أثر الدين في الحياة


فئة :  مقالات

أثر الدين في الحياة

أثر الدين في الحياة

د. علي الدباغ

تنبع أهمية الأديان في حياة الفرد والمجتمع في كون الدين حاجة فطرية إنسانية، لا يستطيع الإنسان العيش من دونه، وهو ظاهرة إنسانية عامة شاملة ملازمة للإنسان حيثما وُجد؛ فهو عقيدة إيمانية داخلية تهذب الروح وتزكي الجوارح وتصقلها، وهي حاجة وجودية اقترنت بأول إنسان وجد على الأرض، ولم تنفصل عنه عبر كل العصور والأزمان، والدين ليس أمراً طارئاً في كيان الإنسان، ووجوده ليس غريبا عن وجوده، وخضوع الإنسان للدين والتصاقه به كان متلازما معه؛ فعندما كانت تفتقده جماعات من البشر عاشت على الأرض وبعيدة عن أيّ تحضر وتمدن، كانت تخترعه وكانت تصنعه، حيث إن بعض الأقوام كانت تصنع آلهة من حجر بيديها، وجدناها في رسوم في الكهوف أو التماثيل، أقرت به معابد وأهرامات، كما شهدت به بقايا ما قبل التاريخ بما حوته من نقوش ورموز وآثار ذات معنى ورموز دينية، ثم تسجد لها في محاولة لإطفاء جذوة الحاجة للعنصر الغيبي، أو كانت أقواما تتصور آلهة ولا تراها كإله الشمس وإله المطر وإله الريح وإله الخير وإله الشر...إلخ. على أن السجود لهذه الهياكل الصماء لم يكن لذاتها، بل كان يُعتقد أنها تكتنز قوة غيبية أو تتمثل فيها قوة لا يعرفون ما هي وما تفسيرها، وأنها حقيقة خارجية عن تلك الهياكل، وأنهم توارثوها عن آبائهم، فهي إذن انقياد لرمز غيبي له صفة القداسة والتبجيل والامتثال. والإنسان بطبعه يبحث عن الدين، وإن لم يجده، فإنه يصنعه، وهو نزوع فطري للبشر.

ويشير الدكتور علي شريعتي "إن الدين كان الأساس الفكري والثقافي لكل المجتمعات في طول التأريخ"[2] وإن الدين هو محور الحضارات القديمة.

إن التديُّن نزعة مغروسة في أعماق النفس البشرية وجزء منها، وهي حاجة فطرية؛ فالغريزة الدينية مشتركة بين بني البشر حتى أشدها بدائية، وإن الشوق والتطلع لما وراء الطبيعة هو نزعة إنسانية، وعلى الرغم من تطور العلوم واكتشاف الكثير من أسرار الكون وتقديمها أجوبة عن أسئلة كانت تُحال إلى الغيب، لكن أثر الأديان ظل حيّاً، بل وأخذ أبعاداً أكثر عمقاً في حياة البشر، ولم تستطع كل التطورات والاكتشافات التي تهاوت معها الكثير من الخرافات الشعبية أن تلغي وتمحي أي دين من بين 3200 دين موجود على وجه الأرض، على عكس ما تنبأ به مفكرون غربيون بأن العولمة ستضعف الشعور الديني أو تلغيه، "ولا زال الدين يمثل إحدى ركائز الهوية الجمعية لأي مجتمع؛ لأنه يحمل الكثير من تأريخ الأمة المشترك وتفاصيل حياة أفرادها اليومية في الطعام والشراب والملبس والاحتفال، على الرغم من تنبؤات بعض مفكري وفلاسفة الغرب، مثل فويرباخ ونيتشه بأن العقل والمنطق سيحل محل الأديان".[3]

أهمية الدين للإنسان كونه يقدم التفسير والجواب الذي ينسجم مع العقل البشري للأسئلة الوجودية الكبرى، والتي تعجز أية أجوبة أخرى عن تقديم أجوبة مقنعة. الذين حاولوا توهين أثر الدين في الحياة أو وصفه بأنه أفيوناً للشعوب، أو أنه فكر رجعي أو تخديري، كانوا ينظرون فقط إلى الدين التأريخي، ويشيرون إلى الدين الذي حكم في القرون الوسطى باسم المسيحية، أو باسم الإسلام، ولم يقاربوا فعل الدين وأثره في النفس الإنسانية؛ لأنهم كانوا متخصصي تأريخ.[4]

هدف الأديان هو أن يعرف البشر خالقهم، ويعرفون طرق الوصول إليه دون كهنوت ودون واسطة؛ فالمعرفة هدف الرسل والأنبياء والكتب المقدسة، والخطاب الإلهي للبشر هو الدعوة للتفكر واستخدام العقل في كشف الحجاب للوصول في النهاية للمعنى على قول المتصوفة، والمعرفة الحقيقية تجذب الروح البشرية للحضرة الإلهية لتكتشف النور، وتسطع بالإشراقات المضيئة، وتغسل الروح بالنور لتتطهر وتصفى من الدرن ومن التراب، وتكتشف الحياة وتكتشف الأمان، وتكتشف راحة النفس، وتكتشف أبعاداً لم تألفها النفس البشرية التي تخرق الحجاب لتصل للمعنى، لينعكس النور في القلب كما يصفه جلال الدين الرومي، وفي أول إشراقة وومضة من نور سيتذوق الإنسان عالما جديدا يملأ النفس المتعبة والمنهكة من ضغط الحياة ومرارة الصعاب وقهر الأيام والسنين، وظلم الواقع في طريق طويل وسفر وعروج يتصاعد وينمو ويزداد عذوبة وحلاوة، كلما تعمق فيه وروّض النفس على استكمال السير عليه وبه.

الدين من حيث هو حالة نفسية داخلية، هو الاعتقاد بوجود ذات علوية لها شعور واختيار، ولها تصرف وتدبير للشؤون التي تعني الإنسان والكون؛ اعتقاد داخلي من شأنه أن يبعث على مناجاة تلك الذات السامية في رغبة ورهبة وخضوع وتمجيد، هو الإيمان بذات إلهية جديرة بالطاعة والعبادة، ليتحرر الإنسان من العبودية لغير الله، هذه القوة تعطيه حصانة من الخضوع والخنوع لباقي المخلوقات. هذا التسليم والانقياد الفطري يقدم للإنسان غذاء يحاول أن يشبع به الروح المتعطشة للغيب، والتي ترجع لها الكثير من الحوادث التي كانت خافية على الإنسان، ومع تقدم العلوم وتطور المجتمعات تقلصت تلك التفسيرات التي كان منشؤها عدم قدرة البشر لمعرفة المسببات لتلك الحوادث، لكنها لم تنته، فلم يستطع الإنسان على مر العصور أن يجد أجوبة مقنعة للحاجات الوجودية في حياته، ولم يستطع العلم لحد الآن تقديم الإجابة عن تلك الأسئلة. حب الله الذي هو فوق كل حب، والذي ينطلق من معرفة فطرية بـ الله، وليست بالضرورة ضاربة في التنظير والفلسفة، بل هي إيمان وجداني فطري عند الإنسان البسيط الذي لم تدنسه تربية الكراهية والتمييز والعنصرية والمذهبية، هذا الحب يعطي معاني لا حدود لها لحياة مليئة بالسعادة الداخلية وإشراق الروح وسموها. حب الإنسان لنظيره من الجنس الآخر، يعطيه أملا ويرى العالم من حوله جميلا، ويكون في فرح غامر، فكيف يكون حبّ الله، فكيف يكون عشق الله كما يتذوقه الصوفي. حبّ الله يغمره الإيمان، وهو اتصال الروح ب الله، وهي علاقة غير مرئية إلاّ لصاحبها الذي تتذوقها روحه، وتعجز الكلمات عن وصفها، فتكون اللغة حائرة في تشكيل هذه العلاقة، ولا يستوعب وعاء اللغة أن يضم ويوصف هذه العلاقة، وهذه العلاقة ليس لها هوية دينية خاصة بمجموعة تدعيها، فهي مشتركة بين الأديان وإن اختلفت فيها المسالك والطرق، لكنها تصل لنقطة واحدة، لذلك تذوب وتتلاشى كل أنواع الاختلافات وتتطهر الروح من درن توصيف وتكفير وتجهيل الآخرين، بينما المنتج البشري من الأديان يفرق ويميز ويطرد ويكفر ويبرر قتل الاخر.

