الإسلاموية، عدوة المساواة الجندرية


فئة :  مقالات

الإسلاموية، عدوة المساواة الجندرية

المقصود بالإسلاموية (islamisme) مجموع الخطابات والممارسات والتنظيمات التي تتطلع إلى إخضاع السلطة السياسية إلى الشريعة الإسلامية؛ وذلك من خلال جعل الشريعة مصدرا رئيسا، إن لم يكن المصدر الأوحد، لكل القوانين التي تنظم اشتغال الدولة والمجتمع. وتعني أيضا جعل المدرسة العمومية مصنعا للمسلم، وإقناع ذلك المسلم بتفوقه وأفضليته على كل الآخرين لمجرد أنه مسلم.

تكمن أطروحة هاته الورقة في تبيان القياس التالي: النَّسَوية مطالبة بالمساواة بين الجنسين، الإسلاموية ترفض مبدأ المساواة بين الجنسين، إذن الإسلاموية ليست نسَوية (féministe).

في النَّسَوية اليسارية المدنية الإسلامية

المقصود بالنَّسَوية (féminisme) مجموع الخطابات والمعارف والممارسات التي تسعى إلى القضاء على السيطرة الرجولية؛ وذلك بفضل تحقيق المساواة الجندرية بين النساء والرجال (في الحقوق).

الإسلاموية مجموع الخطابات والممارسات والتنظيمات التي تتطلع إلى إخضاع السلطة السياسية إلى الشريعة الإسلامية

في هذا الإطار، تميزت السبعينيات من القرن العشرين بالانتقال من أنموذج عدم تطبيق الإسلام إلى أنموذج عدم كفاية الإسلام، لأن الرهان أصبح بالنسبة إلى اليسار رهان المساواة بين الجنسين. فقد اتضح لليسار بأن ضمان حقوق المرأة لا يقف عند الإنصاف والعدل؛ أي عند إعطائها الحقوق التي نص عليها الإسلام حرفا، وهي حقوق تناسب جنسها ومكانتها ودورها في أسرة أبيسية تراتبية. لذلك، ارتأى اليسار أن النصوص الإسلامية المرجعية في معناها الظاهر لا تكفي لتحقيق مبدأ المساواة. ففي وثائق التقرير الإيديولوجي[1] للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1974، نجد المطالبة الصريحة بالمساواة بين الجنسين في كافة الحقوق من خلال المطالبة بإزالة الولي في الزواج، وبمنع تعدد الزوجات وبتحويل كل فسخ لعقد زواج إلى تطليق (أمام القاضي). أبعد من ذلك، طالب التقرير الإيديولوجي المذكور بإزالة النفقة الأحادية؛ أي من طرف الزوج لوحده، وهو ما يعني ضرورة ضمان دخل مالي لكل زوجة أو اعتبار الأشغال المنزلية نفقة ومساهمة للزوجة في نفقة الأسرة وإعالتها. واضح أن هذا المطلب الأخير يستهدف القضاء على مبدأ الطاعة، "طاعة الزوجة لزوجها"، القائم على واجب النفقة الموكول للزوج وحده. إنها إذن مواقف توفق بين النسوية واليسار والإسلام. إنها أول مرة تتم فيها المطالبة بالمساواة الجندرية في تاريخ المغرب.

أمام البطء الحزبي في معالجة القضية النسوية من داخل مؤسسات الدولة، شعرت النساء اليساريات بالتهميش وبعدم تمثيليتهن داخل الحزب وخارجه. وهذا ما دفعهن إلى الانفصال التنظيمي في شكل جمعيات تؤشر على ميلاد "مجتمع مدني" مستقل عن المجتمع السياسي في أواسط الثمانينيات من القرن العشرين.

