الإعلام الديني والتحوّلات الدينيّة في العالم العربي: قراءة في كتاب "الدين والإعلام: في سوسيولوجيا التحوّلات الدينيّة" لرشيد جرموني


فئة :  قراءات في كتب

الإعلام الديني والتحوّلات الدينيّة في العالم العربي:  قراءة في كتاب "الدين والإعلام: في سوسيولوجيا التحوّلات الدينيّة" لرشيد جرموني

التأمل في مجمل التجارب السوسيو- تاريخية التي مرت بها علاقة الدين بهذه المجتمعات [العربية والإسلامية]، يؤكد أنّه وقعت تحوّلات وتغيّرات وانزياحات كثيرة ومتعددة؛ فالدين رغم أنّه بقي محافظاً على مكانته في البنيات الثقافية للمجتمع، فإنّ طريقة تمثّله وممارسته ومعايشته تقلّبت عبر ممارسات معقدة جدّاً في الآن نفسه، أو ما يمكن أنْ نطلق عليه «إعادة تعريف الدين في العالم المعاصر ((The Redefining of The Relegious»[1]».

صدر مؤخّراً للباحث المغربي في سوسيولوجيا الأديان رشيد جرموني، عن دار الفيصل الثقافية السعودية -الكتاب 48 من مجلة الفيصل العددان (511- 512)- كتاب في 123 صفحة من الحجم المتوسط موسوم بـ: «الدين والإعلام.. في سوسيولوجيا التحوّلات الدينيّة»، وذلك في شهري مايو- يونيو 2019. استهلّ الباحث كتابه هذا بمدخل عامّ يتكون مِن 29 صفحة، يحمل عنوان "الأديان في العالم المعاصر.. قراءة في المشهد الديني بمنطقة العالم العربي- الإسلامي"، خصّصه للتقعيد والتأطير النظري للبحث.

انطلاقاً مِن استشكال عام يتعلّق بجدلية إزالة السحر عن العالم وعودته، وهي الجدلية التي تحدِّد بصيغة أو بأخرى، إشكاليات الممارسات الدينية وتحولاتها في المجتمعات الحديثة والمعاصرة، يدعونا صاحب الكتاب إلى الامتعاض عن البراديغم الأول: إزالة السحر عن العالم أو أفول الدين، لصالح الثاني: عودة السحر إلى العالم أو عودة الدين. لكن دون أنْ يحيلنا ذلك إلى أيّة قطيعة جذرية ومطلقة فيما بينهما، بقدر ما يحيل إلى نوع من التركيب والتوليف والمزج بينهما: بين الدين والعلمانية، مروراً مِن رصد بعض مظاهر التحول الديني بالعالم المعاصر عموماً، وبالعالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص، منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي إلى اليوم، من خلال رصد وتحليل مختلف الطروحات والمواقف للعديد من المفكرين والباحثين في هذا الشأن، على ضوء الجدلية الآنفة الذكر. وصولاً إلى رسم معالم الدراسة ومحاورها الكبرى.

يضم الكتاب بين دفتيه خمسة فصول أساسية، وخاتمة، بالإضافة إلى المقدمة السالفة الذكر.

أما الفصل الأول المعنون بـ: «الإعلام الديني المفهوم والسياق»، فهو يمتد على محورين مركزييْن:

أولاً: وقفة مع السياق العام لبروز الإعلام الديني

ثانياً: مفهوم الإعلام الديني: الجذور والانتشار

وأما الفصل الثاني الموسوم بـ: «الإعلام الديني وسوق الاستهلاك الرمزي: الفضائيات نموذجاً»، فإنّه يتكون من محورين:

أوّلاً: القنوات الفضائية الدينية (قراءة في المعطيات والنتائج)

ثانياً: القنوات الفضائية المفضّلة عند الشباب (قراءة في نتائج البحث الميداني)

جاء الفصل الثالث بعنوان: «الدعاة الجدد، وموجة التديّن الفردي»، في محوريْن:

أوّلاً: الدعاة الجدد: المفهوم والظاهرة نحو مقترب تفسيري «مطابق»

ثانياً: الشباب والدعاة الجدد (قراءة في النتائج)

يحمل الفصل الرابع عنوان: «الإنترنيت والتدين جدل الواقعي والافتراضي»، وفيه ثلاثة محاور:

