243
2016 )9(
العدد
والمدينة والحضارة؛ رابعاً: الأنموذج الطبي: الانشغال بالذات
والعناية بالآخرين؛ خامساً: الحكمة بين الفلسفة والفقه؛ سادساً
وأخيراً: المدني والتاريخ.
تيمة الكتاب
يحرص بنمخلوف، منذ السطر الأول من مقدمته، على بيَان
هدفه من الكتاب بياناً صريحاً. فحسب قوله: «يروم هذا المؤلّف
أن يبين كيف أنّ الفلسفة العربية، كما تمظهرَت وع ّت عن نفسها
بين القرنين الثامن والخامس عشر، تشكّل جزءاً لا يتجزأ من
.
1
تاريخ الإنسانية الفكري»
الواقع أنّ الفلسفة العربية إذ اتخذتشكل كلامٍ قِوامُه الحجاج
والاستدلال لا شكل كلامٍ مصدرُه الوحي، فإنا اتجهتصوب
أرسطو بوجه خاص تلتمس لديه من الأدوات ما تتوسل به في
إثبات صحة مسوّغاتها الفلسفية. وقد لفت «ليو شتراوس»
الانتباهَ إلى هذه السمة الفريدة في الفلسفة العربية واليهودية،
حيث نراها تحتكِم دوماً إلى محكمة الشرع الإلهي لتُخضِع لها
الحقيقة.
. الفلسفة العربية: تقليد إنساني
1
وضع الفلسفة العربية بين الاتباع والإبداع
لقد درَج الباحثون في الغرب على اعتبار العصر الوسيط حقبةً
«مظلمة حزينة». إلا أنا كانت لحظة شديدة الخِصْب والثراء من
حيث ما أفرزته من تأملات ميتافيزيقية ومنطقية ما يزال يبتهج لها
ويستمتعبها فلاسفة الوقتالراهن. ولقد كان الشارحُ بامتياز عند
.
2
السكولائيين اللاتينيين هو ابن رشد، «الأب الروحي لأوروبا»
وعلى الرغم مما تبوّأته الفلسفة العربية من مكانة هامة في تاريخ
الفكر الإنساني، إلا أنا عُومِلت على أنا فلسفة سِمتُها الاتباع
ليس إلا. هذا الإجحاف إنما مردّه إلى تواتُر جملةٍ من الأفكار
1. A. Benmakhlouf, Pourquoi lire les philosophes arabes ?, Albin
Michel, Paris, 2015, p. 7.
2. M. R. Ayoun et A. Libera, Averroès et l’averroïsme 1969, p.15,
cité dans Benmakhlouf 2015,19.
النمطية التي لا ترى في الفلسفة العربية التي بلورَها المسلمون
سوى نسخة باهتة من الفلسفة الإغريقية.
«ليس لدينا ما نتعلّمه لا من ابن رشد ولا من العرب ولا
، هذا ما قاله المستشرق الفرنسي «إرنست
3
من العصر الوسيط»
رينان» الذي أفرد مع ذلككتاباً لابن رشد والرشدية. هذه الفكرة
النمطية تقضي بأنّ الفلسفة العربية ظلت منحصرة في الاتباع
والتقليد ولم تعْدُ كونَا جساً اتخذته الفلسفة الإغريقية للعبور من
أثينا إلى باريس، ثم إلى أكسفورد وبادوفا. غير أنه يتضح في ضوء
تحليل المتن الفلسفي أنّ الفلسفة العربية خلقت أنموذَجاً فكرياً
جديداً لا يمكن حصر روافِده في الفكر الفلسفي الإغريقي، كما
يقول بنمخلوف.
وهكذا فإنّ القرآن، هذا النص الديني، يحدُونا، على حد تعبير
ابن رشد، إلى البحث عن المعرفة وتعميق النظر فيها بشكلها
العقلاني؛ أي تبعاً لأنماط القياس التي وضعها أرسطو، من قياس
خطابي وقياسجدلي وقياس برهاني.
وقد كان الفيلسوف العبري الوسطوي ابن ميمون قريباً من
هذه الفكرة، إذ ذهب إلى أنّ محبة الله تقتضيضمنياً معرفته، ومن
شأن هذا أن يشكل: «ما يستلزم فهم ما يبلغه من حقائق وإقامة
الدليل عليها. ومن ثَم فهناك أمرٌ إلهي ضمني بالسعي إلى معرفة
.
4
العا َ»
وقدحرصبنمخلوف، تبريراً لمذهبه وسعياً إلى تبيانخصوصية
الفلاسفة العرب، على بسط جملة من الأمثلة من ضِمنها ما ذهب
إليه ابن رشد من تمييز بين الفكر المرتبط بمَلَكتي الحس والخيال،
وبين العقل. وهذه كلّها تفصيلاتٌ وإضافات لا نجدها عند
أرسطو بطبيعة الحال، بل تبرز من خلال الشرح المقترن بقراءة
النص الأرسطي، كما يقول بنمخلوف.
3. R. Ernest, Averroès et l’averroïsme, Calmann-Lévy, réed, 1949,
p92.
4. Lés Strauss, Maïmonide, 1988, p. 87, cité dans Benmakhlouf
2015, p. 21.
مراجعة كتب
قراءة في كتاب:لماذا ينبغي أن نقرأ الفلاسفة العرب؟




