نساء مستبدات.... أيدي ناعمة حكمت إمبراطوريات بالدماء


فئة :  مقالات

نساء مستبدات.... أيدي ناعمة حكمت إمبراطوريات بالدماء

نساء مستبدات.... أيدي ناعمة حكمت إمبراطوريات بالدماء

"المرأة مخلوقٌ بين الملائكة والبشر"

بلزاك

 

عندما نتحدث عن الشرّ والطغيان، فربما يذهب تفكير القارئ إلى الرجل ويستبعد المرأة، متناسيًا أن الجنس المعروف بالأنوثةِ والرقة، من الممكن أن يلعب هو الآخر دورًا كبيرًا في الشر، والاستبداد.. ويكونَ سببًا في معاناة الكثيرين.

في الغالب، عندما يأتي ذكر المرأة يُذكر معها الضَّعف، ولكن هناك فى التاريخ نساءٌ أخرياتٌ كتبنَ أسماءهنّ بالدماء حتى وصلن إلى العرش، فحكمنَ بقبضةٍ حديديَّة.

هذا التقرير يتحدث عن أيدٍ ناعمة حكمت العالم، وقادت الجيوش، وكانت سببًا في انهيار- أو بزوغ - حضارات وإمبراطوريات.

«موتشيه ثيان» إمبراطورة الصين.. من الحبِّ ما قتل

كانت الفتاة الصغيرة مجرَّد خادمة في القصر الإمبراطوري في الصين، وعندما توفَّت أمّها رأت في الجنازة شخصًا أحبَّته من النظرةِ الأولى، حاولت الوصول إليه مرةً أخرى لكنها فشلت، فقررت قتل أخيها على أمل أن يحضر نفس الشخص الجنازة ولكنه لم يحضر، فقامت بقتل أختها لكنه أيضا لم يحضر، صار الأمر معروفا للجميع حتى وصل إلى القصر.

وعندما علم ابن الإمبراطور بالأمر، سألها عن سبب إقدامها على قتل إخوتها، فأجابت أنها قتلتهم لعلها ترى الشخص ذاته الذي رأته وأحبته في جنازة أمها، فأعجب ابن الإمبراطور بجرأتها وصراحتها وطريقة تفكيرها «المجنونة» وغير الاعتيادية؛ فتزوجها وتوَّجها إمبراطورة على عرش الصين، وأصبحت أول امرأة تحمل لقب إمبراطورة في الشرق الأقصى.

اشتهرت موتشيه بالقسوة غير المبررة، والعنف الحاد تجاه الجميع، فكانت تصدر الأحكام السريعة بالقتل والحرق والشنق والتعذيب لأي مخالف لآرائها بشأن الإمبراطورية، فأسست بيدٍ من حديد سلالة خاصة بها فى عام 690م، وكانت تقوم بدور الحاكم عن طريق زوجها وأبنائها فى الفترة ما بين عامى 665 و690م

«كاثرين الثانية» إمبراطورة روسيا

كاثرين الثانية، إمبراطورة روسيا، التي حكمت في الفترة من 1762م حتى وفاتها في نونبر (تشرين الأول) 1796م، وحاولت في فترة حكمها أن تلعب دور الطاغية المستنير، ودافع فولتير عنها، عندما قامت بانقلاب على زوجها القيصر بيتر الثالث، وقال قولته المشهورة: «مستبدٌ عاقل خيرٌ من مستبدٍّ جاهل».

تزوجت كاترين من وريث العرش الروسي، وعندما أصبح زوجها إمبراطورًا لروسيا، أعدت له مؤامرة مع عشيقها أورلوف، عندما امتطت صهوة جواد سارت به نحو ثكنه عسكرية يقيم فيها الجنود الروس، وناشدتهم إنقاذها من بطش الإمبراطور، وطلبت منهم المعاونة على خلعه، فتقدم إليها الضباط، وأقسموا لها يمين الولاء، قبل أن يصلوا إلى القصر ويعتقلوا الإمبراطور الذي ساقوه أسيرًا إلى إحدى القلاع، قبل أن يذهب إليه عشيقها أورلوف ويخنقه حتى الموت.

بعدها صارت كاترين إمبراطورة لروسيا دون منازع، لتقرر أولًا التخلص من عشيقها أورلوف، واختارت الظابط «بوتكين» الذي وقف إلى جوارها في خلع زوجها عشيقًا لها، وكان رجلًا مهذبا أنيقًا يحب القراءة والكتب.