إن ملة العشق قد انفصلت عن كافة الأديان؛ فمذهب العشاق وملتهم هو الله. جلال الدين الرومي

وكما يتحدث الأستاذ المبدع د. عبد الجبار الرفاعي "عبر الحب الإلهي يرتوي المرء أنطولوجيا، وحين يرتوي المرء أنطولوجياً يصبح قلبه منبعاً للحب؛ أي يكون الحب هو وهو الحب"[5].

تحرير صورة الله من احتكار الأديان هو أحد تجليات الإيمان الحق، وكأن الله مختص بدين أو عرق أو مذهب، وهو الذي يلغي الآخر ويكفره، وبالتالي إصدار فتوى قتله وقطع رأسه لا لشيء، فقط لأنه يسلك طريقا إلى الله مختلفاً، ويرى الله بصورة مختلفة، وما ينشأ من صراعٍ مُصطنع بين أتباع الديانات والمذاهب المختلفة ليس منشؤه الدين بصفته رسالة سماوية من الله الخالق القدير الذي هو منشأ كل الديانات، والتي لا يمكن أن تنشأ بينها صراعات، بل إن التفسيرات والمدونات البشرية هي التي ابتدعت أنواعا مختلفة من الصراعات ولا يمكن تصور أن كل الفتوحات الإسلامية كانت تهدف لنشر الدين والتبشير به، وكذلك حملات التبشير والحروب الصليبية، لا يمكن تصور أنها من جوهر المسيحية التي شعارها المحبة والسلام، الدين بريء من كل العوالق التي سجلها التأريخ؛ حروب وتمييز وكراهية وتعالٍ وتكفير.

الدين كما يصفه الدكتور علي شريعتي "ظاهرة مدهشة تلعب في حياة الناس أدواراً متناقضة، يمكن له أن يدمر، أو أن يبعث الحيوية، يستجلب النوم أو يدعو إلى الصحو، يستعبد أو يحرر، يعلم الخنوع أو يعلم الثورة".[6]

الدين وحده يستطيع أن يقدم تلك الإجابة، ويملأ ذلك الظمأ للمقدس وإشباع الحاجات الروحية وتحقيق شوقه الداخلي الذي لم يستطع العلم أو الفن تعويضه، على أهمية العلم الذي يكتشف بعضا من أسرار الكون، ويقدم الكثير من الاختراعات التي تسعد البشر، وكذلك الفن الذي يخرج أجمل صور الجمال من مخيال الفنان وإبداعاته ويخرج الألم والوجع الصامت شعرا وموسيقى وصورا وفنا، تطرب وتأنس له حواس البشر.

يقول البروفسور الأب يوسف مونس في وصف جميل لوصف الظمأ الأنطولوجي للمقدس:

  • الشوق للخلاص والحضور الإلهي في التاريخ، وبين الناس هو عطش كوني في جميع المجتمعات كعطش الأيل إلى مجاري المياه. إنه فعل تأسيسي.
  • المعطوبية والزوال يعصفان في قعر الوجود البشري، ويولدان توقاً إلى الخلاص وشهوة الشفاء والسكينة للكائن البشري العطشان إلى الاستمرار في مشاهدة البهاء الإلهي هذا هو الظمأ الوجودي الأنطولوجي في قلب الكائن البشري، ظمأ ثيولوجي - أنطولوجي - كياني بالميلاد يتجسد المخلص في بيت لحم محققاً حلم البشرية والكون والبشر أجمع، متمماً رجاء الآباء القديسين، محققاً رؤى الأنبياء الملهمين.
  • الشعوب بأسرها يحرق قلبها شوق كوني للقاء الإله والخروج من القلق والتساؤل. فتأنس الله ليؤله الإنسان وليعزيه، ويبعد عنه الوجع من جرحه المفتوح والنازف لهفة للتأله والبقاء وإيقاف طاحونة زمن الزوال والفناء. الميلاد قادم إليك فهلا ذهبت إليه، يسوع قادم إليك فهلا ذهبت لملاقاته.
  • منذ فجر التاريخ والإنسان ينتظر عودة مهدوية، عودة إلى البراءة الأولى البعيدة عن الخطيئة والدنس، إياب إلى نظام تقادمنا الأول لحظة خروجنا من يد الله بأصالة كينونية لا عطب فيها ولا كسر. «انتسب يسوع إلى عيلتنا البشرية ليجعلنا أبناء عائلين الإلهية» هذا هو لاهوت التجسد.
  • العالم جائع إلى السلام والفرح كما هو جائع إلى المأكل والمشرب والملبس، فهل لبسنا ثوب المسيح وذهبنا إلى الشوارع. والأزقة نقدم مما عندنا للجائعين والموجوعين والمرضى والمتألمين والغرباء والحزانى والمساكين، وإلا لن يأتي يسوع إلى قلوبنا ووطننا وبيوتنا ولا قرعت أجراس الميلاد في الهواء، ولن يقرع جرس الميلاد في قلوبنا محبة وعلى أيدينا كرماً وعطاء وميلاد إنسانية جديدة وعالماً جديداً.
  • صورتك يا الله تجلّت على وجه طفل في المغارة وفي وجه كل إنسان.[7]