بالنسبة إلى النسَوية الجمعوية، كان الرهان هو الضغط على الدولة من أجل مراجعة "امدونة الأحوال الشخصية" طبقا لما نصت عليه "اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة" (CEDAW)؛ أي في أفق المساواة التامة والكاملة بين الجنسين. رغم هذا المطلب، لم تتبن قط الحركة النَّسَوية علمنة قانون الأسرة، بل تنازلت آنذاك عن بعض المطالب (مثل المساواة في الإرث) وقالت بالاجتهاد (من داخل الإسلام) كمنهج، وذلك ليكون نضالها مقبولا سياسيا واجتماعيا. من هذا المنطلق، يمكن الإقرار بأن النَّسَوية الجمعوية بدورها نسَوية إسلامية، لأنها تسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين باسم الإسلام وليس ضد الإسلام أو خارجه. في هذا الإطار، شكل الاجتهاد المنهج الكفيل بتجاوز اللامساواة في المعنى الظاهر للنصوص المقدسة.

في مقابل هذه النَّسَوية الإسلامية اليسارية والمدنية التي توجت نضالها بالحصول على "مدونة الأسرة" سنة 2003، وهي مدونة متقدمة في درب المساواة، ماذا كان موقف الإسلاموية المغربية من قضية المساواة الجندرية؟

في الإسلاموية المضادة للنسوية

لا بد من التمييز بين ثلاثة اتجاهات كبيرة في الإسلاموية المغربية: 1) إسلاموية راديكالية سرية تؤمن بالعنف الجهادي، 2) إسلاموية نصف مندمجة سرية/علنية، عنيفة/غير عنيفة، 3) إسلاموية مندمجة معترف بها سياسيا ومساهمة في اللعبة الديمقراطية. كيف تتموقع هذه الإسلامويات الثلاث تجاه مبدأ المساواة بين الجنسين؟

بالنسبة إلى الإسلاموية الراديكالية ومنذ التسعينيات، من الضروري الاعتداء على النساء السافرات بالكلام النابي وبالضرب، من أجل ردعهن. وقد أوردت الصحافة المغربية العديد من حالات الاعتداء على نساء سافرات في مدن الدار البيضاء والرباط وفاس... ويعتبر منفذو الاعتداءات المذكورة اعتداءاتهم بمثابة "تعزير" ضد نساء مستفزات للحياء العام. إن توبيخ النساء وسبهن وضربهن لمن الوسائل المتبعة من طرف الإسلامويين الراديكاليين لجبر النساء على سلوك "أخلاقي"؛ أي على وضع الحجاب أو النقاب. بتعبير آخر، يعتبر هؤلاء الإسلامويون أنفسهم بمثابة مربين يقومون بدور المربي الأصلي "الغائب الفاشل" في فرض رجولته على نسائه، والمقصود به الأب والإخوة والأعمام، بل السلطات العمومية التي لا تفرض اللباس "الإسلامي" على النساء.

في جوابه على صواب نضال "المليشيات الإسلاموية" ضد "الانحلال الأخلاقي"، أجاب أبو حفص أيام راديكاليته بأن "الشباب مشمئز من الفساد الذي تعاني منه أحياء تنشط فيها علانية مافيات البغاء والكحول". وذهب الفيزازي (أيام تطرفه أيضا) أبعد من التعزير حين اعتبر أن الإسلام دين الذبح والإرهاب ضد كل من لا يطبق حرفيا تعاليم الإسلام. ورأى أيضا أن الموسيقى والرقص والغناء شذوذ تجب محاربته شرعا.

أما الإسلاموية نصف المندمجة، فترى من خلال نادية ياسين (العدل والإحسان) أن ابتعادنا عن المصادر هو الذي يقود إلى تحميل الإسلام مسؤولية دونية المرأة[2]. ففي نظرها، لا شك أن المسلمين ابتعدوا عن الإسلام وعن روح التشريعات الإسلامية. تقول نادية ياسين: "إن حجب النساء المسلمات باسم الإسلام تم من أجل التمييز بينهن وبين الإماء والدنيئات، وهي آلية تقوم على شعار "حجب المرأة من أجل حمايتها". آن الأوان في نظر ياسين لإعادة فتح باب الاجتهاد كمجهود تأملي شامل ولإشراك النساء في ذلك المجهود. لكنها تحذر من مغبة التموقع في سياق "النَّسَوية الكلاسيكية"، "الغربية وحتما المادية". بالنسبة إليها، "لا يتعلق الأمر بأخذ الثأر من مجتمع ذكوري. الرهان هو إعادة التموقع في سياق من التكامل يكون فيه الرجل والمرأة شريكين في أفق مجتمع أكثر إنصافا".

