرة للقارات، والتي هي نتاج العولمة. فترتحل فكرة الجهاد بسهولة عبر الحدود والقوميات والجنسيات واللغات ووسائل التكنولوجيا[5] التي وفرت أسرع سبل لنشر الأفكار وإنشاء الحملات العابرة للحدود، بل إنها أسست وكالات صحفية، وهي وكالة "أعماق"، وأصدرت مجلة بعنوان "دابق". هي أممية، وتصطحب معها السلاح في يد، ورأس المال في يد أخرى (سواء كان نفطا أم منقولات عينية أم نساء بوصفهن سلعة تباع في سوق النخاسة). إنها الحداثة على اتساعها كما وصفها من قبل أرجون أبادوراي، لكنها حداثة معكوسة.

وكما صعدت تجارة البشر مع العولمة، انتهجت هذه الأممية الجديدة نفس التجارة، وإن كان المسمى جاء أكثر مباشرة "سبي النساء"، وهو لا يختلف كثيرا عن تجارة البشر. لماذا الفزع، وهي تجارة سائدة؟ هل لأنها جاءت باسم الدين؟ إذن هي المسميات- جزء من الشكليات- التي تفزعنا وليس المبدأ؟ تتجه تجارة البشر بشكل عام نحو الأضعف، الأفقر، الأصغر، المنبوذ، الهامشي، تتجه نحو كل من لا يستند على قوة السائدة، قوة الأغلبية؛ أي كل من هو منتمٍ للأقلية. ومن سمات مفهوم الأقلية، أنه مفهوم مصنوع، تم تشكيله مسبقا، يتم إنتاجه في ظل الظروف الخاصة بكل أمة. وفي تفنيذه لدلالات مفهوم الأقلية، يقول الباحث الهندي أرجون أبادوراي، إن الأقليات غالبا:

(ما تحمل الذكريات غير المرغوب فيها لأحداث العنف التي أنتجت الدول القائمة.... إضافة إلى ذلك، فهي تذكر بفشل مشاريع مختلفة للدولة (الاشتراكية والتقدمية والرأسمالية) وتنموية أو رأسمالية)، بما أنها تمثل مجموعة محتجين ضعفاء ضد امتيازات الحكومة واستنزافها للموارد، ومطالبين بالموارد القومية التي هي موضوع نزاع شديد، وهي بالتالي رمز الفشل وممارسات الإكراه والقسر، وهي وصمة عار في صورة النقاء الوطني وعدالة الدولة التي تقوم الدولة بترويجها. هي إذن، كبش فداء بالمعني الكلاسيكي).[6]

من خلال هذا المنظور، يُمكننا النظر إلى موقع النساء الأيزيديات اللواتي وقعن في قبضة تنظيم الدولة بوصفهن "سبايا حرب" بداية من عام 2014. في النواح والعويل على ما وقع لهؤلاء النساء، كان الجميع يتساءل عن هويتهن. بالطبع أول ما يسم الأقلية هو غياب المعلومات عنها. تسكن الأقلية الأيزيدية في جبل سنجار في العراق والموصل وفي سوريا، وبالرغم من أنهم جزء من الأكراد إلا أن ديانتهم حولتهم إلى عرقية منفصلة. تعرض الأيزيديون عبر التاريخ إلى 72 عملية إبادة استهدفتهم لأسباب دينية واقتصادية، كان آخرها عام 2007. فكانت من أهم الفتاوى التي أباحت قتال الأيزيديين فتوى أحمد بن حنبل في القرن التاسع وأبي الليث السمرقندي والمسعودي والعمادي وعبد الله الربتكي (توفي عام 1159)[7]. وفي مقال عنوانه "إحياء العبودية" في مجلة "دابق" التي تصدر باللغة الإنجليزية، أقر التنظيم أن الأيزيديين هم طائفة مرتدة تعبد الشيطان، ومن المباح قتلهم أو أسرهم، كما أنهم غير مؤهلين للحماية التي تحصل عليها القبائل الإسلامية أو المسيحية. وبالتالي، "يُمكن سبي نسائهم" ويتم إنذارهم "إما التوبة أو الموت"[8]. وتشير التقارير إلى أنه قد تم قتل حوالي 5000 رجلا، وتم خطف 7000 امرأة ومعهم أطفال، وذلك أثناء اجتياح التنظيم لجبل سنجار بالعراق.

أما النساء المختطفات، فقد تم منح اللواتي قبلن الدخول في الإسلام معاملة تفضيلية، حيث تحولن إلى زوجات للمقاتلين بشرط مراقبة إسلامهن. أما اللواتي رفضن الدخول في الإسلام، فقد اعتبرن ملك يمين وأرسلن إلى الموصل في العراق والرقة في سوريا، ليتم بيعهن في سوق النخاسة [9]. وقد أدى هذا الهجوم إلى تحويل الأيزيديين وكافة الأقليات إلى لاجئين في تركيا وكردستان العراق[10]. نجحت بعض النساء الأيزيديات المختطفات في الهرب من معسكرات التنظيم، ومن هنا ظهرت شهاداتهن التي تبارت الصحف الأجنبية والمواقع والوكالات في نشرها، حتى ما وصل إلى الصحف العربية كان مترجما عن مواقع غربية.