الدين وحده يجعل الإنسان يشعر بالسكينة والاستقرار فيتصالح مع الوجود، ويشعر بالانسجام والاتساق معه، وتلك واحدة من أهم الوظائف التي يؤديها الدين في حياة الإنسان، فيه تسمو النفس وترتقي الروح ويتهذب الوجدان، ومن خلاله يدرك الإنسان فلسفة الحياة، ويعرف قيمتها؛ فالدين هو الذي يقدم للإنسان الإجابات المريحة لكل ما يدور في ذهنه، وما يجول في خاطره من تساؤلات متعلقة بهذه الحياة وعن دوره فيها، وعن مآله ومصيره بعد انتهائها، وهذا بدوره يريح الإنسان ويخفف عنه عناء البحث، ما يطفئ الحاجة الوجودية للمقدس.[8] الإنسان بطبعه مُغرم باكتشاف المجهول، ويبحث عن الأجوبة لأسئلة كبرى في حياته، أسئلة الوجود والموت وما بعد الموت والروح، وحده الدين يستطيع أن يقدم تلك الإجابة. الدين ليس مجرد فروض وحركات وإرهاق للجسد وتعذيبه، وانقطاع عن الدنيا، وكم من الأعباء والتكاليف التي تثقل كاهل الإنسان وتلحق به المشقة والعنت، وهو ليس طقوس ودروشة وتبتل، بل هو غذاء للروح وإشباع للوجدان وإرضاء للضمير، لا يستغني عنه المرء كما لا يستغني عن طعامه وشرابه وجميع مستلزماته الحسية. أنا هنا لا أتحدث عن الدين عبر مظاهر الطقوس وأشكال التدين الظاهرة عبر البشر، وإن كانت تلك أحد تجليات الدين، لكني أتحدث عن تلك الإشراقة الداخلية التي تضيء الروح وتعطيها معنى وتزرع فيها قيم الخير والجمال والحب، وهذه ملكات جوانية تتفاعل في أعماق الروح ولا تظهر على الملأ، بل هو إحساس وشعور، والصادق منه غير مرئي وتجلياته وتمظهره تكون في نقاء السريرة ومحبة الآخرين والنظر للبشر على أنهم بشر يرجعون لخالق واحد الذي كرمهم بخلقهم، وتكون في قبول الآخر واحترامه وعدم مخاصمته وتقديم العون له، وتكون مذيبة للفوارق لا تخلق حواجز بسبب اللون والمعتقد والانتماء؛ فالبشر صنفان كما يقول الإمام علي بن ابي طالب: "إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق"[9].

أما الدين الكاذب، والذي نراه يلتهم أجزاء من مجتمعاتنا، فهو الدين المُفرّق والدين العنيف ودين الإلغاء والتطرف والقتل والتكفير واللوثات الأخلاقية التي تخالف كل الشرائع والأديان.

الدين الحقيقي يصقل الروح بمسحة شفافة، وليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين الحقيقي والصادق أو تدانيها في احترام الآخر المختلف وكفالة النظام العام، وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه.

الذي يتذوق الإيمان يفهم معنى الحياة الحقيقية، ويعيش في سلام داخلي ويتحرر من عقد الشر ونزعاته، والتي تزرعها التربية الشاذة التي تعلم الكراهية، وتعتقد بأنها تمتلك كل الحقيقة وأنها الوحيدة الموصولة بـ الله، وهي الوحيدة التي تعرف الطريق إلى الله، وتتناسى أن الطرق إلى الله هي بعدد الخلائق، وإن الأمر بيد الخالق ليعرف دواخل الإنسان والأمر بيده، ولم يعط تفويضاً لأيّ إنسان أن يُدخل البشر في الجنة أو النار.

ومن يفهم الإيمان بشكله وبصورته الإنسانية تذوب عنده عقدة الآخر وتتلاشى، فلا يكون هناك كره وإلغاء وتكفير للآخر، وإخراجه من رحمة الله ورميه بالنار والجحيم والعذاب. من يفهم الإيمان الصحيح، لا يميز بين البشر ولا يعلو عليهم، ولا يهمه الآخر من أيّ دين أو أية طائفة. من يفهم الإيمان الصحيح، يدرك معنى الله، ويعرف أنه الرحمن الرحيم ورحمته تسبق غضبه، وهو أقرب للإنسان من نفسه ومن حبل وريده، وهو معه وهو الجمال المطلق، وهو الرحمة المطلقة، وهو المحبة المطلقة. الذي يفهم الإيمان يعرف أن صفات الله لا تحدها حدود ولا يحدها تصور وجُل صفاته هي الرحمة والعفو والمغفرة والعطاء.

يذكر الصفوري قصة رائعة عن رحمة الله، حيث يقول: "حضر مجوسي عند إبراهيم عليه السلام، فجاءه بطعام ثم قال هل لك في الإسلام رغبة فترك الأكل وانصرف فأوحى الله إليه يا إبراهيم أنا أرزقه على كفره منذ أربعين سنة، وأنت تريد أن ترده عن دينه بأكلة واحدة، فخرج في طلبه فوجده فأخبره بذلك فأسلم ورجع معه إلى طعامه"[10].

وفي رواية سبط بن الجوزي قال المجوسي: "نعم الرب يعاتب وليه في عدوه"

وكما يشرحها الأستاذ المبدع عدنان إبراهيم بأن هذه الرواية تتفق مع ظاهر الآية الكريمة "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا" (البقرة: 126)

هذه هي رحمة الله التي وسعت كل شيء، هذه رحمته التي أنعم بها على كل البشر من يؤمن به ومن لا يؤمن، فهل بعد ذلك من قول إننا وكلاء عن الله نكفر الآخر وننفيه من وجودنا، ونبني صروحا من السواتر معه؛ لأنه يخالفنا منهجا وفكرا وعقيدة ومذهبا وتعبدا وسلوكا وحياة.

إذا كان الله يوجه رسله بهذا التوجيه وبهذه الشدة؛ فلماذا نحن نكون أحرص من أنبيائه على نظم العلاقة مع الله؟ ولماذا ننصب محاكم تفتيش داخل نفس الآخر المختلف معنا؟

إنه تسلط واستبداد وانحراف وتجاوز وانتهاك، وكل معاني الاعتداء واحتكار للرحمة الإلهية، وهذا ينعكس في السلوك والتعامل والعلاقة في قبول الآخر والتعايش والتثاقف معه وقبول التعددية، وهذه قواعد ومبادئ مهمة تنظم البناء الاجتماعي وتنظم الحياة المشتركة وحق الحياة وبالتساوي للجميع، وينعدم فيها تصنيف فئات المجتمع لدرجات وطبقات، كالنبلاء والأشراف أو شعب مختار اختصه الله دون خلقه، هذه القواعد هي أساس المواطنة التي يتساوى فيها الجميع، ولا فضل لأحد على أحد أمام القانون وفي تصنيف حقوق المواطنة، والأمر العقائدي والداخلي حسابه عند الله، وهذه رسالة الأديان وما عداها، فهي مدونات وتفسيرات بشرية تراكمت عبر العصور وتجمدت وتحنطت، وبقيت في السلوك تلقي بظلالها وتأثيراتها الوخيمة لتنتج عداء وانتهاكات وتعالي وفوقية ودم أزرق وعنصر أبيض وعنصرية وطائفية وتصنيفات، لم يكن أي منها من مقاصد الأديان ورسالاتها التي لا تتنافر ولا تتعاكس، بل كلها نابعة من مصدر إلهي واحد.

