ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
11
2016 )9(
العدد
مليون سنة، في حين أنّ بدايات الإنسان ظهرت قبل حوالي
65
، واختفت عن وجه اليابسة قبل حوالي
3
مليون سنة
570
الصغيرة قبل
مليون سنة وأكثر، وفي هذا الصدد يواجهنا سؤال ملحّ هو:
2.3
كيف استطاع العلماء تحديد هذه الأشياء وبهذه الأرقام، وليس هناك من أثر تاريخي أو وثيقة تقرّ على هذه الحقيقة؟ كيف تمّ استنطاق
الوجود؟ وبأية وسيلة تمّت معرفة عمر هذه الكائنات وسيرة حياتها؟ إذا كانت الديناصورات وطأت الأرضبهياكلها العملاقة وأنيابها
المرعبة وأدمغتها القاصرة قبل نصفمليار سنة، فكم أصبح للحياة على وجه الأرض؟ سواء وحيدات الخلية، أو عديدات الخلايا، متمثلة
في بقية الحيوانات من زواحفوطيور وحيوانات ثديية؟ بل كم أصبح للكون من عمر؟ ومتى تشكلت المجموعة الشمسية؟ ومتى بدأت
الحياة على وجه البسيطة؟ وأين تقع الحياة الإنسانية في هذه الرحلة الطويلة؟
لا بدّ إذن من معرفة (الأداة) التي يمكن بواسطتها استنطاق الشجر اليابس والحجر الصلد، النجم اللامع والهيكل الرميم، عن عمره
فيمَ أفناه؟ ومنذ متى غُيّب في أحشاء الثرى؟ فــ(اللغة) هنا التي تنطق، تختلف في طبيعة أقلامها ومدادها وورقها، والقرآن أشار إلى
، فالفم الذي ينطق
4
أعضاء تتكلم ليس في طبيعتها النطق، ويسكت الذي في طبيعته النطق «اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم»
يُغلق، وتبدأ اليد بالكلام على طريقة جديدة ولغة مستحدثة لا بدّ من ترجمتها، وتفسير حركاتها، فالأصابع لا تنطق، ولكن بإمكانا أن
تكتب وتشير وتنقر وتعزف وتضغط وتلمس وترسم وتنحت وتشكل، فأمامنا شريحة واسعة من إمكانيات التعبير الجديدة.
و(اللغة) يعبر بواسطتها عادةً إمّا نطقاً أو كتابةً، وهي الشكل التجريدي الراقي عند بني البشر، ولكنّ الطبيعة لها لغةُ نطقٍ مختلفة، فهي
لا تصوت أو تكتب على طريقتنا، بل على طريقتها الخاصة بها، وما علينا سوى اكتشاف هذه اللغة من واقع الطبيعة، وأشار القرآن إلى
إلا أنّ هذا الحديث ليس تصويتاً بشرياً، بل هو نطق خاص بالشجر والحجر، علينا
5
إمكانية أن تتحدث الأرض«يومئذ تحدث أخبارها»
أن نفهمه بعد ترجمته.
وانتبه (غاليلو) سابقاً إلى حديث الطبيعة هذا؛ فاعتبر أنّ الطبيعة كتبت بلغة خاصة، وهي لغة رياضية، علينا اكتشافها وصياغتها على
شكل معادلات، وأصاب غاليلو في حديث الطبيعة التي تتحدث بطريقتها الخاصة، ولكنّ حديث الطبيعة يبقى حديث الطبيعة، التي
تمثل المعادلات تعبيراً غير نائي عن حقيقتها، فالطبيعة هي أكبر من الطب والهندسة والرياضيات والاقتصاد والمعادلات، فلا يمكن
قياس العواطف والتجليات الروحية مثلاً بالغرامات أو درجات السلم الزئبقي، بالسنتمترات المكعبة أو الفهرنايت على الشكل الذي
افترضه غاليلو.
إنّ عملية استنطاق هذه (اللغة) من الطبيعة هي التي حرمت المؤرخين قديماً من عدم إمكان الغوصفي بطن التاريخ لمعرفة كيفية بدء
بسبب عدم انتباههم إلى إمكانية هذه اللغة الجديدة، إلى درجة أنّ شراح
6
(خلق الأشياء) «قل سيروا في الأرضفانظروا كيف بدأ الخلق»
قبل الميلاد، وهي التي منحت العلماء اليوم، وبطرق علمية مختلفة، معرفة
4004
العهد القديم في أوروبا اعتبروا أنّ العالم بدأ في العام
عمر العناصر المعدنية، والشجرة المعمّرة، والصخرة الراقدة عبر الأحقاب الجيولوجية، والهياكل العظمية التي حفظتها طبقات الأرض،
والمدن التي طواها التاريخ، والحضارات التي انارت ولفّها ليل الزمن.
))Spectrum Scientific American( 17
) - كتاب طيف العلم الأمريكية - الطبعة الألمانية ص
Evolution(
ـ يراجع كتاب
3
.65
ـ سورة يس
4
.4
ـ سورة الزلزلة الآية
5
.20
ـ العنكبوت الآية رقم
6
بين الهمجيّة والحضارة، مصير الإنسان ... إلى أين؟




