نحو مقاربة علمية لظاهرة التطرف الديني


فئة :  قراءات في كتب

نحو مقاربة علمية لظاهرة التطرف الديني

 نحو مقاربة علمية لظاهرة التطرف الديني

قراءة في كتاب: سيميائيات الأصولية الدينية، خطاباتها، بلاغتها، وقوتها الإقناعية لماسيمو ليوني

ترجمة وتقديم الدكتور عبد الله بريمي


I - تقديم:

تنطلق هذه القراءة من سؤال مركزي يفرض نفسه في عملية نسج أي علاقة بين الذات القارئة وموضوع القراءة. إنّه السؤال التالي: هل تستدعي النصوص قراءها؟ هل تتأسس العلاقة بين القارئ والمقروء على قصدية مشتركة تنسجها روابط نفسية وجدانية من جهة، ومعرفية إيديولوجية من جهة ثانية؟كيف تصبح القراءة فعلاً يحقق إنتاج دلالات النصوص ويجددها ويضمن غزارة لا منتهية للمعنى.

ضمن سياق هذه الأسئلة تتأطر قراءتنا لكتاب "سيميائيات الأصولية الدينية: خطاباتها، بلاغتها وقوتها الإقناعيّة" للباحث والمحاضر في السيميائيات الإيطالي ماسيمو ليونى، وقد ترجمه إلى العربية وقدم له الدكتور عبد الله بريمي. هذا الفعل المعرفي (الترجمة)، الذي لا يمكن فهمه إلا في إطار قصدية تنبني على أبعاد متعددة، نذكر منها:

  • البعد العلمي المعرفي: الذي يتجلى في نظرنا في رغبة هذا الباحث الطموح في إغناء النقاش الدائر حول مفهوم الترجمة وأبعادها المعرفية والوجودية والأخلاقية باعتبارها آليةً لتجاوز الكثير من الغموض والالتباس الذي يلف إشكالية العلاقة بين الذات والآخر، الشرق والغرب، لتؤسس بذلك فضاءً أرحب لحوار ثقافي عالمي ينشد بناء هوية حضارية مشتركة تنتفي فيها كل أشكال الإحساس بالدونية ومظاهره التي تغذي منطق الانغلاق والعزلة والانطواء على الذات، من جهة، والإحساس بالتعالي الذي يعتبر عاملاً مغذيًا لمنطق الغطرسة والغزو والإيمان الأرثوذوكسي بالأنموذج الواحد ونبذ التعدد والاختلاف والمشاركة والتشارك، من جهة أخرى.
  • أما البعد الثاني لهذه الترجمة، فهو لا ينفصل عن الأول وهو ذو طبيعة ثقافية وحضارية ويرتبط في تقديرنا بالسياق الثقافي والحضاري المعاصر والإشكالات الثقافية التي يعاني من نتائجها المجتمع العالمي بشكل عام والعالم العربي الإسلامي بشكل خاص، ويتعلق الأمر بظاهرة الأصولية الدينية وما يترتب عليها من تنام لا محدود لأشكال التطرف الديني ومظاهره التي تقض مضاجع العالم هنا وهناك، في فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا وفي أوروبا وأمريكا وآسيا...والتي تغذيها نزعات إيديولوجية، سياسية واقتصادية أحيانًا وطائفية عرقية أحيانًا أخرى، تتلبس بلبوس ديني تجعل منه مرجعًا مبررًا للعنف وإراقة الدماء.

ولقد حدت بنا قراءتنا لكتاب "سيميائيات الأصولية الدينية" إلى استنباط هذه الأبعاد الكامنة وراء قصدية فعل الترجمة لكون الكتاب يندرج ضمن سياق خطابات المعرفة التي تؤرقها هذه الظاهرة، ظاهرة الأصولية الدينية، وتدفعها إلى إنتاج معرفة علمية بها تتجاوز العديد من المقاربات ووجهات النظر التي اهتمت بدراسة الظاهرة سواء من حيث منهجية الاشتغال أو من حيث الخلفية التي تقود وتوجه البحث في الظاهرة. وسيأتي توضيح ما ذهبنا إليه من خلال محاورتنا لمضمون الكتاب، في اللاحق من هذه القراءة.

وإذا كان سؤال القصد والنية والخلفية يتوارى وراء فعل القراءة، وباعتبار هذا الأخير آليةً أساسيةً لفعل الترجمة تؤسس لعملية الانتقال من مستوى الفهم إلى مستوى الإفهام، فإنّه يحق لنا، وكغيرنا من القراء المفترضين، أن نتساءل عن قصدية فعل الترجمة وعن مدى تحقيقه الأهداف المقصودة والمتمثلة في الانتقال بالمعنى والدلالة من مستوى الفهم، فهم النص في لغته الأصلية، إلى مستوى الإفهام، واستيعاب دلالات النص في لغة المتلقي، لغة الترجمة أي اللغة العربية.

وحتى لا تنساق هذه القراءة وراء التقييمات المعيارية والقيمية للترجمة، والتي ظلت تتأرجح في المنظورات التقليدية بين أن تكون جميلة خائنة أو خشنة أمينة، في علاقتها بالنص المترجم[1]، فإنّنا ارتأينا أن نقدم إضاءات حول مفهوم الترجمة وبعض الإشكالات المعرفية والثقافية التي ترتبط به والتي ارتقى فيها النقاش العلمي من مستوى اعتبار الترجمة فعلاً آليًّا قابلاً للوصف والتقييم المعياري، إلى ممارسة فكرية تنبني على أفعال إجرائية لإنتاج المعرفة بالنصوص، وهي أفعال القراءة والفهم والتأويل.

II - أسئلة محايثة لفعل الترجمة:

ننطلق في هذا المحور من القراءة، من طرح سؤال ظل يؤطر نظرة القارئ إلى النص المترجم، يتعلق الأمر بالسؤال التالي: هل يطلب من الترجمة أن تتجاوز الاختلافات الثقافية واللغوية، فتنقل النص من لغته الأصلية إلى لغة أخرى من دون أن يبدو أنّه انتقل؟

إنّه السؤال المحوري أو الإشكالي بين منظري الترجمة ومحترفيها، بمعنى هل الترجمة تكون حتمًا إما أمينة قبيحة أو جميلة خائنة؟

في هذا السياق إذن، يتأرجح المترجم بين ثنائية الأمانة والخيانة للنص الأصلي وللغته الأصلية. "ّفهو يريد ممارسة عمله على واجهتين، واجهة إلزام لغته على اكتساب الغرابة، وواجهة إلزام اللغة الأخرى على الاغتراب داخل لغته الأم."[2]

يؤطر هذا القول الفهم التقليدي للترجمة الذي يقيمها على أساس أنّها فعل دوني يقزم النصوص الأصلية ويشوه المعنى على اعتبار أنّ اللغة الأصلية تكتسي طابعًا قدسيًّا، ومن ثم فإن الترجمة فعل خيانة لأمانة نقل المعنى.

إلا أنّ هذا المنظور للترجمة عرف تغييرًا جذريًّا مع ظهور النسق المتعدد. وهي نظرية تستند في خلفياتها المعرفية والمنهجية إلى حركة ما بعد الحداثة، وهي الحركة التي تجاوزت مفهوم النسق المنغلق لتطرح تصورًا يؤمن بحتمية التفاعل والتداخل والتلاقح بين الأنساق الثقافية بمختلف أنماطها وتلويناتها.

