الحركة النسائية في الوطن العربي: نحو قراءة نقدية لمسار النضال في تونس والمغرب
فئة : أبحاث محكمة
الحركة النسائية في الوطن العربي:
نحو قراءة نقدية لمسار النضال في تونس والمغرب
ملخص:
تتناول هذه الدراسة إشكالية الحركة النسائية في العالم العربي، مركزة على كيفية تكوين الوعي النسائي بين النساء القادمات من مناطق متعددة في الوطن العربي، حيث لم يكن مصطلح "النسائية" مستخدمًا في بدايات الحركة.
تركّز الدراسة بشكل خاص على تاريخ الحركة النسائية في المغرب العربي، مع إيلاء اهتمام خاص لتجارب المغرب وتونس، اللتين كان لهما دور بارز ومماثل لمصر في ظهور نسائية حيوية وفاعلة. وتطورت الحركة النسائية في البداية ضمن سياق النضال الوطني العام من أجل الاستقلال، إلا أن هذه الحركة تحولت تدريجياً إلى تركيز مباشر على قضايا المرأة، متنقلة من أفق التحرر الوطني إلى أفق التحرر الجنسي والاجتماعي والثقافي. وتستند الدراسة إلى المنهج الجندري التحليلي، حيث تبرز الدور الأساسي للخطاب النسائي في معالجة قضايا جوهرية، من أبرزها حق التعليم، وحقوق المرأة الاقتصادية، والتمكين السياسي عبر الحق في التصويت والمشاركة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، تتناول الحركة محاولات التغيير العميق لقوانين الأسرة، خاصة تلك التي تنظم العلاقات بين الجنسين، من خلال السعي نحو تحقيق المساواة الكاملة والمناصفة بين الرجال والنساء. يؤكد هذا التحول على الدور المهم الذي تلعبه النسوية العربية في مواجهة التحديات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وفي إعادة تشكيل المفاهيم التقليدية المتعلقة بالنوع الاجتماعي داخل النسيج المجتمعي العربي.
مقدمة:
ظهرت "النسائية" أو "النسوية"[1] في السياق الفكري العربي الإسلامي مبكرًا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، غير أن قضية المرأة بالعالم العربي لم تتحول إلى إشكالية للتفكير والبحث العلمي الدقيق إلا في العصر الحديث، حيث تزامن تناول "قضية المرأة"، ولاسيما في إطار الفكر الغربي الحديث والمعاصر، مع منظومة متداخلة ومعقدة من التحولات السوسيو- ثقافية والسياسية التي عرفها المجتمع الغربي الحديث، مجتمع المأسسة والتنظيم والعقلنة... وما نجم عن ذلك كله من تطور كمي ونوعي في المعارف والعلوم والتقنيات وأنماط التعليم والتكوين، ومن "تخصص وظيفي"، و"تقسيم جديد للأدوار الاجتماعية"... ومن قيم ومفاهيم حداثية جديدة تخص الأسرة والمرأة والعمل والطفل ومختلف العلاقات الإنتاجية والاجتماعية المتعددة، وبكل ما يترتب عن ذلك من أدوار وأوضاع ووظائف مستحدثة...[2].
وبفعل عوامل المثاقفة، امتدت آثار الفكر النسائي الكوني إلى العالم العربي، وتميز هذا الأخير بكون بعض المثقفين من الرجال العرب، إضافة إلى العديد من النساء طبعا، هم من رفعوا تحدي النضال النسائي؛ وذلك لسببين: الأول، هو أن النساء العربيات في هذه الحقبة من التاريخ كن سجينات المجتمع التقليدي، الوصاية والأمية، باستثناء حالات نادرة جدًّا مثل هدى الشعراوي بمصر، ونظيرة زين الدين في لبنان. ثانيا أن قضية المرأة كانت تندرج ضمن إشكالية الإصلاح التي شغلت بال المفكرين المتنورين لرواد فكر النهضة أمثال: رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، هدى الشعراوي، نظيرة زين الدين في المشرق، وفي المغرب العربي مصطفى كمال، الطاهر حداد، حبيبة المنشالي، منوثة الورثاني، وعلال الفاسي...، ومن ثم، فإن التناول المعرفي الاجتماعي لـ "قضية المرأة" تم في ضوء مفاهيم وقيم وتحولات العصر الحديث، ولم تتشكل ملامحه الأساسية الأولى إلا مع بدايات الفكر النهضوي الجديد، الذي ظهر نتيجة الاحتكاك المباشر بالاستعمار، وكذا غير مباشر؛ أي عبر أشكال من التواصل والتثاقف أو الصدام بالحضارة الغربية.
أولا: سياق نشوء الحركة النسائية بالوطن العربي
بدأت حركة النسوية في العالم العربي في أواخر القرن التاسع عشر، مترافقة مع ظهور الحركات القومية التي سعت إلى استقلال الدول العربية من الاحتلال الاستعماري. كانت النسوية العربية في بداياتها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنضال الوطني، حيث نشأت وعي المرأة بحقوقها ضمن إطار النضال من أجل استقلال بلادها، ولاحقًا تحولت إلى حركة تطالب بحقوق النساء بشكل مستقل[3]. ويرتبط سياق نشأة الحركة النسائية في الوطن العربي بصيرورة تاريخية ممتدة بدأت مع حركة النهضة في أواخر القرن التاسع عشر واستمرت حتى اليوم، ويمكن تقسيمها إلى عدة مراحل رئيسة:
المرحلة الأولى: مرحلة النهضة وتمتد من أواخر القرن التاسع عشر وحتى الثلاثينيات من القرن العشرين، وفيها تم التركيز على مجموعة من المطالب الاجتماعية كحق المرأة في التعليم والعمل، ونوقشت بعض القضايا مثل الضوابط التي يمكن أن تحكم خروج المرأة، وطبيعة المجالات التي يمكن أن تشتغل فيها، وقد كان لمجموعة من المفكرات والمفكرين العرب دور مهم في الدفاع عن حقوق المرأة في مقدمتهم رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده وصولًا إلى قاسم أمين وسلامة موسى وهدى الشعراوي ومي زيادة ثم الطاهر حداد وعلال الفاسي وغيرهم من مختلف الأجيال والمرجعيات وأيضا الأقطار العربية[4]... وانقسم الفاعلون الرئيسيون في هذه المرحلة إلى تيارين: أحدهما يدعو إلى النهل من معين الشريعة الإسلامية وإعمال النظر والاجتهاد فيما استجد من تطورات، وتيار ثانٍ يميل إلى تبني مرجعية الغرب وقوانينه ونظمه وأفكاره بشأن قضية المرأة[5].
في هذه المرحلة كان التركيز على مطالب اجتماعية أهمها قضية هي تعليم المرأة، إلا أن هذه القضية ارتبطت لتكون أمًّا وربّة بيت صالحة، وليس من أجل توعيتها وتحريرها الذاتي، وعندما نعود إلى قاسم أمين في كتاباته الأولى، نلاحظ أنه ركز في حججه على أن المجتمع في حاجة إلى تعليم المرأة؛ لأنها هي من ستربي الناشئة، هكذا يبين أن الدفاع عن تحرير المرأة كان من أجل استغلالها في حسن تنشئة المجتمع وليس من أجل تحسين شرط وجودها الذاتي. إن قضية تحرير المرأة في البداية ارتبطت بقضايا تتجاوز المرأة في ذاتها، وإنما بوظيفة الأمومة.
المرحلة الثانية: وتشمل الفترة الزمنية الممتدة من نهاية الثلاثينيات إلى نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، وقد تجاوزت النسائية في هذه المرحلة مطالبها الإجتماعية إلى المطالبة بالحقوق السياسية، حيث انخرطت النساء في حركات التحرر الوطنية آنذاك، وهي دعوات تبنتها قيادات نسائية تحسب على الأحزاب الليبرالية أو الماركسية، في حين أحجمت الإسلاميات عن المناداة بمثل هذه المطالب، رغم انخراطهن بقوة في حركة مقاومة الاحتلال[6].
