"الأصول المشتركة للأديان" لـحسن السّيد عزّ الدّين بحر العلوم


فئة :  قراءات في كتب

"الأصول المشتركة للأديان" لـحسن السّيد عزّ الدّين بحر العلوم

كتاب "الأصول المشتركة للأديان" لـِحَسَن السّيّد عزّ الدّين بحر العلوم؛ نشرته دار العارف للمطبوعات بيروت، الطّبعة الأولى، 2013م، عدد صفحاته 173. الكتاب - كما يظهر من عنوانه - يعالج قضيّة مهمّة جدًّا، هي: المشترك الدّينيّ، ولهذا أهميّة كبرى - خصوصًا - ونحن نعيش اليوم في عالم العنف والتّعصّب، والتّطرّف، والإرهاب، لذلك؛ فكم نحن بحاجة إلى مثل هكذا كتابات، علّها تصنع لنا جيلًا يؤمن بالقيم الإنسانيّة القائمة على احترام الآخر، دون تمييز عرقيّ أو دينيّ، وسنتوقّف - هنا - مع الكتاب سالف الذّكر، لنرى كيف قارب صاحبه هذا الموضوع المهمّ، وإلى أيّ حدّ استطاع أن يرسم للمتلقّي السّبيل كي يصل إلى قيم الأخوّة الإنسانيّة.

في مقدّمة كتابه يؤكّد الكاتب أنّ الوجود الدّينيّ حقيقة لا يمكن إنكارها؛ إذ لا تخلو بقعة من الأرض من معلّم دينيّ أو انتماء، يقول: "وممّا يلفت الانتباه إلى هذا الواقع؛ اختلاف الانعكاس الدّينيّ والسّلوك الخارجيّ، تبعًا لما يمليه الاعتقاد بالنسبة إلى أتباع كلّ دين من الأديان المتعدّدة، وقد نتّفق في كثير من الأحيان أو نختلف، وقد نرصد - أحيانًا - حالات من التّنافر الطّريف في واقعنا على طول التّاريخ، وأحيانًا يكون التّنافر بدرجة من السّلبيّة قد تهدّد حياتنا، وكيان من كيانات البشر، لهذا أصبحت الحاجة ماسّة إلى وضع رؤية معمّقة في حقيقة الأديان أوّلًا، ثمّ التّركيز على الأصول المشتركة فيها"[1]، إذن؛ معرفة المشترك ضرورة ملحّة يفرضها الواقع المعاش، وإلّا ستتّسع هوّة الاختلاف، بالتّالي، انتشار التّطرّف الدّينيّ، وبهذا، ننتقل إلى محاور الكتاب، للوقوف عند أهمّ الأفكار الرئيسة ذات الصّلة المباشرة بموضوع المشترك.

المحور الأوّل: الدّين.

يؤكّد الكاتب - كغيره من المهتمّين بالأديان - على أنّ الدّين ضرورة نفسيّة، وحاجة اجتماعيّة، وضرورة عقليّة كذلك، لكونه يضع ضوابط العيش المشترك بين النّاس، وتنظيم العلاقة بين الخالق والمخلوق لضمان سلامة المجتمع الإنسانيّ من جهة، ولضمان العقاب والثّواب على الأفعال من جهة أخرى، يقول الكاتب: "تعدّدت الأديان السّماويّة بتعدّد الحاجة إليها، وبتعدّد الظّروف الّتي اقتضت نزولها، وإنزاله، لكنّها اتّحدت في الأصول والمبادئ، وإن اختلفت بالتّفاصيل والفرع تبعًا لظروف إنزالها، لهذا؛ يمكن القول: إنّ دين الله واحد، لأنّ منزله (الله) سبحانه واحد، وهدفه - وهو إسعاد الإنسان..."[2]؛ فالدّين - إذن - لا يمكن أن ينفكّ عن وجود الإنسان، وسعيه إلى بناء نظام حياتيّ أساسه على العدل، والحريّة، والكرامة الإنسانيّة.