أساس الأخلاق الحداثية الإنسية هو العقل، ذلك القاسم المشترك بين كل الأفراد وبين كل الثقافات وبين كل المجتمعات

وباسم الإسلاموية المندمجة في اللعبة الديمقراطية، صرح عبد الإله بنكيران قائلا: "واجهنا المزاعم التي أرادت القيام بالاجتهاد في المدونة دون اعتبار المرجعية الإسلامية، والتي تنادي بتغيير شريعة الإسلام في الإرث والزواج"[3]. وفي لقاء نظمه حزب "العدالة والتنمية" يوم 16 مارس 2003 وخصصه لقضية المرأة والأسرة، تم التفريق بين الجنسين، في الطابور وفي المنصات. وركزت كل التدخلات على رفض مبدأ المساواة بين الجنسين الذي تنادي به الجمعيات النَّسَوية. ووجهت بسيمة حقاوي انتقادات إلى "مدونة الأسرة"، فرأت أن "بعض الأشياء غيرت بشكل مجاني مثل التخلي عن الولاية... قلائل هن النساء اللواتي يتزوجن دون مساندة الأب، وبالتالي فذلك لا يغير شيئا من الواقع". أبعد من ذلك، تعيد حقاوي النظر في التسوية بين الجنسين في تحديد سن الزواج في الثامنة عشرة، لتدافع عن حق الفتاة في التزوج قبل تلك السن. بمعنى آخر، تعطي حقاوي الأولوية لزواج الفتاة القاصر على حساب اكتمالها البيولوجي والنفسي، وعلى حساب الدراسة والشغل (أي استقلالها المادي). وعوض أن تدين حقاوي الزواج المبكر، قالت إنه لا يزال مستمرا، وبالتالي ليست هناك فائدة في منعه أو في اعتباره استثناء في طريق الزوال كما فعلت المدونة. أيضا، دافعت حقاوي عن تعدد الزوجات مدعية أن "التعدد ما كان ليوجد لولا قبول النساء به... فهناك نساء إطارات مثقفات يفضلن التزوج من رجل متزوج لتقليص حضور الرجل في حياتهن، ولكي يجدن تخفيفا باعتبارهن الزوجة الثانية"[4]. في مقابل النساء اللائي يكتفين برجل مشترك مع زوجة أخرى، ما العمل أمام نساء لا يكفيهن رجل واحد؟ وأنهت حقاوي "مرافعتها" قائلة: "أنا ضد ديكتاتورية القانون، كل إنسان له الحق في أن يفعل ما يشاء... إننا لا نقبل قراءة عصرية للقرآن، بل قراءة صحيحة"[5]. لنذكر حقاوي أن القانون قهري بطبيعته. وكيف سمحت حقاوي لنفسها أن تكون ليبرالية تجاه القانون وغير ليبرالية تجاه الفقه؟ هل يمكن لحقاوي أن تكتب أنها ضد ديكتاتورية الفقه؟ أليست الشريعة قانونا أكثر ديكتاتورية باسم قدسيتها؟ أليست القوانين الوضعية قوانين اختيارية يضعها الشعب نفسه بفضل آليات ديمقراطية معينة، وهي قوانين قابلة للتغيير؟

كل هذه المواقف التمييزية والمضادة للمساواة بين الجنسين وجدت تعبيرها في المؤتمر السادس لحزب العدالة والتنمية (19 - 20 يوليوز 2008). في أطروحة هذا المؤتمر، المتعلقة بالهوية المذهبية للحزب، تم التنصيص على أن روح الشريعة تكمن في إقامة العدل والإنصاف تجاه المرأة. ولا أثر لمبدأ المساواة في الأطروحة وفي أدبيات الحزب.