من هذا المنظور إذن، تصبح الترجمة جسرًا للتواصل بين اللغات المتعددة والثقافات المختلفة لبناء حضارة إنسانية تتأسس على مبدأ الواحد المتعدد. وهذه حقيقة يؤكدها تاريخ الحضارة البشرية. لأنّ الترجمة اعتبرت من الآليات الأساسية التي اعتمدتها المجتمعات، منذ بداية تشكلاتها الأولى وعبر صيرورتها، للتعريف بنمط عيشها وفلسفتها وتقاليدها وآدابها وثقافاتها، بشكل عام.

إنّ الترجمة، بهذا المنظور، لا تهدف إلى أن تطابق الأصل وأن تحاكيه وتماثله، وإنّما تسعى إلى تكريس ثقافة الاختلاف. وبهذا التحديد، "تكون الترجمة، لا علامة على تبعية ونقل وتجمد وموت، وإنّما على انفتاح وغليان وتلاقح وحياة"[3]

ومما يبرر ما ذهب إليه الدكتور عبد السلام بن عبد العالي، هو تلك العلاقة النفسية الوجدانية والمعرفية الفكرية التي تربط بين مفهومي الترجمة والتأويل. "فإذا كان التأويل وثيق الصلة بعملية الفهم، فإنّ الترجمة تجعل النص ينتقل من مرحلة الفهم إلى مستويات الإفهام، وهو ما يضاعف من صعوبة التعامل مع النص المترجم لأنّه يتطلع إلى الانتقال بمستوى الفهم في اللغة الأصلية إلى مستوى الإفهام في اللغة المستقبلة".[4]

وبهذا التحديد، تصبح الترجمة عملية مركبة تتداخل فيها مكونات وعناصر وآليات معرفية وفكرية تتوسط عمليتي الفهم والإفهام: الفهم باعتباره إحاطة بالدلالة بكل أبعادها في اللغة الأصلية، والإفهام بكونه عملية نقل المعنى وتحويله إلى لغة أخرى ومتلقين أخر.

إنّ الترجمة وفق هذا المنظور، عملية إبداعية تنتج نصوصًا جديدة ومتجددة بفعل كل عملية قراءة وتأويل، وهي التي تحول النص، كما يقول أحمد إبراهيم: "إلى مجموعة نصوص لا متناهية تخرج من كونها إبداعًا أو إنتاجًا مكتوبًا إلى ما هو منتج ثقافي-حضاري، فيتماهى النص الإبداعي في الثقافي-الحضاري، ويصبح الفهم فهمًا من نص منطلق هو المكتوب إلى نص وصول هو الثقافي /الحضاري بوصفه نسقًا خفيًّا تنوب لغة القول عنه."[5]

وتكمن أهمية الترجمة، من منظور جاك دريدا، في كونها تكرس مبدأ الاختلاف يقول: "لابد للترجمة أن تكرس الاختلاف بين الدال والمدلول"[6]. ولكن بما أنّ هذا الاختلاف لا يكون أبدًا اختلافًا خالصًا، فالترجمة لن تكون كذلك، لذلك فعوضًا عن مفهوم الترجمة، يقترح جاك دريدا مفهوم التحويل أي تحويل لغة إلى أخرى ونص إلى نص آخر.

إنّ أهمية الترجمة من هذا المنظور، تتجلى في كون القضية أو القضايا التي تنشغل بها هي نفسها قضية الفلسفة، كما يؤكد الباحث أحمد إبراهيم، لا بمعنى أنّ الفلسفة تنزع من غيرها الاهتمام بها وإنّما بمعنى، "أنّ الترجمة أصبحت اليوم هي أم الفكر في محاولة لإعادة قراءة تراثه وتجاوزه، هذا فضلاً على أنّ مسألة الفلسفة الكبرى ومنذ أفلاطون هي مسألة النموذج والاستنساخ".[7]

إنّ تقديمنا لهذه التوطئة البسيطة لمفهوم الترجمة والإشكالات المرتبطة بها، جاء لتوضيح منظورنا لعملية الترجمة التي قام بها الدكتور عبد الله بريمي لكتاب "سيميائيات الأصولية الدينية لماسيمو ليوني" لنعلن لقارئ هذه المقالة أنّه لا يمكننا قراءة عمل المترجم عبد الله بريمي إلا باعتباره تأويلاً للنص الأصلي، وإغناءً له. وهو يكتسي هذه الخاصية نظرًا لكونه عملية يتداخل في إنضاجها كل المدارك المعرفية والفكرية للذات المترجمة وتقديراتها للموضوع المترجم.

إنّ عملية ترجمة هذا الكتاب، موضوع القراءة، اعتمدت ما أسماه أمبرطو إيكو جاذبية التأويل المضاعف الذي تعتمده الهيرمينيوطيقا ويتبناه العديد من الفلاسفة وعلى رأسهم جاك دريدا الذي دافع عن أهمية التأويل المفتوح نظرًا للآفاق الواسعة التي يتيحها للقارئ في سياق تعامله الإبداعي مع النصوص.

III - في فهم مضمون الكتاب ومحاورته:

يتألف كتاب سيميائيات الأصولية الدينية خطاباتها بلاغتها وقوتها الإقناعية من:

أ - مقدمتين: الأولى للمترجم والثانية للمؤلف.

ب - أربعة فصول أو محاور أساسية وهي:

1- أسئلة الانطلاق وصعوبة التطور

2- تحليل معجمي ودلالي

3- إحالات بيبلوغرافيا

4- الأصولية باعتبارها أسلوب حياة، ويتضمن محورين:

- سيميائيات كونيل

- سيميائيات البلاغة الجهادية

استنتاجات

مقدمة المترجم:

وفيها يتناول المترجم الحديث عن موضوع الكتاب والقضايا الأساسية التي يتمحور حولها وكذا منهجية الاشتغال التي اعتمدها ما سيمو ليوني في تحليل ظاهرة الأصولية الدينية.

فمن حيث المنهج، يؤكد المترجم أنّ ماسيمو ليوني اعتمد مقاربةً تنحو في اتجاه إنتاج معرفة علمية بظاهرة الأصولية الدينية وذلك بعدم الانطلاق من خلفيات مسبقة، كما دأبت على ذلك مجموعة من الدراسات التي تناولت الظاهرة، بل إنّه اعتمد على السيميائيات "لإظهار كل التمفصلات الممكنة للمعنى لحظة انبثاقه وتلقيه، يتعلق الأمر بمفهوم السيميوزيس وأبعاده الدينامية والتأويلية."[8]

إنّها السيميائيات التوليدية، كما جاءت عند (غريماس) و(هلمسليف)، والتأويلية والثقافية عند (أمبرطو إيكو) و(بورس) وسيميائيات الكون كما اتضحت في تصور (يوري لوتمان).

إنّ هذه المنهجية الثلاثية الإبعاد هي ما يسميه المترجم بالأنموذج النظري، والذي "جاء غاية في الدقة والتجديد فهو يرتبط مع مجموعة من المفاهيم المتقاطعة مما يجعل إمكانية استثماره أثناء التحليل أمرًا مهما خاصة وأنّ هذا النموذج السيميائي يعد صيغة للتحليل الشمولي للأنساق الثقافية وإضاءة للمبادئ البنيوية السيميوزيس، وعبره نستطيع الانتقال الثابت والمحايث إلى التحليل الدينامي. إنّه فضاء لتوليد المعنى."[9]

أما من حيث الموضوع، فإنّ الكتاب، وكما يؤكد المترجم، يتناول خطاب الأصولية الدينية، الذي يتمحور بالأساس حول الرغبة في استقطاب شاب بريء وإدماجه ضمن منظومة من القيم التي تؤلف إيديولوجيا الخطاب الأصولي وتجعله يقتنع بسهولة وهو أمام التلفاز أو الكومبيوتر بالكون الثقافي لهذا الخطاب.

