Next Page  237 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 237 / 362 Previous Page
Page Background

237

2016 )9(

العدد

بين برنامجين: برنامج جمهوريّ ابتدأ مع «مكيافللي» و«سبينوزا»

و«روسو»، وبرنامج ليبرالي يعود ظهوره إلى «هوبز» وقد طوّره

«لوك» و«هيوم»، «ممّا يعني أنّ الحلّ الليبرالي لقضايا الحداثة لم يكن

.

10

الحلّ الوحيد، بل نافسه تاريخياً حلّ آخر هو الحلّ الجمهوريّ»

فقد استبان تصوّران مختلفان يشدّ أولهما الوجود السياسيّ إلى

الفرد، في حين يشدّ الثاني الفرد إلى الوجود السياسي، ويكشف أنّ

الموقف الأول إنّما يعود خاصة إلى «جون لوك» و«جون ستيوارت

ميل». وينهض على ما مفاده أنّ الفرد قيمة في حدّ ذاته، من جهة

ما هو ذات حاملة لحقوق طبيعيّة (الحق في الحياة والملكيّة و...)

من قبل المجتمع وبوجهه، وهكذا يتجّ المجتمع فضاء مؤسساتياً

، دوره الأساسي حماية هذه الحقوق وضمانا، فالحقوق الطبيعيّة

. ويعود التصور الثاني إلى

11

مفترضات مقدّسة لا يحق انتهاكها

(هيغل وماركس)، وهما يؤكدان - وإن اختلفا - أهميّة مجاوزة

الموقف الأول ومسلّماته، فالقول إنّ للذات حقوقاً، بغض النظر

عن الانتماء السياسي، من المسلّمات التي باتت منازعتها لا تخطر

على بال. وعلى هذا النحو فلا معنى لإنسانيّة الإنسان إلا ضمن

(المرجع

14

  ـ انظر صالح مصباح، فلسفة الحداثة الليبراليّة الكلاسيكيّة ص

10

السابق نفسه).

وبالرغم من أنّ «العربية» هي الوسيط بين اليوناني واللاتيني، وأنّ قدر القارة

الروحية التي تحمل اسم «الإسلام» قد صار جزءاً لا يتجزأ من قدر «الغرب»،

فإنّ «ريكور» يغفل ذلك كله، بل لا يذكر «الإسلام» مباشرة ولا يخاطر بذلك،

بل إنّ «ريكور» الواسع الاطلاع ـ فيما اطلعت عليه منه ـ والذي حاول أن يكون

منفتحاً على كل الثقافات، لا يستشهد بمؤلفات عربية إلا نادراً (هناك استشهاد،

منه، عابر بـ«إدوارد سعيد» في الجزء الثالث من الزمان والسرد، أيضاً في: الذاكرة،

التاريخ، النسيان بالسوري«ريمون قسيس»، ليصفه بأنه أفضل عارف بـهوسرل).

  ـ لا أحد رهن إرادة غيره، إذ ولدنا كلنا أحراراً ومتساوين، ولقد كانت المهمة

11

التي اضطلع بها تاريخياً الليبراليون الكلاسيكيون من أمثال «لوك»، التعبير عن

رفضهم أن يكون البعض من الناس خاضعين طبيعة لغيرهم، تخيّل هؤلاء حالة

طبيعية يحظى فيها الجميع بالمنزلة نفسها. فكما قال «روسو» «ولد الإنسان

حراً، ومع ذلك فهو مكبل في الأغلال في كلّ أنحاء الأرض»، ليست فكرة حالة

طبيعية إذن مصادرة أنثروبولوجية على وجود وضع ما قبل اجتماعي للبشر، وإنما

مصادرة أخلاقية في عدم تبعية بعض البشر للبعض الآخر طبيعة.

ـ انظر، كيملشكا (ويل)، مدخل إلى الفلسفة السياسية المعاصرة، ترجمة منير

.91

ص

2011

الكشو، المركز الوطني للترجمة، تونس

الفضاء السياسيّ الذي يسبق وجود الفرد ويتعالى عليه.

وإذا نحن تأملنا في صيغة هذين التصورين وجدناهما يمثلان

في الحقيقة تأويلين مختلفين للانتماء السياسي، رغم اتفاقهما على

أهميّة الانتماء السياسي في ذاته وما يرتبط به من قوانين. ولا يسع

«ريكور» هنا إلا أن يقترح إمكانيّة المفاضلة نظرياً بين هذين

التصوّرين، ويبدو جليّاً أنه يجنح إلى التصور الثاني، إذ يراه

أكثر وجاهة، ويسوّغ هذا الميل بقيام هذا الموقف على ما يسميه

، وتنهض هذه الأنثروبولوجيا على

12

«أنثروبولوجيا الفعل»

الفعل الإنساني القابل للتطوّر، فهي تصوّرات تروم إقامة اعتبار

للقدرات الإنسانيّة المتعددة أساساً للسعي المتواصل نحو الاكتمال

والتحقق، في حين يفتقر الموقف الأول إلى أساس أنثروبولوجي

صارم، وهو ما يعني أنه بناء افتراضيّ يعّ عن بلوغ فكرة الفرد

المستقلّ إلى قمّة سلّم القيم في المجتمع الإنسانيّ، ذلك الفرد لا

يشرّع من القوانين إلا ما يمكن أن يخضع له على نحو ك ّّ، إنه

لا يخضع إلا لإرادته الخاصّة، إنه الحقّ في الاحتكام إلى قوانيننا

الخاصّة، وهو الذي جعل المرور من «قانون الذات» (أوتو

) في معنى الذي

autonomos

) إلى (

autonomia

نوموس) (

يخضع إلى قوانينه الخاصّة ، وهذا هو مقتضىالاستقلال، ثم المرور

من معنى مدنيّ (القانونالذاتي) إلى معنى إيتيقي (الفعل الإرادي)،

)

Antigone

بل وحتّى جمالي كما يظهر في مسحيّة «أنتيغون»(

.

13

)

Sophocle

لـ«سوفوكلس»(

لقد استبان أنّ التنبيه إنما يكون إلى أنّ السلطة السياسيّة ليس

لها من مصدر ولا معنى إلا من خلال فكرة الإلزام الناتج عن

الانتماء، وهو التزام بطاعة قواعد مشتركة تحدد تحديداً صارماً.

والأمر الحاسم فيظهورها هو أنا شرط تطور قدراتوإمكانيّات

الأفراد التيبها يكون الإنسان إنساناً، كما أنّ السبيل الوحيد للتمتع

. والملاحظ أنّ

14ً

بخيرات الانتماء إنما هو أن يمنح الناس مقابلا

هذا التحديد الذي يؤثث طبيعة الانتماء السياسي يوضح أمرين

نحن نروم أن نكشف عنهما بالانتباه إلى أنّ الفرد لا يكون حرّاً

إلا داخل الفضاء السياسي، وهي أطروحة قد عّ عنها خاصة

12. P.Ricœur. Lectures.1 Autour du politique. Op, Cit .p163

73

  ـ انظر فتحي المسكيني الهويّة والحرّية (مرجع سبق ذكره) ص

13

14. P. Ricœur. Lectures.1 Autour du politique. Op, Cit .p164

الفعل الإنساني بين الحق والقانون

مقالات