تحليل

صحيح أن قوة التمييز والتراتب بين الجنسين تختلف باختلاف أشكال الإسلاموية. فكلما كانت الإسلاموية راديكالية، كلما تجدر التمييز وتصلب التراتب بين الجنسين، وكلما اندمجت الإسلاموية في اللعبة الديمقراطية، كلما تراجع التمييز والتراتب (دون أن يندثرا). فهما بنيويان في الإسلاموية، في كل إسلاموية؛ ذلك أن الإسلاموية تقول بوجود آيات قرآنية غير قابلة للاجتهاد، وأن تطبيقها يجب أن يكون حرفيا رغم أنها تمييزية ضد النساء. ويذهب البعض إلى أن آية "للذكر مثل حظ الأنثيين" آية لا تدخل في إطار "المعاملات"؛ أي القابلة للاجتهاد بحكم تغير الأحوال والأزمان، بل تتموقع في حقل "العبادات" غير المعللة، الصالحة لكل زمان ومكان. إنها "فريضة من الله". لا شك أن مثل هذا التموقف يجعل من الإسلاموية غير المساواتية نسَوية مضادة بشكل بنيوي ونسقي وغير رجعي. ومن ثم لا بد من استخلاص استحالة الإسلاموية النَّسَوية والقول بتناقضها البنيوي الداخلي.

من الواضح أن الإسلاموية تعطي الأولوية لقيم الإسلام التراتبية النصية الظاهرة على حساب المساواة الكاملة في الحقوق (والواجبات) بين المرأة والرجل. فهي ترى أنه من الضروري أن يؤدي الاختلاف البيولوجي بين المرأة والرجل إلى اختلاف في الحقوق والواجبات، وهو مايشرعن الوقوف عند مفهوم الإنصاف فقط، وليس المطالبة بالمساواة. فالرجال والنساء لهم مصير اجتماعي مختلف يحدده الاختلاف البيولوجي، وبناء عليه لا يعقل أن تكون الحقوق متساوية ومتماثلة. بتعبير آخر، لكل جنس بيولوجي مكانة اجتماعية خاصة به، ولكل جنس دور اجتماعي خاص به، وبالتالي يجب أن تكون الحقوق مختلفة، إنه الإنصاف بعينه. إن عدالة النوع الاجتماعي (justice de genre) تكمن في مراعاة الإنصاف (الاختلافي) وليس في السعي نحو المساواة (التماثلية). ويقوم مبدأ الإنصاف بين الجنسين على مبدأ التكامل. فكما أن الجنسين يتكاملان في الفعل التناسلي، فإن الأدوار الاجتماعية للجنسين (ومكانتهما وحقوقهما وواجباتهما) تتكامل أيضا. إن التكامل الاجتماعي بين دور الزوج (الكسب) ودور الزوجة (أشغال منزلية وتربوية) لا يخلو من حيف ضد المرأة. إنه تكامل يلعب لصالح السيطرة الرجولية، ويحافظ على امتيازات الرجال. إن إيديولوجيا التكامل، المنتجة لوعي مزيف، تمنع الإسلاموية من الارتقاء بالإسلام إلى مبدأ المساواة (الإنسي)، وتمكنها من التشبث بمبدأ الإنصاف (العدل) الاختلافي كما جاءت به اتطبيقات الفقهية الأبيسية. فرهان الإسلاموية يكمن في تطبيق المقتضيات الظاهرة لتلك النصوص تطبيقا أي حرفيا أو شبه حرفي، ولا يهم أن تكون تلك المقتضيات غير مساواتية وتمييزية. فالنقد الإسلاموي لا ينصب على لا مساواتية النصوص المرجعية وتمييزيتها، بل على تنكر المسلمين لتلك النصوص وعلى خيانتها وعدم تطبيقها حرفيا. فحيث تتحدث النَّسَوية المدنية عن لا كفاية الحقوق التي منحها الإسلام النصي للمرأة في الوقت الحاضر، تكتفي الإسلاموية النَّسَوية بالحديث عن عدم مراعاة تلك الحقوق وعن خرقها من طرف المسلمين.