تميزت هذه الفترة بسقوط الخلافة وظهور مخاوف التحديث الخارجي (الاستعمار)، وتعد بداية التحديث بالدول العربية الإسلامية، لكن كانت تصاحبها مخاوف كثيرة، مخاوف من هذا الوافد الجديد (الحداثة)، مخاوف من سقوط دولة الخلافة وصعود أنظمة سياسية حديثة تقوم على الديمقراطية؛ لأن الدول العربية آنذاك كانت غير مهيأة لتقبل هذه الصدمة؛ أي الحداثة/التحديث وما تحمله من مفاهيم وآليات جديدة. في هذه المرحلة بالذات ظهرت الصحوة الدينية الإسلامية من جهة، وارتفعت أصوات نسائية من جهة ثانية. الأولى كرد فعل على سقوط الخلافة، وبالتالي محاولة استرجاع الحركة الإخوانية خاصة بمصر؛ ففي سنة 1928 حاول حسن البنا وجماعته تأسيس هذه الحركة كرد فعل على الوضع السياسي والاجتماعي وأيضا على التحديث، في محاولة لإحياء المجد القديم، بينما عرفت الثانية ارتفاع أصوات نسائية ليست فقط للمطالبة بالاستقلالية من الاستعمار، ولكن أيضا للتنديد بالقهر الذي كن يعشنه.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة ما بعد الاستقلال، مرحلة صعود القوميات وبناء الدولة الوطنية، وفيها امتلكت الدولة ناصية العمل النسائي، وأخضعت كل التنظيمات النسائية تحت سلطتها، خاصة خلال فترة الستينيات والسبعينيات، وقد أقدمت على تقنين أوضاع النساء عبر إصدارها قوانين العمل وقوانين الأسرة، وبصفة عامة شهدت هذه المرحلة تراجعًا في المطالب النسائية، على خلفية احتداد الصراع مع الدولة الصهيونية الذي غطى على كثير من المشكلات القائمة أنداك. بينما في فترة الثمانينيات والتسعينيات عرفت نشأة الحركة النسائية بالمفهوم الحديث، وفيها حاولت الدولة الحديثة أن تدمج الحركة النسائية ضمنها وصار ما يعرف بـ "نسائية الدولة".[7]
عرفت هذه الفترة تصاعد التيار الإسلامي الأصولي، وفي نفس الوقت تصاعد أصوات النساء الحداثيات (التيار النسائي اليساري)، مما نتج عنه صراع، بل سباق بين التيار الإسلامي والتيار اليساري الحداثي؛ لأن التيار الإسلامي أنتج نسائية وقيادات فيها نساء منضوية ضمن حركة الإخوان، وبدأن يدافعن عن المشروع الإخواني ضد الأصوات النسائية الحداثية التي تدافع عن حقوق النساء. غير أن التيار النسائي اليساري سوف يدخل في صراع أخر، لم تعد المواجهة فقط مع المد الإسلامي، بل أيضا مع الدولة؛ لأنه في فترة التسعينيات حاولت الدولة أن تسيطر على أصوات النساء وإخضاعهن لمفهوم بناء الدولة الوطنية.
المرحلة الرابعة: مرحلة انسحاب الدولة وبروز سلطة العولمة، ويؤرخ لها منذ نهاية التسعينيات ولا تزال ممتدة إلى الآن. وفي بدايتها شهدت الدول العربية صحوة أفرزت تيارًا نسائيًّا إسلاميا تشكل من نساء الطبقة الوسطى، وقد عبر هذا التيار عن ذاته في تأسيس جمعيات نسائية على أسس ومرجعيات إسلامية[8]. كما تجلت هذه المرحلة أيضا فيما بعد الثورات العربية، حيث شاهدنا حركة كبيرة لصوت النساء، لكن باختلاف السياقات العربية بين البلدان؛ بين بلدان نجحت فيها الثورة نسبيا، وبلدان سقطت في الفوضى بعد الثورة من جهة، وبين الدول التي حدثت فيها الثورة والدول التي لم تحدث فيها الثورة، هذه البلدان حدثت فيها ثورة على مستوى العالم الرقمي الافتراضي الذي هو في حد ذاته ثورة لم يستطع أي نظام أن يصدها أو يوقفها، وأهم ما جاءت به هذه الصحوة هو الصوت النسائي السعودي، وقيام نساء سعوديات بالمطالبة ببعض الحقوق.
إن الحركة النسائية في العالم العربي الإسلامي أثارت العديد من ردود الأفعال منذ نشأتها، لكنها سوف تعرف منعطفا جديدًا في سنوات التسعينيات مع ظهور الحركة النسائية الإسلامية[9]من طرف النسائيات الإيرانيات في بلاد الهجرة، حيث كن يرغبن في تبني خطاب جديد في أواسط النساء المؤمنات في الجمهورية الإيرانية، ومن أجل بلورة أفكارهن، تم تأسيس "مجلة زنان" التي تعني النساء باللغة الفارسية، ويحدد الباحثون هذه الحركة كحركة إصلاحية ستفتح الباب أمام رؤى وآفاق جديدة من أجل المساواة بين الجنسين، ومشاركة النساء في الخطب والمذاهب الدينية، وكذا على مستوى الممارسة الدينية والفقهية وألا تبقى حكرًا على الرجل[10].
حسب هؤلاء النساء، فالإسلام يمنح وضعا متميزا بالنسبة إلى الرجل، هذا الوضع جعله يقوم بتأويلات متحيزة له ومنذ البدايات الأولى للإسلام. إن الحركة النسائية الإسلامية هي خطاب بلورته مجموعة من النساء المتعلمات والحضريات، وكذا بعض الرجال الذين أعادوا قراءة النص القرآني ودراسة بدايات الإسلام؛ وذلك من أجل إعطاء معنى أقل ذكورية للدين الإسلامي، فهن يردن التمتع بحقوق أكثر واستثمارها أكثر والمشاركة في القيام بالواجبات الدينية والحث عليها.
يرى العديد من الباحثات والباحثين أن الحركة النسائية الإسلامية هي إصلاح ديني من أجل تغيير الصورة النمطية التي يروج لها الإسلام للعالم. هذه الحركة يجب اعتبارها كجواب للنساء اللواتي أحسسن بخيبة الأمل من الوعود التي قطعتها الحركات الإسلامية، وكذلك هي تعبير عن رفض المشروع الأصولي منذ بداياته ومحاولة استرجاع الذين ممن يرونه حركة إسلامية خطيرة[11]، هؤلاء المناضلات النسائيات ينحدرن من دول مختلفة: إيران، المغرب، مصر، الجزائر، تونس، ماليزيا، وكذا من دول غير إسلامية كالولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا وبعض الدول الإفريقية.
بالمقابل، لم تحظَ هذه الموجة من الحركة النسائية بالقبول داخل الأمة الإسلامية، حيث أثارت ردود أفعال كثيرة وانتقادات من طرف الرجال؛ إذ لا نجد إلا فئة قليلة ممن يدافعون عنها، حيث يرون أن لهن الحق في نضالهن عن حقوقهن. وبالتالي بدأت هذه النسائية تطرح أسئلة كبيرة وعميقة حول الإسلام، المرأة والحقوق، المهر وعقد الزواج والقوامة والعلاقة الزوجية وتعدد الزوجات. هذه الأسئلة من الممكن أن تساعد على تكريس المساواة بين الجنسين، وتسهم في تطوير القوانين وتأسيس مجتمعات إسلامية عادلة وحداثية.
هناك مجموعة من النساء خضن معركة انتزاع حقوقهن، حيث إن البعض وضعن حياتهن على المحك من أجل تحقيق مطالبهن، فحالة تسليمة نسرين، وأيان حرسي علي، ونجلاء كيليك، ووفاء سلطان خير مثال على ذلك. فالإسلاميون المتشددون يبحثون عنهن لقتلهن بسبب سلوكهن المرفوض من طرف المسلم الأصولي، ولمعارضتهن للنظام السياسي القائم، فرؤية تلك النسوة تنطلق من فكرة كون الإسلام بالنسبة إليهن هو رجعي، ويقف عثرة حجرة نحو تقدم المرأة في المجتمع.
الحديث عن الحركة النسائية في العالم العربي الإسلامي، يعد موضوعًا خاصًّا بالبحث، لهذا سوف نركز في عملنا هذا على الحركة النسائية بالدول العربية الإسلامية المغاربية، وخاصة تونس والجزائر والمغرب بشكل أساسي، ومبررنا في ذلك هو أنه لا يمكن دراسة الحركة النسائية – كموضوع- في جزء ضيق من البحث؛ لأنه موضوع شاسع وجدير بالبحث هذا من جانب. أما تركيزنا على بعض الدول (تونس، الجزائر، المغرب) فكونها تعد من أهم البلدان التي تعرف تقدما كبيرًا على مستوى الحركة النسائية خاصة، ووضعية المرأة عامة، بينما بعض الدول مثل موريتانيا وليبيا، فهي بلدان لا نعثر فيها إلى حد ما عن أي دينامية فيما يتعلق بهذا الموضوع، ومازلت راكدة على هذا المستوى.