إنّ تعريف الدّين يُعدّ إشكاليّة كبيرة وصعبة، وتكمن الصّعوبة - حسب الكاتب - في أنّ لكلّ دين نواحي خاصّة به؛ سواء في الشّعور، أو الاعتقاد، أو في التّعبّد، يذكر - مثلًا - أنّ الأقوام البدائيّة تفهم الدّين على وجه لا تفهمه الأقوام المتقدّمة في الحضارة، يقول: "وإذا أردنا أن يكون التّعريف منطبقًا على جميع الأديان، تزداد الصّعوبة، وذلك لأنّنا عندما نذكر كلمة الدّين، تمرّ بذاكرتنا جميع الأديان - البائدة منها والحاضرة، الأديان السّماويّة، والمعتقدات الدّينيّة الأخرى عند جميع الطّوائف والشّعوب على اختلاف معتقداتها، ونزعاتها، ومكانتها في سلّم الحضارة، وما دام كلّ من هذه الطّوائف والشّعوب تختلف في مفهوم الدّين عندها، لذلك؛ يتعذّر تعريفه بحيث ينطبق على جميع مفاهيم الأديان"[3]، رغم اتّفاقنا مع الكاتب في صعوبة التّعريف، نقول: إنّ هذا لا يمنع الاجتهاد لتقديم تعريف عامّ، ولو بتعريف يرجع الدّين - أيّ دين - إلى مسألة الإيمان؛ سواء إيمان بالله، أو إيمان بقوى خفيّة، كما هو عند الحضارات السّابقة.

بعد اعتراف الكاتب بصعوبة التّعريف، تطرّق إلى معنى الدّين في اللّغة، ثمّ وروده في القرآن بمعانٍ شتّى؛ كمعنى العبادة، والتّشريع، والخضوع، ليخلص في الأخير إلى أنّ: "الدّين - حسب اصطلاح القرآن - هو: الطّريقة العامّة الّتي تشمل كلّ أبناء البشر في كلّ زمان ومكان، ولا تقبل أيّ تغيير وتحويل مع مرور الزّمن وتطوّر الأجيال"[4]، وقد نقل لنا الكاتب بعض التّعريفات نذكر منها:

تعريف التّهانوي: "وضع إلهيّ سابق لذوي العقول السّليمة باختيارهم إياه إلى الصّلاح في الحال، والفلاح في المآل"[5].

تعريف ريفيل في كتابه مقدّمة تاريخ الأديان بأنّه: "توجيه الإنسان لسلوكه وفقا لشعوره بصلة بينه وبين روح خفيّة، يعترف لها بالسّلطان عليه وعلى سائر العالم، ويطيب له أن يشعر باتّصال بها"[6].

يقول الكاتب معلّقًا: "وعلى ضوء ما تقدّم؛ نجد أنّ الدّين يدعو الإنسان إلى الانقياد والارتباط، ولا بدّ من تمييز الارتباط الدّينيّ عن غيره، وذلك بالانتماء الكلّيّ والالتزام القلبيّ، فالدّين دعوة واسعة وشاملة، لا يمكن الاستجابة لها في جانب دون جانب، فهو؛ منظومة شاملة ومترابطة"[7].

المحور الثّاني: الاستخلاف ونيابة الإنسان عن الله.

وفقًا للكاتب: إنّ من المفاهيم الموحّدة بين الأديان فكرة الاستخلاف، الّتي تعني: أنّ الله جعل الإنسان خليفة في الأرض، وأوكل إليه مهمّة إعمارها، وفق الشّروط والضّوابط الّتي جاءت بها الشّرائع السّماويّة، وتوقّف الكاتب عند ثلاث نقاط هي: الإنسان والاستخلاف، ثمّ المنظور الدّينيّ لنّظريّة الاستخلاف، وأخيرًا؛ مهامّ الاستخلاف.

