أحلام الخليفة: الأحلام وتعبيرها في الثّقافة الإسلاميّة


فئة :  قراءات في كتب

أحلام الخليفة: الأحلام وتعبيرها في الثّقافة الإسلاميّة

قراءة في كتاب "أحلام الخليفة: الأحلام وتعبيرها في الثّقافة الإسلاميّة"

 لـ: آنّا ماري شيمّل


يُعتبر علم الأحلام أحد العلوم المهمّة التي شغلت الخاصّة والعامّة، وقد كان محطّ أنظار الباحثين والدّارسين، "وذلك لأنّه متعدّد النّواحي، فهو متّصل بالنّفس الإنسانيّة وقواها ومظاهر حياتها، ومتّصل بالوجود ومراتبه، ومتّصل كذلك بالوحي والإلهام ومظاهر النبوّة عامّة"[1].

ثم إنّ ارتباط الأحلام بمكوّنات الحياة الاجتماعيّة والثّقافيّة والعقائديّة جعلها تحظى باهتمام خاصّ لدى العديد من الدّارسين، كما جعل منها أرضيّة خصبة للبحث، ومنْفذاً لفهم التّراث العربي والإسلامي، وفي هذا السّياق صدر كتاب "أحلام الخليفة: الأحلام وتعبيرها في الثّقافة الإسلاميّة" عن دار الجمل، كولونيا (ألمانيا) سنة خمس وألفين (2005) وهو أحد أهمّ كتب الباحثة الألمانيّة "أنّا ماري شيمل Annemarie Schimmel" (1922- 2003) وهي من بين المستشرقين المُهتمّين بدراسة تراث الفكر الإسلامي. وقد دفعها شغفها ورغبتها في اكتشاف الحضارة الإسلاميّة إلى تعلّم اللّغات المشرقية كالعربيّة والفارسيّة والتركيّة… فاهتمّت بدراسة الحياة الفكريّة والرّوحيّة للإسلام.

تحصّلت على درجة الدّكتوراه في الاستشراق من قسم اللّغة العربيّة والدّراسات الإسلاميّة في جامعة برلين (سنة 1941)، ثمّ على الأستاذيّة وعلى درجة دكتوراه ثانية.

شغلت العديد من المناصب، فعملت مترجمة بوزارة الخارجيّة الألمانية، وقد ترجمت مقاطع من مقدّمة ابن خلدون، وشغلت مناصب جامعيّة عديدة، فدرّست في جامعة ماربورغ ثم في كليّة الإلهيّات بجامعة أنقرة، كما شغلت كرسي الثّقافة الهندو-إسلاميّة في جامعة هارفارد.

ساهمت في الإشراف على إصدار "مجلّة فكر وفنّ"، وقدّمت من خلالها أشعاراً لمجموعة من الشعراء العرب، ومنهم: بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، ونزار قباني، ومحمود درويش، وأدونيس، وغيرهم.

لها العديد من الأعمال نذكر من بينها:

* الشمس المنتصرة: دراسة آثار الشّاعر الإسلامي الكبير جلال الدّين الرّومي.

* وأنّ محمداً رسول الله: تبجيل النّبي في الدّين الإسلامي.

* أحلام الخليفة، الأحلام وتعبيرها في الثّقافة الإسلاميّة.

* الأبعاد الصّوفيّة في الإسلام وتاريخ التّصوف.

* أسرار العشق المبدع في كتابات محمد إقبال.

* رمزية الحروف في المصادر الصوفية.

* الشّرق والغرب: حياتي الغرب ـ شرقيّة.

* الجميل والمقدّس في الإسلام.

* نموذج مشرق للاستشراق.

* عنادل تحت الثّلج.

أحرزت عدداً من الجوائز والأوسمة لعلّ أهمّها:

*جائزة فردريش ركارت.

* وسام القائد الأعظم لجمهورية باكستان.

* وسام الاستحقاق الألماني من الدرجة الأولى.

* جائزة المكتبات للسلام.

* وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من مصر.

انطلقت الباحثة أنّا ماري شيمل في كتابها أحلام الخليفة، الأحلام وتعبيرها في الثّقافة الإسلاميّة من مقولة: "النّاس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"، فكانت هذه الكلمات بمثابة القادح الذي دفعها للبحث والتقصّي والتأمّل في موضوع الحلم الذي استهواها واستأثر بوجدانها.

