9
2016 )9(
العدد
إنّ ما نشهده منممارساتوحشية، من تطهيرعرقيودمار وسحلوتعذيب، هي الدليل الساطع على أنّنا نتغلغل اليومفيعصرحديدي
كوني. فالهمجيّة توجد اليوم في وضعية نشاط انفجاري بركاني؛ إذ نحن إزاء تحالفهمجيتين: همجيّة قادمة من أعماق التاريخ تمارس القتل
والتعذيب والتخريب، هي بربرية داعش وقبلها النازية والستالينية والماوية وأعمال الإبادة التي قام بها الخمير الحمر على سبيل المثال لا
الحصر؛ وهمجيّة مُدمّرة للإنسانية تتعاظم مع توسع العالم التقنوبيروقراطي، وهي نابعة من هيمنة منطق الحساب والكم والتقنية والربح
على حساب المجتمعات والحياة الإنسانية. يمكن القول إنّ الصور الجديدة للهمجيّة المنبثقة عن الحضارة، وبعيداً عن تقليص الصور
القديمة للهمجيّة، قامت ببعثها والتحالف الموضوعي معها. من هنا فإنّ ما ينبغي أن نسائله ليس فقط البربريات والظلاميات التي
مازالتحاضرة في عالمنا المعاصر، وإنّما أيضاً البربرياتوالظلاميات الناشئة في أحضان الحداثة والمتواطئة مع البربريات القديمة المتفشية.
من هنا يجدر بنا أن نتساءل: ما السّ في أنّ البشرية كلما ازدادت تقدّماً ازدات وحشيّة وبربريّة؟ أين تكمن منابع الهمجيّة؟ هل في كون
التوحشجزءاً لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية؟ أم على العكس أنّ الهمجيّة نتاج للحضارة؟ أليست الهمجيّة تعبيراً عن عمى وخوف من
الغير يفضي بدوره إلى نوع آخر من الهمجيّة التي تتجلى في كراهية الأجانب وممارسة العنصرية، فتؤدي إلى البربرية التي اعتدنا إلصاقها
بالغير؟
كيف نفسّ عجز نظمنا السياسية وتشريعاتنا القانونية ومثلنا الأخلاقية عن التصدي لطوفان التوحش الذي يحصد الأخضرواليابس
في كلّ مكان؟ هل هناك من سبل ومسارات تسعففي ترويض الغرائز وتشييد الحضارة التي نتشوق إليها جميعاً؟
إنّ وعينا بأهمية هذه القضايا وراهنيتها هو الذي جعلنا نخصّص لها ملفاً ضخماً يتميز بعمق دراساته وغنى وتنوع مقارباته وجرأة
أطروحاته التي تفكك مقولتي الهمجيّة والحضارة في مختلف مستوياتهما الدلالية والدينية والتاريخية والفلسفية.
وإلى جانب هذا الملف، فقد حرصنا على تضمين هذا العدد أبواباً علمية وأدبية وفنية اشتملت على دراسات تزاوج بين الأصالة في
مقارباتها والقدرة على افتراع المفاهيم البكر في قراءتها للذات والعالم. علاوة على حوارات هامّة مع بعض أهل الفكر وصنّاع المعرفة في
العالم العربي، إضافة إلى مواصلتنا نشر مقالات فكرية قوية سمتها الجرأة في الطرح والعمق في تناول قضايا فلسفية وفكرية متنوعة.
والختام دوماً بحصاد «مؤمنون بلا حدود» الذي جاء عاكساً لحيوية المؤسسة في نشر المعرفة وإصدار الكتب التي تسهم في دعم حركة
التنوير ومدّ جسور التواصل بين المبدعين والقراء على امتداد ربوع الوطن العربي.
أملنا أن نكون قد وفقنا في تقديم عدد متكامل يرقى إلى تطلعات قرائنا الكرام، في انتظار مساهماتكم وملاحظاتكم واقتراحاتكم.
حسن العمراني




