343
2016 )9(
العدد
للمنزلة التي أنزلها فرويد للدافع الجنسي حينما جعل من الليبيدو
طاقة نفسية غير متميزة ودافعة لكلّ أشكال السلوك البشري.
ومن ثم فإنّ العُصاب إنما ينشأ في الغالب من عجز الإنسان عن
مواجهة الحاضر فينكص بدل أن يواجه ويقتحم. كما اختلف
مع فرويد في تصوره ل ّشعور فلم يجعله مجرد موئل للصدمات
والذكريات المؤلمة فحسب، بل جعله مصدراً ثرّاً من التجارب
والحكم التي يبعثها إلى الأنا الشعورية أثناء الحلم. فال ّشعور
إذن ليسلا شعوراً فردياً فحسب، وإنما يشمل كذلك شقاً جماعياً
قوامه أسناخ كونية هي عبارة عن رموز كفيلة بتوليد صور حسية
تمسّ الجوانب الأساسية فيحياة الإنسان مهما كان مولده أو ثقافته.
أمّا النقد المتأتي من خارج دائرة التحليل النفسي فبوسعنا
أن نصنفه بحسب مراميه إلى اتجاهات شتى خلقية، وتاريخية،
وعلميائية. فقد أخذ النقد الخلقي على فرويد توسيعه لمفهوم
الجنس ونظرته التأثيمية للطفل فضلاً عن جبريته وتشاؤمه، كما
أخذ عليه محللون نفسيون آخرون تسلطه على تلاميذه وأتباعه
وإخلاله ببعض آداب المهنة وحياده عن الصدق في دراساته.
وانصبّ النقد العلميائي على افتقار نظرياته للشروط العلمية
اللازمة، وفي مقدمتها عدم القابلية للدحض. فالنظرية لا تكون
علمية إلا إذا كانت قابلة للدحضلا العكس. ومن ثمّ فقد أخرج
التحليل النفسي من قائمة العلوم شأنه في ذلك شأن
28
كارل بوبر
علم التنجيم والمادية التاريخية، وإلى حد ما الداروينية. وإن كانت
هذه الوجهة النقدية هي نفسها لم تسلم من نقد الذين رأوا أنّ
التحليل النفسييشتملعلىجوانبنظرية قابلة للدحضبالتجربة.
وأمّا النقد التاريخي فقد أوضح أنّ الذين كتبوا سيرة فرويد
إنما صدروا عن تبجيل وتعظيم وتفخيم لسيرته على النحو الذي
بدت أنا كتب مناقب لا كتب سيرة بالمعنى النقدي للكلمة.
عن مبلغ
29
وقد أسفر البحث الدؤوب في الأرشيفات المحفوظة
28. Karl Popper (1963). Conjectures and Refutations. London,
Routledge and Kagan Paul
ـ ويتعلق الأمر أساساً بالوثائق الفرويدية المودعة في مكتبة الكونغريس
29
الأمريكي بواشنطن. علماً أنّ بعضها لن يسمح بالاطلاع عليها قبل حلول سنة
! 2100
الكذب والتزييف والتحريف في إيراد البيانات المتصلة بالمرضى
.
30
والادعاءات الفاضحة بشأن القيمة العلاجية للتحليل النفسي
ومن ثمّ لزم مواصلة الدراسة التأريخية النقدية المتأنية بمنأى عن
منطق الدفاع أو الهجوم أو وصاية الأتباع والمريدين.
خاتمــة
وبعد، فقد كانيحلو لفرويد أن يظهر للناسبمظهر المغامر النبيل
والباحث المقدام الذي يصول ويجول في مجاهل النفس مستكشفاً
لها وسابراً لأغوارها ومفرّجاً لهمومها وكروبها. وقد صدقه بعض
كتّاب سيرته وروّجوا عنه ما روّجوا من مناقب تشي بإعجابهم
به وتعظيمهم له. على أنّ البحث التاريخي المدقق في أرشيفات
التحليل النفسي أماط اللثام عن كثير من الجوانب المظلمة في حياة
فرويد، فقد أسفر عن وجه إنسان متسلط على تلاميذه ومتغطرس
على منافسيه ومغرق في وثوقيته، يأبى على مذهبه أن يمسه التغيير
. وأخطر ما في الأمر أن تكشف تلك الدراسات عن
31
والتعديل
تزييف البيانات المتصلة بمرضاه أو بمن درسهم من الشخصيات
، فإذا بالصورة التي أظهره بها مريدوه
32
لتتطابق وأصول المذهب
وأنصاره توشك على الانيار، وإذا بأسطورة العالم الصامد في
وجه الأوهام والأباطيل والصادع بالحق الذي لا يخشى فيه لومة
.
33
لائم آخذة في الأفول والزوال
ـ انظر بالخصوص الكتب التالية:
30
Jacques Van Rillaer (1981). Les Illusions de la psychanalyse.
Mardaga, Richard Webster (1998). Le Freud inconnu. L’invention
de la psychanalyse. Paris, Exergue, 1998, Louis Breger (2000).
Freud. Darkness in the Midst of Vision.
John Willey and Sons et Jacques Bénesteau (2002). Mensonges
freudiens: histoire d›une désinformation séculaire.
31- Paul Roazen (1975).Freud and his followers. New York, Knopf.
32- Richard Webster (1995). Why Freud Was Wrong: Sin, Science
and Psychoanalysis, Fontana Press, 1996.
ـ كثيرة هي الكتب التي صدرت مؤذنة بتصدع التحليل النفسي وانهياره
33
وأفوله، وأخص بالذكر منها كتابين أثارا زوبعة نقدية في أوساط المحللين النفسيين
والجمهور العام أولهما لعالم نفسي بريطاني وثانيهما لفيلسوف فرنسي. انظر:
Hans Eysenck (1986). Decline and Fall of the Freudian Empire.
Harmondsworth, Penguin Books et Michel Onfray (2010). Le
فرويد والتحليل النفسي: بين الرّفعة والضّعة
شخصيات وأعلام