ما يلفت النظر، أن القرآن وردت فيه صفات الرحمة عنواناً لكل آياته، عدا سورة براءة التي تم تعويضها بسورة أخرى، لتصبح البسلمة وما تحويه من الرحمن الرحيم هي الشكل العام والإطار الذي يتوجب فهم الدين ومعرفة الله منه، وهكذا الأديان الإبراهيمية التي تأسست على كلمة الله في الكتب المقدسة، والتي تضج بالرحمة، وأن الإيمان بـإله أخلاقي يبتدئ كلامه بالرحمة والعدل، يتطلب أن تتمثل هذه الصفات في من يؤمن به.

ما يلفت انتباه من يُقارب خطاب المتصوفة في "فصوص الحكم" لابن عربي أو "المثنوي" و"فيه ما فيه" و"الديوان" لمولانا جلال الدين الرومي والمتصوفة الآخرين، يلمس روحاً مختلفة في خطابهم، بما أنهم يتحدثون عن العشق والحب والمعشوق والموسيقى والجمال، فإن خطابهم يتعالى عن كل الاختلافات الدينية والمذهبية، فهم مشغولون بالسفر في طريق السالكين، وهم مرتحلون لعالم التجلي، وينشدون سمو الروح ويتجردون من العقل والجسد والمتع الحسية، فلم تعد تشغلهم كل تلك الاختلافات التي صنعها البشر، ولا يهمهم من تكون أنت، وماذا تعتقد، هو يدعوك لمرافقته للعروج للمعشوق، لتنتشي بحلاوة تذوق القرب، فتذوب عندهم كل الفوارق وهذه أجمل صفة لمستها عندما قرأت المثنوي وفيه ما فيه.

ما لفت انتباهي في المثنوي المعنوي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد عبد السلام كفافي، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، لمولانا جلال الدين الرومي في قصة النبي موسى والراعي، والتي تعكس كيف يتعامل الله مع عباده، وأحسب أنها من تأليف الرومي، وقد استشكل البعض عليها بأن الراعي يجسم الله، وهذا افتراض في غير محله لشخص لا يعرف من الكون غير غنمه والله، بينما التجسيد كان من بعض الذين درسوا الله ولم يعرفوه. هذه القطعة الرائعة تحولت إلى مسرحية أوبرالية أدتها فرقة إيرانية في الولايات المتحدة ولاقت اهتماما كبيراً من الجمهور، لتعكس بصدق أن العلاقة مع الله قد تأخذ أشكالاً مختلفة كالماء يأخذ شكل الوعاء الذي يحتويه، وكذلك الحديث والتواصل مع الله لا يحتاج لتكلف، بل يحتاج لانشراح الصدر والصدق والعفوية والاطمئنان وإلى اليقين أن الله أقرب إلينا من حبل الوريد، وهو الذي يطلع على السرائر وهذا يعني أن من يحاسب ويعاقب على النوايا وعلى الأفكار وعلى المعتقدات، فإنه يدخل في مساحة ليست له ولا يملك الحق في الاقتراب منها ليس لأنه عاجز عن الدخول إليها واستكشافها فقط، بل لأنها ملك للخالق وحده ومختصة به وحده أفردها لعبده ليتواصل معه، وهي خط مفتوح لا رقيب عليه ولا حسيب؛ فالصائم الحقيقي يمتنع عن الطعام الذي أمامه ونفسه تهفو إليه، لكنه يعرف أن الخط بينه وبين خالقه مفتوح وهو يراه:

رأى موسى راعيا على الطريق، وكان هذا يردد: "إلهي، يا من تصطفي (من تشاء)، أين أنت حتى أصبح خادما لك، فأصلح نعليك، وأمشط رأسك! وأغسل ثيابك، وأقتل ما بها من القمل! وأحمل الحليب إليك، أيها العظيم! وأقبل يدك اللطيفة، وأمسح قدمك الرقيق، وأنظف مخدعك حين يجيء وقت المنام، يا من فداؤك كل أغنامي! ويا من لذكرك حنيني وهيامي". وأخذ الراعي يردد هذا النمط من هراء القول. ورآه موسى، فناداه قائلا: "مع من تتحدث أيها الرجل؟"، فقال الراعي: "مع ذلك الشخص الذي خلقنا. مع من ظهرت بقدرته هذه الأرض، وتلك السماوات"، فقال موسى: "حذار، إنك قد أوغلت في ادبارك. وما غدوت بقولك هذا مسلما، بل صرت من الكافرين، ما هذا العبث وما هذا الكفر والهذيان؟ ألا فلتحش فمك بقطعة من القطن. إن نتن كفرك قد جعل العالم كله منتنا! بل إن كفرك قد مزق ديباجة الدين. إن النعل والجورب يليقان بك. ولكن متى كان مثل هذين يليقان بالشمس؟ فلو أنك لم تغلق حلقك عن مثل هذا الكلام، فإن نارا سوف تندلع وتلتهم الخلق! وإن لم تكن النار قد اندلعت فما هذا الدخان؟ ولماذا أصبحت نفسك مسودة وروحك مردودا؟ وإن كنت تعلم أن الله هو الحاكم، فكيف اعتقدت بمثل هذا السفه والوقاحة؟ إن صداقة الأحمق هي عين العداوة. وما أغنى الحق تعالى عن مثل هذه العبادة! مع من تتحدث؟ أمع العم أو الخال؟ وهل الجسم والحاجة من صفات ذي الجلال؟"

فجاء موسى الوحي من الله (قائلا): "لقد أبعدت عني واحدا من عبادي! فهل أتيت لعقد أواصر الوصل، أم إنك جئت لإيقاع الفراق؟ فما استطعت لا تخط خطوة نحو إيقاع الفراق، فأبغض الحلال عندي هو الطلاق! لقد وضعت لكل إنسان سيرة، ووهبت كل رجل مصطلحا للتعبير، يكون في اعتباره مدحا على حين أنه في اعتبارك ذم. ويكون في مذاقه شهدا، وهو في مذاقك سم!

فلو أنه أخطأ في القول، فلا تسمه خاطئا. وإن كان مجللا بالدماء، فلا تغسل الشهداء، فالدم أولى بالشهداء من الماء! وخطأ المحب خير من مائة صواب! فليس في داخل الكعبة رسم للقبلة."

فحين سمع موسى هذا العتاب من الحق، هرع وراء الراعي موغلا في البيداء، وانطلق مقتفيا آثار قدمي ذلك الحيران. فكان ينثر الغبار من أذيال الصحراء، وفي النهاية أدرك موسى الراعي ورآه.

وقال البشير للراعي: "إن الإذن قد جاء! فلا تلتمس آدابا ولا ترتيبا، وانطق بكل ما يبتغيه قلبك الشجي! إن كفرك دين، ودينك نور للروح! وإنك لآمن، والعالم بك في أمان! أيها المعافي! إن الله يفعل ما يشاء. فاذهب وأطلق لسانك من دون محاباة"، فقال الراعي:

"يا موسى إني قد تجاوزت ذلك، إنني الآن مجلل بدماء قلبي! لقد تجاوزت سدرة المنتهى، وخطوت مائة ألف عام في ذلك الجانب! إنك قد أعملت سوطك، فدار حصاني، فبلغ قبة السماء، ثم تجاوز الآفاق!"