والحلم مكوّن أساسي من مكوّنات الثّقافة الإسلاميّة، "فأوّل ما بُدئ به رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم، فكان لا يرى رُؤيا إلاّ جاءت مثل فلقِ الصُّبح"،[2] ومن هذا المنطلق حظيت الظّاهرة المناميّة باهتمام كبير في الثقافة العربيّة الإسلاميّة وفي اللاّوعي الإسلامي، ممّا جعلها أُسّاً من أسُس التّشريع في الدّين ورافداً من روافد التلقي الغيبي.

قسّمت الباحثة عملها إلى عشرة أبواب على النحو التالي:

رقم الباب عدد الفصول عدد الصّفحات
1 4 37
2 15 75
3 10 58
4 3 21
5 4 47
6 4 31
7 7 52
8 13 56
9 7 45
10 6 41

عملت في الباب الأوّل على إبراز المكانة الهامّة للأحلام في ثقافة المسلمين فقد احتلّت، حسب قولها، "مساحة شاسعة ليس على مستوى تجسيدها لحقائق ما فحسب، بل أيضاً لارتباطها بمعطيات أخرى كالأعراف والتّقاليد أو حِكم من التّراث الشعبي وذاكرته، التي تتطلّب صبر قارئها لفك طلاسمها"[3]. كما عملت على بيان الأدوار المختلفة التي تقوم بها الأحلام مثل البشرى، والهداية، والعظة، وإزالة الغموض، وكشف حجب المستقبل، ومعالجة هموم الحياة اليوميّة وغيرها.

كما اهتمّت في هذا القسم من الكتاب بالحديث عن الرّؤى في علاقتها بالنص القرآني وبالنّبي محمّد، ثم أخذت في سرد بعض قصص الأحلام، فمنها التي حدثت قبل مولد النّبي والتي بشّرت بمقدمه، ومنها رؤى ما بعد البعثة، وقد كان لها أدوار مهمّة في حياته، تنبّئيّة حيناً وتبشيريّة أحياناً، فتكون بذلك "بمثابة الوسيط بين الإنسان وعالم الغيبيّات، ولهذا أصبحت عمليّة تعبيرها من أشرف العلوم"[4].

ومن هنا اختارت صاحبة الأثر أن تختم هذا الباب من الكتاب بالحديث عن ماهية الحلم ومعناه، معتمدة في ذلك آراء بعض المفكّرين الذين أقرّوا بالعلاقة الوطيدة بين النّوم والموت، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، مستندين في ذلك إلى قول الله في سورة الزمر "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُت فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ التِي قَضَى عَلَيْهَا المَوت وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى"[5] كما تقوم بعرض آراء بعض الفلاسفة، في هذه المسألة، مثل الكندي والفارابي وابن سينا، ومن هنا تحيلنا إلى مسألة العلاقة الجدليّة بين الحلم والوحي.

أمّا الباب الثّاني، وهو أطول أبواب الكتاب، فقد جعلته للحديث عن العلاقة بين النّوم والرّؤيا وعن أنواع الرّؤى ومسمّياتها وبعض أشكالها وعن أوقاتها، حيث ترتبط الأحلام بأوقات تجعلها مفضّلة بعضها على بعض، فالقيلولة أفضل أوقات النّهار الذي تكون فيه الرّؤيا أصدق من غيرها، كذلك فإنّ "الوقت الذي تكتسي فيه الأشجار بالورق يُعدّ من أفضل أوقات السّنة التي تحدث فيها الرّؤيا الصّالحة"[6]. ثم تطنب الباحثة في ذكر أنواع الرّؤى، فمنها "الصّادقة" ومنها "الباطلة"، وكلتاهما تتفرّع إلى أقسام، وهي على النّحو التاّلي:

 أنواع الرّؤى

الرّؤيا الصّادقة وهي "جُزء من ستّة وأربعين جزءاً من النّبوة"[7]

1- رؤى الأمر

2- رؤى النهي

3- رؤى البشرى

4- رؤى التحذير

الرّؤيا الباطلة

1- الأحلام الناتجة عن أمنيات النفس

2- الرّؤى التحذيريّة

3- الأحلام التي تنتج عن تخمة الأكل

4- الأحلام التي توجب الغسل وهي التي تُعرف بالاحتلام

5- الأحلام التي فيها تهديد وتخويف وتهويل

6- أحلام تريها طباع الإنسان الأربعة

7- رؤية الملائكة يأتون عملاً ماجناً، أو إمام من أئمة الإسلام يخون الدين

كما أنّ الأحلام تخضع أيضاً إلى تصنيفات موضوعيّة، أي حسب موضوعها، حيث تذهب الكاتبة إلى أنّ أفضل الرّؤى وأعظمها تلك التي "ترتبط بالمناسبات الدّينيّة كرؤيا ليالي الجمع والأعياد"[8].

