Next Page  238 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 238 / 362 Previous Page
Page Background

238

2016 )9(

العدد

«روسو» و«هيجل» من خلال التمييز بين الحرّية الطبيعيّة المجرّدة

والحرّية المدنيّة العينيّة.

وإنّ ما ينبغي أن يشغلنا ههنا هو العزم الذي يطالب الفرد بأن

يظهره، اعتناء بشكل الوجود السياسي الذي ينتمي إليه بنحو من

الأنحاء بما هو كلّ، ويبلغ الاستدلال مرماه حين يسمح بتطوير

) بقدرته على الفعل

l’acteur

إمكانيّاته، فإذا الاعتراف للفاعل (

ما يجعله جديراً بالاحترام.

)l’action

(

ولو تمعّنا قليلاً لاستنتجنا أنّنا نرتدّ صوب اكتشاف للحقّ لا

) لـ«هوبز»

Léviathan

يكون إلا في ثنايا كتاب «الليفياثان» (

من جهة ما هو أوّل نص يختزن المعنى الحديث للحق، وهو

JUS

الأفق الذي تتكون داخله مسألة الدولة والعلاقة بين الحق

، بل هو هذا الضرب من التدبير لترتيب ماهيّة

LEX

والقانون

الدولة.

ّ الصعوبة التي يثيرها «هوبز»، وذلك

ولنحاول الآن تق

برسم طريق نروم من ورائه تبيان الفرق بين الحق والقانون، إذ

القانون من جهة ما هو قاعدة ملزمة ضابطة للسلوك أو مانعة له

هو ما يعّ طبيعة العلاقة بين الحق والعنف، فـ«الحق يختلف عن

القانون، لأنّ الحق يعتمد علىحرّية المرء في أن يقدم على فعل أو أن

يحجم عنه، في حين أنّ القانون يرتبط بأحدهما دون الآخر، أعني

.

15

أنه يحدد ويلزم»

إنّ ما نريد إظهاره بصورة بارزة يتعلق بتأكيد مفاده أنّ القانون

، لذا فإنّ ما يمكن

16

والحقّ إنما يختلفان بالضبط كالإلزام والحرّية

15. T. Hobbes. Leviathan, Léviathan, traduit Tricaud, Paris sierg

1971.p

بيد أننا نجد من

Etat De droit

  ـ تشير دولة الحق إلى العبارة الفرنسيّة

16

يعربها بـ: دولة القانون، إنّ الأمر لا يتعلّق ههنا باختلاف في الترجمة بل في قرار

هيرمينوطيقي خطير، إنّ تعويض «الحق» بـ«القانون» معناه إخراج معنى الدولة

تلك من أفق الحق الطبيعي الذي ينظم علاقة السلطة بالمواطن إلى أفق الشرعيّة

المحضة الذي يجرّد دولة الحق من روحها الحقوقيّة ولا يبقي فيها إلا على

طابعها الشرعيّ، أي من حيث هي تملك صلاحيّة مبدئيّة لممارسة ضرب بعينه من

.88

السلطة، انظر فتحي المسكيني الهوية والزمان (مرجع مذكور) ص

أن يسترعي الانتباه هو أن يكون العنف ضرباً من ضروب

الاعتداء على القانون وإمعاناً في التحديد والضبط، نبّ أنه إنما

هو الاعتراضعلى الإلزام والإقبال على الحرّية من دون التزام بما

يفرضه القانون، وهوضربخطير من اللقاء مع الحق مستحيل.

وما يجدر بنا ألا نغفل عنه، أنّ الحقّ هنا يرادف العنف، من جهة

ما هو إخلال وانحطاط بالقانون، وغني عن البيان أنّ انشغال

«ريكور» بالقانون الذي يحتمه الانتماء السياسي للإنسان لم يكن

الغرض منه التمجيد أو النقد، بل إنما كان الغرض إدراك ما

ينهضعليه من مفارقات، ومن ثمّة تتراءى لنا جليّة خلفيّة موغلة

في الشفافيّة كاشفة عن خصوصيّة السياسيّ، وفي هذا المستوى

بالذات استطاع «ريكور» حصر وتحديد الغاية التي ترمي إليها

السلطة السياسيّة، وهي أن توظف القانون قوّة أو قدرة بواسطتها

تمارس ما يناط بها من مهامّ. وإنّ هذا الإقرار هو أمر ذو دلالة

كبيرة، ووجه الدلالة هنا هو أنّ القانون فعل إرغام.

ويذهب «ريكور» إلى أنه حقيق بنا في هذا المستوى أن نفكر في

استتباعات المماهاة بين القانون والقوّة، ويعتبر أنّ هذه المشاكل لم

تكن لتطرح لو كانت حياة الناس في الدولة قادرة على أن تعبر

تعبيراً كاملاً عن مقتضيات الوعي الأخلاقي، ونرى مفيداً في

القصد الذي يعنينا أن نوضح أنّ «ريكور» إنما كان حريصاً على

استجلاء أهميّة انفتاح السياسي على ما هو أخلاقي، فقد سعى

إلى فك كثير من مغلقات الأمر بالانتباه إلى أنّ الفلاسفة اليونان

) فضاء، قدروا أنّ الحياة الأخلاقية تبلغ

Polis

اتخذوا من المدينة (

عنده وفي مستواه كمالها، وأقرّوا اكتمال المدينة غاية ما يصدر عن

الذوات كافة من سلوك، إلا أنّ الواقع العيني ينبئنا أنّ هذا الزعم

الرائع لم يصمد أمام المشكلات، وهكذا انزاح الأخلاقي عن

.

17ً

السياسي انزياحا

  ـ الصلة بين معنى السياسي ومعنى المدني مبثوثة في المقابل اليوناني

17

) وهي

Polis()

)، فهذا اللفظ مشتق من (بوليس

Politikos()

(بوليتيكوس

المدينة، وقد كان فلاسفة اليونان يرون في (المدينة) النموذج الأكمل للمجتمع

وبنوا تصوراتهم للسياسة والتدبير على مقتضى هذا النموذج فجاءت كلمة

«بوليتكوس» لتدل على السياسي والمدني معاً حتى لا انفكاك لأحدهما عن الآخر،

ويترتب عن هذا الجمع بين المعنيين، أنّ الأخلاق اليونانيّة هي أخلاق مدنيّة

سياسيّة وصفت بكونها «أخلاق المواطن الصالح» علماً بأنّ مدلول «المواطنة»

عمر بوجليدة

مقالات