وكان أول تعرفنا على هذه الأقلية، جاء من خلال الصوت، صوت شهادات النساء الأيزيديات: السبايا الأقلية الناجيات. ومن هنا تظهر المفارقة التراجيدية، فقد اختار الأيزيديون العزلة والتقوقع على الذات منذ زمن طويل بسبب حملات الإبادة الكثيرة، حتى أن وجودهم كطائفة لم يكن معروفا، بمعنى أن الطائفة لم تكن أبدا لاعبا سياسيا أو طرفا في أية منظومة علاقات قوية. وبسبب صعود أممية التنظيم ورغبتها في إرساء أيديولوجيتها عادت الطائفة الأيزيدية للظهور بوصفها أقلية. فمن ناحية، تحولت الطائفة إلى وسيلة في يد داعش لتعلن خطابها على الملأ، ومن ناحية أخرى تحولت الأفعال الوحشية المرتكبة ضد نسائها إلى وسيلة في يد المجتمع الدولي لإثبات وحشية داعش.

تحاول هذه الورقة الإجابة عن عدة أسئلة محورية: ما هو المنهج الذي يُمكن أن نفسر به ما يحدث للنساء الأيزيديات (ومثلهن تقريبا المسيحيات على يد بوكو حرام)؟ ما هو شكل المقاومة التي نتجت عن هذا الانتهاك؟ هل يمكن اعتبار الشهادة صوتا مقاوما؟ ناشطا سياسيا؟ ما هو وضع جسد الأقلية في منظومة الخطاب المعرفي الذي يواجه خطاب تنظيم الدولة؟

دلالات انتهاك الجسد الأيزيدي

أول ما يتبادر إلى الذهن هو نظرية فوكو عن النظام والعقاب؛ فقد تميزت نظرياته في حقل دراسات ما بعد البنيوية؛ لأنه اعتبر أن الجسد هو الهدف المباشر للسلطة، وهو الأمر الذي جعل دراساته في مجملها ذات فائدة كبيرة لحقل الدراسات النسوية، إلا أن نظرية فوكو لا تخلو من الإشكاليات، ليس فقط من وجهة نظر الدراسات النسوية، ولكن أيضا عندما نبدأ في تطبيقها على حياتنا اليومية في العالم العربي، حيث غدا من الطبيعي أن يخضع جسد الرجل للتعذيب الذي غالبا ما يُفضي إلى الموت، ويخضع جسد المرأة للتحرش والاغتصاب من أجل إلحاق الذل والعار بها، باعتبار جسدها مباحا طالما لا يقع في ملكية رجل أو دولة (مثل جسد الأقلية). يري فوكو أن المجتمعات البدائية، ما قبل الحديثة، هي التي كانت تُخضع الجسد لسلطتها بالقوة. أما السلطة الحديثة، فإنها تُخضع الجسد وتُوظف عناصره وحركاته وسلوكه لتنتج جسدا يحمل ذاتية ووعيا بهذه الذاتية، مما يجعلها تلتزم بالقوانين والأعراف، ومن هنا يكون أي سلوك مغاير لهذه القوانين بمثابة شذوذ عن القاعدة، بمعنى أن السلطة تنتج معرفة، وبقدر ما تكون الذات هي نتاج للسلطة، فإنها أيضا تعيد تدوير هذه السلطة عبر تطبيع قوانينها[11].

لكن إذا كانت السلطة تنتج أجسادا مطيعة عبر نظام التأديب والمراقبة المؤسسية، فكيف يُمكن فهم تأكيد فوكو أن السلطة تنتج بشكل تلقائي مقاومة[12]. إن القول إن السلطة تنتج معرفة يلغي تماما إمكانية ظهور المقاومة، وهو استنتاج يؤثر سلبا على حقل الدراسات النسوية التي تعتمد في انطلاقها على مقاومة خضوع الجسد والذات للسلطة. وعليه، فإن فرضية تآلف الجسد والذات مع السلطة أثارت العديد من الاعتراضات الإشكالية في الدراسات النسوية؛ فقد ارتأت نانسي فريزر أن هذه الفرضية تقوض فكرة السلطة المصحوبة بالمقاومة التي نادى بها فوكو. والدليل أن الجسد المجندر الخاضع للسلطة ولمراقبتها لا يتحول إلى جسد مطيع بالضرورة، بل إنه يقاوم لوعيه بذاتيته. كما انتقدت فريزر رفض فوكو التمييز بين أشكال السلطة المقبولة، وتلك المرفوضة، واعتبرت أن هذا في حد ذاته يعني أنه لا يمكنه الإجابة عن أسئلة جوهرية متعلقة بضرورة مقاومة السلطة، بمعنى آخر، ترفض فريزر موقف فوكو المحايد تجاه السلطة.[13]

من الصعب إذن تبني موقف فوكو، فما وقع للجسد الأيزيدي والمقاومة التي مارسها لتحويله إلى جسد "مطيع" تؤكد وجود مقاومة ناتجة عن الوعي بالذات في مواجهة نظام استبدادي؛ لنأخذ مثالا من شهادة روبا (28 عاما) التي قضت عشرة أشهر في قبضة التنظيم:

(أخذونا إلى الرقة في سوريا. وفي إحدى الليالي، حاولت تسع فتيات الهرب؛ فقد ربطن ملابسهن معا وصنعن منها حبلا وهربن من النافذة. إلا أن مقاتلي التنظيم وجدوهن وأعادوهن. ضربونا جميعا؛ لأننا لم نذكر شيئا عن محاولة الهرب. كنت نائمة عندما دخلوا وعاقبونا جميعا بالجلد. كنا سبعين فتاة، وضعونا جميعا في غرفة كبيرة وأغلقوا الباب، ولم يقدموا لنا مياها حتى اليوم التالي. ثم نقلونا بعد ذلك إلى مبنى آخر، مكتوب على واجهته شيء من قبيل "مكان البيع"، وتم بيعي هناك لرجل سعودي عمره 40 عاما. طلب مني أن أتزوجه، وعندما رفضت قال إنه سيعاقبني بالأدوات الموضوعة على المنضدة: سكين، بندقية، حبل. لكن إذا تزوجته سيعاملني باحترام، بما أنه سيضاجعني. رفضت ورفضت ورفضت. تم بيعي مرة أخرى، وقالوا لي إنه من الأفضل أن أنتحر. ضربوني وضربوا ابنة أختي البالغة من العمر ثلاثة أعوام. تم بيعي للمرة الثالثة، لرجل أراد أن يتزوجني ويضاجعني، رفضت بكل طاقتي، فقام بضربي وضرب ابنة أختي. حاول أن يغتصبني وعندما فشل قام ببيعي).[14]