ثانيا: الحركة النسائية في تونس
شهدت الحركة النسائية في تونس محطات عديدة؛ فمن حركة نسائية منصهرة في الحركة الوطنية للتحرر من الاستعمار إلى حركة نسائية تابعة للدولة أو خاضعة للدولة Féminisme d’Etat إلى حركة نسائية مستقلة، حيث أحدثت مدونة الأحوال الشخصية من طرف رئيس الجمهورية التونسية محمد بورقيبة دعامة أساسية لحقوق المرأة التونسية، فقد كان هدفه هو بناء نظام سياسي حداثي مدعوم من طرف الطبقات المتوسطة قصد مواجهة الهيمنة الذكورية الدينية. ومنذ سنة 1956 منع تعدد الزوجات وقام بتقنين الإجهاض وسمح بالطلاق القضائي، كما طالب بالمساواة القانونية، باستثناء مسألة الإرث التي سيتم وضعها في أواسط سنوات التسعينيات. إن وضعية النساء في تونس تشبه إلى حد ما وضعية النساء الغربيات، وهذا الأمر مدهش بالنسبة إلى بلد إسلامي. لكن لا شيء كان سهلا، الرئيس التونسي بالمقابل لم يضع في مخططه تحرير المرأة بشكل سريع، ولهذا الغرض قام بتأسيس "الاتحاد الوطني للنساء التونسيات"[12]، الذي أنيط به القيام بالدعاية لصالح سياسته النسائية. فحسب خطاب ألقاه بتاريخ 26 دجنبر 1962، أعلن "يساهم العمل في تحرير المرأة، فمن خلال العمل تضمن المرأة أو الشابة وجودها وتصبح واعية بكرامتها"، وأضاف من خلال المؤتمر الثالث للاتحاد الوطني للنساء التونسيات "يجب حماية العائلة من خلال المحافظة على امتياز للرجل الذي يبقى دوره محوريًّا"[13].
ولم تكن مدونة الأحوال الشخصية لوحدها داعمة لحقوق المرأة، بل تعزز ذلك بوضع سياسية عمومية للتنظيم العائلي انطلقت سنة 1964، ودُعمت في السبعينيات بإحداث "الديوان الوطني للتنظيم العائلي" الذي اضطلع بمهمة تنظيم الصحة الإنجابية وتشكلت داخل المعاهد نوادٍ للتربية الجنسية، وكانت تونس سباقة إلى تنظيم الحق في الإجهاض وإحاطته بشروط صحية. فكان لهذه السياسة العامة الأثر الكبير على تحرير المرأة من الأعباء العائلية وخروجها إلى الحياة العملية خارج المنزل وتحررها اقتصاديا.
لم تكن هذه المكاسب التي حققتها المرأة التونسية لتخفي هشاشة هذه المنظومة لارتباطها بنظام سياسي، وإن كان قد نجح إلى حدٍّ ما في بناء الدولة الحديثة، إلا أنه فشل في تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وتم استغلال ذلك على السواء من طرف القوى والحركات المناهضة لحقوق المرأة، وتلك التي ترى أنه لابد من إرجاء ما سمي بقضية المرأة إلى ما بعد تحقيق الديمقراطية[14].
في نهاية السبعينيات ولجت الإسلاموية المجال التونسي، وكانت البلاد تعيش تحت وطأت الإضرابات عن الطعام والاستشهادات، أرادت الحركات الاسلاموية المحافظة علىالتدخل وإصلاح الوضعية من خلال منع زواج المسلمين من غير المسلمين. وعليه، فبموجب قانون يرى الزواج المختلط غير مقبول، إذا لم يعلن أحد الأطراف هذا الزواج عن إسلامه، إلا أنه وللأسف الشديد، أقرت المحاكم التونسية بهذا الاختيار. مما نتج عنه في سنة 1973 استقالة راضية الحداد بعد معارضتها خيار الرئيس بشأن اختياره لأعضاء المكتب السياسي لحزبه.
في سنة 1976 وخلال المؤتمر السادس "للاتحاد الوطني للنساء التونسيات"، صرح بورقيبة بما يلي: "ليس من الضروري بالنسبة إلى المرأة ممارسة أنشطة مدرة للدخل خارج بيتها" «Il n’est pas nécessaire que la femme exerce des activités rémunérées hors de son foyer»[15]. وبهذا خضع محرر النساء التونسيات لطلب المحافظين، وقرر التعديل من سياسته. مرضه وتقدمه في السن لم يسمحا له بمواجهة ضغوط المحافظين. لكن بالمقابل بالنسبة إلى بورقيبة كان تحرير المرأة من الممكن أن يسهم في تحرير الاقتصاد.
ارتباطا بهذه الظرفية، قررت مجموعة من النساء التونسيات اعتماد خيار الاستقلالية؛ أي عدم التبعية لأي حزب سياسي، وفي هذا الإطار ظهرت العديد من الجمعيات التي تتبنى هذا الطرح من قبيل "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" و"جمعية النساء التونسيات الجامعيات من أجل البحث والتنمية". أما بالنسبة إلى "الاتحاد الوطني للنساء التونسيات" أصبحت موضع تساؤل وشك، حيث حملت على عاتقها الدفاع عن المدونة، التي أصبحت موضوع سهام الإسلاميين[16].
اعتمادا على هذه الأرضية التي بفضلها نشأت الحركة النسائية المستقلة في الثمانينيات، لتحاول فك الارتباط ما بين نظام سياسي فرض على المرأة مقايضة بين حقوقها وممارسة الديمقراطية، كان لا بد للنساء و -المثقفات منهن خاصة- أن يعلن عن تمردهن على هذا الوضع والدخول في معركة "تقرير المصير" وكان ذلك بخوض أشكال عديدة من النضالات على المستوى الثقافي: نادي الطاهر الحداد، جريدة نساء، ورشات البحث والكتابة والنشر والنقابي: اللجان النقابية النسوية، وعلى المستوى السياسي: مناهضة السياسة القمعية للحريات وحركات التحرر... وكانت كل تفرعات الحركة النسائية التونسية وامتداداتها في علاقة مد وجزر مع السلطة السياسية التي كانت تقايض باستمرار ما بين إعطاء مزيد من الحقوق للنساء وتلجيم التطلعات الديمقراطية، مما أدى إلى تصدعات داخل الحركة النسائية وتوجيه عملها في أواخر التسعينيات من القرن الماضي والعشرية الأولى من القرن الحالي[17].
لكن وبعد أحداث 14 يناير 2011 التي شهدت تواجد المرأة بشكل قوي في كل التحركات النضالية، وما تبعها من تحولات خاصة في المجال السياسي، كان أهمها وضع دستور 2014، وفيه وقفت الحركة النسائية التونسية سدًّا منيعا أمام كل القوى التي كانت تنادي بالتنصيص في الدستور على أن المرأة مكملة للرجل، بل طالبت بدسترة المساواة التامة بين المرأة والرجل، ولقد أقرّ فعلا الفصل 21 من الدستور الجديد المساواة بين النساء والرجال. أما على المستوى النيابي، فقد نص الفصل 34 من دستور 2014 على أن الدولة تعمل على ضمان تمثيلية المرأة في المجالس الانتخابية، وقد تجسد ذلك بالفعل في القانون الانتخابي الذي أقر المناصفة، حيث لا تقبل القائمة التي لا تتضمن مناصفة مترشحين من الجنسين وحسب ترتيب تناوبي امرأة رجل أو رجل امرأة[18].
في عام 2017 برزت الحركة النسائية التونسية بقوة، وتسارعت خطواتها نحو المزيد من الحقوق، حيث تمت في 13 غشت 2017 المصادقة على القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، وتكوين لجنة تقرير الحريات التي سوف ترصد كل أشكال التمييز، ويقدم مشروع للقضاء على كل أشكال التمييز ليس فقط بين المرأة والرجل، بل حتى بين المنتمين لأديان مختلفة، غير أن المطلب الأساسي بالنسبة إلى المرأة التونسية في هذه المرحلة هو مطلب المواطنة الكاملة، والاعتراف بها مواطنة كاملة الحقوق والمساواة في الإرث ليس سوى شكل من أشكال المواطنة التامة، وبالتالي إلغاء كل أشكال التمييز.
على الرغم من هذه الإنجازات التي حققتها المرأة التونسية، خاصة على المستوى الحقوقي والسياسي، فإنها ما تزال تتعرض لضغوطات من طرف القوى الإسلاموية المعارضة لكل إصلاح فيما يخص تقدم المرأة، وبخاصة فيما يتعلق بولوجها إلى المؤسسة التشريعية التي تمكّنها في نهاية المطاف من الوصول إلى مراكز القرار السياسي.
