Next Page  12 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 12 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

12

2016 )9(

العدد

ولم تعد الإمكانيات محصورة في تحديد عمر الشجرة فقط من خلال حلقاتها الداخلية، بل حتى قراءة هذه الحلقات على شكل (سيرة

.)، ومعرفة سنوات الخصب من الجفاف التي مرتخلال حياة الشجرة، فقد كُتبت القصة وحُفظت ووُثّقت وخُتمت بختم

C. V

ذاتية

(الواقع) الذي لا يكذب ولا يزور، ولا يحرف النصوص أو يؤولها؛ فهي وثيقة أكيدة سطرتها يد الزمن كوثيقة أصلية غير مزورة، لذلك

كانت طبقات الأرضفي حفظها للنصوص التاريخية ووقائعها، أدلّ على نفسها بنفسها من أي نصكتب عنها مهما كان مصدره، كلّ ما

تحتاجه هو المحاولة الدؤوبة لفك ألغاز هذه اللغة، كما حصل مع حجر رشيد في مصر.

من الشجر،

14

وإذا امتلكنا هذه الأداة سواء من خلال العناصر المشعة في الطبيعة، مثل اليورانيوم أو الراديوم وسواهما، أو الكربون

أو الحفريات المختومة مثل البصمات على الحجر وفي طبقات الأرض، أو حلقات الشجر الداخلية، أو تحليل كلس العظام في الهياكل

التي طبقها العالم الأمريكي

7

العظمية، أو التحليل الطيفي لـ (اللون) القادم من المجرّات، كما في ظاهرة (دوبلر والزحزحة الحمراء)

(إدوين هابل) لاكتشاف تباعد المجرات وظاهرة تمدد الكون.

كلّ هذه الأدوات المنوعة يغوص الإنسان بواسطتها مثل أدوات الجراح في قاعة العمليات، ولكن الحقل هنا هو الوجود كله وليس

جسم المريض، فيتأمل المجرات بالتلسكوب، والباكتيريا بالمجهر، ينبش طبقات الأرض بحثاً عن الهياكل العظمية وبقايا الحفريات،

يقلب النظر في مخلفات المدن البائدة والحضارات التي ابتلعتها الأرض، فيصل ليس فقط إلى (عمر) هذه الأشياء، بل إلى تسجيل (موثق)

إلى أبعد الحدود، وبدون أي تزوير للقصة الكاملة التي حدثت.

إنّ بصمات المجرمين ومخلفات الشّعر والدم تقود إليهم مهما أقسم أحدهم بالأيمان المغلظة أنه لم يرتكب الجريمة، لأنّ آثارهم تنطق

مليار، فالخطأ  هنا ممتنع، ولعل الآية

64

بشكل حيادي وموضوعي عّ حدث، فإمكانية الخطأ بين بصمة وأخرى هي بنسبة واحد إلى

القرآنية أشارت بشكل خفي إلى هذا السفي تفرد البصمة، من أنّ البعث سوف يكون كاملاً غير منقوص بما فيها البصمة (البنان) التي

، كذلك الحال في (بصمات الحفريات) على الصخر وطبقات

8

هي تفرد قائم بذاته لكل شخصية إنسانية «بلى قادرين على أن نسوّي بنانه»

الأرض فلا يمكن أن تضلل.

هكذا استطاع العلماء الذين (مشوا في الأرض) استنطاق الحجر والشجر، النجم وطبقات الأرض، الراديوم والكلس، العظام

والدماء، وهذا الاختراق لهذا الفضاء المعرفي هو في حالة زيادة يومية وتراكم معرفي نامٍ، تتفاعل عناصره مع بعضها بعضاً فتولد عناصر

جديدة، وهكذا أمكن الكشف عن هياكل العائلة المالكة الروسية للقيصر نيقولا الثاني الذي غاب في بطن الأرض مع الثورة البلشفية

برصاص الشيوعيين الحمر.

وبما أنّ هذه الأدوات الجديدة مكّنتنا من كلّ هذه المعرفة الغزيرة والمتنوعة، فإننا نقترب اليوم من لغز بداية الكون في إطار نظرية

مليار سنة، من نقطة

15

) التي تفيد ببداية عجائبية خارقة للوجود، بدأت فصولها قبلحوالي

Big - Bang - Theory

(الانفجار العظيم -

) حيث انفجر الكون علىصورة كرة نارية هائلة في جزء من (سكستليون)

Singularity

لم يستطع العلماء إلا اعتبارها أنا لحظة (متفردة

صفراً، حيث كان الكون كله بما فيه من كلّ المجرات الحالية مضغوطاً في حيز أقل من

36

من الثانية أي واحد مقسوم على عشرة أمامها

  ـ تم كشف هذه الظاهرة على يد العالم النمساوي كريستيان دوبلر، وسمّيت باسمه، ومفادها معرفة موجة الصوت أو الضوء القادم من الهارب، حيث تكبر الموجة

7

وتنضغط في حال هجومها علينا والعكس بالعكس، وفي الضوء باعتباره مكوناً من حزمة من الألوان فإنّ رأسه القادم باتجاهنا هو أزرق، في حين أنّ ذنبه الهارب عنا ذو

لون أحمر، وهي ما ترسله كلّ المجرات لأنّ الكون يتوسع مثل البالونة.

.4

  ـ سورة القيامة الآية

8

خالصجلبي