هي المقاومة بقدر ما هو مُتاح، وهو ما ينفي نظرية فوكو من العلاقة التطبيعية بين الجسد والسلطة. يبدو جسد روبا الأيزيدية متمردا، غير مطيع، يرفض الدخول في المنظومة العقابية. هو مصدر إنهاك للسلطة إذن، وليس مصدر معرفة.

من المهم أيضا، أن نسوق بعض التفسيرات التي توظفها الدراسات الغربية لما وقع للنساء الأيزيديات، حيث تعمد معظم تلك الدراسات إلى التأكيد على التطرف السني الإسلامي الكامن في أيديولوجيا التنظيم، وبالتالي يتم وضع المرأة في مكانة دونية تسمح بإحياء فكرة السبي. في رسالة ماجستير على سبيل المثال عن تنظيمي داعش وبوكو حرام، تم عرض كل الأفكار المتعلقة بالنساء، والتي وردت في مجلة "دابق"، وخلصت الباحثة إلى عدة نتائج، واحدة منها أن كل هذه التبريرات المتسلحة بالعباءة الشرعية، إنما تهدف إلى السيطرة على النساء اجتماعيا عبر ترسيخ قوة المنظومة الذكورية، والبنى الاجتماعية المرتكزة عليها. تقول الباحثة إنها "شهوة السيطرة". أما النتيجة النهائية للبحث، فهي أن ما وقع للنساء الأيزيديات إنما يهدف إلى الإبادة العرقية لتلك الأقلية الدينية[15].

من السهل بالطبع، اعتماد هذه التفسيرات؛ فالتنظيم هو قوة مسلحة، تعتمد علي خطاب ديني يجعل المرأة متاعا للرجل. وقد كان ذلك معلنا طوال الوقت على موقع التنظيم، حيث عملت كتيبة الخنساء على تسويق الفكرة التي تجعل من المرأة متاعا للرجل، وملكا له في مواجهة صريحة ومناقضة لوضع النساء في الرأسمالية الأوروبية التي تعملقت فتساوت فيها الحقوق. لكن إذا نظرنا إلى الفرضية التي جاءت في بداية الورقة من كون التنظيم يمثل أممية ناتجة عن العولمة وكرد فعل تجاهها، فلابد أن ننظر لجسد الأيزيديات بوصفه جسد الأقلية الذي يعبر عن أحد جوانب فشل العلاقة بين المشروع الوطني والعولمة، ويُشكل وجبة ملائمة لعلاج قلق عدم الاكتمال، ومن هنا يقع هذا الجسد في براثن الهويات المفترسة. يُجسد جسد الأقلية كل المخاوف المجردة من العولمة ويحولها إلى حقيقة مادية. يحقق الجسد الأيزيدي هدفا مزدوجا للتنظيم، فهو يسمح له بتشكل الأنا بشكل قوي عبر إبادة الآخر أو امتلاكه، ومن ناحية أخرى يسمح بالتخلص من كل المخاوف المجردة من العولمة؛ فالعولمة تشعل فتيل هذا الارتياب حول الحد الفاصل بين الـ "نحن" و"الآخر" وتقوض حدود الدولة - الأمة ونفوذها. يحول جسد الأقلية الحدود بين "نحن" و"هم" إلى منطقة غائمة، غير واضحة، فكان لابد من التخلص منه، إنها الخشية من الأعداد الصغيرة. ويؤكد أبادوراي "إن عملية الآخرين الجمعيين أو ما ينتسب إليهم شرط ضروري لرسم حدود وديناميات الـ "نحن" من خلال ديناميات التنميط ومقارنة الهويات"[16]. يطرح سعد سلوم سؤالا مربكا يحمل أصداء رأي أبادوراي:

للأيزيدي والأيزيدية صورة قلقة تجذب شتى الاتهامات، وتثير الغموض غير المريح لجماعة تعيش خارج التاريخ أو داخل عالم الخرافة، فهل تفسر هذه الصورة تجنب المثقفين والباحثين العراقيين تناول الاستهداف المتكرر والانتهازي للأيزيديین في بغداد بالإدانة؟ وتفسر عدم رغبة السلطات في تحريك تحقيق جدي حول الجهة التي تقف وراء حالات الاستهداف؟ وهل يفسر أيضا صمت المؤسسة الدينية عن إدانة هذا الاستهداف؟ إنها أسئلة محيرة تضع تقبلنا للآخر المختلف في خانة الإدانة.[17]

