حوار مع الباحثة أسماء بنعدادة: نظرات سوسيولوجية حول المرأة والحركات النسائية


فئة :  حوارات

حوار مع الباحثة أسماء بنعدادة: نظرات سوسيولوجية حول المرأة والحركات النسائية

 مرحباً بك على هذا المنبر

نور الدين علوش: من هي الدكتورة أسماء بنعدادة؟ تتنوع أنشطتك بين التدريس الجامعي والنضال الحقوقي وكتابة القصة والشعر؟ كيف توفقين بين هذه الانشغالات؟

ـ أسماء بنعدادة، من مواليد مدينة فاس العتيقة، نشأت بين دروبها الضيقة وتحت سمائها الشديدة الزرقة، ليس بعيداً عن جامع القرويين. لم أغادرها يوماً، تلقيت فيها تعليمي من الابتدائي إلى الجامعي، حصلت على شهادة الإجازة في علم الاجتماع في كليّة الآداب ظهر المهراز، اشتغلت أستاذة فلسفة لمدة 15 سنة بالثانوي، ناقشت الدكتوراه بالكليّة نفسها سنة 2005، والتحقت بالتعليم العالي في السنة نفسها، لأعود مجدداً إلى رحاب السوسيولوجيا، وبالضبط إلى الدراسات النسائية وقضايا النوع الاجتماعي. عضوة في بعض هيئات البحث "مختبر الدراسات النفسية والاجتماعية بالكليّة نفسها "مركز الدراسات النسائية"، مسؤولة عن بعض الأنشطة الثقافية بالكليّة "حلقات تشجيع الطلبة على القراءة والكتابة". ساهمت في العديد من الملتقيات الفكرية والندوات وحلقات النقاش داخل الوطن وخارجه. ساهمت في العديد من الدراسات حول واقع وتاريخ الحركة النسائية. نشرت كتاباً حول المرأة والمشاركة السياسية، كما ساهمت في العديد من الكتب الجماعية ونشرت العديد من الدراسات المتعلقة بواقع النساء، فاعلة حقوقية نسائية، عملت داخل العديد من الجمعيات الحقوقية والنسائية لأزيد من ثلاثين سنة، كنت مسؤولة في هياكلها لعدة مرّات، مثلتها في العديد من الملتقيات المحلية والوطنية، كنت حاضرة في أهمّ المحطات النضالية التي خاضتها الحركة النسائية المغربية، كالمطالبة بتغيير مدونة الأحوال الشخصية في التسعينات من القرن الماضي، والدفاع عن خطة إدماج المرأة في التنمية عام 2000، كما كنت حاضرة في العديد من الوقفات الاحتجاجية والمطلبية التي ساهمت في خلق نقاش عمومي حول قضايا المساواة ومناهضة كلّ أشكال التمييز ضد النساء، ومحاربة ظواهر خطيرة تنتهك حقوق النساء والأطفال كالعنف ضد النساء والتحرش الجنسي والاغتصاب وتشغيل الأطفال واللائحة طويلة. منذ مدة لم أعد أنتمي مباشرة إلى أيّة جمعية نسائية، لكنني لم أتوقف يوماً عن متابعة كلّ الملفات التي تطرحها الحركة النسائية للنقاش والمرافعة كرفع تمثيلية النساء في مراكز القرار، وأتابع كلّ تطورات الحركة النسائية المغربية والعالمية، وأشارك في جلّ المحطات النضالية التي تساهم في رفع الحيف عن النساء وإزالة كلّ أشكال التمييز ضدهن.لديّ ميول قويّة إلى الأدب، أقرأ كثيراً الرواية والشعر، ومن حين إلى آخر، تتملكني الرغبة وتأخذني الكلمات إلى الكتابة بطريقة أدبية أعتبرها خارج التصنيف، سميتَها أنتَ شعراً أو قصة، وأسمّيها أنا شذرات.