ومصدر الرّؤى راجع إلى أنّ لهذه الأحلام ملكاً موكّلاً بها، ومن بين أسمائه "بشرائيل" "روحائيل"، كما يمكن أن تُعزى إلى شخصيّات أخرى، ممثّلة في شخص النّبي وعلي بن أبي طالب، أمّا عن المتصوّفة فهم غالباً ما يتلقّون مناماتهم عن طريق مشايخهم.

تعرّضت أيضاً في هذا القسم من الكتاب إلى أهميّة تفسير الأحلام والمناهج المتّبعة في ذلك، وإلى ذكر بعض المفسّرين والعلاقة بين صاحب الرّؤيا ومفسّرها، ودلالة بعض الظواهر الطبيعية كالشمس والقمر والنجوم والنّار والماء وبعض الأطعمة والكائنات الحيّة، الحيوانيّة والنباتيّة، كما لم تغفل الباحثة عن ذكر دلالات بعض أعضاء جسم الإنسان في المنام، "فكلّ ما ينتمي إلى جسم الإنسان فمعناه حسن إلاّ الدّم والمِرّة والبلغم"[9]. فأمّا "اليد" في المنام فمعناها الأخوات وترمز "الأصابع" إلى الأولاد، أمّا "الأسنان" فترتبط دلالتها بالأبوين، وأمّا "الشّعر" فيتعلّق بموضوع الشّرف والعزّة والحياء، ودلالة "الأنف" وما يرمز به من رفعة المكانة أو انحطاطها.. كذلك هناك في الكتاب إشارات خاطفة إلى معاني "الأعضاء التناسليّة" وإفرازاتها كالبراز والحيض والبول.

تناولت كذلك دلالات بعض الألوان وأبرزها: اللّون "الأبيض" الذي يرمز إلى الطّهارة والنّقاء، واللّون "الأخضر" وهو مرتبط في دلالته بالجنّة والسّعادة الأبديّة، أمّا اللّون "الأحمر" فهو مرتبط بالدم وما يحيل عليه من الآلام والهموم تارة، وبالبهجة والفرح تارة أخرى.

ثمّ كانت خاتمة هذا الباب بسرد بعض النّماذج من التّفسيرات التّركيّة للأحلام المعاصرة من قبيل رؤيا العُملة المعدنيّة، رجل الشّرطة، ماكينة الحلاقة، التّاكسي، الأوتوبيس، السكّة الحديديّة، الهاتف، ...إلى غير ذلك.

أمّا في الباب الثّاّلث فتبيّن من خلاله المؤلفة كيف يمكن أن تكون الأحلام عالماً بديلاً عن الواقع، فكلّ ما يشعر به المرء من آلام في الأحلام قد يكون إعفاء له وبديلاً عن الواقع، كما تلفت أنظار القارئ إلى الوظائف المتعددة للرؤى والمنامات، من قبيل استعمال آليّة الأحلام كوسيلة لتحقيق أهداف ذاتيّة ولإضفاء الشّرعيّة والمصداقيّة على فعل ما، مثل "تبرئة إنسان من تهمة ما أو إلغاء منسك من المناسك أو إقرار آخر"[10]. كذلك، تبين السيدة شيمل من خلال ما تسوقه من أمثلة مختلفة ومتنوعة أنّ الأحلام يمكن أن تكون وسيلة للهروب من العقاب والإفلات من المحاسبة، فردّ فعل ما مهما كانت بشاعته إلى عالم الأحلام العالم اللاّواعي للإنسان، يعفيه من المسؤوليّة تجاه ذنب اقترفه أو إثم ارتكبه، فلا أحد يُحَاسَب على أحلامه. كما تتعرّض الباحثة إلى الوظيفة التّعليميّة للأحلام إذ أنها تساهم في "تزويد الإنسان بمعلومات عن القضايا الدّينيّة والدّنيويّة"[11]. وتساهم المنامات في إيجاد الحلول لبعض معضلات المسائل التعبديّة، وتعليم الإنسان الحكمة، وتعمل على تقويم سلوكه وتوجيهه نحو الأصوب، وتدفعه إلى الإبداع الأدبي عن طريق الإلهام والوحي في المنام.

تلعب الأحلام أيضاً دور الإرشاد والهداية واتّباع الدّين الإسلامي والتحول من حال الكفر إلى الإيمان والعدول عن مواقف وآراء ومذاهب واستبدالها بأخرى. كما أنّ فضل الأحلام يكمن في تحديد الحالة الصحيّة أو المرضيّة للإنسان، من ذلك أنّ الأطباء أخذوا يستعينون بالأحلام في كشوفاتهم، والاستعانة ببعض العلامات التي تظهر للرّائي في المنام يمكّن الطّبيب من تحديد نوع المرض ومن ثمّة البدء بتحديد العلاج.