عندما تحول العنف ضد جسد الأيزيديات إذن إلى وسيلة لتأكيد الهوية الإسلامية الأممية، كان نبذ هذا الجسد وتسليط الضوء على ما يجب أن يعانيه ضروريا للحفاظ على النقاء الإسلامي من التلوث الذي يسببه الآخر الكافر. لقد سمح وجود الأقلية الأيزيدية بتشكيل ما يُسمى الهوية المفترسة "التي يتطلب بناؤها وتنظيمها الاجتماعي فناء فئات اجتماعية أخرى قريبة منها، تم تحديدها على أنها تمثل تهديدا لمجموعة الـ "نحن". بمعنى آخر، لابد أن يكون هناك تباين بين الهويتين، وتتحول واحدة منهما إلى "مفترسة" عبر "تعبئة تعريف لنفسها على أنها أغلبية مهددة"[18]. تسرد مراهقة أيزيدية نجحت في الهرب من قبضة داعش بعد أن قُتل الرجل الذي كان قد اشتراها، ما وقع لها وأختها البالغة من العمر عشر سنوات: "حيث تم نقلهنّ من سنجار إلى الرقة، عاصمة "تنظيم داعش"، ليتمّ هناك فحصها مع عشرات الفتيات والنسوة الأخريات للتأكد من عذريتهنّ. تم إدخالها مع العذراوات الأخريات إلى غرفة يتواجد فيها أربعون رجلًا ليختاروا منهنّ، فيما يبدو مزادًا من نوع خاص، وهناك اعتبرت أنها ربما تكون محظوظة؛ لأنها "لم تكن جميلة بقدر الأخريات"، لكن في ظرف 10 دقائق كان قد تم شراؤها هي وأختها الصغيرة 10 سنين وفتاتين أخريين، من قبلِ مقاتلٍ داعشيّ من أصل شيشاني"، وتستطرد في التفاصيل: "أن هذا المقاتل الشيشاني كان يعرّيهن يوميًا صباحًا، ويقوم بـ"شمّهن" ليقرّر أيّة واحدة منهنّ سيقوم بممارسة الجنس معها، فيما يحصل الحرّاس على ما تبقى، وتُعتبر الفتاة التي اختارها المقاتل الرئيس محظوظة لكونها ستتعرض لضربٍ أقل"، وتنتهي بالقول: "كانوا يجبرونني على تلاوة أشياء من القرآن الكريم أثناء ما يفعلونه بي، وإلا فإنهم يقومون بجَلدي".[19]

وتقول نادية مراد، أن الرجل الذي اشتراها كان يصلي خمس مرات يوميا، وكان متزوجا ولديه ابنة اسمها سارة. وفي أحد الأيام، اصطحبها إلى منزل والديه في الموصل، وأجبرها أن تتزين له وتضع المساحيق، ثم اغتصبها. وتستطرد قائلة أنها حاولت أن تهرب من الاغتصاب المتكرر والتعذيب، لكنه أمسك بها. وفي تلك الليلة: "ضربني بقسوة، أجبرني على خلع ملابسي، ووضعني في حجرة مع ستة من المقاتلين. استمروا في التناوب على اغتصابي حتى فقدت الوعي." تؤكد نادية أن كل هؤلاء الرجال لم تبد على أي منهم علامات الندم على ما فعلوه بها. وعندما سُئل أحدهم ما إذا كانت نادية زوجته، قال: "ليست زوجتي ولكنها من السبايا، إنها أمتي"، ثم أطلق بضعة رصاصات في الهواء كعلامة على الفرح.[20]

تقول ناجية أخرى، رفضت ذكر اسمها: "كان يقول لي دائما هذا عبادة...قال إن اغتصابي هو صلاته إلى الله". وعندما كانت تقول له إن ما يفعله خطأ ولن يقربه من الله، كان يجيب: "لا هذا مسموح، هذا حلال"[21].

الشهادات كثيرة ومؤلمة ومفزعة، وقد قام الإعلامي العراقي خضر دوملي بتوثيق شهادات الناجيات في كتاب بعنوان "الموت الأسود: مآسي نساء الأيزيدية في قبضة داعش" (مطبعة خاني، دهوك، 2015)، إلا أن الباحثة لم تتمكن من الحصول على هذا الكتاب. وفي كل الشهادات، يتمكن القارئ من استخلاص عدة سمات متكررة، فهناك أولا مسألة تحقير الأقلية بوصفها ليست على دين الإسلام، ثم تأتي مسألة السبي أو الرق الجنسي كمصدر لزيادة الدخل والمتعة بشكل مباشر، وكمصدر لتأكيد الفوقية بشكل غير مباشر، وذلك عبر السيطرة الكاملة على جسد الأقلية، وتعذيبها، واغتصابها، لأنها لا تنتمي إلى الأغلبية السائدة. إذ إن مجرد وجودها يُحدث شرخا في جسد "الأمة الإسلامية" التي يسعى داعش إلى تأسيسها. أما السمة الأخيرة، فهي المقاومة التي أبدتها هؤلاء النسوة تجاه ما وقع لهن، وهو ما نعرفه من خلال قراءة الشهادات؛ فهن قد رفضن كل العروض من البداية واضطررن تحت وطأة التعذيب إلى فعل بعض الأشياء، لكنهن أيضا حاولن الهرب، ومنهن من نجحت في محاولة الانتحار، وهي كلها أفعال مقاومة، خاصة فعل الانتحار؛ فالجسد الذي يسبب لصاحبته كل ذلك يُمكن التخلص منه، لكن فعل المقاومة الأوضح هو الشهادة في حد ذاتها، فاسترجاع ما حدث بكل الصدمة المصاحبة له، يُعد فعلا مقاوما يهدف إلى الكشف عن المآسي التي مرت بها هؤلاء النساء. بمعنى آخر، إذا كان العنف الداعشي قد سلط الضوء على أقلية غير ظاهرة، فإن مقاومة هذا العنف عبر السرد قد سلطت الضوء عليها من جانب آخر. إذا كانت داعش قد وظفت جسد الأقلية لترسخ موقعها الأممي، ولتؤكد على ثوابت فيما يتعلق بالآخر المختلف الأنثوي، ولتروع كل الأغيار عبر توضيح الكيفية التي يتم بها إدارة التوحش، فإن الشهادة المقاومة جاءت لتقوم بفعل مزدوج؛ فهي أولا تؤكد ما أرادت داعش تأكيده، وهي ثانيا توضح أن الصوت مقاومة تنتظر أن تجد سندا ودعما، فتقول زينب (31 عام): "لماذا علي أن أعيد سرد قصتي، لقد سردتها من قبل ولم يأت أحد للمساعدة"[22]. وبهذا تكون داعش قد بنت فرضيتها على أساس غياب صوت الأقلية، الذي تحول ظهوره إلى دال أكيد على وحشية التنظيم من ناحية، وعلى فشل العولمة من ناحية أخرى.

وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يُمكن بالتالي اعتبار هذا الصوت، تلك الشهادة، بمثابة ناشط سياسي غير مرئي؟ تأتي الإجابة جزئيا عبر نادية- واحدة من الناجيات عبر الهروب- التي قررت أن تجوب العالم لتسلط الضوء على مأساة ما يحدث للنساء الأيزيديات، وقد تم تعيينها سفيرة للنوايا الحسنة في سبتمبر/ أيلول 2016، وهي أول امرأة تحصل ضحية على هذا المنصب. تعتمد نادية في كلامها على كافة الشهادات المنشورة ومنها شهادتها بالطبع. وهناك أيضا لمياء حجي بشار التي خطفها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بعد احتلاله سنجار وأخذها الى الموصل، ليشتريها طبيب عراقي من الحويجة، بدوره أجبرها على تعلم القرآن وارتداء الحجاب. مكثت عند الطبيب لمدة سنة وشهرين، تعرضت خلاله للتعذيب والضرب والعنف الجسدي. استطاعت الاتصال بأقاربها بشكل سري، وذلك من خط إنترنيت استفادت منه، خلال عدة زيارات لعائلة صديق الطبيب، بحجة تعليمها الصلاة والدين. قام أقاربها بدفع مبلغ من المال لأحد المهربين ليقوم بتهريبها، وفي 13 أبريل/ نيسان 2016، استطاعت الهروب برفقة اثنتين من الأسرى الأيزيديات كانتا معها في منزل الطبيب، وفي طريقها للعودة انفجر لغم أرضي عليها فشوه وجهها، وفقدت عينها اليمنى وتوفيت الفتاتان. تمكنت لمياء من الوصول لمقر البشمركة الكردية، وتم ترحيلها إلى مستشفى في أربيل بكردستان، حيث تلقت العلاج هناك[23]. حصلت كلا من نادية ولمياء على جائزة سخاروف لحرية الفكر، كما تم ترشيح نادية في يناير/ كانون الثاني 2016 للحصول على جائزة نوبل للسلام.

الشهادة هي وثيقة تثبت ما وقع، وتبقي الذاكرة حية، وتحافظ على الحق في التعبير، وهو ما يجعلها بمثابة أحد تجليات الناشط والنشاط السياسي، فهي تعلن وتفضح وتكشف وتؤكد وتدفع إلى حملات التضامن. وهنا نستحضر قناعة نانسي فريزر، التي ترى أن حقوق الأقليات لا تشترط فقط الاعتراف بوجودها، بل بمنزلتهم ومكانتهم الاجتماعية التي يجب أن تتناسب مع مبدأ التكافؤ في المشاركة. بمعنى آخر، الاعتراف من وجهة نظر فريزر ليس مسألة هوية، وإنما هو مسألة منزلة[24]. والمطالع مثلا لموقع الأمم المتحدة، يجد أن شهادات الأيزيديات كانت ولا تزال المصدر الوحيد الذي أدى إلى وصف ما تقوم به داعش تجاه النساء بجرائم حرب، ودلالة هذا التأكيد مزدوجة، فمن ناحية هو اعتراف بوجود تنظيم متشدد اسمه داعش، ومن ناحية أخرى هو اعتراف بوجود أقلية محددة تحملت عبء وجود التنظيم، ومن هنا يتوجب اعتبار الأيزيديات- الجسد الأيزيدي بالأحرى بمثابة لاعب سياسي مشارك.

أما العامل الرئيس الذي يبرر اعتبار الشهادات بمثابة ناشط سياسي، فهو كونها تعبر عن ذاكرة، ليست الذاكرة السعيدة التي أسهب في وصفها بول ريكور، لكنها ذاكرة قاربت على ترسيخ مساحة كبيرة في الذاكرة الجمعية، فهي ليست ذاكرة فردية حتى لو كان لكل جسد تم انتهاكه خصوصيته المتفردة. كما أنها الذاكرة التي تُعد مدخلا للتاريخ. وهنا يجب أن نوضح المقصود من هذا التمييز. ففي كتابه "الذاكرة الجمعية" أكد موريس هلبووش أن الذاكرة تقع في مجال المعيش والحياتي والحميمي، وبانتهائها يبدأ التاريخ الذي يُعد مفهوما يتعلق بالموضوعي والنقد[25]. ستتحول إذن، هذه الشهادات- الذاكرة- إلى جزء من التاريخ الذي سيعيد تناولها بحس نقدي مع الإشارة إلى دور حاملي الذاكرة.