أولاً: في التأسيس لعلاقة الإنترنيت بالتدين

ثانياً: الإنترنيت والشباب: قراءة في نتائج التقرير العربي حول استعمالات الشباب للإنترنيت

ثالثاً: الدين والإنترنيت جدلية الافتراضي بالواقعي

وأما الفصل الخامس والأخير الموسوم بـ: «الإعلام و"سوق" الفتوى»، فيشتمل على ثلاثة محاور:

أولاً: مكانة الفتوى والتحولات التي عرفتها في المجتمعات المسلمة المعاصرة

ثانياً: صناعة الفتوى بين المأسسة والشخصنة

ثالثاً: عناصر التحول في صناعة الفتوى والإفتاء والمفتين

وفي الأخير خاتمة بعنوان: «خلاصات وآفاق للتساؤل والحوار والاستشراف».

جاء الكتاب في سياق عربي متبدِّل ومتقلِّب، على جميع الأصعدة والمستويات، الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية... إلخ. لكن تبقى التحوّلات الدينية التي يجعل منها المؤلَّف موضوعاً له، أبرز هذه التحوّلات وأكثرها تعقيداً، وهي تحولات، تعبّر عن السيرورة الراهنيّة للدين -الإسلام- ومآلاته في المنطقة العربية باختلاف أقطارها، في المشارق والمغارب. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية تعبر عن علاقة هذه السيرورة بسيرورات دينية عالمية، باعتبارها جزءا لا يتجزّأ من هذه التحوّلات. خاصة في العصر الذي نعيشه، من عولمة الاقتصاد المتوحشة إلى ما يسمّى بالثورة الرابعة بما هي ثورة تكنولوجية بالأساس، وما نتج عن ذلك من تحوّلات قد تبدو جذرية وبنيوية في المشهد الديني عامة، وفي المشهد الديني عندنا بخاصة.

في نفس السياق، نقرأ للباحث مِن الدراسة المعنيّة: »المشهد الديني بالمنطقة العربية، والذي يبدو مركّباً جدّاً وشديد التعقيد، جرّاء التحوّلات التي عرفتها المنطقة، وأيضاً بالنظر إلى التحولات التي عرفها الحامل الديني/ التديني، وكيفية التفاعل معه من خلال التجارب الإنسانية التاريخية، ويمكن القول: إننا بحكم وجود عنصر التثاقف بين الشعوب، فإنّ تدفقات المعلومات والقيم والرموز والصور وما إلى ذلك، تؤثر في كلّ الأنساق، بما فيها الأديان. وقد تلقت المجتمعات الإسلامية هذه التدفقات بأبهى صورها وتجلياتها. من جهة أخرى، مثَّلتْ هذه التجربة جواباً مهمًّا عن علاقة الديني بالعلماني في السياق العربي الإسلامي، وأظهرت مدى صمود مقولة «إعادة السحر للعالم««[2].

تحوّلات، لعب ويلعب فيها الإعلام بآلياته وأشكاله المتعددة بتعدد العصور، دوراً حيوياً. من الجرائد والمجلات الورقية، الصور والفيديو، الراديو والتلفزيون... إلى الوسائط الإعلامية الجديدة المتعلقة بعالم الإنترنيت أو ما ينعت عادة بالعالم الافتراضي. هذا هو صلب الموضوع، وهذه هي الإشكالية العامة التي يتناولها الباحث بالدراسة والتحليل: الإعلام والتحولات الدينية في العالم العربي: أية علاقة؟ أو بالأحرى ما هو الدور الذي لعبته وتلعبه وسائل الإعلام عندنا في تحولات الممارسة الدينية بمجتمعاتنا العربية؟ أو لنقل: ما دور ما يسمى بـ »الإعلام الديني»، في هذه التحولات؟ هذه هي الأسئلة والإشكاليات التي يحاول باحثنا الإجابة عنها، في الدراسة التي تقع بين يديْنا.