نور الدين علوش: تحظى قضية المرأة بمكانة مهمة في كتاباتك وأنشطتك الحقوقية والإعلامية، فما هو وضع المرأة المغربية في المرحلة الراهنة؟

أسماء بنعدادة: منذ بداية الثمانينات والمسألة النسائية تشكل محور اهتماماتي الفكرية والنضالية. انخرطت في العديد من الجمعيات المدافعة عن حقوق النساء، ساهمت في العديد من المحطات التاريخية كجمع "مليون توقيع من أجل تغيير مدونة الأسرة" في بداية التسعينات، تابعت كلّ مراحل تطورها وتعدد مواقفها، انخرطت بقوة في جلّ المعارك التي خاضتها من حملات تحسيسية، وقفات احتجاجية، تظاهرات، شاركت في النقاشات التي دارت وما زالت حول قضايا حسّاسة، العنف ضدّ النساء بمختلف مظاهره، الاغتصاب، التحرش الجنسي، والمشاركة في الحياة السياسية، وأخيراً وضع قانون الإجهاض. كنت دائماً أحاول المزاوجة بين العمل النضالي الميداني والبحث العلمي، وفي هذا الإطار انخرطت في العديد من مجموعات البحث حول المرأة، كمجموعة "مقاربات" التي كانت تصدر في نهاية الثمانينات والتسعينات، ومجموعة "شمل" التابعة لكليّة القنيطرة، ثم مركز الدراسات النسائية التابع لكليّة الآداب ظهر المهراز، شاركت في الكتب الجماعية التي أصدرتها هذه الهيئات، كما شاركت في لقاءات عربية ودولية حول قضايا مرتبطة بمحاولة فهم أصل اللامساواة بين الجنسين والدفاع عن مبدأ المساواة بينهما.

نور الدين علوش: إذا كانت المرأة المغربية قد حققت بعض المكتسبات مع صدور مدونة الأسرة سنة 2004، فإننا نسجل أنّها ما زالت تعاني من الإقصاء والتهميش في العمل السياسي والتمثيلية السياسية، فما هي الأسباب في رأيك؟

أسماء بنعدادة: يمكن أن نسجل التحول الذي عرفته المرأة على هذا المستوى. مدونة الأسرة وضعت على أساس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، ومكنت المرأة من اكتساب هويّة جديدة كامرأة مستقلة بكيانها عوض وضعية التبعية التي نصّت عليها مدونة الأحوال الشخصية. اعتبرت أنّ الأسرة تتكون من رجل وامرأة تجمعهما المحبة والتفاهم والمساواة في الحقوق والواجبات، فمدونة الأسرة هي حصيلة سنوات من النضال الدؤوب خاضته مجموعة من النساء والرجال والديمقراطيون والحقوقيون والجمعيات النسائية. لقد شكلت مدونة الأسرة تحولاً كبيراً في المنظومة القانونية، وأصبحت كنص قانوني قادرة بشكل مباشر على الاعتراف بالعديد من الحقوق المتعلقة بوضعية المرأة المغربية، لم تكن مدونة الأحوال الشخصية تضمنها لها، كما كانت بداية لإلغاء بعض أشكال التمييز ضدّ النساء. وكانت الفلسفة التي قامت عليها مدخلاً لتحقيق المساواة بين الزوجين داخل الأسرة في الحقوق والواجبات. على مستوى الواقع كانت نساء كثيرات تُعِلن أسرهن، أو تساهمن مساهمة كبيرة في تدبير شؤونها، في الوقت الذي كان قانون الأحوال الشخصية يعتبر أنّ "نفقتهن على أزواجهن"، وأنّ الأسرة تبنى تحت رعاية الزوج. مدونة الأسرة هي تقويم لهذا الاعوجاج، وعدم التطابق الذي كان حاصلاً بين النص القانوني والواقع اليومي، هذا التناقض نتج عنه العديد من أشكال التمييز والحيف التي يكون الأطفال والزوجات ضحاياها.بالتخلي عن مبدأ "طاعة الزوجة لزوجها" وعن "إشراف المرأة على البيت وتنظيم شؤونه"، تمّ التخلي عن مفهوم التمييز بين الحقوق والواجبات الخاصة بكلٍّ من الزوج والزوجة، والتنصيص بدل ذلك على الحقوق المتبادلة بينهما. كما ثمّنت مدونة الأسرة مبدأ المساواة بين النساء والرجال، ووضعت الأسس القانونية لترسيخه كقيمة وكممارسة داخل الأسرة كفضاء خاص، ليكون منطلقاً يمكن تعميمه في الفضاء العام. منحت المدونة المرأة الحق في طلب الطلاق ووضعته بيد القضاء بعد أن كان يتحكم فيه الرجل بشكل كبير. كما قيّدت التعدد بشروط شرعية صارمة تجعله شبه مستحيل، بحيث يمنع تعدّد الزوجات في حالة الخوف من عدم العدل، كما أنّ للمرأة أن تشترط على زوجها عدم التزوج عليها، وأعطت الحق للمرأة المتزوج عليها في طلب التطليق للضرر،كما رفعت سنّ الزواج إلى 18 سنة. ورغم هذه المكتسبات الحقوقية التي أقرّتها مدونة الأسرة، تبقى طموحات الجمعيات النسائية وطموحات الحقوقيين كبيرة، وجهودهم متواصلة من أجل إقرار حقوق ومكتسبات جديدة كفيلة بالنهوض بوضعية المرأة المغربية في كافة المجالات.في هذا السياق طالبت الحركة النسائية بتغيير كلّ القوانين المجحفة في حق النساء، وإلغاء كافة أشكال التمييز ضدهن، فسطرت عدة مطالب كمناهضة العنف تجاههن وتفعيل آليات حمايتهن من كافة أشكاله، محاربة التحرش الجنسي، تغيير بعض الفصول في القانون الجنائي كتزويج الفتاة المغتصبة بمغتصبها، كما طالبت بدعم وصول النساء إلى مواقع صنع القرار ورفع تمثيليتهن في كلّ الهياكل الحزبية والمنتخبة، وتطوير صورة إيجابية عن دور النساء وموقعهن داخل المجتمع.