الجسد الأيزيدي كنقطة تقاطع

المسألة أعقد بكثير من انتهاك جسد المرأة الأيزيدية؛ لأننا إذا سلمنا بذلك، فإننا نؤكد وجود شكل واحد من أشكال القمع والاضطهاد، في حين أن القمع يتخذ أشكالا مختلفة تتباين باختلاف عنصر الهوية الذي يحتل مكان الصدارة. وقد ظهر هذا النمط من التحليل في حقل الخطاب النسوي في الثمانينيات من القرن الماضي، وهو نتاج للنظرية ما بعد البنيوية ونظرية ما بعد الاستعمار. فالهوية - كما نعرف - ليست ثابتة أو جامدة، بل هي مركب مُتحول ومتغير، وعليه فإن المكان والزمان والسياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي كلها عوامل تقرر أي عنصر من الهوية يتقدم إلى الصدارة، لتنزاح بقية العوامل إلى الخلفية. السؤال إذن: كيف يتحول الجسد الأيزيدي ذاته إلى حامل للعديد من الخطابات العرقية والسياسية والدينية والإثنية والنسوية المتقاطعة؟ ربما لابد أن نعود إلى سؤال من هم الأيزيديون؟ بداية هم أكراد- ليس تماما، لأنهم يدينون بالديانة الأيزيدية، فهم أقلية دينية داخل أغلبية سنية، لكن الأكراد أنفسهم من وجهة نظر العديد من الأنظمة السياسية الحاكمة هم أقلية. بالنسبة إلى عامة السنة، فالأيزيديون ليسوا أهل كتاب، هم أقلية وثنية تدعو وتناجي "طاووس ملك"، وعليه فهي إحدى الأقليات التي تُستخدم دائما من قبل الأنظمة للتأكيد على ارتفاع نسبة التسامح الديني التي تحتل أهمية في أرقام تقارير الأمم المتحدة. هناك إذن ثلاثة عوامل رئيسة تتحكم في موقع الأيزيدي: اللغة والديانة والعرق. تُستخدم كل هذه العناصر في تأطير هوية المرأة الأيزيدية بالإضافة إلى عنصر الجندر المبني على مكانة المرأة في الخطابات السياسية، وعلى كون هويتها محمولة على جسدها فقط، وهو ما يشرح مسألة سوق النخاسة. فالرجال الأيزيديون الذين وقعوا في قبضة داعش تم قتلهم مباشرة بوصفهم حاملي فكر وأيديولوجية مناهضة للتنظيم، في حين تم خطف الأطفال الذكور وإرسالهم إلى معسكرات تدريب ليتم تأهيلهم كأشبال الخلافة، أما النساء فمصيرهن البيع والشراء بكل ما يستتبع هذه العملية من استباحة وتسليع للجسد نظريا وفكريا وعمليا. تقول جليلة (12 عاما):

(كان الرجال يأتون لانتقائنا. وعند مجيئهم، كانوا يأمروننا بالوقوف ثم يفحصون أجسادنا. وكانوا يأمروننا بإظهار شعورنا ويضربون الفتيات أحياناً إذا رفضن. كانوا يلبسون الدشداشة، ولهم لحى وشعور طويلة. وقالت إن مقاتل داعش الذي انتقاها صفعها وجرها من المنزل حين قاومت. وقالت: "قلت له ألا يلمسني وتوسلت إليه حتى يطلق سراحي. قلت له أن يأخذني إلى أمي. كنت فتاة صغيرة، فسألته: 'ماذا تريد مني؟' وقد قضى 3 أيام في ممارسة الجنس معي).

وأضافت "إن سبعة من مقاتلي داعش "امتلكوها" أثناء أسرها، واغتصبها أربعة منهم في عدة مناسبات: أحياناً ما كنت أباع، وأحياناً أوهب كهدية. وكان الأخير الأكثر شراسة، كان يربط يديّ وساقيّ". أما وفاء، 12 عاما أيضا، تقول: "كان ينام معي في نفس المكان وقال لي ألا أخاف لأنني مثل ابنته. وذات يوم استيقظت لأجد ساقيّ ملطختين بالدماء"[26].

ما يحدث لهؤلاء النساء هو بمثابة تعبير واقعي عن أكثر مخاوفنا المجردة، تماما كمن يحلم أنه يجري عاريا في الطريق، أو أنه يسقط من مرتفع. إلا أن الجسد الأيزيدي ليس حلما، بل هو حقيقة مادية لا تزال مستمرة في اللحظة التي نفكر فيها. في المجتمع الدولي، يمثل ما وقع لهؤلاء النساء انتهاكا صارخا لحقوق الأقلية، ويُعيد تسليط الضوء على مصير الأقليات الدينية في العالم العربي، وهي مصائر تُشكل متن التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة. أما في المحافل الإعلامية الدولية، فيُمنح الجسد والصوت الأيزيدي مساحة من أجل إثبات وحشية داعش (التنظيم السني الإسلامي، وهي السمة التي يلحقها الخطاب الغربي بالتنظيم) مما يؤجج قوة وسرعة صعود الخطابات اليمينية المتطرفة في أوروبا. في كل سياق يتصدر أحد عناصر الهوية المشهد، وفي كل مرة يتم تحقيق هدف مغاير.

