235
2016 )9(
العدد
التي ترجع إليها المسألة نجدها في تواشج لطيفمع موقف المسيح
.
2
«من يغضب من أخيه فهو قاتله»
ومن أجل أن نتبّ موقف الفلسفة أكثر ينبغي علينا أن نوضح
أنّ العنف متعدد الدلالات (رعب، قتل، إقصاء)، «فهو يرتبط
بشكل عضوي باستعمال قوة يكون لها مفعول سلطوي يفتقر في
الوقت نفسه إلى ما يبرره، إنه في كلّ مرّة اعتداء على إرادة أو حرّية
.
3
أو حق أو قانون»
ويبدو أنه خليق بنا أن ننتبه إلى أنّ العنف في بنيته إنما هو تهديد
لكلّ القيم السياسيّة والأخلاقيّة، وأمارة ذلك ادّعاء المرء تحقيق
. ذلك أنه علينا أن نحترس، فالعنف، كما استوى،
4
العدالة بنفسه
ليس مفهوماً مجرّداً، بل إنّ «ريكور» لا ينفكّ يؤكد أنه إنما يجب
أن يفهم ضمن أرضية نظر جديدة من جهة ما هو تجربة، أو هو
بنية الإنسان ووجوده. إنه في هذا المستوى بالذات يظهر لنا وجه
الإقدام على توضيح أنّ «العنف ليس إفراطاً في السلطة، والسلطة
.
5
ليست الاستعمال المشروع للعنف»
ولا يسعنا للنهوض بهذه المقارنة إلا أن نوضح أنّ السلطة
مفعول خارجيّ لا تختلف عن العنف في شيء، وإنّه بالرغم من
هذا التواشج الظاهر والتقارب الممكن، نستطيع تبيان أنّ الفرق
بينهما لطيفولكنّه كبير. لحظتئذ يبرز العنف استعمالاً مادياً للقوة،
ـ «إن أحببتم من كان يحبكم فأي فضل لكم؟ وإذا أحسنتم إلى الذين يحسنون
2
إليكم، فأي فضل لكم؟ فإنّ الخطاة أيضاً يفعلون ذلك. وإن أقرضتم الذين
ترجون أن تستردوا منهم فأي فضل لكم؟ فإنّ الخطاة أيضاً يقرضون الخطاة لكي
يستردوا منهم بالمثل. أحبوا أعداءكم، وأحسنوا وأقرضوا، افعلوا الخير وأعطوا
الإنجيل العهد
12
، ص
5 ،)
من دون أي مقابل». «إنجيل متى» (محبة الأعداء
الجديد، الترجمة العربية المشتركة، دور الكتاب المقدس، لبنان، النشرة الرابعة
.1992
ـ راجع فتحي المسكيني، الهويّة والزمان، نحو أنوار جديدة، دار جداول للنشر
3
(الهامش).
76-
ص
2011
، بيروت، فيفري
1
والتوزيع، ط
4،
, تعريب محمد البحري
1
بول ريكور، العادل ج
233
ـ بول ريكور العادل ص
2003
الطيب رجب، منيرة بن مصطفى ومنير كشو، بيت الحكمة، قرطاج
233
.ص
Ricœur (Paul), Le juste, Paris, Éditions Esprit, 1995)
5. P .Ricœur. Lectures.1 Autour du politique. Ed. Seuil, 1991.p.17
وتتجّ السلطة استعمالاً رمزياً له. ولعلنا في هذا الطور من تقصينا
والذي في مستواه بدأنا نقترب من مرادنا، حقيق بنا أن نبّ أنّ
الدولة تمارس ضروباً من العنف، إذن قصدنا أن ننظر في عنف
اللغة السياسيّة من حيث ارتباطها الوثيق بالخطابة التي تقتضي
بدورها حججاً عادة ما تنبني على الاحتمال، ومن ثمة يكون
وضعها غامضاً، وإذا نحن تأملنا هذا علمنا يقيناً أنا تتأرجح بين
.
6
التدليل العقلانيوالحجة السفسطائيّة كما ألمح إلى ذلك«أرسطو»
وتبرز هذه الوظيفة الخطابيّة على أضرب ثلاثة: الضرب
الأوّل: المقصود به المناظرة السياسيّة التي نحتاج إلى القول فيها
على مقتضى توظيف اللغة في طور التحرر داخل فضاء عموميّ
للحوار، وهو ما كان يمكن أن يجد دلالته دائماً في فضاء للتصادم
بين الآراء لا يلين، ويتحصل ممّا أسلفناه أنّ واقع استعمال اللغة
يكشف عن مفارقة تظهر في كون التصادم مفتوحاً. وإمعاناً في
التحديد والضبط يذهب «ريكور» إلى أنه يشتغل وفق قواعد
متفق عليها، وهي في الوقت ذاته ملزمة. أمّا الضرب الثاني فيومئ
في مستواه إلى ضبط غايات الحكومة الجيّدة، وقد يذهب بعيداً
عندما يبّ لنا أنّ هذا النقاش لا يكون حول القرارات فحسب،
بل حول تلك المفاهيم التي لا تنفصل عن غايات الحكومة
(المساواة، العدالة). وفي أفق هذا الفهم لا تكون وظيفة الحوار
تبريريّة للعيش المشترك، بل هي اختيار لشكل معين للدولة،
وإذا نحن أمعنا النظر في الضرب الثالث، فسنلاحظ أنه يرتبط
بالشرعيّة، وهكذا كان مناط الإشكال إنما يدور حول سؤال
أساس مهمته ومرتكز قوله تحريك التفاوض السياسي، إذ ليس
لماذا عليّ أن أطيع الدولة، وإنما هل لي أن أتعرف على نفسيفي هذا
الشكل من أشكال الاجتماع؟
وبّ بنفسه أنّ ما يستجمعه هذا السؤال الحاسم إنما يعود إلى
مدىشرعيّة الدولة، وإذا نحن دققنا النظر فيما أومأ إليه «ريكور»
يتبّ تعدد مظاهر الاستعمال الخطابي للّغة السياسيّة، وأنّ الذيلا
يعتريه شك هو أنّ اللغة غير منفصلة عن العنف، فاللغة والعنف
يحتلان مجموع النشاط الإنساني، ويظهر عنف اللغة جليّاً في المجال
السياسي، لأنّ اكتساب الحق في الكلام والقدرة على تصريف
المعاني والقدرة على الإقناع ليس إلا عمليّة سياسيّة، يراد من
6. Ibid. p 161
الفعل الإنساني بين الحق والقانون
مقالات




