الثقافة التقنيَّة الرافد المُهْمَل في الثقافة العربيَّة


فئة :  مقالات

الثقافة التقنيَّة الرافد المُهْمَل في الثقافة العربيَّة

الثقافة التقنيَّة الرافد المُهْمَل في الثقافة العربيَّة

سومية أبو عامرية*

مقدمة:

فرضت الثقافة العلميَّة التقنيَّة نفسها كضرورة على الواقع العربي المعيش منذ منتصف القرن العشرين، وزادت حدَّتها مع مطلع القرن الحادي والعشرين، حيث تلك الثورة العارمة في الاستخدام التقني في شتى مجالات الحياة. فقد شهد المجال الصحّي العديد من الأجهزة الطبيَّة، التي بات المرضى يستخدمونها بصفة شخصيَّة على نحو يومي، واحتلت مشاكل المجتمع من المرض والتلوث ومشكلات التغذية (وكلّها ذات صلة وطيدة بالثقافة التقنيَّة) محور اهتمام الإنسان في الوقت الراهن، وشهد مجال التواصل الحياتي ثورة غير مسبوقة، وخاصة في مجال الاتصالات والتقنيَّة الحديثة المتمثلة في الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب المختلفة الأشكال والأنواع، والتي أصبح التعامل معها يتطلب ثقافة تقنيَّة معينة. هذا فضلاً عن المتطلبات الحياتيَّة المتنوّعة التي أصبحت تتطلب ثقافة علميَّة وتقنيَّة محدَّدة من قبيل: التصويت الإلكتروني لبعض الانتخابات في البلاد العربيَّة، وتقديم معظم الوزارات خدماتها للمواطنين عن طريق الخدمة الإلكترونيَّة، بل دخلت فكرة الحكومة الإلكترونيَّة حيّز التنفيذ في معظم المصالح الحكوميَّة لبعض الأقطار العربيَّة. ومن ثمَّ برزت الحاجة الملحَّة إلى ثقافة مغايرة للثقافة الأدبيَّة المسيطرة على الواقع الثقافي العربي منذ بدايات النهضة العربيَّة الحديثة. ولا يعني ذلك التقليل من شأن الثقافة الأدبيَّة، ولكنَّها ساق من اثنتين لا يستقيم عود الثقافة ولا يستوي سيرها إلا بهما معاً. إذاً، إذا كانت عصورنا السحيقة من حضارتنا التليدة هي عصور الثقافة الأدبيَّة والنظريَّة، فإنَّ العصور الراهنة والآنيَّة هي عصر العلم العملي، وإذا كان القرن العشرون قرنَ الفيزياء والقرن الحادي والعشرون قرنَ البيولوجيا؛ «فهناك حقيقتان يتفق عليهما معظم الباحثين تقريباً فيما يتعلّق بالقرن القادم:

الأولى: أنَّ البيولوجيا هي الآن أكبر من الفيزياء بمقياس حجم الميزانيات، أو حجم العمالة، أو ناتج الاكتشافات الرئيسة؛ إذ إنَّه من المحتمل أن تظلَّ البيولوجيا الجزءَ الأكبر من العلوم خلال القرن الحادي والعشرين.

والثانية: أنَّ البيولوجيا أكثر أهميَّة من الفيزياء بمقياس النتائج النهائيَّة والمضمون الأخلاقي والتأثير على رفاهية الإنسان»[1]. وبذلك تكون الثقافة العلميَّة التقنيَّة القائمة على الفيزياء والهندسة الوراثيَّة والبيولوجيَّة من الضرورات، وليست من الكماليَّات لأيَّة أمَّة تريد أن تجد لها موضع قدم في الوجود الفعلي في القرن الحادي والعشرين.

تعريف الثقافة العلميَّة والتقنيَّة

إذا كان مفهوم «الثقافة» بصفة عامَّة يعني «المخزون المعرفي، ومستودع قيم المجتمع وأعرافه وأحكامه ومفاهيمه السائدة التي يتأثر بها أفراد المجتمع بمختلف فئاتهم، المتعلم والجاهل، الكهل والطفل، المرأة والرجل، وذلك بدرجات متفاوتة وفق استيعاب كلٍّ منهم، وبحسب اتساع مداركه، وبالتالي يكون للثقافة الدور الأبرز في تحديد سلوكيات الأفراد، وردود أفعالهم وطرائق تفكيرهم»[2]، فإنَّ الثقافة التقنيَّة هي أحد فروع الثقافة التي دعت إليها الحاجة لسيطرة العلوم والتكنولوجيا على العصر الراهن. وقد ظهر مصطلح الثقافة التقنيَّة في الساحة العالميَّة، وبرز في الأدبيات والدراسات التربويَّة في منتصف الثمانينيات، لكنَّه لم يُعرف في الأدبيات العالميَّة إلا في التسعينيات من القرن الماضي[3]؛ حيث أصبحت الحاجة مُلحّة إلى تعلم تلك الثقافة التي تستهدف تبسيط العلوم والتكنولوجيا، وتقريب المفاهيم العلميَّة والتقنيَّة لغير المتخصّصين في المجال التقني. وهو أمر يساعد على شيوع الروح العلميَّة بين الجميع، فيتمّ نبذ الخرافة والشعوذة بكلّ صورها، ويساعد على تنشئة الشبيبة على حبّ العلم، والائتناس به وعدم كراهيته، ومن ثمَّ تذوب الحواجز بين المفاهيم التقنيَّة وبين غير المتخصصين.

