Next Page  234 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 234 / 362 Previous Page
Page Background

234

2016 )9(

العدد

*

عمر بوجليدة

استهلال

لعلّ أوّل ما ينبغي التذكير به هو أنّ الانمام بالسياسيإنما ينهض

علىضرب من التسليم، مضمونه كون السياسة فعلاً وممارسة في

ثناياها ومن خلالها تنجز محاولة التعرّف على مقتضيات السياسي

وفهمها، أو ذلك الذي خوّلنا له تدبير شأننا، كما أننا نريد أن

ننظر في الطابع الإشكالي لهذا المقتضى للأنثروبولوجيا الفلسفيّة

التي كانت تفهم في علاقة وثيقة بـ«الهشاشة الإنسانيّة»، أي

محدوديّة الإنسان نفسه تركيباً مزيجاً من الإثبات البدئي والسلب

الوجودي.

فالإنسان هو «فرحة الـنعم» في حزن المتناهي، ما من شأنه أن

يؤكد الإنسان وسيطاً للواقع خارج ذاته توسطاً هشاً لذاته، إنّ

التفكير في وسائل السياسي إذن إنما هو في وجه من وجوهه تعاطٍ

مع الإنسان المتألم، في علاقة بتجربته السياسيّة من جهة ما هي فعل

مقاومة غير عنيف. هكذا يكون متاحاً لنا أن نتساءل، وأن نرسم

لإشكالنا خطة، محاولة منا للتخلّصمن ذلك الحذر الشديد الذي

يؤكد الاقتران بين السياسة والعنف، وكيف للسياسي أن ينجح

في اختراع الاقتران الصعب بين الحق والقانون؟ وهل غايته إلغاء

إمكانية العنف، أم أنّ السيطرة على إمكانيّة العنف طموح لا

يتعداه؟

. العنف بين السيطرة والإلغاء

1

نودّ أن نرافق هذا المسعى إذن الذي يشخص مسألة العنف

ومقاربته على نحو فينومينولوجي - وليست الفينومينولوجيا غير

علم تجربة الوعي- ولعلّ ما يكون بياناً لذلك أنّ ماهيّة الشيء

إنما تتجّ في حضوره وظهوره، وهو ما يعني أن نكون على وعي

بالعنف من جهة ما هو وعي لا يعرف من نفسه غير تجربته. وإنه

الحق والقانون

الفعل الإنساني بين

ضمن هذا الأفق يشار إلى أنّ هذا الوعي إنما يكون من خلال

معاينة مظاهر حضوره في التجربة الإنسانيّة بكلّ أبعادها، وهو

ما يعني أنّ التفكير في العنف يستلزم تفكيراً في الإنسان ومعنى

مقامه في العالم.

من أجل ذلكلا بدّ من إنجاز تشخيصلمظاهر العنفوتفكيك

لمرتكزاته، فقد أصاب الإنسان في مستواه ارتباك فظيع أفقده

كلّ ارتباط بالحياة، ذلك أنّ العنف يرتبط بتجربة اللذة والألم

والسعادة ، من جهة ما هو التجلي العيني لغرائز الموت. ذلك أنّ

التاريخ برمّته يتغذى من هذا المرعب، ولأنّ الدولة موقع لتكثيف

العنف وتحويله بامتياز، فالسياسة ترتبط بالسلطة وهي من توجه

الذوات.

يدفعنا هذا الأمر إلى اكتشاف أنّ المطلوب يتعدى ترتيبعلاقتنا

بذواتنا ليشمل من هم ليسوا نحن، فضلاً عن أنّ العنفلا يكون

مجرد قوة، بل إنما هو فعل وتأثيرفي كل مرّة على أنفسنا وفي الأشياء

وفي الآخرين. ومتى عرفنا هذا جاز لنا تأكيد دلالته الوجوديّة،

الفينومينولوجيّة التاريخية، ومن يتبصرهذه الحقيقة لا يسعه إلا أن

يدرك أيضاً أنّ التاريخ إنما يتجّ في علاقة جدليّة مع الوعي، ليس

لأنّ الوعي نقيض العنف، بل لأنما يحضران معاً. وممّا لا ريب

فيه أنّ محاولة الإحاطة بأشكال العنف مشدودة إلى ضرب من

، وعند إماطة اللثام عن الأصول البعيدة

1

ضروب أخلاق الحب

ـ يحاول ريكور إيجاد جسر للتلاقي من خلال مفهوم وممارسة العطاء. فالعطاء

1

فيض من التعاطف النفسي يتحول إلى فعل، بدلاً من المعاملة بالمثل. فريكور

مهتم بكيفية تحويل الوعي إلى الفعل في فيوضات من الحب. والنص الديني

يصبح مرآة للذات، وتعددية خطابه الظاهر تؤول إلى الأبعاد الفردية المختلفة

والمتعددة. الحب والعدالة، ترجمة حسن الطالب مراجعة، جورج زيناتي، دار

.2013

الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة، الأولى

مقالات

*باحث من تونس