إنّ الأصولية الدينية بهكذا أسلوب، تستغل إنتاجات الحداثة العلمية والتقنية لتستهدف العمق الإيديولوجي للمنظور الحداثي. فلقد سعت الأصولية الدينية، من منظور ماسيمو ليوني، وكما أوضح المترجم، إلى "رفض كل المفاهيم الحديثة حول الدولة ومسألة تداول السلطة وحق المجموعات في المشاركة في الحكم بصرف النظر عن دينها أو جنسها وتكريس الحقوق السياسية والإنسانية في الحرية والعدالة والمساواة أمام القانون."[10]

إنّ خطورة الأصولي الديني تكمن في اعتقاده الراسخ في أنّه هو وحده يمتلك الحقيقة المطلقة، وأنّ الله أوكل له مهمة الدفاع عنها وأنّ ما سواه محكوم عليه باتباع أسلوبه في الحياة وإلا فإنّه سيدرج ضمن الأعداء الذين وجب القضاء عليهم.

وللوصول إلى الإيقاع بضحاياها فإنّ الأصولية الدينية، وكما استنتج المترجم من خلال مضمون الكتاب، "تعتمد على مجموعة من الخدع، وتتمثل في الإحاطة بكل تفاصيل حياة هؤلاء الضحايا النفسية والاجتماعية والمهنية والثقافية التي تكشف وضعهم وانتماءاتهم الطبقية."[11]

وفي توصيفه لهذه الآليات الإقناعية التي توظفها الأصولية الدينية يؤكد المترجم ما يلي:

- إنّها تقنيات وآليات وأشكال بلاغية تتلبس بلبوس ديني.

- إنّها تستغل حداثة وسائل التكنولوجيا، التلفاز والكومبيوتر، بالرغم من كونها تشكك فيها وتطعن في الحداثة.

- إنّها تتمسك بأفكار الماضي وتعتبره المقياس الذي يجب أن يقوم عليه الحاضر فكرًا وممارسةً مع تغييب كل مظاهر التحول الزمني.

- إنّها تعتمد منطق إقصاء كل تأويل ديني آخر من طرف أي جماعة دينية أخرى، وهذا منبت العنف ومنشأه في هكذا تصورات.

- إنّها تخلق استراتيجيات خطابية للسيطرة على الأغلبية العظمى من الشباب من قبيل معرفة تفاصيل حياتهم النفسية والاجتماعية والمهنية والثقافية.

والملاحظ، وكما يؤكد المترجم، أنّ هذا التوصيف لآليات اشتغال خطاب الأصولية الدينية تم استشفافه بناءً على المقاربة السيميائية لهذا الخطاب وهي المقاربة التي لا تقتصر على استنباط الدلالة من التحليل المجرد للمعجم الأصولي وحقوله الدلالية، ولكنها تعتمد منهج الاستقراء عبر الملاحظة المنهجية للواقع الاجتماعي.

إنّ هذه المقاربة هي التي تسعف السيميائي في اقتراح قراءة للآليات الإقناعية التي كانت وراء استقطاب هؤلاء الشباب وغوايتهم وجذبهم إلى المخاطرة بحياتهم باسم الجهاد، والتي لا يمكن أن تتأتى حسب ماسيمو ليوني، إلا بامتلاك الزعيم، زعيم الجماعة الأصولية المتطرفة، لآليات إقناعية تتحقق بفعل إلمامه بالعديد من الجوانب النفسية والاجتماعية والمهنية لهذه الفئة المستهدفة.

والزعيم أيضًا يقدم الأصولية في شكل أسلوب حياة. "إنّ هذا الخطاب يمتلك قوة إقناعية فائقة في التعبير عن نفسه دون كلل مثلما هو الحال بالنسبة للخطاب الإشهاري الذي يمنح هوية ويسعى إلى الحصول على لذة عبر سراب أو وهم الحرية، فالخطاب الأصولي يشيد بالانتماء ويحث ويحرض على السعادة عبر وهم الحاجة."[12]

ويلعب الفضاء أهمية كبرى في هذا التحليل السيميائي، ذلك أنّه يمثل العالم الخاص لثقافة الأصولي. وبانغماسه في هذا الفضاء الثقافي فإنّه يخلق حوله كوناً فضائيًّا منظمًا.

بناءً على ما تقدم وتأسيسًا عليه يستنتج المترجم مجموعة من المزايا للمقاربة السيميائية لظاهرة الأصولية الدينية نجملها كما يلي:

-   إنّ هذه المقاربة تسعف القارئ في التعرف على النواة الوجودية للظاهرة الأصولية وتحددها بكيفية دقيقة منفصلة عن الخطاب الديني الخاص الذي تلبسه، أي التعرف على البنية العميقة للأصولية، وهو ما يسمح للقراء بالتمييز بين روح الدين وجوهره وبين الخطابات الإيديولوجية التي تلبس لبوسًا دينيًّا.

-   وتتيح هذه المقاربة التعرف على أنّ الأصولية هي رد فعل على الحداثة المتطرفة لأنّها تعبير جوهري عن حتمية وقدرية مطلقتين تلغى أمامهما حرية الاختيار في الفعل البشري.

-       إنّ هذه المقاربة تسمح بمعرفة الشرط الأنثربولوجي للأصولية الذي يعد شرطًا ضروريًّا لفهم قوتها الإقناعية.

من هذا المنطلق إذن، تصبح الميزة العلمية الأساسية لهذه المقاربة هي أنّها تقدم بديلاً حضاريًّا لمحاربة ظاهرة التطرف الديني ويتمثل في "تفعيل سلسلة من الإجراءات الاجتماعية والثقافية التي تهدف إلى تغيير المنظورات الوجودية للمراهقين في المجتمعات العربية والغربية."[13]

مقدمة ماسيمو ليوني للترجمة العربية

ينطلق ماسيمو ليوني في تقديمه للترجمة العربية للكتاب من فكرة مؤداها أنّ الأصولية لا ترتبط بالدين الإسلامي ولا باللغة العربية، كما هو مترسخ في المخيال الغربي وتحديدًا المخيال الفرنسي والفرانكفوني ولدى بعض الاتجاهات الفكرية المنحدرة من الوطن العربي، بل إنّ الأصولية ظاهرة تتلبس بلبوس كل الأديان وبلسان جميع اللغات يقول: "إنّ واحدة من بين نتائج هذا الكتاب الذي نقدمه هنا للنسخة العربية هي إظهار، عبر الأدوات السيميائية أنّ الأصولية الدينية لا تتطابق ضمنيًّا مع ديانة أو لغة ما، إنّها تتبع، وعلى العكس ما اصطلح السيميائيون على تسميته أسلوب حياة ما أو بصيغة أفضل إيديولوجيا سيميائية أي طريقة لإعطاء معنى للحياة... إنّ الأصولي الديني العنيف يعمل دون كلل أيضًا على بلورة المعنى عبر أفعاله وعندما يستحيل يلجأ إلى القوة".[14]

من هذا المنطلق، إذن، يرى ماسيمو ليوني أنّ المجهودات التي تبذل من طرف حكومات العالم لاستئصال هذه الظاهرة عبر البحث عن إيديولوجيا الأصوليات الدينية في دين محدد أو في لغة معينة أمر غير ذي جدوى. فالدين واللغة ليسا سوى وعاءين رمزيين كثيرًا ما يساء استعمالهما لتلبية غريزة أنثربولوجية أعمق من ذلك بكثير. هذه الغريزة التي تظهر، حسب ماسيمو ليوني في ديانات ولغات مختلفة.