بعد ذلك انتقلت الحركة النسائية إلى الاهتمام بالتمثيلية السياسية للنساء في مراكز القرار السياسي. معالجة هذا الضعف تتطلب وجود قوانين تلزم الأحزاب السياسية بترشيح النساء حسب كوتا متفق عليها كإجراء تمييزي أثبتت تجارب العديد من الدول نجاعته، كما نحتاج إلى نشر ثقافة المساواة وإزالة كلّ أشكال التمييز ضدّ النساء، هذه الثقافة التي ما زالت للأسف شبه غائبة أو ضعيفة سواء داخل المؤسسات التعليمية أو الأسرة أو داخلالأحزاب السياسية المغربية. إضافة إلى هذه المعيقات هناك تقسيم الأدوار بين الجنسين، ممّا يجعل الاهتمام بشؤون البيت مهمّة تقوم بها النساء بالأساس، ممّا يقلل من إمكانيات اهتمامهن بالشأن السياسي. إنّ دمقرطة المجتمع والفضاء العام لا تتمّ بمعزل عن دمقرطة الفضاء الخاص والعلاقات بين الجنسين. يمكن القول إنّ النساء في المغرب على هذا المستوى قد قمن بالخطوات الأولى، لكنّ الطريق أمامهن ما زالت طويلة، وتحقيق المناصفة التي ينصّ عليها دستور 2011 يتطلب الكثير من الجهد والعمل المتواصل.

نور الدين علوش: باعتبارك من الباحثات المتميزات في علم الاجتماع، ما هو وضع السوسيولوجيا حالياً في المغرب بصفة خاصّة، وفي العالم العربي بصفة عامّة؟

أسماء بنعدادة: يمكن تقييم وضع السوسيولوجيا بالمغرب من زاويتين:

أولاً: باعتبارها مادة معرفية تدرس للطلبة والطالبات في شعب السوسيولوجيا. قبل مدة قصيرة كان هذا التخصص يدرس في كليّتين فقط، هما كليتا الآداب والعلوم الإنسانية بكلٍّ من الرباط وفاس، وكان عدد الطلبة الذين يتخرجون فيها محدوداً جداً مقارنة مع عدد المتخرجين في شعب أخرى. منذ أزيد من عقد من الزمن ومع تطبيق الإصلاح على منظومة التعليم العالي، وبعد الضربات الإرهابية التي هزّت المغرب في 2003، سمحت الدولة بفتح مسالك وشعب لتدريس السوسيولوجيا والفلسفة في كلّ الجامعات، وبالتدريج ارتفع عدد الشعب حتى أصبح لدينا اليوم شعبة علم الاجتماع في جلّ الجامعات المغربية. وأحياناً توجد شعبتان في جامعة واحدة، كما هو الشأن في مدينة فاس، حيث توجد كليّة الآداب والعلوم الإنسانية سايس، وظهر المهراز بحيث توجد شعبة علم الاجتماع في الكليّتين. وقد عرف عدد الطلبة المقبلين على هذا التخصص المعرفي ارتفاعاً متزايداً، يصل أحياناً إلى 1500 طالب في الفصل الأول، ويصل إلى 3000 طالب في الفوج الوحيد في كليّة واحدة. إذن يمكننا القول إنّ السوسيولوجيا عاشت في العقد الأخير تحولاً كميّاً يتجلى في ارتفاع عدد المتخرجين فيها. ماذا عن الحصيلة وعن طبيعة التكوين؟ يمكننا القول إنّ الحصيلة ليست مرضية ولا تستجيب لحاجيات المغرب للدراسات السوسيولوجية. السوسيولوجيا كمجال معرفي تحتاج إلى معاينة الوقائع والقيام بالدراسات الميدانية، جامعاتنا لا توفر لا لطلبتها ولا لأساتذتها أيّة إمكانيات لتحقيق هذا الغرض. السوسيولوجيا بالمغرب تدرس بشكل نظري، وهذا أكبر عائق نحو تقدمها وممارستها بشكل صحيح.