- الإنسان والاستخلاف: يؤكّد الكاتب أنّه ما دامت فكرة الاستخلاف مقرّرة في كل الأديان، ومقدّرة بأنّها جزء من مهمّة الإنسان في هذه الأرض، فيكون - بذلك الاستخلاف - فكرة دينيّة عامّة، وليس فكرة إسلاميّة خاصّة.

يقول: "إنّ تكليف الإنسان بمهمّة الاستخلاف في الأرض، دليل على مركزيّة الإنسان في هذا الكون الفسيح، وعلى أهميّة الوظيفة الاستخلافيّة في الأرض؛ فالإنسان مخلوق الله سبحانه - على صغر جرمه ومحدوديّة قدراته - أعطي من الصّلاحيّات، ووكّل من الواجبات ما يجعله خليفة الله في الأرض يأمر وينهى"[8]. صحيح ما ذهب إليه الكاتب وغيره، إلّا أنّ الواقع غير ذلك؛ فلا نرى إلّا الدّمار والعنف، ممّا يدلّ أنّ الإنسان لم يؤدّ رسالة الاستخلاف.

- المنظور الدّينيّ لنّظرية الاستخلاف: بعد حديثه عن الاستخلاف ووقوفه عند عدّة آيات قرآنيّة، توقّف المؤلّف عند عمليّة الاستخلاف الرّبّانيّ، وذكر في ذلك ثلاثة معانٍ:

- عمليّة الاستخلاف تعني: تجسّد روح الأخوّة العامّة في كلّ العلاقات الاجتماعية، بعد محوّ ألوان الاستغلال والتّسلط، فالنّاس - جميعًا - متساوون.

- عملية الاستخلاف استئمان، والأمانة تفترض المسؤوليّة، فلا بدّ من أن يدرك الإنسان أنّه مسؤول لينهض بأعباء الأمانة.

- أنّ فكرة الاستخلاف - على الرّغم من كونها فكرة دينيّة - إلّا أنّ الله سبحانه خصّ بها الإنسان على أيّ دين كان.

مهامّ الاستخلاف:

- العدل: هو أوّل مهامّ استخلاف الإنسان على الأرض، فالإنسان مطالب بتحقيق العدل بين بني البشر جميعًا، يقول الكاتب: "وفكرة العدل موجودة في كلّ الأديان السّماوية تدعو أتباعها ومعتنقيها، أن يحقّقوها في حياتهم، ويسعوا إلى تحقيقها في المحيط الاجتماعي؛ بل أن يحاربوا من أجلها، ويقدّموا التّضحيات في سبيل تقريرها، وتطبيقها طاعة لله، وسعيًا إلى تحقيق سننه على الأرض"[9].

- العمل لأجل الإنسان: والإنسان - بتعبير الكاتب - لا يحقّق إنسانيّته، إلّا بالتّواصل الاجتماعيّ مع أخيه الإنسان - مطلق الإنسان - محبّة ورحمة، تسامحًا وتعاونًا وتكافلًا، تفاهمًا واحترامًا.

هذه بعض مهامّ الاستخلاف، ويختم الكاتب المحور بقوله: "إنّ فكرة الاستخلاف الّتي قرّرها الله - سبحانه وتعالى - خالق الحياة وموجِد الإنسان، ومالك مصيره، قادر على إعمار الأرض بالأمن والسّلام، والإيمان والفضيلة، والرّفاه، والنّماء، وهو ما تسعى إليه الأديان جميعًا، ممّا يوحّدها في سبيل واحد، وهدف واحد"[10].

المحور الثّالث: تشكيل منظومة القيم الّتي تشترك فيها كلّ الأديان.

