المجازات وعموميّة القوانين


فئة :  ترجمات

المجازات وعموميّة القوانين

المجازات وعموميّة القوانين

صوفي غيب

ترجمة: حاتم الهادي سالمي

هل اللّون الأحمر لهذه التفاحة واللّون الأحمر لهذه المزهريّة، اللّذان يتشابهان في الظلّ شبهاً دقيقاً، مميّزان من النّاحية العدديّة؟ فهل ذاك الاختلاف هو خصائص الجزئيات، أو بعبارة أخرى هو خصائص المجازات؟ أم هل تقوم كلّ من التّفاحة والمزهريّة بتمثيل كليّ واحدٍ: كليّ هو ممثَّل أيضاً بأيّ كائن آخر يشاركهما في «درجة» الظلّ؟

إنّ المعركة الكبرى بين أنصار المجازات ومؤيّدي الكليّات هي معركة متعدّدة الأبعاد يستحيل فيها الفكاك من النقاشات حول طبيعة القوى والسببيّة وقوانين الطبيعة، وفي إطار هذا الموضوع الأخير -طبيعة قانون الطبيعة- يُفترض عموماً أنْ يكون للكليّات ميزة حقيقيّة على المجازات ناهيك أنّ البعض قد يجادل بكونها ميزة حاسمة. فلطالما قال ديفيد أرمسترونع (2004، 1997، 1996، 1993) إنّه لا يمكن للمرء، بواسطة المجازات على خلاف الكليّات، أنْ يلفّق الرّابط المطلوب بين الأسباب والقوانين. ويدّعي بيترفورست (1993) أنّه بالنسبة إلى أنصار المجازات للقيام بهذا الرابط عليهم التوسّل بميتا - قوانين (أيْ ما وراء قوانين الطبيعة) غير مغرية. وبحسب السّبب الرئيس للوو (2006) لا يمكن للمرء من دون كليّ أن يصوغ تصوّراً مقنعاً للوضع الأنطولوجي لقانون الطبيعة من أجل الاعتراف بمقولة الكليّات فضلاً عن تلك المقولة المتعلّقة بالمجازات.

إنّ هذا الفصل يهتمّ بمشكل يعرضه كلّ من فورست وأرمسترونغ بوصفه أحد الموضوعات المركزيّة بالنّسبة إلى التصوّر المجازي للقوانين؛ أيْ ذاك الذي يفسّر عموميّة القوانين. فوفقاً لهما القوانين عامّة؛ ذلك أنّ القانون القائل إنّ الأجسام لا تتسارع ما لم تكن مدفوعة بقوّة يعني أنّ كلّ جسم لم يكن مدفوعاً بقوّة لن يسرع. وإنّ القانون الذي مفاده أنّ الماء يذيب ملح الطعام يقتضي أنّ كلّ كميّة من الماء تلامس ملح الطعام ستنصّ على أنْ لا شيء يحول دون ذوبان الملح[1]. ولكن ما الذي يفسّر هذه الحقيقة العامّة؟ لماذا لا يستطيع البعض، إلى الآن، أنْ يسرّع جسماً رخواً على الرغم من كونه غير مدفوع بقوّة؟

ولماذا يجب أنْ يذيب الماء ملح الطّعام في كلّ الأوقات وفي كلّ الأمكنة؟ يزعم كلّ من فورست وأرمسترونغ أنّ أنصار الكليّات، على خلاف أنصار المجازات، يستطيعون تفسير عموميّة القوانين. لذا يجب عليّ في هذا الفصل أنْ أبيّن بالحجّة عدم إفلاح فورست وأرمسترونغ معاً في تأسيس أيّ شيء يُعتدّ به «علميّاً». فإذا كانت نتيجة هذا الفصل -ومفادها تحديداً أنّ الكليّات ليس لديها أيّ فضل على المجازات عندما يتعلّق الأمر بوضع تصوّر لعموميّة القوانين- صحيحة، فسيكون هذا الأمر، إذاً، انتصاراً مهمّاً ذا دلالة بالنّسبة إلى المقاربة القائمة على المجاز.

1. حجّة فورست:

تتبلور حجّة فورست (1993: 48-50) المتعلّقة بزعم أنّ الكليّات قادرة على تفسير عموميّة القوانين على النّحو الآتي: حيث إنّ (F وG) كليّتان تعبّران عن أنّ شيئاً ما يتسبّب في وجود (G) فقط بحكم إنشاء مثيل (F). في هذه الحالة الخاصّة إنّ إنشاء مثيل لـ F يتسبّب في إنشاء مثيل لـ G جرّاء شيء ما موصول بـ F-ness. وأطلقْ مع فورست أيّاً من التّسميات على أيّ شيء يتّصل بـ (F-ness) التي تعمل هذه (O)، «حيث 'O' هي المسند المناسب الذي لا يحتاج تحليله، هاهنا، إلى اهتمامنا» (1993: 49). ولنتدبّرْ مثيلاً آخر لـ (F). وكما أنّ (F) هي كليّ، فإنّها مطابِقة عبر إنشاء مثيلاتها. وهكذا، بالنّظر إلى عدم إمكانيّة تمييز المتشابهات، سيكون الأمر صحيحاً لـ (F-ness) في حالة التّمثيل هذه القصوى وجود تلك O. ومن ثَمَّ سينتج، في ظروف متشابهة، هذا المثيل لـ (F G) (أيْ حقيقة عامّة).

وتبعاً لذلك تُفسَّر عموميّة القوانين بالاحتكام إلى جملة من الادّعاءات الآتية: (1) الخصائص هي التي تحدث الفرق السببيّ، ومن ثم تُتّخذ تمثيلات الخصيصة (حيث تمثيل الخصيصة هو تشكيل الخصيصة المماثلة بواسطة المّادة)[2] بمنزلة الرّابط السببيّ على نحو ما فعل فورست عندما اعتبر الخصيصة مندرجة في التّمثيل الذي يحدث الفرق السببيّ. على سبيل المثال تمثّل الشّعلة خصيصة الحرارة التي تحدث بلورات كبريت النّحاس من أجل تجسيم خصيصة البياض. فحرارة الشعلة هي التيّ مكّنتها من إحداث هذا التّأثير السببيّ.

(2) الخصائص كليّات، فهي، من ثَمَّ، قابلة للتّكرار.

(3) الخصائص المتشابهة تنهض بدور سببيّ مشابه في ظروف متشابهة.

وعلى الرغم من أنّ عموميّة القوانين يمكن أنْ تُفسّر في الظّاهر بالاحتكام إلى طبيعة الكليّ، ووفقاً لفورست (1993: 49) وأرمسترونغ يودّ الموافقة على ذلك (انظر على سبيل المثال أرمسترونغ 1997 b: ص222)- تُوجد حجّة مماثلة ليست متاحة لأولئك الذين يتمسّكون بأنّ الخصائص هي مجازات. وللبرهنة على هذا الأمر ابتدأ فورست بملاحظة أنّ التصوّر الأخير للخصائص يعالج «الخصيصة القابلة للتّكرار لـ F-ness بوصفها قسماً من الجزئيات، وليس عبر انتمائها إلى قسم من الجزئيات يُحدِث فيه شيءٌ واحد شيئاً آخر إحداثاً سببيّاً» (فورست 1993:49).

ذرونا نفترضْ تصوّر أنواع الخصيصة المطوَّر من قبل منظّري المجاز مثل كايث كامبل (1990) لتفسير هذا الزّعم، وبالنّسبة إلى هذا التصوّر هو بالتّحديد النّوع الذي يعدّه فورست نفسه محلّ نزاع (فورست 1993: ص 16، الهامش 10).

إنّ أنواع الخصيصة تتصرّف من جهة مجموعات المجازات المتشابهة مع مجموعة من المجازات المتشابهة بالضبط، بحيث تمنح بديلاً لكليّ. ومن ثمّ، خصيصة (F-ness) القابلة للتّكرار تكون معرَّفة بمجموعة مجازات متشابهة تحديداً. فالتشابه يُفهم، هاهنا، على أنّه علاقة داخليّة: المجاز هو عضو في قسم المشابهة بسبب ماهيته. وهكذا إذا ما بلغ التّشابه بين مجازيْن تشابهاً دقيقاً فإنّ ذلكم التّشابه يتوقّف بالكامل على طبائعهما المخصوصة.

ويوافق، الآن، أنصار المجازات على أنّ ماهية الخصائص التي تُحدث الفرق السببيّ حقّاً بحسب كامبل (1990: 22-23)، وعدد آخر من منظّري المجاز، أسبابها فقط هي خصائص. غير أنّ الخصائص هي مجازات. وهي، تبعاً لذلك، غير قابلة للتّكرار. ومن أجل هذا السبب لا يمكنها أنْ تتطابق تطابقاً عدديّاً في مختلف الرّموز في المتتالية السببيّة نفسها. وعلاوة على ذلك، بالنّظر إلى تصوّر المجاز، المجاز لا يصنع الفرق السببيّ الذي يصنعه من خلال الانتماء إلى مجموعة مجاز.