إذن، الثقافة العلميَّة والتقنيَّة هي الرافد الذي أصبح الواقع المُعاش ينشدهُ بقوَّة لا تحتمل التأجيل، فهي تعني تبسيط العلوم وجعلها في متناول عامَّة الناس من خلال المجالات المتخصّصة بهذا النوع من الثقافة، أو المجلات والصحف التي تفرد زوايا لهذا المجال، أو عن طريق الإذاعة والتلفاز والمنتديات والجمعيات المهتمَّة بهذا الموضوع؛ وذلك دون الاستهتار بالفكر العلمي الحقيقي والبحث العلمي الجاد الذي يكشف هذه المعلومات، فتكتمل مسيرة المعرفة نتيجة إبداع وتميز بعض المتخصّصين في مجالات العلوم كافة. ومن ثمَّ يعرّفها أحد الباحثين المتخصصين فيقول: «إنَّها المعلومات التي يحصل عليها الفرد بالوسائل المختلفة والمتعلقة بالتقدُّم العلمي والتقني وأساليب الوصول إليه، ممَّا يساهم في زيادة التوعية بالتقنيات الحديثة والتكيُّف معها، والاستفادة منها بأفضل الطرق، وذلك للتغلب على ما يواجهه الفرد من مشكلات في المجتمع».[4]

الثقافة العلميَّة والتقنيَّة وبناء الحضارات

وباستقراء تاريخ الحضارات، نجد أنَّ التقدُّم لا يقوم على ساق واحدة، ولكن بشيوع الثقافات كافة، فإذا نظرنا إلى تاريخ الحضارات فسنجد أنَّ الحضارات البشريَّة كافة بُنيت على أكثر من رافد ثقافي؛ فقد بُنيت الحضارة المصرية القديمة على الجانب العلمي الطبّي الذي وصل ذروته مع علم التحنيط الذي ما زال العلم يقف عاجزاً عن إدراك حقيقته وكيفيته والمواد الكيميائيَّة المستخدمة فيه، أو المجال الهندسي الذي تمثل في بناء المعابد والأهرامات والتماثيل بدقة هندسيَّة غير مسبوقة أو ملحوقة في التاريخ كله، هذا فضلاً عن الثقافة الأدبيَّة الشعبيَّة الفرعونيَّة التي حفظها التاريخ من خلال حكايات «الفلاح الفصيح» وغيرها. كذلك قامت الحضارة اليونانيَّة على العلم الطبيعي والرياضي عند طاليس وفيثاغورث، والعلوم الفلسفيَّة التي كانت تشمل الإلهيَّات والطبيعيَّات عند سقراط وأفلاطون وأرسطو، أو العلوم الطبيَّة كما كانت عند أبقراط وجالينوس وغيرهم من العلماء والرياضيين والفلاسفة والأطباء. كذلك قامت الحضارة الإسلاميَّة على أكتاف الدعاة والمصلحين جنباً إلى جنب مع العلماء الكبار أمثال: أبي بكر الرازي الطبيب، ومحمد بن موسى الخوارزمي، وجابر بن حيان، والإدريسي، والبيروني. في حين عجز العرب قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربيَّة عن إقامة حضارة رغم نبوغهم في الشعر والفصاحة والبلاغة مبلغاً عظيماً. وفي العصر الحديث شهدت أوائل القرن الثامن عشر الميلادي بداية الحركة العلميَّة في أوروبا وإرساء جذورها عبر نجاحها الباهر في اكتشاف قوانين الطبيعة وتسخيرها لخدمة الإنسان في مختلف المجالات، ولكنَّ تأثير تلك الحركة لم يكن فقط على الصعيد المادي في تنمية الاقتصاد وتطوير الإنتاج أو شرح العديد من المعضلات والظواهر الطبيعيَّة. ولكنَّها تعدَّت ذلك وامتدَّت بالضرورة؛ لتفعل فعلها سلباً وإيجاباً على الصعيدين الاجتماعي والفكري ولتبدل رؤى كثيرة ومسلَّمات شتى، ولتؤثر في أنماط الحياة المختلفة والتفاعلات الإنسانيَّة المتعددة. وليس ذلك بالأمر الغريب، فالحركة العلميَّة في المقام الأول نشاط إنساني يتولاه ويقوده بشر معرَّضون للخطأ والصواب، ومن المحتم عليهم أن يتفاعلوا مع المعطيات الجارية على الساحة الحياتيَّة بمختلف امتداداتها وتفرُّعاتها[5].

وقد فرضت الحركة العلميَّة وجودها في المجتمعات الغربيَّة بطريقة بطيئة، ونمت نمواً تدريجياً استمدَّتهُ من واقع بيئتها وتركيبتها الداخليَّة؛ بسبب أنَّ هذه المجتمعات لم تتعرَّض لهجمة شرسة على شكل موجة عارمة من العلوم والمبتكرات منطلقة من الشرق أو الغرب، ولم تُحاصرها أحدث التقنيات على شكل طوفان هائج تخدمه مختلف وسائل الاتصال والمواصلات، وبالرّغم من ذلك النمو المتدرج في الإمكانات والفاعليَّة، تباينت ردود الفعل بين النُخب الفكريَّة لهذا المستجد الفكري، فكانت هناك مواقف حذرة، وأخرى ترى فيها عملاً يدويَّاً مهنيَّاً لا يليق بالنخب الأرستقراطيَّة وأبناء العائلات المحترمة[6].

وعلى الرّغم من كثرة الصعوبات، التي وقفت أمام مسيرة (الحركة العلميَّة) في الغرب، إلا أنَّها لم تستسلم؛ بل تغلبت واستطاعت أن تُرسّخ جذورها في المجتمع، وأن تكون صاحبة اليد العليا في لعبة الأمم المستمرّة بلا توقف أو هوادة. ولذلك كان من الطبيعي والمنطقي حرصها على أن تنشر بين أكبر قطاع ممكن من شعوبها ثقافة علميَّة مناسبة وسليمة تُعلي من قيمة وشأن العلم والعلماء، وكلُّ ذلك بسبب إبداعات المنهج العلمي المتتالية في تطوير وسائل الإنتاج، وحلّ المشكلات الحياتيَّة والعلميَّة والاقتصاديَّة، وشرح العديد من الظواهر الطبيعيَّة التي فشل العقل البشري في فهمها منذ بدء الخليقة.