ثالثا: الحركة النسائية المغربية وتحديث المجتمع
إن محاولة التأريخ للحركة النسائية المغربية يصطدم بمجموعة من العوائق أهمها لحظة التأسيس الأولى، حيث نسجل أن هناك اختلافات كثير بين الباحثات والباحثين في هذا الأمر، وهو ما سوف نتبينه في هذا المحور الخاص بالحركة النسائية المغربية. أما من وجهة نظرنا، فإن الأمر يتطلب وضعه في سياقين أو مستويين أساسيين، وهما: المستوى الفكري والتنظيري، ثم المستوى النضالي السياسي (الواقعي).
1-على المستوى الفكري والتنظيري
منذ النصف الأول من القرن العشرين، انخرطت النسائية المغربية، وبالضبط مع انطلاق الحركة الوطنية، وانطلقت معها التوعية النسائية وبدأ القصر الملكي بزعامة الملك محمد الخامس يأخذ مبادرة التحسيس والتوعية بضرورة تعليم المرأة، حيث شكلت أغلب خطبه التفاتة واضحة نحو قضية المرأة. ففي خطاب العرش 18 نونبر 1944 وجه نداء للشعب المغربي جاء فيه "أود من أبناء شعبي القيام بمهمة تعليم الفتاة وإنقاذها من الجهالة والغباوة"[19]، كما جعل الملك محمد الخامس الأميرة لالة عائشة قدوة للنساء المغربيات وشجعها على حمل مشعل قيادة الصحوة النسائية كما تؤكد ذلك مليكة الفاسي بقولها: "وهكذا نرى من جلالة مولانا الإمام أعزه الله، ومن سمو قرة عينه الأميرة حفظها الله، دافعا لنا على اقتحام أبواب العلم والعرفان واقتفاء أثر نصائحه وإرشاداته"[20]. في هذا السياق، قامت خطابات الحرية والمساواة والدفاع عن حقوق المرأة.
وقد انطلقت تجليات الوعي النسائي المبكر بارزة في خطابات الأميرة لالة عائشة ونشاطاتها السياسية، فالخطاب التاريخي الذي ألقته سنة 1947 بمعية والدها الملك محمد الخامس، كان له بالغ الأثر في تعبئة نساء المغرب، وزرع بوادر الوعي بحريتهن ومساواتهن الاجتماعية؛ فهناك العديد من يرى أن هذا الخطاب كان بمثابة الانطلاقة الفعلية لقضية المرأة المغربية وإدماجها في المقاومة ضد الاستعمار. وقد شكل هذا الخطاب من وجهة نظر العديد من النسائيات المغربيات ثورة غير مسبوقة في صفوف النساء خصوصا، حينما برزت الأميرة سافرة الرأس فوق المنصة تخاطب النساء والرجال تشجيعا من والدها، حيث صرحت "والدي دفع بي نحو الحركة النسائية"[21].
لقد كان هذا الخطاب بمثابة الشرارة التي سوف تؤشر لمجوعة من النساء برفعهن أقلامهن نحو الكتابة في الجرائد والمجلات الوطنية، على الرغم من أن بداية الكتابة النسائية كانت حكرًا في صفوف نساء الطبقة البورجوازية الارستقراطية[22]، وتمثل مليكة الفاسي أهم هذه النسائية، حيث كتبت مقالات كانت عبارة عن نهضة في النسائية المغربية؛ إذ طالبت بضرورة تعليم الفتاة المغربية وإنشاء مدارس وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الجنسين، ومن خلال مجموعة من اللقاءات الصحفية ك- كتاباتها في جريدة "العلم" ومجلة "المغرب" تحت اسم "باحثة الحاضرة"، كانت تؤكد دوما على ضرورة مشاركة المرأة في الحركة الوطنية والمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، والتي أبانت مدى قدرة النساء على التعبير عن آرائهن والدفاع عن مكانتهن بعد أن كن تحت رحمة الإقصاء، وكذا تحررهن من سجن "الحريم"، وهو ما أكدت عليه فاطمة المرنيسي بالقول: "إن تعليم الفتاة الذي لم يكن يفكر فيه خلال السنوات السابقة غدا مطلبا لدى الوطنيين سنة 1942، وكانوا يرون فيه ضرورة ملحة للوصول إلى هدفهم أي الانتصار على الفرنسيين"[23].
لقد أكدت مليكة الفاسي من خلال كتاباتها أن المرأة المغربية مضطهدة من طرف المستعمر ومن طرف الرجل المغربي أيضا، وأن تحديث المجتمع المغربي لا يمكن تحقيقه وبلوغه من دون امرأة متعلمة وعاشقة للمعرفة، تقول: "لا نهضة إلا إذا شاركت فيها المرأة ولا تقدم إلا إذا تقدمت المرأة"[24]. إن مليكة الفاسي كما تقول الكاتبة الأمريكية أليسون بايكار Alison Baker تشكل جيلا من النساء اللاتي تزعمن الحركة النسائية في المغرب[25].
لقد لقيت الحركة النسائية في بداياتها -ولو أنها كانت في مرحلة المخاض- تعزيزا وتشجيعًا حتى في صفوف الرجال. فصدر كتاب "النقد الذاتي" لـ علال الفاسي آنذاك الذي ساهم في التعريف بوضعية المرأة في المجتمع، وأبرز مكانتها في تطوير الأسرة والمجتمع؛ فقد خصص علال الفاسي فصولا في كتابه تلقي الضوء على قضايا عديدة تخص المرأة مثل الزواج والطلاق والتعدد. وأكد أن انحطاط المجتمع المغربي وتخلفه سببه الأول هو وضع المرأة في مرتبة دونية وحرمانها من حقوقها الطبيعية والمدنية. كما أكد أن تطوير المجتمع وتحديثه رهين بتمتع المرأة بجميع حقوقها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وإدماجها كشريك للرجل في مجالات الحياة على حد تعبيره "لا حياة لأمتنا ولا لأمة على وجه الأرض ما دامت المرأة محرومة من حقها وممنوعة من أداء واجبها، وأن كل نهضة لا تعير الالتفات إلا لجانب الرجل لهي نكسة لا توصل للخير أبدا[26]. وبهذا، فقد ساهم علال الفاسي في نشر وعي المرأة بحقوقها، وإن كانت هذه الدعوة مشوبة بنظرة محافظة إلى حد ما كما ترى كل من رجاء الرهوني[27] وزكية داود؛ [28] لأنه كان يتحدث انطلاقا من مرجعية دينية محافظة لم تساهم بالشكل المطلوب في تحرير المرأة، إلا أنه ظل رائدا ومدعما للحركة النسائية المغربية في بدايتها، وساهم في نشر وعي نسائي في صفوف النساء والرجال معا.
غير أن الكتابة النسائية سوف تعرف نوعا من الحركية والتقدم بعد الاستقلال، حيث أخذت جرأة في المطالبة بتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، واقترنت الحركة النسائية بتطور الكتابة النسائية كآلية للتعبير عن وضعها الدوني، وهنا يمكن الإشارة إلى إبداعات كاتبات مغربيات أمثال خناثة بنونة، زينب فهمي، فاطمة الراوي، زكية داوود وغيرهن، فكتاباتهن بالرغم من اختلافهن، شكلت بصمة نسائية قوية في ذلك الوقت، فكتابة خناثة بنونة -هذه الرديكالية- كان لها دور كبير في تحطيم الصمت وبعث الكلام في صفوف نساء تعبن من الإقصاء والتهميش والدونية[29]. فإذا كانت مليكة الفاسي دعت إلى تحرير المرأة من الجهل ومنحها حقها في التعليم، فإن خناثة بنونة دعت إلى تحرير المرأة من قيود الصمت ومن ترسبات أفكار التقليد التاريخي الذي يميز بين المرأة والرجل منذ الولادة، وتطرقت لقضايا تهم هوية المرأة وشخصيتها الأنثوية، وضرورة توعيتها للتخلص من إيديولوجيا النظام الذكوري التي تم توريثها عبر الأجيال، وهو الأمر الذي قامت به أيضا زينب فهمي من خلال انتقادها للمجتمع الذكوري وهيمنة أفكاره على أجيال عديدة من النساء؛ فقد أكدت أن حرية المرأة غالية جدا ولا يمكن أن تعوض بمنزل جميل أو أثاث باهظ تحبس داخله وتسجن بين قضبانه المرأة. فبالرغم من الأزمة السياسية التي عرفها المغرب في فترة الستينيات والسبعينيات، إلا أن النساء واصلن مجهوداتهن في رفع الحجر والوصاية عن المرأة وربط قضيتها بما هو قومي وطني.