وتشير صاحبة الأثر، في ختام هذا الباب، إلى أنّ الأحلام قد تتأثّر بنوعيّة الطّعام الذي يتناوله الرّائي، فالإفراط في تناول الفُول أو الثّوم تنتج عنه أحلام مزعجة تُصنّف تحت ما يُصطلح عليه "بأضغاث الأحلام".

أمّا الباب الرّابع، وهو أقصر أبواب الكتاب، فقد جعلته للحديث عن المرأة ومكانتها في الأحلام، وتنطلق هنا من مسلّمة تبدو سلبيّة بعض الشّيء، مفادها أنّ رؤيا المرأة نصف صدوق، وذلك قياساً على ما جاء في أنّ ديّة المرأة نصف ديّة وأنّ شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد، ثم تعمل بعد ذلك في الكشف عن حقيقة مخالفة ومغايرة تماماً لما سبق، وتنطلق في الاستشهاد ببعض أسماء نساء من مختلف البلاد الإسلامية اشتهرن بتأويل الأحلام وتعبيرها ولإضفاء المصداقيّة على منامات الجنس الأنثوي، وتسوق في هذا الصدد نماذج من الرّؤى تؤكّد من خلالها صدقيّة رؤيا النساء مستعينة في ذلك برؤيا رأتها أمّ المؤمنين "صفيّة بنت حيي النظريّة"، وقصّة رؤيتها التي تُنبئ بزواجها من النّبي والتي تحقّقت فيما بعد، كذلك حلم "لبابة" زوجة العبّاس عمّ النّبي الذي تحقّق بعد وقت ليس بالطّويل.

كما أنّ "ابن سيرين" معبّر الأحلام ذائع الصّيت قد تلقّى نبأ وفاته عن طريق منام لامرأة.

وقد ارتبطت صورة المرأة في الأحلام ببعض الرّموز من قبيل "الزّرع" و"الوعاء" و"الملبس" "والنّفس الأمّارة بالسّوء".

وفي هذا السياق تتناول الباحثة في هذا القسم من الأثر الأحلام المتعلّقة بالمرأة في بعض الأعمال الإبداعيّة، ومن خلال قصيدة "عروس البستان" على سبيل المثال. ومن معاني ودلالات المرأة في هذه القصيدة: "المباني" "الأرض" "المركوبات من الدوابّ"، والمرأة في المنام إشارة إلى "نصف ثروة أو كنز"، والعديد من الدلالات التي تحملها صورة المرأة في الرؤى والأحلام وهي على النحو التالي:

المرأة

من خلال

قصيدة

 "عروس البستان" 
أصناف المرأة رمزيّتها المنامية
الفاجرة الحشرات والفئران
العربيّة النّخلة
الفارسيّة شجرة الجوز
زوجة السّلطان   الكعبة
العذراء الحصن
العاقر القبر/ الأرض /الأموات
العجوز الإفلاس

ثم تخلص الباحثة بعد عرض هذا النموذج الذي أفاض في الحديث عن معاني ورموز المرأة بجميع أصنافها في المنام إلى أن توسّع صاحب القصيدة في الحديث عن أعضاء جسد المرأة ودلالة كل عضو منها في المنام من قبيل الأنف والأذن والشّعر والرّحم وغيره من الأعضاء الحميمة، وترجع ذلك إلى تفشّي الأحلام الجنسيّة في ذلك الوقت. وبما أنّ هذا القسم متعلّق بالمرأة والأحلام لم يفت الباحثة أنّ تسوق بعض منامات لنساء يتعرضن للتّعنيف لمجرّد تمرّدهنّ على أزواجهنّ، إذ يكفي أن تكون المرأة عنيدة أو ثرثارة فيتضّرع زوجها عند ضريح أحد الأولياء فيُسَلَّط عليها العقاب الشديد، وتتعرّض إلى ضرب مبرّح تعلن على إثره توبتها.

ثم تستمرّ الباحثة في بقيّة أبواب الكتاب في حشد نماذج من قصص المنامات التي تستمدّها من كتب التّراث ومن تجاربها الخاصّة، تبيّن من خلالها مدى غزارة الموروث الحلمي الإسلامي ومدى تشعّب الظّاهرة الحلميّة في شتّى الميادين البشريّة كعلاقة الأحلام بالمواضيع الدّينيّة والطّقوس التعبّديّة كالحجّ والصّلاة (الباب الخامس).