أمّا الزاوية الثانية فتتعلق بالإنتاج المعرفي في مجال الأبحاث والدراسات السوسيولوجية، إنّه إنتاج ضعيف جداً، وعدد الباحثين الذين يهتمون بالبحث العلمي وبالنشر عدد محدود جداً، وما ينشر ضئيل لا يجيب ولو على جزء بسيط من الإشكالات المطروحة للنقاش. وضعف التأليف والنشر وإنجاز الدراسات والأبحاث السوسيولوجية يعود إلى سببين: الأول كون العديد من السوسيولوجيين ينشغلون بإنجاز أعمال في مجال الخبرة التي تكون مواضيعها تحت طلب المنظمات الدولية والتي غالباً لا تنشر، وهو عمل مؤدى عنه، السبب الثاني هو غياب الشروط المادية والثقافية والمنهجية الضرورية للقيام بأبحاث ميدانية ممّا يجعل تجربتنا على هذا المستوى ضعيفة جداً.

نور الدين علوش: تعاني الدراسات السوسيولوجية في العالم العربي من كثرة الدراسات النظرية وقلة الدراسات الميدانية، فهل نحن متأثرون كثيراً بالمقاربة الفرنسية التي يغلب عليها التنظير؟

أسماء بنعدادة: دول المغرب العربي متأثرة بالمدرسة الفرنسية، لكنّ دول المشرق تتكلم الإنجليزية (لغة ثانية)، وتطلع أكثر على الإنتاجات الأنجلوساكسونية، وهي متأثرة بها، لكنّها كلها تشهد ضعف وغياب الأبحاث والدراسات الميدانية. فقلة الأبحاث الميدانية برأيي لا يعود إلى التأثر بهذه المدرسة أو تلك بقدر ما يعود إلى واقع مؤسساتنا الجامعية التي لا تخصّص ميزانية خاصة للأبحاث السوسيولوجية الميدانية. إنجاز الأبحاث الميدانية يتطلب شروطاً مادية ومعرفية وبيداغوجية، وتوفر الإمكانات المعرفية والمنهجية لا يكون إجرائياً، ولا يمكن توظيفها في غياب الإمكانيات المادية. فالمدرسة الفرنسية التي اعتبرت أنّ الطابع النظري يغلب عليها، تعطينا دروساً تاريخية في الميدان منذ رواد السوسيولوجيا الأوائل، من إميل دوركايم إلى السوسيولوجيين والأنتربولوجيين المعاصرين. لفي ستراوس، بيير بورديو، فرونسواز إرتييه وغيرهم كثيرون. لا سوسيولوجيا بدون ميدان، لأنّ مؤسساتهم الجامعية تخصّص ميزانية محترمة للبحث العلمي. نحن نفتقر تماماً إلى هذا التقليد، ميزانيات جامعاتنا تصرف على الندوات واللقاءات الفكرية (لا أقلل من أهميتها)، لكنّ أكبر مشكل يُطرح في هاته اللقاءات هو أنها تصرف ميزانية كبيرة في حفل الافتتاح وحفل الاختتام إلى جانب الموائد المستديرة الخاصة بالأكل. لا يوجد في ميزانيات جامعاتنا وكليّاتنا ميزانية خاصة بالأبحاث الميدانية. من الصعب إن لم نقل من المستحيل أن يقوم الباحث في مجال السوسيولوجيا أو أي مجال معرفي آخر بأبحاث ميدانية على حسابه الخاص. الأبحاث الميدانية التي تنجز تموّل من طرف مؤسسات الدولة كالمندوبية السامية للتخطيط أو بعض الوزارات، ويمكن أن توضع في يد الباحثين للانطلاق من نتائجها لدراسة بعض الظواهر الاجتماعية. هناك نوع ثانٍ من الدراسات الميدانية، تلك التي تمولها بعض المنظمات الدولية، وهي دراسات لا تفيد البحث العلمي في شيء لأنّ نتائجها لا تنشر، توظفها الأطراف الممولة لأهداف متعددة المشارب، والخطير فيها أنّها تحوّل الباحثين السوسيولوجيين إلى مستشارين تقنيين أو "مخبرين" يقدمون الخدمات والمعلومات عن واقعنا للمنظمات الممولة مقابل أجر مادي، وأحياناً بدون احترام للشروط العلمية للبحث العلمي.