أما الكارثة الكبرى، فهي نظرة المجتمع الأيزيدي للمرأة الناجية من قبضة داعش، تلك التي نجحت في الهروب. تزداد صدمة العنف الجنسي التي تعاني منه الناجيات عبر وعيهن بوصمة العار المصاحبة للاغتصاب، حيث تشعر الناجيات أن "شرفهن" وشرف عائلاتهن تم تلطخيه، ويخفن من تضاؤل مكانتهن في المجتمع كنتيجة لما حدث، وهو ما يفسر إقدام الكثيرات على محاولة الانتحار. تقول لونا (20 عاماً)، إحدى الناجيات، أنه تم احتجازها مع 20 فتاة أخرى لا تتخطى أعمارهن العشر سنوات في المدينة الواقعة تحت سيطرة داعش بالموصل، وحيث كان يطلب منهن تجهيز أنفسهن. "في أحد الأيام تم إعطاؤنا ملابس أشبه بأزياء الرقص، وطلب منا الاستحمام وارتداؤها، قتلت جيلان نفسها في الحمام، مزقت معصمها ثم شنقت نفسها، لقد كانت جميلة للغاية، أعتقد أنها علمت أنه سيتم أخذها من قبل أحد الرجال ولهذا قتلت نفسها"[27]، حين تنجو امرأة أيزيدية بنفسها تعود في مجتمعها ليتصدر جسدها المشهد، ففي حين كانت مجرد جسد مستباح لدى داعش، يعتبرها المجتمع جسدا مُغتصبا، مرفوضا، زائدا عن الحاجة. وكما كانت في قبضة داعش تُمثل أقلية مغايرة تهدد الأنا الإسلامية الأممية، فهي في نظر مجتمعها مارقة تُلطخ شرف العائلة والمجتمع بأكمله، وتهدد النقاء العرقي. لا عجب أن كل أسماء هؤلاء النساء هي أسماء مستعارة- كما تؤكد كافة المواقع- كما أن كلهن يعمدن إلى إخفاء وجوههن في الصور الفوتوغرافية.

الخلاصة

في وجود هذا الجسد، انتهاكه ونبذه وبيعه وشراؤه، صوته وشهادته التي تتصدر أخبار العالم يتحول إلى ناشط سياسي غير مرئي، أو لنقل فُرضت عليه اللامرئية، وتتحول الشهادة إلى أكبر دليل على فشل العولمة من ناحية وانتصارها في سحق المختلف من ناحية أخرى. في كل الأحوال، تبقى هذه الشهادات لترسخ شعور المواطن العربي بالهزيمة والعجز أمام منظومات كبرى لا يقدر على مواجهتها أو حتى الاشتباك معها، لا يتبقى لهذا المواطن سوى بضعة كليشيهات مكررة، كالتأكيد على سماحة الإسلام أو التشكيك في وجود تنظيم اسمه داعش في الأصل. إنها وسائل الدفاع عن الذات المهزومة التي تعرف بدون أدنى شك أن النساء بشكل عام لسن إلا مواطنات أقل منزلة من الرجال، وحين يتعلق الأمر بنساء أقلية تؤمن بطاووس ملك، فهن بالتأكيد أقل منزلتين أو ثلاث. من وجهة نظري، أي غضب أو إدانة أو رفض لما وقع للنساء الأيزيديات، ليس نابعا من قناعة داخلية بوحشية الفعل، بل هو غضب نابع من أنانية مفرطة على صورة الإسلام في الغرب وليس في الداخل. هكذا يقع الجسد المؤقلن بين طرفي معادلة تُرسخ هشاشته وضعفه في مواجهة رؤى متعددة تعتمد على المصلحة السياسية ليس بينها مطلقا الدفاع عنه أو الغضب من أجله. إنها حلقة مكررة وسيناريو يتم تدويره، حتى أصبح الاهتراء هو السمة الرئيسة في الخطاب الخاص بالأقليات، وكونهن نساء، يزيد من سطحية الدفاع وفجاجته، ومن هنا تزداد قيمة الشهادة بوصفها ناشطا سياسيا.

 

قائمة المراجع

المصادر الأجنبية:

Skjelsbaek, I. (2001). Sexual violence and war: Mapping out a complex relationship. European Journal of International Relations, 7(2).

Arjun Appadurai, Modernity at Large: Cultural Dimensions of Globalization. Minneapolis: University of Minnesota Press, 1996

UNAMI 2014: 14-15

Watson, I., Jaff, W. (2014). Yazidi refugees braced for life in exile. CNN. August 18 2014. Available at:

http: //edition.cnn.com/2014/08/17/world/meast/yazidi-refugees/

M. Foucault, Discipline and Punish: The Birth of the Prison, trans. A. Sheridan, Harmondsworth: Peregrine, 1977

Nancy Hartsock, 'Foucault on power: a theory for women?' in L. Nicholson (ed.), Feminism/Postmodernism, London & NY: Routledge, 1990

Nancy Fraser, Unruly Practices: power, discourse and gender in contemporary social theory, Cambridge: Polity Press, 1989

Gail Commandeur, An analysis of the sexual exploitation of Yazidi women by Islamic State of Iraq and Syria (ISIS) and Christian women by Boko Haram: Spoils of war, holy war, or instrumental gain? University of Kent, April 2015

Charlotte Alter, A Yezidi Woman who Escaped ISIS Slavery Tells Her Story. Time, 20 December, 2015

http: //time.com/4152127/isis-yezidi-woman-slavery-united-nations/

Retrieved on: 18 January, 2017

Sally Armstrong, Yazidi Women Tell their Horrific Stories. 30 August, 2016

http: //www.macleans.ca/news/yazidi-women-tell-their-horrific-stories/

Nancy Fraser, From Redistribution to Recognition? Dilemmas of Justice in a ‘Post Socialist ‘ Age. New Left Review I/212, July- August 1995

https: //newleftreview.org/I/212/nancy-fraser-from-redistribution-to-recognition-dilemmas-of-justice-in-a-post-socialist-age

Retrieved on 17 January, 2017

Maurice Habwachs, On Collective Memory. Chicago: The University of Chicago Press, 1992.

مصادر عربية:

-          أبو بكر الناجي، إدارة التوحش: أخطر مرحلة ستمر بها الأمة. مركز البحوث والدراسات الإسلامية (لا توجد أية معلومات أخرى).