فقد كانت متانة وقوَّة الحركة العلميَّة تستند إلى قدرة المنهج العلمي على طرح النظريَّة المدعومة بالتجربة، والمعتمدة على المنطق الرياضي، والمفسّرة لكثير من الوقائع والظواهر المألوفة، وفي الوقت نفسه المتنبئة بنتائج أخرى غير معروفة، فما يمرُّ الكثير من الوقت، سواء كان كثيراً أم قليلاً، حتى تتأكَّد تلك النتائج وتتحقق لتدعيم النظريَّة وترسيخ القوانين. وعلى الجانب النفعي فتحت هذه الحركة العلميَّة آفاقاً واسعة على صعيد التطبيقات وتطوير وسائل الإنتاج والرفاهيَّة، وتقديم العلم والمفاهيم العلميَّة، والإنجازات العلميَّة للعامَّة من الناس، وتعميم الثقافة العلميَّة على فئات الشعب كافة وبأسهل الطرق، وتسهيل العلوم وتبسيطها؛ وذلك من أجل خلق مجتمع مثقف علميَّاً، والإيمان التام بأنَّ قاعدة الجماهير العريضة المتواصلة والمتفاعلة مع الفكر العلمي والحركة العلميَّة والتقنيَّة هي حصيلة المواهب العلميَّة ومستودع القدرات، وقيم المجتمع وأحكامه ومفاهيمه السائدة، ومَكمن الطاقات والمخزون المعرفي، وهي التي تُمثل الدور الأكبر والمُهم في تزويد المجتمع بالعلماء والباحثين والتقنيين، وكلما كبُرت هذه القاعدة الجماهيريَّة، استطاعت أن تنمو وتزدهر احتمالات الإبداع والإنجاز، وزادت فرص العقول والكفاءات. فقد كان للاعتبارات السياسيَّة والاقتصاديَّة الأثر الكبير في الاهتمام بالثقافة العلميَّة لدى المجتمع الغربي، فدافع الضريبة عندهم هو الذي يؤثّر بمتابعاته ومساءلاته عن أوجه الإنفاق؛ وبالتالي إنَّ الدعم المالي الضخم لمختلف البرامج والمشاريع العلميَّة، كان وراءه درجة عالية من الاستحسان الثقافي للعلوم بين العامَّة[7].

الفرق بين العلم التقني والثقافة التقنيَّة

وهنا نجد أنفسنا في حاجة إلى بيان الفرق بين العلم التقني والثقافة التقنيَّة، فالعلم التقني هو ما يقف عليه العلماء في مختبراتهم ومعاملهم البحثيَّة، وهو ما يعبّرون عنه بلغة كميَّة دقيقة لا يفهمها سوى المتخصّصين. أمَّا الثقافة التقنيَّة، فهي تلك التي تهتمُّ بتبسيط المبادئ والأفكار العلميَّة وما يرتبط بها من مفاهيم ومصطلحات وتوقعات ونتائج متعدّدة الأوجه تمتدُّ على مستويات فكريَّة وعمليَّة مختلفة، وطرح كلّ ذلك في قوالب جذابة وأطر مشوّقة[8]، بهدف تقريبها من فهم غير المتخصّصين فيها، فيكاد لا يوجد مجتمع في عالم اليوم، دون أن تكون المخترعات التكنولوجيَّة قد استوطنت أيدي مواطنيه بهذه النسبة أو تلك، تبعاً لدرجة تطوُّره الاقتصادي والاجتماعي.

إلا أنَّ التعامل مع التكنولوجيا شيء، وإقامة صلة تفاعليَّة واعية بالعلم شيء آخر، فالثقافة العلميَّة ستعمل على التحكُّم الأخلاقي في نظريات العلم، فالعِلم فرسٌ جامحٌ، ودون أخلاق وقيم تحكمه سيدمّر كلَّ شيء، ومن ثمَّ تضع الثقافة العلميَّة والتقنيَّة نتائج العلم أمام الفلاسفة والأخلاقيين ودعاة الإصلاح والفضيلة، وكذلك تفتح آفاق الفكر العلمي أمام الجمهور، وتزوّده بمفاتيح الحسّ العلمي، وتجعله مُهيَّئاً لاستيعاب قضايا العلوم ومشكلاتها وطرائق حلولها ونتائجها وطرائق توظيفها في المجتمع المعيش. وما أصدق هذا على القضايا العلميَّة الراهنة! مثل: الاستنساخ، وتأجير الأرحام، ونظريات القتل الرحيم، ونقل الأعضاء، وغيرها من القضايا العلميَّة التي تتطلب وضع حدود أخلاقيَّة وقيميَّة على نتائجها.

لذلك يكون من الضروري التمييز بين العلم والنشاط العلمي؛ فالعلم مفاهيم ونظريات وقوانين لها منطقها المُحايد. أمَّا النشاط العلمي، فهو توظيف هذه المفاهيم والنظريَّات والقوانين من أجل الوصول إلى غايات محدَّدة لها مضمونها القيمي في ميادين الاقتصاد والسياسة والإيديولوجيا. وعليه إمَّا أن يكون هذا النشاط العلمي إنسانيَّاً ينصر الكرامة البشريَّة، وإمَّا أن يكون أنانيَّاً عدميَّاً يستهدف تكديس الأرباح على حساب تهميش العقل البشري وإفراغه من المشروع الكوني الكامن فيه.

وأمام هذه الإشكاليَّة؛ أي جدليَّة العلاقة بين العلم بوصفه فعاليَّة عقليَّة نظريَّة محايدة، وبين النشاط العلمي بوصفه ترجمة المكتشفات العلميَّة إلى إجراءات تكنولوجيَّة منحازة باتجاه قيمي ما، تتجلّى مدى أهميَّة أن يمتلك الإنسان المعاصر وعياً ثاقباً بهذه الإشكاليَّة ذات الطابع السوسيولوجي السيكولوجي العميق. فالاغتراب النفسي، وضبابيَّة المعنى من الحياة، وتدهور قيمة الحياة البشريَّة، واللهاث العصابي وراء السلع الكماليَّة، وتغليب علاقة الإنسان بالآلة على علاقة الإنسان بالإنسان، كلها مظاهر تدني الوعي بهذه الإشكاليَّة المتفاقمة.