في حديثه عن هذا المحور، ذهب الكاتب إلى أنّ الفضائل الأخلاقيّة، والقيم العظيمة الّتي شُرعت للأديان السّابقة على الإسلام، وهي فضائل للمسلمين، وقيم يتحلّون ويعملون بها، ومن القيم الّتي تشترك فيها الأديان السّماويّة، الّتي تصلح أن تكون قاعدة اللّقاء بين معتنقيها:

- الإيثار من أجل الإنسان: فكلّ أتباع الأديان يتسابقون إلى فعل الخيرات، وتقديم الخدمات، أو تخصيص الأموال لبعض المراكز العلميّة لتطوير خدماتها لبني الإنسان.

- المحبّة: المحبّة أساسية، والأديان - كلّها - تشترك في ذلك، وتدعو معتنقيها إليها، وجعلها الرّابط الحقيقيّ بين بني الإنسان تتجاوز - في ذلك - رابطة العقيدة والدّين، يقول الكاتب: "لا يمكن لبني الإنسان أن يتعايشوا إلّا بالمحبّة، وبالحبّ - وحده - يحيا الإنسان، ولا يمكن لبني الأديان أن يتعايشوا، ويحقّقوا مصالحهم، ويصلوا إلى أهداف أديانهم إلّا بالمحبة، بالمحبة وحدها"[11]، ومن ثمّ؛ فتوريث الصّراع بين الأديان، سيكون وبالًا على الإنسانيّة، لهذا؛ يرى الكاتب أنّ الواجب على أتباع الأديان أن يوحّدوا صفوفهم، ويجعلوا المحبّة قائمة بينهم، كي تكون لهم القدرة - حينئذ - على مواجهة الكفر، والضّلال، والانحلال الأخلاقيّ.

فهل هذه القيم حاضرة اليوم؟ أعتقد - من وجهة نظر خاصّة - أنّنا ما زلنا بعيدين كلّ البعد عن التّعايش السّلميّ إنسانيًّا، وخير دليل: هو ظهور الأصوليّة المتطرّفة الّتي مسّت أصحاب الأديان بالدّرجة الأولى.

المحور الرّابع: شرع ما قبلنا.

يقول الكاتب عن هذا الموضوع: "شَرْعُ ما قبلنا؛ بحث ذكره علماء الأصول في مصنّفاتهم - قديمًا وحديثًا - والغرض من تسليطنا الضوء عليه: تحويل هذا الموضوع إلى نظريّة عامّة، تبرهن أنّ دين الله واحد؛ لأنّه صدر من مشرِّع واحد، ولأنّ هدفه واحد"[12]، ويواصل الكاتب توضيحه أكثر، بالقول: إنّ الدّين يتنوّع بتنوّع المحطّات التّاريخيّة الّتي مرّت بها الأديان السّماويّة، لكنّ اختلاف المحطّات لا يستوجب اختلاف الهدف والغاية، فالثّابت في لوح الواقع شيء واحد، وحكم واحد، وشريعة الله سبحانه واحدة من آدم إلى نبينا محمّد.

المحور الخامس: التوسّع الأفقيّ والعموديّ لنظريّة: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).

يرى الكاتب - ونحن معه - أنّ الإيمان فعل قلبيّ لا يخضع لإكراه؛ إذ يقول: "إنّ الأديان السّماويّة الّتي قدّر لها أن تشهد امتدادًا تاريخيًّا، لم تحقّق ذلك بالعنف، والقوّة، والقهر والتّسلط؛ إنّما حقّقت ذلك بالسماحة والمروءة، وقوّة المثل، وعمق الإحساس، وصلابة الموقف المستند إلى قناعات وجدانيّة وعقليّة، أتاحت لها الانتشار والامتداد، فكان الإقناع، والحجّة، ومخاطبة الفكرة والضمير والعقل؛ الوسيلة المجدية والصّائبة لاحتواء النّاس، وإدخالهم في دين الله أفواجًا"[13]، ما يجب التّنبيه إليه: أنّ العنف - بالرّجوع إلى التّاريخ - كان حاضرًا، وخير دليل على ذلك الحروب الصّليبيّة.