ولتعضيد ما ذهب إليه ماسيمو ليوني من أنّ الأصولية الدينية ليست مرتبطة بديانة أو لغة معينة، هو أنّ مجموعة من الشباب الأوروبي ينخرطون في الجماعات الأصولية، كتنظيم الدولة في العراق والشام. ويعود السبب في ذلك إلى رفض إيديولوجيا المعنى، كما تقدمه فلسفة الحداثة.

من هذا المنطلق يرى ماسيمو ليوني، أنّ المواجهة العسكرية للأصولية الدينية ليست كفيلة باستئصالها، بل إنّ المواجهة السيميائية هي أجدر وأنجع. لكن كيف ذلك؟

إنّ الأمر، في نظر الكاتب، يتعلق بضرورة فهم الأسباب الوجودية للأصولية العنيفة بإظهار جذورها في مدارات الحداثة وربما عبر الإشارة إلي طريق جديد لأولئك الذين ينخرطون اليوم في مسار الظلامية والعنف.

ويقترح ما سيموليوني بديلاً فلسفيًّا ذا أبعاد معرفية وأخلاقية ووجودية لمحاربة ظاهرة الأصولية الدينية المتطرفة وذلك من خلال دفع الشباب إلى التمييز بين الإيديولوجيات التي تتلبس بلبوس ديني والجواهر الروحانية للأديان. يقول: "يجب أن نظهر في نهاية المطاف بأنّه يمكننا العودة إلى الأصول الروحانية دون العثور بالضرورة على ما يدمر الإنسان، بل العكس، نكشف عن كلام التحرر الذي وعدت به كل الأديان. إنّ البحث عن الإنسانية في أصول الدين: إنّ هذه بالذات هي الوصفة التي يلزم اتباعها لنزع فتيل أي تأويل عنيف عن المقدس."[15]

1- الفصل الأول: أسئلة الانطلاق وصعوبة التطور

ينطلق ما سيمو ليوني في هذا الفصل بطرح بعض الأسئلة الجوهرية والتي تعتبر في نظره مفاتيح موجهة للبحث في هذه الظاهرة، لعل أهمها: لماذا نجحت الأصولية الدينية في إقناع الأفراد خاصة من هم في سن الشباب بتبني رؤيتها للعالم والالتزام بها والانخراط في نصرتها سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا والدفاع بقوة عن تنفيذ قراراتها بالرغم من تعارضها مع القوانين التي تسنها الدولة؟

وقبل الدخول في تقديم مقاربته لهذا السؤال، يطرح ماسيمو ليوني بعض الصعوبات المرتبطة بالبحث في ظاهرة الأصولية الدينية وذلك بحكم التعقيدات التي تلف الظاهرة. ومن هنا فإنّه يرى ضرورة تعريف مفهوم الأصولية والتمثلات المعرفية والانفعالات والمقاصد التداولية التي تثار في مختلف الأوساط الاجتماعية عندما يستعمل هذا المصطلح.

ولتجاوز بعض هذه التعقيدات يسترشد ماسيمو ليوني بآليات القراءة السيميائية لدلالات المفهوم التي لم تعد في هذا الأنموذج مجرد استنباط يستشف من الدلالة المعجمية والاصطلاحية، كما وردت في المعاجم، بل إنّها آليات تقوم باستقراء دلالة مفهوم الأصولية الدينية في علاقتها بالوقائع الاجتماعية التي تتبدى من خلالها ممارسة الأصولية أسلوب حياة ورؤيةً للكون ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمواقف نفسية واجتماعية.

ولفهم هذه الظاهرة وتأويلها، وقف ماسيمو ليوني على مجموعة من الأحداث التي طبعت المرحلة التي تؤطر زمن البحث في الظاهرة والتي وقعت بفرنسا وبالدول الفرانكفونية وهي الفترة المحصورة بين سنتي 2013 و2014.

وقد جرد المؤلف هذه الوقائع على الشكل التالي:

أ- نشر القوات الفرنسية وتدخلها في مالي في 11 يناير 2013.

ب- المواجهة الحادة بين الكوميدي الفرنسي الساخر(ديودوني مبالاّ) مع السلطات الفرنسية حول عرضه المسرحي (الجدار)، والتي بلغت ذروتها مع قرار المنع الصادر عن مجلس الدولة المنعقد بتاريخ: 9 يناير 2014.

ج- تطور جمعية (lamanif pour tous التظاهر للجميع) ومظاهراتها الاجتماعية والتي كان آخرها يوم 2 فبراير 2014.

د- إجراء حملات الانتخابات البلدية بباريس لسنة 2014.

ه- ردود الأفعال والمظاهرات الاحتجاجية ضدًّا على التدخل العسكري الإسرائلي في غزة.

و- إعلان الدولة الإسلامية في يونيو 2014.

إنّ هذه الوقائع وإن بدت متفرقة ومتباعدة، فإنّها تتداخل من حيث النتائج التي ترتبت عليها والتي ساهمت بشكل كبير في تشكيل ما يسميه ماسيوليوني بسيمياء الكون الفرنسي والفرانكفوني المعاصرين. هذا المفهوم المركب، (سيمياء/ الكون) الذي وقف المترجم على دلالته في الأنموذج السيميائي ليوري لوتمان حيث يعتبر:

- صيغة للتحليل الشمولي للأنساق الثقافية.

- إضاءة للمبادئ البنيوية للسيميوزيس.

- انتقالاً من التحليل الثابت إلى التحليل الديناميكي.

محاولة لفهم التعالق بين الشمولية واللاتجانس.[16]

وهنا لابد من الوقوف على ملاحظة تبدو شكلية في الظاهر لكنها جوهرية في تقريب المعنى والدلالة والانتقال بهما من مستوى الفهم في اللغة الأصلية إلى مستوى الإفهام في اللغة المترجم إليها، وتتمثل في الهوامش التي شغلت حيزًا مهمًّا في مساحة الترجمة إلى العربية، والتي قدم فيها الدكتور عبد الله بريمي دلالات بعض المفاهيم المحورية في الكتاب، والتي يرتهن بها فهم المعنى والدلالة وأستطيع أن أقول عنها بأنّها خارطة طريق محايثة لمضمون الكتاب، استقاها المترجم من حقول معرفية تتقاطع مع المبادئ الكبرى للسيميائيات التداولية من قبيل حقل الهيرمينيوطيقا والتاريخ.

2- الفصل الثاني: تحليل معجمي ودلالي.

في هذا المحور من بحثه في ظاهرة الأصولية الدينية، قام ماسيمو ليونى بجرد كل القواميس الأساسية والموسوعات الأكثر تداولاً، والتي تناولت مفهوم الأصولية وقدمت دلالته المعجمية والاصطلاحية. ثم بعد ذلك ربط هذه التعريفات بالدلالة التداولية للمفهوم في سياق سيمياء الكون الفرنسي.

وقد خلص ماسيمو ليوني إلى أنّ المصطلح يحمل الدلالات التالية:

- ظاهرة تاريخية واجتماعية ولدت مع بداية القرن العشرين في الثقافة الدينية البروتستانتية الأمريكية.

- ظاهرة ترتبط بشكل وثيق وصارم بالمبادئ التي تؤسس حسب الأتباع والمريدين الاعتراف الديني بأصولها.

أما بالنسبة إلى قاموس (لاروس) فيقدم تعريفين للمصطلح:

أ- الأصولية هي تيار من أصل بروتستانتي، تطور في الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الأولى وهو تيار يأخذ فقط بالمعنى الحرفي للكتب المقدسة ويتعارض مع كل تأويل تاريخي وعلمي.

ب- هي تيار أتباع ديانة ما يعودون في هذه الديانة لما يعتبرونه أصلاً وأصيلاً.