أهداف الثقافة العلميَّة التقنيَّة

يظلُّ الهدف الأساسي المنشود للثقافة التقنيَّة هو مؤازرة المجتمع للدخول في عالم المعرفة، وأن يسلك الإنسان طريقه لحلّ مشكلات حياته بالمنهج العلمي؛ فالثقافة العلميَّة تتيح لغير المتخصّصين فرصة الإلمام بالمنهج العلمي الذي لا غنى عنه لأيّ مجتمع، ليس في حلّ المشاكل العلميَّة، وإنَّما لحلّ مشاكل الحياة العمليَّة اليوميَّة[9].ويلخّص الدكتور الشيباني أهميَّة نشر الثقافة العلميَّة في أربعة أهداف رئيسة[10]:

أولاً: تهيئة تربة خصبة لإنتاج علماء وكفاءات وكوادر قادرة على الممارسة العلميَّة والإبداع التقني. فالقاعدة الجماهيريَّة العريضة المتفاعلة مع الفكر والمتواصلة مع الحركة العلميَّة هي بطبيعة الحال منبت المواهب ومستودع القدرات.

ثانياً: توفير الشفافيَّة العلميَّة التي تيسّر على المواطن ماهيَّة الفكر العلمي وعمومياته ومواكبة تطوُّره، واستيعاب التقنيات ليستفيد منها أقصى استفادة ممكنة، ويتعامل معها وفق ضوابطها وشروطها في ممارسة رشيدة، وإدراك حقيقي لمتطلبات الحياة المعاصرة.

ثالثاً: تطوير القدرة لدى قاعدة واسعة من الناس على فهم المشكلات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والفكريَّة المرتبطة بالعلوم التقنيَّة، والسعي إلى الإسهام في المشاركة في اتخاذ القرارات المرتبطة باختيار التقنيات، ومواكبة المستجدات والمتغيرات، وتحديد البدائل، وتنظيم الممارسات العلميَّة، وتهيئة الأنماط الاجتماعيَّة والمؤسَّسيَّة القادرة على التفاعل بإيجابيَّة مع طوفان الحركة العلميَّة والتقنيَّة العارم.

رابعاً: تهيئة مناخ من الرأي العام متعاطف مع الحركة العلميَّة وداعم لمجابهة الانطباعات الانفعاليَّة وردود الفعل السلبيَّة التي تلوّث مناخ الثقة، وتعيق نمو الحركة العلميَّة وتغلغلها بشكل طبيعي في نسيج البيئة الاجتماعيَّة.

وهكذا يبقى هاجس نقل الثقافة التقنيَّة وكيفيَّة تفاعل الإنسان العربي معها هو الشغل الشاغل لهذه الثقافة وهدفها الأسمى الذي تسعى إلى تحقيقه وترسيخه وغرسه في تربة الثقافة العربيَّة التي ظلَّت لفترة طويلة ثقافة بساق واحدة، وهي الثقافة الأدبيَّة.

توجُّهات الثقافة العلميَّة والتقنيَّة وإسهاماتها الحياتيَّة

إنَّ العصر الذي نعيشه اليوم هو عصر المعرفة، ومن لا يملك المعرفة والتقنيَّة يُعدُّ خارج العصر، لذلك يجب أن يكون المجتمع قادراً على استعمال عقله لاكتساب المعرفة والعلم، وابتكار التقنيات الماديَّة وتصنيعها، ووضع النظم الاجتماعيَّة المناسبة وإعمالها، وتزويد الأفراد بمعلومات وظيفيَّة مرتبطة بالعلم وتطبيقاته، وتفكير علمي في حلّ قضايا العلم ومشكلاته، وتفكير ابتكاري نحو تقبُّل الجديد والمستحدث في مجال الاكتشافات والاختراعات العلميَّة، ومهارات يدويَّة وعقليَّة واجتماعيَّة، ومهارات اتصال في مجال العلم وتطبيقاته، وميول واهتمامات علميَّة، وتقدير جهود الدولة في المجالات العلميَّة وجهود العلم والعلماء، واتباع السلوك البيئي السليم، كلُّ ذلك في إطار قيمي وأخلاقي، يتمشَّى مع الإطار القيمي للمجتمع.

وتُشير بعض الأدبيَّات إلى أنَّ آفة التفكير العلمي في المجتمع العربي المعاصر هي سيطرة الخرافات على الفكر، كما تُشير الدراسات إلى الانتشار الواسع للأساطير وممارسات الشعوذة والتنجيم وتعاطي السحر والإيمان بالأشباح والاعتقاد في الأموات والأولياء ودعاوى امتلاك الجنّ والاستعانة بهم، وقصص تلبُّس الجنّ بالبشر وزواجهم منهم واستيلاؤهم على مساكنهم. وتؤكد الأدبيَّات أنَّ تلك الخرافات والمعتقدات الزائفة لا تقتصر على التجمُّعات البدائيَّة أو الريفيَّة والشرائح الدنيا من المجتمع العربي؛ بل تمتدُّ لتصل إلى التجمُّعات الحضريَّة والشرائح المتعلمة من الذكور والإناث، وصولاً إلى النخبة الثقافيَّة والسياسيَّة العربيَّة في قمَّة المجتمع[11].

إنَّ الثقافة العلميَّة تُساهم في تنظيم الواقع المعيش والوصول به إلى الرفاهيَّة المنشودة. ومن ذلك المنطلق من الضروري أن يهتمَّ بتفعيل الثقافة العلميَّة في الجانبين الجسدي والروحي؛ لتحقيق الفاعليَّة الاجتماعيَّة المنشودة من خلال قيم ومعايير كثيرة، أهمُّها: الابتعاد عن أُحاديَّة الرأي، والتواضع المعرفي، والأمانة العلميَّة والاستقلاليَّة، والانضباط المنهجي والدقة العلميَّة، ومراعاة أخلاقيَّات العمل وجودته، وبثّ روح المبادرة والابتكار والبحث والاختراع، وتوليد الدوافع الذاتيَّة للمتابعة المعرفيَّة والتزوُّد بالعلم، وتكريم العلماء والمُبدعين في مجالات العلوم والثقافة وإبرازهم كقدوة يُحتذى بها، وتأصيل مفهوم المجتمع دائم التعليم، وإِذكاء حماسة المجتمع للعلوم والتقنيَّة، وتأصيل القيم الديمقراطيَّة، والانفتاح على الثقافات الأخرى واحترامها[12].