يذهب الكاتب إلى التّأكيد أنّ فهم الدّين فهمًا إنسانيًّا مرنًا، وفي إطار مقاصده وغاياته النبيلة، هو الأمر المطلوب في عالم اليوم، ممّا يوحّد الأديان، ويسقط الحواجز بينها، ويجعلها حركة واحدة تدعو إلى الإيمان، وإلى إعلاء شأن الإنسان، وبذلك، تسقط كل أسباب الاختلاف والصّراع بينها؛ فتكوّن قوّة واحدة في مواجهة الظّلم، والانحراف، والقهر، والاستلاب، كما عيّن الكاتب المرتكزات الّتي تقوم عليها قاعدة "عدم الإكراه في الدّين"، نذكر منها:

- بناء الإيمان على أساس عقليّ؛ فالعقل هو الأصل الأوّل في معرفة العقيدة واليقين، والوصول إلى الإيمان، وهو قوّة إدراك الخير والشّرّ والتّمييز بينهما، وهو آلة التفكير والنظر لدى الإنسان.

- بناء الإيمان على أساس فهم الدّين: يقول الكاتب: "إنّ الإيمان: هو نتاح عقليّ شعوريّ وجدانيّ، يشترك فيه كل بني الإنسان؛ فالإيمان يشترك فيه الإنسان البسيط ذو الثّقافة المحدودة، والإنسان المثقّف"[14]، ما ننبّه إليه - هنا - أنّ إيمان المثقّف: هو إيمان غير إيمان الإنسان العاديّ، بدليل أنّ هذا الأخير معرَّض لأن يكون مشروعًا متطرّفًا، إذا حقنه بخطاب دينيّ معيّن، ولعلّ الخطاب الأصوليّ فعل ويفعل ذلك.

إضافة إلى ما سبق، نعود إلى آية {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة (2): 256]؛ فهي تحوي فوائد عظيمة، نذكر منها:

- إنّها - في ظاهرها - حماية الإنسان الآخر ممّن يقع عليه الإكراه من قِبلك، ولكنّها - في باطنها - حماية لك أيضًا من أن يقع عليك الإكراه؛ فهي حماية للآخر وحماية للذّات من أن يقع على كلّ منهما الإكراه.

- يمكن أن يفهم من الآية أنّها إخبار وليس إنشاء؛ أي يمكن أن تفهم على أنّها نفيّ وليست نهيًا، ويكون - بذلك - معناها؛ إخبارًا أنّ الدّين الّذي يفرض بالإكراه لا يصير دينًا للمكرَه، فهو لم يقبله من قلبه، والدّين في القلب وليس في اللّسان؛ فهي - بهذا الشّكل - إخبار أنّ الدّين لن يتحقق بالإكراه، ومن يُكرِه إنّما يقوم بعمل عابث لا أصل له.

- حين يقول الله: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة (2): 256]؛ فإنّه يقول هذا عن الدّين الّذي هو أقدس الأشياء وأعظمها؛ فمن باب أولى، ألّا يكون الإكراه في المذاهب الدّينيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة، من هنا، يمكن لنا أن نفهم أنّ حماية الإنسان من الإكراه في الدّين؛ حماية له من الإكراه.

- لقد صار هذا الحكم مطلبًا عالميًّا في هذا العصر - أيضًا - فجميع دساتير العالم - اليوم - تضع في بنودها الأساسيّة الأولى؛ حرّيّة العقيدة، فالنّاس - جميعًا - لهم الحقّ في أن يختاروا ما يرون أنّه أفضل، ويؤمنون بأنّه الأصلح"[15].

يقول جودت السّعد: "إنّي لأرجو من الشّباب المتحمّسين الّذين يخدمون دينهم، أن يجمعوا جمل المسلمين، وأن يكفّوا عن تكفير بعضهم بعضًا، وأن يتعاونوا جميعًا مع اختلاف آرائهم ومذاهبهم، وأن يتعاونوا على البرّ والتّقوى، وأن لا يتعاونوا على الإثم والعدوان، وأن نسعى جميعًا إلى إصلاح ذات بين المسلمين، وجمع كلمتهم وقلوبهم، وأن يتمسّكوا بحبل الله جميعًا، وألّا يرسلوا فتاوى الإعدام بعضهم لبعض، وألّا يرسلوا المتفجّرات بعضهم إلى بعض أيضًا"[16].