وفي محاولة لربط العنوان الرئيس بهذه التفاصيل، يتضح شرور الاستبداد في الرأي والتزمت والانحراف الفكري الذي يحتكر الحقيقة، ويرى العالم من عقله فقط، ويُنكر على الآخرين أية حرية أو رأي يخالف لما تراكم من موروث محنّط في خياله، ويسعى بكل الوسائل لفرض ما يفكر فيه على محيطه ابتداء من بيته وعائلته ودرسه وكتابه وخطابه، ثم يدعي أن الدين يعطي حرية في التفكير ويستوعب المخالفين، وعلى العكس ترى من لا يعرف الدين يصور الله، المعذب والذي يتفنن في تعذيب البشر، ويخلق عداوة موهومة بين الله وبين البشر، وكأنما الله يتلذذ بتعذيب خلقه.

من لا يعرف الإيمان، يحتكر كل الحقيقة، ويكفّر من كان على غير منهجه، ويزرع وينشر كل ما أمكنه من نعرات وتفرقة وكراهية، وهم ليسوا قليلين، يحيطون بنا من كل جانب يرفعون أصواتهم بما يُسوّد حياة البشر.

من لا يعرف الإيمان يتلبس بطقوس من زيّ ولباس وهيئة ومنطق وأفعال.

الدين الحقيقي وأثره يعتبر البشر صورة من صور الله، بل كلُ خَلق هو صورة من صور الله وإبداعه. لذلك يدعونا الدين أن نكون متصالحين مع باقي الخلق بشراً أو حيوانا أو نباتاً أو جماداً؛ فكلها من خلق الله وهي تُسبّح بحمده، فالاعتداء على البيئة يخرب التوازن الذي أودعه الله فيها، وبدأ البشر يعاني من تغول الإنسان على البيئة وما تخلقه من كوارث بيئية، ويعتدي على الزرع بطريقة تضر بحياته وينزع ذلك الغطاء الأخضر الذي خلقه الله لنتنفس من خلاله، ويعتدي على الحيوان بطريقة همجية.

إن الدين وحق اختيار الدين، جزء من حقوق البشر ولا يحق لأحد الاعتداء عليها، ما دامت لا تعتدي ولا تخدش بعقائد المحيط الذي يعيش فيه أو يمس عقائد الآخرين، وهذا الحق يتطلب صيانته.

فحق الاعتقاد أو التدين هو حق من حقوق الإنسان في أن يعتقد ما يراه صحيحاً، وما يختاره هو ولا يحق لأحد إجباره وإكراهه على اعتناق ما يخالف ما تمليه عليه اعتقاداته وقناعاته، وألا يتم إجباره على القيام بعبادة لا يؤمن بها أو عمل يتناقض مع ضميره، وتأبى طبيعته أن يؤخذ أو يطاع قهراً وكرهاً، أو أن يمارس سلوكاً لا يتسق ولا ينسجم مع ما يُمليه عليه اعتقاده ووجدانه.

"لا إكراه في الدين"، هو منهج لحياة البشر، ولا يمكن أن تستقيم الحياة مع الإكراه في المعتقد والأفكار؛ لأنها قناعات وإيمان ولا يمكن أن يفرض بالقوة.

الحديث عن آية "لا إكراه في الدين" بأنها منسوخة، هي محاولة للتسلط اللاهوتي ولا تتناسب مع سياقات قرآنية عديدة توحي بأن موضوعة الدين متروكة للبشر، ليقرّروا وليس للعصا وللقهر والأمر بالنهاية هو شأن بين الإنسان وخالقه.

نستغرب كثيراً أن هناك جهدًا فقهياً ابتدعه البعض في توسيع موضوعة النسخ، والتي أخذت حيّزاً ليس قليلاً من جهد بعض الفقهاء، والتي أسقطت ونسفت ونسخت أساسيات وقواعد سلوك المسلم، والتي يعاد تكرارها من الله ومن أدبيات الكتاب، فمثلا نسخت الآيات التي تتحدث عن الجدال بالتي هي أحسن، والتي ترسخ قيم الخلق القويم والتعايش مع المختلف في الدين، والأمر بالصفح والعفو، والسلم كافة، وعدم التعرض لأتباع الأديان الأخرى، وترك الأمر للخالق الذي هو بيده الحساب، وهو الذي يعلم ما في الصدور، كل ذلك يتم نسخه ليستبدل بآية السيف.

وبالاطلاع على كتاب "نواسخ القرآن" للعلامة "ابن الجوزي"، تحقيق ودراسة د. محمد أشرف علي الملباري، ط 2، 2003 من منشورات الجامعة الإسلامية ص 644، تلاحظ أن آيات تشكل معالم التعامل القرآني وخُلق القرآن في معاملة الآخرين، قد نسخت كلها إلى آية: "قاتلوا المشركين حيث وجدتموهم" وهي: يسئلونك عن الشهر الحرام...، "فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره"، "فاعرض عنهم وتوكل على الله"، "إلاّ الذين يصلون إلى قوم"، "يأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ...."، "وإذا رأيت الذين يخوضون"، "فاصفح الصفح الجميل"، و"أعرض عن المشركين"، "وجادلهم بالتي أحسن"، "فاعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون"، "وما أنت عليهم بوكيل"، "فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون"، "قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله"، "وما أنت عليهم بجبار..."، "تول عنهم فما أنت بملوم"، "فاعرض عمن تولى عن ذكرنا"، "إذا جاءك المؤمنات مهاجرات"، "فاصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا".

وإن الإمام هبة الله بن سلامة الضرير (ت 410 ه) ثبت مائة وأربع وعشرين آية منسوخة بآية السيف فقط وعدد الآيات المنسوخة بلغت 234 آية.

أما محمد بن حزم الأنصاري(ت320ه) عنده 214 آية منسوخة

وعند أبي جعفر النحاس (ت 338ه) 134 آية

وعند عبد القاهر البغدادي (ت429ه) 66 آية

وأحصى ابن الجوزي (ت 579ه) في كتابه 247 آية

وعلى الرغم من الاختلاف في موضوع الناسخ والمنسوخ، وهو أمرٌ يشكل قضية ومشكلة أكبر في تبيان حقيقة أن الآراء والفتاوى المتأخرة التي ذكرت عبر التأريخ عموماً، كانت مرتبطة بظروفها وسياقاتها التأريخية وفهم وثقافة الفقيه أو المفسر أو المتكلم، وما يرافقها من كل الظروف الموضوعية، وبالتالي لم يعد لها وجود بانتفاء وانقضاء تلك الظروف، فهناك تلازم بينها وبين ظروفها.