ومن الواضح أنَّ هناك تقصيراً عربيَّاً في فهم العلم وطبيعته، فكانت النتيجة عائدة بالسلب على المجتمع العربي، ما أدَّى إلى الخوف منه، وأحياناً كراهيَّة العلم والعلوم. فكلّنا نعلم جيداً النغمة التي تنتشر على ألسن أطفالنا وشبابنا في العالم العربي، وهي عبارة: (أنا لا أحب العلوم)، (العلوم مادَّة صعبة)، (العلوم مادَّة مملة). وبلا شك، هنا يكمُن كلّ الخطر الذي يُهدّد مستقبل أمَّتنا العربيَّة. ولهذا كان من الضروري أن يكون من أهمّ أهداف وخصائص الكتابة العلميَّة أن تدعو ليس فقط إلى فهم العلوم؛ بل أيضاً إلى حبّ العلم؛ وذلك لأنَّ العلم ما هو إلا وسيلة الإنسان لفهم الكون والجمال الكامن في هذا الكون العظيم[13].

الثقافة التقنيَّة والواقع العربي

ممَّا سبق كان لا بدَّ من أن نلقي الضوء بشيء من التفصيل على حال الثقافة التقنيَّة في عالمنا العربي، وأن نقف على الحقيقة في هذا الجانب مهما كان ذلك مؤلماً وقاسياً؛ فالثقافة العلميَّة التقنيَّة في الواقع العربي متدنّية للغاية، وذلك لأسباب كثيرة جدَّاً، منها على سبيل المثال: ارتفاع نسبة الأميَّة التعليميَّة في مجتمعنا إلى حدٍّ ما، وذلك يرجع إلى اتجاه أغلبيَّة الناس إلى وسائط التثقيف العلميَّة السريعة كالراديو والتلفاز، وإهمالهم وسائط التثقيف الأساسيَّة، أو الدوريَّات العلميَّة من النشرات والصحف والحوليَّات وسلاسل الكتب الدوريَّة، وكذلك التقارير ومحاضر الاجتماعات المنتظمة والنشرات الرسميَّة وأعمال الجمعيَّات والمجلات المتخصّصة في نشر الثقافة العلميَّة مقارنة مع المجلات المتخصّصة في مجالات أخرى، والكتب العلميَّة؛ وتقتضي العمل على عدّة محاور: منها الإرشاد التربوي، ودعم الكتاب العلمي، وتعميم المكتبات العامَّة. وكذلك قلّة الندوات والمحاضرات المركزة على هذا الجانب، مقارنة مع الجوانب الثقافيَّة الأخرى، وقلة عدد الصفحات المُخصَّصة لهذه الثقافة في الصحف العربيَّة مقارنة مع ما يُقابلها في مجالات أخرى، وعدم الاهتمام من قبل وزارات التعليم والثقافة من حيث العمل على نشر الوعي العلمي، وذلك من خلال القيام بحملات إعلاميَّة منظمة، وحثّ وتحفيز طلاب المرحلة الثانويَّة على اختيار المسار العلمي الجامعي، وأيضاً جهل أعداد كبيرة جدَّاً من الناس بالمعلومات العلميَّة القيّمة في المجالات المختلفة على مواقع الإنترنت وفي معظم الملفات الأخرى، وبالتالي عدم الاستفادة منها في مجال التثقيف العلمي ذاتيَّاً. ويمكننا أن نُشير إلى عامل مهم جدَّاً في هذا الموضوع لا يمكن إغفاله، وهو للأسف منتشر في أغلبيَّة المدارس وفي بعض الجامعات، وهو عدم وجود المقدرة الكافية لدى المدرّسين على توصيل الأفكار العلميَّة إلى الطلاب بشكل صحيح، وابتعادهم -قدر الإمكان- عن حشر المعلومات في عقول الطلاب، أو اتباع التلقين الببغائي الذي يعدم شخصيَّة الطالب، وبالتالي عدم إِعطائه الفرصة في أسلوب الحوار والنقاش اللذين يوصلانه إلى المعرفة الحقيقيَّة والبحث والتعمُّق في تحليل المعلومات والمفاهيم، خاصَّة عندما لا يجدون الوسائل المساعدة على ذلك من مخابر متطوّرة أو أدوات لازمة للشرح. ولذلك يجب تعويد الأجيال على أسلوب الاعتماد على الذات في التعليم، والحثّ المستمر لهم على البحث عن المعلومات والأفكار الجديدة وعدم الاقتناع مباشرةً بكلّ ما يسمعونه. وليس كافياً للطلاب حثّهم على النجاح في المقرَّرات العلميَّة فحسب؛ بل البحث في مكنونات المناهج العلميَّة وتطويرها وتحديثها باستمرار؛ لتواكب أحدث ما وصل إليه العلم من تطبيقات تقنيَّة ومنهجيَّة، وبالتالي تحصيل الطلاب على الفهم العميق لمحتوياتها ومحاولة تقريبها والاستفادة منها في الواقع الحياتي قدر الإمكان[14].

