236
2016 )9(
العدد
ورائها التحكم في مفاعيل التبادل الرّمزي واحتلال مواقع على
صعيد التنافس حول المشروعيّة، إنا علاقات للقوّة الرّمزيّة بين
المتكلّم المتوفر على سلطة حاضنة، والجمهور الذي يعترف ويسلّم
له بتلك السلطة.
إنّ القول الذي استوى استواء لا نزاع فيه، هو أنه «مع الطغيان
ويبحث لذاته عّ يبرّره ويجعله محلّ قبول. في
7
العنف يتكلّم»
هذا المستوى بالذات وبعد أن تبّ أنّ العنف متجذر في الممارسة
الخطابيّة، يطرح «ريكور» سؤالاً صار يملك وجاهته الفلسفيّة
طرحاً مطلوباً لذاته، إذ بعد التسليم بهذا التجذر ألا يكون
مشروعاً التفكير في إمكانيّة مواجهة العنف؟
ومناط اهتمام «ريكور» إنما هو ترصد لحظات العنف بحثاً عن
طرائق من شأنا أن تدلّنا على سبل استعمال اللغة استعمالا جيّدا،
ومجاوزة ما التبس من الإعضالات، ويرى في هذا الموضع أنه ربما
كان من الأجدر أن يقيم فيصل تفرقة بين اللغة والعنف، فتكون
اللغة مناهضة بالضرورة للعنف، وهو ما يمكن أن يكون مدخلاً
لتجريم كلّ عنف من جهة ما هو تعارضمع إيتيقا الحياة الطيِبة.
ومن هنا نتأدّى إلى مطلوبنا الذي هو الميل نحو تجذير الحقوق
وتأكيد المكاسب وتأصيل تجربة التواصل، تلك التي تتأسس على
العلاقة التفاعليّة بين الذوات، فليس الحوار فسحة أخلاقيّة، بل
هو معركة روحيّة وجوديّة ومدنيّة غير مأمونة العواقب، إنه ما
يسمح بالتحرر من مركزيّة الأنا والذّات، والانفتاح على عقل
تواصلي تفاهمي تذاوتي، وبالتالي القدرة على أن نب العالم المعنى.
وليس بوسعنا عندها إلا التفكيرفي القانون من جهة الاختيارات.
وما يهم ليس تقرير أنّ العنفهو واقع الدولة، بل النظر في الأبعاد
الفلسفيّة الأخلاقيّة التي يطرحها هذا الإشكال نفسه، وسوف
نمتحن كلّ ما تقدم من خلال التساؤل التالي: ماذا يعني أن يسود
الدولة عنف يتسم بالشرعيّة؟ وما انعكاسات ذلك على الذوات
والحياة؟
ههنا يقتضي المقام أن نوضح أنّ موطن الإحراج إنما هو
العلاقة بين النجاعة السياسيّة والقيم الأخلاقيّة، وهو إحراج
7. P. Ricœur. Lectures.1 Autour du politique. Op, Cit.p133
ليس مرتبطاً بالرّاهن، وإنما يعود الوعي بأهمّيته إلى «أرسطو»،
فقد حاول التعاطي مع هذا المشكل بشدّ الأخلاق إلى السياسة،
وقد وقف على تناقض بين المثل الأعلى الأخلاقي للحكيم والمثل
L.
العمليّ للحاكم، فانشطرت الأخلاق، وقد عمل «شتراوس»(
) على إيضاح القطيعة الحديثة مع المشروعيّة القديمة تلك
Strauss
التي تقوم على الجمع بين الأخلاق والسياسة، أو ما س ّه الحق
، وقد قدّم عناصر هامة في هذا الاتجاه
8
الطبيعي عند القدامى
) التي قطعت
Machiavel
عندما جعل من أعمال «مكيافللي»(
مع التقليد اليوناني والوسيط في الفلسفة السياسيّة ومع الوصل
الأوروبي الوسيط بين الدين والأخلاق والسياسة بداية تاريخ
.
9
التنوير
وما لا يحتاج إلى بيان أنّ عودة «ريكور» للفلسفة اليونانيّة
إنما كانت بالأساس عودة تأويليّة حاول في مستواها استنطاق
مغلقات المسائل في موضوع الدولة، واكتشف أنّ ثمة مفارقة
تتمثل في أنّ الإنسان يحيا ضمن سجلين مختلفين ومتعارضين:
سجل الحب وسجل العنف، والحقيقة أنّ هذين السجلين
يتكاملان ويتعاضدان، ولا قيمة لأحدهما دون الآخر.
. القانون من جهة ما هو إحدى وسائل السياسي
2
هكذا يتجّ أنّ التفكير في القانون هو إحدى وسائل السياسي،
الأمر الذي يستلزم الانطلاق من تحديد طبيعة الوجود السياسي
من جهة وضع الإنسان ومنزلته، من أجل ذلك وجب العمل على
تبيان أهمية الوقوفعند إمكانيّتينمختلفتين لتحديد منزلة الإنسان
وطبيعة انتمائه السياسي، وذلك من خلال العودة إلى النظريّات
الفلسفيّة السياسيّة، وقد استيقن أنّ الإشكاليّة المحوريّة مقصورة
على غاية جوهريّة هي تحديد المسافة الواصلة أو الفاصلة بين الفرد
والوجود السياسي.
ولمّا كان تاريخ الحداثة السياسيّة تاريخاً معقداً؛ تاريخ نزاع
ـ أورده صالح مصباح، فلسفة الحداثة الليبرالية الكلاسيكيّة، من هوبز
8
.15
ص
2011
إلى كانط، جداول للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى مارس
L.strauss .Pensées sur Machiavel, Trad. .Fr .Paris 1982.p.252
ـ راجع صالح مصباح، فلسفة الحداثة الليبرالية الكلاسيكيّة (مرجع مذكور) ص
9
.15 - 14
ص
عمر بوجليدة
مقالات