للإجابة عن هذا السؤال، أو بالأحرى هذه الأسئلة الاستشكالية، يسوق لنا صاحب الكتاب، كما هو مبيَّن من خلال عناوين الفصول والمحاور السالفة الذكر، عدة نماذج استشكالية، يمكن تحديدها في أربعة: الفضائيات الدينية وسوق الاستهلاك، فعلاقة الدعاة الجدد ببروز التدين الفردي، ثم جدلية الواقعي والافتراضي في علاقة الأنترنيت بالتدين، وفي الأخير علاقة الإعلام بسوق الفتوى؛ هي محاور أو نماذج إشكالية، يحاول فيها صاحب الكتاب، أنْ يلامس الإشكالية العامة لكتابه هذا، مِن خلال رصد العديد مِن المعطيات بهذا الشأن، مِن إحصاءات وتقارير ودراسات...، وتحليلها تحليلاً يراد له أنْ يكون سوسيولوجياً أو هكذا تم تقديمه: من داخل سوسيولوجيا الأديان، أو لنقل من داخل سوسيولوجيا التحولات الدينية كما هو مُبَيَّن في العنوان الفرعي للكتاب ذاته: «في سوسيولوجيا التحوّلات الدينيّة».

إنّ العالم العربي في تغيّر مستمر. لم يعد اليوم مقبولاً الحديث عن العالم العربي والإسلامي كجزيرة معزولة، والفضل في ذلك يعود إلى جملة من المحددات والشروط المتشابكة. آخرها تطور وسائل الإعلام، خاصة في سياق ما ينعت بالثورة الرابعة، بوصفها ثورة تكنولوجية في المقام الأول. ومن هذا المنطلق، فمنذ الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، مروراً بالثمانينيات والتسعينيات من نفس القرن، وصولاً إلى الألفية الثالثة، إلى اليوم... عرفت الممارسات الدينية تحولات جذرية في مختلف أرجاء العالم، بما في ذلك العالم العربي الإسلامي.

على الرغم من حركة العولمة الشاملة في أرجاء المعمورة، التي اخترقت مجمل المجالات ومختلف السياقات والمستويات، فإنّ هناك تصاعدا مريبا للكثير من النزعات الدينية تدافع بشكل مستميت عن كيانات هوية مستقلة (كحركات الإسلام السياسي المتطرفة، والجماعات الإسلامية المتطرفة التي تنادي بدولة الخلافة، وغيرها...)، تتعامل مع العولمة كإيديولوجيا لإرادة القوة أو إرادة الهيمنة، أو تتعامل معها على أساس صراع ديني- سياسي بين العالم الإسلامي (كما تقدمه) والعالم اللّا إسلامي (الغرب المسيحي). إنها مفارقة المعاصرة: بين الوحدة والتعدد.

يحق لنا هاهنا والحالة هذه أنْ نتساءل، على ضوء الدراسة المعنية، عن طبيعة هذه التحولات وتجلياتها، التي مسّت وتخلّلت الكيانات الدينية في مختلف الأقطار العربية، والتي يمكن عرضها كالآتي:

- نزع القداسة عن المؤسسات الدينية، الرسمية منها وغير الرسمية

- تنسيب الممارسة الدينية، بالانفتاح على مقومات العصر: من المطلق إلى النسبي

- ظهور أنماط جديدة من التدين: الانتقال من التدين الجماعي إلى التدين الفردي

- بروز النزعة الاستهلاكية للدين: تسليع الدين الإسلامي وتسويقه

وغيرها من التحوّلات البنيوية منها وغير البنيوية، التي ساهمت بشكل أو بآخر في تنويع الحياة الدينية لمجتمعاتنا العربية وتعددها، بل ساهمت في تعقيدها وتشبيكها، في تقلُّبها وتصدُّعها: «إنّ الواقع الموضوعي للمنطقة، بيّن كيف أصبح المشهد الديني متعدّداً جدّاً، ومفتوحاً على كل التلاوين الجديدة، التي لا تقطع مع القديم، بقدر ما تُعيد تعريفه وفق تجارب خاصة ومخصوصة. ولهذا، فإنّ أهم الملامح التي برزت في هذه الخريطة الدينية، هي وجود عدة أنماط من التدين، لعل من بينها ما سمّيناه... «التديّن الفردي» أو من خلال مفهوم «السوق الدينيّة» أو حتى من خلال تجريد المؤسسات الدينية الرسمية أو غيرها (حركات الإسلام السياسي) من طابعها المقدّس. وكلّ ذلك أفرز مشهداً دينياً متقلّباً جدّاً»[3].

يمكن إرجاع تلك المظاهر والتجليات، من تصدُّع وتعقيد في الظاهرة الدينية والممارسة الدينية لمجتمعاتنا، حسب الباحث، إلى عدة عوامل متداخلة ومتشابكة ومتعالقة. يحدِّدها في ثلاثة عوامل أساسية:

- عامل سوسيو-سياسي؛

- عامل اقتصادي؛

- عامل فكري وفلسفي.