بناءً على هذين التعريفين، يتضح أنّ سيمياء الكون الفرنسي خاصة والفرانكفوني بشكل عام ينزاح عن الدلالة المعجمية للمفهوم وذلك حين يربط منهجيًّا الأصولية بديانة محددة هي الإسلام وبلغة معينة هي اللغة العربية. وهنا تكمن الشحنات الإيديولوجية التي تغذي المخيال الشعبي الفرنسي والفرانكفوني. وهذا ما يجعل ماسيمو ليوني يؤكد أنّ مفهوم الأصولية في المخيال الشعبي والرسمي الفرنسي لا يرتبط بالبعد المعرفي اللاهوتي بل بالبعد الانفعالي التداولي.

إنّ الأصولية تكتسي دلالة معجمية ويقصد بها: ظاهرة ثقافية وموقفاً فكريًّا في المخيال المشترك. أما بالنسبة إلى المخيال الفرانكفوني فهي تشكل تهديدًا أو مصدرًا للصراع والتوتر الذي تغذيه ميولات متطرفة.

ومن هذا المنطلق فإنّ سيمياء الكون الفرنسي، حسب ماسيمو ليوني يكتنفه قصور في نظرته إلى:

- الأصولية الإسلامية باعتبارها تمظهرًا لموقف فكري روحي قادر على التأثير في جل أو كل الثقافات الدينية وفي مجالات غير دينية تنتمي إلى الحياة الاجتماعية.

- اعتبار الأصولية معطًى انثربولوجيًّا محايدًا دون تحميله إيحاءات معادية.

ويستخلص ماسيمو ليوني في هذا الفصل خلاصة أساسية مفادها "أنّ حضور هذا الموقف الثقافي في مركز سيمياء الكون الفرنسي المعاصر، شكل عنصرًا محوريًّا في إقامة حلقة تواصلية مفرغة ساهمت في تجدر تدريجي للعزل الإسلامي على المحيط الاجتماعي الفرنسي، وما ترتب عنه من تطرف لمنظومة القيم المنفعلة والقلقة التي يمثل بموجبها المخيال الفرنسي الفاعلية الاجتماعية والسياسية بشكل خاص للأصولية الإسلامية."[17]

3- الفصل الثالث: بيبلوغرافيا.

بعد التطرق إلى الدلالة المعجمية لمفهوم الأصولية الدينية وكذا دلالته في سيمياء الكون الفرنسي، انتقل ماسيمو ليوني في هذا الفصل إلى الوقوف على الدلالات السياقية للمفهوم ضمن إطار مجموعة من التصورات الفكرية التي عبر عنها أصحابها في العديد من المؤلفات التي أتى الكاتب على جردها في هذا الفصل والتي يمكن تصنيفها على الشكل التالي:

أ - المؤلفات الفرنسية: وهي تميل إلى التمييز بين الأصولية البروتيستانتية والتطرف الإسلامي مع الإشارة إلى الاختلاف بين الأصل التاريخي للظاهرة الدينية وما يناظرها في مذاهب أخرى. كما أنّ هذه المراجع لا تحتفظ بالتقاطع الوارد بين الأصولية والإسلام الذي يهيمن على المخيال الفرنسي المعاصر.

ب - مؤلفات كتبت قبل الفترة الزمنية التي خصها ماسيمو ليوني بالبحث: ويعزو المؤلف وقوفه على هذه الكتابات التي تسبق الزمن المرجعي لدراسته، إلى ما ترتب على أحداث 11 من شتنبر 2001 المأساوية التي جعلت مفهوم الأصولية يأخذ أبعادًا أخرى في كل المجالات وعلى كافة مستويات صياغة المعنى المشترك للمفهوم والخطابات المتداولة في سيمياء الكون بأكمله حيث ستصبح الأصولية مرادفة لما أصبح يصطلح عليه بالإرهاب.

ج - مؤلفات تاريخية منحدرة من البروتستانتية الأمريكية كتلك التي ترصد جوانب تأثير المسيحية البروتستانتية الأمريكية في شعوب أمريكا اللاتينية.

وقد وقف ماسيمو ليوني على ملاحظة بارزة وهي أنّ أغلب هذه المؤلفات ربطت الأصولية بالإسلام واعتبرتها توجهًا دينيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا.

ويصنف ماسيمو ليوني هذه المؤلفات التي تناولت الظاهرة من زاوية أخرى، ويتعلق الأمر بكيفية أو منهجية تعاملها مع الأصولية الدينية، فهناك:

1 - صنف فرعي أول: يتبنى فيه أصحابه منظورًا داخليًّا للإسلام يصور الواقع الراهن في سياقات اجتماعية وسياسية متعددة لفهم خطوط التطور والتوتر التي تميز هذه السياقات بهدف اقتراح مسار للإصلاح أو الإصلاح الذاتي الذي يمكن أن يقود الجماعات الإسلامية إلى إقامة علاقات سلبية مع الجماعات الدينية الأخرى وخاصة المجتمعات الحديثة والمجتمعات العلمانية".[18]

ويقدم ماسيمو ليوني مثالاً لهذا الصنف من المؤلفات بكتاب (أخطر مكان في العالم) لمؤلفه (جيمس فرغيسونين) الصادر سنة 2013. (فتواكم لن تطبق هنا، قصص لم ترو عن مكافحة الأصولية الإسلامية) لمؤلفته (كريمة بنون) والصادر سنة 2013. (العلمانية والأصولية والنضال من أجل معنى للإسلام، أبحاث في السياسة والدين) لمؤلفه (صادق جلال العظم).

2 - صنف فرعي ثان: وهو الذي حاول فيه أصحابه أن يلقوا نظرة على الأصولية من الخارج وذلك بربط هذه الأصولية والنظر إليها باعتبارها نتيجة لظواهر أكبر وأوسع "وهي ظواهر منتشرة في أبعاد مختلفة من الحياة الجمعية."[19]

ويمثل ماسيمو ليوني لهذا الصنف من المؤلفات بكتاب (التطرف باسم الإسلام: هل هو مسؤولية مشتركة؟) الصادر سنة 2013 لمؤلفه (كارلود يعلى آياتي). وهناك من صور الأصولية الإسلامية واعتبرها منتوجًا مصغرًا للنظام الاقتصادي العالمي الراهن مثل كتاب (الدفع بإمبراطورية الكون: وجه يانوس وصراع الشركات من أجل الثروة والسلطة) لمؤلفه (طاطاه مانطان) الصادر سنة 2014.

وسعيًا وراء توضيح الدلالات المتبطنة وراء إلصاق الأصولية بديانة محددة وهي الإسلام، وعلى هامش جرد العديد من البيبلوغرافيا التي تناولت ظاهرة الأصولية الدينية، يؤكد ماسيمو ليوني أنّ عملية الربط هذه "لا يمكن النظر إليها بوصفها إجراءً محايدًا، بل العكس، إنّ هذا الشعار يستبطن وعيًا إيديولوجيًّا محددًا اعتبارًا لما يشتمل عليه مصطلح الأصولية من إيحاءات سلبية."[20]

والخلاصة أنّ الأعمال التي كتبت حول الأصولية في ديانات أخرى غير الديانة الإسلامية تبقى مع ذلك قليلة ونادرة. وهذا ما جعل ماسيمو ليوني يؤكد أنّ ربط الأصولية بالإسلام يعتبر عملاً إيديولوجيا بامتياز.

