Next Page  344 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 344 / 362 Previous Page
Page Background

344

2016 )9(

العدد

لا ريب أنّ فرويد كان مغامراً حقاً بكلّ ما تنطوي عليه الكلمة

من معاني المخاطرة وارتياد المجهول، وركوب الصعب والذلول،

ولعل طموحه الجامح أنساه مقتضيات العلم من حلم وأناة

وتواضع وصدق وإخلاص للحقيقة والواقع. ومن شأن المغامرة

أن ترقى بصاحبها إلى أعلى عليين، وأن تنزل به أسفل سافلين،

فيكون التجاذب الحاد لدى الدارسين بين التبجيل والتبخيس،

. لقد انبرى فرويد

34

وبين الرفعة والضعة، وبين البياض والسواد

لتناول قضايا شائكة، وخاض مجاهل الحياة الوجدانية والجنسية

قبل أن يتقدم رويداً رويداً لاستكشاف قضايا وجودية أكبر مثل

قضية الدين ونشأة المجتمع البشري ومنغصات الحضارة على نحو

لم يجرؤ عليه طبيب متخصصفي الأمراض العصبية من قبل ومن

بعد.

ومهما قيل عن انيار مذهب التحليل النفسيفسيبقى منه جرأته

على إثارة القضايا النفسية الكبرى، ومقدرة صاحبه على الإنصات

للمريض بدل الاكتفاء بفحص جسمه وسبر دماغه، وسعيه

الدؤوب إلى استنطاقحركات النفس الأمارة بالسوء وسكناتها في

أدق خفاياها ومجاهلها على نحو ما تطلعنا عليه دراساته العيادية

الرائدة. ومن حق القارئ بعد ذلك أن يتساءل: هل كان بوسع

مغامر آخر غير فرويد أن يغوصفي الدرك الأسفل من النفس؟

ربما ننسى أنّ فرويد قبل كلّ شيء بشر، نازعته نفسه للوصول

إلى القمة ولم يكترث دائماً بأن تزل قدماه ويتدحرج إلى الحضيض

ولو بعد حين. فهل تنصفه الأجيال القادمة فتغتفر له خطاياه وقد

امتدّت إليه الأيادي من كل جانب للإجهاز عليه ونقض البقية

الباقية من مذهبه؟

crépuscule d’une idole. L’affabultation freudienne. Paris, Grasset.

  ـ أخص بالذكر هنا الكتاب الأسود للتحليل النفسي والكتاب المضاد له، وقد

34

صدر بعده بستة أشهر. انظر:

Catherine Meyer (dir.). Le livre noir de la psychanalyse. Vivre,

penser et aller mieux sans Freud. Editions des Arènes, 2010,

nouvelle édition abrégée et Jacques-Alain Miller (dir.) (2006).

L’Anti-Livre noir de la psychanalyse. Paris, Le Seuil.

أحمد المطيلي

شخصيات وأعلام