من هنا نفهم لماذا تشكل بعض النقط الحساسة المجسدة لمبدأ المساواة (الإنسي الحداثي) لا مفكرا (impensé) إسلامويا. من بين هذه النقط، عدم المساواة في الإرث بين الأخ والأخت، عدم المساواة التوارث بين الزوجين، إباحة تعدد الزوجات وتحريم زواج المسلمة من غير المسلم. إنها أربعة أشكال رئيسة من اللامساواة بين الجنسين، وهي جوهر وماهية الإسلام في النظر الإسلاموي. من هنا يتبين بوضوح أن النَّسَوية كمساواة في الحقوق ليست مفكرا فيه بالنسبة للطرح الإسلاموي. لذلك يكمن الرهان (المرحلي) في نظر النَّسَوية المدنية في تحرير الإسلام من الإسلاموية؛ أي في إضفاء شرعية إسلامية على المساواة في في الإرث وعلى منع تعدد الزوجات، وعلى إباحة زواج المسلمة من غير المسلم. فإذا كانت اللامساواة خاصية إسلامية جوهرية في نظر الإسلاموية، فإنها لا تبدو كذلك في نظر النسويين المدنيين بفضل اجتهاد جديد يقوم على أسس جديدة في أفق مقاصد جديدة. أما الطرح الإسلاموي القائل بأن جوهر الإنصاف الإسلامي هو اللامساواة، فأساسه رفض الفرد ورفض استقلاليته باسم شرعية ما فوق تاريخية للعائلة الأبيسية الممتدة (رغم تفككها الحاصل في كل المجتمعات الإسلامية). ورفض الفرد هنا يعني بالخصوص رفض المرأة كفرد، رفض المرأة كامرأة، واعتبارها أساسا زوجة أو أختا أو أما أو بنتا، أي من خلال تموقعها في شبكة عائلية تسلطية أبيسية. إن المرأة حسب الطرح الإسلاموي "ركيزة الأسرة والمقود الأول للقيم". بتعبير آخر، لا قيم دون امرأة سجينة أسرة (ذكورية أبيسية). ذلك أنه بفضل المكانة الدونية للمرأة داخل هذا النموذج الأسري، يتم الحفاظ على قيم اللامساواة التي لا تسمح سوى بشرعنة إيديولوجيا الإنصاف والتكامل.

دور النَّسَوية الإسلامية هو إعمال مبدأ الاجتهاد اللامحدود من أجل القضاء على التمييز القانوني بين الجنسين وإحلال المساواة القانونية في الحقوق الأسرية بالخصوص