إنّه يحدث الفرق السببيّ الذي يحدثه بحكم طبائعه المخصوصة وبحكم أنّ أعضاء آخرين من المجموعة لا يحدّدون هذه الطبيعة، ومن ثمّ ليس لديهم شيء يفعلونه مع نجاعته السببيّة.

دعنا نقلْ مطبّقين هذه التصوّرات إنّ:

(1) البديل للكليّ (F) هو مجموعة المجازات المتشابهة بالضبط «f» والبديل للكليّ (G) هو مجموعة المجازات المتشابهة «g».

(2) (f1 وg1) هما مجازان، بحيث ينتمي الأوّل إلى المجموعة (f) والثّاني إلى المجموعة (g).

(3) (f1) تُحدث (g1)[3].

وتأمّلْ مجازاً آخر ذاك الذي هو عضو في (f) أطلق عليه «f2». وكما أنّ (f2) ليس مطابقاً عدديّاً لـ (f1)، فما السبب الذي يودّ فورست السّؤال عن وجوده كيْ يستنتج أنّ من شأنه إحداث مجاز يشبه بالضّبط (g1)؟ صحيح أنّ (f1 وf2) يشبه بعضهما بعضاً، ولكن رأس الأمر، بحسب فورست، أنّهما متشابهان. ومن ثم بدلاً من استدعاء الميتا-قانون، الذي ينصّ على أنّ «المشابه يُحدث مشابهاً» على غرار ما استطاع فعله أنصار الكليّات فإنّ فورست يرى أنّ ما تستطيع نظريّة المجاز إنجازه من أجل تفسير عموميّة القوانين هو تبنّي الميتا-قانون الذي ينصّ على أن «الشبيه يُحدث شبيهاً». فالأسباب التي يشبه بعضها بعضاً، في ظروف تشبه بعضها بعضاً، ستؤدي إلى آثار يشبه بعضها بعضاً.

وإذا أردنا مزيداً من التّخصيص قلنا إنّ المجازات المتشابهة بالضبط ستنهض بدور سببيّ مشابه بالضبط، في ظروف متشابهة بالضبط.

ويتساءل فورست عن معقوليّة هذا المبدأ ومدى قابليّته للتّصديق، وهو، إذْ يفعل هذا، متفّق إذاً مع أرمسترونغ الذي لا يروق له امتداد المبدأ المذكور على سنوات عديدة (أرمسترونغ 1993 a: 67، 1996: 97-98، 1997b:222، 2004: 132). ووفقاً لأرمسترونغ إنّ هذا المبدأ، حدسيّاً، هو أقلّ إكراهاً، إلى حدٍّ ما، من المبدأ الذي يقول «إنّ الأسباب المتشابهة تؤدّي إلى آثار متشابهة» (1997 ب: ص222)، وإنّه ذاك «هو المعرّض لشكوك مريبة عندما يتمّ السّؤال كيف يتحوّل هو بدوره إلى أمر مبرَّر؟» (1993 أ: ص67). وبالنّظر إلى أقصى أهداف أرمسترونغ «ماذا عسى أنْ يكون شأن صانع الحقيقة هناك بالنّسبة إلى هذا المبدأ؟ إنّه من الصعوبة بمنزلة أنْ يظهر حالة راهنة ضروريّة؛ وذلك المبدأ الذي ينبغي أنْ يُستهان به بواسطة متتاليات مفردة حقيقيّة يبدو غير متناقض في ذاته» (2004: ص132)[4].

ويستحقّ الأمر، قبل الردّ على حجّة فورست، أنْ نلفت الانتباه إلى نقطتين أساسيتيْن: أولاهما: أنّه سيصبح، في القسم الثّالث، واضحاً أنّ تأويل حجّة فورست متوقّف على ما إذا كانت الحجّة مضمَّنة في تصوّر للخصائص ترتيبيّ أوْ مقوليّ. والحقّ أنّ فورست أهمل وضع هذه النقطة في حسبانه أوْ التّنصيص على أيّ تصوّر يفترضه. وسأضع في الاعتبار، في هذا الفصل، كلا الخيارين، وسأبيّن أنّ فورست لم يخضع لسلطان أيّ تأويل في تأسيس فكرة أنّ الكليّات لديها بعض فضل على المجازات وهو يضع تصّوراً لعموميّة القوانين. فإذا كان المذهب التّرتيبيّ وقع قبوله إذاً فالمبدأ القائل بأنّ «الشّبيه يحدث الشبيه»، والمبدأ القائل بأنّ «الشبه المضبوط يحدث الشبه المضبوط» هما مبدآن محتملان احتمالاً متساوياً. وإذا رُفض مذهب التّرتيب، إذاً، فكلا الاحتمالين غير قابل للتّصديق.

ثانيهما: لاحظْ أنّ تصوّر فورست للقوانين لا يحتكم إلى العلاقات ذات التّرتيب الأعلى في صفوف الكليّات. فوفقاً له توجد جزئيات تمثّل كليّات وتمثيلات الخصيصة تُفهم في مختلف العلاقات السببيّة التي تصل جسيْماً بآخر. لذا فالقوانين ليست مضافة أنطولوجيّاً إلى هذه الكيانات، بل بدلاً من ذلك فالتّعميمات الكليّة هي التي تتحدّد على ضوئها.

وعلى الرغم من أنّ أرمسترونغ يُعدّ حجّة فورست مميطةً اللّثام عن مشكل جدّيّ يتعلّق بتصوّر المجاز للقوانين (أرمسترونغ 1993 أ:67، 1997 ب: Ch. 15، 2004: 132)، فإنّه يتّحد مع فزرست في زعم أنّ التصوّر المقنع لعموميّة القوانين لا يقتضي التزاماً بالكليّات فحسب، وإنّما يقتضي، أيضاً، التزاماً بعلاقات ذات ترتيب أعلى في صفوف الكليّات.

أودّ في القسم الرّابع العودة إلى تصوّر أرمسترونغ ودراسة ما إذا كان يفلح هذا التصوّر حيث يخفق تصوّر فورست. إنّ السّؤال الذي أريد أنْ أطرحه، في المقام الأوّل، هو: هلْ بمستطاع المرء دون الاحتكام إلى علاقات ذات ترتيب أعلى في صفوف الكليّات أنْ يقيم تصوّراً مفاده أنّ للكليّات بعض فضل على المجازات في تقدير لصالح عموميّة القوانين؟

2. ردّ على فورست:

دعني أبدأ بالإشارة إلى الطريقة الوحيدة التي لا ينبغي فيها لنظريّة المجاز أنْ تجيب عن المشكل. فالبديل للكليّ، من ناحية أولى، بحسب نظريّة المجاز، هو مجموعة من المجازات متشابهة بالضبط. ومن ناحية أخرى البديل للمجاز وفق هؤلاء الذين يقبلون بالكليّات، هو مثال من الكليّ الذي هو تمثيل للكليّ عبر مادّة. والبديل الأخير هو كينونة مركّبة تضمّ مكوّناتها مادّة (جسيْم) وكليّاً (له طبيعة نوعيّة). وعلى خلاف ذلك، المجاز ليس مركّباً لجزء أوْ لطبيعة نوعيّة. وهذا الشأن ليس هو حالة المجاز الذي يتكوّن من المكوّن الذي ينهض بدور المحدّد ومن مكوّن أبعد ينهض بدور الواسم المميِّز. إنّه المجاز (وليس أيّ مكوّن منه) الذي هو محدّد وواسم معاً. وأنْ تنكر هذا بواسطة الفصل بين خصوصيّة المجاز وطبيعته النوعيّة هو أنْ تقبل أنّ مجازاً ما هو مركّب له كليّ كأحد أجزائه، بمعنى افتراض أنّ التّمييز كليّ/ جزئيّ هو افتراض يرهقنا من أمرنا عسراً، وأنّ المكوّن الواسم الذي هو في حدّ ذاته جزء لا يستطيع أنْ يكون شيئاً آخر سوى كليّ. ومن ثَمَّ يُسقط المرء المجازات داخل أمثلتها الكليّة[5]. وبمثل هذا النّموذج من المجازات يستطيع المرء، مع ذلك، أنْ يتبنّى بيسر أسلوب تفسير فورست لعموميّة القوانين محتجّاً بأنّ العلاقات السببيّة الجامعة بين المجازات تستمرّ بفضل «تميّز مكوّن» من مجاز. وهذه المكوّنات المميّزة ستكون متشابهة عدديّاً وسط مجازات متشابهة تحديداً، ويمكن للمرء، حينئذٍ، استدعاء الهويّة العدديّة - بإثارة مبدأ «الشّبيه يُحدث شبيهاً»- لتفسير عموميّة القوانين بالطريقة نفسها التي توخّاها فورست. وإن هذا المنحى في التّفسير يفشل بوصفه ردّاً مجازيّاً عن المشكل؛ لأنّه يتطلّع إلى تبنّي نظريّة للكليّات في كلّ شيء ما عدا الاسم. لذا أرى أنّ الردّ المناسب على حجّة فورست يتمثّل في التساؤل: لماذا يجب اعتبار المبدأ الذي ينص على أنّ الشّبيه بالتّحديد يحدث شبيهاً أقلَّ معقوليّة من المبدأ القائل بأنّ الشّبيه يحدث شبيهاً بالضبط.