وعلى هامش جرد صنفي المؤلفات التي أنجزت حول الأصولية الدينية، يؤكد المؤلف أنّ الدراسات والكتابات التي حازت على القدر الأكبر من الاهتمام من لدن الباحثين، هي تلك المنشورات العلمية التي خاضت في المظهر اللغوي والتواصلي والسيميائي للأصوليات. ويحيل على دراسته (سيميائيات التأليف الأصولي) الصادر سنة 2013. فضلاً عن أنّ هناك مؤلفات ركزت على فعالية الوسائط الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي في نشر الإسلام الحقيقي أي الإسلام غير الأصولي. ويمثل لهذا الصنف بالسيرة الذاتية للكاتب (أمير أحمد نصر) (إسلامي: كيف سلبت الأصولية عقلي وكيف حرر الشك روحي). وكذا كتاب (جذري: رحلتي مع التطرف الإسلامي) الصادر سنة 2013 لمؤلفه (ماجد نواز).

ويختم ماسيمو ليوني هذا الفصل بخلاصة مؤداها "أنّ هذا الصنف الأخير من المؤلفات الذي تمت الإشارة إليه والذي ركز فيه أصحابه على التعريف بالإسلام الحقيقي في جوهره وأصوله غير المؤدلجة هي ما يبرر كون عمليات الترك والفرار من تيار الأصوليات الإسلامية تمثل نسبة أهم من الميل والنزوع العاطفي نحوها."[21]

4- الفصل الرابع: الأصولية بوصفها أسلوب حياة

بعدما انصب التحليل في الفصول السابقة على الدلالة المعجمية لمصطلح أصولية، وبعد المساءلة النقدية لدلالاته في البيبلوغرافيا المعاصرة، تمحور البحث في هذا الفصل حول التفكير سيميائيًّا في هذه الظاهرة. وينطلق المؤلف في هذا المسار من البحث في مفهوم الأصولية من طرح السؤال التالي: هل يمكن، على الرغم من الاختلافات الناجمة عن خصوصية السياقات الدينية والتاريخية والجغرافية والسوسيوثقافية، تحديد نواة مركزية سيميائية وظاهراتية تنتظم حولها كل هذه الاختلافات وتؤدي إلى إحداث جو عائلي يمكن الكشف عنه في كل هذه التجليات التي تهم المعنى الديني؟ وهل يمكن تحديد الجوهر الوجودي للأصولية الدينية؟

إنّ أهم ما يميز الدلالات التي يكتسيها مفهوم الأصولية، ومن خلال البيبلوغرافيا التي سبق جرد أمثلة لها، يبين بوضوح مستوى من الفوضى واللانظام الذي يهيمن على دلالات المفهوم. وهو ما يطرح مسألة غياب النسقية عن تلك الدلالات.

ولإيجاد علاقة نسقية بين مختلف دلالات مفهوم الأصولية، كما وردت في البيبلوغرافيا أو في المعاجم، يقترح المؤلف إعمال مبدأ التأويل السيميولوجي الذي ينبني على مستويين: مستوى أكثر تجسيدًا ويسميه مستوى بروز المعنى، ومستوى أكثر تجريدًا وهو الموسوم مستوى تكرار المعنى. يقول: "إنّ ما يحلم به الأصولي ضمنياًّ هو العودة القصوى حيث لا حاجة إلى الحرية. إنّها طبيعة خالية من كل أثر دال على الحداثة: إنّ هذا هو الهدف النهائي للأصولي."[22] وقد عمل ماسيمو ليوني على توضيح هذين المستويين من خلال:

سيميائيات كونيل

يقول المترجم: "اخترع (ديودوني) إشارة (كونيل) أو إشارة الذراع الممدودة التي انتشرت بين مختلف فئات الشعب الفرنسي، وأصبحت بالنسبة إليهم رمز الغضب على النظام ومعارضته والوقوف ضده. وقال "(آلان سوزال) الكاتب والسينمائي الفرنسي السويسري: عندما نرى عناصر من الشرطة والجيش ورجال الخدمة المدنية والطلبة الذين يعبرون عن التمرد ضد الذين يقفون ضد (ديودوني) فإنّ السلطة تقلق. واعتبرها (روجي كيوكيرمان)، الرئيس التمثيلي للمؤسسات اليهودية لفرنسا في تصريح للإعلام الفرنسي بأنّها حركة النازية مقلوبة. وأضاف لقد أصبح (ديودوني) محترفًا معاداة السامية.وهذا مقلق جدًّا."[23]

في قراءته وتحليله لإشارة كونيل يرى ماسيمو ليوني أنّها مثل أي ظاهرة تواصلية تشتمل على مستويين هما مستوى التعبير ومستوى المحتوى. "إنّها تمفصل الجسد باعتباره مادة تعبيرية مع شكل دال، مبتكر أو أعيد ابتكاره من لدن ديودوني، لإعطاء مادة تعبيرية إلى المحتوى المدلول.

أما المحتوى فهو جزء لايتجزأ من أولئك الذين يظهرونه. ممّا يتيح فرصة التعرف عليه في شموليته ذلك في التحام تام بين قصدية تواصلية فردية وجسد يحاول إيصال رسالة ما. إنّ الجسد كله في إشارة كونيل هو من يتحول إلى شبكة تواصلية اجتماعية تعبر عن إيديولوجيا ديودوني"[24]

إنّ العلاقة بين هذا النوع من الإشارات والإيديولوجيات للتكرار هي علاقة واضحة وبديهية: فمن جهة نبين أنّ الإفصاح عن الجسد من خلال الإشارة الشمولية يسمح لأولئك الذين يظهرونه بالانعزال داخل جماعة لتشكيل فئة منغلقة قادرة على مقاومة كل الضغوط الخارجية. ومن جهة أخرى، وخلافا لما سبق، فإنّ الإشارة الشمولية تجسد إيديولوجيا التكرار بالمعنى الذي لا يمكنها أن تخضع لأي إعادة صياغة فردية. فعندما ننخرط في المجموعة الشمولية يكون الجسد هو القناة الأولى لإظهار التنازل عن كل فردانية لصالح إيديولوجيا الجماعة"[25]

ولتعضيد ما ذهب إليه ماسيمو ليوني حول الارتباط القائم بين إشارات الجسد والتضمين الإيديولوجي يقدم مثالاً الشريط السينمائي الألماني "الموجة" والذي تدور أحداثه بإحدي المؤسسات التعليمية حيث إنّ أحد الأساتذة يقترح دراسات لنظم الإيديولوجيات إذ بدأ المدرس يشجع تلاميذه على محاكاة تنظيم تابع لجماعة أو حركة إقصائية. فقام بابتكار تحية، وهي عبارة عن حركة متموجة للذراع اليمنى وطلب من التلاميذ اعتمادها بشكل جماعي، مما ترتب عليه نتائج مأساوية وذلك بأن أصبحت هذه المجموعة من التلاميذ تعادي تلاميذ المؤسسة الذين لا ينتمون إلى المجموعة نفسها.

وينطبق هذا على الأديان حيث يلاحظ أنّ كل ديانة تتبنى إشارات وحركات جسدية تميزها عن غيرها من الديانات الأخرى. "إنّ تأسيس ديانة ما معناه وضع صياغة تعبيرية جديدة تهم جسد المؤمنين".[26]

إنّ المؤمنين بديانة أو بالأحرى بتوجه إيديولوجي لجماعة دينية معينة قادرون على تحويل جسدهم إلى علامة دالة على انخراطهم اللامشروط في أقوال الزعيم وأفعاله وسلوكه.

إنّ قراءة إشارة كونيل وتأويلها واعتبارها إشارة جسدية توحي بمعاداة السامية هو ذلك التناص الموجود بين هذه الإشارة وبين رمز النازية الذي يحمل في طياته دلالات معاداة السامية، وليس محتوى التعبير فقط هو الذي يحمل هذه الدلالة بل إنّ ما يزكي هذه القراءة هو خطاب ديودوني في محتواه الإيديولوجي.