أما العامل الأوّل، فيتجلّى بشكل أساسي في تراجع حركات الإسلام السياسي، ويتمثل العامل الثاني في تبضيع وتسليع الدين كمنتوج استهلاكي موجه لسوق استهلاك دينية، وأما العامل الثالث، فيتجسّد في تحلُّل كل ما هو تقليدي مع بروز مفهوم «السيولة»، وما نتج عن ذلك من إزالة للحمولة الثقافية للدين. وغيرها من العوامل التي ساهمت، بصيغة أو بأخرى، في علاقة جدلية مع الإعلام الديني، في التحولات الدينية الآنفة الذكر.

على هذا الأساس، فإنّ رشيد جرموني، يدافع عن فرضية مفادها: لم يساهم الإعلام الديني أو الخطاب الإعلامي الديني، الذي يروج في مختلف القنوات الفضائية والإلكترونية وغيرها من المنابر الإعلامية، في خلق تديّن جماعي ومتماسك للمجتمعات المسلمة، بقدر ما خلق تديناً فردانيّاً وشكلانيّاً وشخصانيّاً، حيث كان لبروز النزعة الاستهلاكية الدينية دورٌ مركزيٌ في ذلك، والتي يعتبرها الباحث من بين أبرز الملامح التي أثّرت في طبيعة التدين في منطقتنا العربية والإسلامية: «لعلّ من بين الملامح الكبرى التي برزت في طبيعة التدين بالمنطقة، هو بروز النزعة الاستهلاكية الدينية، وذلك من خلال التخلي عن كل المرجعيات الكبرى، والنظرة الشمولية في التغيير والتأثير»[4].

لقد تمكَّن الإعلام الديني بالنسبة إلى الكاتب، سواء تعلق الأمر بالفضائيات الدينية وبرامجها، أم بالقنوات الإلكترونية والوسائط الإعلامية الجديدة المرتبطة بالأنترنيت، مِن تحرير الفاعلين الدينِيِين- الاجتماعيِين وتحرُّرهم مِن احتكار السلطة الدينية للمؤسسات الدينية، إذ أحدثوا بذلك شبه قطيعة في مجال إنتاج وإعادة إنتاج القيم الدينية، ما أحدث تحولات ثورية في الحقل الديني، وما نتج عنه من تعدد وتنوع في المرجعيات والمضامين القيمية الدينية. إنّ «ظهور الإعلام الديني، سواء في التجربة الغربية أو التجربة الإسلامية، كان نتيجة التحولات في العالم التقني والتكنولوجي. ولم يكن للمؤسسات الدينية في الغرب، أو حتى القطاع الخاص في العالم العربي -الذي يبحث عن الربح، وعن تسويق منتوجه الإيديولوجي- أنْ يبقى منعزلاً عن هذا التحول الكبير، بل سعى ليخلق لنفسه مجالات واسعة للتواصل والتأثير والهيمنة»[5].

هذا، ودون إغفال لظاهرة «الدعاة الجدد» التي يعتبرها صاحب الدراسة، عنواناً لتحوّل التديّن في مجتمعاتنا، من التدين الجماعي المُمَأْسَس، تقليدياً كان أم حديثاً، إلى تديّن فرداني مُنفلت من كلّ التقيِيدات.

دونما تجاهل للدور المركزي للإنترنيت في هذا المقام، فإنّ الاستعمالات الإنترنيت قد أدّت وتؤدّي، بوجه أو بآخر، إلى تدهور وتشظٍّ في القيم الدينية، بسبب غياب التأطير الديني المباشر من خلال المؤسسات الدينية. وعلى عكس مما هو متوقع، فإنّ الإنترنيت لم يؤدِّ إلى تغييب القيم الدينية، بقدر ما عمل على إحيائها عبر الوسائط الإعلامية الجديدة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الشبكات الاجتماعية مثلاً.

لكن، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى درجة مساهمة الإعلام الديني في إنتاج سوق للفتوى. لكن المفارق في هذا الأمر الأخير، هو حفاظ الفتوى على مكانتها وقدسيّتها كخطاب ديني ومرجع بالنسبة إلى الإنسان العربي- المسلم، رغم التحوّلات السالفة الذكر، دون أنْ يمنعنا ذلك من القول بوجود تغيّر في طبيعة الإفتاء وصناعته، شكلاً ومضموناً، حيث انتقل الإفتاء بدوره، مع الوسائط الإعلامية الجديدة، من المأسسة إلى الشخصنة، من المباشرة إلى الوساطة، من الواقعي إلى الافتراضي؛ فعلى غرار «الدعاة الجدد»، أصبحنا أمام «المفتون الجدد».