وسأبيّن بالحجّة أنّ فكرة كونه مبدأ أقلّ معقوليّة وقع احتضانها وتعزيزها، إمّا بالفهم المنقوص لعلاقة التّشابه تحديداً، وإمّا بمعالجة تصوّر المجاز للقوانين معالجة أقلّ خيريّةً من معالجة فورست لتصوّره الخاصّ للقوانين.

ولبلورة هذا الردّ من المهمّ، أوّلاً، أنْ أضع بوضوح سمتين لتصوّر المجازات أفترضهما. فهما ليستا من تلكم السمات التي اتّخذتها (سابقاً) لتكون مثار خلاف في أوساط أغلب أنصار المجازات.

أوّلاً: الشيء الوحيد الذي يفرق عدديّاً المجازات المختلفة التي تتشابه مع بعضها جدّاً هو حقيقة كونها أجزاء مميَّزة (الكليّات ليست أجزاء، ومن ثمّ ليست الكليّات المتشابهة بالضبط مميّزة عدديّاً). إنها خاصيّات مختلفة. ثانياً: خصوصيّة المجاز ليست ميزة لها، بمعنى أنها خصيصة بوجه من الوجوه لا تميّز المجاز. وربَّما تتطلّب هذه النقطة شيئاً من التّعليل؛ ذلك أنّ السّبب قائم على اعتبارات أوليّة تتعلّق بمقولات الوجود. إنّها مقولات وجوديّة يمكن أنْ أفهمها على أنّها صُنّفت بحسب وجودها وشروط هويّتها وشكل نظامها الهرميّ التّراتبيّ. ومن ثَمَّ، إنّ ادّعاء أنّ المجازات هي أجزاء مخصوصة يجب أنْ يفسَّرَ بوصفه ادّعاء يقول بأنّ المجازات هي مقولة وجوديّة تفشل شأن أكثر المقولات العامّة للجزء. فالغاية من توفير تراتبيّة للمقولات الأنطولوجيّة تتمثّل في هيكلة عناصر الوجود. ولكن عناصر الوجود باعتبارها بنية مقولات أنطولوجيّة لا ينبغي اعتبارها في ذاتها عناصر للوجود. ومن ثم لا يجب أنْ يُدرج المجاز ولا خصوصيّته جنباً إلى جنب مع أشياء مثل الطاولات والأشجار وخضرة ورقة أو اللّون القرمزي للتّفاح، في قائمة ما هو موجود. (لمزيد الاطّلاع على دفاع عن هذه النّقطة انظر لوو 2006: ص 6-7 وص 40-44).

ويترتّب على ذلك، من هذا المنطلق، أنّ الأساس الذي فيه المسانيد الأنطولوجيّة الشكليّة من قبيل «هو جزء» تنطبق على كيان يختلف عن الأسّ الذي فيه مسانيد تجريبيّة على غرار «هو قرمزيّ» تنطبق على كيان؛ ذلك أنّ التفاحة «قرمزيّة» بفضل تمثيلاتها لخصيصة القرمزيّة. وعلى نقيض هذا ليس المجاز جزءاً بفضل تمثيلاته لخصيصة التجزّؤ.

وبالنّظر إلى الادّعاء القائل إنّ المقولات الوجوديّة يتمّ تصنيفها من خلال وجودها وشروط هويّتها، يفشل المجاز البديل مع مقولة الجزء، بالاستناد إلى وجوده وشروط هويّته (لمزيد من الأفكار المدافعة عن هذه النقطة، انظر لوو 2006: 98-200)، والذي ينجم عن هذا يتوقّف على فهم المرء ما الذي يميّز الأجزاء من الكليّات[6]. ونستطيع، انطلاقاً من هذا كلّه، استخلاص جملة من الاستنتاجات حول المجازات المتشابهة بالتحديد، وهي استنتاجات أراها مرّة أخرى منقوصة في أوساط أنصار المجاز، ولكنّها استنتاجات تحتاج إلى أنْ تُقدّم بطريقة صريحة للغاية من أجل الهدف المرسوم من هذا النّقاش. وهذه الاستنتاجات على النّحو الآتي: الاختلاف التجريبيّ الوحيد الممكن بين المجازات المتشابهة تماماً سيكون اختلافاً زماكانيّاً. ويعود ذلك إلى أنّ كل ما يميّز المجازات المتشابهة جدّاً هو خصوصيّتها؛ لذا «إنّه (المجاز) جزء مخصوص»، وليس مسنداً تجريبيّاً بل هو شكل محمول في اللّغة. فالفرق بين المجازات المتشابهة بالضبط هو، إذاً، في نهاية المطاف ليس فرقاً تجريبيّاً بل ميتافيزيقيّاً. قلت «في نهاية المطاف»؛ لأنّه تصوّر شخصيّ لما يمكن أنْ يكون جزءاً يتضمّن جزئيات مختلفة، ولذلك فإنَّ المجازات المتشابهة تماماً لا يمكن أنْ توجد في الموقع المكانيّ والزمانيّ نفسه. وبشكل مختلف قليلاً لا يوجد أكثر من اختلاف تجريبيّ واحد بين مجازين متشابهين تماماً مقارنة بما يوجد بين مثاليْن مختلفين لكليّ.

ووصلاً بما سبق، فإنَّ تجزّؤ المجاز لا يسهم في إظهار مظاهر قوّته. وهذا الأمر لا يصنع اختلافاً في الطريقة التي يستطيع أنْ يؤثّر بها في كيان[7]. وإذا كان ادّعاء أنّ مجازاً معيّناً يجب تحليله بالطريقة نفسها لادعاء أنّ التفاحة قرمزيّة؛ أيْ إذا نسب شخص خصيصة ما إلى عنصر وجود؛ فسيكون من المعقول طرح سؤال ما إذا كانت تجزئة مجاز ما تساهم في صنع قوّته، ولذلك يجب الرّجوع إلى ادّعاء فورست الوجيه الذي يقرّ بأنّ المجازات هي التي تؤدي إلى الاختلاف السببيّ. ولكنّ المجاز ليس عامل وجود وجزئيّته لا تعود إلى خصيصة تميّزه. وإنّ الطرائق التي بمقتضاها يستطيع مجاز ما أنْ يؤثر تأثيراً سببيّاً في كيان تمثّله الطبيعة النّوعيّة للمجاز.

إنّ حقيقة أنّ المجاز هو جزء، ومن ثَمّ هو غير قادر على تمثيل أكثر من كيان واحد في الوقت نفسه، لا تصنع أيّ اختلاف في هذه القوى.

وفي الحقيقة إنّ أولئك الذين يؤيّدون فورست من أجل زعمه أنّ الكليّات قادرة على تفسير عموميّة القوانين، والذين بدورهم يتمنّون رفض الادّعاء الذي يقوم على أنّ جزئيّة مجاز ما ليس لها أيّ دور سببي تنهض به يمكن اتّهامه بوضوح بالتّناقض، وبالنّسبة إلى أنصار فورست أنفسهم فيجب عليهم التمسّك بأنّ خصوصيّة تمثيل خصيصة ليس لها أيّ دور سببيّ تضطلع به. لنقلْ «جدلاً» إنّ جسيْماً (1P) يمثّل كليّاً (F)، وإنّ هذا الجسيْم يُحدث سببيّاً (P2) لتمثيل كليّ (G). ففي هذا المثال، المثيل الأوّل أنتج المثيل الثاني، وذلك يعود إلى شيء ما يتعلّق بـ (F-ness)، هو تحديداً يسمّى (O). وقمْ، الآن، بوصل جسيم مختلف (P3) بتمثيل خصيصة أولى. فـ (Forrest) يفترض أنّ الأمر سيظل صحيحاً في ما يتعلّق بهذا المثيل الجديد لـ (F)، الذي قوامه (O)، ومن ثَمَّ إنّ تمثيل الجسيْم (P3) لـ (F)، في ظروف مناسبة سينتج مثيلاً لـ (G)؛ لذا خصوصيّة التّمثيل لا تؤثّر في قدرة (F) على إحداث مثيل لـ (G). ونظراً إلى هذه الاعتبارات ذرونا نرجعْ إلى بيان حجّة (Forrest) ضدّ المجازات. وبالنّسبة إلى المجازيْن المتشابهين تحديداً (f1 وf2) إذا لم يحدثا مجازين متشابهين تحديداً في ظروف متشابهة بالضبط فإنّ الشيء الوحيد الذي يميّز (f1) من (f2)؛ أي حقيقة كونهما جزأين مميَّزيْن، لا يمكن استدعاؤه لتفسير هذا الاختلاف الماثل في آثارهما. وهذا من شأنه أنْ يوفّر دفاعاً أوليّاً عن المبدأ القائل بأنّ المتشابه بالضبط يُحدث شبيهاً بالضبط. فإذا كانت (f1) تحدث (g1) و(f2) تشبه (f1) فإنّه في ظروف مشابهة بالضبط (f2) يجب أنْ تُحدث مجازاً يشبه تماماً (g1). وهذا الأمر يُعزا، انطلاقاً من الاعتبارات المبيّنة أعلاه، إلى أنّ الاختلاف بين (f1) و(f2) ليس هو المسبّب الذي سيكون مؤثّراً فيه.