نور الدين علوش: لن نتقدّم في الدراسات السوسيولوجية بدون ترجمة أمّهات الكتب السوسيولوجية، فكيف تنظرين إلى واقع الترجمة في العالم العربي؟

أسماء بنعدادة: الترجمة ليست مشروعاً فردياً، بل هي مشروع جماعي ينبغي أن يشترك فيه فاعلون ثقافيون من كلّ التخصصات والمعارف. الترجمة مشروع مجتمعي لا يمكن أن تكون مزدهرة إلا عندما يكون المجتمع يحمل مشروعاً فكرياً ثقافياً واضح المعالم، يستجيب لحاجياته الفكرية والثقافية والاجتماعية والروحية.فأكبر مشكل يُعيق ازدهار الترجمة هو غياب هذا المشروع الفكري والثقافي. ثمّ لا يمكن فصل ضعف الترجمة عن قلة الإقبال على الكتاب وضعف القراءة بشكل عام.

نور الدين علوش: ما زلنا نعتمد في الترجمة على مجهودات شخصية، ولم نرقَ بعدُ إلى مؤسسات لها خطة عمل واضحة، فما العراقيل التي تمنعنا من التقدم في عملية الترجمة؟

أسماء بنعدادة: تتّسم حركة الترجمة في البلدان العربية بالبطء الشديد والتأخر الملحوظ، فبينما يترجم الغرب عشرات الآلاف من العناوين سنوياً، تعمل كلّ البلدان العربية على ترجمة نحو 3000 كتاب فقط. لا جدال أنّ الترجمة تعمل على خلق جسور التبادل الثقافي والمعرفي، وتزرع قيم التعدد والاختلاف والتسامح، وتشجّع على بناء الحوار بين الحضارات. الترجمة هي عملية تبادل في كلّ الاتجاهات، تشمل ترجمة المعارف الأجنبية إلى اللغة العربية، كما تتطلب ترجمة المنتوج العربي إلى لغات أخرى، لكي يتحقق التواصل وتبادل المعارف في كلّ الاتجاهات.توجد في العالم العربي العديد من الهيئات المختصة بالترجمة والنشر كالمركز القومي للترجمة بمصر، ومشروع "كلمة" للترجمة في أبو ظبي، والمنظمة العربية للنشر بلبنان،... وغيرها، لكنّ مجهوداتها تبقى جدّ محدودة، يغيب فيها التنسيق بين كلّ الفاعلين في المجال، وتفتقر إلى منظومة تحدّد خصائصها ومجالات اشتغالها، وقاعدة للإحصاء والتصنيف تحدّد الحاجياتبشكل دقيق، ممّا يجعل المجهودات المبذولة لا تفي بالغرض من الترجمة. ناهيك عن المشاكل التقنية واللغوية واللسنية المرتبطة بالترجمة كعملية وفن وتخصص له شروطه العلمية الدقيقة التي تضمن نقل النص بروحه ومضامينه وسياقه المعرفي. فمن شروط الترجمة التعامل مع جوهر النص المترجم وامتلاك المترجم القدرة على نقل أفكار ومضامين المنتوج المترجَم بأمانة، وبلغة تسمح للمتلقي بفهمه وإدراكه والتأثر به.أعتقد أننا في حاجة إلى إعادة النظر في طرق الاشتغال وتوحيد الجهود والتنسيق بين الفاعلين في هذا المجال، كما أننا في حاجة إلى وضع قواميس للمصطلحات تساعد المترجمين، وتجعل أعماهم منسجمة. إننا في حاجة أيضاً إلى تجاوز العشوائية في اختيار الكتب التي تترجم، وتعزيز الاهتمام باللغة العربية وتطويرها، والاجتهاد في إيجاد مصطلحات تترجم اللغة العلمية خصوصاُ، والاهتمام كذلك باللغات التي نترجم منها أو إليها. ثمّة كلمة أخيرة، وهي أنّه يجب التأكيد على أنّ الترجمة ومشاكل الترجمة لا تنفصل عن التعليم ومشاكل التعليم، فإيجاد حلول مناسبة لمشاكل الترجمة متوقف على إيجاد حلول للمشاكل المتعلقة بالتعليم بكلّ مستوياته وفي كلّ أبعاده.