يقين الكوجيطو


فئة :  ترجمات

يقين الكوجيطو

يقين الكوجيطو

ترجمة: محمد الدوسي

اسمحوا لي أولا على اختيار هذا الموضوع، أو على الأقل توضيح مبرر اختياره. قد يكون قدومي إلى فرنسا لأحدث الفرنسيين عن ديكارت، وبريمونت بالذات، حيث قدم بعض الفلاسفة المتميزين منذ سنتين تقريبا سلسلة من الأبحاث حول فلسفة ديكارت، أمرا غير معقول. لا يمكنني كذلك التدليل على أن هذه الفلسفة قد نوقشت فعلا بشكل كبير داخل إنجلترا، وعلى وجه الخصوص مسألة الكوجيطو؛ لأن الأمر في الحقيقة، ليس كذلك. لم يتحدث الفلاسفة إلا لماما عن هذه الفلسفة بإنجلترا. فباستثناء ملاحظات الأستاذ آير حول الكوجيطو التي سنطرق إليها لاحقا، لم يتحدث الفلاسفة عن الديكارتية إلا لماما[1].

ربما كان عليهم الاهتمام بها أكثر من ذلك بكثير. لا أظن أني سأخطئ لو قلت إن معظم قضايا الفلسفة الإنجليزية كانت ذات طابع ديكارتي- وإن كان محصولها الفلسفي يبقى إمبريقيا. ذلك حال الثقة في الشك المنهجي الذي يشكل نقطة انطلاق نظرية المعرفة، بالنظر إلى أهميته في الفلسفة الإنجليزية لهذا القرن- أحيانا بشكل جليّ كما هو الحال مع راسل في كتابه "مشاكل الفلسفة"؛ وأحيانا بشكل غير صريح كما هو الحال عند الأستاذ آير على ما أعتقد في كتابه "أسس المعرفة التجريبية". نفس الأمر كذلك بالنسبة إلى الفكرة الديكارتية التي مفادها أنني أعرف محتوى عقلي على نحو مباشر تماما، مقارنة بمعرفتي لما يوجد خارج ذاتي، حيث ظلت حاضرة داخل فلسفة العقل والإدراك، حيث يعاد طرحها في كل مرة [2]. لقد قلت قبل قليل إن هذه الافتراضات كانت مقبولة ولا نقاش فيها تقريبا إلى حدود فترة حديثة العهد تماما. إن أبرز ما تميز به الفكر الإنجليزي المعاصر هو، على ما يبدو لي، إعادة مساءلة هذه الافتراضات من جديد. لقد نجح فتجنشتين ومور في إقناعنا بكون أن هذا الشك لا ينطبق على كل الأشياء وبشكل كلي، ومن ثم فليس كل شكل من أشكال الشك، هو بالضرورة ذا معنى[3].

للاطلاع على تفاصيل الترجمة كاملة المرجو الضغط هنا

[1]‑ «Cogito ergo sum»: analysis, 1953; the problem of knowledge, london macmillan, 1956; p.45 sqq

[2]‑ من الطبيعي جدا، بالنسبة إلى ديكارت، أن تكون معرفة العقل لذاته أيقن من معرفته لأشياء تقع خارجه، بل أبسط منها حتى، حيث معرفتنا بعالمنا الداخلي هي معرفة مباشرة وأولية نحصلها على نحو استبطاني- حدسي-، على العكس تماما من معرفتنا لما هو خارج ذاته. هذه الحقيقة هي ما جعلته يطرح ما يسمى بمشكلة وجود الآخرين، فأنا أثبت وجودي انطلاقا من التفكير والتأمل في حياتي الداخلية بشكل مباشر، ومن ثم لا يمكن أن أشك في واقعة كوني أفكر، ما دمت أرى ذلك رؤية مباشرة بواسطة عقلي، وليس من خلال الاستدلال، بينما معرفتي لوجود الآخرين لا تتم على هذا النحو. (المترجم)

[3]‑لا يمكن أن نغفل هنا نقد سندرس بيرس للشك الديكارتي، في سياق حديثه عن الاعتقاد، حيث اعتبر الشك الديكارتي هو شك مزعوم ومبالغ فيه. بدليل أنه ليس هناك ما يبرر الشك في كل ما وضعه ديكارت موضع شك، بل إن علاقتنا الأولية بالعالم هي علاقة اعتقاد بالدرجة الأولى وليست علاقة شك. أكثر من ذلك هو أنه حتى وإن تظاهرنا بقدرتنا على التخلص من كل أحكامنا المسبقة وآرائنا المتوارثة، فإنها في الواقع تظل ملازمة لنا؛ بمعنى آخر دوامها أو زوالها ليس مسألة إرادة، حتى نبعدها بفضل الشك. لكن هذا لا يعني حسب بيرس أنه ليس هناك شك مبرر ومشروع. (عن المترجم)