فالطبائع النّوعيّة لـ (f1) ولـ (f2) ستكون غير قابلة للتّمييز، ومن ثمّ يجب أنْ تكون آثارهما السببيّة غير قابلة للتّمييز أيضاً[8].

3. التّرتيبيّة والتّصنيفيّة:

من الملاحظ، مع ذلك، أنّ هذا الدّفاع يغالي في الافتراض الذي قوامه أنّ الطبيعة النّوعيّة التي تصنعها f1، والطبيعة التي تتسبّب في وجود g، مرتبطتان أشدّ الارتباط؛ ذلك أنّ إحداث g (الذي هو مجاز من مجموعة مجازات متشابهة تحديداً وتنتمي إليها g) هو قائم داخل الطبيعة النّوعيّة لـ f1))، ولذلك إنّ (f1) لنْ يكون (f1) إلّا في ظروف مناسبة تُحدث (g). فمن المعقول، بلا ريب، نظراً إلى هذا الفهم المستخلَص للتّواصل بين (f1 وg1) من ذاك الذي قيل سابقاً أعلاه، أنْ نستنتج أنّ أيّ مجاز يشبه بالتّحديد (f1)، الذي طبيعته النّوعيّة، تبعاً لذلك، قابلة للتّمييز من (f1)، سينتج في ظروف مناسبة (g)؛ ذلك أنّ القوّة المحدِثة لـ (g) تنبع من الطبيعة النّوعيّة لـ (f1)، ومن ثم ستنبع أيضاً من طبيعة أيّ مجاز يشبه تحديداً (f1). ولكن إذا تخلّى امرؤ عن الزّعم الذي ينصّ على وجود أيّ ضرب من الاتّصال الوثيق بين (f1 وg1) متى كانت قوّة (f1) من أجل إنشاء (g) ليست مستَدْعاة بوساطة الطبيعة النّوعيّة، فلماذا ينبغي علينا افتراض أنّ أيّ شيء يشبه تحديداً (f1) سيتسبّب هو ذاته في وجود (g)؟

ومن أجل هذا السّبب، يودّ أرمسترونغ الذي يرفض تصوّراً ترتيبيّاً للخصائص بطريقة احتماليّة، ألّا يفترض الجواب الملائم على مشكل فورست الذي تمّ تقديمه[9]. ووفقاً لما يذهب إليه الخصائص ليست قوى. وهذا الأمر صحيح بصرف النّظر عما إذا كانت الخصائص كليّات أوْ مجازات. وإنّ هذا الاعتبار يؤدي إلى رفض مذهب الضرورة الذي يولّده مذهب التّرتيب. فإذا كانت خصيصة ما بأكملها ذات طابع مقوليّ فإنّ وجودها، إذاً، مثلما يقول بيرد: «لا يقتضي منها أساساً أنْ تظهر في أيّ شكل مميّز استجابةً للمثير المناسب» (2007:66). ولا يوجد، تبعاً لذلك، أيّ رابط ضروريّ بين مجازات لها طبيعة نوعيّة تقدّها وبين تلك التي لها أثر معيّن[10].

ويترتّب على ذلك، على الرغم من أنّ الطبائع النّوعيّة لـ (f1) ولـ (f2) غير قابلة للتّمييز، عدمُ وجود أيّ سبب أيّاً كان لنستدّل من خلاله على أنّهما سيكونان من النّاحية السببيّة غير قابليْن للتّمييز. وهذا الأمر لا جدوى منه مع الاعتقاد القائل بأنّ خصوصيّة المجاز تضع فرقاً بالنّسبة إلى الطريقة التي تؤثّر بمقتضاها الخصوصيّة في كيان ما. وذلك راجع، بالأحرى، إلى غياب أيّ رابط ضروريّ بين طبيعة (f1) النّوعيّة والقوّة التي تُحدث (g) ما في المقام الأوّل. لذا يبدو المشكل، الذي أثاره فورست في ما يتّصل بالمجازات، غير قابل للحلّ دون اعتماد المذهب التّرتيبيّ.

غير أنّ المسائل ليست بمثل ذلك الوضوح الذي كانت تبدو عليه في البداية. وفي بحث قريب العهد تشكو حجّة فورست المتعلّقة بمبدأ كون الشبيه ينتج شبيهاً مثله تحديداً من النّوع نفسه من المشكل المطروح. وبحسب فورست يتسبّب مثيل كليّ (F) في إنشاء مثيل كليّ (G)؛ لأنّ لـ (O) (F-ness). ومن قبل أنّ (F) مشابهة عبر تمثيلاتها فإنّ فورست يستنتج أنّ كلّ تمثيل لـ (F) سيكون (O)، ومن ثَمَّ يودّ أنْ يُحدث في ظروف مشابهة مثيلاً لـ (G)، ولكن بناء على أيّ أساس يجب أنْ نفترض أنّ (F) سيكون لها دائماً هذا الأثر على مختلف مثيلاتها؟

إنّ المرء لا يستطيع أنْ يجيب بأنّ قدرة (F) لتحدث مثيلاً لـ (G) هي جزء من طبيعة (F) جرّاء اشتغالنا على الفرضيّة القائلة إنّ المذهب التّرتيبيّ مذهب خاطئ. ولكن ماذا عسى أنْ يكون إذن، صانع الحقيقة من أجل ادّعاء أنّ (F) ستحدث مثالاً لـ (G) في أمثال مختلفة؟ فما أسس الزّعم بأنّ الشبيه يحدث شبيهاً مماثلاً؟

يعترف أرمسترونغ بهذا المشكل في ما يتعلّق بتصوّر فورست للحجّة المقترنة بمبدأ كون الشبيه يحدث شبيهاً مماثلاً. فهو يعدّه، بحكم الرّغبة في اجتناب التّرتيبيّة، المبدأ الأفضل الذي أنجزه فورست ليقول بأنّ صانع الحقيقة هو «طبيعة الكليّة، فما عسى أنْ يكون كليّ ما، ربّما بمتابعة هذا الأمر موصولاً بالادّعاء القائل بوجود مبدأ الآثار يمكن الوصول إلى معرفة ماهية كليّ ما» (أرمسترونغ 1997 b: 222)، غير أنّ ما يريد هذا الادّعاء الوصول إليه ليس واضحاً. ووفْق الاقتراح المقدَّم القائل إنّ الكليّات لها آثار متشابهة، يوجد ملمح لمقولة أنطولوجيّة للكليّات؛ فهل هذا يفترض حقيقة خالصة متعلّقة بمقولة للكليّات؟

لذلك، هل يصحّ، ببساطة، في شأن الكليّات، المبدأ القائل بأنّ الكليّات المتشابهة تنتج آثاراً متشابهة؛ حيث يكون هذا المبدأ نفسه غير قابل للتّفسير من جهة وجود أيّ شيء يتعلّق بالطبيعة الداخليّة لكليّ؟ وممّا لا شكّ فيه أنّ النّقاش لا ينبغي أنْ يقف عند هذا الحدّ! ومن المؤكد لن يقف الشّرح، هنا، إذا كان هذا الاقتراح، بالنّظر إلى الملاحظات الواردة أعلاه حول الشّبه التّام، يبدو أقل قابلية للطّرح أوْ بعيد المنال عن الزّعم بأنّه توجد حقيقة بحتة حول مقولة المجازات التي تنصّ على أنّ المجازات المتشابهة لها تحديداً آثار متشابهة. وإذا كان يوجد، من جهة أخرى، ادّعاء مداره على أنّ كليّات متشابهة لها آثار متشابهة فإنّه لا توجد، حينئذٍ، حقيقة محضة حول الكليّات، ولكن إذا كان هذا الأمر صحيحاً بالنّسبة إلى كليّ بحكم وجود شيء ما يتعلّق بالطبيعة الدّاخليّة لكليّ، فإنّنا سنعود القهقرى إلى النّقطة التي انطلقنا منها لأنّنا تخلّينا، ببساطة، عن المذهب المقوليّ لصالح المذهب التّرتيبيّ.

لذا ينبغي أنْ ألحّ على أنّه إذا تمسّك المرء بفكرة أنّ كليّاً (F) سيُحدث دائماً في ظروف مناسبة أشباهاً لـ (G) بسبب شيء ما يتّصل بالطبيعة الدّاخليّة لـ (F)، فإنّ الحركة نفسها بالضبط ستكون متاحة لأنصار المجازات. وهبْ أنّ المجازات (f1) و(f2)... إلخ تنتمي إلى مجموعة من المجازات المتشابهة جدّاً التي هي بديل لكليّ (F)، وأنّ المجازات (g1) و(g2)... إلخ تنتمي إلى مجموعة متشابهة جدّاً هي بديل لكليّ (G)؛ فأيّ شيء أنّى كان يتعلّق بالطبيعة الدّاخليّة لـ (F)، والذي يربط (F) بـ (G) سيكون، أيضاً، شيئاً ما حول الطبيعة الداخليّة لـ (f1) التي تصله بمجاز من المجموعة التي هي بديل لكليّ (G).