ومن هنا يتضح أنّ التحليل السيميائي يربط بين الدراسة البنيوية للأشكال التعبيرية والتحليل الدلالي للمحتويات. فعلى ماذا تدل إشارة (كونيل) في سيمياء الكون الفرنسي؟

إنّ الجواب على هذا السؤال يقتضي معرفة قصدية القائمين بهذه الإشارة وقصدية مشاهديها وقصدية الإشارة في حد ذاتها أو ما يسمى بقصدية النص عند (أمبرطو إيكو).

إنّ أهمية ما يلاحظ على هذه الإشارة هو أنّها تحمل تناظرًا عنصريًّا وجنسيًّا في الوقت نفسه، وإنّ التناظر بين هذين التناظرين هو ما يولد قصديتها. يقول ماسيمو ليوني: "إنّ إشارة (كونيل) منظورًا إليها في سياق أوسع تعبر عن مضمون يلزمنا الإحالة عليه داخل توجه ثقافي أعم، معبرة عن نفسها في الخليط الغامض للخطاب السياسي الساخر."[27]

سيميائيات البلاغة الجهادية

في هذا المحور ينطلق المؤلف من معطيات إحصائية تؤكد أنّ عددًا كبيرًا من الشباب الفرنسي المسلم ينخرط في تنظيمات متطرفة تنشط في سوريا ضمن تنظيم جبهة النصرة وكذا ضمن تنظيم (داعش). وهذا ما يدفع في نظره إلى طرح السؤال المتعلق بالأسباب والدواعي الكامنة وراء هذه الظاهرة. وهو السؤال الذي لا تقف السيميائيات عند حدوده، بل إنّها تذهب إلى أبعد من ذلك حين تقترح قراءة للآليات الإقناعية التي كانت وراء جذب هؤلاء الشباب والإيقاع بهم في شباك الفكر المتطرف.

في هذا السياق يؤكد ماسيمو ليوني أنّ أغلب الشباب الذين أجريت معهم مقابلات صحفية منحدرون من ضواحي باريس ومن ريفه بالتحديد ويتموقعون خارج الصورة النمطية التي كونها الرأي العام الفرنسي عن الأصولية، فضلاً عن أنّهم استقطبوا خارج المساجد وأماكن التعبد الإسلامية. إنّهم ضحايا جهاز الحاسوب. ومن هنا نستشف مع ماسيمو ليوني أنّ التطرف والإرهاب يتصيدان ضحاياهما في بؤر الحرمان والإقصاء والتهميش، وأنّ السيميائيات استطاعت أن تكشف خدع التأثيرات الإقناعية لوسائل التواصل التكنولوجي المعاصرة في القارئ النموذجي وحيلها. "فللسيميائيات مقارنة مع غيرها من المباحث المعرفية آليات تؤهلها لدراسة هذه الأشكال التواصلية بوصفها نصوصًا في نوعية مشاريعها الدلالية التي يتوقع أن تكون لها تأثيرات إقناعية على القارئ النموذجي الذي قام ببنائها."[28]

وقد لاحظ ماسيمو ليوني أنّ طابع البساطة هو المهيمن في الخطابات الإقناعية للمفتين على مواقع التواصل الاجتماعي.

فبالنسبة إلى تلك المواطنة الفرنسية التي تساءلت عن الرجم في الإسلام وعن مبرراته، فإنّ المفتي اكتفى بالقول بأنّ الحكمة الإلهية اقتضت ذلك دون اللجوء إلى ذكر مبررات أخرى لإقناع المتسائلة. ويرجع المؤلف هذه البساطة إلى ما يسميه "بلاغة العفوية الأخوية التي تهيمن على كل نوافذ الموقع. يقول: "فعندما نعتنق الإسلام في نسخته الجهادية والقتالية فإنّنا نلج كونًا خطابيًّا لا يمكننا الشعور فيه بالوحدة، بل نجد أنفسنا محاطين بواسطة إخوان وأخوات جدد حيث آصرة الدين تحل محل آصرة القرابة والعائلة."[29]

وضمن سياق الحديث عن سيميائيات البلاغة الجهادية يقدم ماسيمو ليوني مثالاً بشريط يعرض على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا الشريط الذي يؤثثه شباب فرنسيون في مقتبل العمر يبدون متأهبين بلحاهم الطويلة ولباسهم الإسلاموي متأبطين بنادق مرددين عبارات هيا إلى الشام.

إنّ الفرحة التي تبدو على هؤلاء الشباب تظهرهم وكأنّهم في فسحة سياحية تحقق لهم طموحًا أو حلمًا نادرًا. إنّها فرحة الظفر بالشهادة. يقول ماسيموليوني: "يمثل الخطاب الأصولي الجهادي مقارنة مع هذا المشهد الوجودي اختزالاً جذابًا ومغريًا، حيث طريق الشهادة قد عبدت سلفًا. والهوية الفردية يحددها مصير مشترك، والذي يستعير من خلاله خطاب تحصيل الحاصل للتعالي ملامح دالة على الثبات والجاهزية".[30]

استنتاجات:

سيرًا على منهجية البحث العلمي في الظواهر الاجتماعية والثقافية والفكرية، التي تنطلق من فرضية تفضي إلى تركيب يفضي هو الآخر إلى نتائج، ختم ماسيمو ليوني بحثه في ظاهرة الأصولية الدينية بمجموعة من الاستنتاجات التي تعتبر في نظرنا بمثابة خلاصات معرفية تجسد واقع فهم دلالات مفهوم الأصولية ضمن ما سماه في الكتاب بسيمياء الكون الفرنسي خاصة والفرانكفوني بشكل عام وانعكاسات هذا الفهم على التعاطي مع الظاهرة في الغرب وفي العالم الإسلامي. وتضمنت هذه الاستنتاجات اقتراحات وبدائل مبنية على تصور تصحيحي يستوعب الدلالات الخفية التي تستبطنها الخطابات والممارسات الأصولية والتي لا يمكن إدراجها إلا ضمن إطار نسق إيديولوجي معولم يهدف إلى تهشيم ما تبقى من قيم أصيلة وتحطيمه. ولعل أهم هذه الاستنتاجات ما يلي:

-   إنّ هناك بونًا شاسعًا بين دلالة مفهوم الأصولية، كما ورد في المعاجم والموسوعات وبين الصورة التي يقدم بها المفهوم في الخطاب الاجتماعي، وخاصة في وسائل الإعلام والصحافة غير المتخصصة وفي شبكات التواصل الاجتماعي.

-   إنّ الأصل التاريخي لكلمة أصولية يعود، وكما تؤكد القواميس والموسوعات، إلى المسيحية، في حين يتغاضى الخطاب الفرنسي والفرانكفوني عن هذه الحقيقة ويربط الأصولية بالإسلام، بل إنّه جعل منها حقيقة تهيمن على سيمياء الكون الفرنسي والأكوان الثقافية التي تدور في فلكه. وهذا ما يسبب في نظر ماسيمو ليوني التطرف والعزل الاجتماعي للشباب المسلم الفرانكفوني ويدفعه إلى الوقوع ضحية في شباك الأصولية المتطرفة أو ما يمكن تسميته مجازًا بـ "مقاولات إنتاج التطرف والعنف". ويقدم ماسيمو ليوني بديلاً علميًّا وحضاريًّا قابلاً للأجرأة والتنزيل، ومن شأنه النأي بالشباب المسلم من الوقوع في هذه الورطة، ويتمثل في شحن سيمياء الكون الفرانكفوني وسيمياء أكوان كل الفضاءات الثقافية الغربية بمعرفة أكثر دقةً وتنوعًا بالإسلام والأصولية.