منذ الخمسينيات بدأت الصحوة الفعلية لنساء المغرب ووعيهن بضرورة التحرر من تقاليد المجتمع الأبيسي والانطلاق للمشاركة في بناء مجتمع حديث، لهذا كان من أهم مطالب النسائية آنذاك هو حصول المرأة على حقها في التعليم والتمدرس؛ لأنه المدخل الأساسي لبناء مجتمع ديمقراطي حداثي.
في مرحلة الثمانينيات والتسعينيات، سوف تصبح مطالب الحركة النسائية اجتماعية صرفه لتسير في مسار أكثر جرأة وحرية، حيث بدأت الحركة في التأسيس لوعي المرأة بجسدها وجنسانيتها، وحاولت أن تفكك الخطابات المهيمنة على المرأة المغربية، وتبرز منظورات وتأويلات جديدة عن الجنسانية. وهنا نسجل أيضا دور مجموعة من الرجال الباحثين إضافة إلى الباحثات في نشر وعي ثوري يعكس تعاريف ومعاني جديدة للجسد وللجنسانية بعيدا كل البعد عن الأفكار الذكورية ومتجاوزة إياها، فظهرت كتابات تحطم الطابوهات مثل كتابات عائشة بلعربي وغيثة الخياط، فاطمة المرنيسي، عبد الصمد الديالمي وسمية نعمان جسوس، وسناء العاجي ومحمد الصغير جنجار، هذا الأخير وضع مجموعة من المحددات النظرية للحركة النسائية المغربية، من أهمها نذكر التالي:
- النسائية لا تدخل حروبا نظامية، بل تمارس نوعا من حرب الاستنزاف وحروب العصابات الثقافية، حيث الحليف هو بالأساس تناقضات الخصم، ومجرى التاريخ.
- النسائية تعتمد على قراءة متبصرة لحركة التاريخ في زمانيته الطويلة، ومن ثم فهي تزاوج بين ذكاء الفعل ونجاعة الأداء.
- النسائية تعتمد تاكتيك تفجير تناقضات السياق التحديثي لتسريع وثيرته: تناقضات القانون المحلي/الدولي، تناقضات المحلي/المعيش المجتمعي، التناقضات بين القوانين المعتمدة وتطلعات الناس وانتظاراتهم، خصوصا الطبقات الوسطى التي تعد محرك التغير والتي تقتفي أثرها الشرائح الاجتماعية الأخرى.
- الحركة النسائية تعتمد تقنية مد الجسور باستمرار مع دوائر القرار (المجالس التشريعية، الدواوين الوزارية، البيروقراطية الحكومية، المجالس المحلية).
- الحركة النسائية تراهن على المعرفة وتستثمر فيها (فتح العلاقة مع الجامعة، ومع البحث العلمي) التصريف العلمي البيداغوجي للنظريات والمفاهيم الأكاديمية[30].
- هذه الكتابات أعطت دفعة قوية للحركة النسائية من أجل تحقيق المزيد من التقدم في قضية المرأة خصوصا والمجتمع عموما.
2- على المستوى النضالي والسياسي
يتجسد هذا المستوى في الحركة النسائية المغربية المرتبطة بالنضال لأجل تحرير الوطن، فقبل أن تدافع المرأة المغربية عن حقوقها وتناضل من أجل تحريرها، وتحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين، وبالرغم من ظلم التاريخ الذكوري لها، نجدها حاضرة بشكل كبير في الدفاع عن وطنها والمساهمة في المقاومة ضد المستعمر الفرنسي، فإذا كانت النسائية النخبوية المثقفة آنذاك قد احتكرت فعل الكتابة ونشر الوعي النسائي الوطني في صفوف المغاربة جميعا والمغربيات خصوصا، فإن النسائية المتوسطة والفقيرة حملت مشعل النضال والمقاومة، فلا أحد ينكر أدوار نساء ساهمن وشاركن في المقاومة المسلحة ضد المستعمر أمثال رحمة حموش، فاطنة مانصار، سعدية بوحدو، غالية مجاهيد، عائشة صنهاجي، زهرة طوريني، هانية العلوي، فاطمة الزيتوني... وغيرهن من النساء اللائي حملن السلاح ووقفن بجانب الرجل من أجل إعلاء كلمة واحدة، وهي تحقيق الحرية والتخلص من بطش المستعمر، وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية [31].
إلى جانب المقاومة المسلحة، نجد المرأة حاضرة في صفوف الحركة الوطنية التي تضمنتها شعارات الحركة النسائية. لقد أخذت الحركة النسائية المغربية شكلا رسميًّا منذ تأسيس جمعية "أخوات الصفا" و"النساء المغربيات" التابعتين لحزب الشورى والاستقلال سنة1947[32]، بالإضافة إلى القطاع النسائي لحزب الاستقلال. هذه المنظمات يمكن اعتبارها أصول الحركة النسائية المغربية. وقد شكلت "جمعية أخوات الصفا" شكلًا نضاليًّا منتظما للدفاع عن حقوق المرأة كالتعليم والطلاق والتعدد والحضانة، حيث كان لهذه الجمعية الفضل في تحفيز المغرب على بداية الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وإلى جانب الدفاع عن حقوق المرأة دافعت هذه الجمعية عن استقلال المغرب فكانت سندا رئيسا للحركة الوطنية، وكان نضالها جزء لا يتجزأ من النضال الأكبر ضد المستعمر[33].
في بداية الستينيات أول من انتبه إلى بناء حركة نسائية مستقلة عن الأحزاب السياسية، كان هو الشهيد المهدي بن بركة لما أصر على أن للقضية النسائية خصوصياتها النابعة من خصوصية الوضع النسائي الذي يتسم بالاستغلال والمعاناة المزدوجين. وكانت لدعوته هذه النتيجة الأولية التي تتجلى في إنشاء "منظمة الاتحاد النسائي التقدمي" من طرف مجموعة من المناضلات والنقابيات داخل "الاتحاد المغربي للشغل". وقد أخرج الاتحاد التقدمي مسيرة نسائية كبيرة في فاتح مايو 1962 على رأس مطالبها ولأول مرة، العدالة والمساواة[34]. لكن هذه المرحلة إلى حدود 1974 تميزت بنوع من الركود فيما يخص قضية المرأة، فحتى بداية حكم الحسن الثاني كان تطور المرأة ثابتا، بل إن النساء المغربيات كن راضين لمدة طويلة على مدونة الأحوال الشخصية التي تقوم على التشريع الإسلامي. ومعظم الجمعيات النسائية في هذه الفترة مثل "جمعية الإتحاد الوطني للنساء المغربيات" التي تأسست سنة 1969 كانت تهتم بالعمل الإحساني، وقد كان هذا الاتحاد تابعا للأحزاب السياسية خصوصا حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولم تكن قضية المرأة تشكل أولوية لهم.
من أهم النقط المضيئة في تاريخ الحركة النسائية المغربية هو ما تحقق للمرأة سنة 1975، فبالرغم من أن هذه الحقبة شهدت أحداثا سياسية جد مضطربة في المغرب، فإنها كما تقول عائشة بلعربي شكلت سنة انفراج بالنسبة إلى المرأة المغربية وغيرها على حد سواء [35] تؤكد بلعربي أن هذه السنة توالت فيها أحداث على المستوى الوطني والدولي، أثرت بالإيجاب على وضعية المرأة المغربية، فعلى المستوى الوطني تمكنت المرأة من تأسيس هيأة خاصة بالمرأة منبثقة عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وقد عبر هذا الحزب في بنوده بأن المرأة شخص كامل المواطنة، معتبرًا أن "المعركة التي تخوضها النساء في سبيل تحررها هو جزء لا يتجزأ من معركة الشعب بأكمله، والتي تهدف إلى تحقيق مكتسبات اقتصادية وسياسية واجتماعية"، واعتبر أن الإشكال الكبير مطروح على مستوى الجانب الاقتصادي، وهو مرتبط بضرورة تقسيم الثروات بين جميع المغاربة نساء ورجالا[36]. هذا بالإضافة إلى النقاشات التي فتحتها جريدة 8 مارس منذ 1983 والقطاع النسائي "لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي" الذي تأسس في نفس السنة، والذي راهن منذ البداية على الوصول إلى كل الفئات النسائية داخل المجتمع، من خلال شعاره "حركة نسائية جماهيرية ديمقراطية تقدمية ومستقلة"، كما تميز هذا القطاع في مشروعه بطرحه الوحدوي الطامح لضم كل الفعاليات النسائية بما فيها الأحزاب السياسية حتى تلك السابقة عليه تاريخيًّا[37].