الإعلام العربي والثقافة التقنيَّة

نظراً إلى المكانة المهمَّة التي يشغلها الإعلام في نشر الثقافة برافديها التقني والأدبي، كانت هذه الوقفة مع دور الإعلام العربي والثقافة التقنيَّة. فوسط الازدهار العلمي والثورات العلميَّة المتلاحقة والمكانة الرفيعة التي يشغلها الإعلام العلمي لدى الدول المتقدمة...، يبدو حجم الإعلام العربي ضئيلاً للغاية، وذلك إذا ما قورن بحجم الإعلام الترفيهي مثلاً، فهو يُهمل قيم العلم والتكنولوجيا، وأيضاً عدم الاعتداد بالثقافة الجادَّة خاصةً داخل المجتمعات العربيَّة، فالإصدارات العلميَّة المتخصّصة إمَّا غير موجودة وإما في أحسن الأحوال قليلة جدَّاً لا تتعدَّى أصابع اليد الواحدة حتى داخل أكبر بلدان العالم العربي، ولا يعني هذا القول بانعدامها تماماً، ولكنَّها قليلة، فهناك برامج علميَّة حققت نجاحات غير مسبوقة، مثل ما كان يقدّمه التلفزيون المصري يوم كان يملك ثلاث قنوات فقط مثل: برنامج «العلم والإيمان» الذي كان يُقدمه العالم المصري الشهير الراحل الدكتور مصطفى محمود، وقد حقَّق هذا البرنامج نسب مشاهدة غير مسبوقة في العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وغيره من البرامج التي حققت نسب مشاهدة عالية، مثل برنامجي «عالم البحار»، و«عالم التكنولوجيا»، وغيرهما من البرامج التي توقفت الآن. ومع كثرة الفضائيات ضاعت مثل هذه البرامج في خضم سيل البرامج الترفيهيَّة.

ومن ثمَّ أصبح لدينا اليوم (كما يقول أحد الباحثين)[15] إعلام علمي خجول مقطوع الصلة تقريباً بقضايا التنمية، ويميل إلى ثقافة الاستكانة، ويتصوَّر أنَّ دوره نشر المحتوى العلمي فقط، دون رؤية نقديَّة أو موقف من أيَّة قضيَّة، فغابت عن ساحة الإعلام فكرة الاشتباك (اتفاقاً واختلافاً) مع الواقع التنموي والتعليمي والثقافي الصعب الذي تعيشه البلدان العربيَّة، ومن ثمَّ أصبح من النادر أن تجد إعلاماً عربيَّاً علميَّاً قد تناول قضايا علميَّة رصينة ذات صلة بقضايا تنمويَّة حقيقيَّة، وأثار حولها نقاشاً خلَّاقاً داخل المجتمع بالاتفاق والاختلاف والدعم والمواجهة. فقد ظهر من كلّ التقارير والمعلومات المتاحة في الدول العربيَّة الحقائق التالية:

1. أنَّ هناك اهتماماً ضعيفاً بالثقافة العلميَّة والتقنيَّة في الدول العربيَّة.

2. وعي المجتمع العربي بأهميَّة الثقافة العلميَّة والتقنيَّة محدود.

3. ندرة الاهتمام بالتعاون والتنسيق بين الجهات ذات العلاقة بتبنّي الثقافة العلميَّة والتقنيَّة في الدول العربية، وتحديداً في مجال التنمية البشريَّة.

4. الدول العربيَّة لا تزال تفتقر إلى الإعلام العلمي والتقني الهادف والمؤثر من خلال وسائل الإعلام المختلفة، الذي يعكس مدى التقدُّم العلمي والتقني الجاري في العالم، وأثره في التقدُّم العلمي والتقني للمجتمع العربي.

5. قلة الدراسات المتعمّقة لمعالجة الأميَّة الإلكترونيَّة المعاصرة[16].

آليَّات نشر الثقافة العلميَّة والتقنيَّة في العالم العربي

أصبح الوضع الحالي يتطلب تحديد استراتيجيَّة محدَّدة توضح آليَّات نشر الثقافة التقنيَّة في عالمنا العربي، حيث تتلاءم هذه الآليَّات مع معوقات الواقع الفعلي، لكي يمكنها أن تسهم حقَّاً في صياغة عقليَّة المجتمع العربي صياغة علميَّة حقيقيَّة، وتجعل من العلم ومُنجزاته جزءاً من اهتماماته، حيثُ يكون أكثر إدراكاً لدور العلم في كلّ مشكلاته، وأكثر قدرة على الإفادة من تلك المُنجزات وتوظيفها التوظيف الأمثل، مع قدرته على تلافي ما قد يظهر من سلبيَّات، قد تصاحب عمليَّة التقدُّم العلمي أو تنتج عنه.

وأولى هذه الآليَّات أن تقتنع العقليَّة العربيَّة بأنَّ السمة الغالبة على القرن الحادي والعشرين هي القدرة على امتلاك العلم والتكنولوجيا، وأنَّ التخلي عنها هو تخلٍّ عن أسباب القوَّة والمجد. وأن تحتلَّ «الثقافة العلميَّة والتقنيَّة» أهميَّة متزايدة في الخطط الخمسيَّة والعشريَّة كافة كاهتمام أوَّلي، وأن يتمَّ التوسُّع في تعليمها من خلال مقرَّرات جامعيَّة ومدرسيَّة وندوات مجتمعيَّة في الأندية والمسارح والقنوات والمحطات التلفزيونيَّة والإذاعيَّة، حيث يكون هناك حضور وألفة معرفيَّة بين الإنسان العربي وبين الوسائل التكنولوجيَّة التي يستخدمها في حياته اليوميَّة، وخاصَّة بعد التسارع الهائل في معدل التفجُّر المعرفي الذي غيَّر كثيراً من الأنماط الفكريَّة والسلوكيَّة للإنسان، وبعد أن تدخَّل العلم وتقاناته المتنوّعة في نسيج الحياة المعاصرة[17].

فثقافة المواطن هي التي تُحدّد اهتماماته وممارساته وسلوكياته وأولوياته، وتبلور منطلقاته الفكريَّة وركائزه العلميَّة ودوافعه الذاتيَّة، ولذلك يُمكننا القول إنَّ ثقافة المواطن العلميَّة تصبح أمراً مهمَّاً ولازماً لنهضة وتطوُّر حركة التقدُّم والتنمية؛ حتى يكون الوعي العلمي أحد العناصر الرئيسة في الوعي العام في التكوين الاجتماعي والمنظومة الثقافيَّة، فمدى نجاح الأنشطة العلميَّة والبحثيَّة والتطوُّر التقني مرهون ومتعلق بإرادة جماعيَّة واعية تدفع بها إلى الواجهة الاجتماعيَّة والثقافيَّة والفكريَّة؛ ليصبح الإنتاج العلمي نمطاً بارزاً ضمن أنماط الحياة اليوميَّة، ويكون التفكير العلمي معلماً ثابتاً في الممارسات والتعاملات[18].