-          أرجون أبادوراي، الخشية من الأعداد الصغيرة: جغرافية الغضب. ترجمة: مفيدة مناكري لبيض. أبو ظبي: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، كلمة، 2010

-          سعد سلوم، "الأيزيديون: ذاكرة الفرمانات وحصار البنية الثقافية"، صحيفة المدي، 15 يناير، 2014

-          ساسة بوست، أغسطس 2015، تم الاطلاع عليها في 17 يناير 2017

http: //www.sasapost.com/isis-yazidi-sex-slave/

-          جريدة النهار، من هيومان رايتس ووتش، 16 أبريل، 2015

-          النهار عن النيويورك تايمز، 13 أغسطس 2015

-         "يزيديات في قبضة داعش: قص الانتحار هربا من الاغتصاب"، ترجمة دعاء جمال. موقع زحمة، 25 ديسمبر 2014 عن موقع الأندبندنت.

[1]- مجلة ذوات العدد36

[2]- ألقيت هذه الورقة في المؤتمر السنوي الثالث للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية الذي عُقد في بيروت من 10-12 مارس، 2017

[3] Skjelsbaek, I. (2001). Sexual violence and war: Mapping out a complex relationship. European Journal of International Relations, 7(2), 217

[4] أبو بكر الناجي، إدارة التوحش: أخطر مرحلة ستمر بها الأمة. مركز البحوث والدراسات الإسلامية (لا يوجد أي معلومات أخرى).

[5] Arjun Appadurai, Modernity at Large: Cultural Dimensions of Globalization. Minneapolis: University of Minnesota Press, 1996

[6] أرجون أبادوراي، الخشية من الأعداد الصغيرة: دراسة في جغرافية الغضب. ترجمة: مفيدة مناكري لبيض. أبو ظبي: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، كلمة، 2010. ص 59

[7] سعد سلوم، "الأيزيديون: ذاكرة الفرمانات وحصار البنية الثقافية"، صحيفة المدى، 15 يناير، 2014

[8] Dabiq (2014). The Failed Crusade (4)

http://media.clarionproject.org/files/islamic-state/islamic-state-isis-magazine-Issue-4-the-failed-crusade.pdf Retrieved on 5 April 2016

[9] UNAMI 2014: 14-15

[10] Watson, I., Jaff, W. (2014). Yazidi refugees braced for life in exile. CNN. August 18 2014. Available at: http://edition.cnn.com/2014/08/17/world/meast/yazidi-refugees/

Retrieved on: 17 December 2016]

[11] M. Foucault, Discipline and Punish: The Birth of the Prison, trans. A. Sheridan, Harmondsworth: Peregrine, 1977, 138-9

[12] Nancy Hartsock, 'Foucault on power: a theory for women?' in L. Nicholson (ed.), Feminism/Postmodernism, London & NY: Routledge, 1990, 171-172

[13] Nancy Fraser, Unruly Practices: power, discourse and gender in contemporary social theory, Cambridge: Polity Press, 1989, 29

[14] قامت سيفان سليم، الصحفية الكردية، بتوثيق صور وقصص الناجيات وقد تم نشر كل ذلك علي عدة مواقع، منها:

http://www.thedailybeast.com/longforms/2015/isis/portraits-of-the-yazidi-women-who-escaped-isis.html

[15] Gail Commandeur, An analysis of the sexual exploitation of Yazidi women by Islamic State of Iraq and Syria (ISIS) and Christian women by Boko Haram: Spoils of war, holy war, or instrumental gain? University of Kent, April 2015, 9رسالة ماجستير منشورة علي الانترنت-

[16] أبادوراي، الخشية من الأعداد الصغيرة، 68

[17] سعد سلوم، مرجع سابق.

[18] أبادوراي، الخشية من الأعداد الصغيرة، 69

[19] http://www.sasapost.com/isis-yazidi-sex-slave/

ساسة بوست، أغسطس 2015، تم الاطلاع عليها في 17 يناير 2017

[20] Charlotte Alter, A Yezidi Woman who Escaped ISIS Slavery Tells Her Story. Time, 20 December, 2015

http://time.com/4152127/isis-yezidi-woman-slavery-united-nations/

Retrieved on: 18 January, 2017

[21] النهار عن النيويورك تايمز، 13 أغسطس 2015

[22] Sally Armstrong, Yazidi Women Tell their Horrific Stories. 30 August, 2016

http://www.macleans.ca/news/yazidi-women-tell-their-horrific-stories/

[23] http://www.alwasatnews.com/news/1173704.html

[24] Nancy Fraser, From Redistribution to Recognition? Dilemmas of Justice in a ‘Post Socialist ‘ Age. New Left Review I/212, July- August 1995

https://newleftreview.org/I/212/nancy-fraser-from-redistribution-to-recognition-dilemmas-of-justice-in-a-post-socialist-age

Retrieved on 17 January, 2017

[25] Maurice Habwachs, On Collective Memory. Chicago: The University of Chicago Press, 1992, 47

[26] جريدة النهار، من هيومان رايتس ووتش، 16 أبريل، 2015

http://www.annahar.com/article/229538-%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D9%81%D8%AC%D8%B9%D8%A9-%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D8%B5%D8%A8%D9%87%D9%86-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4

Retrieved on: 18 January, 2017

[27] "يزيديات في قبضة داعش: قصص الانتحار هربا من الاغتصاب"، منقول من صحيفة الاندبندنت، ترجمة دعاء جمال. موقع زحمة، 25 ديسمبر/ كانون الأول 2014

http://zahma.cairolive.com/?p=16542

Retrieved on: 10 January 2017