خلال سنوات التسعينيات، عرفت نسبة تأسيس الجمعيات النسائية تطورًا ملحوظًا، كالجمعية الديمقراطية للنساء المغربيات و"اتحاد العمل النسائي" اللذين خرجا من رحم الأحزاب الشيوعية واليسار الجذري، ونساء أحزاب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وفي سنة 1991 نادت "جمعية العمل النسائي" بإصلاح المدونة[38]، ومن أجل تحقيق هذا الغرض قامت بجمع عدد غير متوقع من التوقيعات، حيث وصل إلى مليون توقيع. فكان رد الإسلاميين محكومًا بالرفض القاطع، بل أكثر من ذلك، تبنت جماعة دينية ما فكرة إباحة دم هؤلاء النسوة.
في خطاب للحسن الثاني بتاريخ 20 غشت 1992، قال الملك: "إن القوانين المراد إصلاحها مرتبطة بالنص الديني، ولم يستطع فعل شيء". وفي غشت من نفس السنة استقبل الملك مجموعة من النساء ممن كن وراء فكرة إصلاح المدونة ووعدهن الملك بالقيام بتعديلات قانونية، وفي سنة 1993 تم القيام بعدد من الإصلاحات مرتبطة بالخصوص بالطلاق وتعدد الزوجات[39].
في سنة 1998 تم تمويل مجموعة من الجمعيات النسائية من طرف البنك الدولي؛ وذلك بهدف وضع خطة تتكون من 200 إجراء في مجال التربية، التمويل الأصغر، الصحة والعناية بالجسد إلخ، وكذا تعديلات مرتبطة بالمدونة، مثل رفع سن الزواج بالنسبة إلى الفتيات وإلغاء الوالي الشرعي بالنسبة إلى الفتيات (النساء) البالغات، كما مست هذه الخطوط أيضا مسألة الطلاق واقتسام الممتلكات في حالة الفراق[40]. هذه الخطة لم تعط أكلها، والأكثر من ذلك كانت سببا في ظهور مجموعة من الإسلامويين الذي وصفوا النساء المدافعات عن الخطة بالإلحاد وبالتواطؤ مع الغرب والدفاع عن مصالحه.
في أواخر التسعينيات أعلن سعيد السعدي كاتب الدولة المكلف بالتنمية الاجتماعية خطة إدماج المرأة في التنمية سنة 1999 في ظل حكومة التناوب التي كان يرأسها عبد الرحمان اليوسفي، حيث شكلت هذه الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية قفزة نوعية في مطالب الحركة النسائية، حيث بدأت القضية النسائية تدخل محك السياسة الحكومية والبرلمانية. في سنة 2002، تم تبني قانون الانتخابات الذي يقضي بتخصيص نسبة من المقاعد البرلمانية للنساء، وبالفعل خصصت 30% من المقاعد للنساء، بهذا سيتم القطع مع نوع من التقاليد والذكورية.
ساعدت الأحداث العنيفة التي عرفتها مدينة الدار البيضاء في 16 مايو 2003 القصر الملكي على إعادة السيطرة على الشأن الديني ومراقبة حركات الإسلام السياسي، حيث قام الملك محمد السادس في إطار هذا السياق بتغيير مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة[41]، ولأول مرة أحدثت تغييرات كبيرة بهدف الدفاع عن حقوق المرأة التي كانت مغيبة بسبب طغيان هيمنة الرجل على المشهد السياسي.
وبإصدار هذه المدونة والمصادقة على بنودها، جنت الحركة النسائية ثمار نضال دام سنوات من المخاض الصعب والمؤلم، وحققت مكسبًا مهمًّا على صعيد النصوص القانونية. وعلى إثر هذا القانون أصبحت القضية النسائية جزءا رئيسا في النقاشات السياسية والحكومية، وتولدت إرادة فعالة لإشراك المرأة في مركز صنع القرار وتقرير المصير. ولأول مرة أصبحت قضية النوع الاجتماعي تناقش في الحلبة السياسية بعيدا عن الدين، هذا وقد انتقلت الحركة النسائية على إثر هذا المكسب من الخاص إلى العام؛ أي السياسي، وبذلك أبانت عن قدراتها في شغل مراكز القرار في الدولة.
في انتخابات 2007 تمكنت النساء من غزو الحقل السياسي الذي لطالما ظل حكرًا على الرجل، حيث فازت بسبع حقائب وزارية في ظل حكومة علال الفاسي، كما نالت النسوة أيضا حظا ليس باليسير في المؤسسة التشريعية (البرلمان) على إثر نظام الكوطا[42]، حيث ارتفعت نسبة النساء المشاركات من مقعدين سنة 1997 إلى 34 مقعدا سنة 2007.
ويبقى من بين أهم الإنجازات الكبرى التي حققتها الحركة النسائية المغربية ضمن نضالاتها هو جعل مدونة الأسرة قانونا ضمن سائر القوانين الوضعية الأخرى من اختصاص المؤسسة التشريعية. كما أن الحركة النسائية بالمغرب شكلت الجبهة الأكثر استماتة في مواجهة الإسلام السياسي، وقد كشفت التجربة المغربية أنه خلال مداولات اللجان البرلمانية حول مشاريع ومقترحات القوانين، لم يحضر أعضاء الإسلام السياسي بكثافة إلا حين يتعلق الأمر بالمواضيع ذات العلاقة بالحريات الفردية والمساواة الجنسية بهدف إشهار فيتو الشريعة في الوقت المناسب، لكنهم أيضا سرعان ما كانوا يتوقفون عن نقد القانون عندما يصبح القانون ساريا، فينتظرون المعركة القادمة دون تقديم أي بديل[43].
مع مجيء الربيع العربي سنة 2011 طرحت تحديات جديدة أمام الحركة النسائية المغربية، خاصة وأن التيارات المتبنية "لحركة 20 فبراير" الشبابي لم يكن في مطالبها التأسيسية أي جانب يخص المساواة أو التمييز على أساس الجنس. مما أثار تخوف الحركة من إجهاض للحقوق الإنسانية للمرأة المكتسبة، وبالتالي تراجع إنجازاتها. ومع التحاق تيار العدل والإحسان المعارض البارز لإصلاح مدونة الأحوال الشخصية وهيمنته على حركة 20 فبراير، تصاعدت حدة الصراع بينهما، مما أدى إلى عدم إشراك الحركة النسائية في النضالات الشبابية، رغم بروز بعض الناشطات في الحراك. وأصبح الأمر أكثر تشنجا في ظل وصول التيار الإسلامي إلى الحكم وما يشكله ذلك من تهديد للمكتسبات الحقوقية ومن تقييد للحريات الفردية، فمن بين أهم القضايا الأساسية التي تمحورت حولها النقاشات السياسية النسائية في ظل الحراك الاجتماعي الذي عرفه المغرب في 2011 وما ترتب عنه من إصلاحات دستورية[44]، تلك المرتبطة بالعلاقة بين النسائية والديمقراطية، والحداثة والعلمانية وكذا الدفاع عن الحريات الفردية[45].
هكذا، نستطيع القول إنه على الرغم من هذا التاريخ الجاد والمثقل بالنضال للحركة النسائية المغربية، وكل التجاذبات التي عرفتها منذ مرحلة الاستعمار إلى الآن، فإن واقع النضال النسائي بالمغرب ما يزال دون المستوى المطلوب، وما يزال حضور الحركة النسائية غير قادر على أن يفرض نفسه في كافة المجالات ولا سيما المجال السياسي؛ وذلك بالرغم من الجهود المبذولة من طرف الفاعلات والفاعلين، وبالرغم من المساحات التي فتحتها الدولة أمام هذه الحركة. لكن ما زاد الأمر تعقيدا في نظرنا هو تنامي المد الأصولي المتشدد الذي يمارس، كثيرا ضغوطات ومضايقات على عمل ومطالب الحركة النسائية التي من مطالبها الأساس بناء مجتمع المساواة والحداثة، فهو يدعو إلى مجتمع مناقض تماما لها.
خاتمة:
تشهد الحركة النسائية العربية، ولا سيّما في المغرب العربي وبالأخص في المغرب، تحولات جذرية منذ بداية القرن الحادي والعشرين، أسهمت في تحسين أوضاع المرأة في مختلف المجالات. ورغم الإنجازات التي تحققت، لا تزال تحديات كبيرة تعيق تحقيق المساواة الكاملة بين النساء والرجال. وقد تميّزت هذه الفترة بتمرد الحركة النسائية على تبعيتها للأحزاب السياسية التقليدية، وسعيها نحو الاستقلال في خطابها ونضالها.