ويبقى التعليم الوسيلة المثلى لنشر هذه الثقافة وجعلها محايثة لعقل المواطن العربي، وكلنا يعلم أنَّ النظم التقليديَّة لتدريس وتعليم العلم التقني قد أثبتت فشلها، وأصبح الحديث الآن عن تطبيق معايير جديدة للتربية العلميَّة. فهذه المعايير لا تركّز فقط على المفاهيم العلميَّة الرئيسة، وإنَّما تُركّز بالقدر نفسه من الأهميَّة على (الكيفيَّة التي يتعلم بها الطلاب العلوم في المدارس)، فالطلاب بحاجة إلى:

1. أن يتعلموا كيفيَّة التساؤل عن الظواهر الطبيعيَّة من حولهم، وكيفيَّة صياغة أسئلتهم بالطريقة السليمة.

2. أن يتعلموا كيفيَّة الوصول إلى أفكار يشرحون بها الظواهر من حولهم.

3. أن يتعلموا اختيار الأفكار الـتي تشرح الظواهر الطبيعيَّة في ظلّ المعرفة العلميَّة الجارية.

4. أن يكتسبوا القدرة على توصيل أفكارهم للآخرين من حولهم[19].

لذلك، إنَّ نشر الثقافة العلميَّة والتقنيَّة يسعى إلى تجاوز التعامل السطحي مع العلوم والتقنيَّة. ويمكن تحقيقه عبر آليات مختلفة منها:

* وضع مقرَّرات دراسيَّة تعليميَّة تعمل على تهيئة تربة خصبة لإنتاج علماء ومهارات وكفاءات قادرة على الممارسة العلميَّة والإبداع التقني.

* العمل على التطوير النوعي لتفكير الفرد وتوجيهه إلى العلوم التقنيَّة، وتنمية الحسّ العلمي لديه.

* جعل الثقافة العلميَّة التقنيَّة جزءاً عضويَّاً ومكوّناً رئيساً من مكوّنات الثقافة الجماهيريَّة السائدة؛ لتحقيق شروط المعاصرة والكفاءة والتوازن، ولتأصيل الثقافة التنمويَّة.

* تحقيق الأمن العلمي، وهو أمر ذو أهميَّة استراتيجيَّة، ويتمثل في قدرة المجتمع على اكتساب وإنتاج المعرفة العلميَّة والتقنيات الحديثة، وتنمية الإمكانات للتطوير والتطويع والإنتاج، وتأسيس آليَّات قادرة على توظيف المعارف بحيويَّة، والمحافظة على المكتسبات بكفاءة، ما يتطلب وعياً علميَّاً سائداً في المجتمع.

* خلق مناخ علمي عام للحثّ على ممارسة العلوم والإبداع والابتكار العلميين.

* محاربة عوائق انتشار الفكر العلمي، وتوفير الدعم المادي والمعنوي للباحثين في هذا المجال.

* دعم فكر التخطيط العلمي الممنهج والقائم على أسس علميَّة، والذي يراعي استخدام أحدث التقنيات والبرمجيات التي ظهرت على الساحة العالميَّة.

* ردم الهوَّة بين المجتمع العلمي والعامَّة باستخدام الثورة المعلوماتيَّة.

* تمكين الجمهور من مناقشة الأبعاد الأخلاقيَّة والاجتماعيَّة للعلم التقني ومعرفة الآثار الإيجابيَّة والسلبيَّة لهذه الأبعاد على حياتهم اليوميَّة.

* الاهتمام بنوادي العلوم والمتاحف القوميَّة والمتخصّصة، وجعلها مكوّناً رئيساً في النشاط التعليمي اللَّاصفي.

* تشجيع المسابقات العلميَّة بين مختلف الفئات ووضع حوافز مجزية للمتميزين.

* العمل على أن يصبح الشعب ذا طبيعة تقنيَّة علميَّة من خلال ممارسة التقنيَّة في جلّ مصالحه المدنيَّة الحكوميَّة.

* الحثّ على تأهيل العلماء في المجالات الحيويَّة التقنيَّة خارج الأقطار العربيَّة، والاستعانة بهم في تثقيف الجماهير العريضة.

* الحثّ على الانخراط في المؤسَّسات العلميَّة الرسميَّة وغير الرسميَّة، والمنظمات والجمعيات التي تهتمُّ بالثقافة التقنيَّة والعلميَّة بأنواعها كافة.

* العمل على أن تنقل الأجيال السالفة إلى الأجيال اللاحقة الإرث العلمي والمهاري الذي اكتسبوه.

* تشجيع أعضاء هيئة التدريس ممَّن وصلوا إلى مرحلة الأستاذيَّة على الاستمرار في البحث العلمي، كأن يكون الحصول على منصب إداري مشروطاً بتقديمه بحثاً علمياً يحمل ما هو جديد في المجال التقني[20].