ما يهمنا من تناولنا لهذا الأمر، ليس الدخول في مماحكات وقدح في الرواة، فهذا ليس هدف البحث، وإنما ما يهمنا منه هو انعكاس هذا الفهم على واقعنا المعاصر، وتأثير تلك الآراء التي حكمتها وأنتجتها ظروفها، وهي بالنتيجة منتج بشري له ماله وعليه ما عليه، لكنها شكلت رصيداً لثقافة العنف والقتل الذي نئن ونتوجع منه الآن، ونغمض جميعاً عيوننا عن جذوره وأصوله الفكرية والعقائدية. هذا النوع من النتاج البشري يحتاج لشجاعة وجرأة لمقاربته والتعامل معه، وأقل ما يقال عنه هو تفسيرات قصّرت كثيراً عن فهم النصوص وروح الإيمان الذي جعله الله ملاذا للروح لتتطهر به من دنس التراب، وما يثير الاستغراب أنه لماذا تم اكتشاف هذا الكم من الآيات المنسوخة في القرن الرابع أو الخامس، ولماذا لا يجتهد البعض ليوقف ويعطل ذلك الفهم؟ ولماذا يبقى الجميع أسرى فهم ورأي كان قبل 1000 عام؟

لا يمكن فهم الدين على صورته الحقيقية، مالم يتم تحريره مما علق به من تفسيرات بشرية أخرجت الدين من ساحة عمله الحقيقية، وهو هداية البشر وقمع نزعات الشر فيه. وهناك حاجة لمراجعات صريحة تطلقها المؤسسات الدينية الحريصة على الدين وعلى الإنسان، ومما اطلعت عليه الموقف الشجاع الذي ثبته الشيخ محمد الغزالي (1917-1996) في كتابه "كيف نتعامل مع القرآن"، حيث قال: "والزعم بأن 120 آية من آيات الدعوة نسخت بآية السيف حماقة غريبة دلّت على أن الجماهير المسلمة في أيام التخلف العقلي أو العلمي في حضارتنا جهلوا القرآن، ونسوا بهذا الجهل كيف يدعون إلى الله..... ولعل هذا من أسباب فشل الدعوة الإسلامية ووقوف هذه الدعوة في أيام كثيرة عن أداء رسالتها، ظُنَّ أنّ السيف هو الذي يؤدي واجب التبليغ، وهذا باطل باتفاق العقلاء. فقصة النسخ، أو الحكم بتحنيط بعض الآيات، فهي موجودة ولكن لا تعمل، قولٌ باطل، فليس في القرآن أبداً آية يمكن أن يقال إنها عطلت عن العمل وحكم عليها بالموت، هذا باطل، كل آية يمكن أن تعمل".[11]

إن الاحتكام لفهم السلف للدين وآثاره هو تحميل للدين حمولة قاتلة، فلا يمكن أن ينعكس سلوك الدين بمفردات القتل والقتال لتأسيس لاهوت القتل، في وقت إن الله هو الرحمة المطلقة، والتي وسعت رحمته كل شيء وكتب على نفسه الرحمة وأرسل رسوله رحمة للعالمين، وليس للمسلمين فقط بما يؤسس للاهوت الرحمة، والتي تنعكس آثارها بعلاقات إنسانية صادقة وعلاقة واعية مع الله، لتنعكس تلك الرحمة في التعامل مع الآخر القريب والبعيد، ولتنعكس أيضا الصفات التي وصف الله بها نفسه، والتي بالنهاية يجب أن يحاكيها الإنسان، فالله هو العفو وأمر بالعفو، وهو الرحيم وأمر بالرحمة، وهكذا كل باقي الصفات القابلة للتمثل في البشر عدا تلك التي هي من صفات الذات الإلهية.

البعد الأخلاقي في الدين يمثل مساحة كبيرة، ويشغل حيزًا واسعًا في حياة البشر ومنه ينطلق الإيمان، والمشكلة نشأت من سيطرة المدونات الفقهية والأحكام والتفسيرات البشرية على البعد الأخلاقي، وبالتالي لم يعد الدين كما هو رسالة من السماء، بل تحول إلى منهج أرضي تطغى فيه الأحكام على البعد العقائدي والأخلاقي الذي يشكل الدائرة الكبرى التي تضم من هو غير مؤمن بالدين؛ لأن الإيمان والمنطق والبعد الأخلاقي في الدين يستوعب الآخر المخالف دينيا، بينما الفقه ومدوناته البشرية تقلص الدائرة، وتطرد منها المخالف لحدود خانقة للبعد الأخلاقي والإيمان.

المدونات الفقهية تمددت كثيراً وتجاوزت حدودها في التفسير، منذ أن أصبحت مطاوعة وسهلة الانقياد للحاكم ونظرية الحكم، وعندما استخدم الدين وتفرعاته ومذاهبه في الصراع السياسي والدولي، وكذلك في تأسيس فقه معادي للآخر يتحول معه إلى سلوك وتعامل يومي في التكفير، بل تكفير مجتمعات ووصفها بالجاهلية، وكذلك تم توظيفها بسهولة من قبل الجماعات الإسلامية في تفسيراتها المؤدلجة للدين ولوي الكثير من النصوص والمجموعات التي امتهنت القتل وفقه العنف والقتل، والتي تستند على تفسيرات في كتب التراث والفقه وفتاوى القتل التي تزخر بها تفسيرات وآراء بعض السلف، وتلك تحتاج لمراجعة هادئة بعيداً عن التخوين والتخندق والدفاع عن فقه أنتج هذا العنف وهذا السلوك الشائن.

الله تعالى جل جلاله ترك للإنسان حرية الإيمان في هذه الدنيا وحساب الآخرة عنده فقط "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، فهل يحق بعد ذلك أو يستقيم أن يتصدى شخص أو جماعة لفرض فكر ومعتقد معين.

لم يستخدم رسول الإسلام سلطته لتحديد وفرض علاقة بين الإنسان وخالقه، بل كان مبشراً ونذيراً ومبلغاً ويدعو الناس للدين الذي يبشر به، ولا يُكره أحداً على الإيمان، بل كان يُدخل من يتلفظ ولو لفظاً بالشهادتين في أن تُصان حياته وكل ممتلكاته، ويشهد التأريخ القديم والحديث بأن أية محاولة لفرض معتقد سماوي أو أرضي لا يجدي ولا ينتج. من غير المنطقي والعقلي تعزيز المساءلة والمحاسبة والالتزام بممارسة حياة أخلاقية تحوي معاني التعايش والتثاقف دون أن تلازمها حرية المعتقد وتحررها من وسائل الإكراه.

بينما نلاحظ أن هناك اتجاهاً قوياً عند بعض اللاهوتيين في منع قسري أي شكل من اختيار المعتقد الآخر، والذي أدى إلى استخدام غاشم للقوة لحصر الأتباع بعقيدة واحدة، هذه الظاهرة تجلت وانعكست على العلاقات بين الأديان، وحتى داخل الدين الواحد، والذي انعكس في الصراع بين حركة الإصلاح الديني والكنيسة، وكذلك بين البروتستانت والكاثوليك، وكذلك عند بعض المسلمين، فبينما كان المسلمون يعاملون جماعات دينية أخرى بتسامحٍ نسبيٍّ، إلاَّ أنهم غالبًا ما كانوا يُعامِلون المختلفين فكرياً أو مذهبياً من ضمن دينهم بقسوة شديدة، والتي نشأت معها الاتهامات بالزندقة والكفر، ونتجت عنها فتاوى القتل التي طالت حتى الذي يترك فرضاً من الصلاة.