برز في هذا السياق، تصادم واضح بين الحركة النسائية ومكوّنات إسلاموية ترفض الحداثة والعِلمانية وتعتبرهما مفاهيم غربية لا تتناسب مع خصوصيات المجتمعات الإسلامية، إلا أن النساء الناشطات استمررن في مقاومة هذه الأفكار التقليدية، مطالبات بحق المرأة في مكانة عادلة ضمن مجتمع ديمقراطي حداثي عِلماني. ويستلزم الواقع الراهن للحركة النسائية المغربية والعربية دخول مرحلة جديدة من النضال، تواكب تحديات غير مسبوقة تسعى من خلالها إلى نهضة نسائية حقيقية ترتكز على أسس الديمقراطية، والحداثة، والعِلمانية، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
هكذا، رغم ما حققته الحركة النسائية من مكاسب واضحة، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة جذرية مرتبطة بالبنى الدينية، والثقافية، والسياسية السائدة في المجتمعات العربية. وهذه التحديات تقتضي استمرار النضال الدؤوب لتحقيق حقوق النساء والمساواة الحقيقية، خصوصًا في المجال السياسي، من خلال تمكين النساء من الوصول إلى مراكز صنع القرار السياسي، والمشاركة الفاعلة في العملية السياسية.
المراجع المعتمدة:
*- باللغة العربية:
- دور المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال والوحدة، ندوة علمية، نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين،2000.
- عريب زبيدة، واقع الحركة النسوية في المغرب، مجلة أفكار، عدد 16 مايو 2017.
- الفاسي علال، النقد الذاتي، نشر المندوبية السامية لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير، الطبعة التاسعة.
- الفاسي مليكة، خطاب باحثة الحاضرة، جريدة العلم السنة الأولى، العدد 60، 20 نونبر، 1946.
- ايخيش نجاة، تاريخ الحركة النسائية بالمغرب، مجلة أمل، العدد 39-40، 2012.
- بنعدادة اسماء، المرأة والسياسة، دراسة سوسيولوجية للقطاعات النسائية الحزبية، ط 1، الرباط: الناشر المعهد الجامعي للبحث العلمي سلسلة أطروحات، 2007، ص 112-11.
- المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال والوحدة، تراجم عن حياة المرأة المقاومة، الجزء الثالث، نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين، 2009.
- بورخيص فوزي، المرأة في خطاب العلوم الاجتماعية، من متغير الجنس إلى سؤال النوع، المغرب: افريقيا الشرق، 2016.
- السعودي ثورية، الحركة النسائية بالمغرب 1944-2014، جمعية الأمل للتنمية المستدامة، ط 1، تطوان: الخليج العربي، 2017.
- جنجار محمد الصغير، الحداثة كتربة، وأفق للحركة النسوية، مجلة النهضة، العددان 3و4، خريف 2012، ريع 2013.
- بنونة خناثة، الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، المجموعات القصصية منشورات وزارة الثقافة، ذكر السنة.
- النيفر رشيدة، الحركة النسوية في تونس، المعادلة بين حقوق المرأة والديمقراطية، ط 1، تطوان: نشر اتحاد العمل النسائي فرع تطوان،2017.
- المرنيسي فاطمة، ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية، ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل، ط 4، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2005.
- حافظ فاطمة، الحركات النسائية الغربية، النشأة والتطور، 2010، في:http://almultaka.org/site.php?id=725&idC=4&idSC=17 ;،
*- باللغة الأجنبية:
- ALISON BAKER, Voices of Resistance: Oral Histories of Moroccan Women. Albany, State University of New York Press, 1998.
- Belarbi Aicha, Egalité-Parité, Histoire Inachevée, Casablanca, le Fennec, 2010.
- BRUNO CALLIES DE SALIE, POUL BALTA, Le Maghreb en mutation: entre tradition et modernité, Paris, Maisonneuve et Larose, 1999.
- CHRISTIANE VEAUVY, MARGUERITE ROLLINDE, MIREILLE AZZOUG, Les femmes entre violences et stratégies de liberté: Maghreb et Europe du Sud, Paris, Ed. Bouchene, 2004.
- DAOUD ZAKIA, Féminisme et politique au Maghreb, Casablanca, Editions Eddif, 1993.
- DOMINIQUE LAGARDE, « La femme égale de l’homme », Article paru dans l’express, Paris, Le 11 décembre, 2003.
- ILHEM MARZOUK, Le mouvement des femmes en Tunisie au 20e siècle: féminisme et politique, Paris, Maisonneuve et Larose, 1994.
- ISABEL TAOBADA LEONETTI, Les femmes et L’Islam: entre modernité et intégrisme, Paris, L’harmattan, 2004.
- La Moudawana ou Code du Statut Personnel marocain est le droit de la famille marocain.
- LAMCHICHI ABDERRAHIM, Femmes et Islam: l’impératif universel d’égalité, Paris, L’harmattan, 2006.
- MARIE CHATRY-KOMAREK, MARGOT BADRAN, SLVAI BARACH FISHM, Existe-t-il un féminisme musulman ? Paris, L’harmattan, 2007.
- MARVINE HOWE, Morocco: The Islamist Awakening and Other Challenges. New York: Oxford University Press, 2005.
- MICHEL CAMAU, VINCENT GUESSER et Habib BOURGUIBA, La trace et l’héritage, Paris, Ed. Karthala, 2004.
- Mocbill, Ahmed Saeed Ahmed. "The History of Feminism in the Arab World." Journal of Social Studies, Vol. 28, Issue 4, December 2022, accessed on, 26/2/2025, at: https://www.researchgate.net/publication/368670389_The_History_of_Feminism_in_the_Arab_World
- RHOUNI RAJA, Secular and Islamic Feminist Critiques in the Work of Fatima Mernissi. Leiden: Brill, 2010.
- SOPHIE BESSIS, « Le féminisme institutionnel en Tunisie », Revue Clio, N° 9, 1999.
[1]- يطرح إشكال لغوي بين مصطلح النسائية أم النسوية، هذا الأخير هو اصطلاح مشرقي، بمعني تستعمله المجتمعات المشرقية لكن في مقابل ذلك نجد مصطلح النسائية، وهو الأكثر استعمالا في دول الغرب، حيث نشأة المفهوم وتطوره، فكان يطلق على كل الحركات المطالبة بحقوق المرأة، لكن نجد "مارجو بدران" تميز بين مصطلحي "النسوية" و"النسائية" في أن الأول يقاوم النظام الأبوي ويرفضه، ويسعى إلى الحصول على حقوق المرأة وتحقيق المساواة والتخلص من هذا النظام. بينما الثاني (النسائية) يطالب بحقوق المرأة، وينادي بالمساواة لكنه لا يقاوم النظام الأبوي، وقد يوجد منهم من يؤيده ويقبله، أو على الأقل لا يرفضه. هذا التمييز يبقى عرضيا من وجهة نظرنا ولا يعبر عن المعنى الحقيقي والفعلي للحركة النسائية أو النسوية فالمصطلحان يهدفان إلى غاية واحدة، وهي القضاء على جميع أشكال القهر المتصل بالنوع الاجتماعي ومن ثم بناء مجتمع مساواتي.
[2]- بورخيص فوزي، المرأة في خطاب العلوم الاجتماعية، من متغير الجنس إلى سؤال النوع، المغرب: إفريقيا الشرق، 2016، ص138
[3]- Ahmed Saeed Ahmed Mocbil, The History of Feminism in the Arab World, accessed on, 19/2/2025, at: file:///C:/Users/hp/Downloads/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB+%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3%20(3).pdf
[4]- نشير هنا إلى أن بداية تحرير المرأة العربية بدأت مع النساء وليس فقط الرجال، نذكر على سبيل المثال الأميرة نازلي كانت تتحدث أربع لغات، وهي التركية والعربية والفرنسية ثم الإنجليزية، والدها كان يملك مكتبة كبيرة جدا، فيها أنشأت صالونا كان يرتاده الرجال كما النساء حيث كانت تعودهم على الدفاع عن تحرير المرأة. وفي سنة 1892 أسست هند نوفل مجلة اسمها "مجلة الفتاة"، تلتها في سنة 1896 عائشة تايمورية التي طالبت بتحرير المرأة المسلمة، الأمر الذي أدى إلى نشأة حركة أدبية قادتها ملك حفني ناصف ما بين 1886 و1918، وهذا يدل على أن النساء كن حاضرات منذ البداية في الدفاع عن قضيتهن.
[5]- فاطمة حافظ، الحركات النسائية الغربية، النشأة والتطور، 2010، في:http://almultaka.org/site.php?id=725&idC=4&idSC=17 ;، تاريخ الاطلاع:12/11/2025
[6] - المرجع نفسه.
[7] - Ahmed Saeed Ahmed, Mocbill. "The History of Feminism in the Arab World." Op, cit.
[8] - المرجع نفسه.