من هذا المنطلق، تعني الأخلاق الإسلاموية تطبيق الإنصاف بين الجنسين ومراعاته؛ أي إعطاء المرأة حقوقها وإعطاء الرجل حقوقه، وهي حقوق غير متساوية شرعا. أكثر من ذلك، تكمن كرامة المرأة في التمتع بحقوقها الدونية؛ أي في كونها موضوع نفقة ووارثة لنصف ما يرث أخوها ولنصف ما يرثه زوجها منها وزوجة بين الزوجات وممنوعة من التزوج من غير المسلم ومجبرة على العدة وغير مؤهلة لتنقيل النسب... إنها "مكرمة" من خلال هذه الآليات الفقهية التي تحمي تبعيتها وتكرس ضعفها. في النظر الإسلاموي، يشكل احترام هذه المقتضيات أقصى درجة أخلاقية، بل إنه النظام الأخلاقي بعينه، بل إنه لا أخلاق خارج ودون هذا النسق. إسلامويا، لا أخلاق خارج نسق أبيسي يقوم على التمييز اللامساواتي بين الجنسين. في نظر الإسلاموية، لا بد إذن من الفصل الفيزيقي بين الجنسين، لا بد من الحجب الجزئي أو الكلي لجسد المرأة العورة/الشيطان/الملهي عن العبادة/المسبب للفتنة... طبعا، لا تعي الإسلاموية أن أخلاقها هاته تشكل في نظر العقل الدولي الحداثي نظاما لا أخلاقيا استعباديا مهددا ومهدما للعدالة الاجتماعية في معناها العقلاني المدني، ونظاما يبعث على الشفقة أوالاستهزاء. فالنظام الأخلاقي الجديد غير فاصل وغير مميز على الصعيد الجنسي؛ بمعنى أن الاختلاف في الجنس (ذكورة/أنوثة) وفي الميل الجنسي (مثلية/غيرية) وفي الوضع الزوجي (متزوج/غير متزوج) اختلاف لا ينبغي أن تقوم على أساسه قوانين تمييزية قمعية سالبة للحريات الفردية. أساس الأخلاق الحداثية الإنسية هو العقل، ذلك القاسم المشترك بين كل الأفراد وبين كل الثقافات وبين كل المجتمعات، والذي بدونه لا يمكن التواصل، والذي يستطيع لوحده دفع الكل إلى تبني قواعد سلوك مشتركة تضمن التعايش بين كل المواطنين في نفس القطر، بل وبين كل مواطني العالم. خارج العقل حروب أديان، وتصبح جهنم للآخرين الذين لا يدينون بدين المتطرف العنيف، ومن بينهم الإسلاموي الإرهابي الجهادي. في نظر الإسلاموي، الإسلاموي وحده يدخل الجنة. أليس من البديهي أن الأخلاق الناتجة عن العقل، غير الناتجة عن الخوف من الإله، هي أخلاق الإنسان الراشد الذي لا يحتاج إلى خوف لفعل الخير؟ أليست هي الأخلاق الوحيدة التي يمكن الاتفاق حولها، لأنها وحدها أخلاق عقلانية؟ وبالتالي مؤهلة لأن تكون عالمية لأن العقل وحده عالمي؟

في هذا الإطار، ما هو واقعي هو نسَوية إسلامية دافعنا عنها منذ 1987 عندما طالبنا بإعادة النظر في مبدأ "لا اجتهاد مع وجود النص". فكل نص قابل للاجتهاد وكل نص يهم العلاقات بين الجنسين نص يقع "عقلانيا" في حقل المعاملات؛ أي في حقل المتحول. لا بد من القول إن النَّسَوية الإسلامية نسَوية انتقالية بالنظر إلى استحالة علمنة قانون الأسرة لاعتبارات سياسية. وبالتالي، يتبين أن دور النَّسَوية الإسلامية هو إعمال مبدأ الاجتهاد اللامحدود من أجل القضاء على التمييز القانوني بين الجنسين وإحلال المساواة القانونية في الحقوق الأسرية بالخصوص. إنه الحقل الذي يقاوم الحداثة المساواتية بامتياز. إن النَّسَوية الإسلامية، المنطلقة من إيمان جدري بضرورة المساواة الحقوقية بين الجنسين، تعمل المنهجين اللغوي والتاريخي في إطار اجتهاد يتجاوز المعنى الظاهر للآيات التمييزية ليبين نسبيتها وضرورة تجاوز ذلك المعنى. من أجل المصالحة بين النَّسَوية والإسلام، لا بد من أن تكون النَّسَوية هي نقطة الانطلاق ونقطة الوصول، المرجع الأول والأخير، لأنها عين العلم (العقل) وعين العدالة (الاجتماعية). أما التشريعات غير المساواتية، فمصيرها الفناء... وفي ذلك الفناء تطهير للدين من كل ما هو ليس بدين، من كل ما هو سياسة وإرادة قوة، أي ارتقاء بالدين إلى معناه الصميمي: الدين أداة للارتقاء الروحي وأداة للتعامل مع الآخر على قدم المساواة، وبالخصوص مع المرأة كآخر جذري.

 


 

 

[1] USFP. Documents. Rapports sur la femme, 1975, pp. 11 et 14

[2] Nadia Yassine au congrès sur le féminisme islamique organisé a Barcelone du 27 au 29 octobre 2005

[3] Arraya, Casablanca, 2 Avril, 1996, p. 4

[4] Citée par Cerise Maréchaud : «Peut-on être islamiste et féministe?», Telquel, N° 224

[5] Ibid.