كلّ ذلك أفضى ويفضي باستمرار، في نهاية المطاف، إلى ممارسات دينية لا متجانسة، تروم إلى نوع من الترميق (Bricolage) بالمعنى الذي نجده عند الأنثروبولوجي الفرنسي ليفي ستراوس، بين الدين والعلمنة، بين التقليد وقيم الحداثة وما بعدها.

من خلال ما سبق، يبدو أنّ البحث تمكّن إلى حد ما من بلورة وصياغة إشكاليات وفرضيات يمكنها أنْ تفتح آفاقاً جديدة للسُّوسيولوجيِّيين والأنثروبولوجيِّين العرب وغير العرب، للدراسة اللّادينية للأديان، كما هو الشأن بالنسبة إلى سوسيولوجيا الأديان، أو بالنسبة إلى أنثروبولوجيا الأديان. لكن ذلك، لا يمنعنا من صياغة بعض الملاحظات والأسئلة من أجل توسيع النقاش في الإشكاليات المطروحة. يمكن تقديمها كالآتي:

1- لا ريب في كون تطور الإعلام لعب دوراً مركزياً في هذه التحولات، خاصة في المشهد الديني بشكل عام، وفي منطقتنا العربية بشكل خاص. إنّ هذه التحولات خلقت نقاشاً حامي الوطيس في مجالات فكرية وعلمية متعدّدة، من بينها السوسويولوجيا: بين مَن يقول بأطروحة «نزع السحر عن العالم» (بالمعنى الذي صاغة السوسيولوجي الألماني ماكس فيبر) بما هي أطروحة حداثية، ومَن يدعو إلى إعادة النظر في هذه الأطروحة على ضوء متغيِّرات العصر الذي نعيش فيه، ويقول بـ «عودة السحر إلى العالم» (محاولة التجاوز) بحسّ ما بعد حداثي. لكن السؤال هو: ما موقع العالم العربي من هذا الإشكال؟ هل حقق العالم العربي القطيعة مع الدين الإسلامي كنظرة إلى العالم وكنمط عيش ووجود، لكي يتصل به من جديد؟ صحيح أن هناك تحوّلات على مستوى الممارسة الدينية للمسلمين العرب وغير العرب، لكن السؤال الذي يطرح نفسه والحالة هذه هو: هل هذه التحولات، وضعت الدين موضع تساؤل مجتمعي، أو بصيغة أخرى: هل خلخلت مركزية الدين في المجتمع والسلطة، أم إن الأمر لا يغدو أكثر من تجديد تقنوي- تحديثي للدين وعصرنته، من خلال توظيف تقنيات العصر: من أجل الدين؟

2- هل مِن المشروعية الإبيستيمولوجية بمكان، إقامة تعميم قاتل من هذا القبيل، على كلّ المجتمعات العربية والمسلمة، ولاسيما أن الدراسة لا تغطي مختلف الأقطار العربية، باستثناء بعض المعطيات والإحصاءات العامة التي تتعلق بالفضائيات الدينية وغيرها، المستقاة من تقارير وإحصاءات ودراسات عامة أو قطرية..؟

3- إنّ السؤال الذي لم يُطْرَح في البحث هو: هل هذه التحولات، موحَّدة ومنطبقة بنفس الصورة، على المشهد الديني العربي برمّته، في المشارق والمغارب، بنفس الدرجة، أم إن هناك فروقات واختلافات حادّة بين الكيانات العربية، بل داخل الكيان العربي الواحد؟ هنا بالضبط تكمن الأصالة الأنثروبولوجية في دراسة الأديان.

[1] جرموني رشيد. (مايو- يونيو 2019) الدين والإعلام.. في سوسيولوجيا التحولات الدينية. الرياض: دار الفيصل الثقافية، كتيب مجلة الفيصل (العددان: 511- 512). ص. 11

[2] نفسه، ص. ص. 25-26

[3] نفسه، ص. 26

[4] نفسه، ص. 24

[5] نفسه، ص. 42