[9]- يُعد مفهوم النسوية الإسلامية مفهوماً حديثاً، إذا ما قورن بالنسوية بشكل عام. وترجع بدايات ظهوره إلى تسعينيات القرن العشرين لدى عدد من الباحثات المسلمات من أمثال: أفصانة نجم أبادي، ونيرة توحيدي، وزيبا مير حسيني، وعلى يد العديد من النساء والرجال في صحيفة زنان، صحيفة طهران النسائية، التي أسسها "شهلا شركت" في 1992، التي ترى أن حل مشكلة المرأة يمكن في تطوير أربعة مجالات: الدين، والثقافة، والقانون، والتعليم. ومن أهم الكتب والمقالات التي تناولت النسوية الإسلامية، كتاب فهمي جدعان «خارج السرب: بحثٌ في النسوية الإسلامية المبكرة والرافضة"، وكتاب الباحثة السعودية مي يماني، في كتابها "الإسلام والنسوية"، واستخدمته نيلويفر غويله في كتابها "الحداثة الممنوعة".
[10]- MARIE CHATRY-KOMAREK, MARGOT BADRAN, SLVAI BARACH FISHM, Existe-t-il un féminisme musulman? Paris, L’harmattan, 2007, P 43.
[11]- ISABEL TAOBADA LEONETTI, Les femmes et L’Islam: entre modernité et intégrisme, Paris, L’harmattan, 2004. P 102.
[12]- ILHEM MARZOUK, Le mouvement des femmes en Tunisie au 20e siècle: féminisme et politique, Paris, Maisonneuve et Larose, 1994, P 162.
[13]- MICHEL CAMAU, VINCENT GUESSER et Habib BOURGUIBA, La trace et l’héritage, Paris, Ed. Karthala, 2004. P 109.
[14]- رشيدة النيفر، الحركة النسوية في تونس، المعادلة بين حقوق المرأة والديمقراطية، ط 1، تطوان: نشر اتحاد العمل النسائي فرع تطوان، 2017، ص 7.
[15]- SOPHIE BESSIS, « Le féminisme institutionnel en Tunisie », Revue Clio, N° 9, 1999. P 19.
[16]- CHRISTIANE VEAUVY, MARGUERITE ROLLINDE, MIREILLE AZZOUG, Les femmes entre violences et stratégies de liberté: Maghreb et Europe du Sud, Paris, Ed. Bouchene, 2004, P 351.
[17]- رشيدة النيفر، الحركة النسوية في تونس، مرجع سابق، ص ص 7 -8
[18]- المرجع نفسه، ص 10.
[19]- دور المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال والوحدة، ندوة علمية، نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين، 2000.
[20]- ملكة الفاسي، كلمة السيدة باحثة الحاضرة، المجاهدة المرحومة للامليكة الفاسي علم من أعلام الحركة الوطنية والتحررية، نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، 2000، ص 74.
[21]- MARVINE HOWE, Morocco: The Islamist Awakening and Other Challenges. New York: Oxford University Press, 2005. P 147.
[22]- مثل مليكة الفاسي، وأمينة ألوح وزهور لزرق ثم زهور الصقلي.
[23]- فاطمة المرنيسي، ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية، ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل، ط 4، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2005، ص 174.
[24]- مليكة الفاسي، خطاب باحثة الحاضرة، جريدة العلم السنة الأولى، العدد 60، 20 نونبر، 1946.
[25]- ALISON BAKER,Voices of Resistance: Oral Histories of Moroccan Women. Albany, State University of New York Press, 1998. P 63.
[26]- علال الفاسي، النقد الذاتي، نشر المندوبية السامية لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير، الطبعة التاسعة، ص303.
[27]- RAJA RHOUNI,Secular and Islamic Feminist Critiques in the Work of Fatima Mernissi. Leiden: Brill, 2010. P 166-167.
[28]- ZAKIA DAOUD, Féminisme et politique au Maghreb, Casablanca, Editions Eddif, 1993. P 256.
[29]- خناثة بنونة، الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، المجموعات القصصية منشورات وزارة الثقافة، ذكر السنة، ص25.
[30]- جنجار محمد الصغير، الحداثة كتربة، وأفق للحركة النسوية، مجلة النهضة، العددان 3و4، خريف 2012، ريع 2013، ص66.
[31]- المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال والوحدة، تراجم عن حياة المرأة المقاومة، الجزء الثالث، نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين، 2009، ص 45.
[32]- هذا التاريخ فيه اختلاف بين الباحثين، حيث نجد فاطمة الصديقي تحدده في سنة 1946 بينما نجاة ايخيش وثورية السعودي في سنة 1947، في حين نجد عبر الصمد الديالمي في كتابه "الحركة النسائية بالمغرب" يحدده في سنة 1948.
[33]- Zakia Daoud, Féminisme et politique au Maghreb, op.cit, P 248.
[34]- نجاة ايخيش، تاريخ الحركة النسائية بالمغرب، مجلة أمل، العدد 39-40، 2012، ص10.
[35]- Aicha Belarbi, Egalité-Parité, Histoire Inachevée, Casablanca, le Fennec, 2010. P 62.
[36]- ثورية السعودي، الحركة النسائية بالمغرب 1944-2014، جمعية الأمل للتنمية المستدامة، ط 1، تطوان: الخليج العربي، 2017، ص 106.
[37]- اسماء بنعدادة، المرأة والسياسة، دراسة سوسيولوجية للقطاعات النسائية الحزبية، ط 1، الرباط: الناشر المعهد الجامعي للبحث العلمي سلسلة أطروحات، 2007، ص 112-11.
[38]- La Moudawana ou Code du Statut Personnel marocain est le droit de la famille marocain.
[39]-BRUNO CALLIES DE SALIE, POUL BALTA, Le Maghreb en mutation: entre tradition et modernité, Paris, Maisonneuve et Larose, 1999, P 187.
[40]- DOMINIQUE LAGARDE, « La femme égale de l’homme », Article paru dans l’express, Paris, Le 11 décembre, 2003.
[41]- ABDERRAHIM LAMCHICHI, Femmes et Islam: l’impératif universel d’égalité, Paris, L’harmattan, 2006, P 159.
[42]- إجراء يهدف إلى تحسين التمثيلية السياسية للمرأة في علاقتها بولوج البرلمان، فهو نظام يفرض حصصا معينة للمرأة في المجالس التشريعية.
[43]- زبيدة عريب، واقع الحركة النسوية في المغرب، مجلة أفكار، عدد 16 ماي 2017، ص 47.
[44]- المرجع نفسه، ص 48.
[45]- إن مشكلة الحريات الفردية عند الاسلامويين تعود بالأساس إلى طريقة نشأة الدولة الحديثة ببلاد المسلمين، حيث إن الأسس التي قامت عليها، ليست أسسا نابعة من التربة الملحية، بل اعتبرت أسسا أجنبية مما جعل الناس يصعب عليهم جني ثمرات الحداثة وهضمها، وأدى هذا إلى مشكل كبير هو عدم الاعتراف بالفرد، لأن أساس الحريات الفردية هو الاعتراف بالفرد كإنسان خلاق ومبدع وكصاحب مبادرة وككائن قادر على التفكير وعلى أن يقوم بتدبير مجاله وأن يختار نمط حياته، وهذا غير مقبول عند التيار الإسلاموي، والسبب الرئيس هو أن المنظومة الفكرية الثقافية لهذا التيار أو الجماعة لا تعترف بالفرد، بل تنظر إلى الناس كجماعة دينية منسجمة، وكل من لا ينسجم مع الجماعة يعتبر على هامشها أو ينبذ، وقد يصل الأمر إلى حد القتل في حال كان الفرد ينتمي في الأصل إلى الجماعة، ثم قرر أن يخرج عن نسقها، آنذاك يعتبر مرتدا فيقتل. إن معضلة الاسلامويين تكمن في كونهم عاجزين عن استيعاب الفردانية والحريات الفردية في إطار الدولة الحديثة، والدولة الحديثة تتطلب أن يكون هناك مجتمع من أفراد يخضعون للقانون ويتساوون أمامه. من هنا يمكن تعريف مفهوم الحريات الفردية بكونه حق الفرد في اختيار نمط حياته: حرية الإبداع الجمالي، حرية اللباس، حرية التصرف في الجسد حرية الأكل والشرب، ثم حرية الاعتقاد والتي هي أم الحريات الفردية وهي حرية المعتقد؛ أي حق الفرد أن يختار الدين الذي يراه مناسبا له ويستجيب لحاجاته الروحية والمادية. وهذا غير مقبول بالنسبة إلى التيار الإسلاموي.