وقارنْ لكيْ تتثبّت من هذا الأمر بين حمرة كليّ ومجاز ينتمي إلى مجموعة مجازات ذات لون أحمر متشابهة بالضبط. فالكليّ ليس إلا طبيعة نوعيّة. وبتدبّر المجازات في مظهر في غاية الانتقاء لحمرة مجاز ما يقدّر المرء الطبيعة النوعيّة للمجاز في كليّته؛ بمعنى أنّ خصوصيّة المجاز ليست بعض سمة نوعيّة له مُضافة. ومن ثمّ، فالمجاز الأحمر يمتلك كلّ الطبيعة النّوعيّة التي تمتلكها حمرة كليّ لا أكثر ولا أقلّ. لذا الفرق الوحيد بين مجاز وكليّ يتمثّل في أنّ الطبيعة النّوعية لكليّ معيّن تضعف طبيعته الدّاخليّة، ومن ثَمَّ التّشابه التّام بين كليّين اثنين يستلزم هويّتهما العدديّة. في حين أنّ الطبيعة النّوعيّة لمجاز ما لا تضعف طبيعته الدّاخليّة، ولذلك التّشابه المضبوط بين مجازين اثنين لا يقتضي هويّتهما العدديّة. وبالنّظر إلى كون ذاك الكليّ لا يعدو أنْ يكون طبيعة نوعيّة، وإلى كون ذاك المجاز له كلّ ما تتضمّنه الطبيعة النّوعيّة، فإنّ الكليّ يملك ولكن ليس أكثر من المجاز، ومهما يكن الأمر في خصوص الطبيعة الدّاخليّة، ومن ثمّ النّوعيّة، لكليّ (F)، التي تُحدثه من أجل إحداث مثيل لـ (G)، فسيكون أيضاً شيئاً مّا في شأن الطبيعة النّوعيّة لمجاز (f1)، التي تحدثه من أجل إحداث (g)؛ بمعنى أنّ الرّبط بين (f1) وقواها من أجل إحداث (g) سيكون بالقوّة نفسها تحديداً لمثل ذلك الربط القائم بين كليّ (F) وقواه من أجل إحداث مثيل لـ (G).

ونستطيع إذن، بعد إقامة ربط بين طبيعة المجاز وآثاره، العودة إلى دفاعنا الأصليّ عن المبدأ الذي ينصّ على أنّ الشّبيه يُحدث شبيهاً مماثلاً بالضبط.

ولكيْ نختصر الأمور نقول إذا كانت الخصائص قوى، فإنّ أنصار المجازات، إذاً، هم فقط قادرون، شأنهم في ذلك شأن أنصار الكليّات، على الدّفاع عن عموميّة القوانين. وإذا يوجد من ناحية أخرى امرؤ يقبل بالمذهب المقوليّ، فإنّ فورست قد أخفق في إثبات أنّ تصوّر المجاز لعموميّة القوانين هو أسوأ حالاً من التصوّر الذي قدّمه من جهة الكليّات؛ ذلك أنّ حجر العثرة الذي يقف أمام هذين التصوّرين معاً يتمثّل في توفير رابط قويّ بما فيه الكفاية بين طبيعة المجاز النوعيّة أوْ طبيعة الكليّ النّوعيّة وقوّته من أجل إحداث أثر معيّن. وإذا تُمكِّن من توفير ضرب من الرّباط، إذاً، بالنّظر إلى الفهم الخاصّ لما يميّز تحديداً المجازات المتشابهة، فإنّ المبدأ الذي ينصّ على أنّ «التشابه يحدث سببيّاً التّشابه المماثل بالتّحديد» لن يكون أقلّ معقوليّة من المبدأ القائل بأنّ «المتطابق يحدث سببيّاً متطابقاً». فتصوّر فورست وتصوّر المجاز لعموميّة القوانين يتساويان في الثّبات والتّهافت.

4. ردّ على أرمسترونغ:

ماذا يكون الأمر إذا كنّا تخلّينا عن زعم فورست أنّ المرء لا يحتاج إلى استدعاء التّرتيب/ النّظام الأعلى للعلاقات بين الكليّات بغية تفسير عموميّة القوانين؟

من المؤكَّد أنّ استدعاء هذا النظام الأعلى للعلاقات هو ما عَدَّه أرمسترونغ الحلقة المفقودة في تصوّر فورست (أرمسترونغ 1997 b: 222). وذرْني أفسّر بإيجاز تصوّر أرمسترونغ للقوانين مثلما تمّ تقديمه في (عالم من الحالات الرّاهنة) (1997 b). فبحسب أرمسترونغ المسّبب المفرد هو علاقة بين ترتيب أوّل للعلاقات الرّاهنة؛ أيْ حيث يكون (S1) و(S2) جسيْمين رقيقين، وحيث يكون (F) و(G) كلّييْن؛ حيث إنّ (S1) مثيلاً لـ (F) يحدث ذاك (S2) الذي يمثّل (G). ويجب على الحالات الرّاهنة ذات التّرتيب الأوّل، لكيْ تكون موصولة وصلاً سببيّاً، أنْ تمثّل أنواعاً تكون موصولة فيما بينها وصلاً قانونيّاً؛ ذلك أنّ الأنواع الموصولة وصلاً قانونيّاً تنشئ أمثلته الحالات الرّاهنة، إنّما هي الكليّات التي تكوّن تكويناً جزئيّاً الحالات الرّاهنة. وهكذا «S1 مثيلاً لـF يُحدث S2 لكيْ يمثّل G» يكون صحيحاً فحسب إلّا إذا كانت (F) و(G) موصولتين وصلاً قانونيّاً. وبشكل حاسم، على خلاف تصوّر فورست، إنّ التّواصل القانونيّ بين الكليّات هو تواصل مباشر، فهو لا ينعقد عبر أمثلتها، وإنّما هو هذا المنعقد عبر التّرتيب الأوّل للحالات الرّاهنة. وفضلاً عن ذلك التّواصل المرشَّح بين أنواع الحالات الرّاهنة (الكليّات) هو، بحسب أرمسترونغ، تواصل سببيّ. ولهذا (F) و(G) هما متواصلتان تواصلاً قانونيّاً، إلّا فقط إذا (F) أحدثت سببيّاً (G). وهكذا مدار ادّعاء أرمسترونغ على كون الاتّصالات السببيّة ليست فحسب بين الحالات الرّاهنة المتّخذة، وإنّما، أيضاً، بين أنواع الحالات الرّاهنة (1997 b:225). وفي حقيقة الأمر الاتّصال الأساسيّ السببيّ، وفقاً لأرمسترونغ، ينعقد في مستوى النّوع. لذا المسبّب المفرد ليس شيئاً آخر سوى تمثيل لهذا الاتّصال السببيّ في حالة معيّنة (1997 b: 227)[11]. ولأنّ أرمسترونغ توصّل إلى وجود اتّصال سببيّ مباشر بين الكليّات، فإنّ تصوّره لماذا تفسّر الكليّات عموميّة القوانين يختلف عن تصوّر فورست المذكور. ولنفترضْ، في حالة معيّنة، مثيلاً لـ (F) يُحدث مثيلاً لـ (G) فإنّ هذا يحدث بفضل حقيقة أنّ (F) تحدث سببيّاً (G)؛ ذلك أنّ سبب الاتّصال الأوّل ليس سوى مثيل للثّاني. فهذا الاتّصال المباشر بين (F وG) لا يستلزم فقط أنّ هذا المثيل لـ (F) يحدث مثيلاً لـ (G)، وإنّما يستلزم، في ظروف متطابقة، كلّ مثيل لـ (F) سيحدث مثيلاً لـ (G). وهكذا، إنّ صانع الحقيقة بالنّسبة إلى الزّعم الذي قوامه أنّ (F) سيحدث سببيّاً (G) في أشباه مختلفة؛ أيْ صانع حقيقة لا يستطيع تصوّر فورست افتراضاً توفيره- هو التّرتيب الأعلى للعلاقة بين (F وG) (أرمسترونغ 1997 b:222). فهذا هو السبب الحقيقي الكامن وراء لماذا يحدث المتطابق متطابقاً مثله.

وإذا كُتب النّجاح لتصوّر أرمسترونغ، فإنّ للكليّات، إذاً، مزيّة واضحة على المجازات في تصوّراتها للقوانين، وبالنّسبة إلى جواب مماثل، فإنّ هذا الأمر غير متاح بوضوح لأنصار المجازات؛ ذلك أنّ مسبّباً مفرداً لا ينعقد بين المجازات جرّاء وجود أكثر من اتّصال سببيّ جوهريّ بين مستوى نوع الكيانات، وهذا الأمر هو بسبب اتّصال سببيّ بين مجموعات مجازات متشابهة تحديداً. وبالأحرى المزاعم حول مستوى نوع الرّوابط هي صحيحة بفضل المزاعم المتعلّقة بالمستوى المفرد؛ أيْ إنّها هذه المزاعم حول المسبّب المفرد.

