ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
10
2016 )9(
العدد
) ما يلي: «إنّ الصمت الأبدي الذي يلف هذا الفضاء اللانائي يخيفني،
Pascal
جاء في كتاب (الخواطر) للفيلسوف الفرنسي باسكال(
ولكن هناك لا نائية أخرى هي لا نائية صغر الذرة، وعقلنا يتذبذبفي حيرة وارتياع بين الشاسع غير المحدود والدقيق غير المحدود.
إنّ من يتأمل نفسه على هذا النحو تخيفه نفسه، وإذا أدرك أنه معلق بين هاويتي اللانائية والعدم ارتعد فَرَقاً، وبات أميل إلى تأمل هذه
العجائبفي صمت منه إلى ارتيادها بغرور، فما هو الإنسان بعد كلّ هذا في الطبيعة؟ إنه العدم إذا قيس بغير المحدود، وهو كلّ شيء إذا
قيس بالعدم، إنه وسط بين العدم والكل، وهو بعيد كلّ البعد عن إدراك الطرفين، فنهاية الأشياء وبدايتها أو أصلها يلفهما سرلا سبيل
.
1
إلى استكناهه، وهو عاجز على السواء عن رؤية العدم الذي أُخذ منه واللانائي الذي يغمره»
إذا لم نعرف كيف كان الإنسان (قبل) عشرة آلاف سنة، فإنّ القفز عبر الزمن لرؤية مصير الإنسان (بعد) عشرة آلاف سنة يصبح
ضرباً من المستحيل، فالوجود الإنساني في حالة صيرورة وكم معرفي تراكمي، ومعرفة البدايات يعطي تصوراً عن تشكل النهايات، ذلك
نظرة
Panorama
أنّ المجتمع الإنساني لا يبقى على حال، بل هو في حالة ديناميكية متغيرة متطورة نامية، وما لم يتشكل عندنا (بانوراما
شمولية) للرحلة الإنسانية عبر التاريخ، ومعرفة المنحنى البياني للصيرورة الإنسانية، فإننا سوف نبقى نوجه إصبع الاتهام تجاه الإنسان،
. ولكنّ توقع الملائكة هذا
2
ولا نرى فيه إلا ما رأته الملائكة: أنه كائن مجرم وشقي مخرّب، «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء»
يمثل نصف الحقيقة فقط، ولمعرفة بقية الحقيقة للاقتراب من رؤية شمولية ومسح طوبوغرافي للطبيعة الإنسانية، فإنّ قراءة التاريخ
والأنثروبولوجيا وعلم الحضارات وقوانين المجتمع، سوف تسعفنا في إلقاء الضوء على فهم المصير الإنساني بشكل مختلففيضوء قول
الله تعالى للملائكة «إني أعلم ما لا تعلمون».
يا ترى كيف يمكن التوصل إلى معرفة حقيقة عمر الأرضوالشمس؟ وكم أصبح للإنسان وهو يدب على ظهر هذا الكوكب؟
يطيب لأفلام الخيال العلمي إظهار الإنسان مع الديناصورات، ولكنّ هذا الترافق الزمني غير صحيح، كما كشفت عنه الأبحاث
العلمية الجديدة، فبعد اختفاء الديناصورات بفترة طويلة ظهر الإنسان، فالديناصورات دبّت على الأرض بأطنانا الثقيلة وأدمغتها
مفكر من سورية
*
سنة) ويقول سانت بيف عن هذه الفقرة (ليس في اللغة الفرنسية صفحات أروع من الخطوط البسيطة الصارمة
39(
م) دون الأربعين
1662 - 1623(
ـ مات باسكال
1
م - ترجمة فؤاد
1979
التي تحتويها هذه الصورة التي لانظير لها) راجع قصة الحضارة - تأليف ويل واريل ديورانت - طباعة لجنة التأليف والترجمة والنشر عام
.100
- ص
31
اندراوس - الجزء
.20
ـ البقرة
2
إلى أين؟
بين الهمجيّة والحضارة، مصير الإنسان ...
*
خالصجلبي