ويمكن لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أن تقوم بدور فعال لإنجاح هذا الرهان.

ولقد حاولت مجموعة من الدراسات التي أوردها ماسيمو ليوني في الفصل الخاص بالبيبلوغرافيا، أن تصحح بعض مغالطات سيمياء الكون الثقافي الغربي عامة وتعاطي هذه السيمياء مع مفهوم الأصولية والإسلام. إلا أنّ ما يعيب هذه الدراسات هو عدم تركيزها المفصل والدقيق على بلاغة الأصوليات الدينية وعلى استراتيجياتها الإقناعية والظواهر الثقافية التي تنتجها.

إنّ هذا النقص هو ما حاول ماسيمو ليوني تداركه في الفصل الثالث من الكتاب، حيث خصصه لما أسماه بـ "إبستيمولوجيا السيميائيات". وهي المقاربة التي تسمح للباحث بالوقوف على قطبين سوسيو-ثقافيين يبدوان منفصلين لكنهما مرتبطان جدليًّا. ويتعلق الأمر بإيدولوجيا سيميائيات البروز وإيديولوجيا سيميائيات التكرار خاصيتين مميزتين لخطاب الأصولية الدينية وممارستها. هاتان الخاصيتان اللتان تبرزان في المظهر والهندام والإشارات والعبارات والفتاوى... أي كل ما يؤثث بلاغة الخطاب الإقناعي الأصولي. وتكمن الميزة الأساسية لهذه المقاربة في كونها تتيح التمييز بين تحديد الدلالة الإيديولوجية العميقة لمفهوم الأصولية الدينية والفهم الحقيقي لجوهر الأديان.

و تفيد هذه المقاربة في معرفة الشرط الأنثربولوجي للأصولية، وهو ما يحقق المعرفة الحقيقية بأسباب استقطاب الأصوليات الدينية لأتباعها. وتتمثل أساسًا في كونها تقدم أسلوب حياة مغايرًا تمامًا لأسلوب الحياة الذي تقدمه فلسفة الحداثة وما ترتب عليه من إحباطات تتمثل في خرق كل ما وعدت به هذه الفلسفة من تحقيق وترسيخ للقيم الإنسانية من قبيل العدل والمساواة والحرية والكرامة....

وانطلاقًا من هذا المعطى، فقد جاء الفصل الأخير من هذا البحث ليركز على ظاهرتين بارزتين، تتجلى الأولى في الممارسات الإيمائية التي أصبحت تنتشر بكثرة في فرنسا والتي تغذي ما يسمى بالعداء للسامية. وقد مثل الباحث لذلك بما سماه بـ "سيميائيات كونيل". أمّا الظاهرة الثانية فتتجلى من خلال انخراط العديد من الشباب الفرنسي والبلجيكي في تنظيمات دينية متطرفة. وترتبط هذه الظاهرة ببلاغة الإقناع التي يتوسل بها الخطاب الأصولي لإقناع أتباعه بأنّ الجماعة هي التي تمتلك الحقيقة المطلقة والمقدسة وأنّ كل من يخالفها أو يواجهها يعتبر عدوًّا كافرًا ينبغي القضاء عليه.

إنّ ما يغري هؤلاء الشباب ويدفعهم إلى الانخراط في العنف، هو أنّ خطاب الأصوليات الدينية يقدم نفسه بديلاً لأسلوب الحياة، كما صاغه الخطاب الحداثي والذي لم يقدم لهؤلاء الشباب سوى وجود غير مستقر يتألف من اختيارات صغرى ومهمات تجارية وصراعات مع الحياة اليومية يبدو أنّها لا تفضي إلى نتيجة.[31]

ولمواجهة هذه السلطة الإقناعية يقترح ماسيمو ليوني بديلاً إجرائيًّا يتمثل في تفعيل سلسلة من الإجراءات الاجتماعية والثقافية التي تهدف إلى تغيير المنظورات الوجودية للمراهقين في المجتمعات الغربية.[32]

وخلاصة القول، إنّ هذا الكتاب يكتسي، في نظرنا، أهمية قصوى لا تنحصر فقط في راهنية الظاهرة التي يعالجها وتأثيراتها السلبية في الأمن والسلم العالميين، بل إنّ هذه الأهمية تتضاعف إذا أخذنا بعين الاعتبار زاوية النظر التي تناول بها الباحث الموضوع ومنهجية الاشتغال عليه، والتي تكشف العديد من جوانب اللبس والغموض التي تحيط بظاهرة الأصولية الدينية في جانبها الإبستيمي / المعرفي، وكذا جوانب التغليط والتضليل التي تغذي الكثير من وجهات النظر المغرضة التي تناولت ظاهرة الأصولية الدينية.


[1] انظر كتابي: السرد والأنساق الثقافية في الكتابة الروائية، ضمن محور الترجمة والمثاقفة، أية علاقة؟ دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع عمان الأردن، ط 1، 2016، من ص 32 إلى ص 47

[2] أحمد إبراهيم، الترجمة وهاجس التأويل، مقال ضمن كتاب جماعي: التأويل والترجمة، مقاربات لآليات الفهم والتفسير، الدار العربية للعلوم ناشرون، ط 1، 2009، ص 35

[3] عبد السلام بن عبد العالي، الترجمة والمثاقفة، مجلة الوحدة السنة السادسة العدد: 61- 62، المجلس القومي الأعلى للثقافة العربية، ص 8

[4] حسن الزاوي، مقدمة كتاب: التأويل والترجمة، مقاربات لآليات الفهم والتفسير، مرجع مذكور.

[5] أحمد إبراهيم سر الترجمة وهاجس التأويل، مقالة ضمن كتاب التأويل والترجمة (مرجع مذكور) ص 23

[6] Jacques Darida: position; minuit; Paris 1972, p. 31

[7] أحمد إبراهيم مرجع مذكور، ص 26

[8] ماسيمو ليوني، سيميائيات الأصولية الدينية: خطاباتها، بلاغتها، وقوتها الإقناعية، ترجمة وتقديم عبد الله بريمي، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، ط 1، 2016 عمان، الأردن، ص 11

[9] المرجع نفسه، ص 12

[10] المترجم، ص 13

[11] المترجم، ص 14

[12] المترجم، ص 15

[13] المترجم، ص 16

[14] المترجم، ص 16

[15] ماسيمو ليوني مقدمة الترجمة العربية، ص ص 23-24

[16] ماسيمو ليوني مقدمة الترجمة العربية، ص 26

[17] المترجم، الكتاب، ص 37

[18] ماسيمو ليوني، الكتاب ص 47

[19] ماسيمو ليوني، الكتاب ص 55

[20] ماسيمو ليوني، الكتاب ص 60

[21] ماسيمو ليوني، الكتاب ص 66

[22] ماسيمو ليوني، الكتاب ص 72

[23] ماسيمو ليوني، الكتاب، ص 77

[24] ماسيمو ليوني، الكتاب، ص 96

[25] المترجم، الكتاب، ص 103

[26] ماسيمو ليوني، الكتاب، ص 104

[27] ماسيمو ليوني، الكتاب، ص 105

[28] ماسيمو ليوني، الكتاب، ص 107

[29] ماسيمو ليوني، الكتاب، ص 111

[30] ماسيمو ليوني، الكتاب، ص 131

[31] ماسيمو ليوني، الكتاب، ص 139

[32] ماسيمو ليوني، الكتاب، ص 139