ولكن هل وفّر أرمسترونغ، بالفعل، تصوّراً لعموميّة القوانين أكثر نجاحاً؟

بالنّظر إلى تصوّر أرمسترونغ، إنّ قوّة الاستدلال على أنّ مثيلاً لـ (F) يودّ أنْ يحدث سببيّاً مثيلاً لـ (G) يتوقّف على قوّة الاتّصال بين (F وG). والآن، بطبيعة الحال، إذا كان الاتّصال السببيّ بين (F وG) هو أحد الاتّصالات الضروريّة فإنّ العلاقة، من ثم، بين (F وG) لا تستطيع أنْ تتغيّر، وإنّ زعم أنّه، في ظروف مناسبة، يوجد مثيلٌ لـ (F) يحدث دائماً مثيلاً لـ (G) فذلك افتراض سوف يفشل في هذا المضمار.

ولكن يتشبّث أرمسترونغ بفكرة أنّ الاتّصال بين (F وG) هو اتّصال مشروط. وهذا من شأنه أنْ يثير تساؤلاً حول تصوّره، فهل كان واعياً تمام الوعي لقوله: «لماذا ليس من الممكن أنْ يكون لـF)) العلاقة الاسميّة (G) في وقت واحد، ولكن في وقت لاحق من قِبَل أنّ الاتّصال مشروط فإنّ هذه العلاقة تختفي وربّما يُكتب لها النّجاح بفضل وجود (F) موصولةً بـ (H)؟» (Armstrong 1997 b:257). وبالنّسبة إلى أرمسترونغ لا يوجد أيّ تفسير بشأن لماذا (F وG) هما متّصلتان اتّصالاً سببيّاً في المقام الأوّل بحيث تستجيبان لأساس ادّعاء أنّ (F وG) ستكونان دائماً متّصلتين اتّصالاً سببيّاً. وعلى الرغم من أنّ الأنظمة في صفوف الحالات الرّاهنة المفردة تمّ تفسيرها بوساطة الاتّصالات السببيّة بين الكليّات، وعلى الرغم من أنّ بعض هذه الاتّصالات نفسها يمكن تفسيرها باستجابتها للمزيد من الاتّصالات السببيّة الجوهريّة بين الكليّات على مستوى الأساس السببيّ للاتّصالات بين الكليّات، فإنّ التّفسير يتوقّف على نقيض تفسير صاحب المذهب التّرتيبيّ. وذلك يعني أنّ أرمسترونغ استخدمه لكيْ ينكر إمكانيّة كون الاتّصال السببيّ بين (F وG)، إنْ تمّ بلوغه، يمكن بعد ذلك التوقّف عن بلوغه، على الرغم من أنّ الاتّصال السببيّ لا يحتاج إلى أنْ ينعقد في عالم آخر ممكن حيث يوجد هناك داخل عالم الثّبات. ولكن قد ألغى أرمسترونغ، في أكثر أعماله جِدّةً (1997 b: 62-257)، هذا الموقف، معتبراً أنّه بحكم تصوّره كان مجبَراً على القبول بأنّ العلاقات المشروطة بين الكليّات يمكن أنْ تتغيّر. وعلى حدّ تعبير أرمسترونغ «إذا كانت (F-ness) أنتجت (G-ness)، ومن ثَمَّ إنّ (F-ness) تمتلك القوّة لإنتاج (G-ness). وربّما تمتلك هذه القوّة فقط في حيّز زمانيّ ومكانيّ معيّن. وربّما في نقطة ما تفقد هذه القوّة» (1997 b: 261).

لذا، فإنَّ المشكل النّاتج عن تصوّر بالنّسبة إلى عموميّة القوانين هو مشكل واضح. فإذا كان، في حالة محدّدة، مثيل لـ (F) يحدث مثيلاً لـ (G)، فإنّ هذا يحدث بحكم وجود اتّصال سببيّ بين (F وG). ولكن لا نستطيع أنْ نخلص عقليّاً من هذا الاتّصال السببيّ بين (F وG) إلى الزّعم القائل بأنّ مثيلاً آخر لـ (F) سيحدث، أيضاً، بشكل سببيّ مثيلاً لـ (G) لأنّ الاتّصال السببيّ بين (F وG) قد يكون في منتهى الدقّة من جهتيْ المكان والزّمن، ولذلك يختلف من مكان إلى آخر ومن زمن إلى زمن آخر.

والآن قارنْ المشكل الذي يواجه تصوّر أرمسترونغ في شأن عموميّة القوانين بالمشكل الذي يواجه تصوّر المجاز لعموميّة القوانين إذا تمّ رفض المذهب التّرتيبيّ. وبطبيعة الحال إذا كان المسبّب زماناً ومكاناً في غاية الدقّة، فإنّ هذا الاعتبار سيمثّل مشكلاً بالنّسبة إلى تصوّر عموميّة القوانين؛ ذلك أنّ المجازات المتشابهة بالضبط توجد في محلّات مكانيّة وزمانيّة مختلفة، ومن ثم بحكم هذا الاختلاف ربّما إذا كان المسبّب في منتهى الدّقة مكاناً وزماناً تختلف المجازات في آثارها السببيّة. ومع ذلك، فالمشكل النّاتج الذي يواجه تصوّر المجاز لعموميّة القوانين ليس سوى وجه آخر للمشكل الذي يواجه تصوّر أرمسترونغ لعموميّة القوانين.

إنّ المشكل المختلف والإضافي الذي يواجه تصوّر المجاز لعموميّة القوانين يتمثّل في أنّ العلاقات السببيّة تختلف من جزء إلى جزء آخر، ولذلك إنّ المسبّب يمكن أنْ يكون دقيقاً بالنّسبة إلى الجزئيّة. (لاحظْ أنّه اعتماداً على واحد من أفهامنا للتّمييز بين كليّ وجزئيّ إذا كان المسبّب دقيقاً بالنّسبة إلى الجزئيّة فإنّ هذا، ربّما، يقتضي أنّ المسبّب بالغ الدّقة بالنّسبة إلى الموقع المكانيّ والزمانيّ).

ولكن الذي فشل أرمسترونغ في اكتشافه، إنّما، يكمن في أنّه إذا ما منحنا هذا العالم، ربّما، مثل هذا الضّرب من العلاقات التي تختلف من جزء إلى آخر، فإنّ صورة موسَّعة من المشكل الذي يواجه تصوّره الخاصّ يمكن أنْ يتمّ تجاوزها.

لقد كان المشكل الأصليّ ماثلاً في أنّ العلاقة السببيّة بين كليّ (F) وكليّ (G) لا يمكن إدراكها في مختلف المجالات المكانيّة والزّمانيّة ربّما تكون علاقة مكانيّة زمانيّة في غاية الدّقة، ولكن إذا سمحنا، في حالة المجازات، بأنّ المسبّب يمكن أنْ يكون في غاية الدّقة بالنّسبة إلى الجزئيّة، فمن ثمّ من المؤّكد أنّ لنا الحقّ بالسّماح، في حالة الكليّات، بأنّ المسبّب، ربّما، يكون في غاية الدّقة بالنّسبة إلى الجزئيّة. وهذا الأمر ينشئ المشكل الآتي بالنّسبة إلى الكليّات: إنْ كان في حالة معيّنة مثيل لـ (F) يحدث سببيّاً مثيلاً لـ (G) فإنّ ذلك يكون بالنّظر إلى العلاقة السببيّة بين (F وG). ولكن لا نستطيع أنْ نخلص عقليّاً من هذا الاتّصال السببيّ بين (F وG) إلى ادّعاء أنّ مثيلاً آخر لـ (F) سيحدث سببيّاً مثيلاً لـ (G)؛ لأنّ التواصل السببيّ بين (F وG) ربّما لا يمكن الحصول عليه لأمثال مختلفة لـ (F وG)، وهذا ليس بحكم حقيقة أنّ هذه الأمثال المختلفة تشغل مجالات مكانيّة وزمانيّة مختلفة، ولكن بحكم كونها، ببساطة، أمثالاً متباينة، ولهذا هي تنطوي على جسيمات مختلفة.

والحاصل من مشكل كيفيّة الانتقال من ادّعاء أنّ كليّاً (F) يُحدث سببيّاً كليّاً (G) إلى ادّعاء أنّ مثيلاً لكليّ (F) في حالة معيّنة سوف يحدث سببيّاً مثيلاً لكليّ (G) لا يبدو أقلّ إثارة للإشكال من مشكل كيف يقع الانتقال من ادّعاء أنّ ذلك المجاز (f1) يحدث سببيّاً مجازاً (g1) إلى الادّعاء أنّ المجاز الذي يشبه تحديداً (f1) سوف يحدث مجازاً يشبه بالتّحديد (g1).

والآن هل يمتلك أرمسترونغ جواباً على النّقطة التي تنصّ على أنّ المسبّب يمكن أنْ يكون في غاية الدّقّة مكاناً وزماناً؛ ذلك أنّه وهو يدافع عن الزّعم بأنّ كليّاً (F) بقي، من تحصيل الحاصل، في صلة سببيّة بـ (G) في مختلف المحلّات المكانيّة يحتجّ لفكرة أنّ (F) «ملكت هذه القوّة في وقت معيّن؛ فالفكرة ليست فرضيّة مغرية وبسيطة يمكن أنْ تظلّ قائمة في كلّ الأمكنة والأزمنة؟ (القوّة، هاهنا، لا تتحمّل بطبيعة الحال أنْ تُفهم بحسب النّموذج التّرتيبيّ)» (Armstrong 1997 b: 261). وبتعبير آخر ليست هي بالفرضيّة المغرية والبسيطة تلك التي تنصّ على أنّ العلاقات السببيّة ما هي بعلاقات غاية في الدّقة مكاناً وزماناً؟

وعلى نحو ما يذهب أرمسترونغ إلى الاعتراف بهذا التّبرير «قد لا يكون مبلغ العلم الذي يأمله المرء، ولكن يبدو أنّ له قيمة حقيقيّة».