خاتمة

ممَّا تقدَّم تتضح لنا أهميَّة وضرورة شيوع وتعميم الثقافة العلميَّة والتقنيَّة في أرجاء الوطن العربي كافة، وخاصَّة في ظلّ التسارع المذهل في الاكتشافات العلميَّة والابتكارات التكنولوجيَّة في العصر الراهن، فقد باتت الحاجة مُلحَّة (أكثر من أيّ وقت مضى) للدعوة إلى انتشارها والبحث عن آليَّات جديدة تساعد على نشر تلك الثقافة وبلوغها كلّ رَبْعٍ ونَجْعٍ. وقد يتسنَّى ذلك من خلال الاهتمام بحاملي هذه الثقافة القادرين على توصيلها إلى الناس عامَّةً وتبسيطها بأيسر الطرق، ولكن دون أن يعود بالسلب على جوهر البحث العلمي وتقدُّمه. فالتسارع المذهل في عالم الاتصالات، وإنتاج الطاقة البديلة، وإنتاج أجهزة ومعدات أكثر تطوُّراً في المجالات الحياتيَّة كافة أصبح أمراً يجعل من عدم الاهتمام بالثقافة التقنيَّة في بلانا جديراً، ليس بأن يضعنا خارج خارطة العالم المتقدّم فحسب، بل خارج خارطة العالم الحي. فتقدُّم البلدان ورقيّها الحضاري يتعلق بحجم عدد الباحثين الحقيقيين وبعدد مقالاتهم العلميَّة المفيدة، وليس بكثرة ما ينشرونه من ثقافة علميَّة شعبيَّة. فإنَّ أيَّة حضارة، مهما كانت عريقة، إذا انكفأت على نفسها واكتفت بالتغنّي بأمجاد الماضي، رافضة أيَّ تحولات أو تغيرات فيها، فإنَّها تبقى جامدة متحجّرة يتجاهلها ويتخطاها الارتقاء الحضاري والثقافي، ويتركها على قارعة طريق المعلومات السريع مكتوفة الأيدي لتدوسها عجلة التاريخ، وسرعان ما تسقط في هوَّة العجز والتقهقر الحضاري. فالثقافة التقنيَّة أصبحت ضرورة لا يمكن تجاهلها بأيَّة حال من الأحوال في وقتنا الراهن، ولا يقلل ذلك أبداً من دور الثقافات الأدبيَّة والشعبيَّة، ولكن بتضامن كلّ هذه الثقافات ينهض المجتمع وتُبنى الحضارات، أمَّا إهمال أيٍّ منها، فإنَّه ينتج مجتمعاً ناقصاً عاجزاً، غير قادر على السَّير في ركاب الأمم المتحضّرة.

[1] ـ محمود، مصطفى، قضايا علميَّة تشغل العالم، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الثقافة العلميَّة، القاهرة، 2013، ص ص 11-12

[2] ـ القدسي، محمَّد عبد الباري، قراءة في استراتيجيَّة نشر الثقافة العلميَّة والتقانيَّة، صحيفة 26 سبتمبر اليمنيَّة، العدد (1302)، الخميس 28 كانون الأول/ ديسمبر، ص 6. وهذا هو تعريف المنظمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم.

[3] - Hansen, R. And Froelich, M, Technological Literary: Forging a New Role for Technological Education Teacher, CVA/ ACFP. (1993), PP. 13 - 19

[4] ـ أبو عودة، محمَّد فؤاد، تقويم المحتوى العلمي لمنهاج الثقافة التقنيَّة المقرر على طلبة الصف العاشر الأساسي في ظلّ أبعاد التنور التقني، دراسة كمتطلب أساسي لنيل درجة الماجستير بكليَّة التربية بالجامعة الإسلاميَّة بغزة- فلسطين، 2006، ص 22

[5] ـ الشيباني، خضر محمد، الثقافة العلميَّة مفتاح التقنية، مجلة العلوم والتقنية، العدد (55)، على الرابط الإلكتروني:

http://www.mstmron.com/forums/showthread.php?t=28124

[6] ـ المرجع نفسه.

[7] ـ القدسي، محمد عبد الباري، قراءة في استراتيجيَّة نشر الثقافة العلميَّة والتقانيَّة، ص6

[8] ـ الشيباني، خضر محمد، الثقافة العلميَّة مفتاح التقنيَّة، مرجع سابق.

[9]- العمري، عبد الحفيظ أحمد، آفاق الثقافة العلميَّة، إصدارات مدوّنة عيون المعرفة، على الموقع الإلكتروني التالي: http://knoweyes.blogspot.com

[10] ـ الشيباني، خضر محمد، الثقافة العلميَّة مفتاح التقنيَّة، مرجع سابق.

[11] ـ المصعبي، عبد الملك منصور، التراث والتفكير العلمي في المجتمع العربي المعاصر، على الرابط الإلكتروني:

http://www.alarabimag.com/Book/Article.asp?ART=712&ID=27

[12] ـ القدسي، محمد عبد الباري، قراءة في استراتيجيّة نشر الثقافة العلميَّة والتقانيَّة، ص6

[13] ـ مهران، زينب شحاتة، الكتابة العلميَّة للأطفال: كيفيَّة المساهمة في خلق أجيال تهتمُّ بالعلم والتكنولوجيا، فصل في كتاب الثقافة العلميَّة واستشراف المستقبل العربي، الكويت، وزارة الإعلام، مجلة العربي، 2007، ص 105-123

[14] ـ حاتم، غازي، الثقافة العلميَّة في الوطن العربي، مجلة الهيئة العالميَّة للإعجاز العلمي في القرآن والسنَّة، على الرابط الإلكتروني التالي:

https://www.eajaz.org/index.php/component/content/article/79-Number-twenty-one/674-Scientific-culture-in-the-Arab-World

[15] ـ غيطاس، جمال محمد، الإعلام العربي وقضايا التنمية، ندوة الثقافة العلميَّة واستشراف المستقبل العربي، الكويت، العربي (67)، 2007، ص 87 وما بعدها.

[16] ـ القدسي، محمَّد عبد الباري، قراءة في استراتيجيَّة نشر الثقافة العلميَّة والتقانيَّة، ص6

[17] ـ المرجع نفسه.

[18] ـ الشيباني، خضر محمد، الثقافة العلميَّة مفتاح التقنيَّة، مرجع سابق.

[19] ـ مهران، زينب شحاتة، الكتابة العلميَّة للأطفال: كيفية المساهمة في خلق أجيال تهتم بالعلم والتكنولوجيا، مرجع سابق.

[20] ـ راجع: القدسي، محمَّد عبد الباري، قراءة في استراتيجيَّة نشر الثقافة العلميَّة والتقانيَّة، ص6