Next Page  247 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 247 / 362 Previous Page
Page Background

247

2016 )9(

العدد

إنّ ثنائية الظاهر والباطن في النص القرآني ليست متأصلة فيه

محايِثة له، بل يتوقف الظاهر والباطن على المتلقي ليس إلا. في هذا

الصدد يقول ابن رشد: «الظاهر هو تلك الرموز التي تُراد بها

مفاهيمُ معينة، والباطن هو تلك المفاهيم التي لا يتضح مدلولها

.

14

إلا لأهل البرهان»

«إنّ الظاهر هو تلك الأمثال المضروبة لتلك المعاني، والباطن

هو تلك المعاني التيلا تنجلي إلالأهل البرهان»، ينطلق الاستقراء

من الخاص إلى العام، بينما ينطلق القياس ممّا هو ك ّ.

أمّا الاستعارة فقد شكلت محوراً جديداً كان الضامن

لاستمرارية المضامين الفلسفية، ولما قام من تقاربٍ بين إشكالات

القرون الوسطى والإشكالات المعاصرة.

وقد حرصبنمخلوفعلى أن يذكرنا في هذا السياق بأعمالِ ثُلّةٍ

من الفلاسفة المعاصرين الذين أعادوا للاستعارة محتوى معرفياً

مكّن من إدراجها في حقل المعرفة وأضفى عليها قيمة مرجعية.

بل إنّ هناك من أسندَ لها دوراً في سيرورة الإنتاج العلمي.

أمّا الفلاسفة العرب فقد أبرزوا من الاستعارة جانبَها المعرفي

والمنطقي.

وحري بنا أن نشير هنا إلى أنّ «بول ريكور» و«جون سيرل» ظلا

يشتغلان على هذه الوظيفة المعرفية في اللغة. ومن بين القضايا التي

تمّ التطرق إليها في فلسفة اللغة التمييزُ بين المعنى والاستعمال من

خلال علاقته بالتمييز القائم بين المعنى الحرفي والمعنى المجازي.

هكذا يتضح أنّ الاستعارة تحمل قيمة وصفية لا قيمة وجدانية

انفعالية، وهي قيمة ترتهن باعتقادنا إزاء العالم.

هكذا فالاستعارة قد تصير صحيحة كما قد تصير خاطئة،

حسب المعلومات التي نملك عن العالم وليس حسب معرفتنا

باللغة؛ أي بمعاني الكلمات. ففائدة الاستعارة تكمن، في نظر

بنمخلوف، في كونا تقدم لنا مؤشرات بالغة الأهمية حول نشأة

المعرفة. وقد اتخذت الجملة الآتية مِثاً لتوضيح هذه الفكرة:

«زيد مفقود في إفريقيا». فالاستعمال المجازي لكلمة «مفقود»

14. Averroès, Discours décisif, trad. Marc Geoffroy p. 141.

يجعلنا نظن أنّ زيداً في عداد الأموات، غير أنّ التفاصيل تنبئنا بأنه

مفقود (أي مختفٍ) فحسب.

إنّ تغيير فهمنا للملفوظات يتوقف إذن على علاقتنا بالعالم

وليس على معاني الكلمات. وهي الفكرة التي انبثقت عنها نظرية

في فلسفة اللغة، نظرية الأفعال الكلامية التي أثرت في الفلسفة

المعاصرة بشكل عام وفلسفة التواصل تحديداً، وبالأخص مع

نظرية «هابرماس» حول الفعل التواصلي.

إنّ الاستعارة تتضمن المعنى والمرجع كما تتضمن الواقع وفهم

الملفوظ. فكيف لنا أن نختار بين مكوناتهذه الثنائية؟ هل نجنَحُ

إلى التضحية بالمرجع كما يقترح «ريكور»؟ أم إلى فصل عالمنا عن

الواقع. الحق أنّ كلاً من ابن رشد والفارابي قدّما حًّ آخر يحفظ

المعنى الحرفي ويصونه، مع تفادي أيّة ازدواجية في المعنى أو في

المرجع، فجعلا من الاستعارة قياساً منطقياً محتملاً وتخييلياً.

إنّ فائدة هذا التحليل تكمن إذن في عدم إلغاء المعاني الحرفية

والمرجعيات المشتركة. وهذا مثال ناطق يشهد باستمرارية

إشكالات المنطق وفلسفة اللغة المتقاسَمة مع الفلاسفة العرب.

. التاريخ والمدينة والحضارة

3

الفيلسوف العربي وممتهِن الخطابة: منظومة للحقيقة

«إنّ أعمال أرسطو كما أوّلتها الفلسفة العربية تُعدّ منهاجاً في

التربية. فالتربية تنقذ المدينة ومعها «منظومة الحقيقة» كما يقول

.

15

ميشيل فوكو»

وينسب الفارابي إلى أفلاطون بالذات فكرة إصلاح أساليب

الحياة حتى يتسنى للحقيقة أن تتجلى.

الفيلسوف والمشرع

يقع على عاتق الفيلسوف، في نظر الفارابي، أن يسهم في التحوّل

المعتاد الذي يطرأ على الآراء بمدينته حتى يتأتى للحقيقة أن تجد

سياقاً مُواتياً لتجليها.

15. A. Benmakhlouf, Pourquoi lire les philosophe arabes ?, Op cit, p. 115

مراجعة كتب

قراءة في كتاب:لماذا ينبغي أن نقرأ الفلاسفة العرب؟