الأساليب القهرية، سواء بالسوط أو بالفكر أو التكفير أو بالعزل هي ليست فقط غير مجدية وغير منتجة، بل هي خلاف سنة الكون، ولا يمكن تصور أنه يمكن تطويع كل البشر على اعتناق دين واحد وعقيدة واحدة، وهي ليست من السنن الإلهية، "وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَٰاحِدَةً" المائدة: 48. وبالتالي، يتطلب ذلك احترام الآخر المختلف عنّا في الدين، والذي يسلك ذات الأفق الإلهي، لكنه من طريق مختلف، حيث يتعلق بالحق المطلق. إذا أدركنا أن جوهر الدين يقوم على بحث الإنسان عن حقيقةٍ عظمى وراء هذا الوجود، ويشعر بشوق إلى بلوغها وإرضائها، فإنه ليس لأتباع دين بعينه ادعاء أن دينهم يحتكر تلك الحقيقة دون غيرهم من أتباع الأديان. وإذا كان أساس التديّن هو اعتقاد داخلي وذاتي في النفس البشرية، ويمثّل حاجة للفرد بذاته، فإنّ أي مؤمن بدين أو عقيدة من حقه الوصول للحقيقة، وإنّ اختلاف الطرق والمسالك للغاية الدينية لا يعني عدم التقائها جميعاً في النهايات العظمى والمقاصد الكبرى، وبناء على ذلك، فإن الاتفاق بين الأديان وقبول المختلف أمرٌ حتمي مع كل الاختلافات والتباينات في الطقوس والشعائر والتمثلات التعبدية التي تهدف للوصول للمعنى لارتواء الروح بالمقدس.

على أن الاختلاف في تلك التمثلات لا يمنع من الالتقاء بالمشترك، أو ما يعبر عنها القرآن ب الكلمة السواء التي تلتقي في الغايات والنهايات مع اختلاف الوسائل؛ فالاختلاف في الرؤية ليسوع المسيح بين المسلمين والمسيحيين لا يستوجب الاختلاف في حقيقة وجود المسيح ومحبته، وأنه نبيّ الله وكلمته وما جاء به من هداية ونور، وانتظار عودته ليستكمل ما أُمر به. وهذا يحقق الخروج من الجدل والتنافر والتخاصم بين أكبر معتقدين على الأرض.

أرجو ألا يفهم من كلامي بأن الإيمان والحق الذي أتحدث عنه، يعني أن لكل شخص تمثلاته العبادية الخاصة به، بل أعني أن لكل دين طريقة للوصول إلى الله الذي هو بيده الحساب، وهو يطلع على السرائر. والإيمان دون عبادة هو أمرٌ لا معنى له، حيث إن العبادات هي أساس الإيمان وهي كالماء للحياة، وقولُ البعض بأنه مؤمن ولا يصلي أو لا يحضر قداساً، فهو خداع لذاته ولا معنى له.

الله هو الرحمة المطلقة وهو المحبة وفي كل الأديان، ولا يمكن أن نتصور أن الله باختياره لأمة لتبلغ برسالة معينة كاليهود الذين أمرهم الله بتبليغ تعاليمه، أو المسيحيين أو المسلمين الذين وصفهم الله بأنهم خير أمة أخرجت للناس، لا يمكن أن نتصور أن الله أعطاهم سوطاً ليجلدوا به الآخرين، أو ليتعالوا عليهم أو ليستعبدوهم كأغيار، وأنهم شعب الله المختار فقط. الدور الممنوح لأية أمة هو سلوك وممارسة حياتية تعكس رحمة الله وتعكس حب الله، وتعكس كل القيم التي وصفها الله لنفسه، وعندما تنتزع كل هذه القيم، فلن تعود لأية أمة ميزة خاصة، وما تمارسه إسرائيل في حق الفلسطينيين لا يمكن تفسيره أو تبريره، وهو خارج عن كل قيمة دينية أو أرضية. وما تمارسه الجماعات الإرهابية مثل داعش لا علاقة له بالدين، وإنما هي لوثة فكرية نبتت من جذور فقه القتل والتكفير والإلغاء.

الله الذي كتب على نفسه الرحمة، وبهذه الصفة يريد من عباده أن يتصفوا بهذه الرحمة، لتنعكس في سلوكهم مع محيطهم ومع الموجودات، لن يسمح الله بتعذيب وقهر الحيوان الأعجمي؛ لأنه مخالف للرحمة، ولأنه عطية من الله، فكيف يقبل الله أن يتم قهر البشر باسمه؟ التدين بأي دين والإيمان الفطري لا يخلق عداوة بين البشر، وهو القاعدة وما عداه هو الانحراف، ولا يهم أن يكون هذا الانحراف هو الطاغي، وهو الأكثر وهو الأعلى صوتاً في عالم اليوم، ولا يمكن للفطرة السليمة، إلاّ أن تكون منسجمة مع الدين وتعرف الله بوسائلها وبطريقتها وبحسها وبعفويتها وببساطتها، وهذا أجمل إيمان وأحسب أنه يرتقي كثيراً فوق التنظير.

ما تقوم به بعض جماعات الإسلام السياسي أو أدعياء الدين، والذين حاولوا إخراج الدين عن وظائفه الحقيقية في الحياة، وتشويه صورته الجميلة التي تكتنز الجمال والمحبة والسلام والرحمة للجميع، وتضييق الخناق عليه وحصره بهم وبما ينادون به من أفكار تختص بهم وبفهمهم وبتفسيرهم وبرؤيتهم وبما تعلموه وتلقنوه من أفكار وتعليمات وتوجيهات وحرفوا مساراته ليس خدمة للدين كما يدعون، بل لمصالح حزبية أو طائفية أو عرقية، وأدخلوه في معارك وخصومات وحروب وتفتت وتفرقة وتمييز في المجتمع البشري، حيث تم نزع صور المحبة وثقافة قبول الآخر من ذلك السلوك، وبعض منهم استخدم الدين أداة ووسيلة للتدمير والقتل والإبادة وحرب باسم الصليب، وما تقوم به الجماعات الإرهابية من إزهاق للأرواح وقطع الرؤوس لا يمكن نسبتها إلى الدين، وإن كانت بعض المدونات الفقهية تحتوي على ما يسمى بفقه القتل، فليس المشكلة في أصل الدين، وإنما هناك لوثة في النفوس تنتج هذا السلوك الشائن، وكذلك الديمقراطية أو القيم الأخرى التي أسيء استخدامها عكس مقاصدها.