أمّا الباب الموالي (الباب السّادس)، فقد أفردته لإبراز أنواع أحلام الطّرق الصّوفية المختلفة وقدرة هذه الأحلام على كشف العلاقة بين الشّيخ ومريده.

وبما أنّ المنامات "جانب مهمّ من جوانب التلقّي الغيبيّ"[12]، فقد أفردت له الباحثة الباب السّابع من كتابها، وبيّنت من خلاله دور المنامات الاستشرافي للعالم الأخرويّ، وقدرتها في الكشف عن صورة الجنّة ونعيمها وحياة الأموات والتّفاعل بينهم وبين الأحياء عن طريق المنامات.

ومن الموضوعات الهامّة التي تناولتها الكاتبة وأفردت لها باباً كاملاً (الباب الثامن) هي رؤية النّبي في المنام والاستعدادات من أجل ذلك، كالقيام ببعض الشّعائر الخاصّة، كأن يقوم "بصلاة ركعتين في ليلة الجمعة، ثم يقرأ الفاتحة وآية الكرسي خمس عشرة مرّة في كلّ ركعة"[13].

أمّا الباب التّاسع فقد جعلته الباحثة للحديث عن الأحلام في التاريخ والسّياسة، طرحت من خلاله أحلام السّاسة في فجر الإسلام مروراً بالعصرين الطّولوني والمملوكي وصولاً إلى التّطوّرات السياسيّة المُعاصرة.

ثم ختمت الكتاب بباب أخير (الباب العاشر) تناولت فيه مسألة الأحلام وعلاقتها بالميادين الأدبيّة بشقّيها، شعراً ونثراً، والشّبه الكبير بين الأحلام والأساطير، ومدى مساهمة قصص الأحلام في تقريب الأمور المجرّدة في الأعمال الأدبيّة وجعلها قابلة للاستيعاب، ومردّ ذلك إلى ما تكتسبه المنامات من حقول غنيّة بالمدلولات. كما أولت عناية بسيرة الأحلام في كتابات جلال الدّين الرّومي، أبرزت من خلاله أنّ الأحلام جزء لا يكاد يتجزّأ من ثَقافة المُسلمين، وما غزارة المَورُوث الحُلمي واتّساع مدوّنته إلا دليل قاطع على ذلك. ثم تعود بنا الكاتبة، في الفصل الأخير من هذا الباب إلى نقطة البداية الفعليّة التي انطلقت منها لإنجاز هذا البحث، ومفادها أنّ "كل ما نراه في هذه الدّنيا ما هو إلا عرض زائل بعيد كلّ البعد عن جوهر الأشياء الحقيقي والأصيل"[14] وما الدّنيا إلا حلم نائم.

وتأسيساً على ما سلف، نتبيّن من خلال ما قدّمته الباحثة مدى أهميّة وفاعلية المنامات في الثقافة العربية عموماً والإسلامية على وجه الخصوص، في اختراق مجالات الحياة الإنسانيّة المختلفة، فللمنامات أدوار ووظائف تعليميّة تربويّة وإرشاديّة وإصلاحيّة وتشريعية وتأسيسية، وتظلّ الرّؤى والأحلام ضرباً من ضروب استنطاق المجهول واستشراف المستقبل الذي يعتبر بدوره هاجس الإنسان في مختلف العصور.


[1]ـ انظر: الحسيني، محمد عبد الكريم الكسنزان: الرؤى والأحلام في المنظور الصوفي، دار القادري- بيروت، ط1، سنة 2007، ص 6

[2]ـ انظر: صحيح البخاري، كتاب تعبير الرؤيا، باب أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة، 6581

[3]ـ انظر: شيمل، أنّا ماري: أحلام الخليفة، الأحلام وتعبيرها في الثقافة الإسلامية، منشورات دار الجمل/ ألمانيا، سنة 2005، ط1، ص 19

[4]ـ انظر: م. ن، ص 25

[5]ـ انظر: سورة الزمر، الآية 42

[6]ـ انظر: أنّا ماري شيمل، أحلام الخليفة، ص 59

[7]ـ انظر: البخاري/ 2563

[8]ـ انظر: شيمل، أنّا ماري، ص 59

[9]ـ انظر: م، ن، ص 114

[10]ـ انظر: م ن، ص 127

[11]ـ انظر: م ن، ص 185

[12]ـ انظر: الأعرجي، ستار جبر حمود، مصادر الوحي وأنواعه في القرآن الكريم، ص 159

[13]ـ أنا ماري شيمل: أحلام الخليفة، ص 358

[14]ـ انظر: م. ن، ص 480