وقد يعتقد المرء أنّ أرمسترونغ سيجد الفرضيّة القائلة بأنّ العلاقات السببيّة ليست في غاية الدّقة بالنّسبة إلى المذهب التّفصيليّ أكثر إغراء حتّى من الفرضيّة التي تنصّ على كون العلاقات السببيّة ليست في غاية الأهميّة بالنّسبة إلى المكان والزّمان، بينما «يوجد في محلّ مكانيّ وزمانيّ (X) محمول تجريبيّ»، «هو جسيْم» هو محمول صدقيّ فإنّه، تبعاً لذلك، من الصعوبة تبيّن كيف لا تستطيع الرّوابط الاسميّة التي هي ذات طابع تجريبيّ أنْ تكون في غاية الدّقة بالنّسبة إلى الاختلاف الماثل بين جزأين بواسطة المذهب التفصيليّ.

ولكن إذا أجاز أرمسترونغ، في حالة الكليّات، أنّ العلاقة السببيّة ليست في غاية الدقّة بالنّسبة إلى جزئيّة التّمثيل، فكيف إذا كان متّسقاً مع نفسه لا يستطيع أنْ يسمح في حالة المجازات بأنّ العلاقة السببيّة ليست في منتهى الدّقة بالنّسبة إلى جزئيّة المجاز؟

إنّ القانون التّجريبيّ يُفترض أنْ يكون أكثر دقّة بالنّسبة إلى الاختلاف القائم بين المجازات المتشابهة تحديداً ما يفترض أنْ يكون عليه الاختلاف بين مثيليْن مختلفين لكليّ. فتصوّر أرمسترونغ لعموميّة القوانين، وتصوّر المجاز لعموميّة القوانين؛ مَثَلهما مثل حجّة فورست وحجّة أرمسترونغ، يثبتان ويتهافتان معاً.

5. بعض الملاحظات الختاميّة:

تتمثّل الغاية من إنجاز هذا الفصل في إثبات فشل كلّ من فورست وأرمسترونغ في البرهنة على أنّ الكليّات تنهض بدور أفضل من المجاز في تفسير عموميّة القوانين. وبالنّظر إلى التصوّر التّرتيبيّ للخصائص، فإنّ المجازات والكليّات، على حدّ سواء، نجحتا في تفسير عموميّة القوانين.

ولئن كانت الخصائص، من ناحية أخرى، ذات طابع مقوليّ فإنّ الكليّات ليست أفضل حالاً في مواجهة المشكلات المماثلة التي تمكّن أنصار كلّ من الكليّات والمجازات من محاولة الإجابة عنها بطرائق متقاربة على نقيض أرمسترونغ (2004:132) من أجل افتراض أنّ المبدأ القائل إنّ المشابه بالضبط يحدث (سببيّاً) مشابهاً مثله يمكن أنْ يُستهان به في حالات مفردة لا تحمل قوّة أكثر من ادّعاء كون المبدأ القائل إنّ المطابق يحدث (سببيّاً) مطابقاً قابلاً للاستخفاف به في حالات مفردة.

لذا يوجد بطبيعة الحال مزيد من العمل المطلوب إنجازه بغية البرهنة على أنّ ليس لأنصار الكليّات فضل على أنصار المجازات عندما يتعلّق الأمر بالقوانين؛ ذلك أنّ النّقاشات المعنيّة بعموميّة القوانين، ماعدا جانباً واحداً منها، تستجيب لأحد أهمّ موضوعات النقاشات القائمة في هذا المشروع «البحثيّ».

ويُعتقد، ربّما، أنّ للكليّات مزيّة على المجازات في ضوء تصوّر الرّابط الواصل بين القوانين والمتغيّرات (الحقائق المتغيّرة)، أوْ في ضوء التّصوّر القائم للقوانين الوظائفيّة[12]، ولكن المشكل المتمثّل في كيف يمكن تمييز القانون الشبيه بالأنظمة المطرّدة من مجرّد الأنظمة الحادثة لن يقطع خطوة إلى الأمام بالنّسبة إلى أنصار المجازات أولئك الذين يمزجون نظريّة انتظام القوانين بنظريّة انتظام السببيّة، على الرغم من أنّ المشكلات أقلّ وطأة بالنّسبة إلى أنصار المجازات الذين يحاولون تقديم تصوّر أقلّ اختزالا للسببيّة المفردة.

ومن المهمّ معرفة أنّ بؤرة النّقاش كانت مسلّطة على استدعاء فورست وأرمسترونغ للكليّات من أجل وضع تصوّر لطبيعة قوانين الطبيعة، ثمّ إنّ تصوّرات أنطولوجيّة أخرى ربّما تمتلك حالة أقوى بالنّسبة إلى زعم أنّ المرء بوسعه توفير تصوّر أفضل لعموميّة القوانين مع الكليّات من ذاك الذي يستطيع توفيره مع المجازات. وعلى وجه التّحديد أحتفظ في ذهني بأنطولوجيا لوو ذات المقولات الأربع. إذْ يرى لوو (2006) أنّ المرء من أجل تقديم تصوّر مُرضٍ بصدق عن القوانين لا يحتاج إلى الكليّات فحسب، وإنّما يحتاج، أيضاً، إلى الأنواع الجوهر. ولمزيد منح أهميّة أكبر لهذا النّقاش يعالج لوو، على خلاف أرمسترونغ، الكليّات على أنّها مجرّدات؛ أي بوصفها كيانات لا مكانيّة ولا زمانيّة. ولهذا السبب، فهم لوو القوانين (إلى المدى الذي تنطوي فيه الكليّات) على كونها مجرّدة من الزّمان والمكان. وقضيّة ما إذا كان هذا التصوّر قادراً على اجتناب الصعوبات التي أحدثها تصوّر أرمسترونغ ليس موضوع هذا النّقاش، ولكنّها قضيّة تستحقّ المزيد من البحث.

نقول من أجل إثارة نقطة نهائيّة إنّ هذا الفصل أثبت، على الأقل، إنّه بقدر ما كانت تصوّرات فورست وأرمسترونغ، في شأن طبيعة قوانين الطبيعة، مثيرة للقلق كانت كلّ من مقاربة أسس الكليّ ومقاربة أسس المجاز ناجحتين بالمقدار نفسه في تفسير عموميّة القوانين. فهذه المعادلة في مستوى قوّتها التفسيريّة ربّما تثير الشكّ في أنّ العبرة الأخيرة المستخلَصة تتمثّل في عدم وجود أيّ فرق جوهريّ، بالفعل، بين المقاربتين. وهذا يعني أنّ الحديث عن تعدّد المواضع في الكليّات «الجديدة» المُعاد النظر فيها وعن أحاديّة الموضع المتشابه بالضبط في المجازات «الجديدة» المُعاد النظر فيها إنّما هو استعمال لغتين مختلفتين للتّعبير، في نهاية المطاف، عن الشيء نفسه؛ بمعنى أنْ تضع تمييزاً يخلو تماماً من فرق حقيقيّ. وإذا كان ذلك كذلك فلا وجود لأيّ مفاجأة إذا قلنا ليس لأيّ نظريّة منهما أيّ فضل في تفسير عموميّة القوانين. أودّ أنْ أجادل ضدّ هذه النتيجة؛ إذْ يوجد فرق جوهريّ بين المجازات والكليّات؛ لأنّ لهما شروطَ هويّة مختلفة تماماً. بينما المجازات هي جزئيات، فإنّ الكليّات ليست كذلك. وعلى ضوء ذلك التّشابه تحديداً بين (F وG) يقتضي هويّتهما العدديّة على حين أنّ التّشابه المحدَّد للمجازين (f1 وg1) لا يقتضي هويّتهما العدديّة. لذلك يوجد فرق جوهريّ بين المجازات وممثّلات الكليّات باعتبار كون هذه الأخيرة كياناً مركّباً تضمّ مكوّناته جوهراً وكليّاً بينما المجاز لا يمتلك أيّاً من هذه الكيانات بوصفها مكوّناً، فالمجاز، في حقيقة الأمر، ليس بالكيان المركَّب.

وعلى الرغم من وجود فوارق بين هاتين المقاربتين، فإنّها لا تنطوي على أيّ اختلاف يُذكر في ما يتّصل بقدرتهما على تفسير عموميّة القوانين، والمرء سيجانب الصواب إنْ استنتج أنّ كلتا المقاربتين كانت متساوية في المقدار نفسه من التّفسير في جميع الجوانب. وأذكر، على سبيل المثال لا الحصر، أحد الاختلافات المشهورة النّاتجة عن تصوّرات أولئك الذين يتمسّكون بفكرة كون الكليّات النازعة من جديد إلى هذه العوالم الكليّة حاضرة حضوراً تامّاً في مختلف الجواهر التي تمثّلها. ومن ثمّ، يقبلون بفكرة أنّ الكليّ يمكن أنْ يكون ماثلاً مثولاً تامّاً في مكانين مختلفين في الوقت نفسه. لذلك الاعتراض المعقول الذي قوامه أنّه لا معنى للقول إنّ أيّ شيء وحتّى إنْ كان كليّاً يمكن أنْ يكون موجوداً وجوداً تامّاً في مكانين مختلفين في آن واحد، سيدحض الاعتقاد بأنّ تلك الكليّات يمكن أنْ تكون كيانات ملموسة.