مما يؤسف له، أن الدين خلال العقود الأخيرة وبالذات الإسلام كأنه تم حصره بوظيفة سياسية، وهو إقامة دولة دينية منذ أن طرح شعار "الإسلام هو الحل" وتراجعت الكثير من القيم التي ينادي بها الدين في تهذيب البشر وتراحمهم وكل القيم التي أرساها الكتاب الكريم، ومن إفرازات هذا التصور وهذا الفهم الذي لا يَمّت لأي دين بأية صلة، نشأت مدونات كلامية تبرر القتل وتستسهله، وتفتي فتاوى عجيبة في الترويج للعنف وإلغاء الآخر، تستحضرني هنا قصة وقعت معي في المسجد النبوي في المدينة المنورة وفي الروضة الشريفة التي يحرص من يزور المسجد النبوي أن يصلي فيها، ولكثرة الزحام والتدافع خصوصا مع اقتراب موسم الحج، فترى أن هناك تسابقاً للحصول على مكان للصلاة، وحدث أن مرّ أحد الأشخاص أمامنا، ونحن نهم بالصلاة، فما كان من الشخص الذي يقف بجانبي أن دفعه دفعة عنيفة أطاحت به على الأرض، ونشأ ما يقرب من الشجار، فتدخلتُ لفض النزاع قبل أن ينشب في مكان يفترض أن يكون من يأوي إليه وديعاً، واستنكرت الطريقة التي مارسها المعتدي، فانبرى يعلمني حديثاً بأنه يحق له أن يقتله؛ لأنه فقط قطع من أمامه، فهالني ما رأيت وما سمعت بأن له رخصة بأن يقتل مسلماً جاء للصلاة في مكان شريف عند نبي الرحمة، وعند رجوعي لتلك الفتوى، رأيت عجباً، فقد وجدت في صحيح البخاري ص 131 المخطوطة الأصلية: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، وأراد البعض أن يُلطّف من هذا القول بأن قال ليس المفهوم القتل بمعنى سفك دمه، بل بمعنى أن يدفعه، بينما تحتوي العربية على مفردات غنية لشرح المقصود من ذلك بدل استخدام كلمة القتل، هذا إذا افترضنا بصحة الحديث وصحة السند والنقل، وقرأت أكثر من ذلك عن فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يفتي بالقتل على كل من يمتنع عن الصلاة، ويوسع من قضية القتل بما أسس فقه القتل.

هذا الفهم والتفسيرات التي رَوجّت للقتل لا يمكن تصورها تنبع من دين عنوانه السلام ونبيّ بعثه الله رحمة، وهذا جزء من أزمة لازمت الفهم للدين، وتركت أثرا كبيرا في حياة المسلمين وتأريخهم، ونشأت منها موجات من التكفير والإلغاء لكل من لا يلتزم بقوالب وضعها بشر أو دين التأريخ وليس دين الرسالة، وحتى من يقتل خطأ نتيجة خطأ الحكم، فهو كفارة له ويعجل به للجنة، وهذا الفهم أنتج مجموعات تحاكي هذه الفتاوى، وتمتثل لها وتتخذها منهجاً ونشوء مجموعات القتل من منظمة القاعدة وداعش ومشتقاتها، والتي تعكزت على فتاوى القتل التي حققت لها بعضا من تبريراتها.

الآن وسط هذا التطور الذي فاق كل التصورات وكل التوقعات واجتياح هذا التطور الرقمي في حياة البشر وانتشار وسائل التواصل فيه التي لم يعد يحدها حد أو رادع، وما نحن مقبلون عليه من قفزات وطفرات تطور، أصبح لزاماً أن يُعاد النظر في كل هذه المدونات لتهذيبها، مما علق فيها من أفكار لا تعكس صورة الدين الحقيقي، دين الله الحقيقي الذي كرم البشر "ولقد كرمنا بني آدم" (الإسراء: 70)، كل بني آدم وليست فئة أو عرق أو دين، فلم تعد هذه الأجيال تقبل تلك الأفكار التي تتنافى وقيم البشر، فكيف يمكن نسبتها إلى قيم السماء، ومع الثورة الرقمية وانتشارها وتطور المناداة بحقوق الإنسان وحرياته، لم يعد ممكنا للنشء الجديد أن يقبل تلك القوالب المحنطة التي تبيح القتل لمجرد ترك الصلاة، أو المرور أمام مصلٍّ.

لابد أن يكون هناك جهد يتحرر من ضغوط التراث وتقديس أشخاص أعطوا رأياً قبل قرون تحت ذريعة أنهم من التابعين أو السلف الصالح. تصحيح آراء ذلك السلف الصالح لا يقدح فيهم وبما أنتجوه، فنتاجهم كان من فهم خاص بهم وبظروف وسياقات زمنية ومكانية حاكمة على بعضٍ منهم، وليس بالضرورة أن يبقى لنهاية الدنيا حاكما وناظماً. أقول غربلة التراث والمدونات الفقهية أصبحت الآن ضرورة عليا لتنزيه التراث ونزع شرعية من يستند عليه ويستخدمه منهجا للقتل والإلغاء والتكفير، بالإضافة إلى عرضه بصورته الناصعة للمؤمنين به وللآخرين.

كانت هناك حركة وجهد لمراجعة التأريخ وإعادة قراءته بصورة تتطابق وفطرة الإنسان والسلوك البشري السوي، لكنها لم تفض إلى شيء، ولم ينتج عنها مخرجات تعالج هذه الإشكاليات، وهي أصلاً كانت محاولات متواضعة وخجولة وفردية سرعان ما توارت وسط ضجيج الصراخ والعويل والبكاء على الأطلال.

توظيف العنف الديني سياسياً، هو أكبر خطر يواجه الأديان ويواجه البشر، وهو تحدي العصر، والمطلوب قرار شجاع وجريء جمعي من حواضر مهمة، مثل الأزهر والنجف والزيتونة ومكة وقم، أن تنطلق بصوت موحد تحرر الدين مما علق به من تفسيرات من فقه القتل والإلغاء والتكفير، وهذا تمني يقف حائلا أمامه قرار سياسي ليس بيد هذه الحواضر، وسنبقى وسيبقى العالم أسيراً يواجه هذه الشرور.

[1]- كاتب وسياسي عراقي، سفير العراق في مسقط.

[2] علي شريعتي، الدين ضد الدين، ترجمة حيدر مجيد، مؤسسة العطار الثقافية ط 1، 2007 ص 56

[3] هبة الشريف، ديني ودين الناس، العربي للنشر والتوزيع ص 239 ط 2017

[4] علي شريعتي، الدين ضد الدين بتصرف، ترجمة حيدر مجيد، مؤسسة العطار الثقافية ط 1، 2007 ص 50

[5] عبد الجبار الرفاعي، الدين والظمأ الأنطولوجي مركز دراسات فلسفة الدين بغداد ط 2019، ص 152

[6] مصدر سابق

[7] addiyar.com/article/1649143-الميلاد ليتك-تشق السماوات-وتنزل

[8]-الرفاعي بتصرف

[9] www.dar-alifta.org/ar/ViewFatwa.aspx?ID=13901

[10] كتاب نزهة المجالس ومنتخب النفائس عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري، المطبعة الكاستلية - مصر 1283هـ، ص 210

[11] محمد الغزالي، كيف نتعامل مع القرآن في مدارسة اجراها الأستاذ/ عمر عبيد حسنه ط72005، شركة نهضة مصر، ص 84