إذن، ما دام الإكراه غير مقبول شرعًا ولا عقلًا؛ فتبقى للإنسان الحرّيّة في أن يعتقد ما يشاء، ومن ثمّ، يعلّق طه جابر العلواني على مسألة الرّدّة، قائلًا: "إنّ قضية الردّة بدأت سياسيّة، واستمرّت سياسيّة، وستظلّ كذلك، والجانب الدّينيّ فيها ضئيل، لا يثار إلّا ليوظّف في خدمة الجانب السّياسيّ وما يتعلّق به، سابقًا وحاليًّا ولاحقًا"[17].

يختم الكاتب بدعوة جاء فيها: "إنّنا ندعو إلى وحدة البشر على الأرض، وتجاوز كلّ الفروقات المفتَعلة الّتي من أسبابها؛ ظلم الإنسان أخيه الإنسان، وفهمه الضّيّق لدين الله، والحرص على المصالح الضّيّقة الّتي تصادر حدود الآخرين، ولا تحترم ملكيّاتهم الخاصّة الّتي وهبها الله لهم، مثل؛ الحرّيّة، والأمان، وحقّ العمل، وحقّ السّكن، وحقّ التّمتّع بخيرات الأرض، وغيرها من هبات الله، الّتي نشرها في الأرض ليتمتع بها الإنسان، وكذلك، الفروقات المفتعلة الّتي سبّبتها العقول المنحرفة عن الحقّ"[18].

إنّ الظّرفيّة الحاليّة تفرض على أصحاب الأديان - بالدّرجة الأولى - إعادة النّظر في لغة الخطاب الدّينيّ - وليس لغة الدّين المقدّس - كي يتسنّى التّقريب بين الأديان، ومدّ جسور الحوار والتّسامح، ولعلّ هذا سيترك بصمته في تاريخ الأديان، لتكون هذه الأديان - بذلك - وسيلة للجمع لا للدّمار والعنف.


[1]- الأصول المشتركة للأديان، حسن السّيّد عزّ الدّين بحر العلوم، الناشر: دار العارف بيروت، ط1، 2013م، ص 9.

[2]- نفسه، ص 12.

[3]- الأصول المشتركة للأديان، حسن السّيّد عزّ الدّين بحر العلوم، ص 17.

[4]- نفسه، ص 21.

[5]ـ نفسه، ص 23.

[6]ـ نفسه، ص 23.

[7]- الأصول المشتركة للأديان، حسن السّيّد عزّ الدّين بحر العلوم، ص 24.

[8]- نفسه، ص 56.

[9]- الأصول المشتركة للأديان، حسن السّيّد عزّ الدّين بحر العلوم، ص 87.

[10]- نفسه، ص 92.

[11]- الأصول المشتركة للأديان، حسن السّيّد عزّ الدّين بحر العلوم، ص 99.

[12]- الأصول المشتركة للأديان، حسن السّيّد عزّ الدّين بحر العلوم، ص 107.

[13]- نفسه، ص 123.

[14]- الأصول المشتركة للأديان، حسن السّيّد عزّ الدّين بحر العلوم، ص 127.

[15]- جودت سعيد، لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، دار العلم والسّلام للدّراسات والنّشر، دمشق، ط 1، 1997م، ص ص 26- 27.

[16]- نفسه، ص 40.

[17]- لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ؛ إشكاليّة الرّدّة والمرتدّين من صدر الإسلام إلى اليوم، النّاشر: المركز الثّقافيّ العربيّ، ط 1، 2014م، ص 35.

[18]- الأصول المشتركة للأديان، حسن السّيّد عزّ الدّين بحر العلوم، ص 168.