في هذا الوقت لم يصدق الشعب ما أشيع حول موت الإمبراطور الذي قيل أنه سقط فريسة للمرض، فلم يكن يعاني من أي مرض خطير، بل كان بصحة جيدة بشهادة أطبائه، مما أشاع بلبلة في صفوف الشعب سرعان ما انتقلت إلى الجيش، وعندما اشتمت الإمبراطورة رائحة التمرد، أمرت ضباطها الموالين لها بإجراء حمله تطهير في صفوف الجيش، وهو ما أدى إلى اختفاء آلاف الجنود والضباط المعروفين بولائهم للإمبراطور السابق، حيث كان مصيرهم، إما القتل أو السجن أو التسريح، إلى جانب ذلك قامت بحملة إرهاب في صفوف الشعب، حتى لم يعد أحد يجرؤ على الكلام أو مخالفة أوامرها.

وعلى الرغم من أنها حققت لبلادها مزيدًا من القوة والهيبة، إلا أنها كانت شديدة القسوة مع شعبها؛ ففي عامي 1774-1775 سحقت كاثرين ثورة القرويين، وزادت من سلطة النبلاء وامتيازاتهم، وانتشرت المجاعات لتوسعاتها ومحاولتها ضم كل أخضر ويابس إلى روسيا، ولوحت الامبراطورة بكل قسوة بآلة القمع والقتل لتأخذ في طريقها الجميع.

إيزابيلا الأولى ومحاكم التفتيش

كانت لنشأتها الدينية الكاثوليكية المتعصبة دورًا في قراراتها، التي غيرت تاريخ إسبانيا، حيث كان كل ما يشغل بال الكاثوليك هناك هو التخلص من المسلمين وطردهم خارج إسبانيا.

شنت ايزابيلا ملكة قشتالة مع زوجها فرناندو ملك ليون، حملة عسكرية للاستيلاء على مدينة غرناطة، آخر معاقل المسلمين بالأندلس، وطردهم خارجها، وهو ما تم بسقوط حكم أبو عبد الله محمد عام 1492م، لينتهي الوجود الإسلامي في الأندلس، وشرعت بعد ذلك إيزابيلا في إنشاء محاكم التفتيش، وتتبع النوايا والأفكار، وهي محاكم سقط الآلاف من المسلمين واليهود ضحايا لها، ليفر نحو ثلاثة ملايين مسلم ويهودي من الأندلس بعد سقوطها هربًا من جحيم التتبع والتفتيش، ومارست الملكة الدموية بصحبة زوجها كل صنوف التنكيل، ونصبت كل آلات التعذيب والقتل لكل من حاول الهرب والفرار من جحيم قشتالة فكانت مجزرة قتل 100 ألف مهاجر من أصل 140 ألف مهاجر مسلم، حيث كانت تحاول الهرب إلى أفريقيا

كانت الدموية والعنف المفرط عنوانا للمرحلة، حتى وصلت إلى احتفالات حرق جماعية كان يحضرها الجميع، ويستمتع الملك بحضورها ومشاهدتها ومدح من قاموا عليها لاحقا.

تشيسي ... بين الجارية والإمبراطورة

ولدت عام 1835م في أسرة عادية، وانضمت في مراهقتها إلى حريم الإمبراطور شيان فينغ، الذي وقع في حبها، وأنجبت له ولي العهد تونغ تشي، ورغم نجاحها في كسب ثقة زوجها الإمبراطور، الذي كان يأخذ برأيها في كل الأمور، إلا أن التاريخ ذكرها كأحد أسباب نهاية سلالة تشينغ الحاكمة، وصعود الحركة الجمهورية في الصين.

بعد وفاة زوجها، تقلد ابنها الحكم، ولكن لطمعها الجارف في الوصول إلى كرسي العرش بدلًا من ابنها، تجاهلت أمومتها وقامت بالترتيب لتدمير ابنها، فقد ورطت الملك العابث في إدمان المخدارات «الأفيون» وإدمان النساء، حتى أصيب بسببها بمرض تناسلي خطير أودي بحياته، ولم تكتف بذلك، بل ورثت العرش لابن أختها الطفل ذي الثلاث سنوات؛ حتى يتسنى لها الاستمرار في حكم البلاد.