والمجازات المُعاد النظر فيها من جديد لا تواجه أيّ مشكل من هذا القبيل؛ لأنّها لا تُمَثَّل بأكثر من جوهر واحد في الوقت ذاته[13].

[1] - سأفترض مع فورست وأرمسترونغ أنّ القوانين عامّة. ولكن لاحظ أنّه ليس كلّ شخص يودّ القبول بعموميّة القوانين. هكذا يتمسّك لوو، على سبيل المثال، بأنّ القوانين تصف كيف ينزع كائن معيّن إلى التصرّف في مختلف الوضعيّات لا كيف يتصرّف بالفعل. انظر: Lowe (1987) و(2006:131).

[2] - لا يُحتاج، هاهنا، إلى افتراض أيّ تصوّر أنطولوجيّ معيّن للماهية؛ إذْ يحتاج الأمر على وجه التّحديد إلى افتراض أنّ مقولة الماهية هي مقولة مضافة إلى مقولة الخصيصة، فالجواهر لا تعدو أنْ تكون حزماً من الخصائص.

[3] - لاحِظْ أنّ حجّة فورست ليست متوقّفة على زعم أنّ المجازات هي الرّابط السببيّ، بل بالأحرى مرتهنة بأنّ الخصائص التي تحدث الفرق السببيّ هي مجازات. وهكذا إنّ حجّة فورست، على سبيل المثال، قابلة للانطباق بالقدر نفسه على التصوّرات المتمسّكة بأنّ الجواهر هي رابط سببيّ، حيث يكون الجوهر هو سبب بفضل المجاز الذي يصف الجوهر بميزة.

[4] - يضيف فورست (1993: ص 49) إلى هذه المخاوف المتعلّقة بالمبدأ همّاً أكثر خصوصيّة قوامه تحديدا أنّه مع هذا الميتا-قانون لا يستطيع المرء أنْ يخوض في القوانين الوظائفيّة. ويرمي هذا الفصل إلى التّركيز على المخاوف من النّوع الأوّل. وعلى نحو ما يعترف به فورست وأرمسترونغ كلاهما إنّ توفير تصوّر للقوانين الوظائفيّة هو أمر إشكاليّ بصرف النّظر عمّا إذا كانت الخصائص مجازات أوْ كليّات. وقضيّة أيّ طرف منهما ينهض بوظيفته أفضل من غيره تستحقّ نقاشاً منفرداً خاصّاً بها.

[5] - هذه المزاعم ذات قبول واسع لدى أنصار المجازات. انظر على سبيل المثال كامبل (1990)، وإهرينغ (1997و1999)، وهايل (2003)، ومورين (2003)، وروب (2005).

[6] - هكذا يصرّ لوو على أنّ الكليّ هو ذاك الذي له أمثلة على خلاف الجزء الذي ليس له أمثلة (Lowe 2006: 39). فوفقاً لمقولاته الأنطولوجيّة الأربع، فإنَّ المجازات هي أجزاء مخصوصة لأنّها تفتقر إلى أشباه، بينما الكليّ له مجاز مثل أمثلته. وهذا الأمر يُفسّر باعتبار مختلف علاقات التبعيّة الأنطولوجيّة التي تشدّ أحدها إلى الآخر المقولات الأربع التي هي بدورها تتوقّف على كلّ مقولة وجوديّة وشروط الهويّة. وبدلاً من ذلك يمكن للمرء أنْ يزعم، مع فورست، أنّ الكليّات قابلة للتّكرار على خلاف الأجزاء. وهكذا، المجاز هو جزء بالنّظر إلى حقيقة كونه لا يستطيع أنْ يكون موجوداً في أكثر من مكان في الوقت ذاته. وبحسب تصوّر آخر لا يزال قائماً إلى الآن تستطيع الكليّات على نقيض المجازات أنْ تسم أكثر من مثيل واحد في الوقت ذاته.

[7] - القوّة، هاهنا، بطبيعة الحال لا تحتاج إلى أنْ تؤوّل بحسب التصوّر الترتيبيّ.

[8] - ينبغي أنْ يتمّ تذّكر أنّه ليس في أيّة مرحلة يوجد اقتراح مداره على أنّ التّمييز بين خصوصيّة f1 وf2 إنّما هو تمييز بين مكوّنات مجاز. وأودّ بدلاً من ذلك أنْ أقترح تمييزاً رسميّاً يمكن القول إنّه يُستطاع اكتشافه بواسطة عمل ذي اعتبار جزئيّ. انظر على سبيل المثال كامبل (1990:56). ولا ينبغي أنْ أدافع هنا عن هذا الزّعم كما لو أنّه سينقص من الهدف الأساسيّ من فصلي هذا.

[9] - في الحقيقة لاحظ أنّ أرمسترونغ، في أكثر كتاباته الحديثة (2004: 133)، لا يصمد أمام الادّعاء القائل إذا كانت المجازات مضمَّنة في تضاعيف ترتيبيّة، فهي، إذاً، تجسّد مبدأ «الشّبيه الذي يُحدث شبيهاً» الذي أصبح ممكناً. وهذا الزّعم، مع ذلك، ليس هو أحد المزاعم الذي سيدرسه في منتهى التّفصيل.

[10] - انظر لمزيد التعمّق أرمسترونغ (1997 b: 260).

[11] - في أعماله المبكّرة (1983) فهم أرمسترونغ الاتّصال القانونيّ بين الكليّات على أنّه ضرورة علاقة القوانين التي لها شكل «F-ness تقتضي ضرورةً G-ness»، وباعتبار أنّ الاتّصال لا ينعقد بين الكليّات عبر أمثلتها اتّخذ أرمسترونغ القوانين علاقات ضرورة من ترتيب ثانٍ بين الكليّات (1983: 88). (تبقى القوانين مشروطة بالنّسبة إلى أرمسترونغ؛ أيْ توجد عوالم ممكنة لا تقتضي فيها F-ness بالضرورة G-ness). ومع ذلك اعترض فان فريزن (1989: الفصل الخامس) على كون هذا التصوّر يواجه «مشكل التّعريف» (مشكل كيف ينبغي أنْ نفهم علاقة الضرورة بين الكليّات) و«مشكل الاستدلال» (مشكل تفسير ما هي المعلومة التي ينبغي أن يقدّمها لنا حول الأنظمة المطّردة الزّعم القائل بأنّ كليّاً واحداً يقتضي بالضرورة كليّاً أخر). والذي زاد الطين بلّه أنّ حلّ مشكل من هذه المشكلات يترك بقيّة المشكلات دون حلّ. ويتمثّل جواب أرمسترونغ على مشكل التّعريف في أنّ العلاقة هي علاقة سببيّة وجوابه على مشكل الاستدلال قوامه: إذا كانت العلاقة تنعقد بين أنواع الحالات الرّاهنة فإنّها، إذاً، ينبغي أنْ تنعقد بين رموز هذه الأنواع (أرمسترونغ 1993b و1997 b:28-227). ولاحظْ أنّ فان فريزن كان قد تساءل عمّا إذا كانت العلاقة بين نوع الحالات الرّاهنة والعلاقة بين رموز هذه الأنواع يمكن أنْ تكون من المعقول متطابقة. H

[12] - بالنّسبة إلى المشكل السّابق انظر: أرمسترونغ (1983:103، 1996: 1-100،1997 b:261) وعلى نحو ما أقرّ به أرمسترونغ يتمّ التخلّص من المشكل إذا ما كان يوجد اتّصال ضروريّ بين المجاز وآثاره. ومن غير تحيّز، بالنظر إلى رفض أرمسترونغ للثبات داخل العالم، ليس واضحاً تمام الوضوح أنّ تصوّره الخاصّ للربط بين القوانين والحقائق المتغيّرة مقبول في مجمله مثلما يعترف أرمسترونغ نفسه بذلك (1997 b: 62- 259). وبالنّسبة إلى المشكل الأخير انظر: فورست (1993).

[13] - تمّ إتمام هذا الفصل بدعم من البحوث في مجال الفنون والإنسانيّات منحة المجلس العلميّ للبحث رقمها AH/F0096615/1 في خصوص موضوع «الأنطولوجيا الجديدة للجدل حول السببيّة العقليّة». أنا ممتنّ للغاية لكلّ من James Clarke, John Heil, Valdi Ingthorsson, وJonathan Lowe بسبب تعليقاتهم المعينة على بلورة التصوّرات الأولى لهذا الفصل. وأودّ، أيضاً، أنْ أشكر المشاركين في أعمال النّدوة الدائرة على مشكل الكليّات في الفلسفة المعاصرة والملتئمة بدار المعلّمين العليا ببيزا، إيطاليا سنة 2010