لم تكن الملكة القاسية تطمع فقط في العرش، ولكن قلبها امتلأ شغفًا بحب القصور والأموال، فتسببت في خسارة الصين للحرب أمام اليابان؛ لقيامها باستغلال موارد البلاد في بناء القصور الفخمة.

يذكر اسم الإمبراطورة تشيسي دائمًا مقترنًا بالقسوة والظلم والطغيان، حيث امتدت فترة حكمها لنحو نصف قرن من المعاناة والاستبداد، بداية من عام 1861، ويصف بعض المؤرخين هذه الفترة بأنها كنت سببًا في استمرار الإمبراطورية الصينية، التي لم تسقط إلا بعد وفاة الإمبراطورة "تشيسي"، حيث قامت الثورة الصينية بعد موتها بثلاث سنوات.

زنوبيا «ملكة مملكة تدمر»

هي الزباء بنت عمرو بن الظرب بن حسان ابن أذينة بن السميدع. تزوجت الزباء الملقبة بـ«زنوبيا» من ملك تدمر، وكان ملكًا قويًا له هيبتة وجلاله، حتى إنه لقب بسيد الشرق الروماني، وملك الملوك، وامتدت سلطتة إلى سوريا، وعندما كان يخرج للحرب، كان يترك الحكم لزوجتة التي أدارت المملكة بمهارة عالية؛ وكانت صاحبة رأي وحكمة وعقل وسياسة.

اشتهرت زنوبيا بالقوة، والولع بالصيد، وقوة الشخصية، وحدة قراراتها، فحتى علاقتها مع زوجها اقتصر الغرض منها على الحمل؛ فإن مارست الجنس معه مرة لا تكرره مرة أخرى حتى يجيء وقت الحيض، لتتبيّن ما إذا كانت حاملاً، فإن لم تكن حاملاً منحته فرصة أخرى من أجل الإنجاب؛ وقد أنجبت منه بالفعل ابنه البكر الذي سُميّ «وهب اللات».

عندما قُتل زوجها بطريقة غامضة، تولت الحكم باسم ابنها، فازدهرت المملكة في عهدها، وأنشأت جيشًا قويًا نجحت بواسطته فى الاستيلاء على العديد من البلدان، وأصبحت المملكة محط أنظار الكثير من التجار والرحالة، تمر عبرها القوافل التجارية، حتى نافست تدمر روما في العظمة والفخامة.

هزمت زنوبيا الإمبراطور الروماني، وتوجهت صوب مصر التي كانت تحت سيطرة الرومان، كما عززت علاقتها بالحبشة، وجزيرة العرب وتوسعت مملكتها بشكل لم يكن متوقعًا.

لم تعبأ زنوبيا بعدد القتلى في أي حرب كانت تدخلها، سواء من جيشها أو من البلاد التي غزتها. كان كل تفكيرها منصبًا على توسيع مملكتها، فكانت قاسية قسوة الملوك حين لا يشغلهم سوى طموحهم الجارف.

كانت علاقتها بأورليانوس، إمبراطور روما، تسوء يومًا بعد يوم، فقرر كبح جماحها، فأرسل جيشًا إلى مصر، وآخر إلى سوريا، ونجح فى هزيمة زنوبيا التي فرت هاربة، حتى وصلت إلى نهر الفرات، ولما وقعت في شراك عمرو بن عدي رفض جبروتها الوقوع في الأسر، فانتحرت بالسم لتقول كلمتها التي صارت مثلًا يضرب بعد ذلك حتى يومنا هذا: «بيدي لا بيد عمرو»، وإن ذكرت بعض الروايات أنها وقعت بالفعل فى الأسر، وأقتيدت الى روما، وتركت لتعيش بمنزل بسيط فى تيبور، وقيل إنها امتنعت عن الطعام حتى الموت.

يمكن القول، إنه قد لا نلاحظ تطابقًا في الظروف والملابسات، التي دفعت أولئك النسوة إلى ممارسة فعل القتل بكل حمولته الدموية، ليتسنى تحليل سلوكياتهن المغرقة في العنف، وهو ما يسبب نوعًا من الحيرة لدى من يقوم بالتصدي لتحليل مثل هذا السلوك، فمن أميرة مترفة إلى خادمة منهكة لم تختلف النتيجة؛ فالعرش كان أداة لممارسة العنف والاستبداد، ليكتبن أسمائهن بالدماء في صفحات التاريخ.